Prev  

4. Surah An-Nisâ' سورة النساء

  Next  



تفسير ابن كثير - النساء - An-Nisa -
 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
بِسْم ِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
    +/- -/+  
الأية
1
 
سورة النساء قال العوفي عن ابن عباس: نزلت سورة النساء بالمدينة. وكذا روى ابن مردويه عن عبدالله بن الزبير وزيد بن ثابت وروى من طريق عبدالله بن لهيعة عن أخيه عيسى عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت سورة النساء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا حبس } وقال الحاكم في مستدركه: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أبو البختري عبدالله بن محمد شاكر حدثنا محمد بن بشر العبدي حدثنا مسعر بن كدام عن معن بن عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود قال: إن في سورة النساء لخمس آيات ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها { إن الله لا يظلم مثقال ذرة } الآية و{ إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه } الآية و{ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } و{ ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك } الآية ثم قال: هذا إسناد صحيح إن كان عبدالرحمن سمع من أبيه فقد اختلف في ذلك. وقال عبدالرزاق أخبرنا معمر عن رجل عن ابن مسعود قال: خمس آيات من النساء لهن أحب إلى من الدنيا جميعا { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم } وقوله { وإن تك حسنة يضاعفها } وقوله { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } وقوله { ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما } رواه ابن جرير. ثم روى من طريق صالح المري عن قتادة عن ابن عباس قال: ثماني آيات نزلت في سورة النساء خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت أولهن { يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب الله عليكم والله عليم حكيم } والثانية { والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما } والثالثة { يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا } ثم ذكر قول ابن مسعود سواء يعني في الخمسة الباقية- وروى الحاكم من طريق أبي نعيم عن سفيان بن عيينة عن عبيدالله بن أبي يزيد عن ابن أبي مليكة سمعت ابن عباس يقول: سلوني عن سورة النساء فإني قرأت القرآن وأنا صغير ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. يقول تعالى آمرا خلقه بتقواه وهي عبادته وحده لا شريك له ومنبها لهم على قدرته التي خلقهم بهـا من نفس واحدة وهي آدم عليه السلام { وخلق منها زوجها } وهي حواء عليها السلام خلقت من ضلعه الأيسر من خلقه وهو نائم فاستيقظ فرآها فأعجبته فأنس إليها وأنست إليه. وقال أبن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا محمد بن مقاتل حدثنا وكيع عن أبي هلال عن قتادة عن ابن عباس قال: خلقت المرأة من الرجل فجعلت نهمتها في الرجل وخلق الرجل من الأرض لجعلت نهمته في الأرض فاحبسوا نساءكم. وفي الحديث الصحيح { إن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج } وقوله{ وبث منهما رجالا كثيرا ونساء } أي وذرأ منهما أي من آدم وحواء رجالا كثيرا ونساء ونشرهم في أقطار العالم على اختلاف أصنافهم وصفاتهم وألوانهم ولغاتهم ثم إليه بعد ذلك المعاد والمحشر. ثم قال تعالى { واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام } أي واتقوا الله بطاعتكم إياه قال إبراهيم ومجاهد والحسن { الذي تساءلون به } أي كما يقال أسألك بالله وبالرحم. وقال الضحاك: واتقوا الله الذي تعاقدون وتعاهدون به واتقوا الأرحام إن تقطعوها ولكن بروها وصلوها قاله ابن عباس وعكرمة ومجاهد والحسن والضحاك والربيع وغير واحد. وقرأ بعضهم { والأرحام } بالخفض على العطف على الضمير في به أي تساءلون بالله وبالأرحام كما قال مجاهد وغيره. وقوله { إن الله كان عليكم رقيبا } أي هو مراقب لجميع أحوالكم وأعمالكم كما قال { والله على كل شيء شهيد }. وفي الحديث الصحيح { اعبدالله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك } وهذا إرشاد وأمر بمراقبة الرقيب. ولهذا ذكر تعالى أن أصل الخلق من أب واحد وأم واحدة ليعطف بعضهم على بعض ويحثهم على ضعفائهم. وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث جرير بن عبدالله البجلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه أولئك النفر من مضر-. وهم مجتابو النمار أي من عريهم وفقرهم - قام فخطب الناس بعد صلاة الظهر فقال في خطبته{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة حتى ختم } الآية. ثم قال { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد } ثم حضهم على الصدقة فقال { تصدق رجل من ديناره من درهمه من صاع بره من صاع تمره }. وذكره تمام الحديث وهكذا رواه أحمد وأهل السنن عن ابن مسعود في خطبة الحاجة وفيها ثم يقرأ ثلاث آيات هذه منها { يا أيها الناس اتقوا ربكم } الآية.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا
    +/- -/+  
الأية
2
 
يأمر تعالى بدفع أموال اليتامى إليهم إذا بلغوا الحلم كاملة موفرة وينهى عن أكلها وضمها إلى أموالهم ولهذا قال { ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب } قال سفيان الثوري عن أبي صالح: لا تعجل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الرزق الحلال الذي قدر لك وقال سعيد بن جبير: لا تتبدلوا الحرام من أموال الناس بالحلال من أموالكم يقول: لا تبدلوا أموالكم الحلال وتأكلوا أموالهم الحرام وقال سعيد بن المسيب والزهري: لا تعط مهزولا وتأخذ سمينا. وقال إبراهيم النخعي والضحاك: لا تعط زيفا وتأخذ جيدا. وقال السدي: كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم ويجعل مكانها الشاة المهزولة ويقول: شاة بشاة ويأخذ الدرهم الجيد ويطرح مكانه الزيف يقول درهم بدرهم. وقوله { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم } قال مجاهد وسعيد بن جبير وابن سيرين ومقاتل بن حيان والسدي وسفيان بن حسين: أي لا تخلطوها فتأكلوها جميعا. وقوله { إنه كان حوبا كبيرا } قال ابن عباس: أي إثما عظيما. وروى ابن مردوية عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله { حوبا كبيرا } قال { إثما كبيرا { ولكن في إسناده محمد بن يوسف الكندي وهو ضعيف وروى هكذا عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وابن سيرين وقتادة ومقاتل بن حيان والضحاك وأبي مالك وزيد بن أسلم وأبي سنان مثل قول ابن عباس وفي الحديث المروي في سنن أبي داود { اغفر لنا حوبنا وخطايانا } وروى ابن مردويه بإسناده إلى واصل مولى عيينة عن ابن سيرين عن ابن عباس: أن أبا أيوب طلق امرأته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم { يا أبا أيوب إن طلاق أم أيوب كان حوبا { قال ابن سيرين: الحوب الأثم. ثم قال ابن مردويه: حدثنا عبدالباقي حدثنا بشر بن موسى حدثنا هودة بن خليفة حدثنا عوف عن أنس أن أبا أيوب أراد طلاق أم أيوب فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فقال { إن طلاق أم أيوب لحوب } فأمسكها ثم روى ابن مردويه والحاكم في مستدركه من حديث علي بن عاصم عن حميد الطويل سمعت أنس بن مالك أيضا يقول: أراد أبو طلحة أن يطلق أم سليم أمرأته فقال النبي صلى الله عليه وسلم { إن طلاق أم سليم لحوب } فكف. والمعنى: إن أكلكم أموالهم مع أموالكم إثم عظيم وخطأ كبير فاجتنبوه.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا
    +/- -/+  
الأية
3
 
وقوله } وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى أي إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمة وخاف أن لا يعطيها مهر مثلها فليعدل إلى ما سواها من النساء فإنهن كثير ولم يضيق الله عليه. وقال البخاري: حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا هشام عن ابن جريج أخبرني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: أن رجلا كانت له يتيمة فنكحها وكان لها عذق وكان يمسكها عليه ولم يكن لها من نفسه شيء فنزلت فيه { وإن خفتم ألا تقسطوا } أحسبه قال: كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله. ثم قال البخاري: حدثنا عبدالعزيز بن عبدالله حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أنه سأل عائشة عن قول الله تعالى { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى } قالت: يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا إليهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن قال عروة: قالت عائشة: وإن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية فأنزل الله { ويستفتونك في النساء } قالت عائشة: وقول الله في الآية الأخرى { وترغبون أن تنكحوهن } رغبة أحدكم عن يتيمته إذا كانت قليلة المال والجمال فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلات المال والجمال وقوله { مثنى وثلاث ورباع } أي انكحوا من شئتم من النساء سواهن إن شاء أحدكم ثنتين وإن شاء ثلاثا وإن شاء أربعا كما قال الله تعالى { جاعل الملائكة رسلا أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع } أي منهم من له جناحان ومنهم من له ثلاثة ومنهم من له أربعة ولا ينفي ما عدا ذلك في الملائكة لدلالة الدليل عليه بخلاف قصر الرجال على أربع فمن هذه الآية كما قال ابن عباس وجمهور العلماء لأن المقام مقام امتنان وإباحة فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لذكره. قال الشافعي وقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم المبينة عن الله أنه لا يجوز لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة وهذا الذي قاله الشافعي مجمع عليه بين العلماء إلا ما حكى عن طائفة من الشيعة أنه يجوز الجمع بين أكثر من أربع إلى تسع وقال بعضهم: بلا حصر وقد يتمسك بعضهم بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمعه بين أكثر من أربع إلى تسع كما ثبت في الصحيح وإما إحدى عشرة كما قد جاء في بعض ألفاظ البخاري. وقد علقه البخاري وقد روينا عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج بخمس عشرة امرأة ودخل منهن بثلاث عشرة واجتمع عنده إحدى عشرة ومات عن تسع وهذا عند العلماء من خصائصه دون غيره من الأمة لما سنذكره من الأحاديث الدالة على الحصر في أربع ولنذكر الأحاديث في ذلك. قال الإمام أحمد حدثنا إسماعيل ومحمد بن جعفر قالا: حدثنا معمر عن الزهري قال ابن جعفر في حديثه; أنبأنا ابن شهـاب عن سالم عن أبيه أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم { اختر منهن أربعا } فلما كان في عهد عمر طلق نساءه وقسم ماله بين بنيه فبلغ ذلك عمر فقال: إنى لأظن الشيطان فيما يسترق من السمع سمع بموتك فقذفه في نفسك ولعلك لا تلبث إلا قليلا وأيم الله لتراجعن نساءك ولترجعن مالك أو لأورثهن منك ولأمرن بقبرك فيرجم كما رجم قبر أبي رغال. وهكذا رواه الشافعي والترمذي وابن ماجه والدار قطني والبيهقي وغيرهم من طرق عن إسماعيل ابن علية وغندر ويزيد بن زريع وسعيد بن أبي عروبة وسفيان الثوري وعيسى بن يونس وعبدالرحمن بن محمد المحاربي والفضل بن موسى وغيرهم من الحفاظ عن معمر بإسناده مثله إلى قوله { اختر منهن أربعا } وباقي الحديث في قصة عمر من أفراد أحمد: وهي زيادة حسنة وهي مضاعفة لما علل البخاري هذا الحديث فيما حكاه عنه الترمذي حيث قال بعد روايته له سمعت البخاري يقول: هذا الحديث غير محفوظ والصحيح ما روى شعيب وغيره عن الزهري حدثت عن محمد بن أبي سويد الثقفي أن غيلان بن سلمة - فذكره. قال البخاري: وإنما حديث الزهري عن سالم عن أبيه أن رجلا من ثقيف طلق نساءه فقال له عمر: لتراجعن نساءك أو لأرجمن قبرك كما رجم قبر أبي رغال وهذا التعليل فيه نظر والله أعلم - وقد رواه عبدالرزاق عن معمر عن الزهري مرسلا وهكذا رواه مالك عن الزهري مرسلا وقال أبو زرعة: هو أصح. وقال البيهقي ورواه عقيل عن الزهري: بلغنا عن عثمان بن محمد بن أبي سويد عن محمد بن يزيد. وقال أبو حاتم وهذا وهم إنما هو الزهري عن محمد بن أبي سويد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فذكره. قال البيهقي: ورواه يونس وابن عيينة عن الزهري عن محمد ابن أبى سويد وهذا كما علله البخاري والإسناد الذي قدمناه من مسند الإمام أحمد رجاله ثقات على شرط الشيخين. ثم روى من غير طريق معمر بل والزهري. قال البيهقي: أخبرنا أبو عبدالله الحافظ حدثنا أبو عبدالرحمن النسائي ويزيد بن عمر بن يزيد الجرمي أخبرنا يوسف بن عبيدالله حدثنا سرار بن مجشر عن أيوب عن نافع وسالم عن ابن عمر أن غيلان بن سلمة كان عنده عشر نسوة فأسلم وأسلمن معه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعا هكذا أخرجه النسائي في سننه. قال أبو علي بن السكن: تفرد به سرار بن مجشر وهو ثقة وكذا وثقه ابن معين قال أبو علي: وكذلك رواه السميدع بن وهب عن سرار. قال البيهقي: وروينا من حديث قيس بن الحارث أو الحارث بن قيس وعروة بن مسعود الثقفي وصفوان بن أمية يعني حديث غيلان بن سلمة فوجه الدلالة أنه لو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لسوغ له رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرهن في بقاء العشرة وقد أسلمن فلما أمره بإمساك أربع وفراق سائرهن دل على أنه لا يجوز الجمع بين أكثر من أربع بحال فإذا كان هذا في الدوام ففي الاستئناف بطريق الأولى والأحرى والله سبحانه أعلم بالصواب { حديث آخر في ذلك { روى أبو داود وابن ماجه في سننهما من طريق محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن خميصة بن الشمردلي وعند ابن ماجه بنت الشمردل وحكى أبو داود أن منهم من يقول الشمرذل بالذال المعجمة عن قيس بن الحارث وعند أبي داود في رواية الحارث بن قيس أن عميرة الأسدي قال أسلمت وعندي ثمان نسوة فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم فقال { اختر منهن أربعا }. وهذا الإسناد حسن: وهذا الاختلاف لا يضر مثله لما للحديث من الشواهد { حديث آخر في ذلك } قال الشافعي في مسنده أخبرني من سمع ابن أبي الزناد يقول أخبرني عبد المجيد عن ابن سهل بن عبدالرحمن عن عوف بن الحرث عن نوفل بن معاوية الديلي قال أسلمت وعندي خمس نسوة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم { اختر أربعا أيتهن شئت وفارق الأخرى } فعمدت إلى أقدمهن صحبة عجوز عاقر معي منذ ستين سنة فطلقتها. فهذه كلها شواهد لحديث غيلان كما قاله البيهقي. وقوله { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم }. أي إن خفتم من تعداد النساء أن لا تعدلوا بينهن كما قال تعالى { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم } فمن خاف من ذلك فليقتصر على واحدة أو على الجواري السراري فإنه لا يجب قسم بينهن ولكن يستحب فمن فعل فحسن ومن لا فلا حرج وقوله { ذلك أدنى ألا تعولوا } قال بعضهم ذلك أدنى أن لا تكثر عيالكم قاله زيد بن أسلم وسفيان بن عيينة والشافعي وهو مأخوذ من قوله تعالى { وإن خفتم عيلة } أي فقرا { فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء } وقال الشاعر: فما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل وتقول العرب عال الرجل يعيل عيلة إذا افتقر. ولكن في هذا التفسير ههنا نظر فإنه كما يخشى كثرة العائلة من تعداد الحرائر كذلك يخشى من تعداد السراري أيضا والصحيح قول الجمهور { ذلك أدنى ألا تعولوا } أي لا تجوروا يقال عال في الحكم إذا قسط وظلم وجار ; وقال أبو طالب في قصيدته المشهورة: بميزان قسط لا يخيس شعيرة له شاهد من نفسه غير عائل وقال هشيم عن أبي إسحاق كتب عثمان بن عفان إلى أهل الكوفة في شيء عاتبوه فيه: إني لست بميزان أعول. رواه ابن جرير وقد روى ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن حبان في صحيحه من طريق عبدالرحمن بن أبى إبراهيم وخثيم حدثنا محمد بن شعيب عن عمرو بن محمد بن زيد عن عبدالله بن عمير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم { ذلك أدنى ألا تعولوا } قال { لا تجوروا } قال ابن أبي حاتم قال أبي هذا خطأ والصحيح عن عائشة موقوف قال ابن أبي حاتم وروى عن ابن عباس وعائشة ومجاهد وعكرمة والحسن وأبي مالك وابن رزين والنخعي والشعبي والضحاك وعطاء الخراساني وقتادة والسدى ومقاتل بن حيان أنهم قالوا لا تميلوا وقد استشهد عكرمة ببيت أبي طالب الذي قدمناه ولكن ما أنشده كما هو المروي في السيرة وقد رواه ابن جرير ثم أنشده جيدا واختار ذلك.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا
    +/- -/+  
الأية
4
 
وقوله تعالى { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس النحلة المهر وقال محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة نحلة فريضة وقال مقاتل وقتادة وابن جريج نحلة دأي فريضة زاد ابن جريج مسماة وقال ابن زيد النحلة في كلام العرب الواجب يقول: لا تنكحها إلا بشيء واجب لها وليس ينبغي لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكح امرأة إلا بصداق واجب ولا ينبغي أن يكون تسمية الصداق كذبا بغير حق ومضمون كلامهم أن الرجل يجب عليه دفع الصداق إلى المرأة حتما وأن يكون طيب النفس بذلك كما يمنح المنيحة ويعطي النحلة طيبا كذلك يجب أن يعطي المرأة صداقها طيبا بذلك فإن طابت هي له به بعد تسميته أو عن شيء منه فليأكله حلالا طيبا ولهذا قال { فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا } وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان حدثنا عبدالرحمن بن مهدي عن سفيان عن السدي عن يعقوب بن المغيرة بن شعبة عن علي قال: إذا اشتكى أحدكم شيئا فليسأل امرأته ثلاثة دراهم أو نحو ذلك فليبتع بها عسلا ثم ليأخذ ماء السماء فيجتمع هنيئا مريئا شفاء مباركا. وقال هشيم عن سيار عن أبي صالح كان الرجل إذ زوج بنته أخذ صداقها دونها فنهاهم الله عن ذلك ونزل وآتوا النساء صدقاتهن نحلة. رواه ابن أبي حاتم وابن جرير. وقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن إسماعيل الحميدي حدثنا وكيع عن سفيان عن عمير الخثعمي عن عبدالملك بن المغيرة عن عبدالرحمن بن مالك السلماني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وآتوا النساء صدقاتهن نحلة قالوا يا رسول الله فما العلائق بينهم قال { ما تراضى عليه أهلوهم }. وقد روى ابن مردويه من طريق حجاج بن أرطاة عن عبدالملك بن المغيرة عن عبدالرحمن بن السلماني عن عمر بن الخطاب قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال { أنكحوا الأيامى } ثلاثا فقام إليه رجل فقال يا رسول الله فما العلائق بينهم ؟ قال { ما تراضى عليه أهلوهم } ابن السلماني ضعيف ثم فيه انقطاع أيضا.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا
    +/- -/+  
الأية
5
 
ينهى سبحانه وتعالى عن تمكين السفهاء من التصرف في الأموال التي جعلها الله للناس قياما أي تقوم بها معايشهم من التجارات وغيرها. ومن ههنا يؤخذ الحجر على السفهاء وهم أقسام فتارة يكون الحجر للصغير فإن الصغير مسلوب العبارة وتارة يكون الحجر للجنون وتارة لسوء التصرف لنقص العقل أو الدين وتارة للفلس وهو ما إذا أحاطت الديون برجل وضاق ماله عن وفائها فإذا سأل الغرماء الحاكم الحجر عليه حجر عليه. وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم } قال هم بنوك والنساء وكذا قال ابن مسعود والحكم بن عيينة والحسن والضحاك هم النساء والصبيان وقال سعيد بن جبير هم اليتامى. وقال مجاهد وعكرمة وقتادة هم النساء. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عثمان بن أبى العاتكة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن النساء سفهاء إلا التي أطاعت قيمها } . ورواه ابن مردوية مطولا. وقال ابن أبي حاتم ذكر عن مسلم بن إبراهيم حدثنا حرب بن شريح عن معاوية بن قرة عن أبي هريرة { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم { قال هم الخدم وهم شياطين الإنس وقوله { وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يقول: لا تعمد إلى مالك وما خولك الله وجعله لك معيشة فتعطيه امرأتك أو بنتك ثم تنظر إلى ما في أيديهم ولكن أمسك مالك وأصلحه وكن أنت الذي تنفق عليهم من كسوتهم ومؤنتهم ورزقهم. وقال ابن جرير حدثنا ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن فراس عن الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى قال ثلاثة يدعون الله فلا يستجيب لهم رجل له امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها ورجل أعطى ماله سفيها وقد قال { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم } ورجل كان له على رجل دين فلم يشهد عليه وقال مجاهد { وقولوا لهم قولا معروفا } يعني في البر والصلة. وهذه الآية الكريمة تضمنت الإحسان إلى العائلة ومن تحت الحجر بالفعل من الإنفاق في الكساوي والأرزاق بالكلام الطيب وتحسين الأخلاق.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا ۚ وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۖ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللهِ حَسِيبًا
    +/- -/+  
الأية
6
 
وقوله تعالى { وابتلوا اليتامى } قال ابن عباس ومجاهد والحسن والسدي ومقاتل أي اختبروهم { حتى إذا بلغوا النكاح } قال مجاهد يعني الحلم. قال الجمهور من العلماء البلوغ في الغلام تارة يكون بالحلم وهو أن يرى في منامه ما ينزل به الماء الدافق الذي يكون منه الولد. وفي سنن أبي داود عن علي قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يتم بعد احتلام ولا صمات يوم إلى الليل }. وفي الحديث الآخر عن عائشة وغيرها من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { رفع القلم عن ثلاثه الصبي حتى يحتلم أو يستكمل خمس عشرة سنة. وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق } وأخذوا ذلك من الحديث الثابت في الصحيحين عن ابن عمر قال: عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فلم يجزني وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني. فقال عمر بن عبدالعزيز لما بلغه هذا الحديث إن هذا الفرق بين الصغير والكبير واختلفوا في نبات الشعر الخشن حول الفرج وهى الشعرة هل يدل على بلوغ أم لا؟ على ثلاثة أقوال يفرق في الثالث بين صبيان المسلمين فلا يدل على ذلك لاحتمال المعالجة وبين صبيان أهل الذمة فيكون بلوغا في حقهم لأنه لا يتعجل بها إلى ضرب الجزية عليه فلا يعالجها والصحيح أنها بلوغ في الجميع لأن هذا أمر جبلي يستوي فيه الناس واحتمال المعالجة بعيد ثم قد دلت السنة على ذلك في الحديث الذي رواه الإمام أحمد على عطية القرظي قال عرضنا على النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فأمر من ينظر من أنبت فكان من أنبت قتل ومن لم ينبت خلي سبيله فكنت فيمن لم ينبت فخلي سبيلي وقد أخرجه أهل السنن الأربعة بنحوه وقال الترمذي حسن صحيح وإنما كان كذلك لأن سعد بن معاذ كان قد حكم فيهم بقتل المقاتلة وسبي الذرية. وقال أبو عبيد في الغريب حدثنا ابن علية عن إسماعيل بن أمية عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمر أن غلاما ابتهر جارية في شعره فقال عمر انظروا إليه فلم يوجد أنبت فدرأ عنه الحد قال أبو عبيد ابتهرها أي قذفها والابتهار أن يقول فعلت بها وهو كاذب. فإن كان صادقا فهو الابتيار قال الكميت في شعره. قبيح بمثلي نعت الفتاة إما ابتهارا وإما ابتيارا وقوله عز وجل { فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } قال سعيد بن جبير يعني صلاحا في دينهم وحفظا لأموالهم وكذا روى عن ابن عباس والحسن البصري وغير واحد من الأئمة وهكذا قال الفقهاء إذا بلغ الغلام مصلحا لدينه وماله انفك الحجر عنه فيسلم إليه ماله الذي تحت يد وليه وقوله { ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا } ينهي تعالى { عن أكل أموال اليتامى من غير حاجة ضرورية { إسرافا وبدارا } أي مبادرة قبل بلوغهم. ثم قال تعالى { ومن كان غنيا فليستعفف } عنه ولا يأكل منه شيئا. وقال الشعبي: هو عليه كالميتة والدم { ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } قال ابن أبي حاتم حدثنا الأشج حدثنا عبدالله بن سليمان حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة { ومن كان غنيا فليستعفف } نزلت في مال اليتيم. حدثنا الأشج وهارون بن إسحاق قال: حدثنا عبدة بن سليمان عن هشام عن أبيه عن عائشة { ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } نزلت في والي اليتيم الذي يقوم عليه ويصلحه إذا كان محتاجا أن يأكل منه. وحدثنا أبي حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني حدثنا علي بن مسهر عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: أنزلت هذه الآية في والي اليتيم { ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } بقدر قيامه عليه. ورواه البخاري عن إسحاق بن عبدالله بن نمير عن هشام به. قال الفقهاء: له أن يأكل من أقل الأمرين أجرة مثله أو قدر حاجته. واختلفوا هل يرد إذا أيسر؟ على قولين { أحدهما } لا لأنه أكل بأجرة عمله وكان فقيرا ; وهذا هو الصحيح عند أصحاب الشافعي لأن الآية أباحت الأكل من غير بدل. قال أحمد: حدثنا عبدالوهاب حدثنا حسين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس لي مال ولي يتيم ؟ فقال { كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبذر ولا متأثل مالا ومن غير أن تقي مالك - أو قال - تفدي مالك بماله } شك حسين. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو خالد الأحمر حدثنا حسين المكتب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن عندي يتيما عنده مال وليس لي مال آكل من ماله ؟ قال { كل بالمعروف غير مسرف } . ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث حسين المعلم وروى ابن حبان في صحيحه وابن مردويه في تفسيره من حديث يعلى بن مهدي عن جعفر بن سليمان عن أبي عامر الخزاز عن عمرو بن دينار عن جابر أن رجلا قال: يا رسول الله مما أضرب يتيمي؟ قال { مما كنت ضاربا منه ولدك غير واق مالك بماله ولا متأثل منه مالا } وقال ابن جرير: حدثنا الحسن بن يحيى أخبرنا عبدالرزاق أخبرنا الثوري عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال: جاء أعرابي إلى ابن عباس فقال: إن في حجري أيتاما وإن لهم إبلا ولي إبل وأنا أمنح من إبلي فقراء فماذا يحل لي من ألبانها؟ فقال: إن كنت تبغي ضالتها وتهنأ جرباها وتلوط حوضها وتسعى عليها فاشرب غير مضل بنسل ولا ناهك في الحب ورواه مالك في موطئه عن يحيى بن سعيد به. وبهذا القول وهو عدم أداء البدل يقول عطاء أبي رباح وعكرمة وإبراهيم النخعي وعطية العوفي والحسن البصري. { والثاني } نعم لأن مال اليتيم على الحظر وإنما أبيح للحاجة فيرد بدله كأكل مال الغير للمضطر لا عند الحاجة. وقد قال ابن أبي الدنيا: حدثنا ابن خيثمة حدثنا وكيع عن سفيان وإسرائيل عن أبي إسحاق عن حارثه بن مضرب قال: قال عمر رضي الله عنه: إنى أنزلت نفسي من هذا المال منزلة والي اليتيم إن استغنيت استعففت وإن احتجت استقرضت فإذا أيسرت قضيت. طريق أخرى قال سعيد بن منصور: حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن البراء قال: قال لي عمر رضي الله عنه: إنما أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة والي اليتيم إن احتجت أخذت منه فإذا أيسرت رددته وإن استغنيت استعففت إسناد صحيح. وروى البيهقي عن ابن عباس نحو ذلك. وهكذا رواه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله { ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } يعني القرض. قال وروى عن عبيدة وأبي العالية وأبي وائل وسعيد بن جبير في إحدى الروايات ومجاهد والضحاك والسدي نحو ذلك. وروى من طريق السدي عن عكرمة عن ابن عباس في قوله{ فليأكل بالمعروف } قال يأكل بثلاث أصابع ثم قال حدثنا أحمد بن سنان حدثنا ابن مهدي عن سفيان عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس { ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } قال يأكل من ماله يقوت على نفسه حتى لا يحتاج إلى مال اليتيم. قال وروى عن مجاهد وميمون بن مهـران في إحدى الروايات والحاكم نحو ذلك. وقال عامر الشعبي لا يأكل منه إلا أن يضطر إليه كما يضطر إلى الميتة فإن أكل منه قضاه رواه ابن أبي حاتم. وقال ابن وهب حدثنا نافع بن أبى نعيم القاري قال سألت يحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة عن قول الله تعالى { ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } الآية. فقال ذلك في اليتيم إن كان فقيرا أنفق عليه بقدر فقره ولم يكن للولى منه شيء وهذا بعيد من السياق لأنه قال { ومن كان غنيا فليستعفف } يعني من الأولياء ومن كان فقيرا أي منهم فليأكل بالمعروف أى بالتي هي أحسن كما قال في الآية الأخرى { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده } أي لا تقربوه إلا مصلحين له فإن احتجتم إليه أكلتم منه بالمعروف. وقوله فإذا دفعتم إليهم أموالهم يعني بعد بلوغهم الحلم وإيناسكم الرشد منهم فحينئذ سلموا إليهم فإذا دفعتم إليهم أموالهم { فأشهدوا عليهم } وهذا أمر من الله تعالى للأولياء أن يشهدوا على الأيتام إذا بلغوا الحلم وسلموا إليهم أموالهم لئلا يقع من بعضهم جحود وإنكار لما قبضه وتسلمه ثم قال { وكفى بالله حسيبا } أي وكفى بالله محاسبا وشاهدا ورقيبا على الأولياء في حال نظرهم للأيتام وحال تسليمهم لأموالهم هل هي كاملة موفرة أو منقوصة مبخوسة مروج حسابها مدلس أمورها؟ الله عالم بذلك كله. ولهذا ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال } يا أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمرن على اثنين ولا تلين مال يتيم }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَفْرُوضًا
    +/- -/+  
الأية
7
 
قال سعيد بن جبير وقتادة كان المشركون يجعلون المال للرجال الكبار ولا يورثون النساء ولا الأطفال شيئا فأنزل الله { للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون } الآية. أي الجميع فيه سواء في حكم الله تعالى يستوون في أصل الوراثة وإن تفاوتوا بحسب ما فرض الله لكل منهم بما يدلي به إلى الميت من قرابة أو زوجية أو ولاء فإنه لحمة كلحمة النسب. وروى ابن مردويه من طريق ابن هراسة عن سفيان الثوري عن عبدالله بن محمد بن عقيل عن جابر قال أتت أم كحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن لي ابنتين قد مات أبوهما وليس لهما شيء فأنزل الله تعالى { للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون } الآية. وسيأتي هذا الحديث عند آيتي الميراث بسياق آخر والله أعلم وقوله{ وإذا حضر القسمة } الآية. قيل المراد حضر قسمة الميراث ذوو القربى ممن ليس بوارث { واليتامى والمساكين } فليرضخ لهم من التركة نصيب وإن ذلك كان واجبا في ابتداء الإسلام وقيل يستحب واختلفوا هل هو منسوخ أم لا على قولين فقال البخاري حدثنا أحمد بن حميد أخبرنا عبدالله الأشجعي عن سفيان عن الشيباني عن عكرمة عن ابن عباس في الآية. قال هى محكمة وليست بمنسوخة. تابعه سعيد عن ابن عباس. وقال ابن جرير حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثنا عباد بن العوام عن الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال هي قائمة يعمل بها وقال الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في هذه الآية. قال هي واجبة على أهل الميراث ما طابت به أنفسهم وهكذا روى عن ابن مسعود وأبي موسى وعبدالرحمن بن أبي بكر وأبي العالية والشعبي والحسن. وقال ابن سيرين وسعيد بن جبير ومكحول إبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح والزهري ويحيى بن يعمر إنها واجبة وروى ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج عن إسماعيل ابن علية عن يونس بن عبيد عن ابن سيرين قال ولي عبيدة وصية فأمر بشاة فذبحت فأطعم أصحاب هذه الآية. فقال لولا هذه الآية لكان هذا من مالي وقال مالك فيما يروى عنه في التفسير من جزء مجموع عن الزهري أن عروة أعطى من مال مصعب حين قسم ماله وقال الزهري هي محكمة. وقال مالك عن عبدالكريم عن مجاهد قال هي حق واجب ما طابت به الأنفس. { ذكر من ذهب إلى أن ذلك أمر بالوصية لهم { قال عبدالرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني ابن أبي مليكة أن أسماء بنت عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق والقاسم بن محمد أخبراه أن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي بكر قسم ميراث أبيه عبدالرحمن وعائشة حية فلم يدع في الدار مسكينا ولا ذا قرابة إلا أعطاه من ميراث أبيه قالا وتلا { وإذا حضر القسمة أولو القربى } قال القاسم فذكرت ذلك لابن عباس فقال: ما أصاب ليس ذلك له إنما ذلك إلى الوصية وإنما هذه الآية في الوصية يزيد الميت يوصي لهم. رواه ابن أبي حاتم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا
    +/- -/+  
الأية
8
 
{ ذكر من قال إن هذه الآية منسوخة بالكلية } قال سفيان الثوري عن محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما { وإذا حضر القسمة } قال منسوخة. قال إسماعيل بن مسلم المكي عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال في هذه الآية { وإذا حضر القسمة أولوا القربى } نسختها الآية التي يعدها { يوصيكم الله في أولادكم } وروى العوفي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في هذه الآية { وإذا حضر القسمة أولو القربى } كان ذلك قبل أن تنزل الفرائض فأنزل الله بعد ذلك الفرائض فأعطى كل ذي حق حقه فجعلت الصدقة فيما سمى المتوفي رواهن ابن مردوية. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء عن ابن عباس في فوله { وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين } نسختها آية الميراث فجعل لكل إنسان نصيبه مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر. وحدثنا أسيد بن عاصم حدثنا سعيد بن عامر عن همام حدثنا قتادة عن سعيد بن المسيب أنه قال إنها منسوخة قبل الفرائض كان ما ترك الرجل من مال أعطي منه اليتيم والفقير والمسكين وذوو القربى إذا حضروا القسمة ثم نسختها المواريث فألحق الله بكل ذي حق حقه وصارت الوصية من ماله يوصي بها لذوي قرابته حيث شاء. وقال مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب هي منسوخة نسختها المواريث والوصية. وهكذا روي عن عكرمة وأبي الشعثاء والقاسم بن محمد وأبي صالح وأبي مالك وزيد بن أسلم والضحاك وعطاء الخراساني ومقاتل بن حيان وربيعة بن أبي عبدالرحمن أنهم قالوا إنها منسوخة وهذا مذهب جمهور الفقهاء والأئمة الأربعة وأصحابهم وقد اختار ابن جرير ههنا قولا غريبا جدا وحاصله أن معنى الآية عنده { وإذا حضر القسمة } أي وإذا حضر قسمة مال الوصية أولو قرابة الميت { فارزقوهم منه وقولوا } لليتامى والمساكين إذا حضروا { قولا معروفا { هذا معنى ما حاوله بعد طول العبارة والتكرار وفيه نظر والله أعلم. وقال العوفي عن ابن عباس وإذا حضر القسمة هي قسمة الميراث وهكذا قال غير واحد والمعنى على هذا لا على مـا سلكه ابن جرير رحمه الله بـل المعنى أنه إذا حضر هؤلاء الفقراء من القرابة الذين لا يرثون واليتامى والمساكين قسمة مال جزيل فإن أنفسهم تتوق إلى شيء منه إذا رأوا هذا يأخذ وهذا يأخذ وهم يائسون لا شيء يعطونه فأمر الله تعالى وهو الرءوف الرحيم أن يرضخ لهم شيء من الوسط يكون برا بهم وصدقة عليهم وإحسانا إليهم وجبرا لكسرهم. كما قال الله تعالى { كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده } وذم الذين ينقلون المال خفية خشية أن يطلع عليهم المحاويج وذوو الفاقة كما أخبر به عن أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين أي بليل. وقال { فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين } فـ{ دمر عليهم وللكافرين أمثالها } فمن جحد حق الله عليه عاقبه في أعز ما يملكه ولهذا جاء في الحديث { ما خالطت الصدقة مالا إلا أفسدته } أي منعها يكون سبب محق ذلك المال بالكلية.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا
    +/- -/+  
الأية
9
 
وقوله تعالى وليخش الذين لو تركوا من خلفهم الآية. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: هذا في الرجل يحضره الموت فيسمعه رجل يوصي بوصية تضر بورثته فأمر الله تعالى الذي يسمعه أن يتقي الله ويوفقه ويسدده للصواب فينظر لورثته كما كان يحب أن يصنع بورثته إذا خشي عليهم الضيعة وهكذا قال مجاهد وغير واحد وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل على سعد بن أبي وقاص يعوده قال: يا رسول الله إنى ذو مال ولا يرثني إلا ابنة أفأتصدق بثلثي مالي قال { لا { قال: فالشطر قال { لا } قال فالثلث قال { الثلث ; والثلث كثير } ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس } وفي الصحيح عن ابن عباس قال: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال { الثلث والثلث كثير } قال الفقهاء: إن كان ورثة الميت أغنياء استحب للميت أن يستوفي في وصيته الثلث وإن كانوا فقراء استحب أن ينقص الثلث وقيل: المراد بالآية فليتقوا الله في مباشرة أموال اليتامى { ولا يأكلوها إسرافا وبدارا } حكاه ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس وهو قول حسن يتأيد بما بعده من التهديد في أكل أموال اليتامى ظلما أي كما تحب أن تعامل ذريتك من بعدك فعامل الناس في ذرياتهم إذا وليتهم ثم أعلمهم أن من أكل أموال اليتامى ظلما فإنما يأكل في بطنه نارا.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا
    +/- -/+  
الأية
10
 
ولهذا قال إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا أي إذا أكلوا أموال اليتامى بلا سبب فإنما يأكلون نارا تتأجج في بطونهم يوم القيامة - وفي الصحيحين من حديث سليمان بن بلال عن ثور بن زيد عن سالم أبي الغيث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { اجتنبوا السبع الموبقات - قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال- الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات } قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبى حدثنا عبيدة أخبرنا عبدالعزيز بن عبدالصمد العمي حدثنا أبو هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال: قلنا يا رسول الله ما رأيت ليلة أسري بك؟ قال { انطلق بي إلى خلق من خلق الله كثير: رجال كل رجل منهم له مشفر كمشفر البعير وهو موكل بهم رجال يفكون لحاء أحدهم ثم يجاء بصخرة من نار فتقذف في أحدهم حتى يخرج من أسفله ولهم جؤار وصراخ قلت: يا جبريل من هؤلاء ؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا } وقال السدي: يبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه ومن مسامعه وأنفه وعينيه يعرفه كل من رآه يأكل مال اليتيم. وقال ابن مردويه: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد حدثنا أحمد بن عمرو حدثنا عقبة بن مكرم حدثنا يونس بن بكير حدثنا زياد بن المنذر عن نافع بن الحارث عن أبي برزة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { يبعث يوم القيامة القوم من قبورهم تأجج أفواههم نارا } قيل يا رسول الله من هم؟ قال { ألم تر أن الله قال: { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما } الآية } رواه ابن أبي حاتم عن أبي زرعة عن عقبة بن مكرم وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن أحمد بن علي بن المثنى عن عقبة بن مكرم. قال ابن مردويه: حدثنا عبدالله بن جعفر حدثنا أحمد بن عصام حدثنا أبو عامر العبدي حدثنا عبدالله بن جعفر الزهري عن عثمان بن محمد عن المقري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أحرج مال الضعيفين المرأة واليتيم } أي أوصيكم باجتناب مالهما وتقدم في سورة البقرة من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما } الآية انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه فجعل يفضل الشيء فيحبس له حتى يأكله أو يفسد فاشتد ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله { ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير } الآية فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ۚ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ ۗ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا
    +/- -/+  
الأية
11
 
هذه الآية الكريمة والتي بعدها والآية التي هي خاتمة هذه السور هن آيات علم الفرائض وهو مستنبط من هذه الآيات الثلاث ومن الأحاديث الواردة في ذلك مما هو كالتفسير لذلك. ولنذكر منها ما هو متعلق بتفسير ذلك. وأما تقرير المسائل ونصب الخلاف والأدلة والحجاج بين الأئمة فموضعه كتب الأحكام والله المستعان. وقد ورد الترغيب في تعليم الفرائض وهذه الفرائض الخاصة من أهم ذلك روى أبو داود وابن ماجه من حديث عبدالرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي عن عبدالرحمن بن رافع التنوخي عن عبدالله بن عمرو مرفوعا { العلم ثلاثة وما سوى ذلك فهو فضل آية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة }. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { تعلموا الفرائض وعلموه الناس فإنه نصف العلم وهو ينسى وهو أول شيء ينزع من أمتي { رواه ابن ماجه وفي إسناده ضعيف. وقد روي من حديث ابن مسعود وأبي سعيد وفي كل منهما نظر. قال ابن عيينة: إنما سمى الفرائض نصف العلم لأنه يبتلى به الناس كلهم.وقال البخاري عند تفسير هذه الآية: حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا هشام أن ابن جريج أخبرهم قال: أخبرني ابن المنكدر عن جابر بن عبدالله قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بني سلمة ماشيين فوجدني النبي صلى الله عليه وسلم لا أعقل شيئا فدعا بماء فتوضأ منه ثم رش على فأفقت فقلت: ما تأمرني أن أصنع في مالي يا رسول الله؟ فنزلت يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين وكذا رواه مسلم والنسائي من حديث حجاج بن محمد الأعور عن ابن جريج به ورواه الجماعة كلهم من حديث سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر عن جابر. حديث آخر في سبب نزول الآية قال أحمد: حدثنا زكريا بن عدي حدثنا عبيدالله هو ابن عمرو الرقي عن عبدالله بن محمد بن عقيل عن جابر قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في يوم أحد شهيدا إن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا ينكحان إلا ولهما مال قال: فقال { يقضي الله في ذلك } فنزلت آية الميراث فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما فقال: { أعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك } وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من طرق عن عبدالله بن محمد بن عقيل به قال الترمذي: ولا يعرف إلا من حديثه. والظاهر أن حديث جابر الأول إنما نزل بسببه الآية الأخيرة من هذه السورة كما سيأتي فإنه إنما كان له إذ ذاك أخوات ولم يكن له بنات وإنما كان يرث كلالة ولكن ذكرنا الحديث ههنا تبعا للبخاري فإنه ذكره ههنا والحديث الثاني عن جابر أشبه بنزول هذه الآية والله أعلم. فقوله تعالى { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثين } أي يأمركم بالعدل فيهم فإن أهل الجاهلية كانوا يجعلون جميع الميراث للذكور دون الإناث فأمر الله تعالى بالتسوية بينهم في أصل الميراث وفاوت بين الصنفين فجعل للذكر مثل حظ الأنثين وذلك لاحتياج الرجل إلى مؤنة النفقة والكلفة ومعاناة التجارة والتكسب وتحمل المشاق فناسب أن يعطى ضعفي ما تأخذه الأنثى. وقد استنبط بعض الأذكياء من قوله تعالى { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثين } أنه تعالى أرحم بخلقه من الوالدة بولدها حيث أوصى الوالدين بأولادهم فعلم أنه أرحم بهم منهم كما جاء في الحديث الصحيح وقد رأى امرأة من السبي فرق بينها وبين ولدها فجعلت تدور على ولدها فلما وجدته من السبي أخذته فألصقته بصدرها وأرضعته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم لأصحابه { أترون هذه طارحة ولدها في النار وهي تقدر على ذلك } ؟ قالوا: لا يا رسول الله قال { فوالله لله أرحم بعباده من هذه بولدها } وقال البخاري ههنا: حدثنا محمد بن يوسف عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن ابن عباس قال: كان المال للولد وكانت الوصية للوالدين فنسخ الله من ذلك ما أحب فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس والثلث وجعل للزوجة الثمن والربع وللزوج الشطر والربع وقال العوفي عن ابن عباس { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } وذلك أنه لما نزلت الفرائض التي فرض الله فيها ما فرض للولد الذكر والأنثى والأبوين كرهها الناس أو بعضهم وقالوا: تعطى المرأة الربع أو الثمن وتعطى الابنة النصف ويعطى الغلام الصغير وليس من هؤلاء أحد يقاتل القوم ولا يحوز الغنيمة اسكتوا عن هذا الحديث لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينساه أو نقول له فيغير فقالوا: يا رسول الله تعطى الجارية نصف ما ترك أبوها وليست تركب الفرس ولا تقاتل القوم ويعطى الصبي الميراث وليس يغني شيئا وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية لا يعطون الميراث إلا لمن قاتل القوم ويعطونه الأكبر فالأكبر رواه ابن أبي حاتم وابن جرير أيضا وقوله { فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك } قال بعض الناس: قوله فوق زائدة وتقديره فإن كن نساء اثنتين كما في قوله { فاضربوا فوق الأعناق { وهذا غير مسلم لا هنا ولا هناك فإنه ليس في القرآن شيء زائد لا فائدة فيه وهذا ممتنع: ثم قوله { فلهن ثلثا ما ترك { لو كان المراد ما قالوه لقال فلهما ثلثا ما ترك وإنما استفيد كون الثلثين للبنتين من حكم الأختين في الآية الأخيرة فإنه تعالى حكم فيها للأختين بالثلثين وإذا ورث الأختان الثلثين فلأن يرث البنتان الثلثين بالطريق الأولى. وقد تقدم في حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم لابنتي سعد بن الربيع بالثلثين فدل الكتاب والسنة على ذلك وأيضا فإنه قال { وإن كانت واحدة فلها النصف { فلو كان للبنتين النصف لنص عليه أيضا فلما حكم به للواحدة على انفرادها دل على أن البنتين في حكم الثلاث والله أعلم وقوله تعالى { ولأبويه لكل واحد منهما السدس { إلى آخره الأبوان لهما في الإرث أحوال { أحدها } أن يجتمعا مع الأولاد فيفرض لكل واحد منهما السدس فإن لم يكن للميت إلا بنت واحدة فرض لها النصف وللأبوين لكل واحد منهما السدس وأخذ الأب السدس الآخر بالتعصيب فيجمع له والحالة هذه بين الفرض والتعصيب { الحال الثاني { أن ينفرد الأبوان بالميراث فيفرض للأم الثلث والحالة هذه ويأخذ الأب الباقي بالتعصيب المحض فيكون قد أخذ ضعفي ما حصل للأم وهو الثلثان فلو كان معهما زوج أو زوجة ويأخذ الزوج النصف والزوجة الربع ثم اختلف العلماء ماذا تأخذ الأم بعد ذلك ؟ على ثلاثة أقواله: { أحدها { أنها تأخذ ثلث الباقي في المسئلتين لأن الباقي كأنه جميع الميراث بالنسبة إليهما وقد جعل الله لها نصف ما جعل للأب فتأخذ ثلث الباقي ويأخذ الأب الباقي ثلثيه هذا قول عمر وعثمان وأصح الروايتين عن علي وبه يقول ابن مسعود وزيد بن ثابت وهو قول الفقهاء السبعة والأئمة الأربعة وجمهور العلماء. { والثاني { أنها تأخذ ثلث جميع المال لعموم قوله { فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث { فإن الآية أعم من أن يكون معها زوج أو زوجة أو لا وهو قول ابن عباس. وروى عن علي ومعاذ بن جبل نحوه. وبه يقول شريح وداود الظاهري واختاره أبو الحسين محمد بن عبدالله بن اللبان البصري في كتابه الإيجاز في علم الفرائض وهذا فيه نظر بل هو ضعيف لأن ظاهر الآية إنما هو إذا استبدء بجميع التركة وأما هنا فيأخذ الزوج أو الزوجة الفرض ويبقى الباقي كأنه جميع التركة فتأخذ ثلثه. { والقول الثالث { أنها تأخذ ثلث جميع المال في مسئلة الزوجة خاصة فإنها تأخذ الربع وهو ثلاثة من اثني عشر وتأخذ الأم الثلث وهو أربعة فيبقى خمسة للأب. وأما في مسئلة الزوج فتأخذ ثلث الباقي لئلا تأخذ أكثر من الأب لو أخذت ثلث المال فتكون المسألة من ستة: للزوج النصف ثلاثة للأم ثلث الباقي بعد ذلك وهو سهم وللأب الباقي بعد ذلك وهو سهمان. ويحكى هذا عن ابن سيرين وهو مركب من القولين الأولين وهو ضعيف أيضا والصحيح الأول والله أعلم. والحال الثالث من أحوال الأبوين وهو اجتماعهما مع الأخوة سواء كانوا من الأبوين أو من الأب أو من الأم فإنهم لا يرثون مع الأب شيئا ولكنهم مع ذلك يحجبون الأم عن الثلث إلى السدس فيفرض لها مع وجودهم السدس فإن لم يكن وارث سواها وسوى الأب أخذ الأب الباقي. وحكم الأخوين فيما ذكرناه كحكم الإخوة عند الجمهور. وقد روى البيهقي من طريق شعبة مولى ابن عباس عن ابن عباس أنه دخل على عثمان فقال: إن الأخوين لا يردان الأم عن الثلث قال الله تعالى { فإن كان له إخوة { فالأخوان ليسا بلسان قومك إخوة فقال عثمان: لا أستطيع تغيير ما كان قبلي ومضى في الأمصار وتوارث به الناس. وفي صحة هذا الأثر نظر فإن شعبة هذا تكلم فيه مالك بن أنس ولو كان هذا صحيحا عن ابن عباس لذهب إليه أصحابه الأخصاء به والمنقول عنهم خلافه وقد روى عبدالرحمن بن أبي الزناد عن خارجة بن زيد عن أبيه أنه قال: الأخوان تسمى إخوة وقد أفردت لهذه المسئلة جزءا على حدة. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عبدالعزيز بن المغيرة حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة نحوه وقوله { فإن كان له إخوة فلأمه السدس { أضروا بالأم ولا يرثون ولا يحجبها الأخ الواحد عن الثلث ويجبها ما فوق ذلك وكان أهل العلم يرون أنهم إنما حجبوا أمهم عن الثلث أن أباهم يلي إنكاحهم ونفقته عليهم دون أمهم وهذا كلام حسن. لكن روى عن ابن عباس بإسناد صحيح أنه كان يرى أن السدس الذي حجبوه عن أمهم يكون لهم وهذا قول شاذ رواه ابن جرير في تفسيره فقال: حدثنا الحسن بن يحيى حدثنا عبدالرزاق أخبرنا معمر عن أبي طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال: السدس الذي حجبته الأخوة الأم لهم إنما حجبوا أمهم عنه ليكون لهم دون أبيهم.ثم قال ابن جرير: وهذا قول مخالف لجميع الأمة. وقد حدثني يونس أخبرنا سفيان أخبرنا عمرو عن الحسن بن محمد عن ابن عباس أنه قال: الكلالة من لا ولد له ولا والد. وقوله { من بعد وصية يوصي بها أو دين { أجمع العلماء من السلف والخلف على أن الدين مقدم على الوصية وذلك عند إمعان النظر يفهم من فحوى الآية الكريمة وروى أحمد والترمذي وابن ماجه وأصحاب التفاسير من حديث ابن إسحاق عن الحارث بن عبدالله الأعور عن علي بن أبي طالب قال: إنكم تقرأون { من بعد وصية يوصي بها أو دين } وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية وإن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات يرث الرجل أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه. ثم قال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث الحارث وقد تكلم فيه بعض أهل العلم { قلت { لكن كان حافظا للفرائض معتنيا بها وبالحساب فالله أعلم وقوله { آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا } أي إنما فرضنا للآباء والأبناء وساوينا بين الكل في أصل الميراث على خلاف ما كان عليه الأمر في الجاهلية وعلى خلاف ما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام من كون المال للولد وللأبوين الوصية كما تقدم عن ابن عباس إنما نسخ الله ذلك إلى هذا ففرض لهؤلاء بحسبهم لأن الإنسان قد يأتيه النفع الدنيوي أو الأخروي أو هما من أبيه مالا يأتيه من ابنه وقد يكون بالعكس ولذا قال { آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا } أي أن النفع متوقع ومرجو من هذا كما هو متوقع ومرجو من الآخر فلهذا فرضنا لهذا وهذا وساوينا بين القسمين في أصل الميراث والله أعلم وقوله { فريضة من الله } أي هذا الذي ذكرناه من تفصيل الميراث وإعطاء بعض الورثة أكثر من بعض هو فرض من الله حكم به وقضاه والله عليم حكيم الذي يضع الأشياء في محالها ومعطي كلا ما يستحقه بحسبه ولهذا قال { إن الله كان عليما حكيما } .

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۚ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ۚ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ۚ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ ۗ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
12
 
يقول تعالى { ولكم أيها الرجال نصف ما ترك أزواجكم إذا متن عن غير ولد } فإن كان لهن ولدا فلكم الربع مما تركن من بعد الوصية أو الدين وقد تقدم أن الدين مقدم على الوصية وبعده الوصية ثم الميراث وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء وحكم أولاد البنين وإن سفلوا حكم أولاد الصلب ثم قال { ولهن الربع مما تركتم { إلى آخره وسواء في الربع أو الثمن الزوجة والزوجتان الاثنتان والثلاث والأربع يشتركن فيه وقوله { من بعد وصية { إلخ الكلام عليه كما تقدم وقوله تعالى { وإن كان رجل يورث كلالة { الكلاله مشتقة من الإكليل وهو الذي يحيط بالرأس من جوانبه والمراد هنا من يرثه من حواشيه لا أصوله ولا فروعه كما روى الشعبي عن أبي بكر الصديق أنه سئل عن الكلالة فقال: أقول فيها برأيي فإن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه: الكلالة من لا ولد له ولا والد. فلما ولي عمر قال: إنى لأستحي أن أخالف أبا بكر في رأي رآه. كذا رواه ابن جرير وغيره وقال ابن أبي حاتم في تفسيره حدثنا محمد بن يزيد عن سفيان عن سليمان الأحول عن طاوس قال: سمعت ابن عباس يقول: كنت آخر الناس عهدا بعمر فسمعته يقول القول: ما قلت وما قلت وما قلت قال: الكلالة من لا ولد له ولا والد. وهكذا قال علي وابن مسعود وصح عن غير واحد عن ابن عباس وزيد بن ثابت وبه يقول الشعبي والنخعى والحسن وقتادة وجابر بن زيد والحكم وبه يقول أهل المدينة وأهل الكوفة والبصرة وهو قول الفقهاء السبعة والأئمة الأربعة وجمهور السلف والخلف بل جميعهم وقد حكى الإجماع عليه غير واحد وورد فيه حديث مرفوع قال أبو الحسين بن اللبان: وقد روي عن ابن عباس ما يخالف ذلك وهو أنه من لا ولد له والصحيح عنه الأول ولعل الراوي ما فهم عنه ما أراد. وقوله تعالى { وله أخ أو أخت } أي من أم كما هو في قراءة بعض السلف منهم سعد بن أبي وقاص وكذا فسرها أبو بكر الصديق فيما رواه قتادة عنه { فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث { وإخوة الأم يخالفون بقية الورثة من وجوه أحدها: أنهم يرثون من أدلوا به وهي الأم { والثاني { أن ذكورهم وإناثهم في الميراث سواء { والثالث { لا يرثون إلا إن كان ميتهم يورث كلالة فلا يرثون مع أب ولا جد ولا ولد ولا ولد ابن { الرابع { أنهم لا يزادون على الثلث وإن كثر ذكورهم وإناثهم - وقال ابن أبي حاتم حدثنا يونس حدثنا ابن وهب أخبرنا يونس عن الزهري قال: قضى عمر أن ميراث الأخوة من الأم بينهم للذكر مثل حظ الأنثى قال الزهري: ولا أرى عمر قضى بذلك حتى علم ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه الآية هي التي قال الله تعالى فيها { فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث } واختلف العلماء في المسألة المشتركة وهي زوج وأم أو جدة واثنان من ولد الأم وواحد أو أكثر من ولد الأبوين فعلى قول الجمهور للزوج النصف وللأم أو الجدة السدس ولولد الأم الثلث ويشاركهم فيه ولد الأب والأم بما بينهم من القدر المشترك وهو أخوة الأم وقد وقعت هذه المسئلة في زمان أمير المؤمنين عمر فأعطى الزوج النصف والأم السدس وجعل الثلث لأولاد الأم فقال له أولاد الأبوين: يا أمير المؤمنين هب أن أبانا كان حمارا ألسنا من أم واحدة؟ فشرك بينهم وصح التشريك عن عثمان وهو إحدى الروايتين عن ابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس رضي الله عنهم وبه يقول سعيد بن المسيب وشريح القاضي ومسروق وطاووس ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي وعمر بن عبدالعزيز والثوري وشريك وهو مذهب مالك والشافعي وإسحاق بن راهويه وكان علي بن أبي طالب لا يشرك بينهم بل يجعل الثلث لأولاد الأم ولا شيء لأولاد الأبوين والحالة هذه لأنهم عصبة وقال وكيع بن الجراح: لم يختلف عنه في ذلك وهذا قول أبي بن كعب وأبي موسى الأشعري وهو المشهور عن ابن عباس وهو مذهب الشعبي وابن أبي ليلى وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن والحسن بن زياد وزفر بن الهذيل والإمام أحمد ويحيى بن آدم ونعيم بن حماد وأبي ثور وداود بن علي الظاهري واختاره أبو الحسين بن اللبان الفرضي رحمه الله في كتابه الإيجاز وقوله { من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار } أي لتكن وصيته على العدل لا على الإضرار والجور والحيف بأن يحرم بعض الورثة أو ينقصه أو يزيده على ما فرض الله له من الفريضة فمن سعى في ذلك كان كمن ضاد الله في حكمه وشرعه. ولهذا قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أبو النضر الدمشقي الفراديسي حدثنا عمر بن المغيرة عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { الإضرار في الوصية من الكبائر { وكذا رواه ابن جرير من طريق عمر بن المغيرة هذا وهو أبو حفص بصري سكن المصيصة قال ابن عساكر: ويعرف بمغنى المساكين وروى عنه غير واحد من الأئمة وقال فيه أبو حاتم الرازي: هو شيخ وقال علي بن المديني: هو مجهول لا أعرفه لكن رواه النسائي في سننه عن علي بن حجر عن علي بن مسهر عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس موقوفا { الإضرار في الوصية من الكبائر } وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج عن عائذ بن حبيب عن داود بن أبي هند ورواه ابن جرير من حديث جماعة من الحفاظ عن داود عن عكرمة عن ابن عباس موقوفا وفي بعضها ويقرأ ابن عباس { غير مضار { قال ابن جرير والصحيح الموقوف ولهذا اختلف الأئمة في الإقرار للوارث هل هو صحيح أم لا ؟ على قولين { أحدهما } لا يصح لأنه مظنة التهمة وقد ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث { وهذا مذهب مالك وأحمد بن حنبل وأبي حنيفة والقول القديم للشافعي رحمهم الله وذهب في الجديد إلى أنه يصح الإقرار وهو مذهب طاوس وعطاء والحسن وعمر بن عبدالعزيز وهو اختيار أبي عبدالله البخاري في صحيحه واحتج بأن رافع بن خديج أوصى أن لا تكشف الفزارية عما أغلق عليه بابها قال: وقال بعض الناس لا يجوز إقراره لسوء الظن بالورثة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم { إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث { وقال الله تعالى { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها { فلم يخص وارثا ولا غيره انتهى ما ذكره فمتى كان الإقرار صحيحا مطابقا لما في نفس الأمر جرى فيه هذا الخلاف ومتى كان حيلة ووسيلة إلى زيادة بعض الورثة ونقصان بعضهم فهو حرام بالإجماع وبنص هذه الآية الكريمة { غير مضار وصية من الله والله عليم حليم }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
تِلْكَ حُدُودُ اللهِ ۚ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
    +/- -/+  
الأية
13
 
أي هذه الفرائض والمقادير التي جعلها الله للورثة بحسب قربهم من الميت واحتياجهم إليه وفقدهم له عند عدمه هي حدود الله فلا تعتدوها ولا تجاوزوها. ولهذا قال { ومن يطع الله ورسوله } أي فيها فلم يزد بعض الورثة ولم ينقص بعضها بحيلة ووسيلة بل تركهم على حكم الله وفريضته وقسمته { يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ
    +/- -/+  
الأية
14
 
أي لكونه غير ما حكم الله به وضاد الله في حكمه وهذا إنما يصدر عن عدم الرضا بما قسم الله وحكم به ولهذا يجازيه بالإهانة في العذاب الأليم المقيم - قال الإمام أحمد: حدثنا عبدالرزاق حدثنا معمر عن أشعث بن عبدالله عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة فإذا أوصى وحاف في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة }. قال ثم يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم { تلك حدود الله - إلى قوله - عذاب مهين } قال أبو داود في باب الإضرار في الوصية من سننه: حدثنا عبيدة بن عبدالله أخبرنا عبدالصمد حدثنا نصر بن علي الحراني حدثنا الأشعث بن عبدالله بن جابر الحداني حدثني شهر بن حوشب أن أبا هريرة حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { إن الرجل ليعمل - أو المرأة - بطاعة الله ستين سنة ثم يحضرهما الموت فيضران في الوصية فتجب لهما النار } وقال قرأ علي أبو هريرة من ههنا { من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار- حتى بلغ - ذلك الفوز العظيم }. وهكذا رواه الترمذي وابن ماجه من حديث أشعث وأكمل به وقال الترمذي: حسن غريب وسياق الإمام أحمد أتم وأكمل.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا
    +/- -/+  
الأية
15
 
كان الحكم في ابتداء الإسلام أن المرأة إذا ثبت زناها بالبينة العادلة حبست في بيت فلا تمكن من الخروج منه إلى أن تموت ولهذا قال: { واللاتي يأتين الفاحشة } يعني الزنا { من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا } فالسبيل الذي جعله الله هو الناسخ لذلك. قال ابن عباس رضي الله عنه: كان الحكم كذلك حتى أنزل الله سورة النور فنسخها بالجلد أو الرجم وكذا روى عن عكرمة وسعيد بن جبير والحسن وعطاء الخراساني وأبي صالح وقتادة وزيد بن أسلم والضحاك أنها منسوخة وهو أمر متفق عليه - قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن حطان بن عبدالله الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي أثر عليه وكرب لذلك وتغير وجهه فأنزل الله عز وجل عليه ذات يوم فلما سرى عنه قال: { خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب والبكر بالبكر الثيب جلد مائة ورجم بالحجارة والبكر جلد مائة ثم نفي سنة }. وقد رواه مسلم وأصحاب السنن من طرق عن قتادة عن الحسن عن حطان عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه { خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم } . قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وكذا رواه أبو داود الطيالسي عن مبارك بن فضالة عن الحسن عن حطان بن عبدالله الرقاشي عن عبادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه الوحي عرف ذلك في وجهه فأنزلت { أو يجعل الله لهن سبيلا } فلما ارتفع الوحي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { خذوا خذوا قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة } . وقد روى الإمام أحمد أيضا هذا الحديث عن وكيع بن الجراح عن الحسن حدثنا الفضل بن دلهم عن قبيصة بن حرب عن سلمة بن المحبق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفى سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم { وكذا رواه أبو داود مطولا من حديث الفضل بن دلهم ثم قال: وليس هو بالحافظ كان قصابا بواسط. حديث آخر } قال أبو بكر بن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا عباس بن حمدان حدثنا أحمد بن داود حدثنا عمرو بن عبدالغفار حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن مسروق عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { البكران يجلدان وينفيان والثيبان يجلدان ويرجمان والشيخان يرجمان }. هذا حديث غريب من هذا الوجه وروى الطبراني من طريق ابن لهيعة عن أخيه عيسى بن لهيعة عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { البكران يجلدان وينفيان والثيبان يجلدان ويرجمان والشيخان يرجمان { هذا حديث غريب من هذا الوجه وروى الطبراني من طريق ابن لهيعة عن أخيه عيسى بن لهيعة عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت سورة النساء قال رسول الله صلى وآله وسلم { لا حبس بعد سورة النساء { وقد ذهب الإمام أحمد بن حنبل إلى القول بمقتضى هذا الحديث وهو الجمع بين الجلد والرجم في حق الثيب الزاني وذهب الجمهور إلى أن الثيب الزاني إنما يرجم فقط من غير جلد قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا والغامدية واليهوديين ولم يجلدهم قبل ذلك فدل على أن الرجم ليس بحتم بل هو منسوخ على قولهم والله أعلم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا ۖ فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا ۗ إِنَّ اللهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا
    +/- -/+  
الأية
16
 
وقوله تعالى { واللذان يأتيانها منكم فآذوهما } أي واللذان يفعلان الفاحشة فآذوهما قال ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير وغيرهما: أي بالشتم والتعيير والضرب بالنعال وكان الحكم كذلك حتى نسخه الله بالجلد أو الرجم وقال عكرمة وعطاء والحسن وعبدالله بن كثير: نزلت في الرجل والمرأة إذا زنيا وقال السدي: نزلت في الفتيان من قبل أن يتزوجوا. وقال مجاهد: نزلت في الرجلين إذا فعلا- لا يكنى وكأنه يريد اللواط والله أعلم: وقد روى أهل السنن من حديث عمرو بن أبي محمد عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من رأيتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به } وقوله { فإن تابا وأصلحا } أي أقلعا ونزعا عما كان عليه وصلحت أعمالهما وحسنت { فأعرضوا عنهما } أي لا تعنفوهما بكلام قبيح بعد ذلك لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له { إن الله كان توابا رحيما } وقد ثبت في الصحيحين { إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها } أي لا يعيرها بما صنعت بعد الحد الذي هو كفارة لما صنعت.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ ۗ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
    +/- -/+  
الأية
17
 
يقول سبحانه وتعالى إنما يقبل الله التوبة ممن عمل السوء بجهالة ثم يتوب ولو بعد معاينة الملك يقبض روحه قبل الغرغرة. قال مجاهد وغير واحد: كل من عصى الله خطأ أو عمدا فهو جاهل حتى ينزع عن الذنب وقال قتادة عن أبي العالية أنه كان يحدث أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون: كل ذنب أصابه عبد فهو جهالة رواه ابن جرير. وقال عبدالرزاق أخبرنا معمر عن قتادة قال: اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأوا أن كل شيء عصي الله به فهو جهالة عمدا كان أو غيره. وقال ابن جريج أخبرني عبدالله بن كثير عن مجاهد قال: كل عامل بمعصية الله فهو جاهل حين عملها. قال ابن جريج وقال لي عطاء بن أبي رباح نحوه. وقال أبو صالح عن ابن عباس من جهالته عمل السوء. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { ثم يتوبون من قريب } قال: ما بينه وبين أن ينظر إلى ملك الموت وقال الضحاك: ما كان دون الموت فهو قريب. وقال قتادة والسدي: ما دام في صحته وهو مروي عن ابن عباس وقال الحسن البصري: { ثم يتوبون من قريب } ما لم يغرغر وقال عكرمة: الدنيا كلها قريب } ذكر الأحاديث في ذلك { قال الإمام أحمد حدثنا علي بن عياش وعصام بن خالد قال حدثنا ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير عن ابن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: { إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ". رواه الترمذي وابن ماجه من حديث عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان به وقال الترمذي حسن غريب ووقع في سنن ابن ماجه: عن عبدالله بن عمرو وهو وهم إنما هو عبدالله بن عمر بن الخطاب { حديث آخر { قال ابن مردويه: حدثنا محمد بن معمر حدثنا عبدالله بن الحسن الحراني حدثنا يحيى بن عبدالله البابلي حدثنا أيوب بن نهيك الحلبي سمعت عطاء بن أبي رباح قال: سمعت عبدالله بن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { ما من عبد مؤمن يتوب قبل الموت بشهر إلا قبل الله منه أدنى من ذلك وقبل موته بيوم وساعة يعلم الله منه التوبة والإخلاص إليه إلا قبل منه } حديث آخر قال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة عن إبراهيم بن ميمونه وأخبرني رجل من ملحان يقال له أيوب قال سمعت عبدالله بن عمر يقول: من تاب قبل موته بعام تيب عليه ومن تاب قبل موته بشهر تيب عليه ومن تاب قبل موته بجمعة تيب عليه ومن تاب قبل موته بيوم تيب عليه ومن تاب قبل موته بساعة تيب عليه. فقلت إنما قال الله { إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب } فقال إنما أحدثك ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهكذا رواه أبو داود الطيالسي وأبو عمر الحوضي وأبو عامر العقدي عن شعبة } حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا حسين بن محمد حدثنا محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عبدالرحمن بن السلماني قال: اجتمع أربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحدهم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: { إن الله يقبل توبة العبد قبل أن يموت بيوم { فقال الآخر أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم ؟ قال: وأنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { إن الله يقبل توبة العبد قبل أن يموت بنصف يوم } فقال الثالث أنت سمعت هذا من رسول صلى الله عليه وسلم ؟ قال نعم قال وأنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { إن الله يقبل توبة العبد قبل أن يموت بضحوة } قال الرابع: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال نعم قال: وأنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: { إن الله يقيل توبة العبد ما لم يغرغر بنفسه } وقد رواه سعيد بن منصور عن الدراوردي عن زيد بن أسلم عن عبدالرحمن بن السلماني فذكر قريبا منه } حديث آخر } قال أبو بكر بن مردويه: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد حدثنا عمران بن عبدالرحيم حدثنا عثمان بن الهيثم حدثنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر } [أحاديث في ذلك مرسلة] قال ابن جرير حدثنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن عوف عن الحسن قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر } هذا مرسل حسن عن الحسن البصري رحمه الله. وقد قال ابن جرير أيضا رحمه الله: حدثنا ابن بشار حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن العلاء بن زياد عن أبي أيوب بشير بن كعب أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: { إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر } وحدثنا ابن بشار حدثنا عبدالأعلى عن سعيد عن قتادة عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكر مثله. { حديث آخر } قال ابن جرير: حدثنا ابن بشار حدثنا أبو داود حدثنا عمران عن قتادة قال: كنا عند أنس بن مالك وثم أبى قلابة فحدث أبو قلابة فقال: إن الله تعالى لما لعن إبليس سأله النظرة فقال: وعزتك وجلالك لا أخرج من قلب ابن آدم ما دام فيه الروح. فقال الله عز وجل: وعزتي لا أمنعه التوبة ما دام فيه الروح وقد ورد هذا في حديث مرفوع رواه الإمام أحمد في مسنده من طريق عمرو بن أبي عمرو وأبي الهيثم العتواري كلاهما عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { قال إبليس يا رب وعزتك لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم. فقال الله عز وجل وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني } فقد دلت هذه الأحاديث على أن من تاب إلى الله عز وجل وهو يرجو الحياة فإن توبته مقبولة ولهذا قال تعالى { فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما } وأما متى وقع الإياس من الحياة وعاين الملك وخرجت الروح في الحلق وضاق بها الصدر وبلغت الحلقوم وغرغرت النفس صاعدة في الغلاصم فلا توبة مقبولة حينئذ ولات حين مناص.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
    +/- -/+  
الأية
18
 
ولهذا قال { وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنى تبت الآن } وهذا كما قال تعالى { فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده } الآيتين ; وكما حكم تعالى بعدم توبة أهل الأرض إذا عاينوا الشمس طالعة من مغربها في قوله تعالى { يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا } الآية. وقوله { ولا الذين يموتون وهم كفار } يعني أن الكافر إذا مات على كفره وشركه لا ينفعه ندمه ولا توبته ولا يقبل منه فدية ولو بملء الأرض. قال ابن عباس وأبو العالية والربيع بن أنس { ولا الذين يموتون وهم كفار } قالوا نزلت في أهل الشرك وقال الإمام أحمد حدثنا سليمان بن داود قال حدثنا عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان حدثني أبي عن مكحول أن عمر بن نعيم حدثه أن أبا ذر حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { إن الله يقبل توبة عبده -أو يغفر لعبده- ما لم يقع الحجاب { قيل وما وقوع الحجاب ؟ قال { تخرج النفس وهي مشركة { ولهذا قال الله تعالى { أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما } أي موجعا شديدا مقيما.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا
    +/- -/+  
الأية
19
 
قال البخاري حدثنا محمد بن مقاتل حدثنا أسباط بن محمد حدثنا الشيباني عن عكرمة عن ابن عباس قال الشيباني وذكره أبو الحسن السوائي ولا أظنه ذكره إلا عن ابن عباس { يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها } قال كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها وإن شاءوا زوجوها وإن شاءوا لم يزوجوها فهم أحق بها من أهلها; فنزلت هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها } هكذا ذكره البخاري وأبو داود والنسائي وابن مردويه وابن أبي حاتم من حديث أبى إسحاق الشيباني واسمه سليمان بن أبي سليمان عن عكرمة وعن أبي الحسن السوائي واسمه عطاء كوفي أعمى كلاهما عن ابن عباس بما تقدم وقال أبو داود حدثنا محمد بن أحمد بن ثابت المروزي حدثني علي بن حسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال { لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } وذلك أن الرجل كان يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها حتى تموت أو ترد إليه صداقها فأحكم الله تعالى عن ذلك أي نهى عن ذلك تفرد به أبو داود وقد رواه عن غير واحد عن ابن عباس بنحو ذلك. وروى وكيع عن سفيان عن علي بن نديمة عن مقسم عن ابن عباس كانت المرأة في الجاهلية إذا توفي عنها زوجها فجاء رجل فألقى عليها ثوبا كان أحق بها فنزلت { يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها }. وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله { يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها { قال كان الرجل إذا مات وترك جارية ألقى عليها حميمه ثوبه فمنعها من الناس فإن كانت جميلة تزوجها وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت فيرثها وروى العوفي عنه عن الرجل من أهل المدينة إذا مات حميم أحدهم ألقى ثوبه على امرأته فورث نكاحها ولم ينكحها أحد غيره وحبسها عنده حتى تفتدى منه بفدية. فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها }. وقال زيد بن أسلم في الآية عن أهل يثرب إذا مات الرجل منهم في الجاهلية ورث امرأته من يرث ماله وكان يعضلها حتى يرثها أو يزوجها من أراد وكان أهل تهامة يسيء الرجل صحبة المرأة حتى يطلقها ويشترط عليها أن لا تنكح إلا من أراد حتى تفتدي منه ببعض ما أعطاها فنهى الله المؤمنين عن ذلك رواه ابن أبي حاتم وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا موسى بن إسحاق حدثنا علي بن المنذر. حدثنا محمد بن فضيل عن يحيى بن سعيد عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال: لما توفي أبو قيس بن الأسلت أراد ابنه أن يتزوج امرأته وكان لهم ذلك في الجاهلية فأنزل الله { لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها }. ورواه ابن جرير من حديث محمد بن فضيل به ثم روى من طريق ابن جريج قال: أخبرني عطاء أن أهل الجاهلية كانوا إذا هلك الرجل وترك امرأة حبسها أهله على الصبي يكون فيهم فنزلت { لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها } الآية. وقال ابن جريج قال مجاهد كان الرجل إذا توفي كان ابنه أحق بامرأته ينكحها إن شاء إذا لم يكن ابنها أو ينكحها من شاء أخاه أو ابن أخيه. وقال ابن جريج قال عكرمة نزلت في كبيشة بنت معن بن عاصم بن الأوس توفي عنها أبو قيس بن الأسلت فجنح عليها ابنه فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقالت يا رسول الله: لا أنا ورثت زوجي ولا أنا تركت فأنكح ! فأنزل الله هذه الآية وقال السدي عن أبي مالك: كانت المرأة في الجاهلية إذا مات زوجها جاء وليه فألقى عليها ثوبا فإن كان له ابن صغير أو أخ حبسها حتى يشب أو تموت فيرثها فإن هي انفلتت فأتت أهلها ولم يلق عليها ثوبا نجت فأنزل الله { لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها }. وقال مجاهد في الآية: كان الرجل يكون في حجره اليتيمة هو يلي أمرها فيحبسها رجاء أن تموت امرأته فيتزوجها أو يزوجها ابنه رواه ابن أبى حاتم ثم قال وروى عن الشعبي وعطاء بن أبي رباح وأبي مجلز والضحاك والزهري وعطاء الخراساني ومقاتل بن حيان نحو ذلك. قلت: فالآية تعم ما كان يفعله أهل الجاهلية وما ذكره مجاهد ومن وافقه وكل ما كان فيه نوع من ذلك والله أعلم وقوله { ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن } أي لا تضاروهن في العشرة لتترك ما أصدقتها أو بعضه أو حقا من حقوقها عليك أو شيئا من ذلك على وجه القهر لها والإضرار. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله { ولا تعضلوهن } يقول ولا تقهروهن { لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن } يعني الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر فيضرها لتفتدي به وكذا قال الضحاك وقتادة وغير واحد واختاره ابن جرير وقال ابن المبارك وعبدالرزاق أخبرنا معمر أخبرني سماك بن الفضل عن ابن السلماني قال: نزلت هاتان الآيتان إحداهما في أمر الجاهلية والأخرى في أمر الإسلام. قال عبدالله بن المبارك يعني قوله { لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها } في الجاهلية { ولا تعضلوهن } في الإسلام وقوله { إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } قال ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب ; والشعبي والحسن البصري ومحمد بن سيرين وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وعطاء الخراساني والضحاك وأبو قلابة وأبو صالح السدي وزيد بن أسلم وسعيد بن أبي هلال يعني بذلك الزنا يعني إذا زنت فلك أن تسترجع منها الصداق الذي أعطيتها وتضاجرها حتى تتركه لك وتخالعها كما قال تعالى في سورة البقرة { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله } الآية وقال ابن عباس وعكرمة والضحاك: الفاحشة المبينة النشوز والعصيان واختار ابن جرير أنه يعم ذلك كله الزنا والعصيان والنشوز وبذاء اللسان وغير ذلك. يعني أن هذا كله يبيح مضاجرتها حتى تبرئه من حقها أو بعضه ويفارقها وهذا جيد والله أعلم. وقد تقدم فيما رواه أبو داود منفردا به من طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس في قوله { لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } قال وذلك أن الرجل كان يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها حتى تموت أو ترد إليه صداقها فأحكم الله عن ذلك أي نهى عن ذلك. قال عكرمة والحسن البصري: وهذا يقتضي أن يكون السياق كله كان في أمر الجاهلية ولكن نهى المسلمون عن فعله في الإسلام. وقال عبدالرحمن بن زيد كان العضل في قريش بمكة ينكح الرجل المرأة الشريفة فلعلها لا توافقه فيفارقها على أن لا تتزوج إلا بإذنه فيأتي بالشهود فيكتب ذلك عليها ويشهد فإذا جاء الخاطب فإن أعطته وأرضته أذن لها وإلا عضلها. قال فهذا قوله { ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن } الآية وقال مجاهد في قوله { ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن } هو كالعضل في سورة البقرة. وقوله تعالى { وعاشروهن بالمعروف } أي طيبوا أقوالكم لهن وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم كما تحب ذلك منها فافعل أنت بها مثله كما قال تعالى { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { خيركم خيركم لأهله ; وأنا خيركم لأهلي { وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة دائم البشر ; يداعب أهله ; ويتلطف بهم ويوسعهم نفقة ويضاحك نساءه حتى إنه كان يسابق عائسة أم المؤمنين رضي الله عنها يتودد إليها بذلك قالت سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته وذلك قبل أن أحمل اللحم ; ثم سابقته بعدما حملت اللحم فسبقني فقال { هذه بتلك { ويجمع نساءه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد يضع عن كتفيه الرداء وينام بالإزار وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلا قبل أن ينام يؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم. وقد قال الله تعالى { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } وأحكام عشرة النساء وما يتعلق بتفصيل ذلك موضعه كتب الأحكام ولله الحمد. وقوله تعالى { فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا } أي فعسى أن يكون صبركم في إمساكهن مع الكراهة فيه خير كثير لكم في الدنيا والآخرة كما قال ابن عباس في هذه الآية هو أن يعطف عليها فيرزق منها ولدا ويكون في ذلك الولد خير كثير وفي الحديث الصحيح { لا يفرك مؤمن مؤمنة إن سخط منها خلقا رضي منها آخر }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا
    +/- -/+  
الأية
20
 
وقوله تعالى { وإن أردتم استبدال زوح مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا } أي إذا أراد أحدكم أن يفارق امرأة ويستبدل مكانها غيرها فلا يأخذ مما كان أصدق الأولى شيئا ولو كان قنطارا من مال وقد قدمنا في سورة آل عمران الكلام على القنطار بما فيه كفاية عن إعادته ههنا. وفي هذه الآية دلالة على جواز الإصداق بالمال الجزيل وقد كان عمر بن الخطاب نهى عن كثرة الإصداق ثم رجع عن ذلك كما قال الإمام أحمد حدثنا إسماعيل حدثنا سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين قال: نبئت عن أبي العجفاء السلمي قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: ألا لا تغالوا في صداق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية وإن كان الرجل ليبتلى بصدقة امرأته حتى يكون لها عداوة في نفسه وحتى يقول كلفت إليك علق القربة ثم رواه الإمام أحمد وأهل السنن من طرق عن محمد بن سيربن عن أبي العجفاء واسمه هرم بن سيب البصري وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. { طريق أخرى عن عمر { قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا أبو خيثمة حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني محمد بن عبدالرحمن عن خالد بن سعيد عن الشعبي عن مسروق قال: ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: أيها الناس ما إكثاركم في صداق النساء وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها فلأعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم قال: ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم ؟ قال: نعم فقالت: أما سمعت ما أنزل الله في القرآن ؟ قال: وأي ذلك ؟ فقالت: أما سمعت الله يقول { وآتيتم إحداهن قنطارا { الآية قال: فقال اللهم غفرا كل الناس أفقه من عمر ثم رجع فركب المنبر فقال: أيها الناس إنى كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب قال أبو يعلى: وأظنه قال: فمن طابت نفسه فليفعل إسناده جيد قوي { طريقة أخرى { قال ابن المنذر حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبدالرزاق عن قيس بن ربيع عن أبي حصين عن أبي عبدالرحمن السلمي قال: قال عمر بن الخطاب لا تغالوا في مهور النساء فقالت امرأة: ليس ذلك لك يا عمر إن الله يقول { وآتيتم إحداهن قنطارا { من ذهب - قال وكذلك هي في قراءة عبدالله بن مسعود - فلا يحل لكم أن تأخذوا منه شيئا فقال عمر: إن امرأة خاصمت عمر فخصمته { طريق أخرى عن عمر فيها انقطاع } قال الزبير بن بكار: حدثني عمي مصعب بن عبدالله عن جدي قال: قال عمر بن الخطاب: لا تزيدوا في مهور النساء وإن كانت بنت ذي القصة - يعني يزيد بن الحصين الحارثي - فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال فقالت امرأة من صفة النساء طويلة- في أنفها فطس- ما ذاك لك قال: ولم ؟ قالت: إن الله قال { وآتيتم إحداهن قنطارا { الآية فقال عمر: امرأة أصابت ورجل أخطأ ولهذا قال منكرا { وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض } أي وكيف تأخذون الصداق من المرأة وقد أفضيت إليها وأفضيت إليك قال ابن عباس ومجاهد والسدي وغير واحد: يعني بذلك الجماع- وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمتلاعنين بعد فراغهما من تلاعنهما { الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب { قالها ثلاثا فقال الرجل: يا رسول الله مالي -يعني ما أصدقها- قال { لا مال لك إن كنت صدقت فهو بما استحللت من فرجها وإن كنت كذبت عليها فهو أبعد لك منها { وفي سنن أبي داود وغيره عن نضرة بن أبي نضرة أنه تزوج امرأة بكرا في خدرها فإذا هي حامل من الزنا فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقضى لها بالصداق وفرق بينهما وأمر بجلدها وقال { الولد عبد لك والصداق في مقابلة البضع } .

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا
    +/- -/+  
الأية
21
 
ولهذا قال تعالى { وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض } وقوله تعالى { وأخذن منكم ميثاقا غليظا } روى عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير أن المراد بذلك العقد وقال سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عباس في قوله { وأخذن منكم ميثاقا غليظا } قال إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان قال ابن أبي حاتم: وروى عن عكرمة ومجاهد وأبي العالية والحسن وقتادة ويحيى بن أبي كثير والضحاك والسدي نحو ذلك. وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس في الآية هو قوله { أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله { فإن كلمة الله هي التشهد في الخطبة قال: وكان فيما أعطي النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به قال له { وجعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي { رواه ابن أبى حاتم وفي صحيح مسلم عن جابر في خطبة حجة الوداع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيها: { واستوصوا بالنساء خيرا فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله } .

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا
    +/- -/+  
الأية
22
 
وقوله تعالى { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء { الآية يحرم الله تعالى زوجات الآباء تكرمة لهم وإعظاما واحتراما أن توطأ من بعده حتى أنها لتحرم على الابن بمجرد العقد عليها وهذا أمر مجمع عليه. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا قيس بن الربيع حدثنا أشعث بن سوار عن عدي بن ثابت عن رجل من الأنصار قال: لما توفي أبو قيس - يعني ابن الأسلت - وكان من صالحي الأنصار فخطب ابنه قيس امرأته فقالت: إنما أعدك ولدا وأنت من صالحي قومك ولكن آتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبا قيس توفي فقال: { خيرا { ثم قالت إن ابنه قيسا خطبني وهو من صالحي قومه وإنما كنت أعده ولدا فما ترى ؟ فقال لها { ارجعي إلى بيتك { قال: فنزلت { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء { الآية وقال ابن جرير: حدثنا القاسم حدثنا حسين حدثنا حجاج عن ابن جريج عن عكرمة في قوله { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف } قال: نزلت في أبي قيس بن الأسلت خلف على أم عبيد الله ضمرة وكانت تحت الأسلت أبيه وفي الأسود بن خلف وكان خلف على ابنة أبي طلحة بن عبدالعزى بن عثمان بن عبدالدار وكانت عند أبيه خلف وفي فاختة ابنة الأسود بن المطلب بن أسد كانت عند أمية بن خلف فخلف عليها صفوان بن أمية وقد زعم السهيلي أن نكاح نساء الآباء كان معمولا به في الجاهلية ولهذا قال { إلا ما قد سلف { كما قال { وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف { قال وقد فعل ذلك كنانة بن خزيمة تزوج بامرأة أبيه فأولدها ابنه النضر بن كنانة قال: وقد قال صلى الله عليه وسلم { ولدت من نكاح لا من سفاح { قال: فدل على أنه كان سائغا لهم ذلك فأراد أنهم كانوا يعدونه نكاحا فقد قال ابن جرير: حدثنا محمد بن عبدالله المخزومي حدثنا قراد حدثنا ابن عيينة عن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يحرمون ما حرم الله إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين فأنزل الله تعالى { ولا: تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } { وأن تجمعوا بين الأختين { وهكذا قال عطاء وقتادة ولكن فيما نقله السهيلي من قصة كتابه نظر والله أعلم وعلى كل تقدير فهو حرام في هذه الأمة مبشع غاية التبشع ولهذا قال تعالى { إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا { وقال { ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن { وقال { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا { فزاد ههنا { ومقتا } أي بغضا أي هو أمر كبير في نفسه ويؤدي إلى مقت الابن أباه بعد أن يتزوج بامرأته فإن الغالب أن من يتزوج بامرأة يبغض من كان زوجها قبله ولهذا حرمت أمهات المؤمنين على الأمة لأنهن أمهات لكونهن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وهو كالأب بل حقه أعظم من حق الأباء بالإجماع بل حبه مقدم على حب النفوس صلوات الله وسلامه عليه. وقال عطاء بن أبي رباح في قوله { ومقتا } أي يمقت الله عليه { وساء سبيلا } أي وبئس طريقا لمن سلكه من الناس فمن تعاطاه بعد هذا فقد ارتد عن دينه فيقتل ويصير ماله فيئا لبيت المال كما رواه الإمام أحمد وأهل السنن من طرق عن البراء بن عازب عن خاله أبي بردة - وفي رواية ابن عمر وفي رواية عمه -أنه بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن يقتله ويأخذ ماله وقال الإمام أحمد: حدثنا هشيم حدثنا أشعث عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: مر بي عمي الحارث بن عمير ومعه لواء قد عقده له النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له: أي عم أين بعثك النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: بعثني إلى رجل تزوج امرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه. { مسألة } وقد أجمع العلماء على تحريم من وطئها الأب بتزويج أو ملك أو شبهة واختلفوا فيمن باشرها بشهوة دون الجماع أو نظر إلى ما لا يحل له النظر إليه منها لو كانت أجنبية فعن الإمام أحمد رحمه الله أنها تحرم أيضا بذلك وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة خديج الحمصي مولى معاوية قال: اشترى لمعاوية جارية بيضاء جميلة فأدخلها عليه مجردة وبيده قضيب فجعل يهوي به إلى متاعها ويقول نعم المتاع لو كان له متاع اذهب بها إلى يزيد بن معاوية ثم قال لا ادع لي ربيعة بن عمرو الحرسي وكان فقيها فلما دخل عليه قال إن هذه أتيت بها مجردة فرأيت منها ذاك وذاك وإني أردت أن أبعث بها إلى يزيد فقال: لا تفعل يا أمير المؤمنين فإنها لا تصلح له. ثم قال نعم ما رأيت ثم قال: ادع لي عبدالله بن مسعدة الفزاري فدعوته وكان آدم شديد الأدمة. فقال: دونك هذه بيض بها ولدك قال: وكان عبدالله بن مسعدة هذا وهبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة فربته ثم أعتقته ثم كان بعد ذلك مع معاوية على علي رضي الله عنه.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۗ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا
    +/- -/+  
الأية
23
 
هذه الآية الكريمة هي آية تحريم المحارم من النسب وما يتبعه من الرضاع والمحارم بالصهر كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن سنان حدثنا عبدالرحمن بن مهدي عن سفيان بن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: حرمت عليكم سبع نسبا وسبع صهرا وقرأ { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخـواتكم { الآية وحدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد حدثنا أبو أحمد حدثنا سفيان عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن عمير مولى ابن عباس عن ابن عباس قال: يحرم من النسب سبع ومن الصهر سبع ثم قرأ { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت { فهن النسب وقد استدل جمهور العلماء على تحريم المخلوقة من ماء الزاني عليه بعموم قوله تعالى { وبناتكم { فإنها بنت فتدخل في العموم كما هو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل وقد حكى عن الشافعي شيء في إباحتها لأنها ليست بنتا شرعية فكما لم تدخل في قوله { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين { فإنها لا ترث بالإجماع فكذلك لا تدخل في هذه الآية والله أعلم وقوله تعالى { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة } أي كما يحرم عليك أمك التي ولدتك كذلك يحرم عليك أمك التي أرضعتك ولهذا ثبت في الصحيحين من حديث مالك بن أنس عن عبدالله ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة بنت عبدالرحمن عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة { وفي لفظ لمسلم { يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب { وقال بعض الفقهاء كل ما يحرم من النسب يحرم من الرضاعة إلا أربع صور وقال بعضهم: ست صور هي مذكورة في كتب الفروع والتحقيق أنه لا يستثنى شيء من ذلك لأنه يوجد مثل بعضها في النسب وبعضها إنما يحرم من جهة الصهر فلا يرد على الحديث شيء أصلا البتة ولله الحمد وبه الثقة. ثم اختلف الأئمة في عدد الرضعات المحرمة فذهب ذاهبون إلى أنه يحرم مجرد الرضاع لعموم هذه الآية وهذا قول مالك ويروى عن ابن عمر وإليه ذهب سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والزهري. وقال آخرون: لا يحرم أقل من ثلاث رضعات لما ثبت في صحيح مسلم من طريق هاشم بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال } لا تحرم المصة والمصتان { وقال قتادة عن أبي الخليل عن عبدالله بن الحارث عن أم الفضل قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا تحرم الرضعة والرضعتان والمصة والمصتان { وفي لفظ آخر { لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان { رواه مسلم. وممن ذهب إلى هذا القول الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد وأبو ثور وهو مروى عن علي وعائشة وأم الفضل وابن الزبير وسليمان بن يسار وسعيد بن جبير رحمهم الله. وقال آخرون: لا يحرم أقل من خمس رضعات لما ثبت في صحيح مسلم من طريق مالك عن عبدالله بن أبي بكر عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان فيما أنزل من القرآن { عشر رضعات معلومات يحرمن } ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن ; وروى عبدالرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة نحو ذلك. وفي حديث سهلة بنت سهيل أن رسول الله صلى أمرها أن ترضع سالما مولى أبي حذيفة خمس رضعات وكانت عائشة تأمر من يريد أن يدخل عليها أن يرضع خمس رضعات وبهذا قال الشافعي وأصحابه ثم ليعلم أنه لا بد أن تكون الرضاعة في سن الصغر دون الحولين على قول الجمهور. وقد قدمنا الكلام على هذه المسألة في سورة البقرة عند قوله { يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } . ثم اختلفوا هل يحرم لبن الفحل كما هو قول جمهور الأئمة الأربعة وغيرهم أو إنما يختص الرضاع بالأم فقط ولا ينتشر إلى ناحية الأب كما هو قول لبعض السلف على قولين تحريم هذا كله في كتاب الأحكام الكبيرة وقوله { وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم { أما أم المرأة فإنها تحرم بمجرد العقد على بنتها سواء دخل بها أو لم يدخل بها. وأما الربيبة وهي بنت المرأة فلا تحرم حتى يدخل بأمها فإن طلق الأم قبل الدخول بها جاز له أن يتزوح بنتها ولهذا قال { وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم { في تزويجهن ; فهذا خاص بالربائب وحدهن وقد فهم بعضهم عود الضمير إلى الأمهات والربائب فقال: لا تحرم واحدة من الأم ولا البنت بمجرد العقد على الأخرى حتى يدخل بها لقوله { فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم { وقال ابن جرير: حدثنا ابن بشار حدثنا ابن أبي عدي وعبدالأعلى عن سعيد عن قتادة عن جلاس بن عمرو عن علي رضي الله تعالى عنه في رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها أيتزوج بأمها قال: هي بمنزلة الربيبة. وحدثنا ابن بشار حدثنا يحيى عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن زيد بن ثابت قال: إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فلا بأس أن يتزوج أمها. وفي رواية عن قتادة عن سعيد عن زيد بن ثابت أنه كان يقول: إذا ماتت فأخذ ميراثها كره أن يخلف على أمها فإذا طلقها قبل أن يدخل بها فإن شاء فعل. وقال ابن المنذر: حدثنا إسحاق عن عبدالرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني أبو بكر بن حفص عن مسلم بن عويمر الأجدع أن بكر بن كنانة أخبره أن أباه أنكحه امرأة بالطائف قال: فلم أجامعها حتى توفي عمي عن أمها وأمها ذات مال كثير فقال أبي: هل لك في أمها ؟ قال: فسألت ابن عباس وأخبرته ؟ فقال: انكح أمها قال: وسألت ابن عمر فقال: لا تنكحها فأخبرت أبي بما قالا فكتب إلى معاوية فأخبره بما قالا فكتب معاوية: إني لا أحل ما حرم الله ولا أحرم ما أحل الله وأنت وذاك والنساء سواها كثير فلم ينه ولم يأذن لي فانصرف أبي عن أمها فلم ينكحنيها. وقال عبدالرزاق: أخبرنا معمر عن سماك بن الفضل عن رجل عن عبدالله بن الزبير قال: الربيبة والأم سواء لا بأس بها إذا لم تدخل بالمرأة وفي إسناده مبهم. وقال ابن جريج أخبرني عكرمة بن كليد أن مجاهدا قال { وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم } أراد بهما الدخول جميعا فهذا القول كما ترى مروى عن علي وزيد بن ثابت وعبدالله بن الزبير ومجاهد وسعيد بن جبير وابن عباس وقد توقف فيه معاوية وذهب إليه من الشافعية أبو الحسن أحمد بن محمد الصابوني فيما نقله الرافعي عن العبادي وقد روى عن ابن مسعود مثله ثم رجع عنه. قال الطبراني: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري حدثنا عبدالرزاق عن الثوري عن أبي فروة عن أبي عمرو الشيباني عن ابن مسعود: أن رجلا من بني كمخ من فزارة تزوج امرأة فرأى أمها فأعجبته فاستفتى ابن مسعود فأمره أن يفارقها ثم يتزوج أمها فتزوجها وولدت له أولادا ثم أتى ابن مسعود المدينة فسئل عن ذلك فأخبر أنها لا تحل له فلما رجع إلى الكوفة قال للرجل: إنها عليك حرام ففارقها. وجمهور العلماء على أن الربيبة لا تحرم بالعقد على الأم بخلاف الأم فإنها تحرم بمجرد العقد. قال ابن أبي حاتم: حدثنا جعفر بن محمد حدثنا هارون بن عروة عن عبدالوهاب عن سعيد عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقول: إذا طلق الرجل المرأة قبل أن يدخل بها أو ماتت لم تحل له أمها { وروي { أنه قال: إنها مبهمة فكرهها ثم قال: وروى عن ابن مسعود وعمران بن حصين ومسروق وطاووس وعكرمة وعطاء والحسن ومحكول وابن سيرين وقتادة والزهري نحو ذلك وهذا مذهب الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة وجمهور الفقهاء قديما وحديثا ولله الحمد والمنة - قال ابن جريج: والصواب قول من قال الأم من المبهمات لأن الله لم يشترط معهن الدخول كما اشترطه مع أمهات الربائب مع أن ذلك أيضا إجماع الحجة التي لا يجوز خلافها فيما جاءت به متفقة عليه وقد روي بذلك أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر غريب وفي إسناده نظر وهو ما حدثني به ابن المثنى حدثنا حبان بن موسى حدثنا ابن المبارك أخبرنا المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إذا نكح الرجل المرأة فلا يحل له أن يتزوج أمها دخل بالبنت أو لم يدخل فإذا تزوج بالأم فلم يدخل بها ثم طلقها فإن شاء تزوج الابنة { ثم قال: وهذا الخبر وإن كان في إسناده ما فيه فإن في إجماع الحجة على صحة القول به مستغنى عن الاستشهاد على صحته بغيره. وأما قوله تعالى { وربائبكم اللاتي في حجوركم { فالجمهور على أن الربيبة حرام سواء كان في حجر الرجل أو لم تكن في حجره. قالوا: وهذا الخطاب خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له كقوله تعالى { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا { وفي الصحيحين أن أم حبيبة قالت: يا رسول الله انكح أختي بنت أبي سفيان - وفي لفظ لمسلم - عزة بنت أبي سفيان قال { أو تحبين ذلك{ ؟ قالت: نعم لست بك بمخلية وأحب من شاركني في خير أختي قال { فإن ذلك لا يحل لي } قالت: فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة قال { بنت أم سلمة { قالت: نعم قال: { إنها لو لم تكن ربيبتي في حجر ما حلت لي إنها لبنت أخي من الرضاعة أرضعتني وأبا سلمة ثويبة فلا تعرضن على بناتكن ولا أخواتكن } . وفي رواية للبخاري { إني لو لم أتزوج أم سلمة ما حلت لي { فجعل المناط في التحريم مجرد تزوجه أم سلمة وحكم بالتحريم بذلك وهذا هو مذهب الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة وجمهور الخلف والسلف. وقد قيل بأنه لا تحرم الربيبة إلا إذا كانت في حجر الرجل فإذا لم يكن كذلك فلا تحرم. وقال ابن أبي حاتم: حدثتا أبو زرعة حدثنا إبراهيم بن موسى أنبأنا هشام - يعني ابن يوسف - عن ابن جريج حدثني إبراهيم بن عبيد بن رفاعة أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان قال: كانت عندي امرأة فتوفيت وقد ولدت لي فوجدت عليها فلقيني علي بن أبي طالب فقال: مالك فقلت: توفيت المرأة فقال علي: لها ابنة؟ قلت: نعم وهي بالطائف قال: كانت في حجرك ؟ قلت: لا هي بالطائف قال: فانكحها قلت: فأين قول الله { وربائبكم اللاتي في حجوركم ؟ { قال: إنها لم تكن في حجرك إنما ذلك إذا كانت في حجرك هذا إسناد قوي ثابت إلى علي بن أبي طالب على شرط مسلم وهو قول غريب جدا وإلى هذا ذهب داود بن علي الظاهري وأصحابه وحكاه أبو القاسم الرافعي عن مالك رحمه الله واختاره ابن حزم وحكى لي شيخنا الحافظ أبو عبدالله الذهبي أنه عرض هذا على الشيخ الإمام تقي الدين ابن تيمية رحمه الله فاستشكله وتوقف في ذلك والله أعلم. وقال ابن المنذر: حدثنا علي بن عبدالعزيز حدثنا الأثرم عن أبي عبيدة قوله { اللاتي في حجوركم { قال: في بيوتكم وأما الربيبة في ملك اليمين فقد قال الإمام مالك بن أنس عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب سئل عن المرأة وبنتها من ملك اليمين توطأ إحداهما بعد الأخرى فقال عمر: ما أحب أن أجيزهما جميعا يريد أن أطأهما جميعا بملك يميني وهذا منقطع. وقال سنيد بن داود في تفسيره: حدثنا أبو الأحوص عن طاووس عن طارق بن عبدالرحمن عن قيس قال: قلت لابن عباس أيقع الرجل على امرأة وابنتها مملوكين له ؟ فقال: أحلتهما آية وحرمتهما آية ولم أكن لأفعله وقال الشيخ أبو عمر بن عبدالبر رحمه الله: لا خلاف بين العلماء أنه لا يحل لأحد أن يطأ امرأة وبنتها من ملك اليمين لأن الله حرم ذلك في النكاح قال { وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم } وملك اليمين عندهم تبع للنكاح إلا ما روي عن ابن عمر وابن عباس وليس على ذلك أحد من أئمة الفتوى ولا من تبعهم. وروى هشام عن قتادة: بنت الربيبة وبنت ابنتها لا تصلح وإن كانت أسفل ببطون كثيرة وكذا قال قتادة عن أبي العالية. ومعنى قوله { اللاتي دخلتم بهن { أى نكحتموهن قاله ابن عباس وغير واحد وقال ابن جريج عن عطاء: هو أن تهدى إليه فيكشف ويفتش ويجلس بين رجليها قالت: أرأيت إن فعل ذلك في بيت أهلها ؟ قال: هو سواء وحسبه قد حرم ذلك عليه ابنتها. وقال ابن جرير: وفي إجماع الجميع على أن خلوة الرجل بامرأة لا تحرم ابنتها عليه إذا طلقها قبل مسيسها ومباشرتها وقبل النظر إلى فرجها بشهوة ما يدل على أن معنى ذلك هو الوصول إليها بالجماع. وقوله تعالى { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } أي وحرمت عليكم زوجات أبنائكم الذين ولدتموهم من أصلابكم يحترز بذلك عن الأدعياء الذين كانوا يتبنونهم في الجاهلية كما قال تعالى { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم { الآية وقال ابن جريج: سألت عطاء عن قوله { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم { قال: كنا نحدث والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نكح امرأة زيد قال المشركون بمكة في ذلك فأنزل الله عز وجل { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } ونزلت { وما جعل أدعياءكم أبناءكم } ونزلت { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم { وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا خالد بن الحارث عن الأشعث عن الحسن بن محمد أن هؤلاء الآيات مبهمات { وحلائل أبنائكم } { وأمهات نسائكم } ثم قال: وروى عن طاوس وإبراهيم والزهري ومكحول نحو ذلك { قلت { معنى مبهمات أي عامة في المدخول بها وغير المدخول فتحرم بمجرد العقد عليها وهذا متفق عليه فإن قيل فمن أين تحرم امرأة ابنه من الرضاعة كما هو قول الجمهور ومن الناس من يحكيه إجماعا وليس من صلبه ؟ فالجواب من قوله صلى الله عليه وسلم { يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب { وقوله تعالى { وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف { الآية أي وحرم عليكم الجمع بين الأختين معا في التزويج وكذا في ملك اليمين إلا ما كان منكم في جاهليتكم فقد عفونا عنه وغفرناه. فدل على أنه لا مثنوية فيما يستقبل لأنه استثنى مما سلف كما قال { لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى { فدل على أنهم لا يذوقون فيها الموت أبدا وقد أجمع العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة قديما وحديثا على أنه يحرم الجمع بين الأختين في النكاح ومن أسلم وتحته أختان خير فيمسك إحداهما ويطلق الأخرى لا محالة. قال الإمام أحمد: حدثنا موسى بن داود حدثنا ابن لهيعة عن أبي وهب الجشاني عن الضحاك بن فيروز عن أبيه قال: أسلمت وعندي امرأتان أختان فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أطلق إحداهما. رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث ابن لهيعة وأخرجه أبو داود والترمذي أيضا من حديث يزيد بن أبي حبيب كلاهما عن أبي وهب الجشاني قال الترمذي واسمه دليم بن الهوشع عن الضحاك بن فيروز الديلمي عن أبيه به وفي لفظ للترمذي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم { اختر أيتهما شئت { ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن وقد رواه ابن ماجه أيضا بإسناد آخر فقال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدالسلام بن حرب عن إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة عن أبي وهب الجشاني عن أبي خراش الرعيني قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي أختان تزوجتهما في الجاهلية فقال { إذا رجعت فطلق إحداهما { قلت: فيحتمل أن أبا خراش هذا هو الضحاك بن فيروز ويحتمل أن يكون غيره فيكون أبو وهب قد رواه عن اثنين عن فيروز الديلمي والله أعلم. وقال ابن مردويه: حدثنا عبدالله بن يحيى بن محمد بن يحيى حدثنا أحمد بن يحيى الخولاني حدثنا هيثم بن خارجة حدثنا يحيى بن إسحاق عن إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة عن زر بن حكيم عن كثير بن مرة عن الديلمي قال: قلت يا رسول الله إن تحتي أختين قال: { طلق أيهما شئت { فالديلمي المذكور أولا هو الضحاك بن فيروز الديلمي رضي الله عنه وكان من جملة الأمراء باليمن الذين ولوا قتل الأسود العنسي المتنبئ لعنه الله وأما الجمع بين الأختين في ملك اليمين فحرام أيضا لعموم الآية. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن عبدالله بن أبي عنبة - أو عتبة - عن ابن مسعود أنه سئل عن الرجل يجمع بين الأختين فكرهه فقال له يعني السائل يقول الله تعالى { إلا ما ملكت أيمانكم } فقال له ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: وبعيرك مما ملكت يمينك. وهذا هو المشهور عن الجمهور والأئمة الأربعة وغيرهم وإن كان بعض السلف قد توقف في ذلك وقال الإمام مالك عن ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن رجلا سأل عثمان بن عفان عن الأختين في ملك اليمين هل يجمع بينهما فقال عثمان: أحلتهما آية وحرمتهما آية وما كنت لأمنع ذلك فخرج من عنده فلقي رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك فقال: لو كان لي من الأمر شيء ثم وجدت أحدا فعل ذلك لجعلته نكالا وقال مالك: قال ابن شهاب أراه علي بن أبي طالب قال: وبلغني عن الزبير بن العوام مثل ذلك قال ابن عبدالبر النمري رحمه الله في كتاب الاستذكار: إنما كنى قبيصة بن ذؤيب عن علي بن أبي طالب لصحبته عبدالملك بن مروان وكانوا يستثقلون ذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثم قال أبو عمر: حدثني خلف بن أحمد قراءة عليه أن خلف بن مطرف حدثهم حدثنا أيوب بن سليمان وسعيد بن سليمان ومحمد بن عمر بن لبابة قالوا: حدثنا أبو زيد عبدالرحمن بن إبراهيم حدثنا أبو عبدالرحمن المقري عن موسى بن أيوب الغافقي حدثني عمي إياس بن عامر قال: سألت علي بن أبي طالب فقلت إن لي أختين مما ملكت يميني اتخذت إحداهما سرية فولدت لى أولادا ثم رغبت في الأخرى فما أصنع. فقال علي رضي الله عنه: تعتق التي كنت تطأ ثم تطأ الأخرى. قلت: فإن ناسا يقولون بل تزوجها ثم تطأ الأخرى فقال علي: أرأيت إن طلقها زوجها. أو مات عنها أليس ترجع إليك ؟ لأن تعتقها أسلم لك. ثم أخذ علي بيدي فقال لي: إنه يحرم عليك مما ملكت يمينك ما يحرم عليك في كتاب الله عز وجل من الحرائر إلا العدد أو قال إلا الأربع ويحرم عليك من الرضاع ما يحرم عليك في كتاب الله من النسب ثم قال أبو عمر: هذا الحديث رحلة رجل ولم يصب من أقصى المغرب والمشرق إلى مكة غيره لما خابت رحلته قلت: وقد روي عن علي نحو ما روي عن عثمان. وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن العباس حدثني محمد بن عبدالله بن المبارك المخرمي حدثنا عبدالرحمن بن غزوان حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال علي بن أبي طالب حرمتهما آية وأحلتهما آية -يعني الأختين قال ابن عباس: يحرمن علي قرابتي منهن ولا يحرمن قرابة بعضهن من بعض يعني الإماء وكانت الجاهلية يحرمون ما تحرمون إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين فلما جاء الإسلام أنزل الله { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف } { وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف } يعني في النكاح ثم قال أبن عمر: وروى الإمام أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن سلمة عن هشام عن ابن سيرين عن ابن مسعود قال: يحرم من الإماء ما يحرم من الحرائر إلا العدد وعن ابن مسعود والشعبي نحو ذلك قال أبو عمرو قد روى مثل قول عثمان عن طائفة من السلف منهم ابن عباس ولكن اختلف عليهم ولم يلتفت إلى ذلك أحد من فقهاء الأمصار والحجاز والعراق ولا ما وراءهما من المشرق ولا بالشام والمغرب إلا من شذ عن جماعتهم باتباع الظاهر ونفي القياس وقد ترك من يعمل ذلك ظاهرا ما اجتمعنا عليه وجماعة الفقهاء متفقون على أنه لا يحل الجمع بين الأختين بملك اليمين في الوطء كما لا يحل ذلك في النكاح وقد أجمع المسلمون على أن معنى قوله { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم } إلى آخر الآية أن النكاح وملك اليمين في هؤلاء كلهن سواء وكذلك يجب أن يكون نظرا وقياسا الجمع بين الأختين وأمهات النساء والربائب وكذلك هو عند جمهورهم وهم الحجة المحجوج بها من خالفها وشذ عنها.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۖ كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ ۚ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ۚ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا
    +/- -/+  
الأية
24
 
وقوله تعالى { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } أي وحرم عليكم من الأجنبيات المحصنات وهى المزوجات إلا ما ملكت أيمانكم يعني إلا ما ملكتموهن بالسبي فإنه يحل لكم وطؤهن إذا استبرأتموهن فإن الآية نزلت في ذلك. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبدالرزاق أخبرنا سفيان هو الثوري عن عثمان البتي عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري قال: أصبنا سبيا من سبي أوطاس ولهن أزواج فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج فسألنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت هذه الآية { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم { فاستحللنا فزوجهن وهكذا رواه الترمذي عن أحمد بن منيع عن هشيم ورواه النسائي من حديث سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج ثلاثتهم عن عثمان البتي ورواه ابن ماجه من حديث أشعث بن سوار عن عثمان البتي ورواه مسلم في صحيحه من حديث شعبة عن قتادة كلاهما عن أبي الخليل صالح بن أبي مريم عن أبي سعيد الخدري فذكره وهكذا رواه عبدالرزاق عن معمر عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري به وروى من وجه آخر عن أبي الخليل عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد الخدري قال الإمام أحمد: حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي علقمة عن أبي سعيد الخدري أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصابوا سبيا يوم أوطاس لهن أزواج من أهل الشرك فكان أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كفوا وتأثموا من غشيانهن قال: فنزلت هذه الآية في ذلك { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم { وهكذا رواه مسلم وأبو داود والنسائي من حديث سعيد بن أبي عروبة زاد مسلم وشعبة ورواه الترمذي من حديث همام بن يحيى ثلاثتهم عن قتادة بإسناده نحوه وقال الترمذي هذا حديث حسن ولا أعلم أن أحدا ذكر أبا علقمة في هذا الحديث إلا ما ذكر همام عن قتادة - كذا قال وقد تابعه شعبة والله أعلم. وقد روى الطبراني من حديث الضحاك عن ابن عباس أنها نزلت في سبايا خيبر وذكر مثل حديث أبي سعيد وقد ذهب جماعة من السلف إلى أن بيع الأمة يكون طلاقا لها من زوجها أخذا بعموم هذه الآية وقال ابن جرير حدثنا ابن مثنى حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن مغيرة عن إبراهيم أنه سئل عن الأمة تباع ولها زوج ؟ قال: كان عبدالله يقول: بيعها طلاقها ويتلو هذه الآية { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم { وكذا رواه سفيان عن منصور ومغيرة والأعمش عن إبراهيم عن ابن مسعود قال: بيعها طلاقها وهو منقطع ورواه سفيان الثوري عن خليد عن أبي قلابة عن ابن مسعود قال: إذا بيعت الأمة ولها زوج فسيدها أحق ببضعها. ورواه سعيد عن قتادة قال أبي بن كعب وجابر بن عبدالله وابن عباس قالوا: بيعها طلاقها وقال ابن جرير: حدثني يعقوب حدثنا ابن علية عن خليد عن عكرمة عن ابن عباس قال: طلاق الأمة ست بيعها طلاقها وعتقها طلاقها وهبتها طلاقها وبراءتها طلاقها وطلاق زوجها طلاقها: وقال عبدالرزاق: أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب قوله { والمحصنات من النساء } قال: هذه ذوات الأزواج حرم الله نكاحهن إلا ما ملكت يمينك فبيعها طلاقها وقال معمر: وقال الحسن مثل ذلك وهكذا رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن في قوله { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم { قال: إذا كان لها زوج فبيعها طلاقها. وروى عوف عن الحسن بيع الأمة طلاقها وبيعه طلاقها فهذا قول هؤلاء من السلف وقد خالفهم الجمهور قديما وحديثا فرأوا أن بيع الأمة ليس طلاقا لها لأن المشتري نائب عن البائع والبائع كان قد أخرج عن ملكه هذه المنفعة وباعها مسلوبة عنها واعتمدوا في ذلك على حديث بريرة المخرج في الصحيحين وغيرهما فإن عائشة أم المؤمنين اشترتها وأعتقتها ولم ينفسخ نكاحها من زوجها مغيث ; بل خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الفسخ والبقاء فاختارت الفسخ وقصتها مشهورة فلو كان بيع الأمة طلاقها كما قال هؤلاء ما خيرها النبي صلى الله عليه وسلم ; فلما خيرها دل على بقاء النكاح وأن المراد من الآية المسببات فقط والله أعلم وقد قيل المراد بقوله { والمحصنات من النساء } يعني العفائف حرام عليكم حتى تملكوا عصمتهن بنكاح وشهود ومهور وولي واحدة أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا ; حكاه ابن جرير عن أبي العالية وطاوس وغيرهما. وقال عمر وعبيدة { والمحصنات من النساء { ما عدا الأربع حرام عليكم إلا ما ملكت أيمانكم. وقوله تعالى { كتاب الله عليكم } أي هذا التحريم كتاب كتبه الله عليكم يعني الأربع فالزموا كتابه ولا تخرجوا عن حدوده والزموا شرعه وما فرضه. وقال عبيدة وعطاء والسدي في قوله { كتاب الله عليكم { يعني الأربع وقال إبراهيم { كتاب الله عليكم } يعني ما حرم عليكم. وقوله تعالى { وأحل لكم ما وراء ذلكم { ما دون الأربع وهذا بعيد. والصحيح قول عطاء كما تقدم. وقال قتادة: وأحل لكم ما وراء ذلكم يعني مما ملكت أيمانكم وهذه الآية هي التي احتج بها من احتج على تحليل الجمع بين الأختين وقول من قال: أحلتهما آية وحرمتهما آية وقوله تعالى { أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين } أي تحصلوا بأموالكم من الزوجات إلى أربع أو السراري ما شئتم بالطريق الشرعي ولهذا قال { محصنين غير مسافحين { وقوله تعالى { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } أي كما تستمتعون بهن فأتوهن مهورهن في مقابلة ذلك كما قال تعالى { وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض } وكقوله تعالى { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة { وكقوله { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا { وقد استدل بعموم هذه الآية على نكاح المتعة ولا شك أنه كان مشروعا في ابتداء الإسلام ثم نسخ بعد ذلك وقد ذهب الشافعي وطائفة من العلماء إلى أنه أبيح ثم نسخ ثم أبيح ثم نسخ مرتين وقال آخرون: أكثر من ذلك. وقال آخرون: إنما أبيح مرة ثم نسخ ولم يبح بعد ذلك وقد روى عن ابن عباس وطائفة من الصحابة القول بإباحتها للضرورة وهو رواية عن الإمام أحمد وكان ابن عباس وأبي بن كعب وسعيد بن جبير والسدي يقرؤن { فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فأتوهن أجروهن فريضة { وقال مجاهد: نزلت في نكاح المتعة ولكن الجمهور على خلاف ذلك والعمدة ما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال: نهى رسول الله صلى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ولهذا الحديث ألفاظ مقررة هي في كتاب الأحكام وفي صحيح مسلم عن الربيع بن سبرة بن معبد الجهني عن أبيه أنه غزا مع رسول الله صلى يوم فتح مكة فقال { يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وأن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا { وفي رواية لمسلم في حجة الوداع وله ألفاظ موضعها كتاب الأحكام وقوله تعالى { ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة { من حمل هذه الآية على نكاح المتعة إلى أجل مسمى قال: لا جناح عليكم إذا انقضى الأجل أن تتراضوا على زيادة به وزيادة للجعل قال السدي: إن شاء أرضاها من بعد الفريضة الأولى يعني الأجر الذي أعطاها على تمتعه بها قبل انقضاء الأجل بينهما فقال: أتمتع منك أيضا بكذا وكذا فإن زاد قبل أن يستبرئ رحمها يوم تنقضي المدة وهو قوله تعالى { ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } قال السدي: إذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل وهي منه بريئة وعليها أن تستبرئ ما في رحمها وليس بينهما ميراث فلا يرث واحد منهما صاحبه ومن قال بهذا القول الأول جعل معناه كقوله { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة { الآية أي إذا فرضت لها صداقا فأبرأتك منه أو عن شيء منه فلا جناح عليك ولا عليها في ذلك وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن عبدالأعلى حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه قال: زعم الحضرمي أن رجالا كانوا يفرضون المهر ثم عسى أن يدرك أحدهم العسرة فقال: ولا جناح عليكم أيها الناس فيما تراضيتم به من بعد الفريضة يعني إن وضعت لك منه شيئا فهو لك سائغ واختار هذا القول ابن جرير وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة { والتراضي أن يوفيها صداقها ثم يخيرها يعني في المقام أو الفراق. وقوله تعالى { إن الله كان عليما حكيما { مناسب ذكر هذين الوصفين بعد شرع هذه المحرمات.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ ۚ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۚ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ۚ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ۗ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
25
 
يقول تعالى { ومن لم يستطع منكم طولا } أي سعة وقدرة { أن ينكح المحصنات المؤمنات } أي الحرائر العفائف. وقال ابن وهب: أخبرني عبدالجبار عن ربيعة { ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات } قال ربيعة: الطول الهوى يعني ينكح الأمة إذا كان هواه فيها رواه ابن أبي حاتم وابن جرير ثم أخذ يشنع على هذا القول ويرده { فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات } أي فتزوجوا من الإماء المؤمنات اللاتي يملكهن المؤمنون ولهذا قال { من فتياتكم المؤمنات } قال ابن عباس وغيره: فلينكح من إماء المؤمنين وكذا قال السدي ومقاتل بن حيان. ثم أعترض بقوله { والله أعلم بأيمانكم بعضكم من بعض } أي هو العالم بحقائق الأمور وسرائرها وإنما لكم أيها الناس الظاهر من الأمور ثم قال: { فانكحوهن بإذن أهلهن } فدل على أن السيد هو ولي أمته لا تزوج إلا بإذنه وكذلك هو ولي عبده ليس له أن يتزوج بغير إذنه كما جاء في الحديث { أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر { أي زان. فإن كان مالك الأمة امرأة زوجها من يزوج المرأة بإذنها لما جاء في الحديث { لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها { وقوله تعالى { وآتوهن أجورهن بالمعروف } أي وادفعوا مهورهن بالمعروف أي عن طيب نفس منكم ولا تبخسوا منه شيئا استهانة بهن لكونهن إماء مملوكات وقوله تعالى { محصنات } أي عفائف عن الزنا لا يتعاطينه ولهذا قال { غير مسافحات } وهن الزوانى اللاتي لا يمنعن من أرادهن بالفاحشة - وقوله تعالى { ولا متخذات أخدان } قال ابن عباس: { المسافحات } هن الزواني المعلنات يعني الزواني اللاتي لا يمنعن أحدا أرادهن بالفاحشة: وقال ابن عباس: ومتخذات أخدان يعني أخلاء وكذا روى عن أبى هريرة ومجاهد والشعبي والضحاك وعطاء الخراساني ويحيى بن أبي كثير ومقاتل بن حيان والسدي قالوا: أخلاء وقال الحسن البصري يعني الصديق وقال الضحاك أيضا { ولا متخذات أخدان } ذات الخليل الواحد المقرة به نهى الله عن ذلك يعني تزويجها ما دامت كذلك وقوله تعالى { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } اختلف القراء في { أحصن فقرأه بعضهم بضم الهمزة وكسر الصاد مبنى لما لم سم فاعله وقرئ بفتح الهمزة والصاد فعل لازم ثم قيل: معنى القراءتين واحد واختلفوا فيه على قولين { أحدهما { أن المراد بالإحصان ههنا الإسلام روى ذلك عن عبدالله بن مسعود وابن عمر وأنس والأسود بن يزيد وزر بن حبيش وسعيد بن جبير وعطاء وإبراهيم النخعي والشعبي والسدي وروى نحوه الزهري عن عمر بن الخطاب وهو منقطع وهذا هو القول الذي نص عليه الشافعي في رواية الربيع قال: وإنما قلنا ذلك استدلالا بالسنة وإجماع أكثر أهل العلم. وقد روى ابن أبي حاتم في ذلك حديثا مرفوعا قال: حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد حدثنا أحمد بن عبدالرحمن بن عبدالله حدثنا أبي عن أبيه عن أبي حمزة عن جابر عن رجل عن أبي عبدالرحمن عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم { فإذا أحصن } قال { إحصانها إسلامها وعفافها { وقال: المراد به ههنا التزويج قال: وقال علي اجلدوهن ثم قال ابن أبي حاتم: وهو حديث منكر قلت وفي إسناده ضعف وفيه من لم يسم ومثله لا تقوم به حجة وقال القاسم وسالم: إحصانها إسلامها وعفافها وقيل: المراد به ههنا التزويج وهو قول ابن عباس ومجاهد وعكرمة وطاوس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وغيرهم ونقله أبو علي الطبري في كتابه الإيضاح عن الشافعي فيما رواه أبو الحكم بن عبدالحكم عنه. وقد روى ليث بن أبى سليم عن مجاهد أنه قال: إحصان الأمة أن ينكحها الحر وإحصان العبد أن ينكح الحرة وكذا روى ابن أبى طلحه عن ابن عباس رواهما ابن جرير في تفسيره وذكره ابن أبي حاتم عن الشعبي والنخعي. وقيل: معنى القراءتين متباين فمن قرأ أحصن بضم الهمزة فمراده التزويج ومن قرأ بفتحها فمراده الإسلام اختاره أبو جعفر ابن جرير في تفسيره وقرره ونصره ; والأظهر والله أعلم أن المراد بالإحصان ههنا التزويج لأن سياق الآية يدل عليه حيث يقول سبحانه وتعالى { ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات } والله أعلم والآية الكريمة سياقها في الفتيات المؤمنات فتعين أن المراد بقوله { فإذا أحصن } أي تزوجن كما فسره ابن عباس وغيره وعلى كل من القولين إشكاله على مذهب الجمهور وذلك أنهم يقولون: إن الأمة إذا زنت فعليها خمسون جلدة سواء كانت مسلمة أو كافرة مزوجة أو بكرا مع أن مفهوم الآية يقتضي أنه لا حد على غير المحصنة ممن زنا من الإماء وقد اختلفت أجوبتهم عن ذلك فأما الجمهور فقالوا: لا شك أن المنطوق مقدم على المفهوم وقد وردت أحاديث عامة في إقامة الحد على الإماء فقدمناها على مفهـوم الآية. فمن ذلـك ما رواه مسلم في صحيحه عن علي رضي الله عنه أنه خطب فقال: يا أيها الناس أقيموا الحد على إمائكم من أحصن منهن ومن لم يحصن فإن أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت فأمرني أن أجلدها فإذا هي حديثة عهد بنفاس فخشيت إن جلدتها أن أقتلها فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: " أحسنت اتركها حتى تتماثل { وعند عبدالله بن أحمد عن غير أبيه { فإذا تعافت من نفاسها فاجلدها خمسين { وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى يقول { إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت الثانية فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر { ولمسلم } إذا زنت ثلاثا فليبعها في الرابعة } وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن عبدالله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي قال: أمرنى عمر بن الخطاب في فتية من قريش فجلدنا من ولائد الإمارة خمسين خمسين من الزنا. { الجواب الثاني { جواب من ذهب إلى أن الأمة إذا زنت ولم تحصن فلا حد عليها وإنما تضرب تأديبا وهو المحكي عن ابن عباس رضى الله عنه وإليه ذهب طاوس وسعيد بن جبير وأبو عبيد القاسم بن سلام وداود بن علي الظاهري في رواية عنه وعمدتهم مفهوم الآية وهو من مفاهيم الشرط وهو حجة عند أكثرهم فقدم على العموم عندهم. وحديث أبي هريرة وزيد بن خالد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن ؟ قال { إن زنت فحدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير { قال ابن شهاب: لا أدري بعد الثالثة أو الرابعة أخرجاه في الصحيحين وعند مسلم قال ابن شهاب: الضفير الحبل. قالوا: فلم يؤقت فيه عددكما أقت في المحصنة وكما وقت في القرآن بنصف ما على المحصنات فوجب الجمع بين الآية والحديث بذلك والله أعلم - وأصرح من ذلك ما رواه سعيد بن منصور عن سفيان عن مسعر عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } ليس على أمة حد حتى تحصن- يعني تزوج - فإذا أحصنت بزوج فعليها نصف ما على المحصنات { وقد رواه ابن خزيمة عن عبدالله بن عمران العابدي عن سفيان به مرفوعا وقال: رفعه خطأ إنما هو من قول ابن عباس وكذا رواه ابن خزيمة عن عبدالله بن عمران وقال: مثل ما قاله ابن خزيمة قالوا: وحديث علي وعمر قضايا أعيان وحديث أبي هريرة عنه أجوبة { أحدها } أن ذلك محمول على الأمة المزوجة جمعا بينه وبين هذا الحديث { الثاني } أن لفظة الحد في قوله { فليقم عليها الحد { مقحمة من بعض الرواة بدليل الجواب الثالث وهو أن هذا من حديث صحابيين وذلك من رواية أبي هريرة فقط وما كان عن اثنين فهو أولى بالتقديم من رواية واحد وأيضا فقد رواه النسائي بإسناد على شرط مسلم من حديث عباد بن تميم عن عمه وكان قد شهد بدرا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { إذا زنت الأمة فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فبيعوها ولو بضفير " { الرابع } أنه لا يبعد أن بعض الرواة أطلق لفظ الحد في الحديث على الجلد لأنه لما كان الجلد اعتقد أنه حد أو أنه أطلق لفظة الحد على التأديب كما أطلق الحد على ضرب من زنا من المرضى بعثكال نخل فيه مائة شمراخ وعلى جلد من زنا بأمة امرأته إذا أذنت له فيها مائة وإنما ذلك تعزير وتأديب عند من يراه كأحمد وغيره من السلف. وإنما الحد الحقيقي هو جلد البكر مائة ورجم الثيب أو اللائط والله أعلم. وقد روى ابن ماجه وابن جرير في تفسيره: حدثنا ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة أنه سمع سعيد بن جبير يقول: لا تضرب الأمة إذا زنت ما لم تتزوج وهذا إسناد صحيح عنه ومذهب غريب إن أراد أنها لا تضرب الأمة أصلا لا حدا وكأنه أخذ بمفهوم الآية ولم يبلغه الحديث وإن أراد أنها لا تضرب حدا ولا ينفي ضربها تأديبا فهو كقول ابن عباس رضي الله عنه ومن تبعه في ذلك والله أعلم. { الجواب الثالث { أن الآية دلت على أن الأمة المحصنة تحد نصف حد الحرة فأما قبل الإحصان فعمومات الكتاب والسنة شاملة لها في جلدها مائة كقوله تعالى { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } وكحديث عبادة بن الصامت { خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة ورجمها بالحجارة { والحديث في صحيح مسلم وغير ذلك من الأحاديث. وهذا القول هو المشهور عن داود بن عن الظاهري وهو في غاية الضعف لأن الله تعالى إذا كان أمر بجلد المحصنة من الإماء بنصف ما على الحرة من العذاب وهو خمسون جلدة فكيف يكون حكمها قبل الإحصان أشد منه بعد الإحصان وقاعدة الشريعة في ذلك عكس ما قال وهذا الشارع عليه السلام سأله أصحابه عن الأمة إذا زنت ولم تحصن فقال { اجلدوها } ولم يقل مائة فلو كان حكمها كما زعم داود لوجب بيان ذلك لهم لأنهم إنما سألوا عن ذلك لعدم بيان حكم جلد المائة بعد الإحصان في الإماء وإلا فما الفائدة في قولهم ولم تحصن لعدم الفرق بينهما لو لم تكن الآية نزلت لكن لما علموا أحد الحكمين سألوا عن الآخر فبينه لهم كما في الصحيحين أنهم لما سألوه عن الصلاة عليه فذكرها لهم ثم قال { والسلام ما قد علمتم } وفي لفظ لما أنزل الله قوله { يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } قالوا هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك وذكر الحديث وهكذا هذا السؤال. { الجواب الرابع { عن مفهوم الآية جواب أبي ثور وهو أغرب من قول داود من وجوه وذلك أنه يقول: فإذا أحصن فإن عليهن نصف ما على المحصنات المزوجات الرجم وصولا يتناصف فيجب أن ترجم الأمة المحصنة إذا زنت وأما قبل الإحصان فيجب جلدها خمسين فأخطأ في فهم الآية وخالف الجمهور في الحكم بل قد قال أبو عبدالله الشافعي رحمه الله ولم يختلف المسلمون في أن لا رجم على مملوك في الزنا وذلك لأن الآية دلت على أن عليهن نصف ما على المحصنات من العذاب والألف واللام في المحصنات للعهد وهن المحصنات المذكورات في أول الآية { من لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات } والمراد بهن الحرائر فقط من غير تعرض للتزويج بحرة وقوله { نصف ما على المحصنات من العذاب } يدل على أن المراد من العذاب الذي يمكن تبعيضه وهو الجلد لا الرجم والله أعلم. وقد روى أحمد حديثا في رد مذهب أبي ثور من رواية الحسن بن سعيد عن أبيه أن صفية قد زنت برجل من الحمس فولدت غلاما فادعاه الزاني فاختصما إلى عثمان فرفعهما إلى علي بن أبي طالب فقال علي أقضي فيهما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم { الولد للفراش وللعاهر الحجر { وجلدهما خمسين خمسين وقيل بل المراد من المفهوم التنبيه بالأعلى على الأدنى أي أن الإماء على النصف من الحرائر في الحد وإن كن محصنات وليس عليهن رجم أصلا لا قبل النكاح ولا بعده وإنما عليهن الجلد بالحالين في السنة قال ذلك صاحب الإفصاح وذكر هذا عن الشافعي فيما رواه ابن عبدالحكم وقد ذكر البيهقي في كتاب السنن والآثار عنه وهو بعيد عن لفظ الآية لأنا إنما استفدنا تنصيف الحد من الآية لا من سواها فكيف يفهم منها التنصيف فيما عداها وقال بل أريد بأنها في حال الإحصان لا يقيم الحد عليها إلا الإمام ولا يجوز لسيدها إقامة الحد عليها والحالة هذه وهو قول في مذهب أحمد رحمه الله فأما قبل الإحصان فله ذلك والحد في كلا الموضعين نصف حد الحرة وهذا أيضا بعيد لأنه ليس في الآية ما يدل عليه ولولا هذه لم ندر ما حكم الإماء في التنصيف واوجب دخولهن في عموم الآية في تكميل الحد مائة أو رجمهن كما ثبت في الدليل عليه وقد تقدم عن علي أنه قال: أيها الناس أقيموا الحد على أرقائكم من أحصن منهم ومن لم يحصن وعموم الأحاديث المتقدمة ليس فيها تفصيل بين المزوجة وغيرها لحديث أبي هريرة الذي احتج به الجمهور { إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها } ملخص الآية أنها إذا زنت أقوال. أحدها تجلد خمسين قبل الإحصان وبعده وهل تنفي فيه ثلاثة أقوال: أحدها أنها تنفي عنه. والثاني لا تنفي عنه مطلقا والثالث أنها تنفي نصف سنة وهو نصف نفي الحرة وهذا الخلاف في مذهب الشافعي وأما أبو حنيفة فعنده أن النفي تعزير ليس من تمام الحد وإنما هو رأي الإمام إن شاء فعله وإن شاء تركه في حق الرجال والنساء وعند مالك أن النفي إنما هو على الرجال واما النساء فلا لأن ذلك مضاد لصيانتهن وما ورد شيء من النفي في الرجال ولا النساء. نعم حديث عبادة وحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام وبإقامة الحد عليه رواه البخاري وذلك مخصوص بالمعنى وهو أن المقصود من النفي الصون وذلك مفقود في نفي النساء والله أعلم والثاني أن الأمة إذا زنت تجلد خمسين بعد الإحصان وتضرب تأديبا غير محدود بعدد محصور وقد تقدم ما رواه ابن جرير عن سعيد بن جبير أنها لا تضرب قبل الإحصان وإن أراد نفيه فيكون مذهبا بالتأويل. وإلا فهو كالقول الثاني القول الآخر أنها تجلد قبل الإحصان مائة وبعده خمسين كما هو المشهور عن داود وهو أضعف الأقوال أنها تجلد قبل الإحصان خمسين وترجم بعده وهو قول أبي ثور وهو ضعيف أيضا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وقوله تعالى { ذلك لمن خشي العنت منكم } أي إنما يباح نكاح الإماء بالشروط المتقدمة لمن خاف على نفسه الوقوع في الزنا وشق عليه الصبر عن الجماع وعنت بسبب ذلك كله فله حينئذ أن يتزوج بالأمة وإن ترك تزوجها وجاهد نفسه في الكف عن الزنا فهو خير له لأنه إذا تزوجها جاء أولاده أرقاء لسيدها إلا أن يكون الزوج غريبا فلا تكون أولاده منها أرقاء في قول قديم للشافعي ولهذا قال { وإن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم } ومن هذه الآية الكريمة استدل جمهور العلماء في جواز نكاح الإماء على أنه لا بد من عدم الطول لنكاح الحرائر ومن خوف العنت لما في نكاحهن من مفسدة رق الأولاد ولما فيهن من الدناءة في العدول عن الحرائر إليهن وخالف الجمهور أبو حنيفة وأصحابه في اشتراط الأمرين فقالوا متى لم يكن الرجل مزوجا بحرة جاز له نكاح الأمة المؤمنة والكتابية أيضا سواء كان واجدا لطول حرة أم لا وسواء خاف العنت أم لا وعمدتهم فيما ذهبوا إليه قوله تعالى { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } أي العفائف وهو يعم الحرائر والإماء وهذه الآية عامة وهذه أيضا ظاهرة في الدلالة على ما قاله الجمهور والله أعلم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ۗ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
26
 
يخبر تعالى أنه يريد أن يبين لكم أيها المؤمنون ما أحل لكم وحرم عليكم بما تقدم وذكره في هذه السورة وغيرها { ويهديكم سنن الذين من قبلكم } يعني طرائقهم الحميدة واتباع شرائعه التي يحبها ويرضاها { ويتوب عليكم } أي من الإثم والمحارم { والله عليم حكيم } أي في شرعه وقدره وأفعاله وأقواله.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا
    +/- -/+  
الأية
27
 
وقوله { ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما } أي يريد أتباع الشياطين من اليهود والنصارى والزناة أن تميلوا عن الحق إلى الباطل ميلا عظيما.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا
    +/- -/+  
الأية
28
 
{ يريد الله أن يخفف عنكم } أي في شرائعه وأوامره ونواهيه وما يقدره لكم ولهذا أباح الإماء بشروط كما قال مجاهد وغيره { وخلق الإنسان ضعيفا } فناسبه التخفيف لضعفه في نفسه وضعف عزمه وهمته قال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي حدثنا وكيع عن سفيان عن ابن طاوس عن أبيه { وخلق الإنسان ضعيفا } أي في أمر النساء وقال وكيع يذهب عقله عندهن وقال موسى الكليم عليه السلام لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء حين مر عليه راجعا من عند سدرة المنتهى فقال له: ماذا فرض عليكم فقال: أمرني بخمسين صلاة في كل يوم وليلة فقال له ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك فإني قد بلوت الناس قبلك على ما هو أقل من ذلك فعجزوا وإن أمتك أضعف أسماعا وأبصارا وقلوبا فرجع فوضع عشرا ثم رجع إلى موسى فلم يزل كذلك حتى بقيت خمسا الحديث.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا
    +/- -/+  
الأية
29
 
ينهى الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضا بالباطل أي بأنواع المكاسب التي هي غير شرعية كأنواع الربا والقمار وما جرى مجرى ذلك من سائر صنوف الحيل وإن ظهرت في غالب الحكم الشرعي مما يعلم الله أن متعاطيها إنما يريد الحيلة على الربا حتى قال ابن جرير: حدثني ابن المثنى حدثنا عبدالوهاب حدثنا داود عن عكرمة عن ابن عباس في الرجل يشتري من الرجل الثوب فيقول إن رضيته أخذته وإلا رددت معه درهما قال هو الذي قال عز وجل فيه { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن حرب المصلي حدثنا ابن الفضيل عن داود الأبدي عن عامر عن علقمة عن عبدالله في الآية قال إنها محكمة ما نسخت ولا تنسخ إلى يوم القيامة وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس لما أنزل الله { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } قال المسلمون إن الله قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل والطعام هو أفضل أموالنا فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد فكيف للناس فأنزل الله بعد ذلك { ليس على الأعمى حرج } الآية وكذا قال قتادة وقوله تعالى { إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } قرئ تجارة بالرفع وبالنصب وهو استثناء منقطع كأنه يقول لا تتعاطوا الأسباب المحرمة في اكتساب الأموال لكن المتاجر المشروعة التي تكون عن تراض من البائع والمشتري فافعلوها وتسببوا بها في تحصيل الأموال كما قال تعالى { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق } وكقوله { لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى }. ومن هذه الآية الكريمة احتج الشافعي على أنه لا يصح البيع إلا بالقبول لأنه يدل على التراضي نصا بخلاف المعاطاة فانها قد لا تدل على الرضا ولا بد وخالف الجمهور في ذلك مالك وأبو حنيفة وأحمد فرأوا أن الأقوال كما تدل على التراضي وكذلك الأفعال تدل في بعض المحال قطعا فصححوا بيع المعاطاة مطلقا ومنهم من قال يصح في المحقرات وفيما يعده الناس بيعا وهو احتياط نظر من محققي المذهب والله أعلم وقال مجاهد { إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } بيعا أو عطاء يعطيه أحد أحدا ورواه ابن جرير ثم قال وحدثنا وكيع حدثنا أبي عن القاسم عن سليمان الجعفي عن أبيه عن ميمون بن مهران قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { البيع عن تراض والخيار بعد الصفقة ولا يحل لمسلم أن يغش مسلما } هذا حديث مرسل ومن تمام التراضي إثبات خيار المجلس كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { البيعان بالخيار ما لم يتفرقا { وفي لفظ البخاري { إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا { وذهب إلى القول بمقتضى هذا الحديث أحمد والشافعي وأصحابهما وجمهور السلف والخلف ومن ذلك مشروعية خيار الشرط بعد العقد إلى ثلاثة أيام بحسب ما يتبين فيه مال البيع ولو إلى سنة في القرية ونحوها كما هو المشهور عن مالك رحمه الله وصححوا بيع المعاطاة مطلقا وهو قول في مذهب الشافعي ومنهم من قال يصح بيع المعاطاة في المحقرات فيما يعده الناس بيعا وهو اختيار طائفة من الأصحاب كما هو متفق عليه وقوله { ولا تقتلوا أنفسكم } أي بارتكاب محارم الله وتعاطي معاصيه وأكل أموالكم بينكم بالباطل { إن الله كان بكم رحيما } أي فيما أمركم به ونهاكم عنه. وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس عن عبدالرحمن بن جبير عن عمرو بن العاص رضي الله عنه انه قال: لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم عام ذات السلاسل قال: احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح قال: فلما قدمنا على رسول الله صلى عليه وسلم ذكرت ذلك له فقال { يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب { قال: قلت يا رسول الله إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فذكرت قول الله عز وجل { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما } فتيممت ثم صليت فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا وهكذا رواه أبو داود من حديث يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب به ورواه أيضا عن محمد بن أبي سلمة عن ابن وهب عن ابن لهيعة وعمر بن الحرث كلاهما عن يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس عن عبدالرحمن بن جبير المصري عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عنه فذكر نحوه وهذا والله أعلم أشبه بالصواب. وقال أبو بكر بن مردويه حدثنا عبدالرحمن بن محمد بن حامد البلخي حدثنا محمد بن صالح بن سهل البلخي حدثنا عبدالله بن عمر القواريري حدثنا يوسف بن خالد حدثنا زياد بن سعد عن عكرمة عن ابن عباس أن عمرو بن العاص صلى بالناس وهو جنب فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك له فدعاه فسأله عن ذلك فقال: يا رسول الله خفت أن يقتلني البرد وقد قال الله تعالى { ولا تقتلوا أنفسكم } فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أورد ابن مردويه عند هذه الآية الكريمة من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها بطنه يوم القيامة في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن قتل نفسه بسم [تردى به] فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا }. وهذا الحديث ثابت في الصحيحين وكذلك رواه أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه وعن أبي قلابة عن ثابت بن الضحاك رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } من قتل نفسه يشيء عذب به يوم القيامة } . وقد أخرجه الجماعة في كتبهم من طريق أبي قلابة. وفي الصحيحين من حديث الحسن عن جندب بن عبدالله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } كان رجل ممن كان قبلكم وكان به جرح فأخذ سكينا نحر بها يده فما رقأ الدم حتى مات قال الله عز وجل عبدي بادرني بنفسه حرمت عليه الجنة } .

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا
    +/- -/+  
الأية
30
 
ولهذا قال تعالى { ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما } أي ومن يتعاطى ما نهاه الله عنه متعديا فيه ظالما في تعاطيه أي عالما بتحريمه متجاسرا على انتهاكه { فسوف نصليه نارا } الآية. وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد فليحذر منه كل عاقل لبيب ممن ألقى السمع وهو شهيد.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا
    +/- -/+  
الأية
31
 
وقوله تعالى { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم } الآية أي إذا اجتنبتم كبائر الآثام التي نهيتم عنها كفرنا عنكم صغائر الذنوب وأدخلناكم الجنة ولهذا قال { وندخلكم مدخلا كريما } وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا مؤمل بن هشام حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا خالد بن أيوب عن معاومة بن قرة عن أنس رفعه قال: لم نر مثل الذي بلغنا عن ربنا عز وجل ثم لم نخرج له عن كل أهل ومال أن تجاوز لنا عما دون الكبائر يقول الله { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيآتكم } الآية. وقد وردت أحاديث متعلقة بهذه الآية الكريمة فلنذكر منها ما تيسر قال الإمام أحمد: حدثنا هشيم عن مغيرة عن أبي معشر عن إبراهيم عن مربع الضبي عن سلمان الفارسي قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم { أتدري ما يوم الجمعة } قلت هو اليوم الذي جمع الله فيه أباكم قال { لكن أدري ما يوم الجمعة لا يتطهر الرجل فيحسن طهوره ثم يأتي الجمعة فينصت حتى يقضي الإمام صلاته إلا كانت كفارة له ما بينها وبين الجمعة المقبلة ما اجتنبت المقتلة } وقد روى البخاري من وجه آخر عن سلمان نحوه. وقال أبو جعفر بن جرير حدثني المثنى حدثنا أبو صالح حدثنا الليث حدثني خالد عن سعيد بن أبي هلال عن نعيم المجمر أخبرني صهيب مولى الصواري أنه سمع أبا هريرة وأبا سعيد يقولان: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال { والذي نفسي بيده } ثلاث مرات ثم أكب فأكب كل رجل منا يبكي لا ندري ماذا حلف عليه ثم رفع رأسه وفي وجهه البشرى فكان أحب إلينا من حمر النعم فقال: { ما من عبد يصلي الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويخرج الزكاة ويجتنب الكبائر السبع إلا فتحت له أبواب الجنة ثم قيل له ادخل بسلام } . وهكذا رواه النسائي والحاكم في مستدركه من حديث الليث بن سعد به ورواه الحاكم أيضا وابن حبان في صحيحه من حديث عبدالله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال به ثم قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه { تفسير هذه السبع } وذلك بما ثبت في الصحيحين من حديث سليمان بن هلال عن ثور بن زيد عن سالم أبي الغيث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { اجتنبوا السبع الموبقات { قيل يا رسول الله وما هن؟ قال { الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق والسحر وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات } { طريق أخرى عنه { قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا فهد بن عوف حدثنا أبو عوانه عن عمرو بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { الكبائر سبع أولها الإشراك بالله ثم قتل النفس بغير حقها وأكل الربا وأكل مال اليتيم إلى أن يكبر والفرار من الزحف ورمي المحصنات والانقلاب إلى الأعراب بعد الهجرة } فالنص على هذه السبع بأنهن كبائر لا ينفي ما عداهن إلا عند من يقول بمفهوم اللقب وهو ضعيف عند عدم القرينة ولا سيما عند قيام الدليل بالمنطوق على عدم المفهوم كما سنورده من الأحاديث المتضمنة من الكبائر غير هذه السبع فمن ذلك ما رواه الحاكم في مستدركه حيث قال: حدثنا أحمد بن كامل القاضي إملاء حدثنا أبو قلابة عبدالملك بن محمد حدثنا معاذ بن هانئ حدثنا حرب بن شداد حدثنا يحيى بن أبي كثير عن عبدالحميد بن سنان عن عبيد بن عمير عن أبيه يعني عمير بن قتادة رضي الله عنه أنه حدثه وكانت له صحبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع { ألا إن أولياء الله المصلون من يقم الصلوات الخمس التي كتب الله عليه ويصوم رمضان ويحتسب صومه يرى أنه عليه حق ويعطي زكاة ماله يحتسبها ويجتنب الكبائر التي نهى الله عنها { ثم إن رجلا سأله فقال: يا رسول الله ما الكبائر ؟ فقال { تسع: الشرك بالله وقتل نفس مؤمن بغير حق وفرار يوم الزحف وأكل مال اليتيم وأكل الربا وقذف المحصنة وعقوق الوالدين المسلمين واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا ثم لا يموت رجل لا يعمل هؤلاء الكبائر ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة إلا كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في دار مصانعها من ذهب { هكذا رواه الحاكم مطولا وقد أخرجه أبو داود والنسائي مختصرا من حديث معاذ بن هانئ به وكذا رواه ابن أبي حاتم من حديثه مبسوطا ثم قال الحاكم: رجاله كلهم يحتج بهم في الصحيحين إلا عبدالحميد بن سنان { قلت { وهو حجازي لا يعرف إلا بهذا الحديث وقد ذكره ابن حبان في كتاب الثقات. وقال البخاري في حديثه نظر وقد رواه ابن جرير عن سليمان بن ثابت الجحدري عن سالم بن سلام عن أيوب بن عتبة عن يحيى بن أبي كثير عن عبيد بن عمير عن أبيه فذكره ولم يذكر في الإسناد عبدالحميد بن سنان والله أعلم { حديث آخر في معنى ما تقدم } قال ابن مردويه: حدثنا عبدالله بن جعفر حدثنا أحمد بن يونس حدثنا يحيى بن عبدالحميد حدثنا عبدالعزيز عن مسلم بن الوليد عن المطلب عن عبدالله بن حنطب عن ابن عمر قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فقال { لا أقسم لا أقسم { ثم نزل فقال: { أبشروا أبشروا من صلى الصوات الخمس واجتنب الكبائر السبع نودي من أبواب الجنة ادخل { قال عبد العزيز: لا أعلمه قال إلا { بسلام { وقال المطلب: سمعت من سأل عبدالله بن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرهن ؟ قال: نعم { عقوق الوالدين وأشراك بالله وقتل النفس ; وقذف المحصنات وأكل مال اليتيم والفرار من الزحف وأكل الربا } . { حديث آخر في معناه { قال أبو جعفر بن جرير في التفسير: حدثنا يعقوب حدثنا ابن علية حدثنا زياد بن مخراق عن طيسلة بن مياس قال: كنت مع النجدات فأصبت ذنوبا لا أراها إلا من الكبائر فلقيت ابن عمر فقلت له: إنى أصبت ذنوبا لا أرها إلا من الكبائر قال: ما هي ؟ قلت: أصبت كذا وكذا قال: ليس من الكبائر قلت: وأصبت كذا وكذا قال: ليس من الكبائر قال: أشيء لم يسمه طيسلة ؟ قال: هي تسع وسأعدهن عليك: الإشراك بالله وقتل النفس بغير حقها والفرار من الزحف وقذف المحصنة وأكل الربا وأكل مال اليتيم ظلما وإلحاد في المسجد الحرام والذي يستسخر وبكاء الوالدين من العقوق. قال زياد وقال طيسلة لما رأى ابن عمر فرقى قال: أتخاف النار أن تدخلها ؟ قلت: نعم قال: وتحب أن تدخل الجنة ؟ قلت: نعم قال: أحي والداك؟ قلت: عندي أمي قال: فوالله لئن أنت ألنت لها الكلام وأطعمتها الطعام لتدخلن الجنة ما اجتنبت الموجبات } طريق أخرى { قال ابن جرير: حدثنا سليمان بن ثابت الجحدري الواسطي أنا سلمة بن سلام حدثنا أيوب بن عتبة عن طيسلة بن علي النهدي قال: أتيت ابن عمر وهو في ظل أراك يوم عرفة وهو يصب الماء على رأسه ووجهه قلت: أخبرني عن الكبائر؟ قال: هي تسع قلت: ما هي ؟ قال: الإشراك بالله وقذف المحصنة قال قلت: مثل قتل النفس قال: نعم ورغما وقتل النفس المؤمنة والفرار من الزحف والسحر وأكل الربا وأكل مال اليتيم وعقوق الوالدين المسلمين وإلحاد بالبيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا } . هكذا رواه من هذين الطريقين موقوفا وقد رواه على بن الجعد عن أيوب بن عتبة عن طيسلة بن علي قال: أتيت ابن عمر عشية عرفة وهو تحت ظل أراكة وهو يصب الماء على رأسه فسألته عن الكبائر ؟ فقال { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: { هن سبع } قال قلت: وما هن قال { الإشراك بالله وقذف المحصنات } قال قلت: قبل الدم قال: نعم ورغما { وقتل النفس المؤمنة والفرار من الزحف والسحر وأكل الربا وأكل مال اليتيم وعقوق الوالدين وإلحاد بالبيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا } . وهكذا رواه الحسن بن موسى الأشيب عن أيوب بن عتبة اليماني وفيه ضعف والله أعلم. { حديث آخر } قال الإمام أحمد: حدثنا زكريا بن عدي حدثنا بقية عن يحيى بن سعيد عن خالد بن معدان أن أبا رهم السمعي حدثهم عن أبي أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من عبدالله لا يشرك به شيئا وأقام الصلاة وآتى الزكاة وصام رمضان واجتنب الكبائر فله الجنة - أو دخل الجنة { فسأله رجل ما الكبائر؟ فقال { الشرك بالله وقتل نفس مسلمة والفرار من الزحف } . ورواه أحمد أيضا والنسائي من غير وجه عن بقية { حديث آخر { روى ابن مردويه في تفسيره من طريق سليمان بن داود اليماني - وهو ضعيف- عن الزهري عن الحافظ أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده قال: كتب رسول الله صلي الله عليه وسلم إلى أهل اليمن كتابا فيه الفرائض والسنن والديات وبعث به مع عمرو بن حزم قال: وكان في الكتاب { إن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة: إشراك بالله وقتل النفس المؤمنة بغير حق والفرار في سبيل الله يوم الزحف وعقوق الوالدين ورمي المحصنة وتعلم السحر وأكل الربا وأكل مال اليتيم } . { حديث آخر فيه ذكر شهادة الزور { قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة حدثني عبدالله بن أبي بكر قال سمعت أنس بن مالك قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر أو سئل عن الكبائر فقال { الشرك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين- وقال-ألا أنبئكم بأكبر الكائر ؟ قلنا بلى قال: الإشراك بالله وقول الزور- أو شهادة الزور { أخرجاه من حديث شعبة به وقد رواه ابن مردويه من طريقين آخرين غريبين عن أنس بنحوه. { حديث آخر } أخرجه الشيخان من حديث عبدالرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم { ألا أنبئكم بأكبر الكبائر { ؟ قلنا بلى يا رسول الله قال { الإشراك بالله وعقوق الوالدين - وكان متكئا فجلس فقال - ألا وشهادة الزور ألا وقول الزور { فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت { حديث آخر } فيه ذكر قتل الوالد وهو ثابت في الصحيحين عن عبدالله بن مسعود قال: قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم وفي رواية أكبر؟ قال { أن تجعل لله ندا وهو خلقك { قلت: ثم أي قال } أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك { قلت ثم أي قال { أن تزاني حليلة جارك { ثم قرأ { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر- إلى قوله - إلا من تاب } { حديث آخر { فيه ذكر شرب الخمر. قال ابن أبي حاتم حدثنا يونس بن عبدالأعلى أنا ابن وهب حدثني ابن صخر أن رجلا حدثه عن عمرة بن حزم أنه سمع عبدالله بن عمرو بن العاص وهو بالحجر بمكة وسأله رجل عن الخمر فقال والله إن عظيما عند الله الشيخ مثلي يكذب في هذا المقام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب فسأله ثم رجع فقال: سألته عن الخمر فقال { هي أكبر الكبائر وأم الفواحش من شرب الخمر ترك الصلاة ووقع على أمه وخالته وعمته { غريب من هذا الوجه. { طريق أخرى { رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه من حديث عبدالعزيز بن محمد الدراوردي عن داود بن صالح عن سالم بن عبدالله عن أبيه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وعمر بن الخطاب وأناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين جلسوا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا أعظم الكبائر فلم يكن عندهم ما ينتهون إليه فأرسلوني إلى عبدالله بن عمرو بن العاص أسأله عن ذلك فأخبرني أن أعظم الكبائر شرب الخمر فأتيتهم فأخبرتهم فأنكروا ذلك فوثبوا إليه حتى أتوه في داره فأخبرهم أنهم تحدثوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ملكا من بني إسرائيل أخذ رجلا فخيره بين أن يشرب خمرا أو يقتل نفسا أو يزني أو يأكل لحم خنزير أو يقتله فاختار شرب الخمر. وإنه لما شربها لم يمتنع من شيء أراده منه وإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لنا مجيبا { ما من أحد يشرب خمرا إلا لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ولا يموت أحد في مثانته منها شيء إلا حرم الله عليه الجنة فإن مات في أربعين ليلة مات ميتة جاهلية { هذا حديث غريب من هذا الوجه جدا وداود بن صالح هذا هو التمار المدني مولى الأنصار قال الإمام أحمد: لا أرى به بأسا وذكره ابن حبان في الثقات ولم أر أحدا جرحه. { حديث آخر { عن عبدالله بن عمرو وفيه ذكر اليمين الغموس قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن فراس عن الشعبي عن عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { أكبر الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين أو قتل النفس - شعبة الشاك - واليمين الغموس } . ورواه البخاري والترمذي والنسائي من حديث شعبة وزاد البخاري وشيبان كلاهما عن فراس { حديث آخر في اليمين الغموس { قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أبو صالح كاتب الليث حدثنا الليث بن سعد حدثنا هشام بن سعيد عن محمد بن يزيد بن مهاجر بن قنفذ التيمي عن أبي أمامة الأنصاري عن عبدالله بن أنيس الجهني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { أكبر الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين واليمين الغموس وما حلف حالف بالله يمين صبر فأدخل فيها مثل جناح البعوضة إلا كانت وكتة في قلبه إلى يوم القيامة }. وهكذا رواه أحمد في مسنده وعبد بن حميد في تفسيره كلاهما عن يونس بن محمد المؤدب عن الليث ابن سعد به. وأخرجه الترمذي عن عبد بن حميد به وقال: حسن غريب وأبو أمامة الأنصاري هذا هو ابن ثعلبة ولا يعرف اسمه. وقد روي عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث. قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي: وقد رواه عبدالرحمن بن إسحاق المدنى عن محمد بن زيد عن عبدالله بن أبى أمامة عن أبيه عن عبدالله بن أنيس فزاد عبدالله بن أبي أمامة { قلت { هكذا وقع في تفسير ابن مردويه وصحيح ابن حبان من طريق عبدالرحمن بن إسحاق كما ذكره شيخنا فسح الله في أجله { حديث آخر { عن عبدالله بن عمرو في التسبب إلى شتم الوالدين. قال ابن أبي حاتم: حدثنا عمرو بن عبدالله الأودي حدثنا وكيع عن مسعر وسفيان عن سعد بن إبراهيم عن حميد بن عبدالرحمن عن عبدالله بن عمرو رفعه سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم ووقفه مسعر على عبدالله بن عمرو قال { من الكبائر أن يشتم الرجل والديه { قالوا: وكيف يشتم الرجل والديه ؟ قال { يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه { أخرجه البخاري عن أحمد بن يونس عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف عن أبيه عن عمه حميد بن عبدالرحمن بن عوف عن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه { قالوا وكيف يلعن الرجل والديه ؟ قال { يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه { وهكذا رواه مسلم من حديث سفيان وشعبة ويزيد بن الهاد ثلاثتهم عن سعد بن إبراهيم به مرفوعا بنحوه وقال الترمذي صحيح. وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { سباب المسلم فسوق وقتاله كفر } { حديث آخر في ذلك { قال ابن أبي حاتم حدثنا عبدالرحمن بن إبراهيم حدثنا دحيم حدثنا عمرو بن أبي سلمة حدثنا زهير بن محمد عن العلاء بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من أكبر الكبائر عرض الرجل المسلم والسبتان بالسبة { هكذا روى هذا الحديث وقد أخرجه أبو داود في كتاب الأدب من سننه عن جعفر بن مسافر عن عمرو بن أبي سلمة عن زهير بن محمد عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم{ من أكبر الكبائر استطالة الرجل في عرض رجل مسلم بغير حق ومن الكبائر السبتان بالسبة { وكذا رواه ابن مردويه من طريق عبدالله بن العلاء بن زيد عن العلاء عن أبيه عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثله { حديث آخر في الجمع بين الصلاتين من غير عذر } قال ابن أبي حاتم حدثنا أبى حدثنا أبي حدثنا نعيم بن حماد حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من جمع بين صلاتين من غير عذر فقد أتي بابا من أبواب الكبائر } . وهكذا رواه أبو عيسى الترمذي عن أبي سلمة يحيى بن خلف عن المعتمر بن سليمان به ثم قال حنش هو أبو علي الرحبي وهو حسين بن قيس وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه أحمد وغيره. وروى ابن أبي حاتم حدثنا الحسن بن محمد الصباح حدثنا إسماعيل بن علية عن خالد الحذاء عن حميد بن هلال عن أبي قتادة العدوي قال: قرئ علينا كتاب عمر: من الكبائر جمع بين الصلاتين - يعني بغير عذر- والفرار من الزحف والنهبة وهذا إسناد صحيح. والغرض أنه إذا كان الوعيد فيمن جمع بين الصلاتين كالظهر والعصر تقديما أو تأخيرا وكذا المغرب والعشاء كالجمع بسبب شرعي فمن تعاطاه بغير شيء من تلك الأسباب يكون مرتكبا كبيرة فما ظنك بترك الصلاة بالكلية ولهذا روى مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة } . وفي السنن مرفوعا عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال { العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر { وقال { من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله { وقال { من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله } { حديث آخر { فيه اليأس من روح الله والأمن من مكر الله. قال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل حدثنا أبي حدثنا شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان متكئا فدخل عليه رجل فقال: ما الكبائر فقال { الشرك بالله واليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله عز وجل والأمن من مكر الله وهذا أكبر الكبائر }. وقد رواه البزار عن عبدالله بن إسحاق العطار عن أبي عاصم النبيل عن شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلا قال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال { الشرك بالله واليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله عز وجل { وفي إسناده نظر والأشبه أن يكون موقوفا فقد روى عن ابن مسعود نحو ذلك وقال ابن جرير: حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا هشيم أخبرنا مطرف عن وبرة بن عبدالرحمن عن أبي الطفيل قال: قال ابن مسعود: أكبر الكبائر الإشراك بالله واليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله والأمن من مكر الله. وكذا رواه من حديث الأعمش وأبي إسحاق عن وبرة عن أبي الطفيل عن عبدالله به ثم رواه من طرق عدة عن أبي الطفيل عن ابن مسعود وهو صحيح إليه بلا شك { حديث آخر } فيه سوء الظن بالله قال ابن مردويه: حدثنا محمد بن إبراهيم بن بندار حدثنا أبو حاتم بكر بن عبدان حدثنا محمد بن مهاجر حدثنا أبو حذيفة البخاري عن محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر أنه قال: أكبر الكبائر سوء الظن بالله عز وجل حديث غريب جدا { حديث آخر } فيه التعرب بعد الهجرة قد تقدم من رواية عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا قال ابن مردويه: حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا أحمد بن رشدين حدثنا عمرو بن خالد الحراني حدثنا ابن لهيعة عن زياد بن أبي حبيب عن محمد بن سهل ابن أبي خيثمة عن أبيه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول { الكبائر سبع ألا تسألوني عنهن ؟ الإشراك بالله وقتل النفس والفرار يوم الزحف وأكل مال اليتيم وأكل الربا وقذف المحصنة والتعرب بعد الهجرة } وفي إسناده نظر ورفعه غلط فاحش والصواب ما رواه ابن جرير: حدثنا تميم بن المنتصر حدثنا يزيد أخبرنا محمد بن إسحاق عن محمد بن سهيل بن أبي خيثمة عن أبيه قال: إني لفي هذا المسجد مسجد الكوفة وعلي رضي الله عنه يخطب الناس على المنبر يقول: يا أيها الناس الكبائر سبع فأصاخ الناس فأعادها ثلاث مرات ثم قال: لم لا تسألوني عنها ؟ قالوا يا أمير المؤمنين ما هى ؟ قال: الإشراك بالله وقتل النفس التي حرم الله وقذف المحصنة وأكل مال اليتيم وأكل الربا ; والفرار يوم الزحف ; والتعرب بعد الهجرة فقلت لأبي يا أبت التعرب بعد الهجرة كيف لحق ههنا ; قال يا بني وما أعظم من أن يهاجر الرجل حتى إذا وقع سهمه في الفيء ووجب عليه الجهاد خلع ذلك من عنقه فرجع أعرابيا كما كان. { حديث آخر } قال الإمام أحمد: حدثنا هاشم حدثنا أبو معاوية يعني سنان عن منصور عن هلال بن يساف عن سلمة بن قيس الأشجعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع { ألا إنهن أربع لا تشركوا بالله شيئا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تزنوا ولا تسرقوا { قال فما أنا بأشح عليهن إذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رواه أحمد أيضا والنسائي وابن مردويه من حديث منصور بإسناده مثله { حديث آخر } تقدم من رواية عمر بن المغيرة عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { الإضرار في الوصية من الكبائر { والصحيح ما رواه غيره عن داود عن عكرمة عن ابن عباس قال ابن أبي حاتم هو صحيح عن ابن عباس من قوله { حديث آخر في ذلك } قال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا أحمد بن عبدالرحمن حدثنا عباد بن عباد عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة أن أناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكروا الكبائر وهو متكئ فقالوا: الشرك بالله وأكل مال اليتيم والفرار من الزحف وقذف المحصنة وعقوق الوالدين وقول الزور والغلول والسحر وأكل الربا فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم { فأين تجعلون الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا إلى آخر الآية { في إسناده ضعف وهو حسن. { ذكر أقوال السلف في ذلك { قد تقدم ما روى عن عمر وعلي في ضمن الأحاديث المذكورة وقال ابن جرير حدثني يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية عن ابن عون عن الحسن أن ناسا سألوا عبدالله بن عمرو بمصر فقالوا نرى أشياء من كتاب الله عز وجل أمر أن يعمل بها لا يعمل بها فأردنا أن نلقى أمير المؤمنين في ذلك فقدم وقدموا معه فلقي عمر رضي الله عنه فقال متى قدمت ؟ فقال: منذ كذا وكذا قال: أبإذن قدمت ؟ قال: فلا أدري كيف رد عليه فقال يا أمير المؤمنين إن ناسا لقوني بمصر فقالوا إنا نرى أشياء في كتاب الله أمر أن يعمل بها فلا يعمل بها فأحبوا أن يلقوك في ذلك قال: فاجمعهم لي قال فجمعتهم له قال ابن عون أظنه قال في بهو فأخذ أدناهم رجلا فقال أنشدك بالله وبحق الإسلام عليك أقرأت القرآن كله ؟ قال نعم قال فهل أحصيته في نفسك ؟ فقال اللهم لا ! قال ولو قال نعم لخصمه. قال فهل أحصيته في بصرك ؟ فهل أحصيته في لفظك ؟ هل أحصيته في أثرك ؟ ثم تتبعهم حتى أتى على آخرهم فقال ثكلت عمر أمه أتكلفونه أن يقيم الناس على كتاب الله قد علم ربنا أن ستكون لنا سيئات قال وتلا { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم } الآية. ثم قال هل علم أهل المدينة أو قال: هل علم أحد بما قدمتم قالوا لا قال لو علموا لوعظت بكم إسناد صحيح ومتن حسن وإن كان من رواية الحسن عن عمر وفيها انقطاع إلا أن مثل هذا اشتهر فتكفي شهرته. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان حدثنا أبو أحمد يعني الزبيري حدثنا علي بن صالح عن عثمان بن المغيرة عن مالك بن جرير عن علي رضي الله عنه قال: الكبائر الإشراك بالله وقتل النفس وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة والفرار من الزحف والتعرب بعد الهجرة والسحر وعقوق الوالدين وأكل الربا وفراق الجماعة ونكث الصفقة. وتقدم عن ابن مسعود أنه قال: أكبر الكبائر الإشراك بالله واليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله والأمن من مكر الله عز وجل. وروى ابن جرير من حديث الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق والأعمش عن إبراهيم عن علقمة كلاهما عن ابن مسعود قال الكبائر من أول سورة النساء إلى ثلاثين آية منها. ومنه حديث سفيان الثوري وشعبة عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن ابن مسعود قال: الكبائر من أول سورة النساء إلى ثلاثين آية ثم تلا { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه } الآية قال ابن حاتم حدثنا المنذر بن شاذان حدثنا يعلي بن عبيدة حدثنا صالح بن حيان عن ابن بريدة عن أبيه قال: أكبر الكبائر الشرك بالله وعقوق الوالدين ومنع فضول الماء بعد الري ومنع طروق الفحل إلا بجعل. وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ { وفيهما عن النبي صلى اله عليه وسلم أنه قال { ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه ابن السبيل { وذكر تمام الحديث وفي مسند الإمام أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا { من منع فضل الماء وفضل الكلأ منعه الله فضله يوم القيامة } . وقال ابن أبي حاتم حدثنا الحسين بن محمد بن شيبة الواسطي حدثنا أبو أحمد عن سفيان عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عائشة قالت: ما أخذ على النساء من الكبائر قال ابن أبي حاتم يعني قوله تعالى { على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن } الآية. وقال ابن جرير حدثني يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية حدثنا زياد بن مخراق عن معاوية بن قرة قال أتيت أنس بن مالك فكان فيما يحدثنا قال: لم أر مثل الذي أتانا عن ربنا ثم لم يخرج عن كل أهل ومال ثم سكت هنيهة ثم قال: والله لما كلفنا من ذلك أنه تجاوز لنا عما دون الكبائر وتلا { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه } الآية. { أقوال ابن عباس في ذلك { روى ابن جرير من حديث المعتمر بن سليمان عن أبيه عن طاوس قال ذكروا عند ابن عباس الكبائر فقالوا: هي سبع فقال: أكثر من سبع وسبع قال فلا أدري كم قالها من مرة. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن ليث عن طاوس قال: قلت لابن عباس ما السبع الكبائر قال هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع. ورواه ابن جرير عن ابن حميد عن ليث عن طاوس قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال أرأيت الكبائر السبع التذي ذكرهن الله ما هن قال: هن إلى السبعين أدنى منهن إلى سبع وقال عبدالرزاق أنا معمر عن طاوس عن أبيه قال قيل لابن عباس الكبائر سبع ؟ قال هن إلى السبعين أقرب وكذا قال أبو العالية الرياحي رحمه الله وقال ابن جرير حدثنا المثنى حدثنا أبو حذيفة حدثنا شبل عن قيس عن سعد عن سعيد بن جبير أن رجلا قال لابن عباس كم الكبائر سبع ؟ قال هن إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع غير أنه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار وكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث شبل به وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه } قال الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب رواه ابن جرير وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن حرب الموصلي حدثنا ابن فضيل حدثنا شبيب عن عكرمة عن ابن عباس قال: الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار كبيرة وكذا قال سعيد بن جبير والحسن البصري وقال ابن جرير حدثني يعقوب حدثنا ابن علية أخبرنا أيوب عن محمد بن سيرين قال نبئت أن ابن عباس كان يقول: كل ما نهى الله عنه كبيرة وقد ذكرت الطرفة قال هي النظرة وقال أيضا حدثنا أحمد بن حازم أخبرنا أبو نعيم حدثنا عبدالله بن معدان عن أبي الوليد قال سألت ابن عباس عن النظرة وقال أيضا حدثنا أحم بن حازم أخبرنا أبو نعيم حدثنا عبدالله بن معدان عن أبي الوليد قال سألت ابن عباس عن الكبائر قال كل شيء عصى الله به فهو كبيرة { أقوال التابعين { قال ابن جرير حدثني يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية عن ابن عون عن محمد قال سألت عبيدة عن الكبائر فقال: الإشراك بالله وقتل النفس التي حرم الله بغير حقها والفرار يوم الزحف وأكل مال اليتيم وأكل الربا والبهتان قال ويقولون أعرابية بعد هجرة قال ابن عون فقلت لمحمد فالسحر ؟ قال إن البهتان يجمع شرا كثيرا وقال ابن جرير حدثني محمد بن عبيد المحاربي حدثنا أبو الأحوص سلام بن سليم عن أبي إسحاق عن عبيد بن عمير قال الكبائر سبع ليس منهن كبيرة إلا وفيها آية من كتاب الله الإشراك بالله منهن { ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح } الآية { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا } الآية { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذين يتخبطه الشيطان من المس } و { الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات } والفرار من الزحف { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا } الآية والتعرب بعد الهجرة { إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعدما تبين لهم الهدى } وقتل المؤمن { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها } الآية وكذا رواه ابن أبي حاتم أيضا في حديث أبي إسحاق عن عبيد بن عمير بنحوه وقال ابن جرير: حدثنا المثنى حدثنا أبو حذيفة ; حدثنا شبل ; عن ابن أبي نجيح عن عطاء يعني ابن أبي رباح قال الكبائر سبع قتل النفس ; وأكل مال اليتيم ; وأكل الربا ; ورمي المحصنة وشهادة الزور ; وعقوق الوالدين ; والفرار من الزحف وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا عثمان بن أبي شيبة ; حدثنا جرير عن مغيرة قال: كان يقال شتم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من الكبائر قلت وقد ذهب طائفة من العلماء إلى تكفير من سب الصحابة وهو رواية عن مالك بن أنس رحمه الله وقال محمد بن سيرين: ما أظن أحدا يبغض أبا بكر وعمر وهو يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الترمذي وقال ابن أبي حاتم أيضا حدثنا يونس أنا ابن وهب أخبرني عبدالله بن عياش قال زيد بن أسلم في قول الله عز وجل { إن تجتبوا كبائر ما تنهون عنه } من الكبائر: الشرك بالله والكفر بآيات الله ورسوله ; والسحر ; وقتل الأولاد ; ومن ادعى لله ولدا أو صاحبة - ومثل ذلك من الأعمال والقول الذي لا يصلح معه عمل وأما كل ذنب يصلح معه دين ويقبل معه عمل فإن الله يغفر السيئات بالحسنات قال ابن جرير حدثنا بشر بن معاذ ; حدثنا يزيد حدثنا سعيد: عن قتادة { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه } الآية إنما وعد الله المغفرة لمن اجتنب الكبائر وذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { اجتنبوا الكبائر ; وسددوا ; وأبشروا { وقد روى ابن مردويه من طرق عن أنس وعن جابر مرفوعا { شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي { ولكن في إسناده من جميع طرفه ضعف إلا ما رواه عبدالرزاق أخبرنا معمر عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي { فإنه إسناد صحيح على شرط الشيخين وقد رواه أبو عيسى الترمذي منفردا به من هذا الوجه عن عباس العنبري عن عبدالرزاق ثم قال هذا حديث حسن صحيح. وفي الصحيح شاهد لمعناه وهو قوله صلى الله عليه وسلم بعد ذكر الشفاعة { أترونها للمؤمنين المتقين؟ لا ولكنها للخاطئين المتلوثين }. وقد اختلف علماء الأصول والفروع في حد الكبيرة فمن قائل هي ما عليه حد في الشرع ومنهم من قال هي ما عليه وعيد مخصوص من الكتاب والسنة وقيل غير ذلك. قال أبو القاسم عبدالكريم بن محمد الرافعي في كتابه الشرح الكبير الشهير في كتاب الشهادات منه ثم اختلف الصحابي رضي الله عنهم فمن بعدهم في الكبائر وفي الفرق بينها وبين الصغائر ولبعض الأصحاب في تفسير الكبيرة وجوه أحدها أنها المعصية الموجبة للحد { والثاني } أنها المعصية التي يلحق صاحبها الوعيد الشديد بنص كتاب أو سنة وهذا أكثر ما يوجد لهم وإلى الأول أميل لكن الثاني أوفق لما ذكروه عند تفسير الكبائر { والثالث } قال إمام الحرمين في الإرشاد وغيره كل جريمة تنبيء بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة فهي مبطلة للعدالة { والرابع } ذكر القاضي أبو سعيد الهروي أن الكبيرة كل فعل نص الكتاب على تحريمه وكل معصية توجب في جنسها حدا من قتل أو غيره وترك كل فريضة مأمور بها على الفور والكذب في الشهادة والرواية واليمين هذا ما ذكره على سبيل الضبط ثم قال وفصل القاضي الروياني فقال الكبائر سبع: قتل النفس بغير الحق والزنا واللواطة وشرب الخمر والسرقة وأخذ المال غصبا والقذف وزاد في الشامل على السبع المذكورة شهادة الزور وأضاف إليها صاحب العدة أكل الربا والإفطار في رمضان بلا عذر واليمين الفاجرة وقطع الرحم وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وأكل مال اليتيم والخيانة في الكيل والوزن وتقديم الصلاة على وقتها وتأخيرها عن وقتها بلا عذر وضرب المسلم بلا حق والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمدا; وسب أصحابه وكتمان الشهادة بلا عذر وأخذ الرشوة والقيادة بين الرجال والنساء والسعاية عند السلطان ومنع الزكاة وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القدرة ونسيان القرآن بعد تعلمه وإحراق الحيوان بالنار وامتناع المرأة من زوجها بلا سبب واليأس من رحمة الله والأمن من مكر الله ويقال الوقيعة في أهل العلم وحملة القرآن ومما يعد من الكبائر: الظهار وأكل لحم الخنزير والميتة إلا عن ضرورة. ثم قال الرافعي وللتوقف مجال في بعض هذه الخصال قلت: وقد صنف الناس في الكبائر مصنفات منها ما جمعه شيخنا الحافظ أبو عبدالله الذهبي الذي بلغ نحوا من سبعين كبيرة وإذا قيل إن الكبيرة ما توعد عليها الشارع بالنار بخصوصها كما قال ابن عباس وغيره وتتبع ذلك اجتمع منه شيء كثير وإذا قال كل ما نهى اللّه عنه فكثير جدا واللّه أعلم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا
    +/- -/+  
الأية
32
 
قال الإمام أحمد حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال قالت أم سلمة يا رسول الله تغزو الرجال ولا نغزو ولنا نصف الميراث فأنزل الله { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض } ورواه الترمذي عن ابن أبى عمر عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أم سلمة أنها قالت: قلت يا رسول الله فذكره وقال غريب ورواه بعضهم عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن أم سلمة قالت يا رسول الله فذكره ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير وابن مردويه والحاكم في مستدركه من حديث الثوري عن أبن أبي نجيح عن مجاهد قال: قالت أم سلمة يا رسول الله: لا نقاتل فنستشهد ولا نقطع الميراث فنزلت الآية ثم أنزل الله { أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى } الآية. ثم قال ابن أبي حاتم وكذا روى سفيان بن عيينة يعني عن ابن أبي نجيح بهذا اللفظ وروى يحيى القطان ووكيع بن الجراح عن الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أم سلمة قالت: قلت يا رسول الله. وروى عن مقاتل بن حيان وخصيف نحو ذلك وروى ابن جرير من حديث ابن جرير عن عكرمة ومجاهد أنهما قالا أنزلت في أم سلمة وقال عبدالرزاق أخبرنا معمر عن شيخ من أهل مكة قال نزلت هذه الآية في قول النساء ليتنا الرجال فنجاهد كما يجاهدون ونغزو في سبيل الله عز وجل وقال ابن أبي حاتم أيضا حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية حدثني أحمد بن عبدالرحمن حدثني أبي حدثنا أشعث بن إسحاق عن جعفر يعني ابن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في الآية قال: أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله للذكر مثل حظ الأنثيين وشهادة امرأتين برجل أفنحن في العمل هكذا إن فعلت امرأة حسنة كتبت لها نصف حسنة فأنزل الله هذه الآية { ولا تتمنوا } الآية. فإنه عدل مني وأنا صنعته وقال السدى في الآية أن رجالا قالوا إنا نريد أن يكون لنا من الأجر الضعف على أجر النساء كما لنا في السهام سهمان وقالت النساء إنا نريد أن يكون لنا أجر مثل أجر الشهداء فإنا لا نستطيع أن نقاتل ولو كتب علينا القتال لقاتلنا فأبى الله ذلك ولكن قال لهم سلوني من فضلي قال ليس بعرض الدنيا. وقد روى عن قتادة نحو ذلك. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية قال: ولا يتمنى الرجل فيقول ليت لو أن لي مال فلان وأهله فنهى اللّه عن ذلك ولكن يسأل الله من فضله. وقال الحسن ومحمد بن سيرين وعطاء والضحاك نحو هذا وهو الظاهر من الآية ولا يرد على هذا ما ثبت في الصحيح { لاحسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق فيقول رجل لو أن لي مثل ما لفلان لعملت مثله فهما في الأجر سواء } فإن هذا شيء غير ما نهت عنه الآية. وذلك أن الحديث حض على تمني مثل نعمة هذا والآية نهت عن تمنى عين نعمة هذا يقول { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض } أي في الأمور الدنيوية وكذا الدينية لحديث أم سلمة وابن عباس وهكذا قال عطاء بن أبي رباح نزلت في النهي عن تمني ما لفلان وفي تمني النساء أن يكن رجالا فيغزون رواه ابن جرير ثم قال { للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن } أي كل له جزاء على عمله بحسبه إن خير فخير وإن شرا فشر هذا قول ابن جرير وقيل المراد بذلك في الميراث أي كل يرث بحسبه. رواه الترمذي عن ابن عباس ثم أرشدهم إلى ما يصلحهم فقال اسألوا الله من فضله لا تتمنوا ما فضلنا به بعضكم على بعض فإن هذا أمر محتوم أي إن التمني لا يجدي شيئا ولكن سلوني من فضلي أعطكم فإني كريم وهاب. وقد روى الترمذي وابن مردويه من حديث حماد بن واقد سمعت إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل وإن أفضل العبادة انتظار الفرج }. ثم قال الترمذي كذا رواه حماد بن واقد وليس بالحافظ رواه ابن مردوية من حديث وكيع عن إسرائيل ثم رواه من حديث قيس بن الربيع عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل وإن أحب عباد الله إلى الله الذي يحب الفرج } ثم قال { إن الله كان بكل شيء عليما } أي هو عليم بمن يستحق الدنيا فيعطيه منها وبمن يستحق الفقر فيفقره وعليم بمن يستحق الآخرة فيقيضه لأعمالها وبمن يستحق الخذلان فيخذله عن تعاطي الخير وأسبابه ولهذا قال { إن الله كان بكل شيء عليما }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ۚ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ۚ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا
    +/- -/+  
الأية
33
 
قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو صالح وقتادة وزيد بن أسلم والسدي والضحاك ومقاتل بن حيان وغيرهم في قوله { ولكل جعلنا موالي } أي ورثة وعن ابن عباس في رواية أي عصبة قال ابن جرير والعرب تسمى ابن العم مولى كما قال الفضل بن عباس. مهلا بني عمنا مهلا موالينا لا يظهرن بيننا ما كان مدفونا قال ويعني بقوله مما ترك الوالدان والأقربون من تركة والديه وأقربيه من الميراث فتأويل الكلام ولكلكم أيها الناس جعلنا عصبة يرثونه مما ترك والده وأقربوه من ميراثهم له وقوله تعالى { والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم } أي والذين تحالفتم بالأيمان المؤكدة أنتم وهم فأتوهم نصيبهم من الميراث كما وعدتموهم في الأيمان المغلظة إن الله شاهد بينكم في تلك العهود والمعاقدات وقد كان هذا في ابتداء الإسلام ثم نسخ بعد ذلك وأمروا أن يوفوا لمن عاقدوا ولا ينسوا بعد نزول هذه الآية معاقدة. قال البخاري حدثنا الصلت بن محمد حدثنا أبو أمامة عن إدريس عن طلحة بن مصرف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ولكل جعلنا موالي قال ورثة { والذين عقدت أيمانكم كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم فلما نزلت ولكل جعلنا موالي نسخت ثم قال { والذين عقدت أيمانكم فأتوهم نصيبهم } من النصر والرفادة والنصيحة وقد ذهب الميراث ويوصي له ثم قال البخاري سمع أبو أسامة إدريس وسمع إدريس عن طلحة. قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو أسامة حدثنا إدريس الأودي أخبرني طلحة بن مصرف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله { والذين عقدت أيمانكم { الآية قال كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحم بالأخوة التي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فلما نزلت ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون نسخت ثم قال { والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم } وحدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء عن ابن عباس قال { والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم } فكان الرجل قبل الإسلام يعاقد الرجل ويقول وترثني وأرثك وكان الأحياء يتحالفون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { كل حلف في الجاهلية أو عقد أدركه الإسلام } فلا يزيده الإسلام إلا شدة ولا عقد ولا حلف في الإسلام } فنسختها هذه الآية وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ثم قال وروي عن سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء والحسن وابن المسيب وأبي صالح وسليمان بن يسار والشعبي وعكرمة والسدي والضحاك وقتادة ومقاتل بن حيان أنهم قالوا هم الحلفاء. وقال الإمام أحمد حدثنا عبدالله بن محمد حدثنا أبي نمير وأبو أسامة عن زكريا عن سعيد بن إبراهيم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا حلف في الإسلام وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة }. وهكذا رواه مسلم ورواه النسائي من حديث إسحاق بن يوسف الأزرق عن زكريا عن سعيد بن إبراهيم عن نافع عن جبير بن مطعم عن أبيه به وقال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثنا أبو كريب حدثنا مصعب بن المقدام عن إسرائيل عن يونس عن محمد بن عبدالرحمن مولى آل طلحة عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا حلف في الإسلام وكل حلف كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة وما يسرني أن لي حمر النعم وإنى نقضت الحلف الذي كان في دار الندوة } هذا لفظ ابن جرير وقال ابن جرير أيض ا حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية عن عبدالرحمن بن إسحاق عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن عبدالرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { شهدت حلف المطيبين وأنا غلام مع عمومتي فما أحب أن لي حمر النعم وأنا أنكثه } قال الزهري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لم يصب الإسلام حلفا إلا زاده شدة } قال { ولا حلف في الإسلام }. وقد ألف النبي صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار وهكذا رواه الإمام أحمد عن بشر بن المفضل عن عبدالرحمن بن إسحاق عن الزهري بتمامه وحدثني يعقوب بن إبراهيم حدثنا هشيم أخبرني مغيرة عن أبيه عن شعبة بن التؤام عن قيس بن عاصم أنه سأل النبي صلى عن الحلف قال فقال { ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به ولا حلف في الإسلام }. وهكذا رواه أحمد عن هشيم وحدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن داود بن أبي عبدالله عن ابن جدعان حدثه عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا حلف في الإسلام وما كان من حلف في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة } وحدثنا كريب حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح قام خطيبا في الناس فقال { يا أيها الناس ما كان من حلف في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة ولا حلف في الإسلام } ثم رواه من حديث حسين المعلم وعبدالرحمن بن الحرث عن عمرو بن شعيب به وقال الإمام أحمد حدثنا عبدالله بن محمد حدثنا ابن نمير وأبو أسامة عن زكريا عن سعد بن إبراهيم عن أبيه عن جبير بن مطعم قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم { لا حلف في الإسلام وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة } وهكذا رواه مسلم عن عبدالله بن محمد وهو أبو بكر بن أبي شيبة بإسناده مثله ورواه أبو داود عن عثمان عن محمد بن أبي شيبة عن محمد بن بشر وابن نمير وأبي أسامة ثلاثتهم عن زكريا وهو ابن أبي زائدة بإسناده مثله ورواه ابن جرير من حديث محمد بن بشر به. ورواه النسائي من حديث إسحاق بن يوسف الأزرق عن زكريا عن سعد بن إبراهيم عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه به. وقال الإمام أحمد حدثنا هشيم قال أخبرنا مغيرة عن أبيه عن شعبة بن التوأم عن قيس بن عاصم أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحلف فقال { ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به ولا حلف في الإسلام } وكذا رواه شعبة عن مغيرة وهو ابن مقسم عن أبيه به وقال محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين قال كنت أقرأ على أم سعد بنت الربيع مع ابن ابنها موسى بن سعد وكان يتيما في حجر أبي بكر فقرأت عليها { والذين عاقدت أيمانكم } فقالت لا ولكن { والذين عقدت أيمانكم } قالت إنما نزلت في أبي بكر وابنه عبدالرحمن حين أبي أن يسلم فحلف أبو بكر أن لا يورثه فلما أسلم حين حمل على الإسلام بالسيف أمر اللّه أن يؤتيه نصيبه رواه ابن أبي حاتم وهذا قول غريب والصحيح الأول وأن هذا كان في ابتداء الإسلام يتوارثون بالحلف ثم نسخ وبقي تأثير الحلف بعد ذلك وإن كانوا قد أمروا أن يوفوا بالعهود والعقود والحلف الذي كانوا قد تعاقدوا قبل ذلك وتقدم في حديث جبير بن مطعم وغيره من الصحابة لا حلف في الإسلام وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة وهذا نص في الرد على ما ذهب إلى التوارث بالحلف اليوم كما هو مذهب أبي حنيفة وأصحابه ورواية عن أحمد بن حنبل والصحيح قول الجمهور ومالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه ولهذا قال تعالى { ولكل جعلنا موالي مما ترك الولدان والأقربون } أي ورثه من قراباته من أبويه وأقربيه وهم يرثونه دون سائر الناس كما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { الحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر } أي اقسموا الميراث على أصحاب الفرائض الذين ذكرهم الله في آيتي الفرائض فما بقي بعد ذلك فأعطوه للعصبة وقوله { والذين عقدت أيمانكم } أي قبل نزول هذه الآية { فآتوهم نصيبهم } أي من الميراث فأيما حلف عقد بعد ذلك فلا تأثير له وقد قيل إن هذه الآية نسخت الحلف في المستقبل وحكم الحلف الماضي أيضا فلا توارث به كما قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو أسامة حدثنا إدريس الأودي أخبرني طلحة بن مصرف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فآتوهم نصيبهم قال من النصرة والنصيحة والرفادة ويوصي له وقد ذهب الميراث ورواه ابن جرير عن أبي كريب عن أبي أسامة وكذا روى عن مجاهد وأبي مالك نحو ذلك وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله { والذين عاقدت أيمانكم } قال كان الرجل يعاقد الرجل أيهما مات ورثه الآخر فأنزل الله تعالى { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا يقول إلا أن توصوا لهم بوصية فهي لهم جائزة من ثلث المال وهذا هو المعروف وهكذا نص غير واحد من السلف أنها منسوخة بقوله { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا } وقال سعيد بن جبير فأتوهم نصيبهم أي من الميراث قال وعاقد أبو بكر مولى فورثه رواه ابن جرير وقال الزهري عن ابن المسيب نزلت هذه الآية في الذين كانوا يتبنون رجالا غير أبنائهم يورثونهم فأنزل الله فيهم فجعل لهم نصيبا في الوصية ورد الميراث إلى الموالى في ذي الرحم والعصبة وأبى الله أن يكون للمدعين ميراثا ممن ادعاهم وتبناهم ولكن جعل لهم نصيبا من الوصية رواه ابن جرير وقد اختار ابن جرير أن المراد بقوله فأتوهم نصيبهم أي من النصرة والنصيحة والمعونة لا أن المراد فأتوهم نصيبهم من الميراث حتى تكون الآية منسوخة ولا أن ذلك كان حكما ثم نسخ بل إنما دلت الآية على الوفاء بالحلف المعقود على النصرة والنصيحة فقط فهي محكمة لا منسوخه وهذا الذي قاله فم نظر فإن من الحلف ما كان على المناصرة والمعاونه ومنه ما كان على الإرث كما حكاه غير واحد من السلف وكما قال ابن عباس: كان المهاجري يرث الأنصاري دون قراباته وذوي رحمة حتى نسخ ذلك فكيف يقول إن هذه الآية محكمة غير منسوخة والله أعلم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا
    +/- -/+  
الأية
34
 
يقول تعالى { الرجال قوامون على النساء } أي الرجل قيم على المرأة أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت { بما فضل الله بعضهم على بعض } أي لأن الرجال أفضل من النساء والرجل خير من المرأة ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال وكذلك الملك الأعظم لقوله صلى الله عليه وسلم { لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة } رواه البخاري من حديث عبدالرحمن بن أبي بكرة عن أبيه وكذا منصب القضاء وغير ذلك { وبما أنفقوا من أموالهم } أي من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فالرجل أفضل من المرأة في نفسه وله الفضل عليها والإفضال فناسب أن يكون قيما عليها كما قال الله تعالى { وللرجال عليهن درجة } الآية وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس الرجال قوامون على النساء يعنى أمراء عليهن أي تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله. وكذا قال مقاتل والسدي والضحاك وقال الحسن البصري: جاءت امرأة إلى النبي صلى تشكو أن زوجها لطمها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { القصاص } فأنزل الله عز وجل. الرجال قوامون على النساء } الآية. فرجعت بغير قصاص ورواه ابن جريج وابن أبي حاتم من طرق عنه وكذلك أرسل هذا الخبر قتادة وابن جريج والسدي أورد ذلك كله ابن جرير وقد أسنده ابن مردوية من وجه آخر فقال حدثنا أحمد بن علي النسائي حدثنا محمد بن هبة الله الهاشمي حدثنا محمد بن محمد الأشعث حدثنا موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد قال حدثني أبي عن جدي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من الأنصار بامرأة له فقالت يا رسول الله إن زوجها فلان بن فلان الأنصاري وإنه ضربها فأثر في وجهها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ليس له ذلك } فأنزل الله تعالى { الرجال قوامون على النساء } أى في الأدب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أردت أمرا وأراد الله غيره } وكذلك أرسل هذا الخبر قتادة وابن جريج والسدي أورد ذلك كله ابن جرير وقال الشعبي في هذه الآية الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم قال الصداق الذي أعطاها ألا ترى أنه لو قذفها لأعنها ولو قذفته جلدت وقوله تعالى فالصالحات أي من النساء { قانتات } قال ابن عباس وغير واحد يعني مطيعات لأزواجهن حافظات للغيب قال السدي وغيره أي تحفظ زوجها في غيبته في نفسها وماله وقوله { بما حفظ الله } أي المحفوظ من حفظه الله قال ابن جرير حدثني المثنى حدثنا أبو صالح حدثنا أبو معشر حدثنا سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك } ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { الرجال قوامون على النساء } إلى آخرها ورواه ابن أبى حاتم عن يونس بن حبيب عن أبي داود الطيالسي عن محمد بن عبدالرحمن بن أبي ذئب عن سعيد المقبري به مثله سواء وقال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن عبدالله بن أبي جعفر أن ابن قارظ أخبره أن عبدالرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي الأبواب شئت } تفرد به أحمد من طريق عبدالله بن قارظ عن عبدالرحمن بن عوف وقوله تعالى { واللاتي تخافون نشوزهن } أي والنساء اللاتي تتخوفون أن ينشزن على أزواجهن والنشوز هو الارتفاع فالمرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها التاركة لأمره المعرضة عنه المبغضة له فمتى ظهر له منها إمارات النشوز فليعظها وليخوفها عقاب الله في عصيانه فإن الله قد أوجب حق الزوج عليها وطاعته وحرم عليها معصيته لما له عليها من الفضل والإفضال وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها }. وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت عليه لعنتها الملائكة حتى تصبح } رواه مسلم ولفظه { إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح } ولهذا قال تعالى { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن } وقوله { واهجروهن في المضاجع } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: الهجر هو أن لا يجامعها ويضاجعها على فراشها ويوليها ظهره وكذا قال غير واحد وزاد آخرون منهم السدي والضحاك وعكرمة وابن عباس في رواية ولا يكلمها مع ذلك ولا يحدثها وقال علي بن أبي طلحة أيضا عن ابن عباس: يعظها فإن هي قبلت وإلا هجرها في المضجع ولا يكلمها من غير أن يرد نكاحها وذلك عليها شديد وقال مجاهد والشعبي وإبراهيم ومحمد بن كعب ومقسم وقتادة: الهجر هو أن لا يضاجعها وقد قال أبو داود حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي مرة الرقاشي عن عمه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { فإن خفتم نشوزهن فاهجروهن في المضاجع } قال حماد يعنى النكاح وفي السنن والمسند عن معاوية بن حيدة القشيري أنه قال: يا رسول الله ما حق امرأة أحدنا عليه قال { أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت } وقوله واضربوهن أي إذا لم يرتدعن بالموعظة ولا بالهجران فلكم أن تضربوهن ضربا غير مبرح كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر عن النبي صلى أنه قال في حجة الوداع { واتقوا اللّه في النساء فإنهن عندكم عوان ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرج ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف } وكذا قال ابن عباس وغير واحد ضربا غير مبرح قال الحسن البصري يعني غير موثر قال الفقهاء هو أن لا يكسر فيها عضوا ولا يؤثر فيها شيئا وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يهجرها في المضجع فإن أقبلت وإلا فقد أذن الله لك أن تضربها ضربا غير مبرح ولا تكسر لها عظما فإن أقبلت وإلا قد أحل الله لك منها الفدية. وقال سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبدالله بن عبدالله بن عمر عن إياس بن عبدالله بن أبي ذئاب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم { لا تضربوا إماء الله } فجاء عمر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ذئرت النساء على أزواجهن فرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضربهن فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشتكين أزواجهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لقد أطاف بآل محمد نساء كثير يشتكين من أزواجهن ليس أولئك بخياركم } رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وقال الإمام أحمد حدثنا سليمان بن داود يعني أبا داود الطيالسي حدثنا أبو عوانة عن داود الأودي عن عبدالرحمن السلمي عن الأشعث بن قيس قال ضفت عمر رضي الله عنه فتناول امرأته فضربها فقال يا أشعث احفظ عني ثلاثا حفظتهن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسأل الرجل فيما ضرب امرأته ولا تنم إلا على وتر ونسي الثالثة وكذا رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث عبدالرحمن بن مهدي عن أب عوانه عن داود الأودي به وقوله تعالى { فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا } أي إذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريده منها مما أباحه الله له منها فلا سبيل له عليها بعد ذلك وليس له ضربها ولا هجرانها وقوله إن الله كان عليا كبيرا تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب فإن الله العلي الكبير وليهن وهو منتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا
    +/- -/+  
الأية
35
 
ذكر الحال الأول وهو إذا كان النفور والنشوز من الزوجة. ثم ذكر الحال الثاني وهو إذا كان النفور من الزوجين فقال تعالى { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها } وقال الفقهاء إذا وقع الشقاق بين الزوجين أسكنهما الحاكم إلى جنب ثقة ينظر في أمرهما ويمنع الظالم منهما من الظلم فإن تفاقم أمرهما وطالت خصومتهما بعث الحاكم ثقة من أهل المرأة وثقة من قوم الرجل ليجتمعا فينظرا في أمرهما ما فيه المصلحة مما يريانه من التفريق أو التوفيق وتشوف الشارع إلى التوفيق. ولهذا قال تعالى { إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما } وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أمر الله عز وجل أن يبعثوا رجلا صالحا من أهل الرجل ورجلا مثله من أهل المرأة فينظران أيهما المسيء فإن كان الرجل هو المسيء حجبوا عنه امرأته وقصروه على النفقة وإن كانت المرأة هي المسيئة قصروها على زوجها ومنعوها النفقة فإن اجتمع رأيهما على أن يفرقا أو يجمعا فأمرهما جائز فإن رأيا أن يجمعا فرضي أحد الزوجين وكره الآخر ثم مات أحدهما فإن الذي رضي يرث الذي لم يرض ولا يرث الكاره الراضي رواه ابن أبي حاتم وابن جرير وقال عبدالرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن عكرمة بن خالد عن ابن عباس قال بعثت أنا ومعاوية حكمين قال معمر بلغني أن عثمان بعثهما وقال لهما إن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا ففرقا وقال أنبأنا ابن جريج حدثني ابن أبي مليكة أن عقيل بن أبي طالب تزوج فاطمة بنت عتبة بن ربيعة فقالت: تصير إلى وأنفق عليك فكان إذا دخل عليها قالت أين عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة فقال على يسارك في النار إذا دخلت فشدت عليها ثيابها فجاءت عثمان فذكرت له ذلك فضحك فأرسل ابن عباس ومعاوية فقال ابن عباس لأفرقن بينهما فقال معاوية ما كنت لأفرق بين شخصين من بني عبد مناف فأتياهما فوجداهما قد أغلقا عليهما أبوابهما فرجعا وقال عبدالرزاق أخبرنا معمر عن أيوب عن محمد بن سيرين عن عبيدة قال شهدت عليا وجاءته امرأة وزوجها مع كل واحد منهما فئام من الناس فأخرج هؤلاء حكما وهؤلاء حكما فقال علي للحكمين أتدريان ما عليكما؟ إن عليكما إن رأيتما أن تجمعا جمعتما فقالت المرأة رضيت بكتاب الله لي وعلي وقال الزوج أما الفرقة فلا فقال علي كذبت والله لا تبرح حتى ترضى بكتاب الله عز وجل لك وعليك. رواه ابن أبي حاتم ورواه ابن جرير عن يعقوب عن ابن علية عن أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة عن علي مثله ورواه من وجه آخر عن ابن سيرين عن عبيدة عن علي به وقد أجمع العلماء على أن الحكمين لهما الجمع والتفرقة حتى قال إبراهيم النخعي إن شاء الحكمان أن يفرقا بينهما بطلقة أو بطلقتين أو ثلاث فعلا وهو رواية عن مالك وقال الحسن البصري الحكمان يحكمان في الجمع لا في التفرقة وكذا قال قتادة وزيد بن أسلم وبه قال أحمد بن حنبل وأبو ثور وداود ومأخذهم قوله تعالى { إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما } ولم يذكر التفريق وأما إذا كانا وكيلين من جهة الحاكم فيحكمان وإن لم يرض الزوجان أو هما وكيلان من جهة الزوجين على قولين والجمهور على الأول لقوله تعالى { فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها } فسماهما حكمين ومن شأن الحكم أن يحكم بغير رضا المحكوم عليه وهذا ظاهر الآية والجديد من مذهب الشافعي وهو قول أبي حنيفة. وأصحابه الثاني منهما قول على رضي الله عنه للزوج حين قال أما الفرقة فلا فقال كذبت حتى تقر بما أقرت به قالوا فلو كانا حكمين لما افتقر إلى إقرار الزوج والله أعلم. قال الشيخ أبو عمر بن عبدالبر وأجمع العلماء على أن الحكمين إذا اختلف قولهما فلا عبرة بقول الآخر وأجمعوا على أن قولهما نافذ في الجمع وإن لم يوكلهما الزوجان واختلفوا هل ينفذ قولهما في التفرقة ثم حكى عن الجمهور أنه ينفذ قولهما فيها أيضا من غير توكيل.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا
    +/- -/+  
الأية
36
 
يأمر تبارك وتعالى بعبادته وحده لا شريك له فانه هو الخالق الرازق المنعم المتفضل على خلقه في جميع الآنات والحالات فهو المستحق منهم أن يوحدوه ولا يشركوا به شيئا من مخلوقاته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل { أتدري ما حق اللّه على العباد؟ { قال الله ورسوله أعلم قال { أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ثم أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ أن لا يعذبهم } ثم أوصى بالإحسان إلى الوالدين فإن الله سبحانه جعلهما سببا لخروجك من العدم إلى الوجود وكثيرا ما يقرن الله سبحانه بين عبادته والإحسان إلى الوالدين كقوله { أن اشكر لي ولوالديك } وكقوله { وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا } ثم عطف على الإحسان إليهما الإحسان إلى القرابات من الرجال والنساء كما جاء في الحديث { الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم صدقة وصلة } ثم قال تعالى { واليتامى } وذلك لأنهم فقدوا من يقوم بمصالحهم ومن ينفق عليهم فأمر الله بالإحسان إليهم والحنو عليهم ثم قال { والمساكين } وهم المحاويج من ذوي الحاجات الذين لا يجدون من يقوم بكفايتهم فأمر الله سبحانه بمساعدتهم بما تتم به كفايتهم وتزول به ضرورتهم وسيأتي الكلام على الفقير والمسكين في سورة براءة وقوله والجار ذي القربى والجار الجنب } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس والجار ذي القربى يعني الذي بينك وبينه قرابة والجار الجنب الذي ليس بينك وبينه قرابة وكذا روى عن عكرمة ومجاهد وميمون بن مهران والضحاك لزيد بن أسلم ومقاتل بن حيان وقتادة وقال أبو إسحاق عن نوف البكالي في قوله { والجار ذي القربى } يعني الجار المسلم والجار الجنب } يعنى اليهودي والنصراني رواه ابن جرير وابن أبي حاتم وقال جابر الجعفي عن الشعي عن علي وابن مسعود والجار ذي القربى يعني المرأة وقال مجاهد أيضا في قوله { والجار الجنب يعني الرفيق في السفر وقد وردت الأحاديث بالوصايا بالجار فلنذكر منها ما تيسر وبالله المستعان. { الحديث الأول } قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عمر بن محمد بن زيد أنه سمع محمدا يحدث عن عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه } أخرجاه في الصحيحين من حديث محمد بن زيد بن عبدالله بن عمر به. { الحديث الثاني } قال الإمام أحمد حدثنا سفيان عن داود بن شابور عن مجاهد عن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه }. وروى أبو داود والترمذي نحوه من حديث سفيان ابن عيينة عن بشير أبي إسمعيل زاد الترمذي وداود بن شابور كلاهما عن مجاهد به ثم قال الترمذي حسن غريب من هذا الوجه وقد روي عن مجاهد وعائشة وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم { الحديث الثالث } قال أحمد أيضا حدثنا عبدالله بن يزيد أخبرنا حيوة أخبرنا شرحبيل بن شريك أنه سمع أبا عبدالرحمن الجيلي يحدث عن عبدالله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره } ورواه الترمذي عن أحمد بن محمد عن عبدالله بن المبارك عن حيوة بن شريح به وقال حسن غريب. { الحديث الرابع } قال الإمام أحمد حدثنا عبدالرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن أبيه عن عباية بن رفاعة عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يشبع الرجل دون جاره } تفرد به أحمد. { الحديث الخامس } قال الإمام أحمد حدثنا علي بن عبدالله حدثنا محمد بن فضيل بن غزوان حدثنا محمد بن سعد الأنصاري سمعت أبا ظبية الكلاعي سمعت المقداد بن الأسود يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه { ما تقولون في الزنا } قالوا حرام حرمه الله ورسوله وهو حرام إلى يوم القيامة فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم { لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه. من أن يزنى بحليلة جاوه } قال { ما تقولون في السرقة } قالوا حرمها الله ورسوله فهي حرام إلى يوم القيامة قال { لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره } تفرد به أحمد وله شاهد في الصحيحين من حديث ابن مسعود: قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال { أن تجعل لله ندا وهو خلقك } قلت ثم أى؟ قال { أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك } قلت ثم أي؟ قال { أن تزانى حليلة جارك }. { الحديث السادس } قال الإمام أحمد حدثنا يزيد حدثنا هشام عن حفصة عن أبي العالية عن رجل من الأنصار قال: خرجت من أهلى أريد النبي صلى الله عليه وسلم فإذا به قائم ورجل معه مقبل عليه فظننت أن لهما حاجة قال الأنصاري لقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جعلت أنثي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من طول القيام فلما انصرف قلت يا رسول الله لقد قام بك هذا الرجل حتى جعلت أرثي لك من طول القيام قال { وقد رأيته } قلت نعم قال { أتدري من هو؟ { قلت لا قال { ذاك جبريل ما زال يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه } ثم قال { أما إنك لو سلمت عليه لرد عليك السلام }. { الحديث السابع } قال عبد بن حميد في مسنده حدثنا يعلى بن عبيد حدثنا أبن بكر يعني المدني عن جابر بن عبدالله قال: جاء رجل من العوالي ورسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل عليه السلام يصليان حيث يصلى على الجنائز فلما انصرف قال الرجل يا رسول الله من هذا الرجل الذي رأيت يصلى معك؟ قال { وقد رأيته؟ } قال نعم قال { لقد رأيت خير ا كثيرا هذا جبريل ما زال يوصيني بالجار حتى رأيت أنه سيورثه } تفرد به من هذا الوجه وهو شاهد للذي قبله. { الحديث الثامن } وقال أبو بكر البزار حدثنا عبيدالله بن محمد أبو الربيع المحاربي حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك أخبرني عبدالرحمن بن الفضل عن عطاء الخراساني عن الحسن عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الجيران ثلاثة جار له حق واحد وهو أدنى الجيران حقا وجار له حقان وجار له ثلاثة حقوق وهو أفضل الجيران حقا. فأما الجار الذي له حق واحد فجار مشرك لا رحم له له حق الجوار. وأما الجار الذي له حقان فجار مسلم له حق الإسلام وحق الجوار. وأما الذي له ثلاثة حقوق فجار مسلم ذو رحم له حق الجوار وحق الإسلام وحق الرحم } قال البزار لا نعلم أحدا روى عن عبدالرحمن بن الفضل إلا ابن أبي فديك. { الحديث التاسع } قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي عمران عن طلحة بن عبدالله عن عائشة أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال { إلى أقربها منك بابا } ورواه البخاري من حديث شعبة به. { الحديث العاشر } روى الطبراني وأبو نعيم عن عبدالرحمن فزاد قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فجعل الناس يتمسحون بوضوئه فقال { ما يحملكم على ذلك } قالوا حب الله ورسوله قال { من سره أن يحب الله ورسوله فليصدق الحديث إذا حدث وليؤد الأمانة إذا ائتمن } { الحديث الحادي عشر } قال أحمد حدثنا قتيبة حدثنا ابن لهيعة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن أول خصمين يوم القيامة جاران } الحديث وقوله تعالى{ والصاحب بالجنب } قال الثوري عن جابر الجعفي عن الشعبي عن علي وابن مسعود قالا: هي المرأة. وقال ابن أبي حاتم وروي عن عبدالرحمن بن أبي ليلى وإبراهيم النخعي والحسن وسعيد بن جبير في إحدى الروايات نحو ذلك وقال ابن عباس وجماعة: هو الضعيف وقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة هو الرفيق في السفر وقال سعيد بن جبير هو الرفيق الصالح وقال زيد بن أسلم هو جليسك في الحضر ورفيقك في السفر. وأما ابن السبيل فعن ابن عباس وجماعة هو الضيف وقال مجاهد وأبو جعفر الباقر والحسن والضحاك ومقاتل هو الذي يمر عليك مجتازا في السفر وهذا أظهر وإن كان مراد القائل بالضيف المار في الطريق فهما سواء وسيأتي الكلام على أبناء السبيل في سورة براءة وباللّه الثقة وعليه التكلان. وقوله تعالى { وما ملكت أيمانكم } وصية بالأرقاء لأن الرقيق ضعيف الحيلة أسير في أيدي الناس فلهذا ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يوصي أمته في مرض الموت يقول { الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم } فجعل يرددها حتى ما يفيض بها لسانه وقال الإمام أحمد حدثنا إبراهيم بن أبي العباس حدثنا بقية حدثنا جبير بن سعد عن خالد بن معدان عن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول اللّه صلى { ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة وما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة وما أطعمت خادمك فهو لك صدقه } ورواه النسائي من حديث بقية وإسناده صحيح ولله الحمد. وعن عبدالله بن عمرو أنه قال لقهرمان له هل أعطيت الرقيق قوتهم؟ قال لا: قال فانطلق فأعطهم فإن رسول اللّه صلى قال { كفى المرء إثما أن يحبس عمن يملك قوتهم } رواه مسلم وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { للمملوك طعامه وكسوته ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق }. رواه مسلم أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين فإنه ولي حره وعلاجه } أخرجاه ولفظه للبخاري ولمسلم { فليقعده معه فليأكل فإن كان الطعام مشفوها قليلا فليضع في يده أكله أو أكلتين } وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { هم إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فيمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم } أخرجاه. وقوله تعالى { إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا أي مختالا في نفسه معجبا متكبرا فخورا } على الناس يرى أنه خير منهم فهو في نفسه كبير وهو عند الله حقير وعند الناس بغيض قال مجاهد في قوله إن الله لا يحب من كان مختالا يعني متكبرا فخورا يعني بعد ما أعطى وهو لا يشكر الله تعالى يعني يفخر على الناس بما أعطاه الله من نعمه وهو قليل الشكر على ذلك وقال ابن جرير حدثني القاسم حدثنا الحسين حدثنا محمد بن كثير عن عبدالله بن واقد عن أبي رجاء الهروي قال: لا تجد سيء الملكة إلا وجدته مختالا فخورا وتلا وما ملكت أيمانكم الآية ولا عاقا إلا وجدته جبارا شقيا وتلا { وبرأ بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا } وروى ابن أبي حاتم عن العوام بن حوشب مثله في المختال الفخور وقال حدثنا أبي حدثنا أبو نعيم عن الأسود بن شيبان حدثنا يزيد بن عبدالله بن الشخير قال: قال مطرف كان يبلغني عن أبي ذر حديث كنت أشتهي لقاءه فلقيته فقلت يا أبا ذر بلغني أنك تزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { إن الله يحب ثلاثة يبغض ثلاثة قال: أجل فلا أخالك أكذب على خليلي ثلاثا؟ قلت من الثلاثة الذين يبغض الله؟ قال المختال الفخور أو ليس تجدونه عندكم في كتاب الله المنزل ثم قرأ الآية إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا وحدثنا أبي حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب عن خالد عن أبي تميمة عن رجل من بني الهجيم قال: قلت يا رسول الله أوصني قال: { إياك إسبال الإزار فإن إسبال الإزار من المخيلة والله لا يحب المخيلة }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا
    +/- -/+  
الأية
37
 
يقول تعالى { ذاما الذين يبخلون بأموالهم أن ينفقوها فيما أمرهم الله به من بر الوالدين والإحسان إلى الأقارب واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم من الأرقاء ولا يدفعون حق الله فيها ويأمرون الناس بالبخل أيضا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { وأي داء أدوأ من البخل }. وقال { إياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم أمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالفجور ففجروا }. وقوله تعالى { ويكتمون ما آتاهم الله من فضله } فالبخيل جحود لنعمة الله ولا تظهر عليه ولا تبين لا في مأكله ولا في ملبسه ولا في إعطائه وبذله كما قال تعالى { إن الإنسان لربه لكنود وإنه على ذلك لشهيد } أي بحاله وشمائله { وإنه لحب الخير لشديد } وقال ههنا ويكتمون ما آتاهم الله من فضله ولهذا توعدهم بقوله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا والكفر هو الستر والتغطية فالبخل يستر نعمة الله عليه ويكتمها ويجحدها فهو كافر لنعمة الله عليه. وفي الحديث { إن الله إذا أنعم نعمة على عبد أحب أن يظهر أثرها عليه } وفي الدعاء النبوي { واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها عليك قابليها وأتممها علينا } وقد حمل بعض السلف هذه الآية على بخل اليهود بإظهار العلم الذي عندهم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم وكتمانهم ذلك ولهذا قال تعالى { وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا } رواه ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس وقاله مجاهد وغير واحد. ولا شك أن الآية محتملة لذلك والظاهر أن السياق في البخل بالمال وإن كان البخل بالعلم داخلا في ذلك بطريق الأولى فإن السياق في الإنفاق على الأقارب والضعفاء وكذلك الآية التي بعدها.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ۗ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا
    +/- -/+  
الأية
38
 
وهي قوله { الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس } فإنه ذكر الممسكين المذمومين وهم البخلاء ثم ذكر الباذلين المرائين الذي يقصدون بإعطائهم السمعة وأن يمدحوا بالكرم ولا يريدون بذلك وجه اللّه وفي حديث { الثلاثة الذين هم أول من تسجر بهم النار وهم العالم والغازي والمنفق والمراءون بأعمالهم يقول صاحب المال ما تركت من شيء تحب أن ينفق فيه إلا أنفقت في سبيلك فيقول الله كذبت إنما أردت أن يقال جواد فقد قيل } أي فقد أخذت جزاءك في الدنيا وهو الذي أردت بفعلك وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعدي بن حاتم { إن أباك أراد أمرا فبلغه } وفي حديث آخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن عبدالله بن جدعان هل ينفعه إنفاقه وإعتاقه؟ فقال: لا: إنه لم يقل يوما من الدهر رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين } ولهذا قال تعالى { ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } الآية أي إنما حملهم صنيعهم هذا القبيح وعدو لهم عن فعل الطاعة على وجهها الشيطان فإنه سول لهم وأملى لهم وقارنهم فحسن لهم القبائح ولهذا قال تعالى { ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا } ولهذا قال الشاعر: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ ۚ وَكَانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيمًا
    +/- -/+  
الأية
39
 
ثم قال تعالى { وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله } الآية. أي وأي شيء يضرهم لو آمنوا بالله وسلكوا الطريق الحميدة وعدلوا عن الرياء إلى الإخلاص والإيمان بالله رجاء موعوده في الدار الآخرة لمن يحسن عمله وأنفقوا مما رزقهم الله } في الوجوه التي يحبها الله ويرضاها وقوله { وكان الله بهم عليما } أي وهو عليم بنياتهم الصالحة والفاسدة وعليم بمن يستحق التوفيق منهم فيوفقه ويلهمه رشده ويقيضه لعلم صالح يرضى به عنه وبمن يستحق الخذلان والطرد عن جنابه الأعظم الإلهي الذي من طرد عن بابه فقد خاب وخسر في الدنيا والآخرة عياذ ا بالله من ذلك.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا
    +/- -/+  
الأية
40
 
يقول تعالى { مخبرا أنه لا يظلم أحدا من خلقه يوم القيامة مثقال حبة خردل ولا مثقال ذرة بل يوفيها له ويضاعفها له } إن كانت حسنة كما قال تعالى { ونضع الموازين القسط } الآية وقال تعالى مخبرا عن لقمان أنه قال { يا بني إنها إن تك مثقال حبة } من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله الآية. وقال تعالى { يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } وفي الصحيحين من حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة الطويل وفيه { فيقول الله عز وجل ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثال حبة خردل من إيمان فأخرجوه من النار } وفي لفظ { أدني أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه من النار } فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقول أبو سعيد اقرءوا إن شئتم إن الله لا يظلم مثقال ذرة الآية. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا عيسى بن يونس عن هارون بن عنترة عن عبدالله بن السائب عن زاذان قال: قال عبدالله بن مسعود يؤتى بالعبد أو الأمة يوم القيامة فينادي مناد على رءوس الأولين والآخرين هذا فلان بن فلان من كان له حق فليأت إلى حقه فتفرح المرأة أن يكون لها الحق على أبيها أو أمها أو أخيها أو زوجها ثم قرأ { فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } فيغفر الله من حقه ما يشاء ولا يغفر من حقوق الناس شيئا فبنصب للناس فيقول ائتوا إلى الناس حقوقهم فيقول يا رب فنيت الدنيا من أين أوتيهم حقوقهم فيقول خذوا من أعماله الصالحة فأعطوها كل ذي حق حقه بقدر مظلمته فإن كان وليا لله ففضل له مثقال ذرة ضاعفها الله له حتى يدخله بها الجنة ثم قرأ علينا { إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها } وإن كان عبدا شقيا قال الملك رب فنيت حسناته وبقي طالبون كثير فيقول خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته ثم صكوا له صكا إلى النار ورواه ابن جرير من وجه آخر عن زاذان به نحوه ولبعض هذا الأثر شاهد في الحديث الصحيح وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثتا أبو نعيم حدثنا فضيل يعني ابن مرزوق عن عطية العوفي حدثني عبدالله بن عمر قال نزلت هذه الآية في الأعراب من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها قال رجل فما للمهاجرين يا أبا عبدالرحمن قال ما هو أفضل من ذلك إن الله لا يظلم مثقال ذرة إن تك حسنة يضاعفها { ويؤت من لدنه أجرا عظيما } وحدثنا أبو زرعة حدثنا يحيى بن عبدالله بن بكير حدثني عبدالله بن لهيعة حدثني عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير في قوله { وإن تك حسنة يضاعفها } فأما المشرك فيخفف عنه العذاب يوم القيامة ولا يخرج من النار أبدا وفد يستدل له بالحديث الصحيح أن العباس قال: يا رسول الله إن عمك أبا طالب كان يحوطك وينصرك فهل نفعته بشيء؟ قال: { نعم هو في ضحضاح من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار }. وقد يكون هذا خاصا بأبي طالب من دون الكفار بدليل ما رواه أبو داود الطيالسي في مسنده حدثنا عمران حدثنا قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزى بها في الآخرة وأما الكافر فيطعم بها في الدنيا فإذا كان يوم القيامة لم يكن له حسنة } وقال أبو هريرة وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والضحاك في قوله { ويؤت من لدنه أجرا عظيما } يعني الجنة نسأل الله الجنة. وقال الإمام أحمد حدثنا عبدالصمد حدثنا سليمان يعني ابن المغيرة عن علي بن زيد عن أبي عثمان قال بلغني عن أبي هريرة أنه قال: بلغني أن الله تعالى يعطي العبد المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة قال فقضي أنى انطلقت حاجا أو معتمرا فلقيته فقلت بلغني عنك حديث أنك تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { يجزي العبد بالحسنة ألف ألف حسنة } فقلت ويحكم ما أحد أكثر مني مجالسة لأبي هريرة وما سمعت هذا الحديث منه فتحملت أريد أن ألحقه فوجدته قد انطلق حاجا فانطلقت إلى الحج في طلب هذا الحديث فلقيته فقلت يا أبا هريرة ما حديث سمعت أهل البصرة يأثرونه عنك قال ما هو؟ قلت: زعموا إنك تقول: إن الله يضاعف الحسنة ألف ألف حسنة قال يا أبا عثمان وما تعجب من ذا والله يقول من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ويقول وما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل والذي نفسي بيده لقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول { إن الله يضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة } قال وهذا حديث غريب وعلي بن زيد بن جدعان عنده مناكير ورواه أحمد أيضا فقال حدثنا يزيد; حدثنا مبارك بن فضالة عن علي بن يزيد عن أبي عثمان النهدي قال أتيت أبا هريرة فقلت له بلغني أنك تقول إن الحسنة تضاعف ألف ألف حسنة قال وما أعجبك من ذلك فوالله لقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول { إن الله ليضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة }. ورواه ابن أبي حاتم من وجه آخر فقال حدثنا أبو خلاد وسليمان بن خلاد المؤدب حدثنا محمد الرفاعي عن زياد بن الجصاص عن أبي عثمان النهدي قال لم يكن أحد أكثر مجالسة مني لأبي هريرة فقدم قبلي حاجا وقدمت بعده فإذا أهل البصرة يأثرون عنه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { إن الله يضاعف الحسنة ألف ألف حسنة فقلت ويحكم ما كان أحد أكثر مجالسة مني لأبي هريرة وما سمعت منه هذا الحديث فهممت أن ألحقه فوجدته قد انطلق حاجا فانطلقت إلى الحج أن ألقاه في هذا - الحديث - ورواه ابن أبي حاتم من طريق أخرى فقال حدثنا بشر بن مسلم حدثنا الربيع بن روح حدثنا محمد بن خالد الذهبي عن زياد الجصاص عن أبي عثمان قال قلت يا أبا هريرة سمعت إخواني بالبصرة يزعمون أنك تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { إن الله يجزي الحسنة ألف ألف حسنة } فقال أبو هريرة والله بلى سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول { إن الله يجزي بالحسنة ألف ألف حسنة } ثم تلا هذه الآية { وما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا
    +/- -/+  
الأية
41
 
وقوله تعالى مخبرا عن هول يوم القيامة وشدة أمره وشأنه فكيف يكون الأمر والحال يوم القيامة حين يجيء من كل أمة بشهيد يعني الأنبياء عليهم السلام كما. قال تعالى { وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء } الآية. وقال تعالى { ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم } الآية. وقال البخاري حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة عن عبدالله بن مسعود قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم { اقرأ علي } فقلت يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل قال { نعم إني أحب أن أسمعه من غيري } فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا فقال { حسبك الآن } فإذا عيناه تذرفان. ورواه هو ومسلم أيضا من حديث الأعمش به وقد روى من طرق متعددة عن ابن مسعود فهو مقطوع به عنه. ورواه أحمد من طريق أبي حيان وأبي رزين عنه وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا حدثنا الصلت بن مسعود الجحدري حدثنا فضيل بن سليمان حدثنا يونس بن محمد بن فضالة الأنصاري عن أبيه قال وكان أبي ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في بني ظفر فجلس على الصخرة التي في بني ظفر اليوم ومعه ابن مسعود ومعاذ بن جبل وناس من أصحابه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم قارئا فقرأ حتى أتى على هذه الآية فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ضرب لحياه وجنباه فقال يا رب هذا شهدت على من أنا بين أظهرهم فكيف بمن لم أره. وقال ابن جرير حدثني محمد بن عبدالله الزهري حدثنا سفيان عن المسعودي عن جعفر بن عمرو بن حرب عن أبيه عن عبدالله هو ابن مسعود في هذه الآية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { شهيد عليهم ما دمت فيهم فإذا توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم }. وأما ما ذكره أبو عبدالله القرطبي في التذكرة حيث قال: باب ما جاء في شهادة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته قال أنا ابن المبارك أنا رجل من الأنصار عن المنهال بن عمرو أنه سمع سعيد بن المسيب يقول ليس من يوم إلا يعرض فيه على النبي صلى الله عليه وسلم أمته غدوة وعشية فيعرفهم بأسمائهم وأعمالهم فلذلك يشهد عليهم يقول الله تعالى { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } فإنه أثر وفيه انقطاع فان فيه رجلا مبهما لم يسم وهو من كلام سعيد بن المسيب لم يرفعه وقد قبله القرطبي فقال بعد إيراده قد تقدم أن الأعمال تعرض على الله كل يوم اثنين وخميس وعلى الأنبياء والآباء والأمهات يوم الجمعة قال ولا تعارض فإنه يحتمل أن يخص نبينا بما يعرض عليه كل يوم ويوم الجمعة مع الأنبياء عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام. وقوله تعالى { يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا } أي انشقت وبلعتهم مما يرون من أهوال الموقف وما يحل بهم من الخزي والفضيحة والتوبيخ كقوله يوم ينظر المرء ما قدمت يداه الآية. وقوله{ ولا يكتمون الله حديثا } إخبار عنهم بأنهم يعترفون بجميع ما فعلوه ولا يكتمون منه شيئا. وقال ابن جرير حدثنا حاكم حدثنا عمرو عن مطرف عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال له سمعت الله عز وجل يقول يعني إخبارا عن المشركين يوم القيامة أنهم قالوا والله ربنا ما كنا مشركين وقال في الآية الأخرى { ولا يكتمون الله حديثا } فقال ابن العباس أما قوله { والله ربنا ما كنا مشركين } فإنهم لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الإسلام قالوا تعالوا فلنجحد فقالوا والله ربنا كنا مشركين فختم الله على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم ولا يكتمون الله حديثا وقال عبدالرزاق أخبرنا معمر عن رجل عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال: أشياء تختلف علي في القرآن قال ما هو أشك في القرآن قال ليس هو بالشك ولكن اختلاف قال فهات ما اختلف عليك من ذلك قال أسمع الله يقول { ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين } وقال { ولا يكتمون الله حديثا } فقد كتموا. فقال ابن عباس أما قوله ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين فإنهم لما رأوا يوم القيامة أن الله لا يغفر إلا لأهل الإسلام ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره ولا يغفر شركا جحد المشركون فقالوا{ والله ربنا ما كنا مشركين } رجاء أن يغفر لهم فختم الله على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون فعند ذلك { يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا
    +/- -/+  
الأية
42
 
وقال جويبر عن الضحاك أن نافع بن الأزرق أتى ابن عباس فقال يا ابن عباس قول الله تعالى { يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا } وقوله والله ربنا ما كنا مشركين فقال له ابن عباس إنى أحسبك قمت من عند أصحابك فقلت ألقى على ابن عباس متشابه القرآن فإذا رجعت إليهم فأخبرهم أن الله تعالى يجمع الناس يوم القيامة في بقيع واحد فيقول المشركون إن الله لا يقبل من أحد شيئا إلا ممن وحده فيقولون تعالوا نجحد فيسألهم فيقولون { والله ربنا ما كنا مشركين } قال فيختم الله على أفواههم ويستنطق جوارحهم وتشهد عليهم جوارحهم أنهم كانوا مشركين. فعند ذلك يتمنون لو أن الأرض سويت بهم { ولا يكتمون الله حديثا } رواه ابن جرير.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا
    +/- -/+  
الأية
43
 
ينهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن فعل الصلاة في حال السكر الذي لا يدري معه المصلي ما يقول وعن قربان محالها التي هي المساجد للجنب إلا أن يكون مجتازا من باب إلى باب من غير مكث وقد كان هذا قبل تحريم الخمر كما دل عليه الحديث الذي ذكرناه في سورة البقرة عند قوله تعالى { يسألونك عن الخمر والميسر } الآية. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلاها على عمر فقال { اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا } فلما نزلت هذه الآية تلاها عليه فقال { اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا } فكانوا لا يشربون الخمر في أوقات الصلوات حتى نزلت { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } إلى قوله تعالى فهل أنتم منتهون فقال عمر: انتهينا انتهينا. وفي رواية إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمر بن شرحبيل عن عمر بن الخطاب في قصة تحريم الخمر فذكر الحديث وفيه: فنزلت الآية التي في النساء { يا أيها الذين أمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قامت الصلاة ينادي أن لا يقربن الصلاة سكران لفظ أبي داود. وذكر ابن أبي شيبة في سبب نزول هذه الآية ما رواه ابن أبي حاتم حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود حدثنا شعبة أخبرني سماك بن حرب قال: سمعت مصعب بن سعد يحدث عن سعد قال: نزلت في أربع آيات صنع رجل من الأنصار طعاما فدعا أناسا من المهاجرين وأناسا من الأنصار فأكلنا وشربنا حتى سكرنا ثم افتخرنا فرفع رجل لحي بعير فغرز بها أنف سعد فكان سعد مغروز الأنف وذلك قبل تحريم الخمر فنزلت { يا أيها الذين أمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } الآية. والحديث بطوله عند مسلم من رواية شعبة ورواه أهل السنن إلا أبن ماجه من طرق عن سماك به { سبب آخر } قال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عمار حدثنا عبدالرحمن بن عبدالله الدشتكي حدثنا أبو جعفر عن عطاء بن السائب عن أبي عبدالرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب قال: صنع لنا عبدالرحمن بن عوف طعاما فدعانا وسقانا من الخمر فأخذت الخمر منا وحضرت الصلاة فقدموا فلانا قال فقرأ: قل يا أيها الكافرون ما أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون فأنزل الله{ يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } هكذا رواه ابن أبي حاتم وكذا رواه الترمذي عن عبد بن حيد عن عبدالرحمن الدشتكي به وقال حسن صحيح. وقد رواه ابن جرير عن محمد بن بشار عن عبدالرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن عطاء بن السائب عن أبي عبدالرحمن عن علي أنه كان هو وعبدالرحمن ورجل آخر شربوا الخمر فصلى بهم عبدالرحمن فقرأ { قل يا أيها الكافرون } فخلط فيها فنزلت { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } وهكذا رواه أبو داود والنسائي من حديث الثوري به ورواه ابن جرير أيضا عن ابن حميد عن جرير عن عطاء عن أبي عبدالرحمن السلمي قال: كان علي في نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عبدالرحمن بن عوف فطعموا فأتاهم بخمر فشربوا منها وذلك قبل أن يحرم الخمر فحضرت الصلاة فقدموا عليا فقرأ بهم { قل يا أيها الكافرون } فلم يقرأها كما ينبغي فأنزل الله عز وجل { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } ثم قال حدثني المثني حدثنا الحجاج بن المنهال حدثنا حماد عن عطاء بن السائب عن عبدالرحمن بن حبيب وهو أبو عبدالرحمن السلمي أن عبدالرحمن بن عوف صنع طعاما وشرابا فدعا نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بهم المغرب فقرأ { قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون وأنتم عابدون ما أعبد وأنا عابد ما عبدتم لكم دينكم ولي دين فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } وقال العوفي عن ابن عباس في الآية. رواه ابن جرير قال: وكذا قال أبو رزين ومجاهد وقال عبدالرزاق عن معمر عن قتادة: كانوا يجتنبون السكر عند حضور الصلوات ثم نسخ بتحريم الخمر. وقال الضحاك في الآية لم يعن بها سكر الخمر وإنما عنى بها سكر النوم رواه ابن جرير وابن أبي حاتم ثم قال ابن جرير والصواب أن المراد سكر الشراب قال ولم يتوجه النهي إلى السكران الذي لا يفهم الخطاب لأن ذاك في حكم المجنون وإنما خوطب بالنهي الثمل الذي يفهم التكليف وهذا حاصل ما قاله وقد ذكره غير واحد من الأصوليين وهو أن الخطاب يتوجه إلى من يفهم الكلام دون السكران الذي لا يدري ما يقال له فإن الفهم شرط التكليف وقد يحتمل أن يكون المراد التعريض بالنهي عن السكر بالكلية لكونهم مأمورين بالصلاة في الخمسة الأوقات من الليل والنهار فلا يتمكن شارب الخمر من أداء الصلاة في أوقاتها دائما والله أعلم. وعلى هذا فيكون كقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } وهو الأمر لهم بالتأهب للموت على الإسلام والمداومة على الطاعة لأجل ذلك وقوله { حتى تعلموا ما تقولون } هذا أحسن ما يقال في حد السكران إنه الذي لا يدري ما يقول فإن المخمور فيه تخليط في القراءة وعدم تدبره وخشوعه فيها وقد قال الإمام أحمد حدثنا عبدالصمد حدثنا أبي حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا نعس أحدكم وهو يصلي فلينصرف ولينم حتى يعلم ما يقول } انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم فرواه هو والنسائي من حديث أيوب وفي بعض ألفاظ الحديث { فلعله يذهب يستغفر فيسب نفسه } وقوله { ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا } قال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عمار حدثنا عبدالرحمن الدشتكي أخبرنا أبو جعفر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس في قوله { ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا } قال لا تدخلوا المسجد وأنتم جنب إلا عابري سبيل قال تمر به مرا ولا تجلس ثم قال وروى عن عبدالله بن مسعود وأنس وأبي عبيدة وسعيد بن المسيب والضحاك وعطاء ومجاهد ومسروق وإبراهيم النخعي وزيد بن أسلم وأبي مالك وعمرو بن دينار والحكم بن عتبة وعكرمة والحسن البصري ويحيى بن سعيد الأنصاري وابن شهاب وقتادة نحو ذلك وقال ابن جرير حدثنا المثنى حدثنا أبو صالح حدثني الليث حدثنا يزيد بن أبي حبيب عن قول الله عز وجل { ولا جنبا إلا عابري سبيل } إن رجالا من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد فكانت تصيبهم الجنابة ولا ماء عندهم فيردون الماء ولا يجدون ممرا إلا في المسجد فأنزل الله { ولا جنبا إلا عابري سبيل } ويشهد لصحة ما قاله يزيد بن أبى حبيب رحمه اللّه ما ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { سدوا كل خوخة في المسجد إلا خوخة أبي بكر } وهذا قاله في آخر حياته صلى الله عليه وسلم علما منه أن أبا بكر رضي الله عنه سيلي الأمر بعده ويحتاج إلى الدخول في المسجد كثيرا للأمور المهمة فيما يصلح للمسلمين فأمر بسد الأبواب الشارعة إلى المسجد إلا بابه رضي الله عنه ومن روى إلا باب علي كما وقع في بعض السنن فهو خطأ والصواب ما ثبت في الصحيح. ومن هذه الآية احتج كثير من الأئمة على أنه يحرم على الجنب المكث في المسجد ويجوز له المرور وكذا الحائض والنفساء أيضا في معناه إلا أن بعضهم قال يحرم مرورهما لاحتمال التلويث ومنهم من قال إن أمنت كل واحدة منهما التلويث في حال المرور جاز لهما المرور وإلا فلا. وقد ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم { ناوليني الخمرة من المسجد } فقلت إنى حائض فقال { إن حيضتك ليست في يدك } وله عن أبي هريرة مثله وفيه دلالة على جواز مرور الحائض في المسجد والنفساء في معناها والله أعلم. وروى أبو داود من حديث أفلت بن خليفة العامري عن جسرة بنت دجاجة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { إنى لا أحل المسجد لحائض ولا جنب } قال أبو مسلم الخطابي: ضعف هذا الحديث جماعة وقالوا أفلت مجهول لكن رواه ابن ماجه من حديث أبي الخطاب الهجري عن محدوج الذهلي عن جسرة عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم به قال أبو زرعة الرازي يقول جسرة عن أم سلمة والصحيح جسرة عن عائشة فأما ما رواه أبو عيسى الترمذي من حديث سالم بن أبي حفصة عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { يا علي لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك } فإنه حديث ضعيف لا يثبت فإن سالما هذا متروك وشيخه عطية ضعيف والله أعلم. { حديث آخر } في معنى الآية قال ابن أبي حاتم حدثنا المنذر بن شاذان حدثنا عبدالله بن موسى أخبرني إسحاق بن أبي ليلى عن المنهال عن زر بن حبيش عن علي { ولا جنبا إلا عابري سبيل } قال لا يقرب الصلاة إلا أن يكون مسافرا تصيبه الجنابة فلا يجد الماء فيصلي حتى يجد الماء ثم رواه من وجه وآخر عن المنهال بن عمرو عن زر عن علي بن أبي طالب فذكره قال وروى عن ابن عباس في إحدى الروايات وسعيد بن جبير والضحاك نحو ذلك. وقد روى ابن جرير من حديث وكيع عن ابن أبي ليلى عن عباد بن عبدالله أو عن زر بن حبيش عن علي فذكره ورواه من طريق العوفي وأبي مجلز عن ابن عباس فذكره ورواه عن سعيد بن جبير وعن مجاهد والحسن بن مسلم والحكم بن عتبة وزيد بن أسلم وابنه عبدالرحمن مثل ذلك وروى عن طريق ابن جرير عن عبدالله بن كثير قال كنا نسمع أنه في السفر. ويستشهد لهذا القول بالحديث الذي رواه أحمد وأهل السنن من حديث أبي قلابة عن عمر بن نجدان عن أبى ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم تجد الماء عشر حجج فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك فإن ذلك خير لك } ثم قال ابن جرير بعد حكايته القولين والأولى قول من قال { ولا جنبا إلا عابري سبيل أي إلا مجتازي طريق فيه وذلك أنه قد بين حكم المسافر إذا عدم الماء وهو جنب في قوله وإن كنتم مرضى أو على سفر إلى آخره فكان معلوما بذلك أن قوله { ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا } لو كان معنيا به المسافر لم يكن لإعادة ذكره في قوله. وإن كنتم مرضى أو على سفر معنى مفهوم وقد مضى حكم ذكره قبل ذلك فإذا كان ذلك كذلك فتأويل الآية { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا المساجد للصلاة مصلين فيها وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا تقربوها } أيضا جنبا حتى تغتسلوا إلا عابري سبيل قال والعابر السبيل المجتاز مرا وقطعا يقال منه عبرت بهذا الطريق فأنا أعبره عبرا وعبورا ومنه يقال عبر فلان النهر إذا قطعه وجاوزه ومنه قيل للناقة القوية على الأسفار هي عبر الأسفار لقوتها على قطع الأسفار وهذا الذي نصره هو قول الجمهور وهو الظاهر من الآية وكأنه تعالى نهى عن تعاطي الصلاة على هيئة ناقصة تناقض مقصودها وعن الدخول إلى محلها على هيئة ناقصة وهي الجنابة المباعدة للصلاة ولمحلها أيضا والله أعلم. وقوله { حتى تغتسلوا } دليل لما ذهب إليه الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك والشافعي أنه يحرم على الجنب المكث في المسجد حتى يغتسل أو يتيمم إن عدم الماء أو لم يقدر على استعماله بطريقة وذهب الإمام أحمد إلى أنه متى توضأ الجنب جاز له المكث في المسجد لما روى هو وسعيد بن منصور في سننه بسند صحيح: أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك. قال سعيد بن منصور في سننه حدثنا عبدالعزيز بن محمد هو الدراوردي عن هشام بن سعد عن زيد بن اسلم عن عطاء بن يسار قال رأيت رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضئوا وضوء الصلاة. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم والله أعلم. وقوله { وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا } أما المرض المبيح للتيمم فهو الذي يخاف معه من استعمال الماء فوات عضو أو شينه أو تطويل البرء ومن العلماء من جوز التيمم بمجرد المرض لعموم الآية وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل حدثنا قيس عن حفص عن مجاهد في قوله{ وإن كنتم مرضى } قال نزلت في رجل من الأنصار كان مريضا فلم يستطع أن يقوم فيتوضأ ولم يكن له خادم فيناوله فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فأنزل اللّه هذه الآية هذا مرسل والسفر معروف ولا فرق فيه بين الطويل والقصير وقوله { أو جاء أحد منكم من الغائط } الغائط هو المكان المطمئن من الأرض كنى بذلك عن التغوط وهو الحدث الأصغر وأما قوله { أو لامستم النساء { فقرئ لمستم ولامستم واختلف المفسرون والأئمة في معنى ذلك على قولين { أحدهما } أن ذلك كناية عن الجماع لقوله { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } وقال تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله { أو لمستم النساء } قال: الجماع. وروى عن علي وأبي بن كعب ومجاهد وطاوس والحسن وعبيد بن عمير وسعيد بن جبير والشعبي وقتادة ومقاتل بن حيان نحو ذلك وقال ابن جرير حدثني حميد بن مسعدة وحدثنا يزيد بن زريع حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال ذكروا اللمس فقال ناس من الموالي ليس الجماع وقال ناس من العرب اللمس الجماع قال فلقيت ابن عباس فقلت له إن ناسا من الموالي والعرب اختلفوا في اللمس فقالت الموالي ليس بالجماع وقالت العرب الجماع قال: فمن أي الفريقين كنت ؟ قلت كنت من الموالي قال غلب فريق الموالي. إن اللمس والمس والمباشرة الجماع ولكن الله يكني ما شاء بما شاء. ثم رواه عن ابن بشار عن غندر عن شعبة به نحوه ثم رواه من غير وجه عن سعيد بن جبير نحوه ومثله قال حدثني يعقوب حدثنا هشيم قال أبو بشر أخبرنا سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: اللمس والمس والمباشرة الجماع ولكن الله يكنى بما شاء. حدثنا عبدالحميد بن بيان أنبأنا إسحاق الأزرق عن سفيان عن عاصم الأحول عن بكر بن عبدالله عن ابن عباس قال: الملامسة الجماع ولكن الله كريم يكنى بما يشاء. وقد صح من غير وجه عن عبدالله بن عباس أنه قال ذلك ثم رواه ابن جرير عن بعض من حكاه ابن أبي حاتم عنهم ثم قال ابن جرير وقال آخرون عنى اللّه تعالى بذلك كل من لمس بيد أو بغيرها من أعضاء الإنسان واوجب الوضوء على كل من مس بشيء من جسده شيئا من جسدها مفضيا إليه ثم قال حدثنا ابن بشار حدثنا عبدالرحمن حدثنا سفيان عن مخارق عن طارق عن عبدالله بن مسعود قال: اللمس ما دون الجماع وقد روى من طرق متعددة عن ابن مسعود مثله وروى من حديث الأعمش عن إبراهيم عن أبي عبيدة عن عبدالله بن مسعود قال: القبلة من المس وفيها الوضوء. وروى الطبراني بإسناده عن عبدالله بن مسعود قال يتوضأ الرجل من المباشرة ومن اللمس بيده ومن القبلة وكان يقول في هذه الآية { أو لامستم النساء } هو الغمز وقال ابن جرير حدثني يونس أخبرنا ابن وهب أخبرني عبدالله بن عمر عن نافع أن ابن عمر كان يتوضأ من قبلة المرأة ويرى فيها الوضوء ويقول هي من اللماس. وروى ابن أبي حاتم وابن جرير أيضا من طريق شعبة عن مخارق عن طارق عن عبداللّه قال: اللمس ما دون الجماع ثم قال ابن أبي حاتم وروي عن ابن عمر وعبيدة وأبي عثمان النهدي وأبي عبيدة يعني ابن عبداللّه بن مسعود وعامر الشعبي وثابت بن الحجاج وإبراهيم النخعي وزيد بن أسلم نحو ذلك { قلت } وروى مالك عن الزهري عن سالم بن عبدالله بن عمر عن أبيه أنه كان يقول: قبلة الرجل امرأته وجسه بيده من الملامسة فمن قبل امرأته أو جسدها بيده فعليه الوضوء. وروى الحافظ أبو الحسن الدارقطني في سننه عن عمر بن الخطاب نحو ذلك ولكن روينا عنه من وجه آخر أنه كان يقبل امرأته ثم يصلي ولا يتوضأ فالرواية عنه مختلفة فيحمل ما قاله في الوضوء إن صح عنه على الاستحباب والله أعلم. والقول بوجوب الوضوء من المس هو قول الشافعي وأصحابه ومالك والمشهور عن أحمد بن حنبل قال ناصروه قد قرئ في هذه الآية لامستم ولمستم واللمس يطلق في الشرع على الجس باليد قال تعالى { ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم } أي جسوه وقال صلى الله عليه وسلم لما عز حين أقر بالزنا يعرض له بالرجوع عن الإقرار { لعلك قبلت أو لمست }. وفي الحديث الصحيح { واليد زناها اللمس } وقالت عائشة رضي الله عنها: قل يوم إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف علينا فيقبل ويلمس. ومنه ما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الملامسة وهو يرجع إلى الجس باليد على كلا التفسيرين قالوا: ويطلق في اللغة على الجس باليد كما يطلق على الجماع قال الشاعر: ولمست كفى كفه أطلب الغنى واستأنسوا أيضا بالحديث الذي رواه أحمد حدثنا عبدالله بن مهدي وأبو سعيد قالا: حدثنا زائدة عن عبدالملك بن عمير قال أبو سعيد: حدثنا عبدالملك بن عمير عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن معاذ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال: يا رسول الله ما تقول في رجل لقي امرأة لا يعرفها وليس يأتي الرجل من امرأته شيئ ا إلا أتاه منها غير أنه لم يجامعها. قال: فأنزل الله عز وجل هذه الآية { أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل { قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم { توضأ ثم صل } قال معاذ: فقلت يا رسول الله أله خاصة أم للمؤمنين عامة؟ فقال { بل للمؤمنين عامة } ورواه الترمذي من حديث زائدة به وقال ليس بمتصل. ورواه النسائي من حديث شعبة عن عبد الملك بن عمير عن عبدالرحمن بن أبي ليلى مرسلا قالوا: فأمره بالوضوء لأنه لمس المرأة ولم يجامعها. وأجيب بأنه منقطع بين ابن أبي ليلى ومعاذ فإنه لم يلقه ثم يحتمل أنه إنما أمره بالوضوء والصلاة المكتوبة كما تقدم في حديث الصديق { ما من عبد يذنب ذنبا فيتوضأ ويصلى ركعتين إلا غفر الله له } الحديث وهو مذكور في سورة آل عمران عند قوله{ ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم } الآية ثم قال ابن جرير وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال عني الله بقوله أو لامستم النساء الجماع دون غيره من معاني اللمس لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ ثم قال: حدثني بذلك إسماعيل بن موسى السدي قال: أخبرنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ثم يقبل ثم يصلي ولا يتوضأ. ثم قال: حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن الأعمش عن حبيب عن عروة عن عائشة أن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم قبل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ قلت: من هي إلا أنت فضحكت. وهكذا رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن جماعة من مشايخهم عن وكيع به ثم قال أبو داود: روي عن الثوري أنه قال: ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني وقال يحيى القطان لرجل أحك عني أن هذا الحديث شبه لا شيء وقال الترمذي: سمعت البخاري يضعف هذا الحديث وقال لا شك حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة وقد وقع في رواية ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد الطنافسي عن وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبى ثابت عن عروة بن الزبير عن عائشة وأبلغ من ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وهذا نص في كونه عروة بن الزبير ويشهد له قوله من هي إلا أنت فضحكت لكن روى أبو داود عن إبراهيم بن مخلد حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن أبي روق الهمداني الطالقاني عن عبدالرحمن بن مغراء عن الأعمش قال: حدثنا أصحاب لنا عن عروة المزني عن عائشة فذكره والله أعلم. وقال ابن جرير أيضا: حدثنا أبو زيد عن عمر بن أنيس عن هشام بن عباد حدثنا مسدد بن علي عن ليث عن عطاء عن عائشة وعن أبي روق عن إبراهيم التيمي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينال منى القبلة بعد الوضوء. وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن أبي روق الهمداني عن إبراهيم التيمي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ثم صلى ولم يتوضأ رواه أبو داود والنسائي من حديث يحيى القطان زاد أبو داود وابن مهدي كلاهما عن سفيان الثوري به. ثم قال أبو داود والنسائي لم يسمع إبراهيم التيمي من عائشة ثم قال ابن جرير أيضا. حدثنا سعيد بن يحيى الأموي حدثنا أبي حدثنا يزيد عن سنان عن عبدالرحمن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم ثم لا يفطر ولا يحدث وضوءا. وقال أيضا: حدثنا أبو كريب حدثنا حفص بن غياث عن حجاج عن عمر وبن شعيب عن زينب السهمية عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقبل ثم يصلى ولا يتوضأ. وقد رواه الإمام أحمد عن محمد بن فضيل عن حجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن زينب السهمية عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله تعالى { فإن لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا } استنبط كثير من الفقهاء من هذه الآية أنه لا يجوز التيمم لعادم الماء إلا بعد طلب الماء فمتى طلبه فلم يجده جاز له حينئذ التيمم وقد ذكروا كيفية الطلب في كتب الفروع كما هو مقرر في موضعه كما في الصحيحين من حديث عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى رجلا معتزلا لم يصل مع القوم فقال { يا فلان ما منعك أن تصلي مع القوم ألست برجل مسلم؟ { قال: بلى يا رسول اللّه ولكن أصابتني جنابة ولا ماء. قال: { عليك بالصعيد فإنه يكفيك } ولهذا قال تعالى{ فإن لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا } فالتيمم في اللغة هو القصد تقول العرب تيممك الله بحفظه أي قصدك ومنه قول امرئ القيس شعرا: ولما رأت أن المنية وردها وأن الحصى من تحت أقدامها دامي تيممت العين التي عند ضارج يفيء عليها الفيء عرمضهـا طامي والصعيد قيل هو كل ما صعد على وجه الأرض فيدخل فيه التراب والرمل والشجر والحجر والنبات وهو قول مالك. وقيل: ما كان من جنس التراب كالرمل والزرنيخ والنورة وهذا مذهب أبي حنيفة. وقيل: هو التراب فقط وهو قول الشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهما واحتجوا بقوله تعالى { فتصبح صعيدا زلقا } أي ترابا أملس طيبا وبما ثبت في صحيح مسلم عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء } وفي لفظ { وجعل ترابها لنا طهورا إذا لم نجد الماء } قالوا: فخصص الطهورية بالتراب في مقام الامتنان فلو كان غيره يقوم مقامه لذكره معه والطيب ههنا قيل الحلال وقيل الذي ليس بنجس كما رواه الإمام أحمد وأهل السنن إلا ابن ماجه من حديث أبي قلابة عن عمرو بن نجدان عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { الصعيد الطيب طهور المسلم إن لم يجد الماء عشر حجج فإذا وجده فليمسه بشرته فإن ذلك خير له } وقال الترمذي حسن صحيح وصححه ابن حبان أيضا ورواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده عن أبي هريرة وصححه الحافظ أبو الحسن القطان وقال ابن عباس: أطيب الصعيد تراب الحرث رواه ابن أبي حاتم ورفعه ابن مردوية في تفسيره وقوله { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم } التيمم بدل عن الوضوء في التطهير به لا أنه بدل منه في جميع أعضائه بل يكفي مسح الوجه واليدين فقط بالإجماع ولكن اختلف الأئمة في كيفية التيمم على أقوال أحدها وهو مذهب الشافعي في الجديد أنه يجب أن يمسح الوجه واليدين إلى المرفقين بضربتين لأن لفظ اليدين يصدق اطلاقها على ما يبلغ المنكبين وعلى ما يبلغ المرفقين كما في آية الوضوء ويطلق ويراد بهما ما يبلغ الكفين كما في آية السرقة { فاقطعوا أيديهما } قالوا: وحمل ما أطلق ههنا على ما قيد في آية الوضوء أولى لجامع الطهورية وذكر بعضهم ما رواه الدارقطني عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { التيمم ضربتان ضر به للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين } ولكن لا يصح لأن في إسناده ضعفا لا يثبت الحديث به وروى أبو داود عن ابن عمر في حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب بيده على الحائط ومسح بها وجهه ثم ضرب ضربة أخرى فمسح بها ذراعيه ولكن في إسناده محمد بن ثابت العبدي وقد ضعفه بعض الحفاظ ورواه غيره من الثقات فوقفوه على فعل ابن عمر قال البخاري وأبو زرعة وابن عدي هوالصحيح وهو الصواب وقال البيهقي: رفع هذا الحديث منكر. واحتج الشافعي بما رواه عن إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث عن عبدالرحمن بن معاوية عن الأعرج عن ابن الصمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تيمم فمسح وجهه وذراعيه. وقال ابن جرير:.حدثني موسى بن سهل الرملي حدثنا نعيم بن حماد حدثنا خارجة بن مصعب عن عبدالله بن عطاء عن موسى بن عقبة عن الأعرج عن أبي جهيم قال: رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يبول فسلمت عليه فلم يرد علي السلام حتى فرغ ثم قام إلى الحائط فضرب بيديه عليه فمسح بهما وجهه ثم ضرب بيديه على الحائط فمسح بهما يده إلى المرفقين ثم رد علي السلام. والقول الثاني أنه يجب مسح الوجه واليدين إلى الكفين بضربتين وهو قول الشافعي في القديم. والثالث أنه يكفي مسح الوجه والكفين بضربة واحدة. وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن الحكم عن ذر عن عبدالرحمن بن أبزي عن أبيه أن رجلا أتى عمر فقال: إنى أجنبت فلم أجد ماء فقال عمر لا تصل قال عمار أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت في التراب فصليت فلما أتينا النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له فقال { إنما كان يكفيك } وضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده الأرض ثم نفخ فيها ومسح بها وجهه وكفيه. قال أحمد أيضا: حدثنا عفان حدثنا أبان حدثنا قتادة عن عروة عن سعيد بن عبدالرحمن بن أبزي عن أبيه عن عمار أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: { في التيمم ضربة للوجه والكفين }. طريق أخرى قال أحمد: حدثنا عفان حدثنا عبدالواحد عن سليمان الأعمش حدثنا شقيق قال: كنت قاعدا مع عبدالله وأبي موسى فقال أبو يعلى لعبدالله: لو أن رجلا لم يجد الماء لم يصل؟ فقال عبداللّه ألا تذكر ما قال عمار لعمر: ألا تذكر إذ بعثني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وإياك في إبل فأصابتني جنابة فتمرغت في التراب فلما رجعت إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أخبرته فضحك رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم وقال { إنما كان يكفيك أن تقول هكذا } وضرب بكفيه إلى الأرض ثم مسح كفيه جميعا ومسح وجهه مسحة واحدة بضربة واحدة فقال عبداللّه لا جرم ما رأيت عمر قنع بذلك قال: فقال له أبو موسى فكيف بهذه الآية في سورة النساء{ فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا } قال: فما دري عبدالله ما يقول وقال: لو رخصنا لهم في التيمم لأوشك أحدهم إذا برد الماء على جلده أن يتيمم وقال في المائدة { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم } منه فقد استدل بذلك لقول الشافعي على أنه لا بد في التيمم أن يكون بتراب طاهر له غبار يعلق بالوجه واليدين منه شيء كما روى الشافعي بإسناده المتقدم عن ابن الصمة أنه مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه حتى قام إلى جدار فحته بعصا كانت معه فضرب بيده عليه فمسح بها وجهه وذراعيه. وقوله { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج } أي في الدين الذي شرعه لكم { ولكن يريد ليطهركم } فلهذا أباح التيمم إذا لم يجدوا الماء أن تعدلوا إلى التيمم بالصعيد والتيمم نعمة عليكم لعلكم تشكرون ولهذا كانت هذه الأمة مخصوصة بمشروعية التيمم دون سائر الأمم كما ثبت في الصحيحين عن جابر بن عبداللّه رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل - وفي لفظ: فعنده مسجده وطهوره - وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان يبعث النبي إلى قومه وبعثت إلى الناس كافة } وتقدم في حديث حذيفة عند مسلم { فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا الأرض مسجدا وتربتها طهورا إذا لم نجد الماء } وقال تعالى في هذه الآية الكريم{ فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا } أي ومن عفوه عنكم وغفرانه لكم أن شرع لكم التيمم وأباح لكم فعل الصلاة به إذا فقدتم الماء توسعة عليكم ورخصة لكم وذلك أن هذه الآية الكريمة فيها تنزيه الصلاة أن تفعل على هيئة ناقصة من سكر حتى يصحو المكلف ويعقل ما يقول أو جنابة حتى يغتسل أو حدث حتى يتوضأ إلا أن يكون مريضا أو عادما للماء فإن الله عز وجل قد أرخص في التيمم والحالة هذه رحمة بعباده ورأفة بهم وتوسعة عليهم وللّه الحمد والمنة. { ذكر سبب نزول مشروعية التيمم } وإنما ذكرنا ذلك ههنا لأن هذه الآية التي في النساء متقدمة النزول على آية المائدة وبيانه أن هذه نزلت قبل تحريم الخمر والخمر إنما حرم بعد أحد بيسير في محاصرة النبي صلى الله عليه وسلم لبني النضير وأما المائدة فإنها من آخر ما نزل ولا سيما صدرها فناسب أن يذكر السبب هنا وباللّه الثقة. قال أحمد: حدثنا ابن نمير عن هشام عن أبيه عن عائشة أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت فبعث رسول اللّه صلى اله عليه وسلم رجالا في طلبها فوجدوها فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء فصلوها بغير وضوء فشكوا ذلك إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأنزل اللّه آية التيمم فقال أسيد بن الحضير لعائشة: جزاك اللّه خيرا فواللّه ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل اللّه لك وللمسلمين فيه خيرا. طريق أخرى قال البخاري: حدثنا عبداللّه بن يوسف أنبأنا مالك عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فأتى الناس إلى أبي بكر فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة أقامت برسول اللّه صلى الله عليه وسلم وبالناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء فجاء أبو بكر ورسول اللّه صلى واضع رأت على فخذي قد نام فقال: حبست رسول اللّه صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء قالت عائشة: فعاتبني أبو بكر وقال: ما شاء اللّه أن يقول وجعل يطعن بيده في خاصرتي ولا يمنعني من التحرك إلا مكان رأس رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على فخذي فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على غير ماء حين أصبح فأنزل اللّه آية التيمم فتيمموا. فقال أسيد بن الحضير: ما هى بأول بركتكم يا آل أبي بكر. قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته. وقد رواه البخاري أيضا عن قتيبة عن إسماعيل ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك. حديث آخر قال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن صالح قال ابن شهاب حدثني عبيد اللّه بن عبداللّه عن ابن عباس عن عمار بن ياسر أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عرس بذات الجيش ومعه زوجته عائشة فانقطع عقد لها من جزع ظفار فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك حتى أضاء الفجر وليس مع الناس ماء فأنزل الله على رسوله رخصة التطهير بالصعيد الطيب فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربوا بأيديهم إلى الأرض ثم رفعوا أيديهم ولم ينفضوا من التراب شيئ ا فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب ومن بطون أيديهم إلى الآباط. وقد روى ابن جرير. حدثنا أبو كريب بإسناده إلى ابن أبي اليقظان قال: كنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فهلك عقد لعائشة فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أضاء الفجر فتغيظ أبو بكر على عائشة فنزلت عليه رخصة المسح بالصعيد الطيب فدخل أبو بكر فقال لها: إنك لمباركة نزلت فيك رخصة فضربنا بأيدينا ضربة لوجوهنا وضربة لأيدينا إلى المناكب والآباط. { حديث آخر } قال الحافظ أبو بكر بن مردوية حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا الحسن بن أحمد حدثنا الليث حدثنا محمد بن مرزوق حدثنا العباس بن أبي سرية حدثني الهيثم عن زريق المالكي من بني مالك بن كعب بن سعد وعاش مائة وسبعة عشر سنة عن أبيه عن الأسلع بن شريك قال: كنت أرحل ناقة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأصابتني جنابة في ليلة باردة وأراد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الرحلة فكرهت أن أرحل ناقة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأنا جنب وخشيت أن أغتسل بالماء البارد فأموت أو أمرض فأمرت رجلا من الأنصار فرحلها ثم رضفت أحجارا فأسخنت بها ماء واغتسلت ثم لحقت رسول اللّه صلى وأصحابه فقال { يا أسلع مالي أرى رحلتك قد تغيرت؟ } قلت يا رسول اللّه لم أرحلها رحلها رجل من الأنصار قال { ولم؟ } قلت: إنى أصابتني جنابة فخشيت القر على نفسي فأمرته أن يرحلها ورضفت أحجارا فأسخنت بها ماء فاغتسلت به. فأنزل الله تعالى { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } إلى قوله { إن الله كان عفوا غفورا } وقد روي من وجه آخر عنه.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ
    +/- -/+  
الأية
44
 
يخبر تعالى عن اليهود عليهم لعائن اللّه المتتابعة إلى يوم القيامة أنهم يشترون الضلالة بالهدي ويعرضون عما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ويتركون ما بأيديهم من العلم عن الأنبياء الأولين في صفة محمد صلى الله عليه وسلم ليشتروا به ثمنا قليلا من حطام الدنيا { ويريدون أن تضلوا السبيل } أي يودون لو تكفرون بما أنزل عليكم أيها المؤمنون وتتركون ما أنتم عليه من الهدى والعلم النافع.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفَىٰ بِاللهِ نَصِيرًا
    +/- -/+  
الأية
45
 
{ والله أعلم بأعدائكم } أي هو أعلم بهم ومحذركم منهم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا أي كفى به وليا لمن لجأ إليه ونصيرا لمن أستنصره.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَٰكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا
    +/- -/+  
الأية
46
 
ثم قال تعالى { من الذين هادوا } من في هذا لبيان الجنس كقوله{ فاجتنبوا الرجس من الأوثان } وقوله يحرفون الكلم عن مواضعه أي يتأولونه على غير تأويله ويفسرونه بغير مراد الله عز وجل قصدا منهم وافتراء{ ويقولون سمعنا } أي سمعنا ما قلته يا محمد ولا نطيعك فيه هكذا فسره مجاهد وابن زيد وهو المراد وهذا أبلغ في كفرهم وعنادهم وأنهم يتولون عن كتاب اللّه بعدما عقلوه وهم يعلمون ما عليهم في ذلك من الإثم والعقوبة وقولهم{ واسمع غير مسمع } أي اسمع ما نقول لا سمعت رواه الضحاك عن ابن عباس وقال مجاهد والحسن: واسمع غير مقبول منك قال ابن جرير: والأول أصح وهو كما قال وهذا استهزاء منهم واستهتار عليهم لعنة اللّه { وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين } أي يوهمون أنهم يقولون راعنا سمعك بقولهم { راعنا وإنما يريدون الرعونة } بسبهم النبي وقد تقدم الكلام على هذا عند قوله { يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا } ولهذا قال تعالى عن هؤلاء اليهود الذين يريدون بكلامهم خلاف ما يظهرونه ليا بألسنتهم وطعنا في الدين يعني بسبهم النبي صلى الله عله وسلم ثم قال تعالى { ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم اللّه بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا } أي قلوبهم مطرودة عن الخير مبعدة منه فلا يدخلها من الإيمان شيء نافع لهم وقد تقدم الكلام على قوله تعالى { فقليلا ما يؤمنون } والمقصود أنهم لا يؤمنون إيمانا نافعا.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولًا
    +/- -/+  
الأية
47
 
يقول تعالى آمرا أهل الكتاب بالإيمان بما نزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الكتاب العظيم الذي فيه تصديق الأخبار التي بأيديهم من البشارات ومتهددا لهم إن لم يفعلوا بقوله { من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها } قال بعضهم: معناه من قبل أن نطمس وجوها فطمسها هو ردها إلى الأدبار وجعل أبصارهم من ورائهم ويحتمل أن يكون المراد من قبل أن نطمس وجوها فلا نبقي لها سمعا ولا بصرا ولا أنفا ومع ذلك نردها إلى ناحية الأدبار. وقال العوفي عن ابن عباس في الآية وهي من قبل أي نطمس وجوها وطمسها أن تعمى فنردها على أدبارها يقول نجعل وجوههم من قبل أقفيتهم فيمشون القهقرى ونجعل لأحدهم عينين من قفاه وكذا قال قتادة وعطية العوفي وهذا أبلغ في العقوبة والنكال وهذا مثل ضربه اللّه لهم في صرفهم عن الحق وردهم إلى الباطل ورجوعهم عن المحجة البيضاء إلى سبيل الضلالة يهرعون ويمشون القهقرى على أدبارهم وهذا كما قال بعضهم في قوله { إنا جعلنا في أعناقهم أغلال ا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون وجعلنا من بين أيديهم سدا } الآية أي هذا مثل سوء ضربه اللّه لهم في ضلالهم ومنعهم عن الهدى. قال مجاهد: من قبل أن نطمس وجوها يقول عن صراط الحق فنردها على أدبارها أي في الضلال قال ابن أبي حاتم: وروى عن ابن عباس والحسن نحو هذا قال السدى: فنردها على أدبارها فنمنعها عن الحق قال نرجعها كفارا ونردهم فردة قال أبو زيد فردهم إلى بلاد الشام من أرض الحجاز. وقد ذكر أن كعب الأحبار أسلم حين سمع هذه الآية. قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب حدثنا جابر بن نوح عن عيسى بن المغيرة قال: تذاكرنا عند إبراهيم إسلام كعب فقال أسلم كعب زمان عمر أقبل وهو يريد بيت المقدس فمر على المدينة فخرج إليه عمر فقال يا أبا كعب أسلم فقال: ألستم تقولون في كتابكم { مثل الذين حملوا التوراة إلى أسفارا } وأنا قد حملت التوراة. قال فتركه عمر ثم خرج حتى انتهى إلى حمص فسمع رجلا من أهلها حزينا وهو يقول { يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها } الآية قال كعب يا رب أسلمت مخافة أن تصيبه هذه الآية ثم رجع فأتى أهله في اليمن ثم جاء بهم مسلمين وكذا رواه ابن أبي حاتم بلفظ آخر من وجه آخر فقال: حدثنا أبي حدثنا ابن نفيل حدثنا عمرو بن واقد عن يونس بن حليس عن أبي إدريس عائذ الله الخولاني قال: كان أبو مسلم الجليلي معهم كعب وكان يلومه في إبطائه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فبعثه إليه ينظر أهو هو قال كعب: فركبت حتى أتيت المدينة فإذا تال يقرأ القرآن يقول { يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها } فبادرت الماء فاغتسلت وإنى لأمس وجهي مخافة أن أطمس ثم أسلمت وقوله{ أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت } يعني الذين اعتدوا في سبتهم بالحيلة على الاصطياد وقد مسخوا قردة وخنازير وسيأتي بسط قصتهم في سورة الأعراف وقوله { وكان أمر الله مفعولا } أي إذا أمر بأمر فإنه لا يخالف ولا يمانع. ثم أخبر تعالى أنه لا يغفر أن يشرك به أي لا يغفر لعبد لقيه وهو مشرك به ويغفر ما دون ذلك أي من الذنوب لمن يشاء أي من عباده وقد وردت أحاديث متعلقة بهذه الآية الكريمة فلنذكر منها ما تيسر. { الحديث الأول } قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون حدثنا صدقة بن موسى حدثنا أبو عمران الجوني عن يزيد بن أبي موسى عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم { الدواوين من عند الله ثلاثة ديوان لا يعبأ اللّه به شيئا وديوان لا يترك الله منه شيئا وديوان لا يغفره الله.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا
    +/- -/+  
الأية
48
 
{ الدواوين من عند الله ثلاثة ديوان لا يعبأ اللّه به شيئا وديوان لا يترك الله منه شيئا وديوان لا يغفره الله.فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك بالله قال الله عز وجل { إن الله لا يغفر أن يشرك به } الآية وقال { إنه من يشرك بالله فقد حرم اللّه عليه الجنة } وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين الله من صوم يوم تركه أو صلاة فإن الله يغفر ذلك ويتجاوز إن شاء وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا فظلم العباد بعضهم بعضا القصاص لا محالة } تفرد به أحمد. { الحديث الثاني } قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا أحمد بن مالك حدثنا زائدة بن أبي الزناد النمري عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { الظلم ثلاثة فظلم لا يغفره الله وظلم يغفره الله وظلم لا يترك اللّه منه شيئا: فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك وقال { إن الشرك لظلم عظيم } وأما الظلم الذي يغفره اللّه فظلم العباد لأنفسهم فيما بينهم وبين ربهم وأما الظلم الذي لا يتركه فظلم العباد بعضهم بعضا حتى يدين لبعضهم من بعض }. { الحديث الثالث } قال الإمام أحمد: حدثنا صفوان بن عيسى حدثنا ثور بن يزيد عن أبي عون عن أبى إدريس قال: سمعت معاوية يقول: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول { كل ذنب عسى اللّه أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل مومنا متعمدا } ورواه النسائي عن محمد بن مثنى عن صفوان بن عيسى به. { الحديث الرابع } قال الإمام أحمد: حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا عبدالحميد حدثنا شهر حدثنا ابن تميم أن أبا ذر حدثه عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال { إن الله يقول: يا عبدي ما عبدتني ورجوتني فإني غافر لك على ما كان منك يا عبدي إنك إن لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لقيتك بقرابها مغفرة } تفرد به أحمد من هذا الوجه. { الحديث الخامس } قال الإمام أحمد. حدثنا عبدالصمد حدثنا أبي حدثنا حسين بن بريدة أن يحيى بن يعمر حدثه أن أبا الأسود الديلي حدثه أن أبا ذر حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { ما من عبد قال لا إله إلا اللّه ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة } قلت: وإن زنى وإن سرق قال { وإن زنى وإن سرق } قلت وإن زنى وإن سرق قال { وإن زنى وإن سرق } ثلاثا. ثم قال في الرابعة { على رغم أنف أبي ذر } قال فخرج أبو ذر وهو يجر إزاره وهو يقول: وإن رغم أنف أبي ذر وكان أبو ذر يحدث بهذا بعد ويقول: وإن رغم أنف أبي ذر. أخرجاه من حديث حسين به. { طريق أخرى } لحديث أبي ذر قال أحمد: حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب عن أبي ذر قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرة المدينة عشاء ونحن ننظر إلى أحد فقال { يا أبا ذر قلت: لبيك يا رسول اللّه قال: ما أحب أن لي أحدا ذاك عندي ذهبا أمسي ثالثة وعندي منه دينار إلا دينارا أرصده يعنى لدين إلا أن أقول به في عباد اللّه هكذا وهكذا فحثا عن يمينه وعن يساره وبين يديه قال: ثم مشينا فقال: يا أبا ذر إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا } فحثا عن يمينه ومن بين يديه وعن يساره قال ثم مشينا فقال: { يا أبا ذر كما أنت حتى أتيك } قال: فانطلق حتى توارى عني قال: فسمعت لغطا فقلت لعل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عرض له قال فهممت أن أتبعه قال فذكرت قوله { لا تبرح حتى آتيك } فانتظرته حتى جاء فذكرت له الذي سمعت فقال { ذاك جبريل أتاني فقال من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة } قلت وإن زنى وإن سرق قال { وإن زنى وإن سرق } أخرجاه في الصحيحين من حديث الأعمش به وقد رواه البخاري ومسلم أيضا كلاهما عن قتيبة عن جرير بن عبدالحميد عبدالعزيز بن رفيع عن زيد بن وهب عن أبي ذر قال: خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يمشي وحده وليس معه إنسان قال فظننت أنه يكره أن يمشي معه أحد قال: فجعلت أمشي في ظل القمر فالتفت فرآني فقال { من هذا } فقلت أبو ذر جعلني الله فداك قال { يا أبا ذر تعال } قال فمشيت معه ساعة فقال لي { إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة إلا من أعطاه الله خيرا فجعل يبثه عن يمينه وشماله وبين يديه ووراءه وعمل فيه خيرا } قال: فمشيت معه ساعة فقال لي { اجلس ههنا } فأجلسني في قاع حوله حجارة فقال لي { اجلس ههنا حتى أرجع إليك } قال فانطلق في الحرة حتى لا أراه فلبث عني حتى إذا طال اللبث ثم إنى سمعته وهو مقبل وهو يقول { وإن زنى وإن سرق } قال: فلما جاء لم أصبر حتى قلت يا نبي اللّه جعلني اللّه فداك من تكلم في جانب الحرة فإنى سمعت أحدا يرجع إليك؟ قال: ذاك جبريل عرض لي من جانب الحرة فقال { بشر أمتك أنه من مات لا يشرك باللّه شيئا دخل الجنة قلت يا جبريل وإن سرق وإن زنى قال نعم قلت: وإن سرق وإن زني قال نعم قلت وإن سرق وإن زنى قال نعم وإن شرب الخمر { الحديث السادس } قال عبد بن حميد في مسنده: حدثنا عبداللّه بن موسى عن ابن أبي ليلى عن أبي الزبير عن جابر قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول اللّه ما الموجبتان قال { من مات لا يشرك باللّه شيئا وجبت له الجنة ومن مات يشرك بالله شيئا وجبت له النار } تفرد به من هذا الوجه وذكر تمام الحديث. { طريق أخرى } قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا الحسن بن عمرو بن خلاد الحراني حدثنا منصور بن إسماعيل القرشي حدثنا موسى بن عبيدة الترمذي أخبرني عبدالله بن عبيدة عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم { ما من نفس تموت لا تشرك بالله شيئا إلا حلت لها المغفرة إن شاء الله عذبها وإن شاء غفر لها إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ورواه الحافظ أبو يعلى في مسنده من حديث موسى بن عبيدة عن أخيه عبدالله بن عبيدة عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا تزال المغفرة على العبد ما لم يقع الحجاب } قيل يا نبي الله وما الحجاب؟ قال { الإشراك باللّه قال: ما من نفس تلقى الله لا تشرك به شيئا إلا حلت لها المغفرة من اللّه تعالى إن شاء أن يعذبها وإن شاء أن يغفر لها } ثم قرأ نبي الله إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء { الحديث السابع } قال الإمام أحمد: حدثنا أبو نعيم حدثنا زكريا عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة } تفرد به من هذا الوجه. { الحديث الثامن } قال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا أبو قبيل عن عبدالله بن ناشر من بني سريع قال: سمعت أبارهم قاص أهل الشام يقول سمعت أبا أيوب الأنصاري يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم إليهم فقال لهم: { إن ربكم عز وجل خيرني بين سبعين ألف يدخلون الجنة عفوا بغير حساب وبين الخبيئة عنده لأمتي } فقال بعض أصحابه يا رسول الله أيخبأ ذلك ربك؟ فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج وهو يكبر فقال { إن ربي زادني مع كل ألف سبعين ألفا والخبيئة عنده } قال أبو رهم يا أبا أيوب وما تظن خبيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكله الناس بأفواههم فقالوا: وما أنت وخبيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو أيوب: دعوا الرجل عنكم أخبركم عن خبيئة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كما أظن بل كالمستيقن إن خبيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول { من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد ا عبده ورسوله مصدقا لسانه قلبه دخل الجنة }. { الحديث التاسع } قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني حدثنا عيسى بن يونس وأخبرنا هاشم بن القاسم الحراني فيما كتب إلى حدثنا عيسى بن يونس نفسه عن واصل بن السائب الرقاشي عن أبي سورة ابن أخي أبي أيوب الأنصاري عن أبي أيوب قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي ابن أخ لا ينتهي عن الحرام قال { وما دينه } قال: يصلي ويوحد الله تعالى قال { استوهب منه دينه فإن أبي فابتعه منه } فطلب الرجل ذاك منه فأبي عليه فأتى النبي صلى فأخبره فقال { وجدته شحيحا على دينه } قال: فنزلت إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. { الحديث العاشر } قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا عمرو بن الضحاك حدثنا أبي حدثنا أبو همام الهنائي حدثنا ثابت عن أنس قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما تركت حاجة ولا ذا حاجة إلا قد أتيت قال { أليس تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ثلاث مرات } قال نعم قال { فإن ذلك يأتي على ذلك كله }. { الحديث الحادي عشر } قال الإمام أحمد: حدثنا أبو عامر حدثنا عكرمة بن عمار عن ضمضم بن جوش اليمامي قال: قال لي أبو هريرة يا يمامي لا تقولن لرجل لا يغفر الله لك أو لا يدخلك الجنة أبدا. فقلت يا أبا هريرة إن هذه كلمة يقولها أحدنا لأخيه وصاحبه إذا غضب قال لا تقلها فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { كان في بني إسرائيل رجلان أحدهما مجتهد في العبادة وكان الآخر مسرفا على نفسه وكانا متآخيين وكان المجتهد لا يزال يرى الآخر على الذنب فيقول يا هذا أقصر فيقول خلني وربى أبعثت علي رقيبا إلى أن رآه يوما على ذنب استعظمه فقال له: ويحك أقصر قال خلني وربي أبعثت علي رقيبا فقال والله لا يغفر الله لك أو لا يدخلك الجنة أبدا قال: فبعث الله إليهما ملكا فقبض أرواحهما واجتمعا عنده فقال للمذنب اذهب فادخل الجنة برحمتي وقال للآخر أكنت. عالما أكنت على ما في يدي قادرا اذهبوا به إلى النار قال والذي نفس أبي القاسم بيده إنه لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته { ورواه أبو داود من حديث عكرمة بن عمار حدثني ضمضم بن جوش به. { الحديث الثاني عشر } قال الطبراني: حدثنا أبو الشيخ عن محمد بن الحسن بن عجلان الأصفهاني حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { قال الله عز وجل: من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي ما لم يشرك بي شيئا }. { الحديث الثالث عشر } قال الحافظ أبو بكر البزار والحافظ أبو يعلى: حدثنا هدبة هو ابن خالد حدثنا سهل بن أبي حازم عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من وعده الله على عمل ثوابا فهو منجزه له ومن توعده على عمل عقابا فهو فيه بالخيار } تفردا به وقال ابن أبي حاتم: حدثنا بحر بن نصر الخولاني حدثنا خالد يعني ابن عبدالرحمن الخراساني حدثنا الهيثم بن حماد عن سلام بن أبي مطيع عن بكر بن عبدالله المزني عن ابن عمر قال: كنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نشك في قاتل النفس; وآكل مال اليتيم وقاذف المحصنات; وشاهد الزور حتى نزلت هذه الآية إن الله لا يغفر أن يشرك به ومغفر ما دون ذلك لمن يشاء فأمسك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة. ورواه ابن جرير من حديث الهيثم بن حماد به وقال ابن أبي حاتم أيضا: حدثنا عبدالملك بن أبي عبيدالرحمن المقري حدثنا عبدالله بن عاصم حدثنا صالح يعني المري حدثنا أبو بشر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: كنا لا نشك في من أوجب الله له النار في الكتاب حتى نزلت علينا هذه الآية إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء قال فلما سمعناها كففنا عن الشهادة وأرجينا الأمور إلى الله عز وجل. وقال البزار: حدثنا محمد بن عبدالرحمن حدثنا شيبان بن أبي شيبة حدثنا حرب بن شريح عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: كنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى سمعنا نبينا صلى الله عليه وسلم يقرأ { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } وقال { أخبرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة { وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع: أخبرني مخبر عن عبدالله بن عمر أنه قال: لما نزلت يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إلى آخر الآية قام رجل فقال: والشرك بالله يا نبي الله؟ فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال إن الله { لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما } رواه ابن جرير وقد رواه ابن مردوية من طرق عن ابن عمر وهذه الآية التي في سورة تنزيل مشروطة بالتوبة فمن تاب من أي ذنب وان تكرر منه تاب الله عليه ولهذا قال { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا } أي بشرط التوبة ولو لم يكن كذلك لدخل الشرك فيه ولا يصح ذلك لأنه تعالى قد حكم ههنا بأنه لا يغفر الشرك وحكم بأنه يغفر ما عداه لمن يشاء أي وإن لم يتب صاحبه فهذه أرجى من تلك من هذا الوجه والله أعلم. وقوله { ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما } كقوله } إن الشرك لظلم عظيم } وثبت في الصحيحين عن ابن مسعود أنه قال: قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال { أن تجعل لله ندا وهو خلقك { وذكر تمام الحديث. وقال ابن مردويه: حدثنا اسحق عن إبراهيم بن زيد حدثنا أحمد بن عمرو حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا معن حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله صلي الله عليه وسلم قال { أخبركم بأكبر الكبائر الإشراك بالله ثم قرأ { ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما } وعقوق الوالدين ثم قرأ { أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ ۚ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا
    +/- -/+  
الأية
49
 
قال الحسن وقتادة نزلت هذه الآية وهي قوله { ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم } في اليهود والنصارى حين قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه وفي قولهم { لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى { وقال مجاهد: كانوا يقدمون الصبيان أمامهم في الدعاء والصلاة يؤمونهم ويزعمون أنهم لا ذنوب لهم وكذا قال عكرمة وأبو مالك وروى ذلك ابن جرير وقال العوفي عن ابن عباس في قوله { ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم } وذلك أن اليهود قالوا: إن أبناءنا توفوا وهم لنا قربة ويشفعون لنا ويزكوننا فأنزل الله على محمد ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم الآية ورواه ابن جرير وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا محمد بن مصفى حدثنا ابن حمير عن ابن لهيعة عن بشر بن أبي عمرة عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان اليهود يقدمون صبيانهم يصلون بهم ويقربون قربانهم ويزعمون أنهم لا خطايا لهم ولا ذنوب. وكذبوا قال الله إني لا أطهر ذا ذنب بآخر لا ذنب له وأنزل الله ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم ثم قال: وروي عن مجاهد وأبي مالك والسدي وعكرمة والضحاك نحو ذلك وقال الضحاك: قالوا ليس لنا ذنوب كما ليس لأبنائنا ذنوب فأنزل الله { ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم } فيهم وقيل نزلت في ذم التمادح والتزكية وفي صحيح مسلم عن المقداد بن الأسود قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحثو في وجوه المداحين التراب. وفي الصحيحين من طريق خالد الحذاء عن عبدالرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع رجلا يثني على رجل فقال { ويحك قطعت عنق صاحبك } ثم قال { إن كان أحدكم مادحا صاحبه لا محالة فليقل أحسبه كذا ولا يزكي على الله أحدا } وقال الإمام أحمد: حدثنا معتمر عن أبيه عن نعيم بن أبي هند قال: قال عمر بن الخطاب: من قال أنا مؤمن فهو كافر ومن قال هو عالم فهو جاهل ومن قال هو في الجنة فهو في النار ورواه ابن مردويه من طريق موسى بن عبيدة عن طلحة بن عبيد الله بن كريز عن عمر أنه قال: إن أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه فمن قال إنه مؤمن فهو كافر ومن قال هو عالم فهو جاهل ومن قال هو في الجنة فهو في النار. وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة حدثنا حجاج أنبأنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن معبد الجهني قال: كان معاوية فلما كان يحدث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: وكان فلما يكاد أن يدع يوم الجمعة هؤلاء الكلمات أن يحدث بهن عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول { من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وإن هذا المال حلو خضر فمن يأخذه بحقه يبارك له فيه وإياكم والتمادح فإنه الذبح { وروى ابن ماجه منه { إياكم والتمادح فإنه الذبح } عن أبي بكر بن أبي شيبة عن غندر عن شعبة به ومعبد هذا هو ابن عبدالله بن عويم البصري القدري وقال ابن جرير: حدثنا يحيى بن إبراهيم المسعودي حدثني أبي عن أبيه عن جده عن الأعمش عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: قال عبدالله بن مسعود: إن الرجل ليغدو بدينه ثم يرجع وما معه منه شيء يلقى الرجل ليس يملك له ضرا ولا نفعا فيقول له: إنك والله كيت وكيت فلعله أن يرجع ولم يحظ من حاجته بشيء وقد أسخط الله ثم قرأ { ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم } الآية وسيأتي الكلام على ذلك مطولا عند قوله تعالى { فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى } ولهذا قال تعالى { بل الله يزكي من يشاء } أي المرجع في ذلك إلى الله عز وجل { لأنه أعلم بحقائق الأمور وغوامضها ثم قال تعالى { ولا يظلمون فتيلا } أي ولا يترك لأحد من الأجر ما يوازن مقدار الفتيل قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وعطاء والحسن وقتادة وغير واحد من السلف: هو ما يكون في شق النواة. وعن ابن عباس أيضا: هو ما فتلت بين أصابعك وكلا القولين متقارب.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ ۖ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْمًا مُبِينًا
    +/- -/+  
الأية
50
 
وقوله انظر كيف يفترون على الله الكذب أي في تزكيتهم أنفسهم ودعواهم أنهم أبناء الله وأحباؤه وقولهم { لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى { وقولهم لن تمسنا النار إلا أياما معدودات واتكالهم على أعمال آبائهم الصالحة وقد حكم الله أن أعمال الآباء لا تجزي عن الأبناء شيئا في قوله{ تلك أما قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم } الآية ثم قال { وكفى به إثما مبينا } أي وكفى بصنيعهم هذا كذبا وافتراءا ظاهرا وقوله { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت } أما الجبت فقال محمد بن إسحاق عن حسان بن فائد عن عمر بن الخطاب أنه قال: الجبت السحر والطاغوت الشيطان. وهكذا روي عن ابن عباس وأبي العالية ومجاهد وعطاء وعكرمة وسعيد بن جبير والشعبي والحسن والضحاك والسدي وعن ابن عباس وأبي العالية ومجاهد وعطاء وعكرمة وسعيد بن جبير والشعبي والحسن وعطية: الجبت الشيطان. وزاد ابن عباس بالحبشية وعن ابن عباس أيضا: الجبت الشرك. وعنه الجبت الأصنام. وعن الشعبي الجبت الكاهن. وعن ابن عباس الجبت حيي بن أخطب. وعن مجاهد الجبت كعب بن الأشرف. وقال العلامة أبو نصر بن إسماعيل بن حماد الجوهري في كتابه الصحاح: الجبت كلمة تقع على الصنم والكاهن والساحر ونحو ذلك. وفي الحديث { الطيرة والعيافة والطرق من الجبت } قال وليس هذا من محض العربية لاجتماع الجيم والتاء في كلمة واحدة من غير حرف ذو لقي. وهذا الحديث الذي ذكره الإمام أحمد في مسنده فقال: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا عوف بن حيان ابن العلاء حدثنا قطن بن قبيصة عن أبيه وهو قبيصة بن مخارق أنه سمع النبي صلى قال الله عليه وسلم { إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت } وقال عوف: العيافة زجر الطير والطرق الخط يخط في الأرض والجبت قال الحسن رنة الشيطان وهكذا رواه أبو داود في سننه والنسائي وابن أبي حاتم في تفسيره من حديث عوف الأعرابي به. وقد تقدم الكلام على الطاغوت في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته ههنا وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا إسحاق بن الضيف حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبدالله أنه سئل عن الطواغيت فقال: هم كهان تنزل عليهم الشياطين وقال مجاهد: الطاغوت الشيطان في صورة إنسان يتحاكمون إليه وهو صاحب أمرهم وقال الإمام مالك: هو كل ما يعبد من دون الله عز وجل وقوله { ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا } أي يفضلون الكفار على المسلمين بجهلهم وقلة دينهم وكفرهم بكتاب الله الذي بأيديهم. وقد روى ابن أبى حاتم: حدثنا محمد بن عبدالله بن يزيد المقري حدثنا سفيان عن عمرو عن عكرمة قال: جاء حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف إلى أهل مكة فقالوا لهم: أنتم أهل الكتاب وأهل العلم فاخبرونا عنا وعن محمد فقالوا: ما أنتم وما محمد؟ فقالوا: نحن نصل الأرحام وننحر الكوماء ونسقي الماء على اللبن ونفك العاني ونسقى الحجيج ومحمد صنبور قطع أرحامنا واتبعه سراق الحجيج من غفار فنحن خير أم هو؟ فقالوا: أنتم خير وأهدى سبيلا.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا
    +/- -/+  
الأية
51
 
فأنزل { الله ألم تر إلى الذين أوتو نصيبا } الآية وقد روى هذا من غير وجه عن ابن عباس وجماعة من السلف. وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن أبي عدي عن داود عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت قريش: ألا ترى هذا الصنبور المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة وأهل السقاية. قال: أنتم خير. قال فنزلت { إن شانئك هو الأبتر ونزل { ألم تر إلى الذين أوتو نصيبا من الكتاب -إلى - نصيرا } وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان الذين حزبوا الأحزاب من قريش وغطفان وبني قريظة حيي بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق وأبو رافع والربيع بن أبي الحقيق وأبو عامر ووحوح بن عامر وهودة بن قيس. فأما وحوح وأبو عامر وهودة فمن بني وائل وكان سائرهم من بني النضير فلما قدموا على قريش قالوا: هؤلاء أحبار يهود وأهل العلم بالكتب الأول فاسألوهم أدينكم خير أم دين محمد؟ فسألوهم فقالوا دينكم خير من دينه وأنتم أهدى منه وممن اتبعه. فأنزل الله عز وجل { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب } إلى قوله عز وجل { وآتيناهم ملكا عظيما { وهذا لعن لهم وإخبار بأنهم لا ناصر لهم في الدنيا ولا في الآخرة لأنهم إنما ذهبوا يستنصرون بالمشركين وإنما قالوا لهم ذلك ليستميلوهم إلى نصرتهم وقد أجابوهم وجاءوا معهم يوم الأحزاب حتى حفر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حول المدينة الخندق فكفى الله شرهم { ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ ۖ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا
    +/- -/+  
 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا
    +/- -/+  
الأية
53
 
يقول تعالى أم لهم نصيب من الملك وهذا استفهام إنكارى أي ليس لهم نصيب من الملك ثم وصفهم بالبخل فقال: فإذا لا يؤتون الناس نقيرا أي لأنهم لو كان لهم نصيب في الملك والتصرف لما أعطوا أحدا من الناس ولا سيما محمدا صلى الله عليه وسلم شيئا ولا ما يملأ النقير وهو النقطة التي في النواة في قول ابن عباس والأكثرين. وهذه الآية كقوله تعالى { قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق } أي خوف أن يذهب ما بأيدكم مع أنه لا يتصور نفاده وإنما هو من بخلكم وشحكم ولهذا قال تعالى { وكان الإنسان قتورا } أي بخيلا.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا
    +/- -/+  
الأية
54
 
ثم قال أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله يعني بذلك حسدهم النبي صلى الله عليه وسلم على ما رزقه الله من النبوة العظيمة ومنعهم من تصديقهم إياه حسدهم له لكونه من العرب وليس من بني إسرائيل. وقال الطبراني: حدثنا محمد بن عبدالله الحضرمي حدثنا يحيى الحماني حدثنا قيس بن الربيع عن السدي عن عطاء عن ابن عباس في قوله{ أم يحسدون الناس } الآية قال ابن عباس: نحن الناس دون الناس قال الله تعالى فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما أي فقد جعلنا في أسباط بني إسرائيل الذين هم من ذرية إبراهيم النبوة وأنزلنا عليهم الكتب وحكموا فيهم بالسنن وهي الحكمة وجعلنا منهم الملوك ومع هذا فمنهم من آمن به أي بهذا الإيتاء وهذا الإنعام ومنهم من صد عنه أي كفر به وأعرض عنه وسعى في صد الناس عنه وهو منهم ومن جنسهم أي من بني إسرائيل فقد اختلفوا عليهم فكيف بك يا محمد ولست من بنى إسرائيل؟.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ ۚ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا
    +/- -/+  
الأية
55
 
وقال مجاهد: فمنهم من آمن به أي بمحمد صلى الله عليه وسلم ومنهم من صد عنه فالكفرة منهم أشد تكذيبا لك وأبعد عما جئتهم به من الهدى والحق المبين ولهذا قال متوعدا لهم { وكفى بجهنم سعيرا } أي وكفى بالنار عقوبة لهم على كفرهم وعنادهم ومخالفتهم كتب الله ورسله.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا
    +/- -/+  
الأية
56
 
يخبر تعالى عما يعاقب به في نار جهنم من كفر بآياته وصد عن رسله فقال { إن الذين كفروا بآياتنا } الآية أي ندخلهم فيها دخولا يحيط بجميع أجرامهم وأجزائهم. ثم أخبر عن دوام عقوبتهم ونكالهم فقال كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب قال الأعمش عن ابن عمر: إذا { احترقت جلودهم بدلوا جلودا غيرها بيضاء أمثال القراطيس } رواه ابن أبي حاتم وقال يحيى بن يزيد الحضرمي أنه بلغه في الآية قال: يجعل للكافر مائة جلد بين كل جلدين لون من العذاب رواه ابن أبي حاتم وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا حسين الجعفي عن زائدة عن هشام عن الحسن قوله { كلما نضجت جلودهم { الآية قال: تنضجهم في اليوم سبعين ألف مرة. قال حسين: وزاد فيه فضيل عن هشام عن الحسن كلما نضجت جلودهم قيل لهم: عودوا فعادوا. وقال أيضا ذكر عن هشام بن عمار حدثنا سعيد بن يحيى { يعنى السعداني } حدثنا نافع مولى يوسف السلمي البصري عن نافع عن ابن عمر قال: قرأ رجل عند عمر هذه الآية { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها } فقال عمر: أعدها علي فأعادها فقال معاذ بن جبل: عندي تفسيرها تبدل في ساعة مائة مرة. فقال عمر: هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رواه ابن مردوية عن محمد بن أحمد بن إبراهيم عن عبدان بن محمد المروزي عن هشام بن عمار به ورواه من وجه آخر بلفظ آخر فقال: حدثنا محمد بن إسحاق عن عمران حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحارث حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا نافع أبو هرمز حدثنا نافع عن ابن عمر قال: تلا رجل عند عمر هذه الآية { كلما نضجت جلودهم } الآية قال فقال عمر: أعدها علي وثم كعب فقال: يا أمير المؤمنين أنا عندي تفسير هذه الآية قرأتها قبل الإسلام قال فقال: هاتها يا كعب فإن جئت بها كما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقناك وإلا لم ننظر إليها فقال: إنى قرأتها قبل الإسلام كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها في الساعة الواحدة عشرين ومائة مرة. فقال عمر: هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الربيع بن أنس: مكتوب في الكتاب الأول أن جلد أحدهم أربعون ذراعا وسنه سبعون ذراعا وبطنه لو وضع فيه جبل لوسعه فإذا أكلت النار جلودهم بدلوا جلودا غيرها. وقد ورد في الحديث ما هو أبلغ من هذا فقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع حدثنا أبو يحيى الطويل عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { يعظم أهل النار في النار حتى أن بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام وإن غلظ جلده سبعون ذراعا وإن ضرسه مثل أحد } تفرد به أحمد من هذا الوجه وقيل المراد بقوله { كلما نضجت جلودهم } أي سرابيلهم. حكاه ابن جرير وهو ضعيف لأنه خلاف الظاهر.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ۖ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا
    +/- -/+  
الأية
57
 
وقوله { والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا } هذا إخبار عن مآل السعداء في جنات عدن التي تجري فيها الأنهار في جميع فجاجها ومحالها وأرجائها حيث شاءوا وأين أرادوا وهم خالدون فيها أبدا لا يحولون ولا يزولون ولا يبغون عنها حولا وقوله{ لهم فيها أزواج مطهرة } أي من الحيض والنفاس والأذى والأخلاق الرذيلة والصفات الناقصة كما قال ابن عباس: مطهرة من الأقذار والأذى. وكذا قال عطاء والحسن والضحاك والنخعي وأبو صالح وعطية والسدي. وقال مجاهد: مطهرة من البول والحيض والنخام والبزاق والمنى والولد. وقال قتادة: مطهرة من الأذى والمآثم ولا حيض ولا كلف. وقوله { وندخلهم ظلا ظليا } أي ظلا عميقا كثيرا غزيرا طيبا أنيقا قال ابن جرير: حدثنا ابن بشار حدثنا عبدالرحمن وحدثنا ابن المثنى حدثنا ابن جعفر قالا حدثنا شعبة قال: سمعت أبا الضحاك يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها - شجرة الخلد }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ۗ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا
    +/- -/+  
الأية
58
 
يخبر تعالى أنه يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها. وفي حديث الحسن عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك } رواه الإمام أحمد وأهل السنن وهو يعم جميع الأمانات الواجبة على الإنسان من حقوق الله عز وجل على عباده من الصلاة والزكاة والصيام والكفارات والنذور وغير ذلك مما هو مؤتمن عليه لا يطلع عليه العباد ومن حقوق العباد بعضهم على بعض كالودائع وغير ذلك مما يأتمنون به من غير اطلاع بينة على ذلك فأمر الله عز وجل بأدائها فمن لم يفعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة كما ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لتؤدن الحقوق إلى أهلها حتى يقتص للشاة الجماء من القرناء } وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي حدثنا وكيع عن سفيان عن عبدالله بن السائب عن زاذان عن عبدالله بن مسعود قال: إن الشهادة تكفر كل ذنب إلا الأمانة يؤتي بالرجل يوم القيامة وإن كان قد قتل في سبيل الله فيقال أد أمانتك فيقول فأني أؤديها وقد ذهبت الدنيا؟ فتمثل له الأمانة في قعر جهنم فيهوي إليها فيحملها على عاتقه قال فتنزل عن عاتقه فيهوي على أثرها أبد الآبدين. قال زاذان فأتبت البراء فحدثته فقال صدق أخى { إن الله يأمركم أن تودوا الأمانات إلى أهلها } وقال سفيان الثوري عن ابن أبي ليلى عن رجل عن ابن عباس في الآية قال: هي مبهمة للبر والفاجر وقال محمد بن الحنفية هي عامة للبر والفاجر وقال أبو العالية: الأمانة ما أمروا به ونهوا عنه. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: قال أبي بن كعب من الأمانات أن المرأة ائتمنت على فرجها وقال الربيع بن أنس هي من الأمانات فيما بينك وبين الناس. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } قال: قال يدخل فيه وعظ السلطان النساء { يعنى يوم العيد } وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في شأن عثمان بن طلحة بن أبي طلحة واسم أبي طلحة عبدالله بن عبدالعزى بن عثمان بن عبدالدار بن قصي بن كلاب القرشي العبدري حاجب الكعبة المعظمة وهو ابن عم شيبة بن عثمان بن أبي طلحة الذي صارت الحجابة في نسله إلى اليوم أسلم عثمان هذا في الهدنة بين صلح الحديبية وفتح مكه هو وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وأما عمه عثمان بن طلحة بن أبي طلحة فكان معه لواء المشركين يوم أحد وقتل يومئذ كافرا وإنما نبهنا على هذا النسب لأن كثيرا من المفسرين قد يشتبه عليه هذا بهذا وسبب نزولها فيه لما أخذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة يوم الفتح ثم رده عليه. وقال محمد بن إسحاق في غزوة الفتح حدثني محمد بن جعفر بن الزبير بن عبيدالله بن عبدالله أبي ثور عن صفية بنت شيبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل بمكة واطمأن الناس خرج حتى جاء إلى البيت فطاف به سبعا على راحلته يستلم الركن بمحجن في يده فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت له فدخلها فوجد فيها حماما من عيدان فكسرها بيده ثم طرحها ثم وقف على باب الكعبة وقد استكن له الناس في المسجد. قال ابن اسحق: فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على باب الكعبة فقال { لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانه البيت وسقاية الحاج }. وذكر بقية الحديث في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ إلى أن قال: ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فقام إليه علي بن أبي طالب ومفتاح الكعبة في يده فقال: يا رسول الله اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أين عثمان بن طلحة؟ { فدعي له فقال له { هاك مفتاحك يا عثمان اليوم يوم وفاء وبر { قال ابن جرير: حدثني القاسم حدثنا الحسين عن حجاج عن ابن جريج في الآية قال: نزلت في عثمان بن طلحة قبض منه رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة فدخل في البيت يوم الفتح فخرج وهو يتلو هذه الآية { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } صلى الله عليه وسلم الآية فدعا عثمان إليه فدفع إليه المفتاح. قال: وقال عمر بن الخطاب لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكعبة وهو يتلو هذه الآية { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } فداه أبي وأمي ما سمعته يتلوها قبل ذلك. حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثنا الزنجي ابن خالد عن الزهري قال: دفعه إليه وقال: أعينوه. وروى ابن مردوية من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله عز وجل { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } قال: لما فتح رسول الله صلى مكة دعا عثمان بن طلحة فلما أتاه قال { أرني المفتاح } فأتاه به فلما بسط يده إليه قام إليه العباس قال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي اجمعه لي مع السقاية فكف عثمان يده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أرني المفتاح يا عثمان } فبسط يده يعطيه فقال العباس مثل كلمته الأولى فكف عثمان يده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { يا عثمان إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فهاته } فقال هاك أمانة الله قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتح باب الكعبة فوجد في الكعبة تمثال إبراهيم عليه الصلاة السلام معه القداح } يستقسم بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ما للمشركين قاتلهم الله وما شأن إبراهيم وشأن القداح { ثم دعا بحفنة فيها ماء فأخذ ماء فغمسه فيه ثم غمس به تلك التماثيل وأخرج مقام إبراهيم وكان في الكعبة فألزقه في حائط الكعبة ثم قال { يا أيها الناس هذه القبلة } قال: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت شوطا أو شوطين ثم نزل عليه جبريل فيما ذكر لنا برد المفتاح ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } حتى فرغ من الآية وهذا من المشهورات أن هذه الآية نزلت في دلك وسواء كانت نزلت في ذلك أو لا فحكمها عام ولهذا قال ابن عباس ومحمد بن الحنفية: هي للبر الفاجر أي هي أمر لكل أحد. وقوله { وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل } أمر منه تعالى بالحكم بالعدل بين الناس ولهذا قال محمد بن كعب وزيد بن أسلم وشهر بن حوشب إن هذه الآية إنما نزلت في الأمراء يعني الحكام بين الناس وفي الحديث { إن الله مع الحاكم ما لم يجر فإذا جار وكله إلى نفسه } وفي الأثر { عدل يوم كعبادة أربعين سنة } وقوله { إن الله نعم ا يعظكم به } أي يأمركم به من أداء الأمانات والحكم بالعدل بين الناس بغير ذلك من أوامره وشرائعه الكاملة العظيمة الشاملة وقوله تعالى { إن الله كان سميعا بصيرا أي سميعا } لأقوالكم بصيرا بأفعالكم. كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة حدثنا يحيى بن عبدالله بن بكير حدثنا عبدالله بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه الآية { سميعا بصيرا } يقول بكل شيء بصير وفد قال أبن أبي حاتم حدثنا يحيى القزويني أنبأنا المقري يعني أبا عبدالرحمن عبدالله بن يزيد حدثنا حرملة يعني ابن عمران التجبيبي المصري حدثني أبو يونس سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها إلى قوله إن الله نعما يعظكم به إن { الله كان سميعا بصيرا } ويضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه ويقول: هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها ويضع أصبعيه وقال أبو زكريا وصفه لنا المقري ووضع أبو زكريا إبهامه اليمنى على عينه اليمنى والتي تليها على الأذن اليمنى وأرانا فقال هكذا وهكذا. رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وابن مردوية في تفسيره من حديث أبي عبدالرحمن المقري بإسناده نحوه وأبو يونس هذا مولى أبى هريرة واسمه سليم بن جبير.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا
    +/- -/+  
الأية
59
 
قال البخاري: حدثنا صدقة بن الفضل حدثنا حجاج بن محمد الأعور عن ابن جريج عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } قال: نزلت في عبدالله بن حذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية وهكذا أخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجه من حديث حجاج بن محمد الأعور به وقال الترمذي حديث حسن غريب ولا نعرفه إلا من حديث ابن جريج وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبى عبدالرحمن السلمي عن علي قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية واستعمل عليهم رجلا من الأنصار فلما خرجوا وجد عليهم في شيء قال: فقال لهم: أليس قد أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني؟ قالوا بلى. قال: فاجمعوا لي حطبا. ثم دعا بنار فأضرمها فيها ثم قال: عزمت عليكم لتدخلنها قال: فقال لهم شاب منهم إنما فررتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار فلا تعجلوا حتى تلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها قال فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال لهم { لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا إنما الطاعة في المعروف } أخرجاه في الصحيحين من حديث الأعمش به. وقال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيدالله حدثنا نافع عن عبدالله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة } وأخرجاه من حديث يحيى القطان. وعن عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله قال { إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان } أخرجاه. وفي الحديث الآخر عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { اسمعوا وأطيعوا وإن أمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة } رواه البخاري وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا حبشيا مجدوع الأطراف. رواه مسلم وعن أم الحصين أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع يقول { ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله اسمعوا له وأطيعوا } رواه مسلم وفي لفظ له { عبدا حبشيا مجدوعا } وقال ابن جرير: حدثني علي بن مسلم الطوسي حدثنا ابن أبي فديك حدثني عبدالله بن محمد بن عروة عن هشام بن عروة عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { سيليكم ولاة بعدي فيليكم البر ببره والفاجر بفجوره فاسمعوا لهم وأطيعوا في كل ما وافق الحق وصلوا وراءهم فإن أحسنوا فلكم ولهم وإن أساءوا فلكم وعليهم } وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وسيكون خلفاء فيكثرون قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: { أوفوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم } أخرجاه. وعن أبن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من رأى من أميره شيئا فكرهه فليصبر فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهلية } أخرجاه. وعن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { من خلع يدا من طاعة لقى الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية } رواه مسلم. وروى مسلم أيضا عن عبدالرحمن بن عبدرب الكعبة قال: دخلت المسجد فإذا عبدالله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة والناس مجتمعون عليه فأتيتهم فجلست إليه فقال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلا فمنا من يصلح خباءه ومنا من ينتضل ومنا من هو في جشره إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه لم يكن نبي من قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم وإن هذه الأمة جعلت عافيتهـا في أولها وسيصيب آخرها بلاء وأمور ينكرونها وتجيء فتن يرفق بعضها بعضا وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة فؤاده فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر قال فدنوت منه فقلت: أنشدك بالله آنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه وقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي; فقلت له: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل بعضا بعضا والله تعالى يقول { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما } قال: فسكت ساعة ثم قال: أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله. والأحاديث في هذا كثيرة. وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن الحسين حدثنا أحمد بن الفضل حدثنا أسباط عن السدي في قوله { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } قال: بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم سرية عليها خالد بن الوليد وفيها عمار بن ياسر فساروا قبل القوم الذين يريدون فلما بلغوا قريبا منهم عرسوا وأتاهم ذو العينتين فأخبرهم فأصبحوا وقد هربوا غير رجل أمر أهله فجمعوا متاعهم ثم أقبل يمشي في ظلمة الليل حتى أتى عسكر خالد فسأل عن عمار بن ياسر فأتاه فقال: يا أبا اليقظان إنى قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله لأن قومي لما سمعوا بكم هربوا وإنى بقيت فهل إسلامي نافعي غدا إلا هربت؟ قال عمار: بل هو ينفعك فأقم فأقام. فلما أصبحوا أغار خالد فلم يجد أحدا غير الرجل فأخذه وأخذ ماله فبلغ عمارا الخبر فأتى خالدا فقال: خل عن الرجل فإنه قد أسلم وإنه في أمان مني فقال خالد: وفيم أنت تجير؟ فاستبا وارتفعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأجاز أمان عمار ونهاه أن يجير الثانية على أمير فاستبا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال خالد يا رسول الله أتترك هذا العبد الأجدع يسبني فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم { يا خالد لا تسب عمارا فإنه من سب عمارا يسبه الله; ومن يبغض عمارا يبغضه الله }; ومن يلعن عمارا لعنه الله } فغضب عمار فقام فتبعه خالد فأخذ بثوبه فاعتذر إليه فرضي عنه فأنزل الله عز وجل قوله { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } وهكذا رواه ابن أبي حاتم من طريق عن السدي مرسلا ورواه ابن مردويه من رواية الحكم بن ظهير عن السدي عن أبي صالح عن ابن عباس فذكره بنحوه والله أعلم. وقال على بن أبي طلحة عن ابن عباس { وأولي الأمر منكم } يعني أهل الفقه والدين وكذا قال مجاهد وعطاء والحسن البصري وأبو العالية { وأولي الأمر منكم } يعني العلماء والظاهر والله أعلم أنها عامة في كل أولي الأمر من الأمراء والعلماء كما تقدم. وقال تعالى { لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت { وقال تعالى { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } وفي الحديث الصحيح المتفق على صحته عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصا الله ومن أطاع أمري فقد أطاعني ومن عصا أميري فقد عصاني } فهذه أوامر بطاعة العلماء والأمراء ولهذا قال تعالى { أطيعوا الله } أي اتبعوا كتابه وأطيعوا الرسول أي خذوا بسنته وأولي الأمر منكم أي فيما أمروكم به من طاعة الله لا في معصية الله فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله كما تقدم في الحديث الصحيح { إنما الطاعة في المعروف { وقال الإمام أحمد حدثنا عبدالرحمن حدثنا همام حدثنا قتادة عن ابن حريث عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا طاعة في معصية الله }. وقوله { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } قال مجاهد وغير واحد من السلف أي إلى كتاب الله وسنة رسوله. وهذا أمر من الله عز وجل { بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة كما قال تعالى وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله فما حكم به الكتاب والسنة وشهدا له بالصحة فهو الحق وماذا بعد الحق إلا الضلال ولهذا قال تعالى { إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } أي ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر فدل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما في ذلك فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر وقوله { ذلك خير أي التحاكم إلى كتاب الله } وسنة رسوله والرجوع إليهما في فصل النزاع خير وأحسن تأويلا أي وأحسن عاقبة ومآلا كما قاله السدي وغير واحد. وقال مجاهد: وأحسن جزاء وهو قريب.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا
    +/- -/+  
الأية
60
 
هذا إنكار من الله عز وجل على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله كما ذكر في سبب نزول هذه الآية أنها في رجل من الأنصار ورجل من اليهود تخاصما فجعل اليهودي يقول بيني وبينك محمد وذاك يقول بيني وبينك كعب بن الأشرف. وقيل في جماعة من المنافقين ممن أظهروا الإسلام أرادوا أن يتحاكموا إلى حكام الجاهلية. وقيل غير ذلك والآية أعم من ذلك كله فإنها ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل وهو المراد بالطاغوت هنا ولهذا قال { يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت } إلى آخرها.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا
    +/- -/+  
الأية
61
 
وقوله { ويصدون عنك صدودا } أي يعرضون عنك إعراضا كالمستكبرين عن ذلك كما قال تعالى عن المشركين { وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا } وهؤلاء بخلاف المؤمنين الذين قال الله فيهم { إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا } الآية.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا
    +/- -/+  
الأية
62
 
ثم قال تعالى في ذم المنافقين { فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم } أي فكيف بهم إذا ساقتهم المقادير إليك في مصائب تطرقهم بسبب ذنوبهم واحتاجوا إليك في لك { ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا } أي يعتذرون إليك ويحلفون ما أردنا بذهابنا إلى غيرك وتحاكمنا إلى أعدائك إلا الإحسان والتوفيق أي المداراة والمصانعة لا اعتقادا منا صحة تلك الحكومة كما أخبرنا تعالى عنهم في قوله { فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى -إلى قوله - فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين وقد قال الطبراني: حدثنا أبو زيد أحمد بن يزيد الحوطي حدثنا أبو اليمان حدثنا صفوان بن عمر عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان أبو برزه الأسلمي كاهنا يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه فتنافر إليه ناس من المشركين فأنزل الله عز وجل { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قلبك إلى قوله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا
    +/- -/+  
الأية
63
 
ثم قال تعالى { أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم } هذا الضرب من الناس هم المنافقون والله يعلم ما في قلوبهم وسيجزيهم على ذلك فإنه لا تخفى عليه خافية فاكتف به يا محمد فيهم فإنه عالم بظواهرهم وبواطنهم. ولهذا قال له { فأعرض عنهم } أي لا تعنفهم على ما في قلوبهم { وعظهم } أي وانههم عما في قلوبهم من النفاق وسرائر الشر { وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا } أي وانصحهم فيما بينك وبينهم بكلام بليغ رادع لهم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا
    +/- -/+  
الأية
64
 
يقول تعالى { وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع } أي فرضت طاعته على من أرسل إليهم وقوله { بإذن الله } قال مجاهد: أي لا يطيع أحد إلا بإذني يعني لا يطيعه إلا من وفقته لذلك قوله { ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه } أي عن أمره وقدره ومشيئته وتسليطه إياكم عليهم وقوله { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم } الآية يرشد تعالى العصاة والمذنبين إذا وقع منهم الخطأ والعصيان أن يأتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيستغفروا الله عنده ويسألوه أن يستغفر لهم فإنهم إذا فعلوا ذلك تاب الله عليهم ورحمهم وغفر لهم ولهذا قال { لو جدوا الله توابا رحيما } وقد ذكر جماعة منهم الشيخ أبو منصور الصباغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العتبي قال: كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما } وقد جئتك مستغفرا لذنبي مستشفعا بك إلى ربي ثم أنشأ يقول: يا خير من دفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيبهن القـاع والأكـم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنـه فيه العفاف وفيه الجود والكرم ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النوم فقال: يا عتبي الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
    +/- -/+  
الأية
65
 
وقوله { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا ولهذا قال { ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } أي إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حكمت به وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليما كليا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة كما ورد في الحديث { والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به } وقال البخاري: حدثنا علي بن عبدالله حدثنا محمد بن جعفر حدثنا معمر عن الزهري عن عروة قال: خاصم الزبير رجل ا في شراج الحرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم { اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك } فقال الأنصاري: يا رسول الله إن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال { اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ثم أرسل الماء إلى جارك } فاستوعى النبي صلى الله عليه وسلم وسلم للزبير حقه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاري وكان أشار عليهما صلى الله عليه وسلم بأمر لهما فيه سعة قال الزبير: فما أحسب هذه الآية إلا نزلت في ذلك { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } الآية. هكذا رواه البخاري ههنا أعني في كتاب التفسير في صحيحه من حديث معمر وفي كتاب الشرب من حديث ابن جريج ومعمر أيضا وفي كتاب الصلح من حديث شعيب بن أبى حمزة ثلاثتهم عن الزهري عن عروة فذكره وصورة صورته الإرسال وهو متصل في المعنى وقد رواه الإمام أحمد من هذا الوجه فصرح بالإرسال فقال: حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب عن الزهري أخبرني عروة بن الزبير أن الزبير كان يحدث أنه كان يخاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا إلى النبي صلى اله عليه وسلم في شراج الحرة كان يسقيان بها كلاهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم للزبير { اسق ثم أرسل إلى جارك } فغضب الأنصاري وقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال { اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر } فاستوعى النبي صلى الله عليه وسلم الزبير حقه وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه سعة له وللأنصاري فلما أحفظ الأنصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم استوعى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير حقه في صريح الحكم ثم قال: قال عروة فقال الزبير: والله ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } هكذا رواه الإمام أحمد وهو منقطع بين عروة وبين أبيه الزبير فانه لم يسمع منه والذي يقطع به أنه سمعه من أخيه عبدالله فإن أبا محمد عبدالرحمن بن أبي حاتم رواه كذلك في تفسيره فقال: حدثنا يونس بن عبدالأعلى حدثنا ابن وهب أخبرني الليث ويونس عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه أن عبدالله بن الزبير حدثه عن الزبير بن العوام أنه خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج في الحرة كانا يسقيان به كلاهما النخل فقال الأنصاري: سرح الماء يمر فأبى عليه الزبير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك } فغضب الأنصاري وقال: يا رسول الله إن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال { اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر } واستوعى رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير حقه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه السعة له وللأنصاري فلما أحفظ الأنصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم استوعى للزبير حقه في صريح الحكم فقال الزبير: ما أحسب هذه الآية إلا في ذلك { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا منا قضيت ويسلموا تسليما } وهكذا رواه النسائي من حديث ابن وهب به ورواه أحمد والجماعة كلهم من حديث الليث به وجعله أصحاب الأطراف في مسند عبدالله بن الزبير وكذا ساقه الإمام أحمد في مسند عبدالله بن الزبير والله أعلم. والعجب كل العجب من الحاكم أبي عبدالله النيسابوري فإنه روى هذا الحديث من طريق ابن أخي ابن شهاب عن عمه عن عروة عن عبدالله بن الزبير عن الزبير فذكره ثم قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. فإني لا أعلم أحدأ أقام بهذا الإسناد عن الزهري بذكر عبدالله بن الزبير غير ابن أخيه وهو عنه ضعيف وقال الحافظ أبو بكر بن مردوية حدثنا محمد بن علي أبو دحيم حدثنا أحمد بن حازم حدثنا الفضل بن دكين حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سلمة رجل من آل أبي سلمة قال: خاصم الزبير رجلا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى للزبير فقال الرجل له: إنما قضى له لأنه ابن عمته. فنزلت فلا وربك لا يؤمنون الآية وقال ابن أبى حاتم حدثنا أبي حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا أبو حيوة حدثنا سعيد بن عبدالعزيز عن الزهري عن سعيد بن المسيب في قوله { فلا وربك لا يؤمنون } قال: نزلت في الزبير بن العوام وحاطب بن أبي بلتعة اختصما في ماء فقضى النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم أن يسقي الأعلى ثم الأسفل هذا مرسل ولكن فيه فائدة تسمية الأنصاري { وذكر سبب آخر غريب جدا } قال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبدالأعلى قراءة أخبرنا ابن وهب أخبرني عبدالله بن لهيعة عن أبي الأسود قال: اختصم رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى بينهما فقال المقضى عليه: ردنا إلى عمر بن الخطاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { نعم انطلقا إليه } فلما أتيا إليه فقال الرجل: يا ابن الخطاب قضى لي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا فقال ردنا إلى عمر بن الخطاب فردنا إليك فقال أكذاك؟ قال نعم فقال عمر: مكانكما حتى أخرج إليكما فأقضي بينكما فخرج إليهما مشتملا على سيفه فضرب الذي قال ردنا إلى عمر فقتله وأدبر الآخر فأتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله قتل عمر والله صاحبي ولولا أنى أعجزته لقتلني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ما كنت أظن أن يجترئ عمر على قتل مؤمن } فأنزل الله { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك } الآية فهدر دم ذلك الرجل وبريء عمر من قتله فكره الله أن يسن ذلك بعد فأنزل { ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم } الآية وكذا رواه ابن مردوية من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود به وهو أثر غريب مرسل وابن لهيعة ضعيف والله أعلم. { طريق أخرى } قال الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن عبدالرحمن بن إبراهيم بن دحيم في تفسيره: حدثنا شعيب بن شعيب حدثنا أبو المغيرة حدثنا عتبة بن ضمرة حدثني أبي أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى للمحق على المبطل فقال المقضى عليه لا أرضى؟ فقال صاحبه فما تريد قال: أن تذهب إلى أبي بكر الصديق فذهبا إليه فقال الذي قضى له: قد اختصمناه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى لي فقال أبن بكر: أنتما على ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى صاحبه أن يرضى فقال نأتي عمر بن الخطاب فقال المقضى له: قد اختصمنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى لي عليه فأبى أن يرضى فسأله عمر بن الخطاب فقال كذلك فدخل عمر منزله وخرج والسيف في يده قد سله فضرب به رأس الذي أبى أن يرضى فقتله فأنزل الله { فلا وربك لا يؤمنون } الآية.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ ۖ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا
    +/- -/+  
الأية
66
 
يخبر تعالى عن أكثر الناس أنهم لو أمروا بما هم مرتكبونه من المناهي لما فعلوه لأن طباعهم الرديئة مجبولة على مخالفة الأمر وهذا من علمه تبارك وتعالى بما لم يكن أو كان فكيف كان يكون ولهذا قال تعالى{ ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم } الآية قال ابن جرير: حدثني المثنى حدثني إسحاق الأزهر عن إسماعيل عن أبي إسحاق السبيعي قال: لما نزلت { ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم } الآية قال رجل: لو أمرنا لفعلنا والحمد لله الذي عافانا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: { إن من أمتي لرجالا الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي } وقال ابن أبي حاتم: حدثنا جعفر بن منير حدثنا روح حدثنا هشام عن الحسن بإسناده عن الأعمش قال: لما نزلت { ولو أنا كتينا عليهم أن اقتلوا أنفسكم } الآية. قال أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لو فعل ربنا لفعلنا فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال { للإيمان أثبت في قلوب أهله من الجبال الرواسي } وقال السدي: افتخر ثابت بن قيس بن شماس ورجل من اليهود فقال اليهودي والله لقد كتب الله علينا القتل فقتلنا أنفسنا فقال ثابت { والله لو كتب علينا أن اقتلوا أنفسكم لفعلنا } فأنزل الله هذه الآية رواه ابن أبي حاتم. حدثنا أبي حدثنا محمود بن غيلان حدثنا بشر بن السري حدثنا مصعب بن ثابت عن عمه عامر بن عبدالله بن الزبير قال: لما نزلت { ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم } ما فعلوه إلا قليل منهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لو نزلت لكان ابن أم عبد منهم } وحدثنا أبي حدثنا أبو اليمان حدثنا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن شريح بن عبيد قال: لما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم } الآية أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى عبدالله بن رواحة فقال { لو أن الله كتب ذلك لكان هذا من أولئك القليل } يعني ابن رواحة ولهذا قال تعالى { ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به أي ولو أنهم فعلوا ما } يؤمرون به وتركوا ما ينهون عنه لكان خيرا لهم أي من مخالفة الأمر وارتكاب النهي { وأشد تثبيتا } قال السدي: أي وأشد تصديقا.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا
    +/- -/+  
 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا
    +/- -/+  
 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا
    +/- -/+  
الأية
69
 
ثم قال تعالى أي من عمل بما أمره الله به ورسوله وترك ما نهاه الله عنه ورسوله فإن الله عز وجل يسكنه دار كرامته ويجعله مرافقا للأنبياء ثم لمن بعدهم في الرتبة وهم الصديقون ثم الشهداء ثم عموم المؤمنين وهم الصالحون الذين صلحت سرائرهم وعلانيتهم ثم أثنى عليهم تعالى فقال وحسن أولئك رفيقا وقال البخاري: حدثنا محمد بن عبدالله بن حوشب حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عروة عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { ما من نبي يمرض إلا خير بين الدنيا والأخرة } وكان في شكواه التي قبض فيها أخذته بحة شديدة فسمعته يقول { مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين } فعلمت أنه خير وكذا رواه مسلم من حديث شعبة عن سعد بن إبراهيم به وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر { اللهم الرفيق الأعلى } ثلاثا ثم قضى عليه أفضل الصلاة والتسليم. { ذكر سبب نزول هذه الآية الكريمة } قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد حدثنا يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محزون فقال له النبي صلى الله عليه وسلم { يا فلان مالي أراك محزونا } فقال يا نبي الله شيء فكرت فيه فقال ما هو؟ قال نحن نغدو عليك ونروح ننظر إلى وجهك ونجالسك وغدا ترفع مع النبيين فلا نصل إليك فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فأتاه جبريل بهذه الآية } ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين { الآية فبعث النبي صلى الله عليه وسلم فبشره. وقد روي هذا الأثر مرسلا عن مسروق وعن عكرمة وعامر الشعبي وقتادة وعن الربيع بن أنس وهو من أحسنها سندا قال ابن جرير: حدثنا المثنى حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع قوله ومن يطع الله والرسول الآية قال: إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: قد علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم له فضل على من آمن به في درجات الجنة ممن اتبعه وصدقه وكيف لهم إذا اجتمعوا في الجنة أن يرى بعضهم بعضا فأنزل الله في ذلك يعني هذه الآية فقال يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن الأعلين ينحدرون إلى من هو أسفل منهم فيجتمعون في رياض فيذكرون ما أنعم الله عليهم ويثنون عليه وينزل لهم أهل الدجات فيسعون عليهم بما يشتهون وما يدعون به فهم في روضة يحبرون ويتنعمون فيه } وقد روي مرفوعا من وجه آخر فقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا عبدالرحيم بن محمد بن مسلم حدثنا إسماعيل بن أحمد بن أسيد حدثنا عبدالله بن عمران حدثنا فضيل بن عياض عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: إنك لأحب إلي من نفسي وأحب إلي من أهلي وأحب إلي من ولدي وإنى لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وإن دخلت الجنة خشيت أن لا أراك فلم يرد عليه النبي صلى حتى نزلت عليه ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وهكذا رواه الحافظ أبو عبدالله المقدسي في كتابه في صفة الجنة من طريق الطبراني عن أحمد بن عمرو بن مسلم الخلال عن عبدالله بن عمران العابدي به ثم قال: لا أرى بإسناده بأسا والله أعلم. وقال ابن مردوية أيضا: حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا العباس بن الفضل الإسقاطي حدثنا أبو بكر بن ثابت عن ابن عباس البصري حدثنا خالد بن عبدالله عن عطاء بن السائب عن عامر الشعبي عن ابن عباس أن رجلا أتى النبي صلى فقال: يا رسول الله إني لأحبك حتى إني لأذكرك في المنزل فيشق ذلك على وأحب أن أكون معك في الدرجة فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فأنزل الله عز وجل هذه الآية. وقد رواه ابن جرير عن ابن حميد عن جرير عن عطاء الشعبي مرسلا. وثبت في صحيح مسلم من حديث عقل بن زياد عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن ربيعة بن كعب الأسلمي أنه قال: كنت أبيت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي: سل فقلت: يا رسول الله أسألك مرافقتك في الجنة فقال أو غير ذلك قلت: هو ذاك قال { فأعني على نفسك بكثرة السجود } وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق أخبرنا ابن لهيعة عن عبدالله بن أبي جعفر عن عيسى بن طلحة عن عمرو بن مرة الجهني قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وصليت الخمس وأديت زكاة مالي وصمت شهر رمضان فقال رسول الله صلى { من مات على ذلك كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة هكذا - ونصب أصبعيه - ما لم يعق والديه } تفرد به أحمد. قال الإمام أحمد أيضا: حدثنا أبو سعيد مولى أبي هاشم حدثنا ابن لهيعة عن زياد بن قائد عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من قرأ ألف آية في سبيل الله كتب يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا إن شاء الله } وروى الترمذي من طريق سفيان الثوري عن أبي حمزة عن الحسن البصري عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء } ثم قال: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه وأبو حمزة اسمه عبدالله بن جابر شيخ بصرى. وأعظم من هذا كله بشارة ما ثبت في الصحيح والمسانيد وغيرهما من طرق متواترة عن جماعة من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يحب القوم ولم يلحق بهم فقال { المرء مع من أحب } قال أنس: فما فرح المسلمون فرحهم بهذا الحديث. وفي رواية عن أنس أنه قال: إنى لأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وأرجو أن الله يبعثني معهم وإن لم أعمل كعملهم. قال الإمام مالك بن أنس عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم } قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال { بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين } أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك واللفظ لمسلم ورواه الإمام أحمد حدثنا فزارة أخبرني فليح عن هلال يعني ابن علي عن عطاء عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { إن أهل الجنة ليتراءون في الجنة كما تراءون - أو ترون - الكوكب الدري الغابر في الأفق الطالع في تفاضل الدرجات } قالوا: يا رسول الله أولئك النبيون قال { بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين } قال الحافظ الضياء المقدسي: هذا الحديث على شرط البخاري والله أعلم. وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير: حدثنا علي بن عبدالعزيز حدثنا محمد بن عمار الموصلي حدثنا علي بن عفيف بن سالم عن أيوب عن عتبة عن عطاء عن ابن عمر قال: أتى رجل من الحبشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم { سل واستفهم } فقال: يا رسول الله فضلتم علينا بالصور والألوان والنبوة ثم قال: أفرأيت إن آمنت بما آمنت به وعملت بما عملت به إني لكائن معك في الجنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { نعم والذي نفسي بيده أنه ليضيء بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام } ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من قال لا إله إلا الله كان له بها عهد عند الله ومن قال سبحان الله وبحمده كتب له بها مائة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة } فقال رجل: كيف نهلك بعد هذا يا رسول الله؟ فقال رسول الله: { إن الرجل ليأتي يوم القيامة بالعمل لو وضع على جبل لأثقله فتقوم النعمة من نعم الله فتكاد أن تستنفد ذلك كله إلا أن يتغمده الله برحمته } ونزلت هذه الآيات هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا - إلى قوله - نعيما وملكا كبيرا فقال الحبشي: وإن عيني لتريان ما ترى عيناك في الجنة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { نعم } فاستبكى حتى فاضت نفسه قال ابن عمر: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدليه في حفرته بيديه فيه غرابة ونكارة وسنده ضعيف.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
ذَٰلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللهِ عَلِيمًا
    +/- -/+  
الأية
70
 
ولهذا قال تعالى ذلك الفضل من الله أي من عند الله برحمته وهو الذي أهلهم لذلك لا بأعمالهم { وكفى بالله عليما } أى هو عليم بمن يستحق الهداية والتوفيق.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا
    +/- -/+  
الأية
71
 
يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بأخذ الحذر من عدوهم وهذا يستلزم التأهب لهم بإعداد الأسلحة والعدد وتكثير العدد بالنفير في سبيل الله ثبات أي جماعة بعد جماعة وفرقة بعد فرقة وسرية بعد سرية والثبات جمع ثبة وقد تجمع الثبة على ثبين قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله{ فانفروا ثبات } أي عصبا يعني سرايا متفرقين { أو انفروا جميعا } يعني كلكم وكذا روى عن مجاهد وعكرمة والسدي وقتادة والضحاك وعطاء الخراساني ومقاتل بن حيان وخصيف الجزري.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا
    +/- -/+  
الأية
72
 
وقوله تعالى { وإن منكم لمن ليبطئن } قال مجاهد وغير واحد نزلت في المنافقين وقال مقاتل بن حيان: { ليبطئن } أي ليتخلفن عن الجهاد ويحتمل أن يكون المراد أنه يتباطأ هو في نفسه ويبطئ غيره عن الجهاد كما كان عبدالله بن أبي سلول قبحه الله يفعل يتأخر عن الجهاد ويثبط الناس عن الخروج فيه وهذا قول ابن جريج وابن جرير ولهذا قال تعالى إخبارا عن المنافق أنه يقول إذا تأخر عن الجهاد { فإن أصابتكم مصيبة } أي قتل وشهادة وغلب العدو لكم لما لله في ذلك من الحكمة قال } قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا } أي إذ لم أحضر معهم وقعة القتال بعد ذلك من نعم الله عليه ولم يدر ما فاته من الأجر في الصبر أو الشهادة إن قتل.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا
    +/- -/+  
الأية
73
 
{ ولئن أصابكم فضل من الله } أي نصر وظفر وغنيمة { ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة } أي كأنه ليس من أهل دينكم { يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما } أي بأن يضرب لي بسهم معهم فأحصل عليه وهو أكبر قصده وغاية مراده.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ۚ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا
    +/- -/+  
الأية
74
 
ثم قال تعالى { فليقاتل } أي المؤمن النافر } في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة } أي يبيعون دينهم بعرض قليل من الدنيا وما ذلك إلا لكفرهم وعدم إيمانهم ثم قال تعالى { ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما } أي كل من قاتل في سبيل الله سواء قتل أو غلب فله عند الله مثوبة عظيمة وأجر جزيل كما ثبت في الصحيحين وتكفل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه بما نال من أجر أو غنيمة.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا
    +/- -/+  
الأية
75
 
يحرض تعالى عباده المؤمنين على الجهاد في سبيله وعلى السعي في استنقاذ المستضعفين بمكة من الرجال والنساء والصبيان المتبرمين من المقام بها ولهذا قال تعالى { الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية } يعني مكة كقوله تعالى { وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك } ثم وصفها بقوله { الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا أي سخر لنا من عندك وليا ناصرا. قال البخاري: حدثنا عبدالله بن محمد حدثنا سفيان عن عبيد الله قال: سمعت ابن عباس قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين. حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن ابن أبي مليكة أن ابن عباس تلا إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان قال: كنت أنا وأمي ممن عذر الله عز وجل.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا
    +/- -/+  
الأية
76
 
ثم قال تعالى الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت أى المؤمنون يقاتلون في طاعة الله ورضوانه والكافرون يقاتلون في طاعة الشيطان ثم هيج تعالى المؤمنين على قتال أعدائه بقوله { فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيف.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ۚ وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ ۗ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا
    +/- -/+  
الأية
77
 
كان المؤمنون في ابتداء الإسلام وهم بمكة مأمورين بالصلاة والزكاة وإن لم تكن ذات النصب وكانوا مأمورين بمواساة الفقراء منهم وكانوا مأمورين بالصفح والعفو عن المشركين والصبر إلى حين وكانوا يتحرقون ويودون لو أمروا بالقتال ليشتفوا من أعدائهم ولم يكن الحال إذ ذاك مناسبا لأسباب كثيرة منها قلة عددهم بالنسبة إلى كثرة عدد عدوهم ومنها كونهم كانوا في بلدهم وهو بلد حرام وأشرف بقاع الأرض فلم يكن الأمر بالقتال فيه ابتداء كما يقال فلهذا لم يؤمر بالجهاد إلا بالمدينة لما صارت لهم دار ومنعة وأنصار ومع هذا لما أمروا بما كانوا يودونه جزع بعضهم منه وخافوا من مواجهة الناس خوفا شديدا وقالوا { ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب } أي لولا أخرت فرضه إلى مدة أخرى فإن فيه سفك الدماء ويتم الأولاد وتأيم النساء وهذه الآية كقوله تعالى { ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال } الآيات. قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين حدثنا محمد بن عبدالعزيز عن أبي زرعة وعلى بن رمحة قالا: حدثنا على بن الحسن عن الحسين بن واقد عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس أن عبدالرحمن بن عوف وأصحابه أتوا النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فقالوا: يا نبي الله كنا في عزة ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلة قال { إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم } فلما حوله الله إلى المدينة أمره بالقتال فكفوا فأنزل الله { ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم } الأية ورواه النسائي والحاكم وابن مردويه من حديث على بن الحسن بن شقيق به وقال أسباط عن السدي لم يكن عليهم إلا الصلاة والزكاة فسألوا الله أن يفرض عليهم القتال فلما فرض عليهم القتال { إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب } وهو الموت قال الله تعالى { قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى } وقال مجاهد إن هذه الآية نزلت في اليهود رواه ابن جرير وقوله قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى أي آخرة المتقي خير من دنياه { ولا تظلمون فتيلا } أي من أعمالكم بل توفونها أتم الجزاء وهذه تسلية لهم عن الدنيا وترغيب لهم في الآخرة وتحريض لهم على الجهاد. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا عبدالرحمن بن مهدي حدثنا حماد بن زيد عن هشام قال: قرأ الحسن { قل متاع الدنيا } قليل قال: رحم الله عبدا صحبها على حسب ذلك وما الدنيا كلها أولها وآخرها إلا كرجل نام نومة فرأى في منامه بعض ما يحب ثم انتبه. وقال ابن معين: كان أبو مصهر ينشد: ولا خير في الدنيا لمن لم يكن له من الله في دار المقام نصيب فإن تعجب الدنيا رجالا فإنهـــا مـتاع قليل والـزوال قـريـب .

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ۗ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ ۖ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِنْدِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ ۖ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا
    +/- -/+  
الأية
78
 
وقوله تعالى { أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة } أي أنتم صائرون إلى الموت لا محاله ولا ينجو منه أحد منكم كما قال تعالى { كل من عليها فان } الآية وقال تعالى { كل نفس ذائقة الموت } وقال تعالى { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد } والمقصود أن كل أحد صائر إلى الموت لا محالة ولا ينجيه من ذلك شيء سواء جاهد أو لم يجاهد فإن له أجلا محتوما ومقاما مقسوما كما قال خالد بن الوليد حين جاء الموت على فراشه: لهد شهدت كذا وكذا موقفا وما من عضو من أعضائي إلا وفيه جرح من طعنة أو رمية وها أنا أموت على فراشي فلا نامت أعين الجبناء وقوله { ولو كنتم في بروج مشيدة } أي حصينة منيعة عالية رفيعة وقيل هي بروج في السماء قاله السدي وهو ضعيف والصحيح أنها المنيعة أي لا يغنى حذر وتحصن من الموت كما قال زهير بن أبي سلمى: ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ولو رام أسباب السماء بسلم ثم قيل: المشيدة هي المشيدة كما قال وقصر مشيد وقيل بل بينهما فرق وهو أن المشيدة بالتشديد هي المطولة وبالتخفيف هي المزينة بالشيد وهو الجص وقد ذكر ابن جرير وابن أبي حاتم ههنا حكاية مطولة عن مجاهد أنه ذكر أن امرأة فيمن كان قبلنا أخذها الطلق فأمرت أجيرها أن يأتيها بنار فخرح فإذا هو برجل واقف على الباب فقال: ما ولدت المرأة فقال جارية فقال أما إنها ستزني بمائة رجل ثم يتزوجها أجيرها ويكون موتها بالعنكبوت. قال فكر راجعا فبعج بطن الجارية بسكين فشقه ثم ذهب هاربا وظن أنها قد ماتت فخاطت أمها بطنها فبرئت وشبت وترعرعت ونشأت أحسن امرأة ببلدتها فذهب ذاك الأجير ما ذهب ودخل البحور فاقتنى أموالا جزيلة ثم رجع إلى بلده وأراد التزوج فقال لعجوز أريد أن أتزوج بأحسن امرأة بهذه البلدة فقالت ليس ههنا أحسن من فلانة فقال اخطبيها علي فذهبت إليها فأجابت فدخل بها فأعجبته إعجابا شديدا فسألته عن أمره ومن أين مقدمه فأخبرها خبره وما كان من أمره في الجارية فقالت أنا هي وأرته مكان السكين فتحقق ذلك فقال لئن كنت إياها فلقد أخبرني باثنتين لا بد منهما { إحداهما } أنك قد زنيت بمائة رجل فقالت لقد كان شيء من ذلك ولكن لا أدري ما عددهم فقال هم مائة { والثاني } أنك تموتين بالعنكبوت فاتخذ لها قصرا منيعا شاهقا ليحرزها من ذلك فبينما هم يوما فإذا بالعنكبوت في السقف فأراها إياها فقالت أهذه التي تحذرها علي والله لا يقتلها إلا أنا فأنزلوها من السقف فعمدت إليها فوطئتها بإبهام رجلها فقتلتها فطار من سمها شيء فوفع بين ظفرها ولحمها واسودت رجلها فكان في ذلك أجلها فماتت ونذكر ههنا قصة صاحب الحضر وهو الساطرون لما احتال عليه سابور حتى حصره فيه وقتل من فيه بعد محاصرة سنتين. وقالت العرب في ذلك أشعارا منها: وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجـــ لة تجبى إليه والخـابور شـاده مـرمـرا وجـللـه كـلـــ سا فللطير في ذراه وكور لم تهبه أيدي المنون فباد الـ مـلك عنه فبابه مـهجـور ولما دخل على عثمان جعل يقول: اللهم اجمع أمة محمد ثم تمثل بقول الشاعر: أرى الموت لا يبقي عزيزا ولم يدع لعاد ملاذا في البلاد ومربعـا يبيت أهل الحصن والـحـصن مغلـق ويأتي الجبال في شماريخها معا قال ابن هشام وكان كسرى سابور ذو الأكتاف قتل الساطرون ملك الحضر وقال ابن هشام إن الذي قتل صاحب الحضر سابور بن أردشير بن بابك أول ملوك بني ساسان وأذل ملوك الطوائف ورد الملك إلى الأكاسرة فأما سابور ذو الأكتاف فهو من بعد ذلك بزمن طويل والله أعلم ذكره السهيلي قال ابن هشام: فحصره سنتين وذلك لأنه كان أغار على بلاد سابور في غيبته وهو في العراق وأشرفت بنت الساطرون وكان اسمها النضيرة فنظرت إلى سابور وعليه ثياب ديباج وعلى رأسه تاج من ذهب مكلل بالزبرجد والياقوت واللؤلؤ فدست إليه أن تتزوجني إن فتحت لك باب الحصن فقال نعم. فلما أمسى ساطرون شرب حتى سكر وكان لا يبيت إلا سكران فأخذت مفاتيح باب الحصن من تحت رأسة فبعثت بها مع مولى لها ففتح الباب ويقال دلتهم على طلسم كان في الحصن لا يفتح حتى تؤخذ حمامة ورقاء فتخضب رجلاها بحيض جارية بكر زرقاء ثم ترسل فإذا وقعت على سور الحصن سقط ذلك ففتح الباب ففعل ذلك فدخل سابور فقتل ساطرون واستباح الحصن وخربه وسار بها معه وتزوجها فبينما هي نائمة على فراشها ليلا إذ جعلت تتململ لا تنام فدعا لها بالشمع ففتش فراشها فوجد فيه ورقة آس فقال لها سابور: هذا الذي أسهرك فما كان أبوك يصنع بك؟ قالت: كان يفرش لي الديباج ويلبسني الحرير ويطعمني المخ ويسقيني الخمر قال الطبري كان يطعمني المخ والزبد وشهد أبكار النحل وصفو الخمر وذكر أنه كان يرى مخ ساقها قال فكان جزاء أبيك ما صنعت به أنت إلي بذاك أسرع ثم أمر بها فربطت قرون رأسها بذنب فرس فركض الفرس حتى قتلها وفيه يقول عدي بن زيد العبادي أبياته المشهورة السائرة: أيهـا الشامـت المعير بالـدهـ ـر أأنت المبرأ الموفـور أم لديك العهد الوثيق من الأيـ ـام بل أنت جاهل مـغرور من رأيت المـنون خـلـد أم مـن ذا عليه من أن يضام خفير أين كسرى كسرى الـملـوك أنوشـر وان أم أين قبلـه سابور وبنو الأصفر الكرام ملوك الـ ـروم لم يبق منهم مذكور وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجـلـة تجـبـى إلـيه والخابـور شاده مـرمـرا وجـلـلـه كـلـسا فـلـلـطير في ذراه وكور لـم يهـبه ريب الـمنـون فـباد المـلك عنه فبابه مهجور وتذكـر رب الخـورنق إذ أشـرف يـومــا وللـهـدى تفكير سـره مـالـه وكثرة مـا يمـلك والبحـر معرضـا والسدير فارعوى قلبه وقال فـمـا غبـ ـطة حـي إلى الممات يصير ثـم أضـحـوا كـأنهـم ورق جـف فألوت به الصبا والدبور ثـم بعد الفلاح والملك والأمـ ـة وارتهـم هنـاك القبور وقوله { وإن تصبهم حسنة } أي خصب ورزق من ثمار وزروع وأولاد ونحو ذلك هذا معنى قول ابن عباس وأبي العالية والسدي { يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة } أي قحط وجدب ونقص في الثمار والزروع أو موت أولاد أو نتاج أو غير ذلك كما يقوله أبو العالية والسدي يقولوا هذه من عندك أي من قبلك وبسبب اتباعنا لك واقتدائنا بدينك كما قال تعالى عن قوم فرعون { فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة } يطيروا بموسى ومن معه وكما قال تعالى{ ومن الناس من يعبد الله على حرف } الآية وهكذا قال { هؤلاء المنافقون الذين دخلوا في الإسلام ظاهرا } وهم كارهون له في نفس الأمر ولهذا إذا أصابهم شر إنما يسندونه إلى اتباعهم للنبي صلى وقال السدي وإن تصبهم حسنة قال والحسنة الخصب تنتج مواشيهم وخيولهم ويحسن حالهم وتلد نساؤهم الغلمان قالوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة والسيئة الجدب والضرر في أموالهم تشاءموا بمحمد صلى وقالوا هذه من عندك يقولون بتركنا ديننا واتباعنا محمدا أصابنا هذا البلاء فأنزل الله عز وجل قل كل من عند الله أي الجميع بقضاء الله وقدره وهو نافذ في البر والفاجر والمؤمن والكافر قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قل كل من عند الله أي الحسنة والسيئة وكذا قال الحسن البصري ثم قال تعالى منكرا على هؤلاء القائلين هذه المقالة الصادرة عن شك وريب وقلة فهم وعلم وكثرة جهل وظلم فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا. { ذكر حديث غريب يتعلق بقوله تعالى { قل كل من عند الله } قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا السكن بن سعيد حدثنا عمر بن يونس حدثنا إسماعيل بن حماد عن مقاتل بن حيان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر وعمر في قبيلتين من الناس وقد ارتفعت أصواتهما فجلس أبو بكر قريبا من النبي صلى الله عليه وسلم وجلس عمر قريبا من أبي بكر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لم ارتفعت أصواتكما { فقال رجل: يا رسول الله قال أبو بكر الحسنات من الله والسيئات من أنفسنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { فما قلت يا عمر: فقال: قلت الحسنات والسيئات من الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن أول من تكلم فيه جبريل وميكائيل فقال ميكائيل مقالتك يا أبا بكر وقال جبريل مقالتك يا عمر فقال { فيختلف أهل السماء وإن يختلف أهل السماء يختلف أهل الأرض } فتحاكما إلى إسرافيل فقضى بينهما أن الحسنات والسيئات من الله. ثم أقبل على أبي بكر وعمر فقال { احفظا قضائي بينكما لو أراد الله أن لا يعصى لما خلق إبليس }. قال شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس ابن تيمية هذا حديث موضوع مختلق باتفاق أهل المعرفة.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ۚ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا ۚ وَكَفَىٰ بِاللهِ شَهِيدًا
    +/- -/+  
الأية
79
 
ثم قال تعالى مخاطبا لرسوله صلى الله عليه وسلم والمراد جنس الإنسان ليحصل الجواب { ما أصابك من حسنة فمن الله } أي من فضل الله ومنته ولطفه ورحمته { وما أصابك من سيئة فمن نفسك } أي فمن قبلك ومن عملك أنت كما قال تعالى{ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } قال السدي والحسن البصري ي وابن جريج وابن زيد { فمن نفسك } أي بذنبك وقال قتادة في الآية { فمن نفسك } عقوبة لك يا ابن آدم بذنبك. قال: وذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا يصيب رجلا خدش عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو الله أكثر } وهذا الذي أرسله قتادة قد روي متصلا في الصحيح { والذي نفسي بيده لا يصيب المؤمن هم ولا حزن ولا نصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله عنه بها من خطاياه } وقال أبو صالح { وما أصابك من سيئة فمن نفسك{ أي بذنبك وأنا الذي قدرتها عليك رواه ابن جرير وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عمار حدثنا سهل بن بكار حدثنا الأسود بن شيبان حدثني عقبة بن واصل ابن أخي مطرف عن مطرف بن عبدالله قال: ما تريدون من القدر أما تكفيكم الآية التي في سورة النساء { وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولون هذه من عندك } أي من نفسك والله ما وكلوا إلى القدر وقد أمروا وإليه يصيرون وهذا كلام متين قوي في الرد على القدرية والجبرية أيضا ولبسطه موضع آخر وقوله تعالى { وأرسلناك للناس رسولا } أي تبلغهم شرائع الله وما يحبه الله ويرضاه وما يكرهه ويأباه{ وكفى بالله شهيدا } أي على أنه أرسلك وهو شهيد أيضا بينك وبينهم وعالم بما تبلغهم إياه وبما يردون عليك من الحق كفرا وعنادا.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ ۖ وَمَنْ تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا
    +/- -/+  
الأية
80
 
يخبر تعالى عن عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بأن من أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله وما ذاك إلا لأنه ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم { من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني } وهذا الحديث ثابت في الصحيحين عن الأعمش به. وقوله { ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا } أي ما عليك منه إن عليك إلا البلاغ فمن اتبعك سعد ونجا وكان لك من الأجر نظير ما حصل له ومن تولى عنك خاب وخسر وليس عليك من أمره شيء كما جاء في الحديث { من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ ۖ وَاللهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ ۖ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللهِ وَكِيلًا
    +/- -/+  
الأية
81
 
وقوله { ويقولون طاعة } يخبر تعالى عن المنافقين بأنهم يظهرون الموافقة والطاعة{ فإذا برزوا من عندك } أي خرجوا وتواروا عنك بيت طائفة منهم غير الذي تقول أي استسروا ليلا فيما بينهم ما أظهروه لك فقال تعالى { والله يكتب ما يبيتون } أي يعلمه ويكتبه عليهم بما يأمر به حفظته الكاتبين الذين هم موكلون بالعباد والمعنى في هذا التهديد أنه تعالى يخبر بأنه عالم بما يضمرونه ويسرونه فيما بينهم وما يتفقون عليه ليلا من مخالفة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعصيانه وإن كانوا قد أظهروا له الطاعة والموافقة وسيجزيهم على ذلك كما قال تعالى { ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا } الآية وقوله{ فأعرض عنهم } أي اصفح عنهم واحلم عليهم ولا تؤاخذهم ولا تكشف أمورهم للناس ولا تخف منهم أيضا { وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا } أي كفى به وليا وناصرا ومعينا لمن توكل عليه وأناب إليه.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا
    +/- -/+  
الأية
82
 
يقول تعالى آمرا لهم بتدبر القرآن وناهيا لهم عن الإعراض عنه وعن تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة ومخيرا لهم أنه لا اختلاف فيه ولا اضطراب ولا تعارض لأنه تنزيل من حكيم حميد فهو حق من حق ولهذا قال تعالى { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها } ثم قال { ولو كان من عند غير الله } أي لو كان مفتعلا مختلفا كما يقوله من يقوله من جهلة المشركين والمنافقين في بواطنهم لوجدوا فيه اختلافا أي اضطرابا وتضادا كثيرا أي وهذا سالم من الاختلاف فهو من عند الله كما قال تعالى مخبرا عن الراسخين في العلم حيث قالوا { آمنا به كل من عند ربنا } أي محكمة ومتشابهه حق فلهذا ردوا المتشابه إلى المحكم فاهتدوا والذين في قلوبهم زيغ ردوا المحكم إلى المتشابه فغووا ولهذا مدح تعالى الراسخين وذم الزائغين. قال الإمام أحمد: حدثنا أنس بن عياض حدثنا أبو معاوية حدثنا أبو حازم حدثنا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: لقد جلست أنا وأخي مجلسا ما أحب أن لي به حمر النعم أقبلت أنا وأخي وإذا مشيخة أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم على باب من أبوابه فكرهنا أن نفرق بينهم فجلسنا حجزة إذ ذكروا آية من القرآن فتماروا فيها حتى ارتفعت أصواتهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا حتى احمر وجهه يرميهم بالتراب ويقول { مهلا يا قوم بهذا أهلكت الأمم من قبلكم باختلافهم على أنبيائهم وضربهم الكتب بعضهـا ببعض إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضا إنما نزل يصدق بعضه بعضا فما عرفتم منه فاعملوا به وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه } وهكذا رواه أيضا عن أبي معاوية عن داود بن أبى هند عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم والناس يتكلمون في القدر فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب فقال لهم { ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض بهذا هلك من كان قبلكم } قال: فما غبطت نفسي بمجلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أشهده ما غبطت نفسي بذلك المجلس أني لم أشهده ورواه ابن ماجه.من حديث داود بن أبي هند به نحوه. وقال أحمد: حدثنا عبدالرحمن بن مهدي حدثنا حماد بن زيد عن أبي عمران الجوني قال: كتب إلى عبدالله بن رباح يحدث عن عبدالله بن عمرو قال: هجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فإنا لجلوس إذ اختلف اثنان في آية فارتفعت أصواتهما فقال { إنما هلكت الأمم قبلكم باختلافهم في الكتاب } ورواه مسلم والنسائي من حديث حماد بن زيد به.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا
    +/- -/+  
الأية
83
 
وقوله { وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به } إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها فيخبر بها ويفشيها وينشرها وقد لا يكون لها صحة. وقد قال مسلم في مقدمة صحيحه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن حفص حدثنا شعبة عن حبيب بن عبدالرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع } وكذا رواه أبو داود في كتاب الأدب من سننه عن محمد بن الحسين بن أشكاب عن علي بن حفص عن شعبة مسندا ورواه مسلم أيضا من حديث معاذ بن هشام العنبري وعبد الرحمن بن مهدي وأخرجه أبو داود أيضا من حديث حفص بن عمرو النمري ثلاثتهم عن شعبة عن حبيب عن حفص بن عاصم به مرسلا وفي الصحيحين عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قيل وقال: أي الذي يكثر من الحديث عما يقول الناس من غير تثبت ولا تدبر ولا تبين وفي سنن أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { بئس مطية الرجل زعموا } وفي الصحيح { من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين } ولنذكر ههنا حديث عمر بن الخطاب المتفق على صحته حين بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق نساءه فجاء من منزله حتى دخل المسجد فوجد الناس يقولون ذلك فلم يصبر حتى استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فاستفهمه أطلقت نساءك؟ فقال { لا } فقلت الله أكبر وذكر. الحديث بطوله. وعند مسلم فقلت: أطلقتهن فقال { لا } فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه ونزلت هذه الآية { وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم } فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر ومعنى يستنبطونه أي يستخرجونه من معادنه. يقال: استنبط الرجل العين إذا حفرها واستخرجها من قعورها وقوله { لاتبعتم الشيطان إلا قليلا } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يعني المؤمنين. وقال عبدالرزاق عن معمر عن قتادة { لاتبعتم الشيطان إلا قليلا } يعني كلكم واستشهد من نصر هذا القول بقول الطرماح بن حكيم في مدح يزيد بن المهلب. أشم ندي كثير النوادي قليل المثالب والقادحة يعني لا مثالب له ولا قادحة فيه.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ۚ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَاللهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا
    +/- -/+  
الأية
84
 
يأمر تعالى عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بأن يباشر القتال بنفسه ومن نكل عنه فلا عليه منه ولهذا قال { لا تكلف إلا نفسك } قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا محمد بن عمرو بن نبيح حدثنا حكام حدثنا الجراح الكندي عن أبي إسحاق قال: سألت البراء بن عازب عن الرجل يلقي المائة من العدو فيقاتل فيكون ممن قال الله فيه { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } قال: قد قال الله تعالى لنبيه{ فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين } ورواه الإمام أحمد عن سليمان بن داود عن أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق قال: قلت للبراء: الرجل يحمل على المشركين أهو ممن ألقى بيده إلى التهلكة قال: لا إن الله بعث رسوله صلى الله عليه وسلم وقال { فقاتل قي سبيل الله لا تكلف إلا نفسك } إنما ذلك في النفقة. وكذا رواه ابن مردويه من طريق أبي بكر بن عياش وعلي بن صالح عن أبي إسحاق عن البراء به ثم قال ابن مردويه: حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا أحمد بن النضر العسكري حدثنا مسلم بن عبدالرحمن الحرثي حدثنا محمد بن حمير حدثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن البراء قال: لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم { فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين } الآية قال لأصحابه { قد أمرني ربي بالقتال فقاتلوا } حديث غريب وقوله { وحرض المؤمنين } أي على القتال ورغبهم فيه وشجعهم عليه كما قال لهم صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم يوم بدر وهو يسوي الصفوف { قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض } وقد وردت أحاديث كثيرة في الترغيب في ذلك فمن ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من آمن بالله ورسوله وأقام الصلاة وآتى الزكاة وصام رمضان كان حقا على الله أن يدخله الجنة هاجر في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها } قالوا: يا رسول الله أفلا نبشر الناس بذلك؟ فقال: { إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله بين كل درجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة } وروى من حديث عبادة ومعاذ وأبي الدرداء نحو ذلك. وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { يا أبا سعيد من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا ونبي ا وجبت له الجنة } قال: فعجب لها أبو سعيد فقال: أعدها علي يا رسول الله ففعل ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { وأخرى يرفع الله العبد بها مائة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض } قال: وما هى يا رسول الله؟ قال: { الجهاد في سبيل الله } رواه مسلم. وقوله { عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا } أي بتحريضك إياهم على القتال تنبعث هممهم على مناجزة الأعداء ومدافعتهم عن حوزة الإسلام وأهله ومقاومتهم ومصابرتهم. وقوله تعالى والله أشد بأسا وأشد تنكيلا أى هو قادر عليهم في الدنيا والآخرة كما قال تعالى { ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض } الآية.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا ۖ وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا ۗ وَكَانَ اللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا
    +/- -/+  
الأية
85
 
وقوله { من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها } أي من يسعى في أمر فيترتب عليه خير كان له نصيب من ذلك ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها أي يكون عليه وزر من ذلك الأمر الذي ترتب على سعيه ونيته كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { اشفعوا تؤجروا ويقضى الله على لسان نبيه ما شاء } وقال مجاهد بن جبر: نزلت هذه الآية في شفاعات الناس بعضهم لبعض وقال الحسن البصري قال الله تعالى { من يشفع } ولم يقل من يشفع وقوله { وكان الله على كل شيء مقيتا } قال ابن عباس وعطاء وعطية وقتادة ومطر الوراق مقيتا أي حفيظا وقال مجاهد شهيدا وفي رواية عنه حسيبا. وقال سعيد ابن جبير السدي وابن زيد قديرا وقال عبدالله بن كثير المقيت المواظب وقال الضحاك: المقيت الرزاق. وقال ابن حاتم: حدثنا أبي حدثنا عبدالرحيم بن مطرف حدثنا عيسى بن يونس عن إسماعيل عن رجل عن عبدالله بن رواحة وسأله رجل عن قول الله تعالى { وكان الله على كل شيء مقيتا } قال مقيت لكل إنسان بقدر عمله وقوله { وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أوردوها } أي إذا سلم عليكم المسلم فردوا عليه أفضل مما سلم أو ردوا عليه بمثل ما سلم فالزيادة مندوبة والمماثلة مفروضة. قال ابن جرير: حدثنا موسى بن سهل الرملي حدثنا عبدالله بن السري الأنطاكي حدثنا هشام بن لاحق عن عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك يا رسول الله فقال { وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته } ثم جاء آخر فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم { وعليك السلام ورحمة الله وبركاته } ثم جاء آخر فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته } فقال له { وعليك } فقال له الرجل: يا نبي الله بأبي أنت وأمي أتاك فلان وفلان فسلما عليك فرددت عليهما أكثر مما رددت علي فقال { إنك لم تدع لنا شيئا.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا
    +/- -/+  
الأية
86
 
قال الله تعالى { وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها } فرددناها عليك } وهكذا رواه ابن أبي حاتم معلقا فقال: ذكر عن أحمد بن الحسن والترمذي: حدثنا عبدالله بن السري أبو محمد الأنطاكي قال أبو الحسن وكان رجلا صالحا: حدثنا هشام بن لاحق فذكر بإسناده مثله ورواه أبو بكر بن مردوية: حدثنا عبدالباقي بن قانع حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل حدثنا أبي حدثنا هشام بن لاحق أبو عثمان فذكره مثله ولم أره في المسند والله أعلم وفي هذا الحديث دلالة على أنه لا زيادة في السلام على هذه الصفة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إذ لو شرع أكثر من ذلك لزاده رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن كثير أخو سليمان بن كثير حدثنا جعفر بن سليمان عن عوف عن أبي رجاء العطاردي عن عمران بن حصين أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم يا رسول الله فرد عليه السلام ثم جلس فقال عشر ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله فرد عليه ثم جلس فقال عشرون ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فرد عليه السلام ثم جلس فقال ثلاثون } وكذا رواه أبو داود عن محمد بن كثير وأخرجه الترمذي والنسائي والبزار من حديثه ثم قال الترمذي حسن غريب من هذا الوجه وفي الباب عن أبي سعيد وعلي وسهل بن حنيف وقال البزار: قد روي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه هذا أحسنها إسنادا. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا ابن حرب الموصلي حدثنا حميد بن عبدالرحمن الرواسي عن الحسن بن صالح عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه وإن كان مجوسي ا ذلك بأن الله يقول فحيوا بأحسن منها أوردوها. وقال قتادة: فحيوا بأحسن منها يعني للمسلمين أوردوها يعني لأهل الذمة وهدا التنزيل فيه نظر كما تقدم في الحديث من أن المراد أن يرد بأحسن مما حياه به فإن بلغ المسلم غاية ما شرع في السلام رد عليه مثل ما قال فأما أهل الذمة فلا يبدؤن بالسلام ولا يزادون بل يرد عليهم بما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السلام عليكم فقل وعليك } وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا تبدؤا اليهود والنصارى بالسلام وإذ لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه }. وقال سفيان الثوري عن رجل عن الحسن البصري قال: السلام تطوع والرد فريضة. وهذا الذي قاله هو قول العلماء قاطبة أن الرد واجب على من سلم عليه فيأثم إن لم يفعل لأنه خالف أمر الله في قوله فحيوا بأحسن منها أو ردوها وقد جاء في الحديث الذي رواه أبو داود بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
اللهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۗ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا
    +/- -/+  
الأية
87
 
وقوله الله لا إله إلا هو إخبار بتوحيده وتفرده بالإلهية لجميع المخلوقات وتضمن قسما لقوله { ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه } وهذه اللام موطئة للقسم فقوله { الله لا إله إلا هو } خبر وقسم أنه سيجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد فيجازى كل عامل بعمله وقوله تعالى{ ومن أصدق من الله حديثا } أي لا أحد أصدق منه في حديثه وخبره ووعده ووعيده فلا إله إلا هو ولا رب سواه.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا ۚ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ ۖ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا
    +/- -/+  
الأية
88
 
يقول تعالى منكرا على المؤمنين في اختلافهم في المنافقين على قولين: واختلف في سبب ذلك فقال الإمام أحمد حدثنا بهز حدثنا شعبة قال عدي بن ثابت أخبرني عبدالله بن يزيد عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد فرجع ناس خرجوا معه فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين فرقة تقول نقتلهم وفرقة تقول: لا هم المؤمنون فأنزل الله فما لكم في المنافقين فئتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إنها طيبة وإنها تنفي الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد } أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار في وقعة أحد أن عبدالله بن أبي ابن سلول رجع يومئذ بثلث الجيش رجع بثلثمائة وبقي النبي صلى الله عليه وسلم في سبعمائة وقال العوفي عن ابن عباس نزلت في قوم كانوا بمكة قد تكلموا بالإسلام وكانوا يظاهرون المشركين فخرجوا من مكة يطلبون حاجة لهم فقالوا إن لقينا أصحاب محمد فليس علينا منهم بأس وإن المؤمنين لما أخبروا أنهم قد خرجوا من مكة قالت فئة من المؤمنين اركبوا إلى الجبناء فاقتلوهم فإنهم يظاهرون عليكم عدوكم: وقالت فئة أخرى من المؤمنين سبحان الله أو كما قالوا أتقتلون قوما قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به من أجل أنهم لم يهاجروا ولم يتركوا ديارهم نستحل دماءهم وأموالهم فكانوا كذلك فئتين والرسول عندهم لا ينهي واحدا من الفريقين عن شيء فنزلت { فما لكم في المنافقين فئتين }. رواه ابن أبي حاتم وقد روى عن أبي سلمة بن عبدالرحمن وعكرمة ومجاهد والضحاك وغيرهم قريب من هذا وقال زيد بن أسلم عن ابن لسعد بن معاذ أنها نزلت في تقاول الأوس والخزرج في شأن عبدالله بن أبي حين استعذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر في قضية الإفك وهذا غريب وقيل غير ذلك وقوله تعالى والله { أركسهم بما كسبوا } أي ردهم وأوقعهم في الخطأ قال ابن عباس { أركسهم } أي أوقعهم وقال قتادة أهلكهم وقال السدي أضلهم وقوله بما كسبوا أي بسبب عصيانهم ومخالفتهم الرسول واتباعهم الباطل { أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا } أي لا طريق له إلى الهدى ولا مخلص له إليه.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ۖ فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ۚ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ۖ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا
    +/- -/+  
الأية
89
 
وقوله { ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء } أي هم يودون لكم الضلالة لتستووا أنتم وإياهم فيها وما ذاك إلا لشدة عداوتهم وبغضهم لكم ولهذا قال { فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا } أي تركوا الهجرة قاله العوفي عن ابن عباس وقال السدي أظهروا كفرهم فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا أي لا توالوهم ولا تستنصروا بهم على أعداء الله ما داموا كذلك ثم استثنى الله من هؤلاء.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ ۚ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا
    +/- -/+  
الأية
90
 
فقال { إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق } أي إلا الذين لجأوا وتحيزوا إلى قوم بينكم وبينهم مهادنه أو عقد ذمة فاجعلوا حكمهم كحكمهم وهذا قول السدي وابن زيد وابن جرير. وقد روى ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو سلمة حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن الحسن أن سراقة بن مالك المدلجي حدثهم قال: لما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم على أهل بدو وأحد وأسلم من حولهم قال سراقة بلغني أنه يريد أن يبعث خالد بن الوليد إلى قومي بني مدلج فأتيته فقلت أنشدك النعمة فقالوا صه فقال النبي صلى الله عليه وسلم { دعوه ما تريد؟ } قال بلغني أنك تريد أن تبعث إلى قومي وأنا أريد أن توادعهم فإن أسلم قومك أسلموا ودخلوا في الإسلام وإن لم يسلموا لم تخشن قلوب قومك عليهم فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد خالد بن الوليد فقال اذهب معه فافعل ما يريد فصالحهم خالد على أن لا يعينوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن أسلمت قريش أسلموا معهم فأنزل الله ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء } ورواه ابن مردوية من طريق حماد بن سلمة وقال فأنزل الله { إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق } فكان من وصل إليهم كان معهم على عهدهم وهذا أنسب لسياق الكلام. وفي صحيح البخاري في قصة صلح الحديبية فكان من أحب أن يدخل في صلح قريش وعهدهم ومن أحب أن يدخل في صلح محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وعهدهم. وقد روى عن ابن عباس أنه قال نسخها قوله { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } الآية. وقوله { أو جاءوكم حصرت صدورهم } الآية. هؤلاء قوم آخرون من المستثنين من الأمر بقتالهم وهم الذين يجيؤن إلى المصاف وهم حصرت صدورهم أي ضيقة صدورهم مبغضين أن يقاتلوكم ولا يهون عليهم أيضا أن يقاتلوا قومهم معكم بل هم لا لكم ولا عليكم { ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم } أي من لطفه بكم أن كفهم عنكم { فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم } أي المسالمة{ فما جعل الله لكم عليهم سبيلا } أي فليس لكم أن تقاتلوهم ما دامت حالهم كذلك وهؤلاء كالجماعة الذين خرجوا يوم بدر من بني هاشم مع المشركين فحضروا القتال وهم كارهون كالعباس ونحوه ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ عن قتل العباس وأمر بأسره.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا ۚ فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ۚ وَأُولَٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا
    +/- -/+  
الأية
91
 
وقوله { ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم } الآية. هؤلاء في الصورة الظاهرة كمن تقدمهم ولكن نية هؤلاء غير نية أولئك فإن هؤلاء قوم منافقون يظهرون للنبي صلى الله عليه وسلم ولأصحابه الإسلام ليأمنوا بذلك عندهم على دمائهم وأموالهم وذراريهم ويصانعون الكفار في الباطن فيعبدون معهم ما يعبدون ليأمنوا بذلك عندهم وهم في الباطن مع أولئك كما قال تعالى { وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم } الآية. وقال ههنا { كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها } أي انهمكوا فيها. وقال السدي الفتنة ههنا الشرك. وحكى ابن جرير عن مجاهد أنها نزلت في قوم من أهل مكة كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون رياء ثم يرجعون إلى قريس فيرتكسون في الأوثان يبتغون بذلك أن يأمنوا ههنا وههنا فأمر بقتلهم إن لم يعتزلوا ويصلحوا ولهذا قال تعالى { فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم } المهادنة والصلح { ويكفوا أيديهم } أي عن القتال { فخذوهم } أسراء { واقتلوهم حيث ثقفتموهم } أي أين لقيتموهم { وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا } أي بينا واضحا.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا ۚ فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ۖ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ۖ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ ۗ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
    +/- -/+  
الأية
92
 
يقول تعالى ليس لمؤمن أن يقتل أخاه المؤمن بوجه من الوجوه كما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا يحل دم امرئ مسلم بشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة } ثم إذا وقع شيء من هذه الثلاث فليس لأحد من آحاد الرعية أن يقتله وإنما ذلك إلى الإمام أو نائبه وقوله { إلا خطأ } قالوا هو استثناء منقطع كقول الشاعر: إن البيض لم تظعن بعيدا ولم تطأ على الأرض إلا ريط برد مرحل ولهذا شواهد كثيرة واختلف في سبب نزول هذه فقال مجاهد وغير واحد نزلت في عياش ابن أبي ربيعة أخي أبي جهل لأمه وهى أسماء بنت مخرمة وذلك أنه قتل رجلا يعذبه مع أخيه على الإسلام وهو الحارث بن يزيد الغامدي فأضمر له عياش السوء فأسلم ذلك الرجل وهاجر وعياش لا يشعر فلما كان يوم الفتح رآه فظن أنه على دينه فحمل عليه فقتله فأنزل الله هذه الآية قال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم: نزلت في أبي الدرداء لأنه قتل رجلا وقد قال كلمة الإيمان حين رفع عليه السيف فأهوى به إليه فقال كلمته فلما ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال إنما قالها متعوذا فقال له { هل شققت عن قلبه } وهذه القصة في الصحيح لغير أبي الدرداء. وقوله { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله } هذان واجبان في قتل الخطأ أحدهما الكفارة لما ارتكبه من الذنب العظيم وإن كان خطأ ومن شرطها أن تكون عتق رقبة مؤمنة فلا تجزئ الكافرة وحكى ابن جرير عن ابن عباس والشعبي وإبراهيم النخعي والحسن البصري أنهم قالوا لا يجزئ الصغير حتى يكون قاصدا للإيمان وروى من طريق عبدالرزاق عن معمر عن قتادة قال في مصحف أبي { فتحرير رقبة مؤمنة } لا يجزى فيها صبي. واختار ابن جرير أنه إن كان مولودا بين أبوين مسلمين أجزأ وإلا فلا والذي عليه الجمهور أنه متى كان مسلما صح عتقه عن الكفارة سواء كان صغيرا أو كبيرا قال الإمام أحمد أنبأنا عبدالرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عبدالله بن عبدالله عن رجل من الأنصار أنه جاء بأمة سوداء فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن على عتق رقبة مؤمنة فإن كنت ترى هذه مؤمنة أعتقتها فقال لها رسول الله { أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ } قالت نعم. قال { أتشهدين أني رسول الله؟ } قال نعم قال { أتؤمنين بالبعث بعد الموت } قالت نعم قال { أعتقها } وهذا إسناد صحيح وجهالة الصحابي لا تضره. وفي موطأ مالك ومسند الشافعي وأحمد وصحيح مسلم وسنن أبي داود والنسائي من طريق هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم أنه لما جاء بتلك الجارية السوداء قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم { أين الله } قالت في السماء قال { من أنا } قالت أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { أعتقها فإنها مؤمنة } وقوله { وديه مسلمة إلى أهله } هو الواجب الثاني فيما بين القاتل وأهل القتيل عوضا لهم عما فاتهم من قتيلهم وهذه الدية إنما تجب أخماسا كما رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث الحجاج بن أرطاة عن زيد بن بن جبير عن خشف بن مالك عن ابن مسعود قال قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دية الخطأ عشرين بنت مخاض وعشرين بني مخاض ذكورا وعشرين بنت لبون وعشرين جذعة وعشرين حقة لفظ النسائي قال الترمذي لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه وقد روى عن عبدالله موقوفا كما روى عن علي وطائفة وقيل تجب أرباعا وهذه الدية إنما تجب على عاقلة القاتل لا في ماله قال الشافعي رحمه الله لم أعلم مخالفا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدية على العاقلة وهو أكثر من حديث الخاصة. وهذا الذي أشار إليه رحمه الله قد ثبت في غير ما حديث فمن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال: اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو أمة وقضى بدية المرأة على عاقلتها وهذا يقتضي أن حكم عمد الخطأ حكم الخطأ المحض في وجوب الدية لكن هذا تجب فيه الدية أثلاثا لشبهة العمد وفي صحيح البخاري عن عبدالله بن عمر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني خزيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا فجمل خالد يقتلهم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع يده وقال { اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد } وبعث عليا فودى قتلاهم وما أتلف من أموالهم حتى ميلغة الكلب وهذا الحديث يؤخذ منه أن خطأ الإمام أو نائبه يكون في بيت المال وقوله } إلا أن يصدقوا } أي فتجب فيه الدية مسلمة إلى أهله إلا أن يتصدقوا بها فلا تجب وقوله { فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة } أي إذا كان القتيل مؤمنا ولكن أولياؤه من الكفار أهل حرب فلا دية لهم وعلى القاتل تحرير رقبة مؤمنة لا غير وقوله { وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق } الآية. أي فإن كان القتيل أولياؤه أهل ذمة أو هدنة فلهم دية قتيلهم فإن كان مؤمنا فدية كاملة وكذا إن كان كافرا أيضا عند طائفة من العلماء وقيل يجب في الكافر نصف دية المسلم وقيل ثلثها كما هو مفصل في كتاب الأحكام. ويجب أيضا على القاتل تحرير رقبة مؤمنة { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين } أي لا إفطار بينهما بل يسرد صومهما إلى آخرهما فإن أفطر من غير عذر من مرض أو حيض أو نفاس استأنف واختلفوا في السفر هل يقطع أم لا على قولين وقوله{ توبة من الله وكان الله عليما حكيما } أي هذه توبة القاتل خطأ إذا لم يجد العتق صام شهرين متتابعين: واختلفوا فيمن لا يستطيع الصيام هل يجب عليه إطعام ستين مسكينا كما في كفارة الظهار على قولين أحدهما نعم كما هو منصوص عليه في كفارة الظهار وإنما لم يذكر ههنا لأن هذا مقام تهديد وتخويف وتحذير فلا يناسب أن يذكر فيه الإطعام لما فيه من التسهيل والترخيص. والقول الثاني لا يعدل إلى الطعام لأنه لو كان واجبا لما أخر بيانه عن وقت الحاجة { وكان الله عليم ا حكيما } قد تقدم تفسيره غير مرة. ثم لما بين تعالى حكم القتل الخطأ شرع في بيان حكم القتل العمد فقال { ومن يقتل مؤمنا متعمدا } الآية. وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم الذي هو مقرون بالشرك بالله في غير ما آية في كتاب الله حيث يقول سبحانه في سورة الفرقان{ والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق } الآية وقال تعالى { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا } الآية والآيات والأحاديث في تحريم القتل كثيرة جدا فمن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء } وفي الحديث الآخر الذي رواه أبو داود من رواية عمرو بن الوليد بن عبيدة المصري عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يزال المؤمن معنقا صالحا ما لم يصب دما حراما فإذا أصاب دما حراما بلح } وفي حديث آخر { لزوال الدنيا أهون عندالله من قتل رجل مسلم } وفي الحديث الآخر { لو اجتمع أهل السموات والأرض على قتل رجل مسلم لأكبهم الله في النار } وفي الحديث الآخر { من أعان على قتل المسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله } وقد كان ابن عباس يرى أنه لا توبة لقاتل المؤمن عمدا. وقال البخاري حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا المغيرة بن النعمان قال سمعت ابن جبير قال اختلف فيها أهل الكوفة فرحلت إلى ابن عباس فسألته عنها فقال: نزلت هذه الآية { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزازه جهنم } هي آخر ما نزل وما نسخها شيء. وكذا رواه هو أيضا ومسلم والنسائي من طرق عن شعبة به ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن ابن مهدي عن سفيان الثوري عن مغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم فقال ما نسخها شيء. وقال ابن جرير حدثنا ابن بشار حدثنا ابن عون حدثنا شعبة عن سعيد بن جبير قال: قال عبدالرحمن بن أبزي سئل ابن عباس عن قوله ومن { يقتل مؤمنا متعمدا } الآية قال لم ينسخها شيء وقال في هذه الآية { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر } إلى آخرها قال نزلت في أهل الشرك. وقال ابن جرير أيضا حدثنا ابن حميد حدثنا جرير عن منصور حدثني سعيد بن جبير قال سألت ابن عباس عن قوله.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا
    +/- -/+  
الأية
93
 
ومن { يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم } قال: إن الرجل إذا عرف الإسلام وشرائع الإسلام ثم قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ولا توبة له فذكرت ذلك لمجاهد فقال إلا من ندم. حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير عن يحيى الجابري عن سالم بن أبي الجعد قال كنا عند ابن عباس بعدما كف بصره فأتاه رجل فناداه يا عبدالله بن عباس ما ترى في رجل قتل مؤمنا متعمدا ؟ فقال جزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما. قال أفرأيت إن تاب وعمل صالحا ثم اهتدى ؟ قال ابن عباس ثكلته أمه وأنى له التوبة والهدى؟ والذي نفسي بيده لقد سمعت نبيكم صلى يقول { ثكلته أمه قاتل مؤمن متعمدا جاء يوم القيامة أخذه بيمينه أو بشماله تشخب أوداجه من قبل عرش الرحمن يلزم قاتله بشماله وبيده الأخرى رأسه يقول يا رب سل هذا فيم قتلني { وايم الذي نفس عبدالله بيده لقد أنزلت هذه الآية فما نسختها من آية حتى قبض نبيكم صلى الله عليه وآله وسـلم وما نزل بعدها من برهان. وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة سمعت يحيى بن المجيز يحدث عن سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس أن رجلا أتي إليه فقال أرأيت رجلا قتل رجلا عمدا ؟ فقال { جزاؤه جهنم خالدا فيها 9 الآية. قال لقد نزلت من آخر ما نزل ما نسخها شيء حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما نزل الوحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أرأيت إن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى قال وأنى له بالتوبة وقد سمعت رسول الله صلى يقول { ثكلته أمه رجل قتل رجلا متعمدا يجيء يوم القيامة آخذا قاتله بيمينه أو بيساره أو آخذا رأسه بيمينه أو بشماله تشخب أوداجه دما من قبل العرش يقول يا رب سل عبدك فيم قتلني { وقد رواه النسائي عن قتيبة وابن ماجه عن محمد بن الصباح عن سفيان بن عينة عن عمار الذهبي ويحيى الجابري وثابت الثمالي عن سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس فذكره وقد روى هذا عن ابن عباس من طرق كثيرة وممن ذهب إلى أنه لا توبة له من السلف زيد بن ثابت وأبو هريرة وعبدالله بن عمر وأبو سلمه بن عبدالرحمن وعبيد بن عمير والحسن وقتادة والضحاك بن مزاحم نقله ابن أبى حاتم وفي الباب أحاديث كثيرة فمن ذلك ما رواه أبو بكر بن مردويه الحافظ في تفسيره حدثنا دعلج بن أحمد حدثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي { ح } وحدثنا عبدالله بن جعفر وحدثنا إبراهيم بن فهد قالا حدثنا عبيد بن عبيدة حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن الأعمش عن أبن عمرو بن شرحبيل بإسناده عن عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { يجيء المقتول متعلقا بقاتله يوم القيامة أخذا رأسه بيده الأخرى فيقول يا رب سل هذا ضيم قتلني ؟ قال فيقول قتلته لتكون العزة لك فيقول فإنها لي قال ويجيء أخر متعلقا بقاتله فيقول رب سل هذا قيم قتلني؟ قال فيقول قتلته لتكون العزة لفلان قال فإنها ليست له بؤ بإثمه قال فيهوى في النار سبعين خريفا { وقد رواه النسابي عن إبراهيم بن المستمر العوفي عن عمرو بن عاصم عن معتمر بن سليمان به { حديث آخر { قال الإمام أحمد: حدثنا صفوان بن عيسى حدثنا ثور بن يزيد عن أبي عون عن أبي إدريس قال سمعت معاوية رضي الله عنه يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول { كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا } . وكذا رواه النسائي عن محمد بن المثنى عن صفوان بن عيسى به وقال ابن مردويه حدثنا عبدالله بن جعفر حدثنا سمويه حدثنا عبدالأعلى بن مسهر حدثنا صدقة بن خالد حدثنا خالد بن دهقان حدثنا ابن زكريا قال: سمعت أم الدرداء تقول سمعت أبا الدرداء يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركا أو من قتل مؤمنا متعمدا { وهذا حديث غريب جدا من هذا الوجه. والمحفوظ حديث معاوية المتقدم فالله أعلم. ثم روى ابن مردويه من طريق بقية بن الوليد عن نافع بن يزيد حدثني ابن جبير الأنصاري عن داود بن الحصين عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من قتل مؤمنا متعمدا فقد كفر بالله عز وجل { وهذا حديث منكر أيضا فإسناده تكلم فيه جدا. قال الإمام أحمد حدثنا النضر حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا حميد قال: أناني أبو العالية أنا وصاحب لي فقال لنا: هلما فأنتما أشب سنا مني ; وأوعى للحديث مني فانطلق بنا إلى بشر بن عاصم فقال له أبو العالية حدث هؤلاء حديثك فقال: حدثنا عقبة بن مالك الليثي قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأغارت على قوم فشد مع القوم رجل فاتبعه رجل من السرية شاهرا سيفه فقال الشاد من القوم إني مسلم فلم ينظر فيما قال قال: فضربه فقتله فنمى الحديث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فيه قولا شديدا فبلغ القاتل فبينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخطب إذ قال القاتل: والله ما قال الذي قال إلا تعوذا من القتل قال فأعرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنه وعمن قبله من الناس وأخذ في خطبته ثم قال أيضا يا رسول الله ما قال الذي قال إلا تعوذا من القتل فأعرض عنه وعمن قبله من الناس وأخذ في خطبته ثم لم يصبر حتى قال الثالثة والله يا رسول الله ما قال الذي قال إلا تعوذا من القتل فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرف المساءة في وجهه فقال { إن الله أبى على من قتل مؤمنا } ثلاثا. ورواه النسائي من حديث سليمان بن المغيرة والذي عليه الجمهور من سلف الأمة وخلفها أن القاتل له توبة فيما بينه وبين الله عز وجل فإن تاب وأناب وخشع وخضع وعمل عملا صالحا بدل الله سيئاته حسنات وعوض المقتول من ظلامته وأرضاه عن طلابته قال الله تعالى { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر- إلى قوله - إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا } الآية. وهذا خبر لا يجوز نسخه وحمله على المشركين وحمل هذه الآية على المؤمنين خلاف الظاهر ويحتاج حمله إلى دليل والله أعلم. وقال تعالى { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } الآية وهذا عام في جميع الذنوب من كفر وشرك وشك ونفاق وقتل وفسق وغير ذلك كل من تاب أي من ذلك تاب الله عليه قال الله تعالى { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } فهذه الآية عامة في جميع الذنوب ما عدا الشرك وهي مذكورة في هذه السورة الكريمة بعد هذه الآية وقبلها لتقوية الرجاء والله أعلم. وثبت في الصحيحين خبر الإسرائيلي الذي قتل مائة نفس ثم سأل عالما هل لي من توبة فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة ثم أرشده إلى بلد يعبد الله فيه فهاجر إليه فمات في الطريق فقبضته ملائكة الرحمة كما ذكرناه غير مرة وإذا كان هذا في بني إسرائيل فلأن يكون في هذه الأمة التوبة مقبولة بطريق الأولى والأخرى لأن الله وضع عنا الآصار والأغلال التي كانت عليهم وبعث نبينا بالحنيفية السمحة. فأما الآية الكريمة وهي قوله تعالى { ومن يقتل مؤمنا متعمدا } الآية. فقد قال أبو هريرة وجماعة من السلف هذا جزاؤه إن جازاه وقد رواه ابن مردويه بإسناده مرفوعا من طريق محمد بن جامع العطار عن العلاء بن ميمون العنبري عن حجاج الأسود عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا ولكن لا يصح ومعنى هذه الصيغة أن هذا جزاؤه إن جوزي عليه وكذا كل وعيد على ذنب لكن فد يكون ذلك معارض من أعمال صالحة تمنع وصول ذلك الجزاء إليه على قولي أصحاب الموازنه والإحباط وهذا أحسن ما يسلك في باب الوعيد والله أعلم بالصواب وبتقدير دخول القاتل في النار أما على قول ابن عباس ومن وافقه أنه لا توبة له أو على قول الجمهور حيث لا عمل له صالحا ينجو به فليس بمخلد فيها أبدا بل الخلود هو المكث الطويل وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { أنه يخرج من النار من كان في قلبه أدنى مثقال ذرة من إيمان { وأما حديث معاوية { كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا { فعسى للترجي فإذا انتفى الترجي في هاتين الصورتين لا تنفي وقوع ذلك في أحدهما وهو القتل لما ذكرنا من الأدلة وأما من مات كافرا فالنص أن الله لا يغفر له البتة وأما مطالبة المقتول القاتل يوم القيامة فإنه حق من حقوق الآدمين وهي لا تسقط بالتوبة ولكن لابد من ردها إليهم ولا فرق بين المقتول والمسروق منه والمغصوب منه والمقذوف وسائر حقوق الآدمين فإن الإجماع منعقد على أنها لا تسقط بالتوبة ولكنه لابد من ردها إليهم في صحة التوبة فإن تعذر ذلك فلابد من المطالبة يوم القيامة لكن لا يلزم من وقوع المطالبة وقوع المجازاة إذ قد يكون للقاتل أعمال صالحة تصرف إلى المقتول أو بعضها ثم يفضل له أجر يدخل به الجنة أو يعوض الله المقتول بما يشاء من فضله من قصور الجنة ونعيمها ورفع درجته فيها ونحو ذلك والله أعلم ثم لقاتل العمد أحكام في الدنيا وأحكام في الآخرة ; فأما في الدنيا فتسلط أولياء المقتول عليه قال الله تعالى ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا الآية. ثم هم مخيرون بين أن يقتلوا ; أو يعفوا أو يأخذوا دية مغلظة أثلاثا - ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة كما هو مقرر في كتاب الأحكام واختلف الأئمة هل تجب عليه كفارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام على أحد القولين كما تقدم في كفارة الخطأ على قولين فالشافعي وأصحابه وطائفة من العلماء يقولون نعم يجب عليه لأنه إذا وجبت عليه الكفارة في الخطأ فلأن تجب عليه في العمد أولى فطردوا هذا في كفارة اليمين الغموس واعتذروا بقضاء الصلاة المتروكة عمدا كما أجمعوا على ذلك في الخطأ. وأصحاب الإمام أحمد وآخرون: قتل العمد أعظم من أن يكفر فلا كفارة فيه وكذا اليمين الغموس ولا سبيل لهم إلى الفرق بين هاتين الصورتان وبين الصلاة المتروكة عمدا فإنهم يقولون بوجوب قضائها إذا تركت عمدا وقد احتج من ذهب إلى وجوب الكفارة في قتل العمد بما رواه الإمام أحمد حيث قال: حدثنا عامر بن الفضل حدثنا عبدالله بن المبارك عن إبراهيم بن أبي عبلة عن الغريف بن عياش عن واثلة بن الأسقع قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم نفر من بني سليم فقالوا إن صاحبا لنا قد أوجب قال { فليعتق رقبة يفدي الله بكل عضو منها عضوا منه من النار } وقال أحمد حدثنا إبراهيم بن إسحاق حدثنا ضمرة بن ربيعة عن إبراهيم بن أبي عبلة عن الغريف الديلمي قال: أتينا واثلة بن الأسقع الليثي فقلنا حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتينا رسول الله صلى اله عليه وسلم في صاحب لنا قد أوجب فقال { أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار { وكذا رواه أبو داود والنسائي من حديث إبراهيم بن أبي عبلة به ولفظ أبي داود عن الغريف بن الديلمي قال: أتينا واثلة بن الأسقع فقلنا له حدثنا حديثا ليس فيه زيادة ولا نقصان فغضب فقال: إن أحدكم ليقرأ ومصحفه معلق في بيته فيزيد وينقص قلنا إنما أردنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا قد أوجب يعني النار بالقتل فقال { أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار ".

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ۚ كَذَٰلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ۚ إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا
    +/- -/+  
الأية
94
 
قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن أبي بكير وخلف بن الوليد وحسين بن محمد قالوا حدثنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: مر رجل من بني سليم بنفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرعى غنما له فسلم عليهم فقالوا لا يسلم علينا إلا ليتعوذ منا فعمدوا إليه فقتلوه وأتوا بغنمه النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا } إلى آخرها. ورواه الترمذي في التفسير عن عبدالله بن حميد عن عبدالعزيز بن أبي رزمة عن إسرائيل به ثم قال هذا حديث حسن صحيح. وفي الباب عن أسامة بن زيد ورواه الحاكم من طريق عبيد الله بن موسى عن إسرائيل به ثم قال صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ورواه ابن جرير من حديث عبيد الله بن موسى وعبدالرحيم بن سليمان كلاهما عن إسرائيل به. وقال في بعض كتبه غير التفسير وقد رواه من طريق عبدالرحمن فقط وهذا خبر عندنا صحيح سنده وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما لعلل منها أنه لا يعرف له مخرج عن سماك إلا من هذا الوجه ومنها أن عكرمة في روايته عندهم نظر ومنها أن الذي نزلت فيه هذه الآية عندهم مختلف فيه فقال بعضهم نزلت في محلم بن جثامة وقال بعضهم أسامة بن زيد وقيل: غير ذلك قلت وهذا كلام غريب وهو مردود من وجوه أحدها أنه ثابت عن سماك حدث به عنه غير واحد من الأئمة الكبار الثاني أن عكرمة محتج به في الصحيح الثالث أنه مروي من غير هذا الوجه عن ابن عباس كما قال البخاري حدثنا علي بن عبدالله حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس { ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا } قال: قال ابن عباس: كان رجل في غنيمة له فلحقه المسلمون فقال السلام عليكم فقتلوه وأخذوا غنيمته فأنزل الله في ذلك { ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لسـت مؤمنا } قال ابن عباس عرض الدنيا تلك الغنيمة وقرأ ابن عباس عليه السلام وقال سعيد بن منصور حدثنا منصور عن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال: لحق المسلمون رجلا في غنيمة له فقال السلام عليكم فقتلوه وأخذوا غنيمته فنزلت { ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا } وقد رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق سفيان بن عيينة به وقد في ترجمة: أن أخاه فزارا هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر أبيه بإسلامهم وإسلام قومهم فلقيته سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في عماية الليل وكان قد قال لهم إنه مسلم فلم يقبلوا منه فقتلوه فقال أبوه فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني ألف دينار ودية أخرى وسيرني فنزل قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله } الآية. وأما قصة محلم بن جثامة فقال الإمام أحمد رحمه الله حدثنا يعقوب حدثني أبي عن محمد بن إسحاق حدثنا يزيد بن عبدالله بن قسيط عن القعقاع بن عبدالله بن أبى حدرد رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إضم فخرجت في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي ومحلم بن جثامة بن قيس فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إضم مر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي على قعود له معه متيع له ووطب من لبن فلما مر بنا سلم علينا فأمسكنا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة فقتله لشيء كان بينه وبينه وأخذ بعيره ومتيعه. فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرناه الخبر نزل فينا { يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله - إلى قوله تعالى - خبيرا } تفرد به أحمد. وقال ابن جرير حدثنا ابن وكيع حدثنا جرير عن أبي إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محلم بن جثامة مبعثا فلقيهم عامر بن الأضبط فحياهم بتحية الإسلام وكانت بينهم إحنة في الجاهلية فرماه محلم بسهم فقتله فجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم فيه عيينة والأقرع فقال الأقرع يا رسول الله سر اليوم وغر غدا فقال عيينة لا والله حتى تذوق نساؤه من الثكل ما ذاق نسائي فجاء محلم في بردين فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا غفر الله لك } فقام وهو يتلقى دموعه ببرديه فما مضت له سابعة حتى مات ودفنوه فلفظته الأرض فجاءوا إلى النبي صلى فذكروا ذلك له فقال { إن الأرض تقبل من هو شر من صاحبكم ولكن الله أراد أن يعظكم ثم طرحوه بين صدفي جبل وألقوا عليه الحجارة فنزلت { يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا } الآية وقال البخاري قال حبيب بن أبي عمرة عن سعيد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمقداد { إذا كان رجل مؤمن يخفي إيمانه مع قوم كفار فأظهر إيمانه فقتلته فكذلك كنت تخفي إيمانك بمكة من قبل { هكذا ذكره البخاري معلقا مختصرا وقد روى مطولا موصولا. فقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا حماد بن علي البغدادي حدثنا جعفر بن سلمة حدثنا أبو بكر بن على بن مقدم حدثنا حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيها المقداد بن الأسود فلما أتوا القوم وجدوهم قد تفرقوا وبقي رجل له مال كثير لم يبرح فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأهوى إليه المقداد فقتله فقال له رجل من أصحابه أقتلت رجلا شهد أن لا إله إلا الله ؟ والله لأذكرن ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا يا رسول الله إن رجلا شهد أن لا إله إلا الله فقتله المقداد فقال { ادعوا لي المقداد يا مقداد أقتلت رجلا يقول لا إله إلا الله فكيف لك بلا إله إلا الله غدا } قال فأنزل { الله يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا } ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمقداد { كان رجل مؤمن يخفي إيمانه مع قوم كفار فأظهر إيمانه فقتلته وكذلك كنت تخفي إيمانك بمكة قبل { وقوله فعند الله مغانم كثيرة أي خير مما رغبتم فيه من عرض الحياة الدنيا الذي حملكم على قتل مثل هذا الذي ألقى إليكم السلام وأظهر لكم الإيمان فتغافلتم عنه واتهمتموه بالمصانعة والتقية لتبتغوا عرض الحياة الدنيا فما عند الله من الرزق الحلال خير لكم من مال هذا وقوله { كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم أي قد كنتم من قبل هذه الحال كهذا الذي يسر إيمانه ويخفيه من قومه كما تقدم في الحديث المرفوع آنفا. وكما قال تعالى { واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض } الآية. وهذا مذهب سعيد بن جبير لما رواه الثوري عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير في قوله { كذلك كنتم من قبل } تخفون إيمانكم في المشركين ورواه عبدالرزاق عن ابن جريج أخبرني عبدالله بن كثير عن سعيد بن جبير في قوله { كذلك كنتم من قبل } ستخفون بإيمانكم كما استخفى هذا الراعي بإيمانه. وهذا اختيار ابن جرير وقال ابن أبي حاتم وذكر عن قيس عن سالم عن سعيد بن جبير قوله{ كذلك كنتم من قبل } لم تكونوا مؤمنين { فمن الله عليكم } أي تاب عليكم فحلف أسامة لا يقاتل رجلا يقول لا إله إلا الله بعد ذلك الرجل وما لقي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وقوله { فتبينوا } تأكيد لما تقدم وقوله { إن الله كان بما تعملون خبيرا } قال سعيد بن جبير هذا تهديد ووعيد.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا
    +/- -/+  
الأية
95
 
قال البخاري حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن البراء قال: لما نزلت { لا يستوي القاعدون من المؤمنين } دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا فكتبها فجاء ابن أم مكتوم فشكا ضرارته فأنزل الله غير أولى الضرر حدثنا محمد بن يوسف عن إسرائيل عن أبى إسحاق عن البراء قال لما نزلت { لا يستوي القاعدون من المؤمنين } قال النبي صلى الله عليه وسلم { ادع فلانا } فجاءه ومعه الدواة واللوح والكتب فقال { اكتب { لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله { وخلف النبي صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم فقال يا رسول الله أنا ضرير فنزلت مكانها لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون في سبيل الله قال البخاري أيضا حدثنا إسماعيل بن عبدالله حدثني إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب حدثني سهل بن سعد الساعدي أنه رأى مروان بن الحكم في المسجد قال فأقبلت حتى جلست إلى جنبه فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى علي { لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله } فجاءه ابن أم مكتوم وهو يمليها علي قال يا رسول الله والله لو أستطيع الجهاد لجاهدت وكان أعمى فأنزل الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فخذه على فخذي فثقلت علي حتى خفت أن ترضى فخذي ثم سري عنه فأنزل { الله غير أولى الضرر } تفرد به البخاري دون مسلم وقد روي من وجه آخر عند الإمام أحمد عن زيد فقال حدثنا سليمان بن داود أنبأنا عبدالرحمن عن أبي الزناد عن خارجة بن زيد قال: قال زيد بن ثابت: إني قاعد إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم إذ أوحي إليه وغشيته السكينة قال فرفع فخذه على فخذي حين غشيته السكينة قال زيد فلا والله ما وجدت شيئا قط أثقل من فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سري عنه فقال { اكتب يا زيد } فأخذت كتفا فقال { اكتب لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون إلى قوله { أجرا عظيما } { فكتبت ذلك في كتف فقام حين سمعها ابن أم مكتوم وكان رجلا أعمى فقال حين سمع فضيلة المجاهد بن يا رسول الله وكيف بمن لا يستطيع الجهاد ومن هو أعمى وأشباه ذلك قال زيد فوالله ما قضى كلامه أوما هو إلا أن قضي كلامه - غشيت النبي صلى الله عليه وسلم السكينة فوقعت فخذه على فخذي فوجدت ممن ثقلها كما وجدت في المرة الأولى ثم سري عنه فقال { اقرأ { فقرأت عليه لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون } فقال النبي صلى الله عليه وسلم { غير أولي الضرر } قال زيد فألحقتها فوالله كأني أنظر إلى ملحقها عند صدع كان في الكتف. ورواه أبو داود عن سعيد بن منصور عن عبدالرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه به نحوه. وقال عبدالرزاق أنبأنا معمر أنبأنا الزهري عن قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت قال كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: { اكتب لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله } . فجاء عبد الله ابن أم مكتوم فقال يا رسول الله إني أحب الجهاد في سبيل الله ولكن بي من الزمانة ما قد ترى وذهب بصري قال زيد فثقلت فخذ رسول الله صلى عليه وسلم على فخذي حتى خشيت أن ترضها ثم سري عنه ثم قال { اكتب لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون في سبيل الله { رواه ابن أبي حاتم وابن جرير وقال عبدالرازق أخبرنا ابن جريج أخبرني عبدالكريم هو ابن مالك الجريري أن مقسما مولى عبدالله بن الحارث أخبره أن ابن عباس أخبره لا يستوي القاعدون من المؤمنين عن بدر والخارجون إلى بدر انفرد به البخاري دون مسلم وقد رواه الترمذي من طريق حجاج عن ابن جريج عن عبدالكريم عن مقسم عن ابن عباس قال لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر عن بدر والخارجون إلى بدر. ولما نزلت غزوة بدر قال عبدالله بن جحش وابن أم مكتوم إنا أعميان يا رسول الله فهل لنا رخصة؟ فنزلت لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر { وفضل الله المجاهدين على القاعدين درجة فهؤلاء القاعدون غير أولي الضرر وفضل الله المجاهد بن على القاعدين أجرا عظيما درجات منه } على القاعدين من المؤمنين غير أولى الضرر }. هذا لفظ الترمذي ثم قال هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه فقوله لا يستوي القاعدون من المؤمنين كان مطلقا فلما نزل بوحي سريع { غير أولي الضرر } صار ذلك مخرجا لذوي الأعذار المبيحة لترك الجهاد من العمى والعرج والمرضى عن مساواتهم للمجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ثم أخبر تعالى بفضيلة المجاهدين على القاعدين قال ابن عباس: { غير أولي الضرر } وكذا ينبغي أن يكون كما ثبت في صحيح البخاري من طريق زهير بن معاوية عن حميد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { إن بالمدينة أقواما ما سرتم من مسير ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه } قالوا وهم بالمدينة يا رسول الله؟ قال { نعم حبسهم العذر } وهكذا رواه أحمد عن محمد بن عدي عن حميد عن أنس به وعلقه البخاري مجزوما ورواه أبو داود عن حماد بن سلمة عن حميد عن موسى بن أنس بن مالك عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لقد تركتم بالمدينة أقواما ما سرتم من مسير ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه } قالوا وكيف يا رسول الله يكونون معنا فيه؟ قال } نعم حبسهم العذر { لفظ أبي داود وفي هذا المعنى قال الشاعر: يا راحلين إلى البيت العتيق لقد سرتم جسوما وسرنا نحن أرواحا إنا أقمنا عـلى عـذر وعن قـــدر ومن أقام على عذر فقد راحــا وقوله { وكلا وعد الله الحسنى } أي الجنة والجزاء الجزيل. وفيه دلالة على أن الجهاد ليس بفرض عين بل هو فرض. على الكفاية. قال تعالى { وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما } ثم أخبر سبحانه بما فضلهم به من الدرجات في غرف الجنان العاليات ومغفرة الذنوب والزلات وأحوال الرحمة والبركات إحسانا منه وتكريما.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً ۚ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا
    +/- -/+  
الأية
96
 
ولهذا قال وقد ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض } وقال الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من رمى بسهم فله أجره درجة } فقال رجل يا رسول الله وما الدرجة ؟ فقال { أما إنها ليست بعتبة أمك. ما بين الدرجتين مائة عام }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا
    +/- -/+  
الأية
97
 
قال البخاري: حدثنا عبدالله بن يزيد المقرئ حدثنا حيوة وغيره قالا حدثنا محمد بن عبدالرحمن أبو الأسود قال: قطع على أهل المدينة بعث فاكتتبت فيه فلقيت عكرمة مولى ابن عباس فأخبرته فنهاني عن ذلك أشد النهي قال: أخبرني ابن عباس أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سوادهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي السهم يرمي به فيصيب أحدهم فيقتله أو يضرب عنقه فيقتل فأنزل الله { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم } . رواه الليث عن أبي الأسود. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن منصور الرمادي حدثنا أبو أحمد يعني الزبيري حدثنا محمد بن شريك المكي حدثنا عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان قوم من أهل مكة أسلموا وكانوا يستخفون بالإسلام فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم فأصيب بعضهم قال المسلمون كان أصحابنا مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم فنزلت { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم } الآية قال فكتب إلى من بقى من المسلمين بهذه الآية لا عذر لهم قال فخرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم التقية فنزلت هذه الآية{ ومن الناس من يقول آمنا بالله } الآية. قال عكرمة: نزلت هذه الآية في شباب من قريش كانوا تكلموا بالإسلام بمكة منهم علي بن أمية بن خلف وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة وأبو منصور بن الحجاج والحارث بن زمعة قال الضحاك نزلت في ناس من المنافقين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وخرجوا مع المشركين يوم بدر فأصيبوا فيمن أصيب فنزلت هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكنا من إقامة الدين فهو ظالم لنفسه مرتكب حراما بالإجماع وبنص هذه الآية حيث يقول تعالى { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم } أي بترك الهجرة { قالوا فيم كنتم } أي لم مكثتم هاهنا وتركتم الهجرة قالوا كنا مستضعفين في الأرض أي لا نقدر على الخروج من البلد ولا الذهاب في الأرض قالو ألم تكن أرض الله واسعة الآية: وقال أبو داود حدثنا محمد بن داود بن سفيان حدثني يحيى بن حسان أخبرنا سليمان بن موسى أبو داود حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن يزيد حدثني حبيب بن سليمان عن أبيه سليمان بن سمرة عن سمرة بن جندب أما بعد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله } وقال السدي: لما أسر العباس وعقيل ونوفل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس } افد نفسك وابن أخيك { فقال يا رسول الله ألم نصل إلى قبلتك ونشهد شهادتك قال { يا عباس إنكم خاصمتم فخصمتم } ثم تلا عليه هذه الآية ألم تكن أرض الله واسعة { رواه ابن أبي حاتم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا
    +/- -/+  
الأية
98
 
وقوله إلا المستضعفين إلى آخر الآية هذا عذر من الله لهؤلاء في ترك الهجرة وذلك أنهم لا يقدرون على التخلص من أيدي المشركين ولو قدروا ما عرفوا يسلكون الطريق ولهذا قال لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا قال مجاهد وعكرمة والسدي يعني طريقا.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَأُولَٰئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ ۚ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا
    +/- -/+  
الأية
99
 
وقوله تعالى { فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم } أي يتجاوز عنهم بترك الهجرة وعسى من الله موجبة { وكان الله غفورا رحيما قال البخاري: حدثنا أبو نعيم حدثنا شيبان عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء إذ قال } سمع الله لمن حمده } ثم قال قبل أن يسجد } اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة اللهم أنج سلمة بن هشام اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج المستضعفين من المومنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف { وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو معمر المقري حدثني عبدالوارث حدثنا على بن زيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يده بعدما سلم وهو مستقبل القبلة فقال { اللهم خلص الوليد بن الوليد وعياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام وضعفة المسلمين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا من أيدي الكفار { وقال ابن جرير حدثنا المثنى حدثنا حجاج حدثنا حماد عن علي بن زيد عن عبدالله أو إبراهيم بن عبدالله القرشي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في دبر صلاة الظهر { اللهم خلص الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة وضعفة المسلمين من أيدي المشركين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا } . ولهذا الحديث شاهد في الصحيح من غير هذا الوجه كما تقدم وقال عبدالرزاق أنبأنا ابن عيينة عن عبيدالله بن أبي يزيد قال سمعت ابن عباس يقول: كنت أنا وأمي من المستضعفين من النساء والولدان. وقال البخاري: أنبأنا النعمان حدثنا حماد بن زيد عن أيوب بن أبي مليكة عن ابن عباس { إلا المستضعفين } قال: كنت أنا وأمي ممن عذر الله عز وجل.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ ۗ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا
    +/- -/+  
الأية
100
 
وقوله{ ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة } وهذا تحريض على الهجرة وترغيب في مفارقة المشركين وأن المؤمن حيثما ذهب وجد عنهم مندوحة وملجأ يتحصن فيه والمرغم مصدر تقول العرب راغم فلان قومه مراغما ومراغمة قال النابغة ابن جعدة. كطود يلاذ بأركانه عزيز المراغم والمهرب وقال ابن عباس: المراغم التحول من أرض إلى أرض. وكذا روي عن الضحاك والربيع بن أنس والثوري وقال مجاهد: مراغما كثيرا يعني متزحزحا عما يكره وقال سفيان بن عيينة مراغما كثيرا يعني بروجا والظاهر والله أعلم أنه المنع الذي يتخلص به ويراغم به الأعداء قوله { وسعة } يعني الرزق قاله غير واحد منهم قتادة حيث قال في قوله { يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة } أي من الضلالة إلى الهدى ومن القلة إلى الغنى وقوله ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله أي ومن يخرج من منزله بنية الهجرة فمات في أثناء الطريق فقد حصل له عند الله ثواب من هاجر كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من الصحاح والمسانيد والسنن من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن أبي وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه } . وهذا عام في الهجرة وفي جميع الأعمال ومنه الحديث الثابت في الصحيحين في الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا ثم أكمل بذلك العابد المائة ثم سأل عالما هل له من توبة فقال له ومن يحول بينك وبين التوبة؟ ثم أرشده إلى أن يتحول من بلده إلى بلد أخرى يعبد الله فيه فلما ارتحل من بلده مهاجرا إلى البلد الأخرى أدركه الموت في أثناء الطريق فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقال هؤلاء إنه جاء تائبا وقال هؤلاء إنه لم يصل بعد فأمروا أن يقيسوا ما بين الأرضين فإلى أيهما كان أقرب فهو منها فأمر الله هذه أن تقترب من هذه وهذه أن تبعد فوجدوه أقرب إلى الأرض التي هاجر إليها بشبر فقبضته ملائكة الرحمة وفي رواية أنه لما جاءه الموت ناء بصدره إلى الأرض التي هاجر إليها. وقال الإمام أحمد حدثنا يزيد بن هارون حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن محمد بن عبدالله بن عتيك عن أبيه عبدالله بن عتيك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { من خرج من بيته مجاهدا في سبيل الله ثم قال وأين المجاهدون في سبيل الله فخر عن دابته فمات فقد وقع أجره على الله أو لدغته دابة فمات فقد وقع أجره على الله أو مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الله } يعني بحتف أنفه على فراشه والله إنها لكلمة ما سمعتها من أحد من العرب قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن قتل قعصا فقد استوجب الجنة وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا عبدالرحمن بن عبدالملك بن شيبة الخزامي حدثني عبدالرحمن بن المغيرة الخزامي عن المنذر بن عبدالله عن هشام بن عروة عن أبيه أن الزبير بن العوام قال: هاجر خالد بن حزام إلى أرض الحبشة فنهشته حية في الطريق فمات فنزلت فيه { ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما } قال الزبير: فكنت أتوقعه وأنتظر قدومه وأنا بأرض الحبشة فما أحزنني شيء حزن وفاته حين بلغتني لأنه قل أحد ممن هاجر من قريش إلا ومعه بعض أهله أو ذوي رحمه ولم يكن معي أحد من بني أسد بن عبدالعزى ولا أرجو غيره وهذا الأثر غريب جدا فإن هذه القصة مكية ونزول هذه الآية مدني فلعله أراد أنها تعم حكمه مع غيره أن لم يكن ذلك سبب النزول والله أعلم. وقال ابن أبي حاتم حدثنا سليمان بن داود مولى عبدالله بن جعفر حدثنا سهل بن عثمان حدثنا عبدالرحمن بن سليمان حدثنا أشعث هو ابن سوار عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: خرج ضمرة بن جندب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فمات في الطريق قبل أن يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنزلت { ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله } الآية. وحدثنا أبي حدثنا عبدالله بن رجاء أنبأنا إسرائيل عن سالم عن سعيد بن جبير عن أبي ضمرة بن العيص الزرقي الذي كان مصاب البصر وكان بمكة فلما نزلت { إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة } فقلت إني لغني وإنى لذو حيلة فتجهز يريد النبي صلى الله عليه وسلم فأدركه الموت بالتنعيم فنزلت هذه الآية ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت } الآية. وقال الطبراني حدثنا الحسن بن عروبة البصري حدثنا حيوة بن شريح الحمصي حدثنا بقية بن الوليد حدثنا ابن ثوبان عن أبيه حدثنا مكحول عن عبدالرحمن بن غنم الأشعري أنبأنا أبو مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { إن الله قال من انتدب خارجا في سبيلي غازيا ابتغاء وجهي وتصديق وعدي وإيمانا برسلي فهو في ضمان على الله إما أن يتوفاه بالجيش فيدخله الجنة وإما أن يرجع في ضمان الله وإن طالب عبدا فنغصه حتى يرده إلى أهله مع ما نال من أجر أو غنيمة ونال من فضل الله فمات أو قتل أو رفصته فرسه أو بعيره أو لدغته هامة أو مات على فراشه بأي حتف شاء الله فهو شهيد } . وروى أبو داود من حديث بقية من فضل الله إلى آخره وزاد بعد قوله فهو شهيد وإن له الجنة وقال الحافظ أبو يعلى حدثنا إبراهيم بن زياد حدثنا أبو معاوية حدثنا محمد بن إسحاق عن حميد بن أبي حميد عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من خرج حاجا فمات كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة ومن خرج معتمرا فمات كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة ومن خرج غازيا في سبيل الله فمات كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة } وهذا حديث غريب من هذا الوجه.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا
    +/- -/+  
الأية
101
 
يقول تعالى { وإذا ضربتم في الأرض } أي سافرتم في البلاد كما قال تعالى { علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله } الآية وقوله{ فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة{ أي تخففوا فيها إما من كميتها بأن تجعل الرباعية ثنائية كما فهمه الجمهور من هذه الآية واستدلوا بها على قصر الصلاة في السفر على اختلافهم في ذلك فمن قائل لابد أن يكون سفر طاعة من جهاد أو حج أو عمرة أو طلب علم أو زيارة أو غير ذلك كما هو مروي عن ابن عمر وعطاء ويحيى عن مالك في رواية عنه نحوه لظاهر قوله { إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } ومن قائل لا يشترط سفر القربة بل لابد أن يكون مباحا لقوله { فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم } الآية كما أباح له تناول الميتة مع الاضطرار بشرط أن لا يكون عاصيا بسفره وهذا قول الشافعي وأحمد وغيرهما من الأئمة وقد قال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن الأعمش عن إبراهيم قال: جاء رجل فقال يا رسول الله إنى رجل تاجر أختلف إلى البحرين فأمره أن يصلي ركعتين فهذا مرسل. ومن قائل يكفى مطلق السفر سواء كان مباحا أو محظورا حتى لو خرج لقطع الطريق وإخافة السبيل ترخص لوجود مطلق السفر وهذا قول أبي حنيفة والثوري وداود لعموم الآية وخالفهم الجمهور وأما قوله تعالى { إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } فقد يكون هذا خرج مخرج الغالب حال نزول هذه الآية فإن في مبدأ الإسلام بعد الهجرة كان غالب أسفارهم مخوفة بل ما كانوا ينهضون إلا إلى غزو عام أو في سرية خاصة. وسائر الأحيان حرب للإسلام وأهله والمنطوق إذا خرج مخرج الغالب أو على حادثه فلا مفهوم له كقوله تعالى{ ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا } وكقوله تعالى { وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم } الآية. وقال الإمام أحمد حدثنا ابن إدريس حدثنا ابن جريج عن أبي عمار عن عبدالله بن رابية عن يعلى بن أمية قال: سألت عمر بن الخطاب قلت له قوله { ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } وقد أمن الناس فقال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه: عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال { صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صداقته } . وهكذا رواه مسلم وأهل السنن من حديث ابن جريج عن عبدالرحمن بن عبدالله بن أبي عمار به. وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. وقال على بن المديني هذا حديث حسن صحيح من حديث عمر ولا يحفظ إلا من هذا الوجه ورجاله معروفون. وقال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو نعيم حدثنا مالك بن مغول عن أبي حنظلة الحذاء قال سألت ابن عمر عن صلاة السفر فقال: ركعتان فقلت أين قوله{ إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } ونحن آمنون فقال: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن مردويه حدثنا عبدالله بن محمد بن عيسى حدثنا علي بن محمد بن سعيد حدثنا منجاب حدثنا شريك عن قيس بن وهب عن أبي الوداك قال: سألت ابن عمر عن ركعتين في السفر فقال: هي رخصة نزلت من السماء فإن شئتم فردوها. وقال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون حدثنا ابن عون عن ابن سيرين عن ابن عباس قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة ونحن آمنون لا نخاف بينهما ركعتين ركعتين. وهكذا رواه النسائي عن محمد بن عبدالأعلى عن خالد الحذاء عن عبدالله بن عون به. قال أبو عمر بن عبدالبر وهكذا رواه أيوب وهشام ويزيد بن إبراهيم التستري عن محمد بن سيرين عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله قلت وهكذا رواه الترمذي والنسائي جميعا عن قتيبة عن هشيم عن منصور عن زاذان عن محمد بن سيرين عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة إلى مكة لا يخاف إلا رب العالمين فصلى ركعتين ثم قال الترمذي صحيح وقال البخاري حدثنا أبو معمر حدثنا عبدالوارث حدثنا يحيى بن أبي إسحاق قال سمعت أنسا يقول: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة قلت: أقمتم بمكة شيئا قال: أقمنا بها عشرا. وهكذا أخرجه بقية الجماعة من طرق عن يحيى بن أبي إسحاق الحضرمي به وقال الإمام أحمد حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن حارثة بن وهب الخزاعي قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر بمنى أكثر ما كان الناس وآمنه ركعتين. ورواه الجماعة سوى ابن ماجه من طرق عن ابن أبي إسحاق السبيعي عنه به ولفظ البخاري حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة أنبأنا أبو إسحاق سمعت حارثة بن وهب قال: صلى الله عليه وسلم بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آمن ما كان بمنى ركعتين. وقال البخاري حدثنا مسدد حدثنا يحيى حدثنا عبيد الله أخبرني نافع عن عبدالله بن عمر قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين وأبي بكر وعمر وعثمان صدرا من إمارته ثم أتمها وكذا رواه مسلم من حديث يحيى بن سعيد القطان به وقال البخاري حدثنا قتيبة حدثنا عبدالواحد عن الأعمش حدثنا إبراهيم سمعت عبدالرحمن بن يزيد يقول: صلى بنا عثمان بن عفان رضي الله عنه بمنى أربع ركعات فقيل في ذلك لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه فاسترجع ثم قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين وصليت مع أبي بكر بمنى ركعتين وصليت مع عمر بن الخطاب بمنى ركعتين فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان. ورواه البخاري أيضا من حديث الثوري عن الأعمش به وأخرجه مسلم من طرق عنه منها عن قتيبة كما تقدم. فهذه الأحاديث دالة صريحا على أن القصر ليس من شرطه وجود الخوف ولهذا قال من قال من العلماء إن المراد من القصر ههنا إنما هو قصر الكيفية لا الكمية وهو قول مجاهد والضحاك والسدي كما سيأتي بيانه واعتضدوا أيضا بما رواه الإمام مالك عن صالح بن كيسان عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في السفر والحضر فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر. وقد روى هذا الحديث البخاري عن عبدالله بن يوسف التنيسي ومسلم عن يحيى بن يحيى وأبو داود عن القعنبي والنسائي عن قتيبة أربعتهم عن مالك به قالوا فإذا كان أصل الصلاة في السفر هي الثنتين فكيف يكون المراد بالقصر ههنا قصر الكمية لأن ما هو الأصل لا يقال فيه فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة أصرح من ذلك دلاله على هذا ما رواه الإمام أحمد حدثنا وكيع وسفيان وعبدالرحمن عم زبيد اليامي عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن عمر رضي الله عنه قال: صلاة السفر ركعتان وصلاة الأضحى ركعتان وصلاة الفطر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم. وهكذا رواه النسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه من طرق عن زبيد اليامي به وهذا إسناد على شرط مسلم وقد حكم مسلم في مقدمة كتابه بسماع ابن أبي ليلى عن عمر وقد جاء مصرحا به في هذا الحديث وفي غيره وهو الصواب إن شاء الله وإن كان يحيى بن معين وأبو حاتم والنسائي قد قالوا إنه لم يسمع منه وعلى هذا أيضا فقال فقد وقع في بعض طرق أبي يعلى الموصلي من طريق الثوري عن زبيد عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن الثقة عن عمر فذكره وعند ابن ماجه من طريق يزيد بن أبي زياد بن أبي الجعد عن زبيد عن عبدالرحمن عن كعب بن عجرة عن عمر فالله أعلم. وقد روى مسلم في صحيحه وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث أبي عوانة الوضاح بن عبدالله اليشكري زاد مسلم والنسائي وأيوب بن عائذ كلاهما عن بكير بن الأخنس عن مجاهد عن عبدالله بن عباس قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة فكما يصلي في الحضر قبلها وبعدها فكذلك يصلي في السفر. ورواه ابن ماجه من حديث أسامة بن زيد عن طاوس نفسه فهذا ثابت بن ابن عباس رضي الله عنهما ولا ينافي ما تقدم عن عائشة رضي الله عنها لأنها أخبرت أن أصل الصلاة ركعتان ولكن زيد في صلاة الحضر فلما استقر ذلك صح أن يقال إن فرض صلاة الحضر أربع كما قاله ابن عباس والله أعلم لكن اتفق حديث ابن عباس وعائشة على أن صلاة السفر ركعتان وأنها تامة غير مقصورة كما هو مصرح به في حديث عمر رضي الله عنه وإذا كان كذلك فيكون المراد بقوله تعالى { فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } قصر الكيفية كما في صلاة الخوف ولهذا قال إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا الآية ولهذا قال بعدها وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة الآية فبين المقصود من القصر ههنا وذكر صفته وكيفيته ولهذا لما عقد البخاري كتاب صلاة الخوف صدره بقوله تعالى { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة - إلى قوله - إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا } وهكذا قال جويبر عن الضحاك في قوله { فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } قال: ذاك عند القتال يصلي الرجل الراكب تكبيرتين حيث كان وجهه وقال أسباط عن السدي في قوله { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم } الآية أن الصلاة إذا صليت ركعتين في السفر فهي تمام التقصير لا يحل إلا أن يخاف من الذين كفروا أن يفتنوه عن الصلاة فالتقصير ركعة وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد { فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة يوم } كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعسفان والمشركون بضجنان فتوافقوا فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الظهر بأربع ركعات بركوعهم وسجودهم وقيامهم معا جميعا فهم بهم المشركون أن يغيروا على أمتعتهم وأثقالهم. روى ذلك ابن أبى حاتم ورواه ابن جرير عن مجاهد والسدي وعن جابر وابن عمر واختار ذلك أيضا فإنه قال بعد ما حكاه من الأقوال في ذلك وهو الصواب. وقال ابن جرير حدثني محمد بن عبدالله بن عبدالحكم حدثنا ابن أبي فديك حدثنا ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن أمية بن عبدالله بن خالد بن أسيد أنه قال لعبدالله بن عمر: إنا نجد في كتاب الله قصر صلاة الخوف ولا نجد قصر صلاة المسافر فقال عبدالله: إنا وجدنا نبينا صلى الله عليه وسلم يعمل عملا عملنا به فقد سمي صلاة الخوف مقصورة وحمل الآية عليها لا على قصر صلاة المسافر وأقره ابن عمر على ذلك واحتج على قصر الصلاة في السفر بفعل الشارع لا بنص القرآن وأصرح من هذا ما رواه ابن جرير أيضا. حدثنا أحمد بن الوليد القرشي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سماك الحنفي قال سألت ابن عمر عن صلاة السفر فقال: ركعتان تمام غير قصر إنما القصر في صلاة المخافة فقلت وما صلاة المخافة ؟ فقال: يصلي الإمام بطائفة ركعة ثم يجيء هؤلاء إلى مكان هؤلاء وهؤلاء إلى مكان هؤلاء فيصلى بهم ركعة فيكون للإمام ركعتان ولكل طائفة ركعة ركعة.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ۖ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ۗ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا
    +/- -/+  
الأية
102
 
صلاة الخوف أنواع كثيرة فإن العدو تارة يكون تجاه القبلة وتارة يكون في غير صوبها والصلاة تكون رباعية وتارة تكون ثلاثية كالمغرب: وتارة تكون ثنائية كالصبح وصلاة السفر ثم تارة يصلون جماعة وتارة يلتحم الحرب فلا يقدرون على الجماعة بل يصلون فرادى مستقبلي القبلة وغير مستقبليها ; ورجالا وركبانا ولهم أن يمشوا والحالة هذه ويضربوا الضرب المتتابع في متن الصلاة. ومن العلماء من قال: يصلون والحالة هذه ركعة واحدة لحديث ابن عباس المتقدم. وبه قال أحمد بن حنبل قال المنذري في الحواشي وبه قال عطاء وجابر والحسن ومجاهد والحكم وقتادة وحماد وإليه ذهب طاوس والضحاك وقد حكى أبو عصام العبادي عن محمد بن نصر المروزي أنه يرى رد الصبح إلى ركعة في الخوف وإليه ذهب ابن حزم أيضا وقال إسحاق بن راهويه: أما عند المسايفة فيجزيك ركعة واحدة توميء بها إيماء. فإن لم تقدر فسجدة واحدة لأنها ذكر الله وقال آخرون يكفي تكبيرة واحدة فلعله أراد ركعة واحدة كما قاله الإمام أحمد بن حنبل وأصحابه وبه قال جابر بن عبدالله وعبدالله بن عمر وكعب وغير واحد من الصحابة والسدى ورواه ابن جرير ولكن الذين حكوه إنما حكوه على ظاهره في الاجتزاء بتكبيرة واحدة كما هو مذهب إسحاق بن راهويه وإليه ذهب الأمير عبدالوهاب بن بخت المكي حتى قال: فإن لم يقدر على التكبيرة فلا يتركها في نفسه يعني بالنية رواه سعيد بن منصور في سننه عن إسماعيل بن عياش عن شعيب بن دينار عنه فالله أعلم. ومن العلماء من أباح تأخير الصلاة لعذر القتال والمناجزة كما أخر النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب الظهر والعصر فصلاهما بعد الغروب ثم صلى بعدهما المغرب ثم العشاء وكما قال بعدها يوم بني قريظة حين جهز إليهم الجيش لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة فأدركتهم الصلاة في أثناء الطريق فقال منهم قائلون: لم يرد منا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تعجيل المسير ولم يرد منا تأخر الصلاة عن وقتها فصلوا الصلاة لوقتها في الطريق وأخر آخرون منهم صلاة العصر فصلوها في بنى قريظة بعد الغروب ولم يعنف رسول الله صلى أحدا من الفريقين وقد تكلمنا على هذا في كتاب السيرة وبينا أن الذين صلوا العصر لوقتها أقرب إلى إصابة الحق في نفس الأمر وإن كان الآخرون معذورين أيضا والحجة ههنا في عذرهم في تأخير الصلاة لأجل الجهاد والمبادرة إلى حصار الناكثين للعهد من الطائفة الملعونة اليهود. وأما الجمهور فقالوا هذا كله منسوخ بصلاة الخوف فإنها لم تكن نزلت بعد فلما نزلت نسخ تأخير الصلاة لذلك وهذا أبين في حديث أبي سعيد الخدري الذي رواه الشافعي رحمه الله وأهل السنن ولكن يشكل عليه ما حكاه البخاري في صحيحه حيث قال { باب الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو } قال الأوزاعي إن كان تهيأ الفتح ولم يقدروا على الصلاة صلوا إيماء كل امرئ لنفسه فإن لم يقدروا على الإيماء أخروا الصلاة حتى ينكشف القتال أو يأمنوا فيصلوا ركعتين فإن لم يقدروا صلوا ركعة وسجدتين فإن لم يقدروا فلا يجزيهم التكبير ويؤخرونها حتى يأمنوا وبه قال مكحول وقال أنس بن مالك: حضرت عند مناهضة حصن تستر عند إضاءة الفجر واشتد اشتعال القتال فلم يقدروا على الصلاة فلم نصل إلا بعد ارتفاع النهار فصليناها ونحن مع أبي موسى ففتح لنا قال أنس: وما يسرني بتلك الصلاة الدنيا وما فيها انتهى ما ذكره ثم أتبعه بحديث تأخير الصلاة يوم الأحزاب ثم بحديث أمره إياهم أن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة وكأنه المختار لذلك والله أعلم. ولمن جنح إلى ذلك له أن يحتج بصنيع أبي موسى وأصحابه يوم فتح تستر فإنه يشتهر غالبا ولكن كان ذلك في إمارة عمر بن الخطاب ولم ينقل أنه أنكر عليهم ولا أحد من الصحابة والله أعلم قال هؤلاء وقد كانت صلاه الخوف مشروعة في الخندق لأن غزوة ذات الرقاع كانت قبل الخندق في قول جمهور علماء السير والمغازي وممن نص على ذلك محمد بن إسحاق وموسى بن عقبة والواقدي ومحمد بن سعد كاتبه وخليفة بن الخياط وغيرهم وقال البخاري وغيره كانت ذات الرقاع بعد الخندق لحديث أبي موسى وما قدم إلا في خيبر والله أعلم. والعجب كل العجب أن المزنى وأبا يوسف القاضي وإبراهيم بن إسماعيل بن علية ذهبوا إلى أن صلاة الخوف منسوخة بتأخيره عليه الصلاة والسلام يوم الخندق وهذا غريب جدا وقد ثبتت الأحاديث بعد الخندق بصلاة الخوف وحمل تأخير الصلاة يومئذ على ما قاله مكحول والأوزاعي أقوى وأقرب والله أعلم فقوله تعالى { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة } أي إذا صليت بهم إماما في صلاة الخوف وهذه حاله غير الأولى فإن تلك قصرها إلى ركعة كما دل عليه الحديث - فرادى ورجالا وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها ثم ذكر حال الاجتماع والإئتمام بإمام واحد وما أحسن ما استدل به من ذهب إلى وجوب الجماعة من هذه الآية الكريمة حيث اغتفرت أفعال كثيرة لأجل الجماعة فلولا أنها واجبة ما ساغ ذلك وأما من استدل بهذه الآية على أن صلاة الخوف منسوخة بعد النبي صلى الله عليه وسلم لقوله { وإذا كنت فيهم } فبعده تفوت هذه الصفة فإنه استدلال ضعيف ويرد عليه مثل قول مانعي الزكاة الذين احتجوا بقوله{ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم } قالوا فنحن لا ندفع زكاتنا بعده صلى الله عليه وسلم إلى أحد بل نخرجها نحن بأيدينا على من نراه ولا ندفعها إلا إلى من صلاته أي دعاؤه سكن لنا ومع هذا رد عليهم الصحابة وأبوا عليهم هذا الاستدلال وأجبروهم على أداء الزكاة وقاتلوا من منعها منهم ولنذكر سبب نزول هذه الآية الكريمة أولا قبل ذكر صفتها قال ابن جرير حدثني ابن المثنى حدثني إسحاق حدثنا عبدالله بن هاشم أنبأنا سيف عن أبي روق عن أبي أيوب عن علي رضي الله عنه قال: سأل قوم من بني النجار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله إنا نضرب في الأرض فكيف نصلي فأنزل الله عز وجل { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } ثم انقطع الوحي فلما كان بعد ذلك بحول غزا النبي صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر فقال المشركون لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم فقال قائل منهم إن لهم أخرى مثلها في أثرها قال فأنزل الله عز وجل بين الصلاتين { إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } الآيتين فنزلت صلاة الخوف وهذا سياق غريب جدا ولكن لبعضه شاهد من رواية أبي عياش الزرقي واسمه زيد بن الصامت رضي الله عنه عند الإمام أحمد وأهل السنن فقال الإمام أحمد حدثنا عبدالرزاق حدثنا الثوري عن منصور عن مجاهد عن أبي عياش الزرقي قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان فاستقبلنا المشركون عليهم خالد بن الوليد وهم بيننا وبين القبلة فصلى بنا رسول الله صلى الظهر فقالوا لقد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم ثم قالوا يأتى عليهم الآن صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم قال فنزل جبريل بهذه الآيات بين الظهر والعصر { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة } قال فحضرت فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذوا السلاح قال: فصفنا خلفه صفين قال: ثم ركع فركعنا جميعا ثم رفع فرفعوا جميعا ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم بالصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم فلما سجدوا وقاموا جلس الآخرون فسجدوا في مكانهم ثم تقدم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء ثم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء ثم ركع فركعوا جميعا ثم رفع فرفعوا جميعا ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم والصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم فلما جلسوا جلس الآخرون فسجدوا ثم سلم عليهم ثم انصرف. قال: فصلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرة بعسفان ومرة بأرض بني سليم. ثم رواه أحمد عن غندر عن شعبة عن منصور به نحوه وهكذا رواه أبو داود عن سعيد بن منصور عن جرير بن عبدالحميد والنسائي من حديث شعبة وعبدالعزيز بن عبدالصمد كلهم عن منصور به وهذا إسناد صحيح وله شواهد كثيرة فمن ذلك ما رواه البخاري حيث قال: حدثنا حيوة بن شريح حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن عبدالله بن عبدالله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم وقام الناس معه فكبر وكبروا معه وركع وركع ناس منهم ثم سجد وسجدوا معه ثم قام للثانية فقام الذين سجدوا وحرسوا إخوانهم وأتت الطائفة الأخرى فركعوا وسجدوا معه والناس كلهم في الصلاة ولكن يحرس بعضهم بعضا وقال ابن جرير حدثنا ابن بشار حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن سليمان بن قيس اليشكري أنه سأل جابر بن عبدالله عن إقصار الصلاة أي يوم أنزل أو أي يوم هو فقال جابر: انطلقنا نتلقى عيرا لقريش آتية من الشام حتى إذا كنا بنخلة جاء رجل من القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد هل تخافني قال { لا } قال فمن يمنعك مني قال { الله يمنعني منك { قال: فسل السيف ثم تهدده وأوعده ثم نادى بالترحل وأخذ السلاح ثم نودي بالصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطائفة من القوم وطائفة أخرى تحرسهم فصلى الله عليه وسلم بالذين يلونه ركعتين ثم تأخر الذين يلونه على أعقابهم فقاموا في مصاف أصحابهم ثم جاء الآخرون فصلى بهم ركعتين والآخرون يحرسونهم ثم سلم فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتين ركعتين فيومئذ أنزل الله في إقصار الصلاة وأمر المؤمنين بأخذ السلاح. ورواه الإمام احمد فقال: حدثنا شريح حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سليمان بن قيس اليشكري عن جابر بن عبدالله قال: قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم محارب حفصة فجاء رجل منهم يقال له غورث بن الحارث حتى قام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف فقال: من يمنعك مني قال { الله { فسقط السيف من يده فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال { ومن يمنعك مني { قال: كن خير آخذ قال { أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله { ؟ قال لا ولكن أعاهدك أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك فخلى سبيله فقال جئتكم من عند خير الناس فلما حضرت الصلاة صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فكان الناس طائفتين طائفة بإزاء العدو وطائفة صلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالطائفة الذين معه ركعتين وانصرفوا فكانوا مكان الطائفة الذين كانوا بإزاء العدو ثم انصرف الذين كانوا بإزاء العدو فصلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتين ركعتين تفرد به من هذا الوجه وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان حدثنا أبو قطن عمر بن الهيثم حدثنا المسعودي عن يزيد الفقير قال: سألت جابر بن عبدالله عن الركعتين في السفر أقصرهما فقال: الركعتان في السفر تمام إنما القصر واحدة عند القتال بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال إذ أقيمت الصلاة فقام رسول الله صلى فصف بطائفة وطائفة وجهها قبل العدو فصلى بهم ركعة وسجد بهم سجدتين ثم الذين خلفوا انطلقوا إلى أولئك فقاموا مقامهم ومكانهم نحو ذا وجاء أولئك فقاموا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم ركعة وسجد بهم سجـدتين ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس وسلم وسلم الذين خلفه وسلم أولئك فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين وللقوم ركعة ركعة ثم قرأ وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة الآية وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبه عن الحكم عن يزيد الفقير عن جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى بهم صلاة الخوف فقام صف بن يديه وصف خلفه فصلى بالذين خلفه ركعة وسجدتين ثم تقدم هؤلاء حتى قاموا في مقام أصحابهم وجاء أولئك حتى قاموا في مقام هؤلاء فصلى بهم رسول الله صلى ركعة وسجدتين ثم سلم فكانت للنبي صلى الله عليه وأله وسلم ركعتين ولهم ركعة ورواه النسائي من حديث شعبة ولهذا الحديث طرق عن جابر وهو في صحيح مسلم من وجه آخر بلفظ آخر وقد رواه عن جابر جماعة كثيرون في الصحيح والسنن والمسانيد. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا نعيم بن حماد حدثنا عبدالله بن المبارك أنبأنا معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه قال { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة } قال هي صلاة الخوف صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحدى الطائفتين ركعة والطائفة الأخرى مقبلة على العدو وأقبلت الطائفة الأخرى التي كانت مقبله على العدو فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة أخرى ثم سلم بهم ثم قامت كل طائفة منهم فصلت ركعة ركعة وهذا الحديث رواه الجماعة في كتبهم من طريق معمر به ولهذا الحديث طرق كثيرة عن الجماعة من الصحابة وقد أجاد الحافظ أبو بكر بن مردويه في سرد طرقه وألفاظه وكذا ابن جرير ولنحرره في كتاب الأحكام الكبير إن شاء الله وبه الثقة وأما الأمر بحمل السلاح في صلاة الخوف فمحمول عند طائفة من العلماء على الوجوب لظاهر الآية وهو أحد قولي الشافعي ويدل عليه قول الله تعالى { ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم } أي بحيث تكونون على أهبة إذا احتجتم إليها لبستموها بلا كلفة { إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ ۚ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۚ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا
    +/- -/+  
الأية
103
 
يأمر الله تعالى بكثرة الذكر عقيب صلاة الخوف وإن كان مشروعا مرغبا فيه أيضا بعد غيرها ولكن هاهنا آكد لما وقع فيها من التخفيف في أركانها ومن الرخصة في الذهاب فيها والإياب وغير ذلك مما ليس يوجد في غيرها كما قال تعالى في الأشهر الحرم { فلا تظلموا فيهن أنفسكم } وإن كان هذا منهيا عنه في غيرها ولكن فيها آكد لشدة حرمتها وعظمها ولهذا قال تعالى { فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم } أي في سائر أحوالكم ثم قال تعالى { فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة } أي فإذا أمنتم وذهب الخوف وحصلت الطمأنينة { فأقيموا الصلاة } أي فأتموها وأقيموها كما أمرتم بحدودها وخشوعها وركوعها وسجودها وجميع شؤونها وقوله تعالى{ إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } قال ابن عباس أي مفروضا وقال أيضا: أن للصلاة وقتا كوقت الحج وكذا روى عن مجاهد وسالم بن عبدالله وعلي بن الحسين ومحمد بن علي والحسن ومقاتل والسدي وعطية العوفي وقال عبدالرزاق عن معمر عن قتادة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا قال ابن مسعود: إن للصلاة وقتا كوقت الحج وقال زيد بن أسلم إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا قال منجما كلما مضى نجم جاء نجم يعني كلما مضى وقت وجاء وقت.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
    +/- -/+  
الأية
104
 
وقوله تعالى { ولا تهنوا في ابتغاء القوم } أي لا تضعفوا في طلب عدوكم بل جدوا فيهم وقاتلوهم واقعدوا لهم كل مرصد { إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون أي كما يصيبكم الجراح والقتل كذلك يحصل لهم كما قال تعالى إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ثم قال تعالى { وترجون من الله ما لا يرجون } أي أنتم وإياهم سواء فيما يصيبكم وإياهم والجراح والآلام ولكن أنتم ترجون من الله المثوبة والنصر والتأييد كما وعدكم إياه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى وهو وعد حق وخبر صدق وهم لا يرجون شيئا من ذلك فأنتم أولى بالجهاد منهم وأشد رغبة فيه وفي إقامة كلمة الله وإعلائها { وكان الله عليما حكيما } أي هو أعلم وأحكم فيما يقدره ويقضيه وينفذه ويمضيه من أحكامه الكونية والشرعية وهو المحمود على كل حال.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ ۚ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا
    +/- -/+  
الأية
105
 
يقول تعالى مخاطبا لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق } أي هو حق من الله وهو يتضمن الحق في خبره وطلبه وقوله { لتحكم بين الناس بما أراك الله } احتج به من ذهب من علماء الأصول إلى أنه كان صلى له أن يحكم بالاجتهاد بهذه الآية وبما ثبت في الصحيحين عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة أن رسول الله صلى اله عليه وسلم سمع جلبة خصم بباب حجرته فخرج إليهم فقال } ألا إنما أنا بشر وإنما أقضي بنحو مما أسمع ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو ليذرها { وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع حدثنا أسامة بن زيد عن عبدالله بن رافع عن أم سلمة قالت: جاء رجلان من الأنصار يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواريث بينهما قد درست ليس عندهما بينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إنكم تختصمون إلي وإنما أنا بشر ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وإنما أقضي بينكم على نحو ما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها انتظاما في عنقه يوم القيامة { فبكى الرجلان وقال كل منهـا: حقي لأخي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أما إذا قلتما فاذهبا فاقتسما ثم توخيا الحق بينكما ثم استهما ثم ليحلل كل منكما صاحبه { وقد رواه أبو داود من حديث أسامة بن زيد به وزاد { إني إنما أقضى بينكما برأي فيما لم ينزل علي فيه { وقد روى ابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس أن نفرا من الأنصار غزوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته فسرقت درع لأحدهم فأظن بها رجل من الأنصار فأتى صاحب الدرع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن طعمة بن أبيرق سرق درعي فلما رأى السارق ذلك عمد إليها فألقاها في بيت رجل بريء وقال لنفر من عشيرته إني غيبت الدرع وألقيتها في بيت فلان وستوجد عنده فانطلقوا إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ليلا فقالوا: يا نبي الله إن صاحبنا برئ وإن صاحب الدرع فلان وقد أحطنا بذلك علما فاعذر صاحبنا على رءوس الناس وجادل عنه فإنه إن لم يعصمه الله بك يهلك فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فبرأه وعذره على رؤس الناس فأنزل الله { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم } الآية ثم قال تعالى للذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفين بالكذب يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله الآيتين. يعني الذين أتوا رسول الله صلى مستخفين يجادلون عن الخائنين ثم قال عز وجل ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه الآية يعني الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفين بالكذب ثم قال ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا يعني السارق والذين جادلوا عن السارق وهذا سياق غريب وقد ذكر مجاهد وعكرمة وقتادة والسدى وابن زيد وغيرهم في هذه الآية أنها نزلت في سارق بني أبيرق على اختلاف سياقاتهم وهي متقاربة وقد روى هذه القصة محمد بن إسحاق مطولة فقال أبو عيسى الترمذي عند تفسير هذه الآية من جامعه وابن جرير في تفسيره: حدثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب أبو مسلم الحراني حدثنا محمد بن سلمة الحراني حدثنا محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن أبيه عن جده قتادة بن النعمان رضي الله عنه قال: كان أهل بيت منا يقال لهم بنو أبيرق بشر وبشير ومبشر وكان بشير رجلا منافقا يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ينحله لبعض العرب ثم يقول: قال فلان كذا وكذا وقال فلان كذا وكذا فإذا سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الرجل الخبيث أو كما قال الرجل وقالوا ابن الأبيرق قالها قالوا وكانوا أهل بيت حاجة وفاقة في الجاهلية والإسلام وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافطة من الشام من الدرمك ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير فقدمت ضافطة من الشام فابتاع عمي رفاعة بن زيد حملا من الدرمك فجعله في مشربة له وفي المشربة سلاح ودرع وسيف فعدى عليه من تحت البيت فنقبت المشربة وأخذ الطعام والسلاح فلما أصبح أتاني عمى رفاعة فقال: يا ابن أخي إنه قد عدى علينا في ليلتنا هذه فنقبت مشربتنا فذهب بطعامنا وسلاحنا قال فتحسسنا في الدار وسألنا فقيل لنا قد رأينا بني أبيرق استوقدوا في هذه الليلة ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم قال: وكان بنو أبيرق قالوا - ونحن نسأل في الدار- والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل رجلا منا له صلاح وإسلام فلما سمع لبيد اخترط سيفه وقال: أنا أسرق والله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبينن هذه السرقة قالوا: إليك عنا أيها الرجل فما أنت بصاحبها فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها فقال لي عمي: يا ابن أخى لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له قال قتادة فأتيت رسول الله صلى فقلت: إن أهل بيت منا أهل جفاء عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مشربة له وأخذوا سلاحه وطعامه فليردوا علينا سلاحنا فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم { سآمر في ذلك } فلما سمع بذلك بنو أبيرق أتوا رجلا منهم يقال له أسيد بن عروة فكلموه في ذلك فاجتمع في ذلك أناس من أهل الدار فقالوا: يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت قال قتادة: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فكلمته فقال { عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير ثبت ولا بينة { قال فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فأتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي ما صنعت ؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الله المستعان فلم نلبث أن نزل القرآن { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما } يعني بني أبيرق.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَاسْتَغْفِرِ اللهَ ۖ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا
    +/- -/+  
 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ ۚ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا
    +/- -/+  
الأية
107
 
ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم - إلى قوله - رحيما أي لو استغفروا الله لغفر لهم ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه -إلى قوله-إثما مبينا قوله للبيد ولولا فضل الله عليك ورحمته -إلى قوله - فسوف نؤتيه أجرا عظيما فلما نزل القرآن أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالسلاح فرده إلى رفاعة فقال قتادة: لما أتيت عمي بالسلاح وكان سيخا قد عمى أو عشى الشك من أبي عيسى في الجاهلية وكنت أرى إسلامه مدخولا فلما أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخي هي في سبيل الله فعرفت أن إسلامه كان صحيحا فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين فنزل على سلافة بنت سعد بن سمية فأنزل الله تعالى ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا فلما نزل على سلافة بنت سعد هجاها حسان بن ثابت بأبيات من شعر فأخذت رحله فوضعته على رأسها ثم خرجت به فرمته في الأبطح ثم قالت: أهديت لي شعر حسان ما كنت تأتيني بخير. لفظ الترمذي هذا حديث غريب لا نعلم أحدا أسنده غير محمد بن سلمة الحراني ورواه يونس بن بكير وغير واحد عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة مرسلا لم يذكروا فيه عن أبيه عن جده ورواه ابن أبي حاتم عن هاشم بن القاسم الحراني عن محمد بن سلمة به ببعضه ورواه ابن المنذر في تفسيره حدثنا محمد بن إسماعيل يعنى الصائغ حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني حدثنا محمد بن سلمة فذكره بطوله ورواه أبو الشيخ الأصبهاني في تفسيره عن محمد بن عياش بن أيوب والحسن بن يعقوب كلاهما عن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني عن محمد بن سلمة به ثم قال في آخره قال محمد بن سلمة سمع مني هذا الحديث يحيى بن معين وأحمد بن حنبل وإسحاق بن إسرائيل وقد روى هذا الحديث الحاكم أبو عبدالله النيسابوري في كتابه المستدرك عن ابن العباس الأصم عن أحمد بن عبدالجبار العطاردي عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق بمعناه أتم منه وفيه الشعر ثم قال: وهذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ ۚ وَكَانَ اللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا
    +/- -/+  
الأية
108
 
وقوله تعالى { يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله } الآية هذا إنكار على المنافقين في كونهم يستخفون بقبائحهم من الناس لئلا ينكروا عليهم ويجاهرون الله بها لأنه مطلع على سرائرهم وعالم بما في ضمائرهم ولهذا قال { وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا } تهديد لهم ووعيد.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
هَا أَنْتُمْ هَٰؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا
    +/- -/+  
الأية
109
 
ثم قال تعالى { ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا } الآية. أي هب أن هؤلاء انتصروا في الدنيا بما أبدوه أو أبدى لهم عند الحكام الذين يحكمون بالظاهر وهم متعبدون بذلك فماذا يكون صنيعهم يوم القيامة بين يدي الله تعالى الذي يعلم السر وأخفى ومن ذا الذي يتوكل لهم يومئذ يوم القيامة في ترويج دعواهم أي لا أحد يومئذ يكون لهم وكيلا ولهذا قال أم من يكون عليهم وكيلا.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا
    +/- -/+  
الأية
110
 
يخبر تعالى عن كرمه وجوده أن كل من تاب إليه تاب عليه من أي ذنب كان فقال تعالى قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: أخبر الله عباده بعفوه وحلمه وكرمه وسعة رحمته ومغفرته فمن أذنب ذنبا صغيرا كان أو كبيرا { لم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما } ولو كانت ذنوبه أعظم من السموات والأرض والجبال رواه ابن جرير. وقال ابن جرير أيضا: حدثنا محمد بن مثنى حدثنا محمد بن أبي عدي حدثنا شعبة عن عاصم عن أبي وائل قال: قال عبدالله: كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم ذنبا أصبح قد كتب كفارة ذلك الذنب على بابه وإذا أصاب البول منه شيئا قرضه بالمقراض فقال رجل: لقد آتى الله بني إسرائيل خيرا فقال عبدالله رضي الله عنه: ما آتاكم الله خير مما آتاهم جعل الماء لكم طهورا وقال تعالى والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم وقال ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما وقال أيضا: حدثني يعقوب حدثنا هشيم عن ابن عون عن حبيب بن أبي ثابت قال: جاءت امرأة إلى عبدالله بن مغفل فسألته عن امرأة فجرت فحبلت فلما ولدت قتلت ولدها قال عبدالله بن مغفل لها النار فانصرفت وهي تبكي فدعاها ثم قال ما أرى أمرك إلا أحد أمرين من يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما قال: فمسحت عينها ثم مضت. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبدالرزاق حدثنا عبدالرحمن بن مهدي حدثنا شعبة عن عثمان بن المغيرة قال: سمعت علي بن ربيعة من بنى أسد يحدث عن أسماء أو ابن أسماء من بني فزارة قال: قال علي 1: كنت إذا سمعت من رسول الله شيئا نفعني الله فيه بما شاء أن ينفعني منه وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ما من مسلم يذنب ذنبا ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر الله لذلك الذنب إلا غفر له { وقرأ هاتين الآيتين ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه الآية والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم الآية وقد تكلما على هذا الحديث وعزيناه إلى من رواه من أصحاب السنن وذكرنا ما في سنده من مقال في مسند أبي بكر الصديق وقد تقدم بعض ذلك في سورة آل عمران أيضا وقد رواه ابن مردويه في تفسيره من وجه آخر عن علي فقال: حدثنا أحمد بن محمد بن زياد حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحراني حدثنا داود بن مهران الدباغ حدثنا عمر بن يزيد عن عبدخير عن علي قال: سمعت أبا بكر هو الصديق يقول: سمعت رسول الله صلى يقول { ما من عبد أذنب فقام فتوضأ فأحسن الوضوء ثم قام فصلى واستغفر من ذنبه إلا كان حقا على الله أن يغفر له { لأن الله يقول ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه الآية ثم رواه من طريق أبان بن أبي عياش عن أبي إسحاق السبيعي عن الحارث عن علي عن الصديق بنحوه وهذا إسناد لا يصح وقال ابن مردويه حدثنا محمد بن علي بن دحيم حدثنا أحمد بن حازم حدثنا موسى بن مروان الرقي حدثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي عن تمام بن نجيح حدثني كعب بن ذهل الأزدي قال: سمعت أبا الدرداء يحدث قال: كان رسول الله صلى إذا جلسنا حوله وكانت له حاجة فقام إليها وأراد الرجوع ترك نعليه في مجلسه أو بعض ما عليه وأنه قام فترك نعليه قال أبو الدرداء فأخذ ركوة من ماء فاتبعته فمضى ساعة ثم رجع ولم يقض حاجته فقال { إنه أتاني آت من ربي فقال: إنه من يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما فأردت أن أبشر أصحابي { قال أبو الدرداء وكانت قد شقت على الناس الآية التي قبلها من يعمل سوءا يجزيه فقلت يا رسول الله وإن زنى وإن سرق ثم استغفر ربه غفر له ؟ قال { نعم { ثم قلت الثانية قال { نعم { ثم قلت الثالثة قال { نعم وإن زنى وإن سرق ثم استغفر الله غفر الله له على رغم أنف أبي الدرداء { قال: فرأيت أبا الدرداء يضرب أنف نفسه بأصبعه هذا حديث غريب جدا من هذا الوجه بهذا السياق وفي إسناده ضعف.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۚ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
    +/- -/+  
الأية
111
 
وقوله ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه الآية كقوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى الآية يعني أنه لا يغنى أحد عن أحد وإنما على كل نفس ما عملت لا يحمل عنها غيرها ولهذا قال تعالى وكان الله عليما حكيما أي من علمه وحكمته وعدله ورحمته كان ذلك.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا
    +/- -/+  
الأية
112
 
ثم قال ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا الآية يعني كما اتهم بنو أبيرق بصنيعهم القبيح ذلك الرجل الصالح وهو لبيد بن سهل كما تقدم في الحديث أو زيد بن السمين اليهودي على ما قاله الآخرون وقد كان بريئا وهم الظلمة الخونة كما أطلع الله على ذلك رسوله صلى ثم هذا التقريع وهذا التوبيخ عام فيهم وفي غيرهم ممن اتصف بصفتهم فارتكب مثل خطيئتهم فعليه مثل عقوبتهم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ ۚ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا
    +/- -/+  
الأية
113
 
وقوله ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وقال الإمام ابن أبي حاتم: أنبأنا هاشم بن القاسم الحراني فيما كتب إلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري عن أبيه عن جده قتادة بن النعمان وذكر قصة بني أبيرق فأنزل الله لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء يعني أسيد بن عروة وأصحابه يعني بذلك لما أثنوا على بني أبيرق ولاموا قتادة بن النعمان في كونه اتهمهم وهم صلحاء برآء ولم يكن الأمر كما أنهوه إلى رسول الله صلى ولهذا أنزل الله فصل القضية وجلاءها لرسول الله صلى ثم امتن عليه بتأييده إياه في جميع الأحوال وعصمته له وما أنزل عليه من الكتاب وهو القرآن والحكمة وهي السنة { وعلمك ما لم تكن تعلم } أي قبل نزول ذلك عليك كقوله { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرك ما كنت تدري ما الكتاب } إلى آخر السورة وقال تعالى { وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك } ولهذا قال وكان فضل الله عليك عظيما.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا
    +/- -/+  
الأية
114
 
يقول تعالى { لا خير في كثير من نجواهم } يعني كلام الناس { إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس } أي إلا نجوى من قال ذلك كما جاء في الحديث الذي رواه ابن مردويه حدثنا محمد ابن عبدالله بن ابراهيم حدثنا محمد بن سليمان بن الحارث حدثنا محمد بن زيد بن حنيش قال: دخلنا على سفيان الثوري نعوده فدخل علينا سعيد بن حسان فقال له الثوري الحديث الذي كنت حدثتنيه عن أم صالح ردده علي فقال: حدثتني أم صالح عن صفية بنت شيبة عن أم حبيبة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { كلام ابن آدم كله عليه لا له إلا ذكر الله عز وجل أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر { فقال سفيان: أو ما سمعت الله في كتابه يقول { لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس } فهو هذا بعينه أو ما سمعت الله يقول { يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا } فهو هذا بعينه أو ما سمعت الله يقول في كتابه{ والعصر إن الإنسان لفي خسر } ألخ فهو هذا بعينه وقد روي هذا الحديث الترمذي وابن ماجه من حديث محمد بن يزيد بن حنيش عن سعيد بن حسان به ولم يذكر أقوال الثوري إلى آخرها ثم قال الترمذي حديث غريب لا يعرف إلا من حديث ابن حنيش قال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب حدثنا أبي حدثنا صالح بن كيسان حدثنا محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب أن حميد بن عبدالرحمن بن عوف أخبره أن أمه أم كلثوم بنت عقبة أخبرته أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا { وقالت لم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث: في الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها. قال: وكانت أم كلثوم بنت عقبة من المهاجرات اللاتي بايعن رسول الله صلى اله عليه وسلم وقد رواه الجماعة سوى ابن ماجه من طرق عن الزهري به نحوه قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن محمد عن سالم بن أبي الجعد عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ؟ قالوا بلى يا رسول الله قال { إصلاح ذات البين قال: وفساد ذات البين هى الحالقة { ورواه أبو داود والترمذي من حديث أبي معاوية وقال الترمذي حسن صحيح وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا محمد بن عبدالرحيم حدثنا شريح بن يونس حدثنا عبدالرحمن بن عبيد الله بن عمر حدثنا أبي عن حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي أيوب } ألا أدلك على تجارة } قال: بلى يا رسول الله قال { تسعى في إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا وتقارب بينهم إذا تباعدوا { ثم قال البزار وعبدالرحمن بن عبدالله العمري لين وقد حدث بأحاديث لم يتابع عليها ولهذا قال { ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله { أي مخلصا إلى ذلك محتسبا ثواب ذلك عندالله عز وجل { فسوف نؤتيه أجرا عظيما } أي ثوابا جزيلا كثيرا واسعا.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا
    +/- -/+  
الأية
115
 
وقوله { ومن يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدى } أي ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم فصار في شق والشرع في شق وذلك عن عمد منه بعدما ظهر له الحق وتبين له واتضح له وقوله } ويتبع غير سبيل المؤمنين } هذا ملازم للصفة الأولى ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع وقد تكون لما اجتمعت عليه الأمة المحمدية فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقا فإنه قد ضمنت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ تشريفا لهم وتعظيما لنبيهم وقد وردت أحاديث صحيحة كثيرة في ذلك قد ذكرنا منها طرفا صالحا في كتاب أحاديث الأصول ومن العلماء من ادعى تواتر معناها والذي عول عليه الشافعي رحمه الله في الاحتجاج على كون الإجماع حجة تحرم مخالفته هذه الآية الكريمة بعد التروي والفكر الطويل وهو من أحسن الاستنباطات وأقواها وإن كان بعضهم قد استشكل ذلك فاستبعد الدلالة منها على ذلك ولهذا توعد تعالى على ذلك بقوله { نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا } أي إذا سلك هذه الطريق جازيناه على ذلك بأن نحسنها في صدره ونزينها له استدراجا له كما قال تعالى{ فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون } وقال تعالى فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم وقوله { ونذرهم في طغيانهم يعمهون } وجعل النار مصيره في الآخرة لأن من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا إلى النار يوم القيامة كما قال تعالى { احشروا الذين ظلموا وأزواجهم } الآية وقال تعالى { ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا
    +/- -/+  
الأية
116
 
قد تقدم الكلام على هذه الآية الكريمة وهي قوله { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك } الآية وذكرنا ما يتعلق بها من الأحاديث في صدر هذه السورة وقد روى الترمذي: حدثنا ثوير بن أبي فاختة سعيد بن علافة عن أبيه عن على أنه قال: ما في القرآن آية أحب إلي من هذه الآية { إن الله لا يغفر أن يشرك به } الآية ثم قال هذا حسن غريب وقوله ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا أي فقد سلك غير الطريق الحق وضل عن الهدى وبعد عن الصواب وأهلك نفسه وخسرها في الدنيا والآخرة وفاتته سعادة الدنيا والآخرة وقوله { إن يدعون من دونه إلا إناثا } قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمود بن غيلان أنبأنا الفضل بن موسى اخبرنا الحسن بن واقد عن الربيع ابن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب قال: مع كل صنم جنية. وحدثنا أبي حدثنا محمد بن سلمة الباهلي عن عبدالعزيز بن محمد عن هشام يعني ابن عروة عن أبيه عن عائشة.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا
    +/- -/+  
الأية
117
 
{ إن يدعون من دونه إلا إلا إناثا } قالت: أوثانا. وروى عن أبي سلمة بن عبدالرحمن وعروة بن الزبير ومجاهد وأبي مالك والسدي ومقاتل نحو ذلك وقال ابن جرير عن الضحاك في الآية: قال المشركون للملائكة بنات الله وإنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى قال فاتخذوهن أربابا وصـوروهن جواري فحكموا وقلدوا وقالوا هؤلاء يشبهن بنات الله الذي نعبده يعنون الملائكة وهذا التفسير شبيه بقول الله تعالى { أفرأيتم اللات والعزى } الآيات وقال تعالى{ وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا } الآية وقال { وجعلوا بينه } وبين الجنة نسبا } الآيتين وقال على بن أبي طلحة والضحاك عن ابن عباس وإن يدعون من دونه إلا إناثا قال: يعني موتى وقال مبارك يعني ابن فضالة عن الحسن { إن يدعون من دونه إلا إناثا } قال الحسن الإناث كل شيء ميت ليس فيه روح إما خشبة يابسة وإما حجر يابس. ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير وهو غريب وقوله { وإن يدعون إلا شيطانا مريدا } أي هو الذي أمرهم بذلك وحسنه وزينه لهم وهم إنما يعبدون إبليس في نفس الأمر كما قال تعالى { ألم أعهد إليكـم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان } الآية. وقال تعالى { إخبارا عن الملائكة أنهم يقولون يوم القيامة عن المشركين الذين ادعوا عبادتهم في الدنيا بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
لَعَنَهُ اللهُ ۘ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا
    +/- -/+  
الأية
118
 
وقوله { لعنه الله } أي طرده وأبعده من رحمته وأخرجه من جواره وقال { لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا } أي معينا مقدرا معلوما قال قتادة من كل ألفا تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ ۚ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا
    +/- -/+  
الأية
119
 
{ ولأضلنهم } أي عن الحق { ولأمنينهم } أي أزين لهم ترك التوبة وأعدهم الأماني وآمرهم بالتسويف والتأخير وأغرهم من أنفسهم قوله { ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام } قال قتادة والسدي وغيرهما: يعني تشقيقها وجعلها سمة وعلامة للبحيرة والسائبة والوصيلة { ولأمرنهم فليغيرن خلق الله } قال ابن عباس: يعني بذلك خصي الدواب وكذا روى عن ابن عمر وأنس وسعيد بن المسيب وعكرمة وأبي عياض وقتادة وأبى صالح والثوري وقد ورد في حديث النهي عن ذلك وقال ابن الحسن البصري يعني بذلك الوشم وفي صحيح مسلم النهي عن الوشم في الوجه وفي لفظ: لعن الله من فعل ذلك وفي الصحيح عن ابن مسعود أنه قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله عز وجل ثم قال: ألا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله عز وجل يعني قوله{ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } وقال ابن عباس في رواية عنه ومجاهد وعكرمة وإبراهيم النخعي والحسن وقتادة والحكم والسدي والضحاك وعطاء الخراساني في قوله } ولآمرنهم فليغيرن خلق الله } يعني دين الله عز وجل وهذا كقوله { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله } على قول من جعل ذلك أمرا أي لا تبدلوا فطرة الله ودعوا الناس على فطرتهم كما ثبت في الصحيحين عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء هل تجدون بها من جدعاء { وهو صحيح مسلم عن عياض بن حماد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { قال الله عز وجل: إنى خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم { ثم قال تعالى { ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا } أي فقد خسر الدنيا والآخرة وتلك خسارة لا جبر لها ولا استدراك لفائتتها.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا
    +/- -/+  
الأية
120
 
وقوله تعالى وهذا إخبار عن الواقع فإن الشيطان يعد أولياءه ويمنيهم بأنهم هم الفائزون في الدنيا والآخرة وقد كذب وافترى في ذلك ولهذا قال الله تعالى { وما يعدهم الشيطان إلا غرورا } كما قال تعالى مخبرا عن إبليس يوم المعاد وقال الشيطان لما قضى الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان - إلى قوله - وإن الظالمين لهم عذاب أليم }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا
    +/- -/+  
الأية
121
 
وقوله { أولئك } أي المستحسنون له فيما وعدهم ومناهم { مأواهم جهنم } أي مصيرهم ومآلهم يوم القيامة { ولا يجدون عنها محيصا } أي ليس لهم عنها مندوحة ولا مصرف ولا خلاص ولا مناص ثم ذكر تعالى حال السعداء والأتقياء ومالهم من الكرامة التامة.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ وَعْدَ اللهِ حَقًّا ۚ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلًا
    +/- -/+  
الأية
122
 
فقال تعالى { والذين آمنوا وعملوا الصالحات } أي صدقت قلوبهم وعملت جوارحهم بما أمروا به من الخيرات وتركوا ما نهوا عنه من المنكرات { سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار } أي يصرفونها حيث شاءوا وأين شاءوا { خالدين فيها أبدا } أي بلا زوال ولا انتقال { وعد الله حقا } أي هذا وعد من الله ووعد الله معلوم حقيقه أنه واقع لا محالة ولهذا أكده بالمصدر الدال على تحقيق الخبر وهو قوله حقا ثم قال تعالى { ومن أصدق من الله قيلا } أي لا أحد أصدق منه قولا أي خبرا لا إله إلا هو ولا رب سواه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته { إن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار } .

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا
    +/- -/+  
الأية
123
 
قال قتادة ذكر لنا أن المسلمين وأهل الكتاب افتخروا فقال أهل الكتاب: نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم فنحن أولى بالله منكم وقال المسلمون: نحن أولى بالله منكم ونبينا خاتم النبيين وكتابنا يقضي على الكتب التي كانت قبله فأنزل الله { ليس بأمانيكم ولا أمانى أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به } { ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن } الآية. ثم أفلج الله حجة المسلمين على من ناوأهم من أهل الأديان. وكذا روي عن السدي ومسروق والضحاك وأبي صالح وغيرهم وكذا روى العوفي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال في هذه الآية: تخاصم أهل الأديان فقال أهل التوراة: كتابنا خير الكتب ونبينا خير الأنبياء وقال أهل الإنجيل مثل ذلك وقال أهل الإسلام: لا دين إلا الإسلام وكتابنا نسخ كل كتاب ونبينا خاتم النبيين وأمرتم وأمرنا أن نؤمن بكتابكم ونعمل بكتابنا فقضى الله بينهم وقال{ ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به } الآية وخير بين الأديان فقال { ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن } إلى قوله } واتخذ الله إبراهيم خليلا } وقال مجاهد: قالت العرب: لن نبعث ولن نعذب وقالت اليهود والنصارى { لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى } وقالوا { لن تمسنا النار إلا أياما معدودات } والمعنى في هذه الآية أن الدين ليس بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال وليس كل من ادعى شيئا حصل له بمجرد دعواه ولا كل من قال إنه على الحق سمع قوله بمجرد ذلك حتى يكون له من الله برهان ولهذا قال تعالى { ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به } أي ليس لكم ولا لهم النجاة بمجرد التمني بل العبرة بطاعة الله سبحانه واتباع ما شرعه على ألسنة الرسل الكرام ولهذا قال بعده { من يعمل سوءا يجز به } كقوله { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } وقد روي أن هذه الآية لما نزلت شق ذلك على كثير من الصحابة قال الإمام أحمد: حدثنا عبدالله بن نمير حدثنا إسماعيل عن أبي بكر بن أبى زهير قال: أخبرت أن أبا بكر رضي الله عنه قال: يا رسول الله كيف الفلاح بعد هذه الآية ليس بأمانيكم ولا أمانى أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به فكل سوء عملناه جزينا به فقال النبي صلى الله عليه وسلم { غفر الله لك يا أبا بكر ألست تمرض ألست تنصب ألست تحزن ألست تصيبك اللأواء { قال بلى قال { فهو مما تجزون به { ورواه سعيد بن منصور عن خلف بن خليفة عن إسماعيل بن أبي خالد به ورواه الحاكم من طريق سفيان الثوري عن إسماعيل به وقال الإمام أحمد: حدثنا عبدالوهاب بن عطاء عن زياد الجصاص عن علي بن زيد عن مجاهد عن ابن عمر قال: سمعت أبا بكر يقول: قال رسول الله صلى { من يعمل سوءا يجز به في الدنيا { وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا محمد بن هشام بن جهيمة حدثنا يحيى بن أبي طالب حدثنا عبدالوهاب بن عطاء حدثنا زياد الجصاص عن علي بن زيد عن مجاهد قال: قال عبدالله بن عمر: انظروا المكان الذي فيه عبدالله بن الزبير مصلوبا فلا تمرن عليه قال فسها الغلام فإذا عبدالله بن عمر ينظر إلى ابن الزبير فقال يغفر الله لك ثلاثا أما والله ما علمتك إلا صواما قواما وصالا للرحم أما والله إنى لأرجو مع مساوئ ما أصبت أن لا يعذبك الله بعدها قال: ثم التفت إلي فقال: سمعت أبا بكر الصديق يقول: قال رسول الله صلى { من يعمل سوءا في الدنيا يجز به { ورواه أبو بكر البزار في مسنده عن الفضل بن سهل عن عبدالوهاب بن عطاء به مختصرا وقال في مسند ابن الزبير: حدثنا إبراهيم بن المستمر العروقي حدثنا عبدالرحمن بن سليم بن حيان حدثني أبي عن جدي حيان بن بسطام قال بسطام قال كنت مع ابن عمر فمر بعبدالله بن الزبير وهو مصلوب فقال رحمة الله عليك يا أبا خبيب سمعت أباك يعني الزبير يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من يعمل سوءا يجز به في الدنيا والآخرة { ثم قال لا نعلمه يروي عن الزبير إلا من هذا الوجه وقال أبو بكر بن مردويه حدثنا أحمد بن كامل حدثنا محمد بن سعد العوفي حدثنا روح بن عبادة حدثنا موسى بن عبيدة حدثني مولى بن السباع قال: سمعت ابن عمر يحدث عن أبي بكر الصديق قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا فقال رسول الله صلى { يا أبا بكر ألا أقرئك آية نزلت علي } قال: قلت بلى يا رسول الله أقرأنيها فلا أعلم أنى قد وجدت انفصاما في ظهري حتى تمطيت لها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { مالك يا أبا بكر } قلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله وأينا لم يعمل السوء وإنا لمجزيون بكل سوء عملناه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أما أنت يا أبا بكر وأصحابك المؤمنون فإنكم تجزون بذلك في الدنيا حتى تلقوا الله ليس لكم ذنوب وأما الآخرون فيجمع ذلك لهم حتى يجزوا به يوم القيامة } وكذا رواه الترمذي عن يحيى بن موسى وعبد بن حميد عن روح بن عبادة به ثم قال وموسى بن عبيدة يضعف ومولى بن سباع مجهول وقال ابن جرير: حدثنا القاسم قال ثنا الحسين قال ثنى حجاج عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء بن أبى رباح قال: لما نزلت هذه الآية قال أبو بكر جاءت قاصمة الظهر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إنما هي المصيبات في الدنيا } { طريق أخرى عن الصديق { قال ابن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إسحاق العسكري حدثنا محمد بن عامر السعدي حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا فضيل بن عياض عن سليمان بن مهران عن مسلم بن صبيح عن مسروق قال: قال أبو بكر الصديق يا رسول الله ما أشد هذه الآية } من يعمل سوءا يجز به } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { المصائب والأمراض والأحزان في الدنيا جزاء } { طريق أخرى { قال ابن جرير: حدثني عبدالله بن أبي زياد وأحمد بن منصور قالا: أنبأنا زيد بن الحباب حدثنا عبدالملك بن الحسن المحاربي حدثنا محمد بن زيد بن منقذ عن عائشة عن أبا بكر قال: لما نزلت { من يعمل سوءا يجز به } قال أبو بكر: يا رسول الله كل ما نعمل نؤاخذ به ؟ فقال: { يا أبا بكر أليس يصيبك كذا وكذا فهو كفارة } . { حديث آخر } قال سعيد بن منصور أنبأنا عبدالله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن بكر بن سوادة حدثه أن يزيد بن أبي يزيد حدثه عن عبيد بن عمير عن عائشة أن رجلا تلا هذه الآية { من يعمل سوءا يجز به } فقال إنا لنجزى بكل ما عملناه هلكنا إذا فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال { نعم يجزى به المؤمن في الدنيا في نفسه في جسده فيما يؤذيه } { طريق أخرى { قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا ابن بشير حدثنا هشيم عن عامر عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله إني لأعلم أشد آية في القرآن فقال { ما هي يا عائشة { قلت: { من يعمل سوءا يجز به } فقال } هو ما يصيب العبد المؤمن حتى النكبة ينكبها { رواه ابن جرير من حديث هشيم به ورواه أبو داود من حديث أبي عامر صالح بن رستم الخراز به. { طريق أخرى { قال أبو داود الطيالسي: حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن ابنته أنها سألت عائشة عن هذه الآية { من يعمل سوءا يجز به } فقالت: ما سألني أحد عن هذه الآية منذ سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: { يا عائشة هذه مبايعة الله للعبد مما يصيبه من الحمى والنكبة والشوكة حتى البضاعة فيضعها في كمه { فيفزع لها فيجدها في جيبه حتى إن المؤمن ليخرج من ذنوبه كما أن الذهب يخرج من الكير }. { طريق أخرى { قال ابن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا أبو القاسم حدثنا شريح بن يونس حدثنا أبو معاوية عن محمد بن إسماعيل عن محمد بن يزيد بن المهاجر عن عائشة قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية{ من يعمل سوءا يجز به } قال: { إن المؤمن يؤجر في كل شيء حتى في القبض عند الموت } وقال الإمام أحمد: حدثنا حسين عن زائدة عن ليث عن مجاهد عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله إذا كثرت ذنوب العبد ولم يكن له ما يكفرها ابتلاه الله بالحزن ليكفرها عنه. { حديث آخر } قال سعيد بن منصور عن سفيان بن عيينة عن عمر بن عبدالرحمن بن محيصن سمع محمد بن قيس بن مخرمة يخبر أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت { من يعمل سوءا يجز به } شق ذلك على المسلمين فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم { سددوا وقاربوا فإن في كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى الشوكة يشاركها والنكبة ينكبها { هكذا رواه أحمد عن سفيان بن عيينة ومسلم والترمذي والنسائي من حديث سفيان بن عيينة به ورواه ابن جرير من حديث روح ومعمر كلاهما عن إبراهيم بن يزيد عن عبدالله بن إبراهيم سمعت أبا هريرة يقول: لما نزلت هذه الآية { ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به } بكينا وحزنا وقلنا: يا رسول الله ما أبقت هذه الآية من شيء قال { أما والذي نفسي بيده إنها لكما أنزلت ولكن أبشروا وقاربوا وسددوا فإنه لا يصيب أحدا منكم مصيبة في الدنيا إلا كفر الله بها من خطيئته حتى الشوكة يشاكها أحدكم في قدمه { وقال عطاء بن يسار عن أبي سعيد وأبي هريرة أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر الله من سيئاته { أخرجاه. { حديث آخر { قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد بن إسحاق حدثتني زينب بنت كعب بن عجرة عن أبي سعيد الخدري قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أرأيت هذه الأمراض التي تصيبنا ما لنا بها قال: { كفارات { قال أبي وإن قلت قال حتى الشوكة فما فوقها قال فدعا أبي على نفسه أنه لا يفارقه الوعك حتى يموت في أن لا يشغله عن حج ولا عمرة ولا جهاد في سبيل الله ولا صلاة مكتوبة في جماعة فما مسه إنسان حتى وجد حره حتى مات رضي الله عنه تفرد به أحمد. { حديث آخر { روى ابن مردويه من طريق حسين بن واقد عن الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس قال: قيل يا رسول الله { من يعمل سوءا يجز به } قال { نعم ومن يعمل حسنة يجز بها عشرا { فهلك من غلب واحدته عشراته وقال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع حدثنا يزيد بن هارون حدثنا حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن { من يعمل سوءا يجز به } قال الكافر ثم قرأ{ وهل نجازي إلا الكفور } وهكذا روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير أنهما فسرا السوء ههنا بالشرك أيضا وقوله { ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس إلا أن يتوب فيتوب الله عليه رواه ابن أبي حاتم والصحيح أن ذلك عام في جميع الأعمال لما تقدم من الأحاديث وهذا اختيار ابن جرير والله أعلم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا
    +/- -/+  
الأية
124
 
وقوله { ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن } الآية لما ذكر الجزاء على السيئات وأنه لابد أن يأخذ مستحقها من العبدإما في الدنيا وهو الأجود له وإما في الآخرة والعياذ بالله من ذلك ونسأله العافية في الدنيا والآخرة والصفح والعفو والمسامحة شرع في بيان إحسانه وكرمه ورحمته في قبول الأعمال الصالحة من عباده ذكرانهم وإناثهم بشرط الإيمان وأنه سيدخلهم الجنة ولا يظلمهم من حسناتهم ولا مقدار النقير وهو النقرة التي في ظهر نواة التمرة وقد تقدم الكلام على الفتيل وهو الخيط الذي في شق النواة وهذا النقير وهما في نواة التمرة والقطمير وهو اللفافة التي على نواة التمرة والثلاثة في القرآن.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۗ وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا
    +/- -/+  
الأية
125
 
ثم قال تعالى { ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله } أي أخلص العمل لربه عز وجل فعمل إيمانا واحتسابا { وهو محسن } أي اتبع في عمله ما شرعه الله له وما أرسل به رسوله من الهدى ودين الحق وهذان الشرطان لا يصح عمل عامل بدونهما أي يكون خالصا صوابا والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون متابعا للشريعة فيصح ظاهره بالمتابعة وباطنه بالإخلاص فمتى فقد العمل أحد هذين الشرطين فسد فمتى فقد الإخلاص كان منافقا وهم الذين يراءون الناس ومن فقد المتابعة كان ضالا جاهلا ومتى جمعهما كان عمل المؤمنين { الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم } الآية. ولهذا قال تعالى { واتبع ملة إبراهيم حنيفا } وهم محمد وأتباعه إلى يوم القيامة كما قال تعالى { إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي } الآية وقال تعالى { ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين } والحنيف هو المائل عن الشرك قصدا أي تاركا له عن بصيرة ومقبل على الحق بكليته لا يصده عنه صاد ولا يرده عنه راد وقوله{ واتخذ الله إبراهيم خليلا } وهذا من باب الترغيب في اتباعه لأنه إمام يقتدى به حيث وصل إلى غاية ما يتقرب به العباد له فإنه انتهى إلى درجة الخلة التي هي أرفع مقامات المحبة وما ذاك إلا لكثرة طاعته لربه كما وصفه به في قوله وإبراهيم الذي وفي قال كثير من علماء السلف أي قام بجميع ما أمر به وفي كل مقام من مقامات العبادة فكان لا يشغله أمر جليل عن حقير ولا كبير عن صغير وقال تعالى وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن الآية وقال تعالى إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين الآية والآية بعدها وقال البخاري: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن عمرو بن ميمون قال: إن معاذا لما قدم اليمن صلى بهم الصبح فقرأ واتخذ الله إبراهيم خليلا فقال رجل من القوم لقد قرت عين أم إبراهيم. وقد ذكر ابن جرير في تفسيره عن بعضهم أنه إنما سماه الله خليلا من أجل أنه أصاب أهل ناحيته جدب فارتحل إلى خليل له من أهل الموصل وقال بعضهم من أهل مصر ليمتار طعاما لأهله من قبله فلم يصب عنده حاجته فلما قرب من أهله بمفازة ذات رمل فقال: لو ملأت غرائري من هذا الرمل لئلا يغتم أهلي برجوعي إليهم بغير ميرة وليظنوا أني أتيتهم بما يحبون ففعل ذلك فتحول ما في الغرائر من الرمل دقيقا فلما صار إلى منزله نام وقام أهله ففتحوا الغرائر فوجدوا دقيقا فعجنوا منه وخبزوا فاستيقظ فسألهم عن الدقيق الذي منه خبزوا فقالوا من الدقيق الذي جئت به من عند خليلك فقال نعم هو من عند خليلي الله فسماه الله بذلك خليلا وفي صحة هذا ووقوعه نظر وغايته أن يكون خبرا إسرائيليا لا يصدق ولا يكذب وإنما سمي خليل الله لشدة محبته لربه عز وجل لما قام له به من الطاعة التي يحبها ويرضاها ولهذا ثبت في الصحيحين من رواية أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خطبهم في آخر خطبة خطبها قال { أما بعد أيها الناس فلو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر بن أبي قحافة خليلا ولكن صاحبكم خليل الله { وجاء من طريق جندب بن عبدالله البجلي وعبدالله بن عمرو بن العاص وعبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا { وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا عبدالرحيم بن محمد بن مسلم حدثنا إسماعيل بن أحمد بن أسيد حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني بمكة حدثنا عبدالله الحنفي حدثنا زمعة أبو صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس قال: جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم وإذا بعضهم يقول: عجب إن الله { اتخذ من خلقه خليلا } فإبراهيم خليله وقال آخر ماذا بأعجب من أن الله كلم موسى تكليما وقال آخر فعيسى روح الله وكلمته وقال آخر آدم اصطفاه الله فخرج عليهم فسلم وقال { قد سمعت كلامكم وتعجبكم أن ابراهيم خليل الله وهو كذلك وموسى كليمه وعيسى روحه وكلمته وآدم اصطفاه الله وهو كذلك وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم قال: ألا وإني حبيب الله ولا فخر وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر وأنا أول من يحرك حلقة الجنة فيفتح الله ويخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر وأنا أكرم الأولين والآخرين يوم القيامة ولا فخر { وهذا حديث غريب من هذا الوجه ولبعضه شواهد في الصحاح وغيرها وقال قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: أتعجبون من أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه وكذا روي عن أنس بن مالك وغير واحد من الصحابة والتابعين والأئمة من السلف والخلف. وقال ابن أبي حاتم حدثنا يحيى بن عبدك القزويني حدثنا محمد يعني ابن سعيد بن سابق حدثنا عمرو يعنى ابن أبى قيس عن عاصم عن أبي راشد عن عبيد بن عمير قال: كان إبراهيما عليه السلام يضيف الناس فخرج يوما يلتمس أحدا يضيفه فلم يجد أحدا يضيفه فرجع إلى داره فوجد فيها رجلا قائما فقال: يا عبدالله ما أدخلك داري بغير إذني قال: دخلتها بإذن ربها قال ومن أنت قال أنا ملك الموت أرسلني ربى إلى عبد من عباده أبشره بأن الله قد اتخذه خليلا قال من هو فوالله إن أخبرتني به ثم كان بأقصى البلاد لآتينه ثم لا أبرح له جارا حتى يفرق بيننا الموت قال: ذلك العبد أنت قال أنا قال نعم قال فبم اتخذني ربي خليلا ؟ قال إنك تعطي الناس ولا تسألهم. وحدثنا أبي حدثنا محمود بن خالد السلمي حدثنا الوليد عن إسحاق بن يسار قال لما اتخذ الله إبراهيم خليلا ألقى في قلبه الوجل حتى أن خفقان قلبه ليسمع من بعيد كما يسمع خفقان الطير في الهواء وهكذا جاء في صفة رسول الله صلى أنه كان يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل إذا اشتد غليانها من البكاء.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا
    +/- -/+  
الأية
126
 
وقوله ولله ما في السموات وما في الأرض أي الجميع ملكه وعبيده وخلقه وهو المتصرف في جميع ذلك لا راد لما قضى ولا معقب لما حكم ولا يسأل عما يفعل لعظمته وقدرته وعدله وحكمته ولطفه ورحمته وقوله وكان الله بكل شيء محيطا أي علمه نافذ في جميع ذلك لا تخفى عليه خافية من عباده ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ولا تخفى عليه ذرة لما تراءى للناظرين وما توارى.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ۖ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَىٰ بِالْقِسْطِ ۚ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا
    +/- -/+  
الأية
127
 
قال البخاري: حدثنا عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة قال: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها { ويسـتفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن -إلى قوله - وترغبون أن تنكحوهن } قالت عائشة: هو الرجل تكون عنده اليتمية هو وليها ووارثها فأشركته في ماله حتى في العذق فيرغب أن ينكحها ويكره أن يزوجها رجلا فيشركه في ماله بما شركته فيعضلها فنزلت هذه الآية وكذلك رواه مسلم عن أبي كريب ابن أبي شيبة كلاهما عن أبي أسامة وقال ابن أبي حاتم: قرأت على محمد بن عبدالله بن عبدالحكم أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير قالت عائشة: ثم إن الناس استفتوا رسول الله صلى بعد هذه الآية فيهن فأنزل الله ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب الآية قالت: والذي ذكر الله أنه يتلى عليه في الكتاب. الآية الأولى التي قال الله وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء وبهذا الإسناد عن عائشة قالت: وقول الله عز وجل وترغبون أن تنكحوهن رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حتى تكون قليلة المال والجمال فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن وأصله ثابت في الصحيحين من طريق يونس بن يزيد الأبلي به والمقصود أن الرجل إذا كان في حجره يتيمة يحل له تزويجها فتارة يرغب في أن يتزوجها فأمره الله أن يمهرها أسوة أمثالها من النساء فإن لم يفعل فليعدل إلى غيرها من النساء فقد وسع الله عز وجل وهذا المعنى في الآية الأولى التي في أول السورة وتارة لا يكون فيها رغبة لدمامتها عنده أو في نفس الأمر فنهاه الله عز وجل أن يعضلها عن الأزواج خشية أن يشركوه في ماله الذي بينه وبينها كما قال على بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية وهي قوله في يتامى النساء الآية كان الرجل في الجاهلية تكون عنده اليتيمة فيلقى عليها ثوبه فإذا فعل ذلك فلم يقدر أحد أن يتزوجها أبدا فإن كانت جميلة وهويها تزوجها وأكل مالها وإن كانت دميمة منعها الرجال أبدا حتى تموت فإذا ماتت ورثها. فحرم الله ذلك ونهى عنه وقال في قوله { والمستضعفين من الولدان كانوا في الجاهلية لا يورثون } الصغار ولا البنات وذلك قوله لا تؤتوهن ما كتب لهن فنهى الله عن ذلك وبين لكل ذي سهم سهمه فقال للذكر مثل حظ الأنثيين صغيرا أو كبيرا وكذا قال سعيد بن جبير وغيره. قال سعيد بن جبير في قوله وأن تقوموا لليتامى بالقسط كما إذا كانت ذات جمال ومال نكحتها واستأثرت بها كذلك إذا لم تكن ذات مال ولا جمال فأنكحها واستأثر بها وقوله وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما تهيجا على فعل الخيرات وامتثالا للأوامر وأن الله عز وجل عالم بجميع ذلك وسيجزي عليه أوفر الجزاء وأتمه.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ ۚ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا
    +/- -/+  
الأية
128
 
يقول تعالى مخبرا ومشرعا من حال الزوجين تارة في حال نفور الرجل عن المرأة وتارة في حال اتفاقه معها وتارة في حال فراقه لها فالحالة الأولى ما إذا خافت المرأة من زوجها أن ينفر عنها أويعرض عنها فلها أن تسقط عنه حقها أو بعضه من نفقة أو كسوة أو مبيت أو غير ذلك من حقوقها عليه وله أن يقبل ذلك منها فلا حرج عليها في بذلها ذلك له ولا عليه في قبوله منها ولهذا قال تعالى فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهم صلحا ثم قال والصلح خير أي من الفراق وقوله وأحضرت الأنفس الشح أي الصلح عند المشاحة خير من الفراق ولهذا لما كبرت سودة بنت زمعة عزم رسول الله صلى على فراقها فصالحته على أن يمسكها وتترك يومها لعائشة فقبل ذلك منها وأبقاها على ذلك { ذكر الرواية بذلك { قال أبو داود الطيالسي: حدثنا سليمان بن معاذ عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال: خشيت سودة أن يطلقها رسول الله صلى فقالت: يا رسول الله لا تطلقني واجعل يومي لعائشة ففعل ونزلت هذه الآية وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما الآية قال ابن عباس: فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز ورواه الترمذي عن محمد بن المثنى عن أبي داود الطيالسي به وقال حسن غريب وقال الشافعي أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى توفى عن تسع نسوة وكان يقسم لثمان. وفي الصحيحين من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: لما كبرت سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة فكان النبي صلى يقسم لهل بيوم سودة وفي صحيح البخاري من حديث الزهري عن عروة عن عائشة نحوه وقال سعيد بن منصور أنبأنا عبدالرحمن بن أبي الزناد عن هشام عن أبيه عروة قال: لما أنزل الله في سودة وأشباهها وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا وذلك أن سودة كانت امرأة قد أسنت ففرقت أن يفارقها رسول الله صلى وضنت بمكانها منه وعرفت من حب رسول الله صلى عائشة ومنزلتها منه فوهبت يومها من رسول الله صلى لعائشة فقبل ذلك رسول الله صلى قال البيهقي وقد رواه أحمد بن يونس عن الحسن بن أبي الزناد موصولا وهذه الطريقة رواها الحاكم في مستدركه فقال: حدثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه أخبرنا الحسن بن علي بن زياد حدثنا أحمد بن يونس حدثنا عبدالرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت له: يا ابن أخي: كان رسول الله صلى لا يفضل بعضنا على بعض في مكثه عندنا وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا ويدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى من هو يومها فيبيت عندها ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى يا رسول الله يومى هذا لعائشة فقبل ذلك رسول الله صلى قالت عائشة ففي ذلك أنزل الله وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا وكذلك رواه أبو داود عن أحمد بن يونس به والحاكم في مستدركه ثم قال صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقد رواه ابن مردويه من طريق أبى بلال الأشعري عن عبدالرحمن بن أبي الزناد به نحوه ومن رواية عبدالعزيز عن محمد الدراوردي عن هشام بن عروة بنحوه مختصرا والله أعلم. وقال أبو العباس محمد بن عبدالرحمن الدعولي في أول معجمه: حدثنا محمد بن يحيى حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام الدستوائي حدثنا القاسم بن أبي برة قال: بعث النبي صلى إلى سودة بنت زمعة بطلاقها فلما أن أتاها جلست له على طريق عائشة فلما رأته قالت له: أنشدك بالذي أنزل عليك كلامه واصطفاك على خلقه لما راجعتني فإنى قد كبرت ولا حاجة لي في الرجال. لكن أريد أن أبعث مع نسائك يوم القيامة فراجعها فقالت: فإنى جعلت يومي وليلتي لحبة رسول الله صلى وهذا غريب مرسل. وقال البخاري: حدثنا محمد بن مقاتل أنبأنا عبدالله أنبأنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا قال الرجل تكون عنده المرأة المسنة ليس بمستكثر منها يريد أن يفارقها فتقول: أجعلك من شأني في حل فنزلت هذه الآية. وقال ابن جرير: حدثنا وكيع حدثنا أبي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير قالت هذا في المرأة تكون عند الرجل فلعله لا يكون بمستكثر منها ولا يكون لها ولد ويكون لها صحبة فتقول: لا تطلقني وأنت في حل من شأني. حدثني المثنى حدثنا حجاج بن منهال حدثنا حماد بن سلمة عن هشام عن عروة عن عائشة في قوله وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا قالت: هو الرجل يكون له المرأتان إحداهما قد كبرت والأخرى دميمة وهو لا يستكثر منها فتقول: لا تطلقني وأنت في حل من شأني وهذا الحديث ثابت في الصحيحين من غير وجه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة بنحو ما تقدم ولله الحمد والمنة. قال ابن جرير حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا: حدثنا جرير عن أشعث عن ابن سيرين قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فسأله عن آية فكرهه فضربه بالدرة فسأله آخر عن هذه الآية وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا ثم قال عن مثل هذا فاسألوا ثم قال هذه المرأة تكون عند الرجل قد خلا من سنها فيتزوج المرأة الشابة يلتمس ولدها فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين الهسنجاني حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن خاله بن عرعرة قال: جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فسأله عن قول الله عز وجل وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما قال علي: يكون الرجل عنده المرأة فتنبو عيناه عنها من دمامتها أو كبرها أو سوء خلقها أو قذذها فكره فراقه فإن وضعت له من مهرها شيئا حل له وإن جعلت له من أيامها فلا حرج وكذا رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة عن حماد بن سلمة وأبي الأحوص ورواه ابن جرير من طريق إسرائيل أربعتهم عن سماك به وكذا فسرها ابن عباس وعبيدة السلماني ومجاهد بن جبير والشعبي وسعيد بن جبير وعطاء وعطيه العوفي ومكحول والحسن والحكم بن عتبة وقتادة وغير واحد من السلف والأئمة ولا أعلم في ذلك خلافا أن المراد بهذه الآية هذا والله أعلم. وقال الشافعي: أنبأنا ابن عيينة عن الزهري عن ابن المسيب أن بنت محمد بن مسلم كانت عند رافع بن خديج فكره منها أمرا إما كبرا أو غيره فأراد طلاقها فقالت: لا تطلقني واقسم لي ما بدا لك فأنزل الله عز وجل { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا } الآية وقد رواه الحاكم في مستدركه من طريق عبدالرزاق عن معمر عن الزهري عن سعد بن المسيب وسليمان بن يسار بأطول من هذا السياق وقال الحافظ أبو بكر البيهقي حدثنا سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو محمد أحمد بن عبدالله المزني أنبأنا علي بن محمد بن عيسى أنبأنا أبو اليمان أخبرني شعيب بن أبي حمزة عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أن السنة في هاتين الآيتين. اللتين ذكر الله فيهما نشوز الرجل وإعراضه عن امرأته في قوله { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا } إلى تمام الآيتين أن المرء إذا نشز عن امرأته وآثر عليها فإن من الحق أن يعرض عليها أن يطلقها أو تستقر عنده على ما كانت من أثرة في القسم من ماله ونفسه صلح له ذلك وكان صلحها عليه. كذلك ذكر سعيد بن المسيب وسليمان الصلح الذي قال الله عز وجل { فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير } وقد ذكر لي أن رافع بن خديج الأنصاري وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانت عنده امرأة حتى إذا كبرت تزوج عليها فتاة شابة وآثر عليها الشابة فناشدته الطلاق فطلقها تطليقة ثم أمهلها حتى إذا كادت تحل راجعها ثم عاد فأثر عليها الشابة فناشدته الطلاق فقال لها ما شئت إنما بقيت لك تطليقة واحدة فإن شئت استقررت على ما ترين من الأثرة وإن شئت فارقتك فقالت لا بل أستقر على الأثرة فأمسكها على ذلك فكان ذلك صلحهما ولم ير رافع عليه إثما حين رضيت أن تستقر عنده على الأثرة فيما أثر به عليها وهكذا رواه بتمامه ابن أبي حاتم عن أبيه عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار فذكره بطوله والله أعلم وقوله { والصلح خير } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يعني التخيير أن يخير الزوج لها بين الإقامة والفراق خير من تمادي الزوج على أثرة غيرها عليها والظاهر من الآية أن صلحهما على ترك بعض حقها للزوج وقبول الزوج ذلك خير من المفارقة بالكلية كما أمسك النبي صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة على أن تركت يومها لعائشة رضي الله عنها ولم يفارقها بل تركها من جملة نسائه وفعله ذلك لتتأسى به أمته في مشروعية ذلك وجوازه فهو أفضل في حقه عليه الصلاة والسلام ولما كان الوفاق أحب إلى الله من الفراق قال والصلح خير بل الطلاق بغيض إليه سبحانه وتعالى ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود وابن ماجه جميعا عن كثير بن عبيد عن محمد بن خالد عن معروف بن واصل عن محارب بن دثار عن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبغض الحلال إلى الله الطلاق { ثم رواه أبو داود عن أحمد بن يونس عن معروف بن محارب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر معناه مرسلا وقوله0 وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا } وإن تتجشموا مشقة الصبر على ما تكرهون منهن وتقسموا لهن أسوة أمثالهن فإن الله عالم بذلك وسيجزيكم على ذلك أوفر الجزاء وقوله تعالى { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم } أي لن تستطيعوا أيها الناس أن تساووا بين النساء من جميع الوجوه فإنه وإن وقع القسم الصوري ليلة وليلة فلابد من التفاوت في المحبة والشهوة والجماع كما قاله ابن عباس وعبيدة السلماني ومجاهد والحسن البصري والضحاك بن مزاحم وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة حدثنا ابن أبي شيبة حدثنا حسين الجعفي عن زائدة عن عبدالعزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة قال:.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۖ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ۚ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا
    +/- -/+  
الأية
129
 
نزلت هذه الآية { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم } في عائشة يعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبها أكثر من غيرها كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن عبدالله بن يزيد عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول { اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك } يعني القلب هذا لفظ أبي داود وهذا إسناد صحيح لكن قال الترمذي رواه حماد بن زيد وغير واحد عن أيوب عن أبى قلابة مرسلا قال: وهذا أصح وقوله{ فلا تميلوا كل الميل أي } فإذا ملتم إلى واحدة منهن فلا تبالغوا في الميل بالكلية { فتذروها كالمعلقة }‎أي فتبقى هذه الأخرى معلقة. قال ابن عباس ومجاهد. وسعيد بن جبير والحسن والضحاك والربيع بن أنس والسدي ومقاتل بن حيان معناه لا ذات زوج ولا مطلقة وقال أبو داود الطيالسي أنبأنا همام عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط } وهكذا رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث همام بن يحيى عن قتادة به. وقال الترمذي إنما أسنده همام ورواه هشام الدستوائي عن قتادة قال: كان يقال ولا يعرف هذا الحديث مرفوعا إلا من حديث همام وقوله { وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما } أي وإن أصلحتم في أموركم وقسمتم بالعدل فيما تملكون واتقيتم الله في جميع الأحوال غفر الله لكم ما كان من ميل إلى بعض النساء دون بعض.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ ۚ وَكَانَ اللهُ وَاسِعًا حَكِيمًا
    +/- -/+  
الأية
130
 
ثم قال تعالى وهذه هي الحالة الثالثة وهي حالة الفراق وقد أخبر الله تعالى أنهما إذا تفرقا فإن الله يغنيه عنها ومغنيها عنه بأن يعوضه الله من هو خير له منها ويعوضها عنه بمن هو خير لها منه } وكان الله واسعا حكيما } أي واسع الفضل عظيم المن حكيما في جميع أفعاله وأقداره وشرعه.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ ۚ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللهُ غَنِيًّا حَمِيدًا
    +/- -/+  
الأية
131
 
يخبر تعالى أنه مالك السموات والأرض وأنه الحاكم فيهما ولهذا قال { ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم } أي وصيناكم بما وصيناهم به من تقوى الله عز وجل بعبادته وحده لا شريك له ثم قال وإن تكفروا فإن لله ما في السموات وما في الأرض } الآية كما قال تعالى إخبارا عن موسى أنه قال لقومه { إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد } وقال } فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد } أي غني عن عباده { حميد } أي محمود في جميع ما يقدره ويشرعه.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللهِ وَكِيلًا
    +/- -/+  
الأية
132
 
وقوله { ولله ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا } أي هو القائم على كل نفس بما كسبت الرقيب الشهيد على كل شيء.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ ۚ وَكَانَ اللهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ قَدِيرًا
    +/- -/+  
الأية
133
 
وقوله { إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا } أي هو قادر على إذهابكم وتبديلكم بغيركم إذا عصيتموه كما قال { وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم } ثم لا يكونوا أمثالكم قال بعض السلف: ما أهون العباد على الله إذا أضاعوا أمره وقال تعالى { إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز أي وما هو عليه بممتنع.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا بَصِيرًا
    +/- -/+  
الأية
134
 
وقوله { من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة أي يا من ليس له همة إلا الدنيا اعلم أن عند الله ثواب الدنيا والآخرة وإذا سألته من هذه وهذه أعطاك وأغناك وأقناك كما قال تعالى { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق ومنهم من يقول { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النا{ ر أولئك لهم نصيب مما كسبوا الآية وقال تعالى { من كان يريد حرث الأخرة نزد له في حرثه } الآية وقال تعالى { من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد- إلى قوله - انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض } الآية وقد زعم ابن جرير أن المعنى في هذه الآية { من كان يريد ثواب الدنيا } أي من المنافقين الذين أظهروا الإيمان لأجل ذلك { فعند الله ثواب الدنيا { وهو ما حصل لهم من المغانم وغيرها مع المسلمين وقوله { والآخرة } أي وعند الله ثواب الآخرة وهو ما ادخره لهم من العقوبة في نار جهنم جعلها كقوله { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها - إلى قوله - وباطل ما كانوا يعملون } ولا شك أن هذه الآية معناها ظاهر وأما تفسيره الآية الأولى بهذا ففيه نظر فإن قوله { فعند الله ثواب الدنيا والآخرة } ظاهر في حصول الخير في الدنيا والآخرة أي بيده هذا وهذا فلا يقتصر قاصر الهمة على السعي للدنيا فقط بل لتكن همته سامية إلى نيل المطالب العالية في الدنيا والآخرة فإن مرجع ذلك كله إلى الذي بيده الضر والنفع وهو الله الذي لا إله إلا هو الذي قد قسم السعادة والشقاوة بين الناس في الدنيا والآخرة وعدل بينهم فيما علمه فيهم ممن يستحق هذا وممن يستحق هذا. ولهذا قال { وكان الله سميعا بصيرا }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَنْ تَعْدِلُوا ۚ وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا
    +/- -/+  
الأية
135
 
يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا قوامين بالقسط أي بالعدل فلا يعدلوا عنه يمينا ولا شمالا ولا تأخذهم في الله لومة لائم ولا يصرفهم عنه صارف وأن يكونوا متعاونين متساعدين متعاضدين متناصرين فيه وقوله { شهداء لله } كما قال { وأقيموا الشهادة لله } أي أدوها ابتغاء وجه الله فحينئذ تكون صحيحة عادلة حقا خالية من التحريف والتبديل والكتمان ولهذا قال{ ولو على أنفسكم } أي اشهد الحق ولو عاد ضررها عليك وإذا سئلت عن الأمر فقل الحق فيه ولو عادت مضرته عليك فإن الله سيجعل لمن أطاعه فرجا ومخرجا من كل أمر يضيق عليه وقوله { أو الوالدين والأقربين } أي وإن كانت الشهادة على والديك وقرابتك فلا تراعهم فيها بل اشهد بالحق وإن عاد ضررها عليهم فإن الحق حاكم على كل أحد وقوله { إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما } أي لا ترعاه لغناه ولا تشفق عليه لفقره والله يتولاهما بل هو أولى بهما منك واعلم بما فيه صلاحهما وقوله { فلا تتبعوا الهـوى أن تعدلوا أي فلا يحملنكم الهوى والعصبية } وبغض الناس إليكم على ترك العدل في أموركم وشئونكم بل الزموا العدل على أي حال كان كما قال تعالى { ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى } ومن هذا قول عبدالله بن رواحة لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزرعهم فأرادوا أن يرشوه ليرفق بهم فقال: والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إلي ولأنتم أبغض إلي من أعدادكم من القردة والخنازير وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم. فقالوا:بهذا قامت السموات والأرض. وسيأتي الحديث مسندا في سورة المائدة إن شاء الله تعالى وقوله { وإن تلووا أو تعرضوا } قال مجاهد وغير واحد من السلف تلووا أي تحرفوا الشهادة وتغيروها واللي هو التحريف وتعمد الكذب. قال تعالى { وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب } الآية والإعراض هو كتمان الشهادة وتركها. قال تعالى { ومن يكتمها فإنه أثم قلبه } وقال النبي صلى الله عليه وسلم } خير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسئلها { ولهذا توعدهم الله بقوله{ فإن الله كان بما تعملون خبيرا } أي وسيجازيكم بذلك.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ ۚ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا
    +/- -/+  
الأية
136
 
يأمر تعالى عباده المؤمنين بالدخول في جميع شرائع الإيمان وشعبه وأركانه ودعائمه وليس هذا من باب تحصيل الحاصل بل من باب تكميل الكامل وتقريره وتثبيته والاستمرار عليه كما يقول المؤمن في كل صلاة اهدنا الصراط المستقيم أي بصرنا فيه وزدنا هدى وثبتنا عليه فأمرهم بالإيمان به وبرسوله كما قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله } وقوله { والكتاب الذي نزل على رسوله } يعني القرآن والكتاب الذي أنزل من قبل وهذا جنس يشمل جميع الكتب المتقدمة وقال في القرآن نزل لأنه { نزل } متفرقا منجما على الوقائع بحسب ما يحتاج إليه العباد في معاشهم ومعادهم وأما الكتب المتقدمة فكانت تنزل جملة واحدة لهذا قال تعالى { والكتاب الذي أنزل من قبل } ثم قال تعالى { ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا } أي فقد خرج عن طريق الهدى وبعد عن القصد كل البعد.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا
    +/- -/+  
الأية
137
 
يخبر تعالى عمن دخل في الإيمان ثم رجع عنه ثم عاد فيه ثم رجع واستمر على ضلاله وازداد حتى مات فإنه لا توبة بعد موته ولا يغفر الله له ولا يجعل له مما هو فيه فرجا ولا مخرجا ولا طريقا إلى الهدى ولهذا قال } لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا } قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أحمد بن عبدة حدثنا حفص بن جميع عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى { ثم ازدادوا كفرا } قال: تمادوا على كفرهم حتى ماتوا وكذا قال مجاهد. وروى ابن أبي حاتم من طريق جابر المعلى عن عامر الشعبي عن علي رضي الله عنه أنه قال: يستتاب المرتد ثلاثا ثم تلا هذه الآية { إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
    +/- -/+  
الأية
138
 
ثم قال يعني أن المنافقين من هذه الصفة فإنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم ثم وصفهم بأنهم يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين بمعنى أنهم معهم في الحقيقة } يوالونهم ويسرون إليهم بالمودة ويقولون لهم إذا خلوا بهم إنما نحن معكم إنما نحن مستهزءون أي بالمؤمنين في إظهارنا لهم الموافقة.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا
    +/- -/+  
الأية
139
 
فقال الله تعالى منكرا عليهم فيما سلكوه من موالاة الكافرين { أيبتغون عندهم العزة } ثم أخبر الله تعالى بأن العزة كلها لله وحده لا شريك له ولمن جعلها له كما قال تعالى في الآية الأخرى { من كان يريد العزة فلله العزة } جميعا وقال تعالى { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون } والمقصود من هذا التهييج على طلب العزة من جناب الله والإقبال على عبوديته والانتظام في جملة عباده المؤمنين الذين لهم النصرة في هذه الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ويناسب هنا أن نذكر الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد حدثنا أبو بكر بن عياش عن حميد الكندي عن عبادة بن نسي عن أبي ريحانه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من انتسب إلى تسعة آباء كفار يريد بهم عزا وفخرا فهو عاشرهم في النار { تفرد به أحمد وأبو ريحانة هذا هو أزدي ويقال أنصاري واسمه شمعون بالمعجمة فيما قاله البخاري وقال غيره بالمهملة والله أعلم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا
    +/- -/+  
الأية
140
 
وقوله { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم } أي إنكم إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم ورضيتم بالجلوس معهم في المكان الذي يكفر فيه بأيات الله ويستهزأ وينتقص بها وأقررتموهم على ذلك فقد شاركتموهم في الذي هم فيه فلهذا قال تعالى{ إنكم إذا مثلهم } في المأثم كما جاء في الحديث { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر { والذي أحيل عليه في هذه الآية من النهي في ذلك هو قوله تعالى في سورة الأنعام وهي مكية{ وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا } فأعرض عنهم الآية قال مقاتل بن حيان: نسخت هذه الآية التي في سورة الأنعام يعني نسخ قوله } إنكم إذا مثلهم لقوله وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء } ولكن ذكرى لعلهم يتقون وقوله إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا أي كما أشركوهم في الكفر كذلك يشارك الله بينهم في الخلود في نار جهنم أبدا ويجمع بينهم في دار العقوبة والنكال والقيود والأغلال وشراب الحميم والغسلين لا الزلال.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ۚ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا
    +/- -/+  
الأية
141
 
يخبر تعالى عن المنافقين أنهم يتربصون بالمؤمنين دوائر السوء بمعنى ينتظرون زوال دولتهم وظهور الكفرة عليهم وذهاب ملتهم { فإن كان لكم فتح من الله } أي نصر وتأييد وظفر وغنيمة { قالوا ألم نكن معكم } أي يتوددون إلى المؤمنين بهذه المقالة { وإن كان للكافرين نصيب أي إدالة على المؤمنين } في بعض الأحيان كما وقع يوم أحد فإن الرسل تبتلى ثم يكون لها العافية قالوا { ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين } أي ساعدناكم في الباطن وما ألوناهم خبالا وتخذيلا حتى انتصرتم عليهم وقال السدي: نستحوذ عليكم نغلب عليكم كقوله استحوذ عليهم الشيطان وهذا أيضا تودد منهم إليهم فإنهم كانوا يصانعون هؤلاء وهؤلاء ليحظوا عندهم ويأمنوا كيدهم وما ذاك إلا لضعف إيمانهم وقلة إيقانهم. قال تعالى { فالله يحكم بينكم يوم القيامة } أي بما يعلمه منكم أيها المنافقون من البواطن الرديئة فلا تغتروا بجريان الأحكام الشرعية عليكم ظاهرا في الحياة الدنيا لما له في ذلك من الحكمة فيوم القيامة لا تنفعكم ظواهركم بل هو يوم تبلى فيه السرائر ويحصل ما في الصدور وقوله { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } قال عبدالرزاق: أنبأنا الثوري عن الأعمش عن ذر عن سبيع الكندي قال: جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فقال كيف هذه الآية { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } فقال علي رضي الله عنه أدنه أدنه فالله يحكم بينكم يوم القيامة { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا }. وكذا روى ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا قال ذاك يوم القيامة. وكذا روى السدي عن أبي مالك الأشجعي يعني يوم القيامة. وقال السدي: سبيلا أي حجة ويحتمل أن يكون المعنى { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } أي في الدنيا بأن يسلطوا عليهم استيلاء استئصال بالكلية وإن حصل لهم ظفر في بعض الأحيان على بعض الناس فإن العاقبة للمتقين في الدنيا والآخرة كما قال تعالى إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا الآية وعلى هذا فيكون ردا على المنافقين فيما أملوه ورجوه وانتظروه من زوال دولة المؤمنين وفيما سلكوه من مصانعتهم الكافرين خوفا على أنفسهم منهم إذا هم ظهروا على المؤمنين فاستأصلوهم كما قال تعالى { فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم -إلى قوله - نادمين } وقد استدل كثير من العلماء بهذه الآية الكريمة على أصح قولي العلماء وهو المنع من بيع العبد المسلم للكافر لما في صحة ابتياعه من التسليط له عليه والإذلال ومن قال منهم بالصحة يأمره بإزالة ملكه عنه في الحال لقوله تعالى { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلًا
    +/- -/+  
الأية
142
 
قد تقدم في أول سورة البقرة قوله تعالى { يخادعون الله والذين آمنوا } وقال ههنا إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم ولا شك أن الله لا يخادع فإنه العالم بالسرائر والضمائر ولكن المنافقين لجهلهم وقلة علمهم وعقلهم يعتقدون أن أمرهم كما راج عند الناس وجرت عليهم أحكام الشريعة ظاهرا فكذلك يكون حكمهم عند الله يوم القيامة وأن أمرهم يروج عنده كما أخبر تعالى عنهم أنهم يوم القيامة يحلفون له أنهم كانوا على الاستقامة والسداد ويعتقدون أن ذلك نافع لهم عنده كما قال تعالى { يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم } الآية وقوله { وهو خادعهم } أي هو الذي يستدرجهم في طغيانهم وضلالهم ويخذلهم عن الحق والوصول إليه في الدنيا وكذلك يوم القيامة كما قال تعالى { يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم -إلى قوله - وبئس المصير } وقد ورد في الحديث { من سمع سمع الله به ومن رايا رايا الله به { وفي الحديث الآخر { إن الله يأمر بالعبد إلى الجنة فيما يبدو للناس ويعدل به إلى النار { عياذا بالله من ذلك وقوله { وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى { الآية هذه صفة المنافقين في أشرف الأعمال وأفضلها وخيرها وهي الصلاة إذا قاموا إليها قاموا وهم كسالى عنها لأنهم لا نية لهم فيها ولا إيمان لهم بها ولا خشية ولا يعقلون معناها كما روى ابن مردويه من طريق عبيد الله. بن زحر عن خالد بن أبي عمران عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال: يكره أن يقوم الرجل إلى الصلاة وهو كسلان ولكن يقوم إليها طلق الوجه عظيم الرغبة شديد الفرح فإنه يناجي الله وإن الله تجاهه يغفر له ويجيبه إذا دعاه ثم يتلو هذه الآية { وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى } وروى من غير هذا الوجه عن ابن عباس نحوه فقوله تعالى { وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى هذه صفة ظواهرهم كما } قال ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ثم ذكر تعالى صفة بواطنهم الفاسدة فقال يراءون الناس أي لا إخلاص لهم ولا معاملة مع الله بل إنما يشهدون الناس تقية لهم ومصانعة. ولهذا يتخلفون كثيرا عن الصلاة التي لا يرون فيها غالبا كصلاة العشاء وقت العتمة وصلاة الصبح في وقت الغلس كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال ومعهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار { وفي رواية { والذي نفس بيده لو علم أحدهم أنه يجد عرقا سمينا أو مرماتين حسنتين لشهد الصلاة ولولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقت عليهم بيوتهم بالنار } وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا محمد بن إبراهيم بن أبي بكر المقدمي حدثنا محمد بن دينار عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من أحسن الصلاة حيث يراه الناس وأساءها حيث يخلو فتلك استهانة استهان بها ربه عز وجل { وقوله { ولا يذكرون الله إلا قليلا } أي في صلاتهم لا يخشون ولا يدرون ما يقولون بل هم في صلاتهم ساهون لاهون وعما يراد بهم من الخير معرضون. وقد روى الإمام مالك عن العلاء بن عبدالرحمن عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { تلك صلاة المنافق تلك صلاة المنافق تلك صلاة المنافق: يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا { وكذا رواه مسلم والترمذي والنسائي من حديث إسماعيل بن جعفر المدني عن العلاء بن عبدالرحمن به وقال الترمذي حسن صحيح.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا
    +/- -/+  
الأية
143
 
وقوله { مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء } يعني المنافقين محيرين بين الإيمان والكفر فلا هم مع المؤمنين ظاهرا وباطنا ولا مع الكافرين ظاهرا وباطنا بل ظواهرهم مع المؤمنين وبواطنهم مع الكافرين ومنهم من يعتريه الشك فتارة يميل إلى هؤلاء وتارة يميل إلى أولئك كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا الآية. وقال مجاهد { مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء } يعني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم { ولا إلى هؤلاء } يعني اليهود. وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن محمد بن المثنى حدثنا عبدالوهاب حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال } مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة لا تدري أيهما تتبع { تفرد به مسلم وقد رواه عن محمد بن المثنى مرة أخرى عن عبدالوهاب فوقف به على ابن عمر ولم يرفعه قال: حدثنا به عبدالوهاب مرتين كذلك قلت وقد رواه الإمام أحمد عن إسحاق بن يوسف بن عبيد الله به مرفوعا وكذا رواه إسماعيل بن عياش وعلي بن عاصم عن عبيد الله به مرفوعا عن نافع عن ابن عمر مرفوعا وكذا رواه عثمان بن محمد بن أبي شيبة عن عبدة عن عبدالله به مرفوعا ورواه حماد بن سلمة عن عبيد الله أو عبدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. ورواه أيضا صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله وقال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد حدثنا الهذيل بن بلال عن ابن أبي عبيدة أنه جلس ذات يوم بمكة وعبدالله بن عمر معه فقال ابن أبي عبيدة: قال أبي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن مثل المنافق يوم القيامة كالشاة بين الربضين من الغنم إن أتت هؤلاء نطحتها وإن أتت هؤلاء نطحتها } فقال له ابن عمر كذبت فأثنى القوم على أبي خيرا أو معروفا فقال ابن عمر ما أظن صاحبكم إلا كما تقولون ولكني شاهدي الله إذا قال كالشاة بين الغنمين فقال هو سواء فقال هكذا سمعته. قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد حدثنا المسعودي عن ابن جعفر محمد بن علي قال: بينما عبيد بن عمير يقص وعنده عبدالله بن عمر فقال عبيد بن عمير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { مثل المنافق كالشاة بين ربضين إذا أتت هؤلاء نطحتها وإذا أتت هؤلاء نطحتها { فقال ابن عمر ليس كذلك إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } كشاة بين غنمين { قال فاختطف الشيخ وغضب فلما رأى ذلك ابن عمر قال: أما إنى لو لم أسمعه لم أردد ذلك عليك. { طريقة أخرى عن ابن عمر قال الإمام أحمد: حدثنا عبدالرزاق أخبرنا معمر عن عثمان بن مادويه عن يعفر بن زودي قال: سمعت عبيد بن عمير وهو يقص يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { مثل المنافق كمثل الشاة الرابضة بين الغنمين { فقال ابن عمر: ويلكم لا تكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم { مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين { ورواه أحمد أيضا من طرق عن عبيد بن عمير عن ابن عمر ورواه ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عبيد بن موسى أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبدالله هو ابن مسعود قال: مثل المؤمن والمنافق والكافر مثل ثلاثة نفر انتهوا إلى واد فوقع أحدهم فعبر ثم وقع الآخر حتى إذا أتى على نصف الوادي ناداه الذي على شفير الوادي ويلك أين تذهب إلى الهلكة ارجع عودك على بدئك وناداه الذي عبر هلم إلى النجاة فجعل ينظر إلى هذا مرة وإلى هذا مرة قال فجاءه سيل فأغرقه فالذي عبر هو المؤمن والذي غرق المنافق مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء والذي مكث الكافر. وقال ابن جرير: حدثنا بشر حدثنا يزيد حدثنا شعبة عن قتادة مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء يقول ليسوا بمؤمنين مخلصين ولا مشركين مصرحين بالشرك قال وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يضرب مثلا للمؤمن وللمنافق وللكافر كمثل رهط ثلاثة دفعوا إلى نهر فوقع المؤمن فقطع ثم وقع المنافق حتى إذا كاد يصل إلى المؤمن ناداه الكافر أن هلم إلي فإنى أخشى عليك. وناداه المؤمن أن هلم إلي فإن عندي وعندي يحظى له ما عنده فما زال المنافق يتردد بينهما حتى أتى أذى فغرقه وإن المنافق لم يزل في شك وشبهة حتى أتي عليه الموت وهو كذلك. قال: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول { مثل المنافق كمثل ثاغية بين غنمين رأت غنما على نشز فأتتها وشامتها فلم تعرف ثم رأت غنما على نشز فأتتها فشامتها فلم تعرف { ولهذا قال تعالى { ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا } أي ومن صرفه عن طريق الهدى فلن تجد له وليا مرشدا فإنه { من يضلل الله فلا هادي له } والمنافقون الذين أضلهم عن سبيل النجاة فلا هادي لهم ولا منقذ لهم مما هم فيه فإنه تعالى { لا معقب لحكمه ولا يسئل } عما يفعل وهم يسئلون.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا
    +/- -/+  
الأية
144
 
ينهى الله تعالى عباده المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين يعني مصاحبتهم ومصادقتهم ومناصحتهم وإسرار المودة إليهم وإفشاء أحوال المؤمنين الباطنة إليهم كما قال تعالى { لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء } من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه أي يحذركم عقوبته في ارتكابكم نهيه ولهذا قال ههنا { أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا } أي حجة عليكم في عقوبته إياكم. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قوله{ سلطانا مبينا } قال كل سلطان في القرآن حجة وهذا إسناد صحيح وكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير ومحمد بن كعب القرظي والضحاك والسدي والنضر بن عربي.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا
    +/- -/+  
الأية
145
 
ثم أخبر تعالى { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } أي يوم القيامة جزاء على كفرهم الغليظ. قال الوالبي عن ابن عباس فى الدرك الأسفل من النار أي في أسفل النار وقال غيره: النار درجات كما { أن الجنة درجات } وقال سفيان الثوري عن عاصم عن ذكوان أبي صالح عن أبي هريرة { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } قال في توابيت ترتج عليهم. كذا رواه ابن جرير عن ابن وكيع عن يحيى بن يمان عن سفيان الثوري به ورواه ابن أبي حاتم عن المنذر بن شاذان عن عبيدالله بن موسى عن إسرائيل عن عاصم عن أبى صالح عن أبي هريرة { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } قال الدرك الأسفل بيوت لها أبواب تطبق عليهم فتوقد من تحتهم ومن فوقهم وقال ابن جرير: حدثنا ابن بشار حدثنا عبدالرحمن حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن خيثمة عن عبدالله يعن ابن مسعود إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار قال في توابيت من نار تطبق عليهم أي مغلقة مقفلة ورواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج عن وكيع عن سفيان عن سلمة عن خيثمة عن ابن مسعود إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار قال في توابيت من حديد مبهمة عليهم ومعنى قوله { مبهمة } أي مغلقة مقفلة لا يهتدي لمكان فتحها وروى ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو أسامة حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا علي بن يزيد عن القاسم بن عبدالرحمن أن ابن مسعود سئل عن المنافقين فقال: يجعلون في توابيت من نار تطبق عليهم في أسفل درك من النار ولن تجد لهم نصيرا أي ينقذهم مما هم فيه ويخرجهم من أليم العذاب ثم أخبر تعالى أن من تاب منهم في الدنيا تاب عليه وقبل ندمه إذا أخلص في توبته وأصلح عمله واعتصم بربه في جميع أمره.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا
    +/- -/+  
الأية
146
 
فقال تعالى { إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله } أي بدلوا الرياء بالإخلاص فينفعهم العمل الصالح وإن قل. قال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبدالأعلى قراءة أنبأنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن خالد بن أبي عمران عن عمران عن عمرو بن مرة عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { أخلص دينك يكفك القليل من العمل } { فأولئك مع المؤمنين } أي في زمرتهم يوم القيامة { وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما } ثم قال تعالى مخبرا عن غناه عما سواء وأنه إنما يعذب العباد بذنوبهم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ۚ وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا
    +/- -/+  
الأية
147
 
فقال تعالى { ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم } أي أصلحتم العمل وآمنتم بالله ورسوله { وكان الله شاكرا عليما } أي من شكر شكر له ومن آمن قلبه به علمه وجازاه على ذلك أوفر الجزاء.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
لَا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا عَلِيمًا
    +/- -/+  
الأية
148
 
قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية يقول لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد إلا أن يكون مظلوما فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه وذلك قوله { إلا من ظلم } وإن صبر فهو خير له وقال أبو داود: حدثنا عبدالله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا سفيان عن حبيب عن عطاء عن عائشة قال سرق لها شيء فجعلت تدعو عليه فقال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم { لا تسبخي عنه { وقال الحسن البصري لا يدع عليه وليقل اللهم أعني عليه واستخرج حقي منه وفي رواية عنه قال: قد رخص له أن يدعو على من ظلمه من غير أن يعتدي عليه وقال عبدالكريم بن مالك الجزري في هذه الآية هو الرجل يشتمك فتشتمه ولكن إن افترى عليك فلا تفتر عليه لقوله { ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل } وقال أبو داود: حدثنا القعنبي حدثنا عبدالعزيز بن محمد عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما ما لم يعتد المظلوم { وقال عبدالرزاق أنبأنا المثنى بن الصباح عن مجاهد في قوله { لا يحب الله الجهر بالسوء من القول } إلا من ظلم قال ضاف رجل رجلا فلم يؤد إليه حق ضيافته فلما خرج أخر الناس فقال: ضفت فلانا فلم يؤد إلي حق ضيافتي قال فذلك الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم حتى يؤدي الآخر إليه حق ضيافته وقال ابن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم قال: قال هو الرجل ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته فيخرج فيقول أساء ضيافتي ولم يحسن. وفي رواية هو الضيف المحول رحله فإنه يجهر لصاحبه بالسوء من القول وكذا روى عن غير واحد عن مجاهد نحو هذا وقد روى الجماعة سوى النسائي والترمذي من طريق الليث بن سعد والترمذي من حديث ابن لهيعة كلاهما عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير مرثد بن عبدالله عن عقبة بن عامر قال: قلنا يا رسول الله إنك تبعثنا فننزل بقوم فلا يقرونا فما ترى في ذلك ؟ فقال { إذا نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا منهم وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم { وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة سمعت أبا الجودي يحدث عن سعد بن المهاجر عن المقدام بن أبي كريمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { أيما مسلم ضاف قوما فأصبح الضيف محروما فإن حقا على كل مسلم نصره حتى يأخذ بقرى ليلته من زرعه وماله { تفرد به أحمد من هذا الوجه وقال أحمد أيضا: حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن منصور عن الشعبي عن المقدام بن أبي كريمة سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { ليلة الضيف واجبة على كل مسلم فإن أصبح بفنائه محروما كان دينا عليه فإن شاء اقتضاه وإن شاء تركه { ثم رواه أيضا عن غندر عن شعبة. وعن زياد بن عبدالله البكائي عن وكيع وأبي نعيم عن سفيان الثوري ثلاثتهم عن منصور به وكذا رواه أبو داود من حديث أبي عوانة عن منصور به. ومن هذه الأحاديث وأمثالها ذهب أحمد وغيره إلى وجوب الضيافة ومن هذا القبيل الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا عمر بن علي حدثنا صفوان بن عيسى حدثنا محمد بن عجلان عن أبيه عن أبى هريرة أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي جارا يؤذيني فقال له: { أخرج متاعك فضعه على الطريق { فأخذ الرجل متاعه فطرحه على الطريق فكل من مر به قال: مالك ؟ قال: جارى يؤذيني فيقول اللهم العنه اللهم أخزه قال: فقال الرجل ارجع إلى منزلك والله لا أوذيك أبدا وقد رواه أبو داود في كتاب الأدب عن أبي توبة الربيع عن نافع عن سليمان بن حيان أبي خالد الأحمر عن محمد بن عجلان به ثم قال البزار: لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد ورواه أبو جحيفة وهب بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم ويوسف بن عبدالله بن سلام عن النبي صلى الله عليه وسلم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا
    +/- -/+  
الأية
149
 
وقوله: أي إن تظهروا أيها الناس خيرا أو أخفيتموه أو عفوتم عمن أساء إليكم فإن ذلك مما يقربكم عند الله ويجزل ثوابكم لديه فإن من صفاته تعالى { أن يعفو عن عباده مع قدرته على } عقابهم ولهذا قال: فإن الله كان عفوا قديرا ولهذا ورد في الأثر أن حملة العرش يسبحون الله فيقول بعضهم: سبحانك على حلمك بعد علمك ويقول بعضهم سبحانك على عفوك بعد قدرتك وفي الحديث الصحيح { ما نقص مال من صدقة ولا زاد الله عبدا يعفو إلا عزا ومن تواضع لله رفعه } .

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا
    +/- -/+  
الأية
150
 
يتوعد تبارك وتعالى الكافرين به وبرسله من اليهود والنصارى حيث فرقوا بين الله ورسله في الإيمان فآمنوا ببعض الأنبياء وكفروا ببعض بمجرد التشهي والعادة وما ألفوا عليه آباءهم لا عن دليل قادهم إلى ذلك فإنه لا سبيل لهم إلى ذلك بل بمجرد الهوى والعصبية فاليهود عليهم لعائن الله آمنوا بالأنبياء إلا عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام والنصارى آمنوا بالأنبياء وكفروا بخاتمهم وأشرفهم محمد صلى والسامرة لا يؤمنون بنبي بعد يوشع خليفة موسى بن عمران والمجوس يقال إنهم كانوا يؤمنون بنبي لهم يقال له زرادشت ثم كفروا بشرعه فرفع من بين أظهرهم والله أعلم. والمقصود أن من كفر بنبي من الأنبياء فقد كفر بسائر الأنبياء فإن الإيمان واجب بكل نبي بعثه الله إلى أهل الأرض فمن رد نبوته للحسد أو العصبية أو التشهي تبين أن إيمانه بمن آمن به من الأنبياء ليس إيمانا شرعيا إنما هو عن غرض وهوى وعصبية ولهذا قال تعالى إن الذين يكفرون بالله ورسله فوسمهم بأنهم كفار بالله ورسله يريدون أن يفرقوا بين الله ورسله أي في الإيمان ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أي طريقا ومسلكا.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا
    +/- -/+  
الأية
151
 
ثم أخبر تعالى عنهم فقال: 0أولئك هم الكافرون حقا } أي كفرهم محقق لا محالة بمن ادعوا الإيمان به لأنه ليس شرعيا إذ لو كانوا مؤمنين به لكونه رسول الله لآمنوا بنظيره وبمن هو أوضح دليلا وأقوى برهانا منه لو نظروا حق النظر في نبوته وقوله { وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا أي كما استهانوا بمن كفروا به إما لعدم نظرهم } فيما جاءهم به من الله وإعراضهم عنه وإقبالهم على جمع حطام الدنيا مما لا ضرورة بهم إليه وإما بكفرهم به بعد علمهم بنبوته كما كان يفعله كثير من أحبار اليهود في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث حسدوه على ما آتاه الله من النبوة العظيمة وخالفوه وكذبوه وعادوه وقاتلوه فسلط الله عليهم الذل الدنيوي الموصول بالذل الأخروي { وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله } في الدنيا والآخرة.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَٰئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ ۗ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا
    +/- -/+  
الأية
152
 
وقوله: { والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم } يعني بذلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم يؤمنون بكل كتاب أنزله الله وبكل نبي بعثه الله كما قال تعالى { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله } الآية. ثم أخبر تعالى بأنه قد أعد لهم الجزاء الجزيل والثواب الجليل والعطاء الجميل فقال أولئك سوف يؤتيهم أجورهم على ما آمنوا بالله ورسله { وكان الله غفورا رحيما } أي لذنوبهم أي إن كان لبعضهم ذنوب.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ ۚ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِنْ ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ۚ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَٰلِكَ ۚ وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَانًا مُبِينًا
    +/- -/+  
الأية
153
 
قال محمد بن كعب القرظي والسدي وابن قتادة: سأل اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم كتابا من السماء كما نزلت التوراة على موسى مكتوبة قال ابن جريج: سألوه أن ينزل عليهم صحفا من الله مكتوبة إلى فلان وفلان وفلان بتصديقه فيما جاءهم به وهذا إنما قالوه على سبيل التعنت والعناد والكفر والإلحاد كما سأل كفار قريش قبلهم نظير ذلك كما هو مذكور في سورة سبحان وقالوا { لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا } الآيات ولهذا قال تعالى { فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم } أي بطغيانهم وبغيهم وعتوهم وعنادهم وهذا مفسر في سورة البقرة حيث يقول تعالى } وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون } وقوله تعالى{ ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات } أي من بعد ما رأوا من الآيات الباهرة والأدلة القاهرة على يد موسى عليه السلام في بلاد مصر وما كان من إهلاك عدو الله فرعون وجميع جنوده في اليم فما جاوزوه إلا يسيرا حتى أتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم فقالوا لموسى { اجعل لنا إلها كما لهم آلهة } الآيتين ثم ذكر تعالى قصة اتخاذهم العجل مبسوطة في سورة الأعراف وفي سورة طه بعد ذهاب موسى إلى مناجاة الله عز وجل { ثم لما رجع وكان ما كان جعل الله توبتهم { من الذي صنعوه وابتدعوه أن يقتل من لم يعبد العجل منهم من عبده فجعل يقتل بعضهم بعضا ثم أحياهم الله عز وجل وقال الله تعالى{ فعفونا عن ذلك وآتينا موسى سلطانا مبينا }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا
    +/- -/+  
الأية
154
 
ثم قال { ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم } وذلك حين امتنعوا من الالتزام بأحكام التوراة وظهر منهم إباء عما جاءهم به موسى عليه السلام ورفع الله على رؤسهم جبلا ثم ألزموا فالتزموا وسجدوا وجعلوا ينظرون إلى فوق رءوسهم خشية أن يسقط عليهم كما قال تعالى { وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة } الآية { وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا } أي فخالفوا ما أمروا به من القول والفعل فإنهم أمروا أن يدخلوا باب بيت القدس سجدا وهم يقولون حطة. أي اللهم حط عنا ذنوبنا في تركنا الجهاد ونكولنا عنه حتى تهنا في التيه أربعين سنة فدخلوا يزحفون على أستاههم وهم يقولون حنطة في شعرة { وقلنا لهم لا تعدوا في السبت } أي وصيناهم بحفظ السبت والتزام ما حرم الله عليهم ما دام مشروعا لهم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا أي شديدا فخالفوا وعصوا وتحيلوا على ارتكاب ما حرم الله عز وجل كما هو مبسوط في سورة الأعراف عند قوله: { واسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر } الآيات وسيأتي حديث صفوان بن عسال في سورة سبحان عند قوله: { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات وفيه }: وعليكم خاصة يهود أن لا تعدوا في السبت.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا
    +/- -/+  
الأية
155
 
وهذا من الذنوب التي ارتكبوها مما أوجب لعنتهم وطردهم وإبعادهم عن الهدى وهو نقضهم المواثيق والعهود التي أخذت عليهم وكفرهم بآيات الله أي حججه وبراهينه والمعجزات التي شاهدوها على يد الأنبياء عليهم السلام قوله: { وقتلهم الأنبياء بغير حق } وذلك لكثرة إجرامهم واجترائهم على أنبياء الله فإنهم قتلوا جما غفيرا من الأنبياء وقولهم قلوبنا غلف قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والسدي وقتادة وغير واحد أي في غطاء وهذا كقول المشركين وقالوا { قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه } الآية وقيل معناه أنهم ادعو أن قلوبهم غلف للعلم أي أوعية للعلم قد حوته وحصلته رواه الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وقد تقدم نظيره في سورة البقرة قال الله تعالى: بل طبع الله عليها بكفرهم فعلى القول الأول كأنهم يعتذرون إليه بأن قلوبهم لا تعي ما يقول لأنها في غلف وفي أكنة قال الله بل هي مطبوع عليها بكفرهم وعلى القول الثاني عكس عليهم ما ادعوه من كل وجه وقد تقدم الكلام على مثل هذا في سورة البقرة فلا يؤمنون إلا قليلا أي تمرنت قلوبهم على الكفر والطغيان. وقلة الإيمان.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا
    +/- -/+  
الأية
156
 
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يعني أنهم رموها بالزنا وكذلك قال السدي وجويبر ومحمد بن إسحاق وغير واحد وهو ظاهر من الآية أنهم رموها وابنها بالعظائم فجعلوها زانية وقد حملت بولدها من ذلك زاد بعضهم وهي حائض فعليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ۚ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا
    +/- -/+  
الأية
157
 
وقولهم { إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله } أي هذا الذي يدعي لنفسه هذا المنصب قتلناه وهذا منهم من باب التهكم والاستهزاء كقول المشركين { يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون } وكان من خبر اليهود عليهم لعائن الله وسخطه وغضبه وعقابه أنه لما بعث الله عيسى ابن مريم بالبينات والهدى حسدوه على ما آتاه الله تعالى من النبوة والمعجزات الباهرات التي كان يبرئ بها الأكمة والأبرص ويحيى الموتي بإذن الله ويصور من الطين طائرا ثم ينفخ فيه فيكون طائرا يشاهد طيرانه بإذن الله عز وجل إلى غير ذلك من المعجزات التي أكرمه الله بها وأجراها على يديه ومع هذا كذبوه وخالفوه وسعوا في أذاه بكل ما أمكنهم حتى جعل نبي الله عيسى عليه السلام لا يساكنهم في بلدة بل يكثر السياحة هو وأمه عليهما السلام ثم لم يقنعهم ذلك حتى سعوا إلى ملك دمشق في ذلك الزمان وكان رجلا مشركا من عبدة الكواكب وكان يقال لأهل ملته اليونان وأنهوا إليه أن في بيت المقدس رجلا يفتن الناس ويضلهم ويفسد على الملك رعاياه فغضب الملك من هذا وكتب إلى نائبه بالقدس أن يحتاط على هذا المذكور وأن يصلبه ويضع الشوك على رأسه ويكف أذاه عن الناس فلما وصل الكتاب امتثل والي بيت المقدس ذلك وذهب هو وطائفة من اليهود إلى المنزل الذي فيه عيسى عليه السلام وهو في جماعة من أصحابه اثني عشر أو ثلاثة عشر وقال سبعة عشر نفرا وكان ذلك يوم الجمعة بعد العصر ليلة السبت فحصروه هنالك. فلما أحس بهم وأنه لا محالة من دخلوهم عليه أو خروجه إليهم قال لأصحابه أيكم يلقى عليه شبهي وهو رفيقي في الجنة ؟ فانتدب لذلك شاب منهم فكأنه استصغره عن ذلك فأعادها ثانية وثالثة وكل ذلك لا ينتدب إلا ذلك الشاب فقال: أنت هو وألقى الله عليه شبه عيسى حتى كأنه هو وفتحت روزنه من سقف البيت وأخذت عيسى عليه السلام سنة من النوم فرفع إلى السماء وهو كذلك كما قال الله تعالى { إذ قال الله يا عيسى إنى متوفيك ورافعك إلي } الآية فلما رفع خرج أولئك النفر فلما رأى أولئك ذلك الشاب ظنوا أنه عيسى فأخذوه في الليل وصلبوه ووضعوا الشوك على رأسه وأظهر اليهود أنهم سعوا في صلبه وتبجحوا بذلك وسلم لهم طوائف من النصارى ذلك لجهلهم وقلة عقلهم ما عدا من كان في البيت مع المسيح فإنهم شاهدوا رفعه. وأما الباقون فإنهم ظنوا كما ظن اليهود أن المصلوب هو المسيح ابن مريم حتى ذكروا أن مريم جلست تحت ذلك المصلوب وبكت ويقال إنه خاطبها والله أعلم وهذا كله من امتحان الله عباده لما له في ذلك من الحكمة البالغة وقد أوضح الله الأمر وجلاه وبينه وأظهره في القرآن العظيم الذي أنزله على رسوله الكريم المؤيد بالمعجزات والبينات والدلائل الواضحات فقال تعالى وهو أصدق القائلين ورب العالمين المطلع على السرائر والضمائر الذي يعلم السر في السموات والأرض العالم بما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم أي رأوا شبهه فظنوه إياه ولهذا قال { وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن } يعني بذلك من ادعى أنه قتله من اليهود ومن سلمه إليهم من جهال النصارى كلهم في شك من ذلك وحيرة وضلال وسعر ولهذا قال: وما قتلوه يقينا أي وما قتلوه متيقنين أنه هو بل شاكين متوهمين.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا
    +/- -/+  
الأية
158
 
{ بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا } أي منيع الجناب لا يرام جنابه ولا يضام من لاذ ببابه { حكيما } أي في جميع ما يقدره ويقضيه من الأمور التي يخلقها وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة والسلطان العظيم والأمر القديم قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء خرج على أصحابه وفي البيت اثنا عشر رجلا من الحواريين يعني فخرج عليهم من عين في البيت ورأسه يقطر ماء فقال: إن منكم من يكفر بي اثني عشر مرة بعد أن آمن بي قال: ثم قال أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي فقام شاب من أحدثهم سنا فقال له: اجلس. ثم أعاد عليهم فقام ذلك الشاب فقال: اجلس. ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال: أنا فقال: هو أنت ذاك فألقى عليه شبه عيسى ورفع عيسى من روزنه في البيت إلى السماء قال: وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبه فقتلوه ثم صلبوه فكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن به وافترقوا ثلاث فرق فقالت فرقة كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء وهؤلاء اليعقوبية وقالت فرقة: كان فينا ابن الله ما شاء ثم رفعه الله إليه وهؤلاء النسطورية وقالت فرقة: كان فينا عبدالله ورسوله ما شاء الله ثم رفعه الله إليه وهؤلاء المسلمون فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها فلم يزل الإسلام طامسا حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس ورواه النسائي عن أبي كريب عن أبي معاوية بنحوه وكذا ذكره غير واحد من السلف أنه قال لهم أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني وهو رفيقي في الجنة. وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد. حدثنا يعقوب القمي عن هارون بن عنترة عن وهب بن منبه قال: أتى عيسى ومعه سبعة عشر من الحواريين في بيت فأحاطوا بهم فلما دخلوا عليه صورهم الله عز وجل كلهم على صورة عيسى فقالوا لهم: سحرتمونا ليبرزن لنا عيسى أو لنقتلنكم جميعا فقال عيسى لأصحابه من يشري نفسـه منكم اليوم بالجنة؟ فقال رجل منهم أنا فخرج إليهم وقال أنا عيسى وقد صوره الله على صورة عيسى فأخذوه فقتلوه وصلبوه فمن ثم شبه لهم فظنوا أنهم قد قتلوا عيسى وظنت النصارى مثل ذلك أنه عيسى ; ورفع الله عيسى من يومه ذلك وهذا سياق غريب جدا. قال ابن جرير: وقد روي عن وهب نحو هذا القول وهو ما حدثني المثنى حدثنا إسماعيل عن عبدالكريم حدثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهبا يقول: إن عيسى ابن مريم لما أعلمه الله أنه خارج من الدنيا جزع من الموت وشق عليه فدعا الحواريين وصنع لهم طعاما فقال: أحضروني الليلة فإن لي إليكم حاجة فلما اجتمعوا إليه من الليل عشاهم وقام يخدمهم فلما فرغوا من الطعام أخذ يغسل أيديهم ويوضئهم بيده ويمسح أيديهم بثيابه فتعاظموا ذلك وتكارهوه فقال ألا من رد علي الليلة شيئا مما أصنع فليس مني ولا أنا منه فأقروه حتى إذا فرغ من ذلك قال: أما ما صنعت بكم الليلة مما خدمتكم على الطعام وغسلت أيديكم بيدي فليكن لكم بي أسوة فإنكم ترون أنى خيركم فلا يتعاظم بعضكم على بعض وليبذل بعضكم نفسه لبعض كما بذلت نفسي لكم وأما حاجتي الليلة التي استعنتكـم عليها فتدعون الله لي وتجتهدون في الدعاء أن يؤخر أجلي فلما نصبوا أنفسهم للدعاء وأرادوا أن يجتهدوا أخذهم النوم حتى لم يستطيعوا دعاء فجعل يوقظهم ويقول سبحان الله أما تصبرون لي ليلة واحدة تعينونني فيها فقالوا: والله ما ندري ما لنا لقد كنا نسمر فنكثر السمر وما نطيق الليلة سمرا وما نريد دعاء إلا حيل بيننا وبينه فقال يذهب الراعي وتفرق الغنم وجعل يأتي بكلام نحو هذا ينعي به نفسه. ثم قال: الحق ليكفرن بي أحدكم قبل أن يصيح الديك ثلات مرات وليبيعني أحدكم بدراهم يسيرة وليأكلن ثمني. فخرجوا وتفرقوا وكانت اليهود تطلبه وأخذوا شمعون أحد الحواريين وقالوا: هذا من أصحابه فجحد وقال: ما أنا بصاحبه فتركوه. ثم أخذه آخرون فجحد كذلك ثم سمع صوت ديك فبكى وأحزنه فلما أصبح أتى أحد الحواريين إلى اليهود فقال: ما تجعلون لي إن دللتكم على المسيح ؟ فجعلوا له ثلاثين درهما فأخذها ودلهم عليه وكان شبه عليهم قبل ذلك فأخذوه فاستوثقوا منه وربطوه بالحبل وجعلوا يقودونه ويقولون له أنت كنت تحي الموتى وتنهر الشيطان وتبرئ المجنون أفلا تنجي نفسك من هذا الحبل ؟ ويبصقون عليه ويلقون عليه الشوك حتى أتوا به الخشبة التي أرادوا أن يصلبوه عليها فرفعه الله إليه وصلبوا ما شبه لهم فمكث سبعا ثم إن أمه والمرأة التي كان يداويها عيسى عليه السلام فأبرأها الله من الجنون جاءتا تبكيان حيث المصلوب فجاءهما عيسى فقال: ما تبكيان؟ فقالتا عليك فقال:إنى قد رفعني الله إليه ولم يصبني إلا خيرا وإن هذا شبه لهم فأمري الحواريين يلقوني إلى مكان كذا وكذا فلقوه إلى ذلك المكان أحد عشر وفقدوا الذي كان باعه ودل عليه اليهود فسأل عنه أصحابه فقال: إنه ندم على ما صنع فاختنق وقتل نفسه فقال: لو تاب لتاب الله عليه. ثم سألهم عن غلام تبعهم يقال له يحيى فقال هو معكم فانطلقوا فإنه سيصبح كل إنسان يحدث بلغة قومه فلينذرهم وليدعهم. سياق غريب جدا. ثم قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال: كان اسم ملك بني إسرائيل الذي بعث إلى عيسى ليقتله رجلا منهم يقال له داود فلما أجمعوا لذلك منه لم يفظع عبد من عباد الله بالموت فيما ذكر لي فظعه ولم يجزع منه جزعه ولم يدع الله في صرفه عنه دعاءه حتى إنه ليقول فيما يزعمون اللهم إن كنت صارفا هذه الكأس عن أحد من خلقك فاصرفها عني وحتى إن جلده من كرب ذلك ليتفصد دما فدخل المدخل الذي أجمعوا أن يدخلوا عليه فيه ليقتلوه هو وأصحابه وهم ثلاثة عشر بعيسى عليه السلام فلما أيقن أنهم داخلون عليه قال لأصحابه من الحواريين وكانوا اثني عشر رجلا فرطوس ويعقوبس ويلاونخس أخو يعقوب وانداريس وفيلبس وابن يلما ومنتا وطوماس ويعقوب بن حلقايا ونداوسيس وقتابيا وليودس ركريايوطا قال ابن حميد: قال سلمة قال ابن إسحاق وكان فيهما ذكر لي رجل اسمه سرجس وكانوا ثلاثة عشر رجلا سوى عيسى عليه السلام جحدته النصارى وذلك أنه هو الذي شبه لليهود مكان عيسى قال فلا أدري هو من هؤلاء الإثنى عشر أو كان ثالث عشر فجحدوه حين أقروا لليهود بصلب عيسى وكفروا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الخبر عنه فإن كانوا ثلاثة عشر فإنهم دخلوا المدخل حين دخلوا وهم بعيسى أربعة عشر وإن كانوا اثني عشر فإنهم دخلوا المدخل وهم ثلاثة عشر. قال ابن إسحاق: وحدثني رجل كان نصرانيا فأسلم أن عيسى حين جاءه من الله إنى رافعك إلي قال: يا معشر الحواريين أيكم يحب أن يكون رفيقي في الجنة حتى يشبه للقوم في صورتي فيقتلوه في مكاني فقال سرجس: أنا يا روح الله. قال: فاجلس في مجلسي فجلس فيه ورفع عيسى فدخلوا عليه فأخذوه فصلبوه فكان هو الذي صلبوه وشبه لهم به وكانت عدتهم حين دخلوا مع عيسى معلومة قد رأوهم فأحصوا عدتهم فلما دخلوا ليأخذوه وجدوا عيسى وأصحابه فيما يرون وفقدوا رجلا من العدة فهو الذي اختلفوا فيه وكانوا لا يعرفون عيسى حتى جعلوا ليودس ركريايوطا ثلاثين درهما على أن يدلهم عليه ويعرفهم إياه فقال لهم إذا دخلتم عليه فإنى سأقبله وهو الذي أقبل فخذوه فلما دخلوا وقد رفع عيسى ورأى سرجس في صورة عيسى فلم يشك أنه هو فأكب عليه فقبله فأخذوه فصلبوه. ثم أن ليودس ركريايوطا ندم على ما صنع فاختنق بحبل حتى قتل نفسه وهو ملعون في النصارى وقد كان أحد المعدودين من أصحابه وبعض النصارى يزعم أنه ليودس ركريايوطا هو الذي شبه لهم فصلبوه وهو يقول إنى لست بصاحبكم أنا الذي دللتكم عليه والله أعلم أي ذلك كان. وقال ابن جرير عن مجاهد: صلبوا رجلا شبه بعيسى ورفع الله عز وجل عيسى إلى السماء حيا واختار ابن جرير أن شبه عيسى ألقى على جميع أصحابه.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا
    +/- -/+  
الأية
159
 
وقوله تعالى: قال ابن جرير: اختلف أهل التأويل في معنى ذلك فقال بعضهم معنى ذلك { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته } يعني قبل موت عيسى يوجه ذلك إلى أن جميعهم يصدقون به إذا نزل لقتل الدجال فتصير الملل كلها واحدة وهي ملة الإسلام الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار حدثنا عبدالرحمن عن سفيان عن أبي حصين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته } قال: قبل موت عيسى ابن مريم عليه السلام وقال العوفى عن أبو عباس مثل ذلك وقال أبن مالك في قوله { إلا ليؤمنن به قبل موته } قال: ذلك عند نزول عيسى وقبل موت عيسى ابن مريم عليه السلام لا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا آمن به وقال الضحاك عن ابن عباس وإن من هل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته يعني اليهود خاصة وقال الحسن البصري: يعني النجاشي وأصحابه رواهما ابن أبي حاتم. وقال ابن جرير: حدثني يعقوب حدثنا أبو رجاء عن الحسن وإن من { أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته } قال: قبل موت عيسى والله إنه لحي الآن عند الله ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا علي بن عثمان اللاحقي حدثنا جويرية بن بشير قال: سمعت رجلا قال للحسن: يا أبا سعيد قول الله عز وجل { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته } قال: قبل موت عيسى إن الله رفع إليه عيسى وهو باعثه قبل يوم القيامة مقاما يؤمن به البر والفاجر. وكذا قال قتادة وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم وغير واحد وهذا القول هو الحق كما سنبينه بعد بالدليل القاطع إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان. قال ابن جرير: وقال آخرون يعني بذلك وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به بعيسى قبل موت الكتابي ذكر من كان يوجه ذلك إلى أنه إذا عاين علم الحق من الباطل لأن كل من نزل به الموت لم تخرج نفسه حتى يتبين له الحق من الباطل في دينه. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية قال: لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى حدثني المثنى حدثنا أبو حذيفة حدثنا شبل عن ابن نجيح عن مجاهد في قوله إلا ليؤمنن به قبل موته كل صاحب كتاب يؤمن بعيسى قبل موته قبل موت صاحب الكتاب. قال ابن عباس: لو ضربت عنقه لم تخرج نفسه حتى يؤمن بعيسى حدثنا ابن حميد حدثنا أبو نميلة يحيى بن واضح حدثنا حسين بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال: لا يموت اليهودي حتى يشهد أن عيسى عبدالله ورسوله ولو عجل عليه بالسلاح حدثني إسحاق بن إبراهيم وحبيب بن الشهيد حدثنا عتاب بن بشر عن خصيف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته قال: هي في قراءة أبي قبل موتهم ليس يهودي يموت أبدا حتى يؤمن بعيسى قيل لابن عباس: أرأيت إن خر من فوق بيت قال: يتكلم به في الهوى قيل: أرأيت إن ضربت عنق أحدهم ؟ قال: يلجلج بها لسانه. وكذا روى سفيان الثوري عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته قال: لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى عليه السلام وإن ضرب بالسيف تكلم به قال: وإن هوى تكلم به وهو يهوي وكذا روى أبو داود الطيالسي عن شعبة عن أبي هارون الغنوي عن عكرمة عن ابن عباس فهذه كلها أسانيد صحيحة إلى ابن عباس وكذا صح عن مجاهد وعكرمة ومحمد بن سيرين وبه يقول الضحاك وجويبر وقال السدي: وحكاه عن ابن عباس ونقل قراءة أبي بن كعب قبل موتهم. وقال عبدالرزاق عن إسرائيل عن فرات القزاز عن الحسن في قوله إلا ليؤمنن به قبل موته قال: { لا يموت أحد منهم حتى يؤمن } بعيسى قبل أن يموت وهذا يحتمل أن يكون مراد الحسن ما تقدم عنه ويحتمل أن يكون مراده ما أراده هؤلاء قال ابن جرير: وقال آخرون معنى ذلك وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم قبل موت الكتابي { ذكر من قال ذلك { حدثني ابن المثنى حدثنا الحجاج بن المنهال حدثنا حماد عن حميد قال: قال عكرمة لا يموت النصراني ولا اليهودي حتى يؤمن بمحمد صلى قوله وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ثم قال ابن جرير: وأولى هذه الأقوال بالصحة القول الأول وهو أنه لا يبقى أحد من أهل الكتاب بعد نزول عيسى عليه السلام إلا آمن به قبل موت عيسى عليه السلام ولا شك أن هذا الذي قاله ابن جرير هو الصحيح لأنه المقصود من سياق الآي في تقرير بطلان ما ادعته اليهود من قتل عيسى وصلبه وتسليم من سلم لهم من النصارى الجهلة ذلك فأخبر الله أنه لم يكن الأمر كذلك وإنما شبه لهم فقتلوا الشبه وهم لا يتبينون ذلك ثم إنه رفعه إليه وإنه باق حي وإنه سينزل قبل يوم القيامة كما دلت عليه الأحاديث المتواترة التي سنوردها إن شاء الله قريبا فيقتل مسيح الضلالة ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية يعني لا يقبلها من أحد من أهل الأديان بل لا يقبل إلا الإسلام أو السيف فأخبرت هذه الآية الكريمة أنه يؤمن به جميع أهل الكتاب حينئذ ولا يتخلف عن التصديق به واحد منهم ولهذا قال: { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته } أي قبل موت عيسى الذي زعم اليهود ومن وافقهم من النصارى أنه قتل وصلب ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا أي بأعمالهم التي شاهدها منهم قبل رفعه إلى السماء وبعد نزوله إلى الأرض. فأما من فسر هذه الآية بأن المعنى أن كل كتابي لا يموت حتى يؤمن بعيسى أو بمحمد عليهما الصلاة والسلام فهذا هو الواقع وذلك أن كل أحد عند احتضاره ينجلي له ما كان جاهلا به فيؤمن به ولكن لا يكون ذلك إيمانا نافعا له إذا كان قد شاهد الملك كما قال تعالى في أول هذه السورة وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنى تبت الآن الآية وقال تعالى فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده الآيتين وهذا يدل على ضعف ما احتج به ابن جرير في رد هذا القول حيث قال: ولو كان المراد بهذه الآية هذا لكان كل من آمن بمحمد صلى أو بالمسيح ممن كفر بهما يكون على دينهما وحينئذ لا يرثه أقرباؤه من أهل دينه لأنه قد أخبر الصادق أنه يؤمن به قبل موته فهذا ليس بجيد إذ لا يلزم من إيمانه في حالة لا ينفعه إيمانه أنه يصير بذلك مسلما ألا ترى قول ابن عباس: ولو تردى من شاهق أو ضرب سيف أوافترسه سبع فإنه لابد أن يؤمن بعيسى فالإيمان به في هذه الحال ليس بنافع ولا ينقل صاحبه عن كفره لما قدمناه والله أعلم. ومن تأمل هذا جيدا وأمعن النظر اتضح له أنه هو الواقع لكن لا يلزم منه أن يكون المراد بهذه الآية هذا بل المراد بها ما ذكرناه من تقرير وجود عيسى عليه السلام وبقاء حياته في السماء وأنه سينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة ليكذب هؤلاء وهؤلاء من اليهود والنصارى { الذين تباينت أقوالهم فيه وتصادمت وتعاكست وتناقضت وخلت عن الحق ففرط هؤلاء } اليهود وأفرط هؤلاء النصارى تنقصه اليهود بما رموه به وأمه من العظائم وأطراه النصارى بحيث ادعو فيه ما ليس فيه فرفعوه في مقابلة أولئك عن مقام النبوة إلى مقام الربوبية تعالى الله عما يقول هؤلاء وهؤلاء علوا كبيرا وتنزه وتقدس لا إله إلا هو. { ذكر الأحاديث الواردة في نزول عيسى ابن مريم إلى الأرض من السماء في آخر الزمان } { قبل يوم القيامة وأنه يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له { قال البخاري رحمه الله في كتاب ذكر الأنبياء من صحيحه المتلقى بالقبول: { نزول عيسى ابن مريم عليه السلام { حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا يعقوب بن إبراهيم عن أبي صالح عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد وحتى تكون السجدة خيرا له من الدنيا وما فيها { ثم يقول أبو هريره: اقرءوا إن شئتم وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا وكذا رواه عن الحسن الحلواني وعبد بن حميد كلاهما عن يعقوب به وأخرجه البخاري ومسلم أيضا من حديث سفيان بن عيينة عن الزهري به وأخرجاه من طريق الليث عن الزهري به ورواه ابن مردويه من طريق محمد بن أبي حفصة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا يقتل الدجال ويقتل الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية ويفيض المال وتكون السجدة واحدة لله رب العالمين { قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته موت عيسى ابن مريم. ثم يعيدها أبو هريرة ثلاث مرات. { طريق أخرى { عن أبي هريرة قال الإمام أحمد: حدثنا روح حدثنا محمد بن أبي حفصة عن الزهري عن حنظلة بن علي الأسلمي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { ليهلن عيسى ابن مريم بفج الروحاء بالحج أو العمرة أو ليثنينهما جميعا { وكذا رواه مسلم منفردا به من حديث سفيان بن عيينة والليث بن سعد ويونس بن يزيد ثلاثتهم عن الزهري به وقال أحمد: حدثنا يزيد حدثنا سفيان هو ابن حسين عن الزهري عن حنظلة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الخنزير ويمحو الصليب وتجمع له الصلاة ويعطي المال حتى لا يقبل ويضع الخراج وينزل الروحاء فيحج منها أو يعتمر أو يجمعهما { قال وتلا أبو هريرة وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته الآية فزعم حنظلة أن أبا هريرة قال: يؤمن به قبل موت عيسى فلا أدري هذا كله حديث النبي صلى الله عليه وسلم أو شيء قاله أبو هريرة. وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن أبي موسى محمد بن المثنى عن يزيد بن هارون عن سفيان بن حسين عن الزهري به. { طريق أخرى { قال البخاري: حدثنا أبو بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { كيف بكم إذا نزل فيكم المسيح ابن مريم وإمامكم منكم { تابعه عقيل والأوزاعي وهكذا رواه الإمام أحمد عن عبدالرزاق عن معمر عن عثمان بن عمر عن ابن أبي ذئب كلاهما عن الزهري به وأخره مسلم من رواية يونس والأوزاعي وابن أبي ذئب به. { طريق أخرى { قال الإمام أحمد: حدثنا عفان حدثنا همام أنبأنا قتادة عن عبدالرحمن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد وإني أولى الناس بعيسى ابن مريم لأنه لم يكن نبي بيني وبينه وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض عليه ثوبان ممصران كأن رأسه يقطر إن لم يصبه بلل فيدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويدعو الناس إلى الإسلام ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال ثم تقع الأمنة على الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل والنمار مع البقر والذئاب مع الغنم ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم فيمكث أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون { كذا رواه أبو داود عن هدية بن خالد عن همام بن يحيى ورواه ابن جرير ولم يورد عند هذه الآية سواه عن بشر بن معاذ عن يزيد بن هارون عن سعيد بن أبي عروبة كلاهما عن قتادة عن عبدالرحمن بن آدم وهو مولى أم برثن صاحب السقاية عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه وقال: يقاتل الناس على الإسلام. وقد روى البخاري عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول } أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم والأنبياء أولاد علات ليس بيني وبينه نبي { ثم روى عن محمد بن سنان عن فليح بن سليمان عن هلال بن علي عن عبدالرحمن بن أبي عمرة عن أبي عمرة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد { وقال إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة عن صفوان بن سليم عن عطاء بن بشار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. { حديث آخر { قال مسلم في صحيحه: حدثني زهير بن حرب حدثنا يعلى بن منصور حدثنا سليمان بن بلال حدثنا سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا تقوم الساعة حتى تنزل الروم بالأعماق أو بدابق فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ فإذا تصافوا قالت الروم خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم فيقول المسلمون لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا فيقاتلونهم فيهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا ويقتل ثلث هم أفضل الشهداء عند الله ويفتح الثلث لا يفتنون أبدا فيفتحون قسطنطينية فبينما هم يقسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان إن المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون وذلك باطل فإذا جاءوا الشام خرج فبينما هم يعدون للقتال يسؤون الصفوف إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى ابن مريم فيؤمهم فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء فلو تركه لذاب حتى يهلك ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته ". { حديث آخر { قال أحمد: حدثنا هشيم عن العوام بن حوشب عن جبلة بن سحيم عن مؤثر بن غفارة عن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لقيت ليلة أسرى بي إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام فتذاكروا أمر الساعة فردوا أمرهم إلى إبراهيم فقال: لا علم لي بها فردوا أمرهم إلى موسى فقال: لا علم لي بها فردوا أمرهم إلى عيسى فقال: أما وجبتها فلا يعلم بها أحد إلا الله وفيما عهد إلي ربي عز وجل أن الدجال خارج ومعي قضيبان فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص قال: فيهلكه الله إذا رآني حتى إن الحجر والشجر يقول: يا مسلم إن تحتي كافرا فتعال فاقتله قال فيهلكهم الله ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيطؤن بلادهم فلا يأتون على شيء إلا أهلكوه ولا يمرون على ماء إلا شربوه قال: ثم يرجع الناس يشكونهم فأدعو الله عليهم فيهلكهم ويميتهم حتى تجوى الأرض من نتن ريحهم وينزل الله المطر فيجترف أجسادهم حتى يقذفهم في البحر ففيما عهد إلى ربي عز وجل أن ذلك إذا كان كذلك أن الساعة كالحامل المتم لا يدري أهلها متى تفاجئهم بولادها ليلا أو نهارا { رواه ابن ماجه عن محمد بن بشار عن يزيد بن هارون عن العوام بن حوشب به نحوه. { حديث آخر { قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي نضرة قال: أتينا عثمان بن أي العاص في يوم جمعة لنعرض عليه مصحفا لنا على مصحفه فلما حضرت الجمعة أمرنا فاغتسلنا ثم أتينا بطيب فتطيبنا ثم جئنا المسجد فجلسنا إلى رجل فحدثنا عن الدجال ثم جاء عثمان بن أبي العاص فقمنا إليه فجلسنا فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { يكون للمسلمين ثلاثة أمصار مصر بملتقى البحرين ومصر بالحيرة ومصر بالشام ففزع الناس ثلاث فزعات فيخرج الدجال في أعراض الناس فيهزم من قبل المشرق فأول مصر يرده المصر الذي بملتقى البحرين فيصير أهلها ثلاث فرق فرقه تقول نقيم نشامة ننظر ما هو وفرقة تلحق بالأعراب وفرقة تلحق بالمصر الذي يليهم ومع الدجال سبعون ألفا عليهم التيجان وأكثر من معه اليهود والنساء وينحاز المسلمون إلى عقبة أفيق فيبعثون سرحا لهم فيصاب سرحهم فيشتد ذلك عليهم ويصيبهم مجاعة شديدة وجهد شديد حتى إن أحدهم ليحرق وتر قوسه فيأكله فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من الشجر: يا أيها الناس أتاكم الغوث ثلاثا فيقول بعضهم لبعض إن هذا لصوت رجل شبعان وينزل عيسى ابن مريم عليه السلام عند صلاة الفجر فيقول له أميرهم: يا روح الله تقدم صل فيقول: هذه الأمة أمراء بعضهم على بعض فيتقدم أميرهم فيصلي حتى إذا قضى صلاته أخذ عيسى حربته فذهب نحو لدجال فإذا رآه الدجال ذاب كما يذوب الرصاص فيضع حربته بين ثندوته فيقتله ويهزم أصحابه فليس يومئذ شيء يواري منهم أحدا حتى إن الشجرة تقول يا مؤمن هذا كافر ويقول الحجر يا مؤمن هذا كافر } تفرد به أحمد من هذا الوجه. { حديث آخر } قال أبو عبدالله محمد بن يزيد بن ماجه في سننه: حدثنا علي بن محمد حدثنا عبدالرحمن المحاربي عن إسماعيل بن رافع عن أبي زرعة الشيباني يحيى بن أبي عمرو عن أبي أمامة الباهلي قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أكثر خطبته حديثا حدثناه عن الدجال وحذرناه فكان من قوله أن قال } لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم عليه وسلم أعظم من فتنة الدجال وإن الله لم يبعث نبيا إلا حذر أمته الدجال وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم وهو خارج فيكم لا محالة فإن يخرج وأنا بين ظهرانيكم فأنا حجيج كل مسلم وإن يخرج من بعدي فكل حجيج نفسه وإن الله خليفتي على كل مسلم وإنه يخرج من خلة بين الشام والعراق فيعيث يمينا ويعيث شمالا ألا يا عباد الله: أيها الناس فاثبتوا وإنى سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه نبي قبلي: إنه يبدأ فيقول أنا نبي فلا نبي بعدي ثم يثني فيقول أنا ربكم ولا ترون ربكم حتى تموتوا وإنه أعور وإن ربكم عز وجل ليس بأعور وإنه مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب أو غير كاتب وإن من فتنته أن معه جنة ونارا فناره جنة وجنته نار فمن ابتلى بناره فليستغث بالله وليقرأ فواتح الكهف فتكون عليه بردا وسلاما كما كانت النار بردا وسلاما على إبراهيم وإن من فتنته أن يقول لأعرابي أرأيت إن بعثت لك أمك وأباك أتشهد أنى ربك ؟ فيقول نعم فيتمثل له. شيطان في صورة أبيه وأمه فيقولان يا بني اتبعه فإنه ربك وإن من فتنته أن يسلط على نفس واحدة فينشرها بالمنشار. حتى تلقى شقتين ثم يقول انظر إلى عبدي هذا فإنى أبعثه الآن ثم يزعم أن له ربا غيري فيبعثه الله فيقول له الخبيث من ربك فيقول ربى الله وأنت عدو الله الدجال والله ما كنت بعد أشد بصيرة بك منى اليوم { قال أبو حسن الطنافسي: فحدثنا المحاربي حدثنا عبيد الله بن الوليد الرصافي عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله { ذلك الرجل أرفع أمتي درجة في الجنة { قال: قال أبو سعيد: والله ما كنا نرى ذلك الرجل إلا عمر بن الخطاب حتى مضى لسبيله. ثم قال المحاربي: رجعنا إلى حديث أبي رافع قال { وإن من فتنته أن يأمر السماء أن تمطر فتمطر ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت وإن من فتنته أن يمر بالحي فيكذبونه فلا تبقى لهم سائمة إلا هلكت وإن من فتنته أن يمر بالحي فيصدقونه فيأمر السماء أن تمطر فتمطر ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت حتى تروح مواشيهم من يومهم ذلك أسمن ما كانت وأعظمه وأمده خواصر وأدره ضروعا وإنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه وظهر عليه إلا مكة والمدينة فإنه لا يأتيهما من نقب من نقابهما إلا لقيته الملائكة بالسيوف صلتة حتى ينزل عند الظريب الأحمر عند منقطع السبخة فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فلا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه فينفى الخبث منها كما ينفي الكير خبث الحديد ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص { فقالت أم شريك بنت أبي العكر: يا رسول الله فأين العرب يومئذ ؟ قال { هم قليل وجلهم يومئذ ببيت المقدس وإمامهم رجل صالح فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم عليه السلام فرجع ذلك الإمام يمشى القهقرى ليتقدم عيسى عليه السلام فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول: تقدم فصل فإنها لك أقيمت فيصلي بهم إمامهم فإذا انصرف قال عيسى: افتحوا الباب فيفتح ووراءه الدجال معه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلي وتاج فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء وينطلق هاربا فيقول عيسى: إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها فيدركه عند باب الله الشرقي فيقتله ويهزم الله اليهود فلا يبقى شيء مما خلق الله تعالي يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابة إلا الغرقدة فإنها من شجرهم لا تنطق إلا قال: يا عبدالله المسلم هذا يهودي فتعالى اقتله { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } وإن أيامه أربعون سنة السنة كنصف السنة والسنة كالشهر والشهر كالجمعة وآخر أيامه كالشررة يصبح أحدكم على باب المدينة فلا يبلغ بابها الآخر حتى يمسى { فقيل له: كيف نصلي يا نبي الله في تلك الأيام القصار ؟ قال { تقدرون الصلاة كما تقدرون في هذه الأيام الطوال ثم صلوا { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { فيكون عيسى ابن مريم في أمتي حكما عدلا وإماما مقسطا يدق الصليب ويذبح الخنزير ويضع الجزية ويترك الصدقة فلا يسعى على شاة ولا بعير وترتفع الشحناء والتباغض وتنزح حمة كل ذات حمة حتى يدخل الوليد يده في الحية فلا تضره وتفر الوليدة الأسد فلا يضرها ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها وتملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء وتكون الكلمة واحدة فلا يعبد إلا الله وتضع الحرب أوزارها وتسلب قريش ملكها وتكون الأرض لها نور الفضة وتنبت نباتها كعهد آدم حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم ويكون الثور بكذا وكذا من المال ويكون الفرس بالدريهمات { قيل: يا رسول الله وما يرخص الفرس ؟ قال { لا تركب لحرب أبدا { قيل له فما يغلي الثور ؟ قال { يحرث الأرض كلها وإن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد يصيب الناس فيها جوع شديد ويأمر الله السماء في السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها ويأمر الأرض فتحبس ثلث نباتها ثم يأمر الله السماء في السنة الثانية فتحبس ثلثي مطرها ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها ثم يأمر الله عز وجل السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله فلا تقطر قطرة ويأمر الأرض أن تحبس نباتها كله فلا تنبت خضراء فلا تبقى ذات ظلف إلا هلكت إلا ما شاء الله { قيل: فما يعيش الناس في ذلك الزمان قال { التهليل والتكبير والتسبيح والتحميد ويجزي ذلك عليهم مجرى الطعام } . قال ابن ماجه: سمعت أبا الحسن الطنافسي يقول: سمعت عبدالرحمن المحاربي يقول ينبغي أن يدفع هذا الحديث إلى المؤدب حتى يعلمه الصبيان في الكتاب هذا حديث غريب جدا من هذا الوجه ولبعضه شواهد من أحاديث آخر من ذلك ما رواه مسلم وحديث نافع وسالم عن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله صلى } لتقاتلن اليهود فلتقتلنهم حتى يقول الحجر يا مسلم هذا يهودي فتعال فاقتله { وله من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى قال { لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر يا مسلم يا عبدالله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود { ولنذكر حديث النواس بن سمعان ههنا لشبهه بهذا الحديث. قال مسلم في صحيحه: حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب حدثنا الوليد بن مسلم حدثني عبدالرحمن بن يزيد بن جابر حدثني جابر بن يحيى الطائي قاضي حمص حدثني عبدالرحمن بن جبير عن أبيه جبير بن نفير الحضرمي أنه سمع النواس بن سمعان الكلابي ح وحدثنا محمد بن مهران الرازي حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عبدالرحمن بن يزيد بن جابر عن يحيى بن جابر الطائي عن عبدالرحمن بن جبير عن أبيه جبير بن نفير عن النواس بن سمعان قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النحل فلما رحنا إليه عرف ذلك في وجوهنا فقال { ما شأنكم ؟ { قلنا: يا رسول الله ذكرت الدجال غداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل قال { غير الدجال أخوفني عليكـم إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم. إنه شاب قطط عينه طافية كأني أشبهه بعبدالعزى بن قطن من أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف إنه خارج من خلة بين الشام والعراق فعاث يمينا وعاث شمالا يا عباد الله فاثبتوا { قلنا: يا رسول الله فما لبثه في الأرض ؟ قال { أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم } قلنا: يا رسول الله وذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال { لا اقدروا له قدره { قلنا يا رسول الله وما إسراعه في الأرض ؟ قال { كالغيث استدبرته الريح فيأتي على قوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرى وأسبغه ضروعا وأمده خواصر ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم ويمر بالخربة فيقول لها أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم عليه والسلام فينزل عند المنارة البيضاء شرفي دمشق بين مهرودتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ ولا يحل لكافر يجد ريح نفسه. إلا مات ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه فيطليه حتى يدركه بباب له فيقتله ثم يأتي عيسى قوما قد عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة فبينما هو كذلك إذ أوحى الله عز وجل إلى عيسى: إنى قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء ويحضر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خير من مائة دينار لأحدكم اليوم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة. ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله { فيرسل الله طيرا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة ثم يقال.للأرض أخرجي ثمرك وردي بركتك فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك الله في الرسل حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فيقبض الله روح كل مؤمن وكل مسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة { ورواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث عبدالرحمن بن يزيد بن جابر به وسنذكره أيضا من طريق أحمد عند قوله تعالى في سورة الأنبياء حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج الآية. { حديث آخر } قال مسلم في صحيحه أيضا: حدثنا عبدالله بن معاذ العنبري حدثنا أبي حدثنا شعبة عن النعمان بن سالم قال: سمعت يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي يقول: سمعت عبدالله بن عمرو وجاءه رجل فقال ما هذا الحديث الذي تحدث به تقول إن الساعة تقوم إلى كذا وكذا فقال سبحان الله أولا إله إلا الله أو كلمة نحوهما لقد هممت أن لا أحدث أحدا شيئا أبدا إنما قلت إنكم سترون بعد قليل أمرا عظيما يحرق البيت ويكون ويكون ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين لا أدري أربعين يوما أو أربعين شهرا أو أربعين عاما فبعث الله تعالى عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعود فيطلبه فيهلكه ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه { قال: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا فيتمثل لهم الشيطان فيقول ألا تستجيبون فيقولون فما تأمرنا ؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان وهم في ذلك دار رزقهم حسن عيشهم ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا قال: وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله قال فيصعق ويصعق الناس ثم يرسل الله - أو قال ينزل الله - مطرا كأنه الطل أو الظل { نعمان الشاك } فتنبت منه أجساد الناس ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ثم يقال يا أيها الناس هلم إلى ربكم وقفوهم إنهم مسئولون ثم يقال أخرجوا بعث النار فيقال من كم فيقال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين قال: فذاك يوم يجعل الولدان شيبا وذلك يوم يكشف عن ساق { ثم رواه مسلم والنسائي في تفسيره جميعا عن محمد بن بشار عن غندر عن شعبة عن نعمان بن سالم به. { حديث آخر } قال الإمام أحمد: أخبرنا عبدالرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عبدالله بن عبيد الله بن ثعلبة الأنصاري عن عبدالله بن زيد الأنصاري عن مجمع بن جارية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { يقتل ابن مريم المسيح الدجال بباب لد أو إلى جانب له { ورواه أحمد أيضا عن سفيان بن عيينة من حديث الليث والأوزاعي ثلاثتهم عن الزهري عن عبدالله بن عبيد الله بن ثعلبة عن عبدالرحمن بن يزيد عن عمه مجمع بن جارية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { يقتل ابن مريم الدجال بباب لد { وكذا رواه الترمذي عن قتيبة عن الليث به وقال هذا حديث صحيح قال وفي الباب عن عمران بن حصين ونافع بن عيينة وأبي برزة وحذيفة بن أسيد وأبي هريرة وكيسان وعثمان بن أبي العاص وجابر وأبي أمامة وابن مسعود وعبدالله بن عمرو وسمرة بن جندب والنواس بن سمعان وعمرو بن عوف وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهم ومراده برواية هؤلاء ما فيه ذكر الدجال وقتل عيسى ابن مريم عليه السلام له فأما أحاديث ذكر الدجال فقط فكثيرة جدا وهي أكثر من أن تحصى لانتشارها وكثرة روايتها في الصحاح والحسان والمسانيد وغير ذلك. { حديث آخر } قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن فرات عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة ونحن نتذاكر الساعة فقال { لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها والدخان والدابة وخروج يأجوج ومأجوج ونزول عيسى ابن مريم والدجال وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب ونار تخرج من قعر عدن تسوق - أو تحشر- الناس تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا { وهكذا رواه مسلم وأهل السنن من حديث فرات القزاز به ورواه مسلم أيضا من رواية عبدالعزيز بن رفيع عن أبي الطفيل عن أبي شريحة عن حذيفة بن أسيد الغفاري موقوفا والله أعلم فهذه أحاديث متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية أبي هريرة وابن مسعود وعثمان بن أبي العاص وأبى أمامة والنواس بن سمعان وعبدالله بن عمرو بن العاص ومجمع بن جارية وأبي شريحة وحذيفة بن أسيد { وفيها دلاله على صفة } نزوله ومكانه من أنه بالشام بل بدمشق عند المنارة الشرقية وأن ذلك يكون عند إقامة صلاة الصبح وقد بنيت في هذه الأعصار في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة منارة للجامع الأموي بيضاء من حجارة منحوتة عوضا عن المنارة التي هدمت بسبب الحريق المنسوب إلى صنيع النصارى عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة وكان أكثر عمارتها من أموالهم وقويت الظنون أنها هي التي ينزل عليها المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية فلا يقبل إلا الإسلام كما تقدم في الصحيحين وهذا إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وتقرير وتشريع وتسويغ له على ذلك في ذلك الزمان حيث تنزاح عللهم وترتفع شبههم من أنفسهم ولهذا كلهم يدخلون في دين الإسلام متابعين لعيسى { وعلى يديه ولهذا قال تعالى { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته { الآية وهذه الآية كقوله { وإنه لعلم للساعة { وقرئ { لعلم } بالتحريك أي أمارة ودليل على اقتراب الساعة وذلك لأنه ينزل بعد خروج المسيح الدجال فيقتله الله على يديه كما ثبت في الصحيح } إن الله لم يخلق داء إلا أنزل له شفاء } ويبعث الله في أيامه يأجوج ومأجوج فيهلكهم الله تعالى ببركة دعائه وقد قال تعالى } حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق { الآية. [صفة عيسى } { قد تقدم في حديث عبدالرحمن بن آدم عن أبي هريرة { فإذا رأيتموه فاعرفوه: رجل مربوع إلى الحمرة والبياض عليه ثوبان ممصران كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل } وفي حديث النواس بن سمعان { فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأت قطر وإذا رفعه تحدر منه مثل جمان اللؤلؤ ولا يحل لكافر أن يجد ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهي حيث انتهى طرفه { وروى البخاري ومسلم من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ليلة أسري بي لقيت موسى { قال فنعته } فإذا رجل } أحسبه قال } مضطرب رجل الرأس كأنه من رجال شنوءة { قال { ولقيت عيسى { فنعته النبي صلى الله عليه وسلم فقال { ربعة أحمر كأنه خرج من ديماس } يعني الحمام { ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به { الحديث. وروى البخاري من حديث مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { رأيت موسى وعيسى وإبراهيم فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر وأما موسى فآدم جسيم سبط كأنه من رجال الزط { وله ولمسلم من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يوما بين ظهراني الناس المسيح الدجال فقال { إن الله ليس بأعور ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية } ولمسلم عنه مرفوعا { وأرانى الله عند الكعبة في المنام وإذا رجل آدم كأحسن ما ترى من أدم الرجال تضرب لمته بين منكبيه رجل الشعر يقطر رأسه ماء واضعا يديه على منكبي رجلين وهو يطوف بالبيت فقلت من هذا ؟ قالوا: هو المسيح ابن مريم ثم رأيت وراءه رجلا جعدا قططا أعور العين اليمنى كأشبه من رأيت بابن قطن واضعا يديه على منكبي رجل يطوف بالبيت فقلت من هذا ؟ قالوا: المسيح الدجال { تابعه عبيد الله عن نافع ثم رواه البخاري عن أحمد بن محمد المكي عن إبراهيم بن سعد عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: لا والله ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعيسى أحمر ولكن قال { بينما أنا نائم أطوف بالكعبة فإذا رجل آدم سبط الشعر يتهادى بين رجلين ينطف رأسه ماء - أو يهـراق رأسه ماء - فقلت من هذا ؟ فقالوا ابن مريم فذهبت ألتفت فإذا رجل أحمر جسيم جعد الرأس أعور عينه اليمنى كأن عينه عنبة طافية قلت من هذا ؟ قالوا الدجال وأقرب الناس به شبها ابن قطن { قال الزهري رجل من خزاعة هلك في الجاهلية هذه كلها ألفاظ البخاري رحمه الله وقد تقدم في حديث عبدالرحمن بن آدم عن أبي هريرة أن عيسى { عليه السلام يمكث في الأرض بعد نزوله أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون وفي حديث عبدالله بن عمر عند مسلم أنه يمكث سبع سنين فيحتمل والله أعلم أن يكون المراد بلبثه في الأرض أربعين سنة مجموع إقامته فيها قبل رفعه وبعد نزوله فإنه رفع وله ثلاثه وثلاثون سنة في الصحيح وقد ورد ذلك في حديث في صفة أهل الجنة أنه على صورة آدم وميلاد عيسى ثلات وثلاثين سنه وأما ما حكاه ابن عساكر عن بعضهم أنه رفع وله مائة وخمسون سنة فشاذ غريب بعيد وذكر الحافظ أبو القاسم بن عساكر في ترجمة عيسى ابن مريم من تاريخه عن بعض السلف أنه يدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجرته فالله أعلم وقوله تعالى { ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا { قال قتادة: يشهد عليهم أنه قد بلغهم الرسالة من الله وأقر بعبودية الله عز وجل وهذا كقوله تعالى في أخر سورة المائدة } وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس { إلى قوله { العزيز الحكيم } .

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا
    +/- -/+  
الأية
160
 
يخبر تعالى أنه بسبب ظلم اليهود بما ارتكبوه من الذنوب العظيمة حرم عليهم طيبات كان أحلها لهم كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبدالله بن يزيد المقري حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو قال: قرأ ابن عباس. { طيبات كانت أحلت لهم { وهذا التحريم قد يكون قدريا بمعنى أنه تعالى قيضهم لإن تأولوا في كتابهم وحرفوا وبدلوا أشياء كانت حلالا لهم فحرموها على أنفسهم تشديدا منهم على أنفسهم وتضييقا وتنطعا ويحتمل أن يكون شرعيا بمعنى أنه تعالى حرم عليهم في التوراة أشياء كانت حلالا لهم قبل ذلك كما قال تعالى { كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة { وقد قدمنا الكلام على هذه الآية وأن المراد أن الجميع من الأطعمة كانت حلالا لهم من قبل أن تنزل التوراة ما عدا ما كان حرم إسرائيل على نفسه من لحوم الإبل وألبانها ثم إنه تعالى حرم أشياء كثيرة في التوراة كما قال في سورة الأنعام } وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون { أي إنما حرمنا عليهم ذلك لأنهم يستحقون ذلك بسبب بغيهم وطغيانهم ومخالفتهم رسولهم واختلافهم عليه ولهذا قال { فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا } أي صدوا الناس وصدوا أنفسهم عن اتباع الحق وهذه سجية لهم متصفون بها من قديم الدهر وحديثه ولهذا كانوا أعداء الرسل وقتلوا خلقا من الأنبياء وكذبوا عيسى ومحمدا صلوات الله وسلامه عليهما.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
    +/- -/+  
الأية
161
 
وقوله { وأخذهم الربا وقد نهوا عنه } أي أن الله قد نهاهم عن الربا فتناولوه وأخذوه واحتالوا عليه بأنواع من الحيل وصنوف من الشبه وأكلوا أموال الناس بالباطل قال تعالى { وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما } .

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
لَٰكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ۚ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ ۚ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا
    +/- -/+  
الأية
162
 
ثم قال تعالى { لكن الراسخون في العلم منهم } أي الثابتون في الدين لهم قدم راسخة في العلم النافع. وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة آل عمران { والمؤمنون { عطف على الراسخين وخبره { يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك { قال ابن عباس: أنزلت في عبدالله بن سلام وثعلبة بن سعيه وأسد بن سعيه وأسد بن عبيد الذين دخلوا في الإسلام وصدقوا بما أرسل الله به محمدا صلى الله عليه وسلم وقوله { والمقيمين الصلاة { هكذا هو في جميع مصاحف الأئمة وكذا هو في مصحف أبي بن كعب وذكر ابن جرير أنها في مصحف ابن مسعود والمقيمون الصلاة قال: والصحيح قراءة الجميع ثم رد على من زعم أن ذلك من غلط الكتاب ثم ذكر اختلاف الناس فقال بعضهم هو منصوب على المدح كما جاء في قوله } والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس { قال: وهذا سائغ في كلام العرب كما قال الشاعر: لا يبعد قومي الذين همو أسد العداة وآفة الجزر النازلـين بكـل مـعترك والطيبون مـعاقد الأزر وقال آخرون: هو مخفوض عطفا على قوله } بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك } يعني وبالمقيمين الصلاة وكأنه يقول وبإقامة الصلاة أي يعترفون بوجوبها وكتابتها عليهم أو أن المراد بالمقيمين الصلاة الملائكة وهذا اختيار ابن جرير يعني يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالملائكة وفي هذا نظر والله أعلم. وقوله { والمؤتون الزكاة { يحتمل أن يكون المراد زكاة الأموال ويحتمل زكاة النفوس ويحتمل الأمرين والله أعلم { والمؤمنون بالله واليوم الآخر { أي يصدقون بأنه لا إله إلا الله ويؤمنون بالبعث بعد الموت والجزاء على الأعمال خيرها وشرها. وقوله { أولئك { هو الخبر عما تقدم { سنؤتيهم أجرا عظيما } يعني الجنة.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا
    +/- -/+  
الأية
163
 
قال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال سكن وعدي بن زيد يا محمد ما نعلم أن الله أنزل على بشر من شيء بعد موسى فأنزل الله في ذلك من قولهما { إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده } إلى آخر الآيات وقال ابن جرير حدثنا الحارث حدثنا عبدالعزيز حدثنا أبو معشر عن محمد بن كعب القرظي قال أنزل الله { يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء } إلى قوله { وقولهم على مريم بهتانا عظيما { قال فلما تلاها عليهم يعني على اليهود وأخبرهم بأعمالهم الخبيثة جحدوا كل ما أنزل الله وقالوا: ما أنزل الله على بشر من شيء ولا موسى ولا عيسى ولا على نبي من شيء قال فحل حبوته فقال ولا على أحد فأنزل الله عز وجل { وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء } وفي هذا الذي قاله محمد بن كعب القرظي نظر فإن هذه الآية التي في سورة الأنعام مكية وهذه الآية التي في سورة النساء مدنية وهي رد عليهم لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم كتابا من السماء قال الله تعالى { فقد سألوا موسى أكبر من ذلك } ثم ذكر فضائحهم ومعايبهم وما كانوا عليه وما هم عليه الآن من الكذب والافتراء ثم ذكر تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم كما أوحى إلى غيره من الأنبياء المقدمين فقال { إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده } إلى قوله { وآتينا داود زبورا } والزبور اسم الكتاب الذي أوحاه الله إلى داود عليه السلام وسنذكر ترجمة كل واحد من هؤلاء الأنبياء عليهم من الله أفضل الصلاة والسلام عند قصصهم من سورة الأنبياء إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ۚ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا
    +/- -/+  
الأية
164
 
وقوله { ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك } أي من قبل هذه الآية يعني في السور المكية وغيرها وهذه تسمية الأنبياء الذين نص الله على أسمائهم في القرآن وهم آدم وإدريس ونوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وأيوب وشعيب وموسى وهارون ويونس وداود وسليمان وإلياس واليسع وزكريا ويحيى وعيسى. وكذا ذو الكفل عند كثير من المفسرين وسيدهم محمد صلى الله وعليه وآله وسلم وقوله { ورسلا لم نقصصهم عليك } أي خلقا آخرين لم يذكروا في القرآن وقد اختلف في عدة الأنبياء والمرسلين والمشهور في ذلك حديث أبي ذر الطويل وذلك فيما رواه ابن مردويه رحمه الله في تفسيره حيث قال حدثنا إبراهيم بن محمد حدثنا جعفر بن محمد بن الحسن والحسين بن عبدالله بن يزيد قالا حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني حدثني أبي عن جدي عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر قال: قلت يا رسول الله كم الأنبياء ؟ قال { ما ئه ألف وأربعة وعشرون ألفا { قلت يا رسول الله كم الرسل منهم قال { ثلاثمائة وثلاثة عشر جم غفير } قلت يا رسول الله من كان أولهم قال { آدم } قلت يا رسول الله } نبي مرسل } قال } نعم خلقه الله بيده ثم نفخ فيه من روحه ثم سواه قبلا } ثم قال { يا أبا ذر أربعة سريانيون آدم وشيث ونوح وخنوخ وهو إدريس وهو أول من خط بالقلم وأربعة من العرب هود وصالح وسعيد ونبيك يا أبا ذر وأول نبي من بني إسرائيل موسى وآخرهم عيسى وأول النبيين آدم وآخرهم فبيك }. وقد روى هذا الحديث بطوله الحافظ أبو حاتم بن حبان البستي في كتابه الأنواع والتقاسيم وقد وسمه بالصحة وخالفه أبو الفرج بن الجوزي فذكر هذا الحديث في كتابه الموضوعات واتهم به إبراهيم بن هشام هذا ولا شك أنه قد تكلم فيه غير واحد من أئمة الجرح والتعديل من أجل هذا الحديث والله أعلم وقد روي هذا الحديث من وجه آخر عن صحابي آخر فقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عوف حدثنا أبو المغيرة حدثنا معان بن رفاعة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال: قلت يا نبي الله كم الأنبياء ؟ قال { مائه ألف وأربعة وعشرون ألفا من ذلك ثلثمائة وخمسة عشر جما غفيرا { معان بن رفاعة السلامي ضعيف وعلي بن يزيد ضعيف والقاسم أبو عبدالرحمن ضعيف أيضا وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي حدثنا أحمد بن إسحاق أبو عبدالله الجوهري البصري حدثنا علي بن إبراهيم حدثنا موسى بن عبيدة الربذي عن يزيد الرقاشي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { بعث الله ثمانية آلاف في أربعة آلاف إلى بني إسرائيل وأربعة آلاف إلى سائر الناس } وهذا أيضا إسناد ضعيف فيه الربذي ضعيف وشيخه الرقاشي أضعف منه والله أعلم. وقال أبو يعلى حدثنا أبو الربيع حدثنا محمد بن ثابت العبدي حدثنا معبد بن خاله الأنصاري عن يزيد الررقاشي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { كان فيمن خلا من إخواني من الأنبياء ثمانية آلاف نبي ثم كان عيسى ابن مريم ثم كنت أنا } وقد رويناه عن أنس من وجه آخر فأخبرنا الحافظ أبو عبدالله الذهبي أخبرنا أبو الفضل بن عساكر أنبأنا الإمام أبو بكر بن القاسم بن أبي سعيد الصقار أخبرتنا عمة أبي عائشة بنت أحمد بن منصور بن الصفار أخبرنا الشريف أبو السنابك هبة الله بن أبي الصهباء محمد بن حيدر القرشي حدثنا الإمام الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني قال أخبرنا الإمام أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي حدثنا محمد بن غثمان بن أبي شيبة حدثنا أحمد بن طارق حدثنا مسلم بن خالد حدثنا زياد بن سعد عن محمد بن المنكدر عن صفوان بن سليم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { بعثت على أثر ثمانية آلاف نبي منهم أربعة آلاف نبي من بني إسرائيل } وهذا غريب من هذا الوجه وإسناده لا بأس به رجاله كلهم معروفون إلا أحمد بن طارق هذا فإني لا أعرفه بعدالة ولا جرح والله أعلم. وحديث أبي ذر الغفاري الطويل في عدد الأنبياء عليهم السلام قال محمد بن الحسين الآجري حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد بن الفريابي إملاء في شهر رجب سنة سبع وتسعين ومائتين حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني حدثنا أبى عن جده عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر قال دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده فجلست إليه فقلت يا رسول الله إنك أمرتني بالصلاة قال { الصلاة خير موضوع فاستكثر أو استقل } قال: قلت يا رسول الله فأي الأعمال أفضل ؟ قال: { إيمان بالله وجهاد في سبيله } قلت يا رسول الله فأي المؤمنين أفضل ؟ قال { أحسنهم خلقا { قلت يا رسول الله فأي المسلمين أسلم ؟ قال: { من سلم الناس من لسانه ويده } قلت يا رسول الله فأي الهجرة أفضل ؟ قال { من هجر السيئات } قلت يا رسول الله أي الصلاة أفضل ؟ قال { طول القنوت فقلت يا رسول الله فأي الصيام أفضل؟ قال: { فرض مجزىء وعند الله أضعاف كثيرة } قلت يا رسول الله فأي الجهاد أفضل قال: { من عقر جواده وأهريق دمه } قلت يا رسول الله فأي الرقاب أفضل؟ قال { أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها } قلت يا رسول الله فأي الصدقة أفضل؟ قال { جهد من مقل وسر إلى فقير } قلت يا رسول الله فأي آية ما أنزل عليك أعظم ؟ قال { آية الكرسي } ثم قال { يا أبا ذر وما السموات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة } قال: قلت يا رسول الله كم الأنبياء ؟ قال { مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا { قال: قلت يا رسول الله كم الرسل من ذلك ؟ قال { ثلاثمائة وثلاثة عشر جم غفير كثير طيب } قلت فمن كان أولهم؟ قال { آدم } قلت أنبي مرسل؟ قال { نعم خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وسواه قبيلا } ثم قال { يا أبا ذر أربعة سريانيون آدم وشيث وخنوخ وهو إدريس وهو أول من خط بقلم ونوج وأربعة من العرب هود وشعيب وصالح ونبيك يا أبا ذر وأول أنبياء بني إسرائيل موسى وآخرهم عيسى وأول الرسل آدم وآخرهم محمد } قال: قلت يا رسول الله كم كتاب أنزله الله ؟ قال { ما له كتاب وأربعة كتب أنزل الله على شيث خمسين صحيفة وعلى خنوخ ثلاثين صحيفة وعلى إبراهيم عشر صحائف وأنزل على موسى من قبل التوراة عشر صحائف وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان } قال: قلت يا رسول الله ما كانت صحف إبراهيم ؟ قال { كانت كلها يا أيها الملك المسلط المبتلى المغرور إنى لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم فإني لا أردها ولو كانت من كافر وكان فيها أمثال وعلى العاقل أن يكون له ساعات ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يفكر في صنع الله وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب وعلى العاقل أن لا يكون ظاعنا إلا لثلات: تزود لمعاد أو مرمة لمعاش أو لذة في غير محرم وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه مقبلا على شأنه حافظا للسانه ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه } قال: قلت يا رسول الله فما كانت صحف موسى ؟ قال { كانت عبرا كلها عجيت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح عجبت لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب وعجبت لمن يرى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم يطمئن إليها وعجبت لمن أيقن بالحساب غدا ثم هولا يعمل } قال: قلت يا رسول الله فهل في أيدينا شيء مما كان في أيدي إبراهيم وموسى وما أنزل الله عليك ؟ قال نعم اقرأ يا أبا ذر { قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل توثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى } { قال: قلت يا رسول الله فأوصني قال { أوصيك بتقوى الله فإنه رأس أمرك } قال: قلت يا رسول الله زدني قال { عليك بتلاوة القرآن وذكر الله فإنه ذكر لك في السماء ونور لك في الأرض } قال: قلت يا رسول الله زدني قال { إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه } قلت يا رسول الله زدني قال { عليك بالجهاد فإنه رهبانية أمتي { قلت زدني قال { عليك بالصمت إلا من خير فإنه مطردة للشيطان وعون لك على أمر دينك } قلت زدني قال { انظر إلى من هو تحتك ولا تنظر إلى من هو فوقك فإنه أجدر لك أن لا تزدري نعمة الله عليك } قلت زدني قال { أحبب المساكين وجالسهم فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عليك { قلت زدني قال { صل قرابتك وإن قطعوك } قلت زدني قال { قل الحق وإن كان مرا } قلت زدني قال { لا تخف في الله لومة لائم } قلت زدني قال } يردك عن الناس ما تعرف من نفسك ولا تجد عليهم فيما تحب وكفى بك عيبا أن تعرف من الناس ما تجهل من نفسك أوتجد عايهم فيما تحب { ثم ضرب بيده صدري فقال يا أبا ذر { لا عقل كالتدبير ولا ورع كالكف ولا حسب كحسن الخلق }. وروى الإمام أحمد عن أبي المغيرة عن معان بن رقاعة عن على بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة أن أبا ذر سأل النبي صلى الله عليه وسلم فذكر أمر الصلاة والصيام والصدقة وفضل آية الكرسي ولا حول ولا قوة إلا بالله وأفضل الشهداء وأفضل الرقاب ونبوة آدم وأنه مكلم وعدد الأنبياء والمرسلين كنحو ما تقدم. وقال عبدالله بن الإمام أحمد وجدت في كتاب أبي بخطه حدثني عبدالمتعالي بن عبدالوهاب حدثنا يحمى بن سعيد الأموي حدثنا مجالد عن أبي الوداك قال: قال أبو سعيد هل تقول الخوارج بالدجال قال: قلت لا فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إنى خاتم ألف نبي أو أكثر وما بعث نبي يتبع إلا وقد حذر أمته منه وإني قد بين لي فيه ما لم يبين وإنه أعور وإن ربكم ليس بأعور وعينه اليمنى عوراء جاحظة لا تخفى كأنها نخامة في حائط مجصص وعينه اليسرى كأنها كوكب دري معه من كل لسان ومعه صورة الجنة خضراء يجري فيهل الماء وصورة النار سوداء تدخن { وقد رويناه في الجزء الذي فيه رواية أبي يعلى الموصلي عن يحى بن معين حدثنا مروان بن معاوية حدثنا مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إنى أختم ألف ألف نبي أو أكثر ما بعث الله من نبي إلى قومه إلا حذرهم الدجال } وذكر تمام الحديث هذا لفظه بزيادة ألف وقد تكون مقحمة والله أعلم. وسياق رواية الإمام أحمد أثبت وأولى بالصحة ورجال إسناد هذا الحديث لا بأس بهم وقد روى هذا الحديث من طريق جابر: بن عبد الله } 1 قال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا مجالد عن الشعبي عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إني لخاتم ألف نبي أو أكثر وإنه ليس منهم نبي إلا وقد أنذر قومه الدجال وإني قد بين لي ما لم يبين لأحد منهم وإنه أعور وإن ربكم ليس بأعور } قوله { وكلم الله موسى تكليما } وهذا تشريف لموسى عليه السلام بهذه الصفة ولهذا يقال له الكليم وقد قال الحافظ أبو بكر بن مردويه حدثنا أحمد بن محمد بن سليمان المالكي حدثنا مسيح بن حاتم حدثنا عبد الجبار بن عبد الله قال جاء رجل إلى أبي بكر بن عياش فقال سمعت رجلا يقرأ { وكلم الله موسى تكليما } فقال أبو بكر ما قرأ هذا إلا كافر قرأت على الأعمش وقرأ الأعمش على يحيى بن وثاب وقرأ يحيى بن وثاب على أبي عبد الرحمن السلمي وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي على علي بن أبي طالب وقرأ على بن أبي طالب على رسول الله صلى الله عليه وسلم { وكلم الله موسى تكليما } وإنما اشتد غضب أبي بكر بن عياش رحمه الله على من قرأ كذلك لأنه حرف لقظ القرآن ومعناه وكان هذا من المعتزلة الذين ينكرون أن يكون الله كلم موسى عليه السلام أو يكلم أحدا من خلقه كما رويناه عن بعض المعتزلة أنه قرأ على بعض المشايخ { وكلم الله موسى تكليما } فقال له يا ابن اللخناء كيف تصنع بقوله تعالى { ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه } يعني أن هذا لا يحتمل التحريف ولا التأويل وقال ابن مردف حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا أحمد بن الحسين بن بهرام حدثنا محمد بن مرزوق حدثنا هانئ بن يحيى عن الحسن بن أبي جعفر عن قتادة عن يحيى بن وثاب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لما كلم الله موسى كان يبصر دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء }. وهذا حديث غريب وإسناده لا يصح وإذا صح موقوقا كان جيدا وقد روى الحاكـم في مستدركه وابن مردويه من حديث حميد بن قيس الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { كان على موسى يوم كلمه ربه جبة صوف وكساء صوف وسراويل صوف ونعلان من جلد حمار غير ذكي } وقال ابن مردويه بإسناده عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: إن الله ناجى موسى بمائة ألف كلمة وأربعين ألف كلمة في ثلاثة أيام وصايا كلها فلما سمع موسى كلام الآدميين مقتهم مما وقع في مسامعه من كلام الرب عز وجل. وهذا أيضا إسناد ضعيف فإن جويبر أضعف والضحاك لم يدرك ابن عباس } رضي الله عنهما. فأما الأثر الذي رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه وغيرهما من طريق الفضل بن عيسى الرقاشي عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أنه. قال لما كلم الله موسى يوم الطور كلمه بغير الكلام الذي كلمه يوم ناداه فقال له موسى يا رب هذا كلامك الذي كلمتني به قال: لا يا موسى إنما كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان ولي قوة الألسنة كلها وأنا أقوى من ذلك فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا يا موسى صف لنا كلام الرحمن قال لا أستطيعه قالوا فشبه لنا قال ألم تسمعوا إلى صوت الصواعق فإنه قريب منه وليس به وهذا إسناد ضعيف فإن الفضل الرقاشي هذا ضعيف بمرة. وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن جزء بن جابر الخيثمي عن كعب قال إن الله لما كلم موسى كلمه بالألسنة كلها سوى كلامه فقال موسى يا رب هذا كلامك قال لا ولو كلمتك بكلامي لم تستقم له قال يا رب فهل من خلقك شيء يشبه كلامك قال لا وأشد خلقي سبها بكلامي أشد ما تسمعون من الصواعق. فهذا موقوف على كعب الأحبار وهو يحكي عن الكتب المتقدمة المشتملة على أخبار بني إسرائيل وفيها الغث والسمين.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا
    +/- -/+  
الأية
165
 
وقوله { رسلا مبشرين ومنذرين } أي يبشرون من أطاع الله واتبع رضوانه بالخيرات وينذرون من خالف أمره وكذب رسله بالعقاب والعذاب وقوله { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما } أي أنه تعالى أنزل كتبه وأرسل رسله بالبشارة والنذارة وبين ما يحبه ويرضاه مما يكرهه ويأباه لئلا يبقى لمعتذر عذر كما قال تعالى { ولولا أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى } وكذا قوله { ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم } الآية. وقد ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب إليه المدح من الله عز وجل من أجل ذلك مدح نفسه ولا أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك بعث النبيين مبشرين ومنذرين }. وفي لفظ آخر{ من أجل ذلك أرسل رسله وأنزل كتبه }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
لَٰكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ ۖ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ ۚ وَكَفَىٰ بِاللهِ شَهِيدًا
    +/- -/+  
الأية
166
 
لما ضمن قوله تعالى { إنا أوحينا إليك } إلى آخر السياق إثبات نبوته صلى الله عليه وسلم والرد على من أنكر نبوته من المشركين وأهل الكتاب قال تعالى { لكن الله يشهد بما أنزل إليك } أي وإن كفر به من كفر به ممن كذبك وخالفك فالله يسهد لك بأنك رسوله الذي أنزل عليه الكتاب وهو القرآن العظيم { الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد } ولهذا قال { أنزله بعلمه } أي فيه علمه الذي أراد أن يطلع العباد عليه من البينات والهدى والفرقان وما يحبه الله ويرضاه وما يكرهه ويأباه وما فيه من العلم بالغيوب من الماضي والمستقبل. وما فيه من ذكر صفاته تعالى المقدسة التي لا يعلمها نبي مرسل ولا ملك مقرب إلا أن يعلمه الله به كما قال تعالى { ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء } وقال { ولا يحيطون به علما } وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا الحسن بن سهيل الجعفري وعبد الله بن المبارك قالا حدثنا عمران بن عيينة حدثنا عطاء بن السائب قال أقرأني أبو عبد الرحمن السلمي القرآن وكان إذا قرأ عليه أحدنا القرآن قال قد أخذت علم الله فليس أحد اليوم أفضل منك إلا بعمل ثم يقرأ قوله { أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا } قوله { والملائكة يشهدون } أي بصدق ما جاءك وأوحى إليك وأنزل عليك مع شهامة الله تعالى لك بذلك { وكفى بالله شهيدا } قال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس قال دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من اليهود فقال لهم { إنى لأعلم والله إنكم لتعلمون أنى رسول الله } فقالوا ما نعلم ذلك. فأنزل الله عز وجل { لكن انه يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه } الآية.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا
    +/- -/+  
الأية
167
 
وقوله أي كفروا في أنفسهما فلم يتبعوا الحق وسعوا في صد الناس عن اتباعه والافتداء به قد خرجوا عن الحق وضلوا عنه وبعدوا منه بعدا عظيما شاسعا ثم أخبر تعالى عن حكمه في الكافرين بآياته وكتابه ورسوله الظالمين لأنفسهم بذلك وبالصد عن سبيله وارتكاب مآثمة وانتهاك محارمه بأنه لا يغفر لهم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا
    +/- -/+  
 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا
    +/- -/+  
الأية
169
 
{ إلا طريق جهنم } وهذا استثناء منقطع { خالدين فيها أبدا } الآية.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ ۚ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
    +/- -/+  
الأية
170
 
ثم قال تعالى { يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم } أي قد جاءكم محمد صلوات الله وسلامه عليه بالهدى ودين الحق والبيان الشافي من الله عز وجل فآمنوا بما جاءكم به واتبعوه يكن خيرا لكم ثم قال { وإن تكفروا فإن لله ما في السموات والأرض } أي فهو غني عنكم وعن إيمانكم ولا يتضرر بكفرانكم كما قال تعالى { وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد } وقال ههنا { وكان الله عليما } أي بمن يستحق منكم الهداية فيهديه وبمن يستحق الغواية فيغويه { حكيما } أي في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ۖ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ ۚ إِنَّمَا اللهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَكَفَىٰ بِاللهِ وَكِيلًا
    +/- -/+  
الأية
171
 
ينهى تعالى أهل الكتاب عن الغلو والإطراء وهذا كثير في النصارى فانهم تجاوزوا الحد في عيسى حتى رفعوه فوق المنزلة التي أعطاه الله إياها فنقلوه من حيز النبوة إلى أن اتخذوه إلها من دون الله يعبدونه كما يعبدونه. بل قد غلوا في أتباعه وأشياعه ممن زعم أنه على دينه فادعوا فيهم العصمة واتبعوهم في كل ما قالوه سواء كان حقا أو باطلا أو ضلالا أو رشادا أو صحيحا أو كذبا ولهذا قال الله تعالى { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله } الآية. وقال الإمام أحمد حدثنا هشيم قال زعم الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله } ثم رواه هو وعلي بن المديني عن سفيان بن عينة عن الزهري كذلك ولفظه { إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله } وقال على بن المديني هذا حديث صحيح مسند وهكذا رواه البخاري عن الحميدي عن سفيان بن عيينة عن الزهري به ولفظه } فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله } وقال الإمام أحمد حدثنا حسن بن موسى حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رجلا قال يا محمد يا سيدنا وابن سيدنا وخيرنا وابن خيرنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أيها الناس عليكم بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان أنا محمد بن عبد الله عبد الله ورسوله والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل { تفرد به من هذا الوجه. وقوله تعالى { ولا تقولوا على الله إلا الحق } أي لا تفتروا عليه وتجعلوا له صاحبة وولدا تعالى الله عز وجل عن ذلك علوا كبيرا وتنزه وتقدس وتوحد في سؤددة وكبريائه وعظمته فلا إله إلا هو ولا رب سواه ولهذا قال { إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه } أي إنما هو عبد من عباد الله وخلق من خلقه قال له كن فكان ورسول من رسله وكلمته ألقاها إلى مريم أي خلقه بالكلمة التي أرسل بها جبريل عليه السلام إلى مريم فنفخ فيها من روحه بإذن ربه عز وجل فكان عيسى بإذنة عز وجل وكانت تلك النقخة التي نفخها في جيب درعها فنزلت حتى ولجت فرجها بمنزلة لقاح الأب والأم والجميع مخلوق لله عز وجل ولهذا قيل لعيسى إنه كلمة الله وروح منه لأنه لم يكن له أب تولد منه وإنما هو ناشئ عن الكلمة التي قال له بها كن فكان والروح التي أرسل بها جبريل. قال الله تعالى { ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام } وقال تعالى { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون } وقال تعالى { والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين } وقال تعالى { ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها } إلى آخر السورة وقال تعالى إخبارا عن المسيح { إن هو إلا عبد أنعمنا عليه } الآية وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة { وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه } هو كقوله { كن فيكون } وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان الواسطي قال سمعت شاذان بن يحيى يقول في قول الله { وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه } قال ليس الكلمة صارت عيسى ولكن بالكلمة صار عيسى وهذا أحسن مما ادعاه ابن جرير في قوله { ألقاها إلى مريم{ أي أعلمها بها كما زعمه في قوله { إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه } أي يعلمك بكلمة منه ويجعل ذلك كقوله تعالى { وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك } بل الصحيح أنها الكلمة التي جاء بها جبريل إلى مريم فنفخ فيها بإذن الله فكان عيسى عليه السلام. وقال البخاري: حدثنا صدقة بن الفضل حدثنا الوليد حدثنا الأوزاعي حدثني عمير بن هانئ حدثنا جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل } وقال الوليد فحدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن عمير بن هانئ عن جنادة زاد { من أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء } وكدا رواه مسلم عن داود بن رشيد عن الوليد عن ابن جابر به ومن وج آخر عن الأوزاعي به فقوله في الآية والحديث { وروح منه } كقوله { وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه } أي من خلقه ومن عنده وليست { من } للتبعيض كما تقوله النصارى عليهم لعائن الله المتتابعة بل هي لابتداء الغاية كما في الآية الأخرى وقد قال مجاهد في قوله { وروح منه } أي ورسول منه وقال غيره ومحبة منه والأظهر الأول وهو أنه مخلوق من روح مخلوقة وأضيفت الروح إلى الله على وجه التشريف كما أضيفت الناقة والبيت إلى الله في قوله { هذه ناقة الله } وفي قوله { وطهر بيتي للطائفتين } وكما روي في الحديث الصحيح { فأدخل على ربى في داره } أضافها إليه إضافة تشريف وهذا كله من قبيل واحد ونمط واحد وقوله { فأمنوا بالله ورسوله } أي فصدقوا بأن الله واحد أحد لا ولد له ولا صاحبة واعلموا وتيقنوا بأن عيسى عبد الله ورسوله ولهذا قال تعالى { ولا تقولوا ثلاثة } أي لا تجعلوا عيسى وأمه مع الله شريكين تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وهذه الآية والتي في سورة المائدة حيث يقول تعالى { لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد } وكما قال في آخر السورة المذكورة { وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني } الآية وقال في أولها { لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم } الآية. والنصارى عليهم لعائن الله من جهلهم ليس لهم ضابط ولا لكفرهم حد بل أقوالهم وضلالهم منتشر فمنهم من يعتقده إلها ومنهم من يعتقده شريكا ومنهم من يعتقده ولدا وهم طوائف كثيرة لهم آراء مختلفة وأقوال غير مؤتلفة. ولقد أحسن بعض المتكلمين حيث قال: لو اجتمع عشرة من النصارى لافترقوا عن أحد عشر قولا. ولقد ذكر بعض علمائهم المشاهير عندهم وهو سعيد بن بطريق بترك الأسكندرية في حدود سنة أربعمائة من الهجرة النبوية أنهم اجتمعوا المجمع الكبير الذي عقدوا فيه الأمانة الكبيرة التي لهم وإنما هي الخيانة الحقيرة الصغيرة وذلك في أيام قسطنطين باني المدينة المشهورة وأنهم اختلفوا عليه اختلافا لا ينضبط ولا ينحصر فكانوا أزيد من ألفين أسقفا فكانوا أحزابا كثيرة كل خمسين منهم على مقالة وعشرون على مقالة ومائة على مقالة وسبعون على مقالة وأزيد من ذلك وأنقص. فلما رأى منهم عصابة قد زادوا على الثلثمائة بثمانية عشر نفرا وقد توافقوا على مقالة فأخذها الملك ونصرها وأيدها وكان فيلسوفا داهية ومحق ما عداها من الأقوال وانتظم دست أولئك الثلثمائة والثمانية عشر وبنيت لهم الكنائس ووضعوا لهم كتبا وقوانين وأحدثوا فيها الأمانه التي يلقنونها الولدان من الصغار ليعتقدوها ويعمدونهم عليها وأتباع هؤلاء هم الملكانية. ثم إنهم اجتمعوا مجمعا ثانيا فحدث فيهم اليعوقوبية ثم مجمعا ثالثا فحدث فيهم النسطورية وكل هذه الفرق تثبت الأقانيم الثلاثة في المسيح ويختلفون في كيفية ذلك وفي اللاهوت والناسوت على زعمهم هل اتحدا أو ما اتحدا أو امتزجا أو حل فيه على ثلاث مقالات وكل منهم يكفر الفرقة الأخرى ونحن نكفر الثلاثة ولهذا قال تعالى { انتهوا خيرا لكم } أي يكن خيرا لكم { إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد } أي تعالى وتقدس عن ذلك علوا كبيرا { له ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا } أي الجميع ملكه وخلقه وجميع ما فيهما عبيده وهم تحت تدبيره وتصريفه وهو وكيل على كل شيء فكيف يكون له منهم صاحبة وولد كما قال في الآية الأخرى { بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد } الآية. وقال تعالى { وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا -إلى قوله - فردا } .

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ۚ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا
    +/- -/+  
الأية
172
 
قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا هشام عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قوله { لن يستنكف } لن يستكبر. وقال قتادة: لن يحتشم { المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون } وقد استدل بعض من ذهب إلى تفضيل الملائكة على البشر بهذه الآية حيث قال { ولا الملائكة المقربون } وليس له في ذلك دلالة لأنه إنما عطف الملائكة على المسيح لأن الاستنكاف هو الامتناع والملائكة أقدر على ذلك من المسيح فلهذا قال { ولا الملائكة المقربون } ولا يلزم من كونهم أقوى وأقدر على الامتناع أن يكونوا أفضل وقيل إنما ذكروا لأنهم اتخذوا آلهة مع الله كما اتخذ المسيح فأخبر تعالى أنهم عبيد من عباده وخلق من خلقه كما قال الله تعالى { وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون } الآيات. ولهذا قال { ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا } أي فيجمعهم إليه يوم القيامة ويفصل بينهم بحكمه العدل الذي لا يجور فيه ولا يحيف.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا
    +/- -/+  
الأية
173
 
ولهذا قال { فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله } أي فيعطيهم من الثواب على قدر أعمالهم الصالحة ويزيدهم على ذلك من فضله وإحسانه وسعة رحمته وامتنانه وقد روى ابن مردويه من طريق بقية عن إسماعيل بن عبد الله الكندي عن الأعمش عن سفيان عن عبد الله مرفوعا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله } أجورهم قال { أدخلهم الجنة{ ويزيدهم من فضله } قال { الشفاعة فيمن وجبت له النار ممن صنع إليهم المعروف في دنياهم } وهذا إسناد لا يثبت. وإذا روى عن ابن مسعود موقوفا فهو جيد { وأما الذين استنكفوا واستكبروا } أي امتنعوا من طاعة الله وعبادته واستكبروا عن ذلك { فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا } كقوله { إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين } أي صاغرين حقيرين ذليلين كما كانوا ممتنعين مستكبرين.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا
    +/- -/+  
الأية
174
 
يقول تعالى مخاطبا جميع الناس ومخبرا بأنه قد جاءهم منه برهان عظيم وهو الدليل القاطع للعذر والحجة المزيلة للشبه ولهذا قال { وأنزلنا إليكم فورا مبينا } أي ضياء واضحا على الحق قال ابن جريج وغيره هو القرآن.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا
    +/- -/+  
الأية
175
 
{ فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به } أي جمعوا بين مقامي العبادة والتوكل على الله في جميع أمورهم وقال ابن جريج: آمنوا بالله واعتصموا بالقرآن. رواه ابن جرير { فسيدخلهم في رحمة منه وفضل } أي يرحمهم فيدخلهم الجنة ويزيدهم ثوابا ومضاعفة ورفعا في درجاتهم من فضله عليهم وإحسانه إليهم { ويهديهم إليه صراطا مستقيما } أي طريقا واضحا قصدا قواما لا اعوجاج فيه ولا انحراف وهذه صفة المؤمنين في الدنيا والآخرة فهم في الدنيا على منهاج الاستقامة وطريق السلامة في جميع الاعتقادات والعمليات وفي الآخرة على صراط الله المستقيم المفضي إلى روضات الجنات. وفي حديث الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { القرآن صراط الله المستقيم وحبل الله المتين }. وقد تقدم الحديث بتمامه في أول التفسير ولله الحمد والمنة.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ ۚ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ۚ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ۗ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ۗ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
176
 
قال البخاري: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء قال آخر سورة نزلت براءة وآخر آية نزلت يستفتونك وقال الأمام احمد: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن محمد بن المنكدر قال: سمعت جابر بن عبد الله قال دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريض لا أعقل قال فتوضأ ثم صب علي أو قال { صبوا عليه } فقلت إنه لا يرثني إلا كلالة فكيف الميراث ؟ فأنزل الله آية الفرائض أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة ورواه الجماعة من طريق سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر عن جابر به وفي بعض الألفاظ فنزلت آية الميراث { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة } الآية. وقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا سفيان وقال أبن الزبير قال يعني جابرا نزلت في { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة } وكأن معنى الكلام والله أعلم يستفتونك عن الكلاله { قل الله يفتيكم } فيها فدل المذكور على المتروك. وقد تقدم الكلام على الكلاله واشتقاقها وأنها مأخوذة من الإكليل الذي يحيط بالرأس من جوانبه ولهذا فميرها أكثر العلماء: بمن يموت وليس له ولد ولا والد ومن الناس من يقول الكلالة من لا ولد له كما دلت عليه هذه الآية { إن امرؤ هلك ليس له ولد } وقد أشكل حكم الكلالة على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب { رضي الله عنه كما ثبت عنه في الصحيحين أنه قال: ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إلينا فيهن عهدا ننتهي إليه: الجد والكلالة وباب من أبواب الربا. وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة قال: قال عمر بن الخطاب ما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء أكثر مما سألته عن الكلالة حتى طعن بأصبعه في صدري وقال { يكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء } هكذا رواه مختصرا وأخرجه مسلم مطولا أكثر من هذا. { طريق أخرى } قال الإمام أحمد: حدثنا أبو نعيم حدثنا مالك يعني ابن مغول يقول سمعت الفضل بن عمرو عن إبراهيم عن عمر قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلالة فقال { يكفيك آية الصيف } فقال لأن أكون سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها أحب إلي من أن يكون لي حمر النعم وهذا إسناد جيد إلا أن فيه انقطاعا بين إبراهيم وبين عمر فإنه لم يدركه. وقال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن آدم حدثنا أبو بكر عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الكلالة فقال { يكفيك آية الصيف }. وهذا إسناد جيد رواه أبو داود والترمذي من حديث أبي بكر بن عياش به وكان المراد بآية الصيف أنها نزلت في فصل الصيف والله أعلم ولما أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى تفهمها فإن فيها كفاية نسي أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن معناها ولهذا قال فلأن أكون سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها أحب إلي من أن يكون لي حمر النعم. وقال ابن جرير حدثنا ابن وكيع حدثنا جرير حدثنا الشيباني عن عمرو بن مرة عن سعيد بن المسيب قال سأل عمر بن الخطاب النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلالة فقال { أليس قد بين الله ذلك } فنزلت { يستفتونك } الآية. قال قتادة وذكر لنا أن أبا بكر الصديق قال في خطبته ألا إن الآية التي نزلت في أول سورة النساء في شأن الفرائض أنزلها الله في الولد والوالد والآية الثانية أنزلها في الزوج والزوجة والإخوة من الأم والآية التي ختم بها سورة النساء أنزلها في الإخوة والأخوات من الأب والأم والآية التي ختم بها سورة الأنفال أنزلها في أولى الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله مما جرت الرحم من العصبة رواه ابن جرير. { ذكر الكلام على معناها } وبالله المستعان وعليه التكلان. قوله تعالى { إن امرؤ هلك } أي مات قال الله تعالى { كل شيء هالك إلا وجهه } كل شيء يفنى ولا يبقى إلا الله عز وجل كما قال { كل من عليها فإن ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } وقوله { ليس له ولد } تمسك به من ذهب إلى أنه ليس من شرط الكلالة انتفاء الوالد بل يكفي في وجود الكلالة انتفاء الولد وهو رواية عن عمر بن الخطاب رواها ابن جرير عنه بإسناد صحيح إليه ولكن الذي يرجع إليه هو قول الجمهور وقضاء الصديق أنه الذي لا ولد له ولا والد ويدل على ذلك قوله { وله أخت فلها نصف ما ترك } ولو كان معها أب لم ترث شيثا لأنه يحجها بالإجماع فدل على أنه لا ولد له بنص القرآن ولا والد بالنص عند التأمل أيضا لأن الأخت لا يفرض لها النصف مع الوالد بل ليس لها ميراث بالكلية. وقال الإمام أحمد حدثنا الحكم بن نافع حدثنا أبو بكر بن عبد الله عن مكحول وعطية وحمزة وراشد عن زيد بن ثابت أنه سئل عن زوج وأخت لأب وأم فأعطى الزوج النصف والأخت النصف فكلم في ذلك فقال حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بذلك. تفرد به أحمد من هذا الوجه وقد نقل ابن جرير وغيره عن ابن عباس وابن الزبير أنهما كانا يقولان في الميت ترك بنتا وأختا إنه لاشيء للأخت لقوله { إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك } قال فإذا ترك بنتا فقد ترك ولدا فلا شيء للأخت وخالفهما الجمهور فقالوا في هذه المسئلة للبنت النصف بالفرض وللأخت النصف الآخر بالتعصيب بدليل غير هذه الآية وهذه الآية نصت أن يفرض لها في هذه الصورة وأما وراثتها بالتعصيب فلما رواه البخاري من طريق سليمان عن إبراهيم عن الأسود قال قضى فينا معاذ بن جبل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم النصف للبنت والنصف للأخت ثم قال سليمان قضى فينا ولم يذكر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي صحيح البخاري أيضا عن هزيل بن شرحبيل قال سئل أبو موسى الأشعري عن ابنة وابنة ابن وأخت فقال للابنة النصف وللأخت النصف وأت ابن مسعود فسيتابعني فسئل ابن مسعود فأخبره بقول أبي موسى فقال: لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين أقضي فيها بما قضى النبي صلى الله عليه وسلم النصف للبنت ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم. وقوله { وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } أي والأخ يرث جميع ما لها إذا ماتت كلالة وليس لها ولد أي ولا والد لأنها لو كان لها والد لم يرث الأخ شيئا فإن فرض أن معه من له فرض صرف إليه فرضه كزوج أو أخ من أم وصرف الباقي إلى الأخ لما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر } وقوله { فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك } أي فإن كان لمن يموت كلالة أختان فرض لهما الثلثان وكذا ما زاد على الأختين في حكمهما ومن ههنا أخذ الجماعة حكم البنتين كما استفيد حكم الأخوات من البنات في قوله { فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك } وقوله { وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين } هذا حكم العصبات من البنين وبني البنين والإخوة إذا اجتمع ذكورهم وإناثهم أعطى الذكر مثل حظ الأنثيين وقوله { يبين الله لكم } أي يفرض لكم فرائضه ويحد لكم حدوده ويوضح لكم شرائعه وقوله { أن تضلوا } أي لئلا تضلوا عن الحق بعد البيان { والله بكل شيء عليم } أي هو عالم بعواقب الأمور ومصالحها وما فيها من الخير لعباده وما يستحقه كل واحد من القرابات بحسب قربه من المتوفى. وقد قال أبو جعفر ابن جرير حدثني يعقوب حدثني ابن علية أنبأنا ابن عون عن محمد بن سيرين قال كانوا في مسير ورأس راحلة حذيفة عند ردف راحلة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ورأس راحلة عمر عند ردف راحلة حذيفة قال ونزلت { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة } فلقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة فلقاها حذيفة عمر فلما كان بعد ذلك سأل عمر عنها حذيفة فقال والله إنك لأحمق إن كنت ظننت أنه لقانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيتكها كما لقانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لأزيدك عليها شيئا أبدا. قال فكان عمر يقول اللهم إن كنت بينتها له فإنها لم تبين لي كذا رواه ابن جرير ورواه أيضا عن الحسن بن يحيى عن عبدالرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين كذلك بنحوه وهو منقطع بين ابن سيرين وحذيفة وقد قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو البزار في مسنده حدثنا يوسف بن حماد المعنى ومحمد بن مرزوق قالا حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيربن عن أبي عبيدة بن حذيفة عن أبيه قال نزلت آية الكلالة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مسير له فوقف النبي صلى الله عليه وسلم وإذا هو بحذيفة وإذا رأس ناقة حذيفة عند ردف راحلة النبي صلى الله عليه وسلم فلقاها إياه فنظر حذيفة فإذا عمر { رضي الله عنه فلقاها إياه فلما كان في خلافة عمر نظر عمر في الكلالة فدعا حذيفة فسأله عنها فقال حذيفة لقد لقانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيتكها كما لقاني رسول الله صلى الله عليه وسلم والله إني لصادق ووالله لا أزيدك على ذلك شيئا أبدا. ثم قال البزار وهذا الحديث لا نعلم أحدا رواه إلا حذيفة ولا نعلم له طريقا عن حذيفة إلا هذا الطريق ولا رواه عن هشام إلا عبد الأعلى. وكذا رواه ابن مردويه من حديث عبد الأعلى. وقال عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الشيباني عن عمرو بن مرة عن سعيد بن المسيب أن عمر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تورث الكلالة ؟ قال فأنزل الله { يستفتونك } الآية قال فكأن عمر لم يفهم فقال لحفصة إذا رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم طيب نفس فسليه عنها فرأت منه طيب نفس فسألته عنها فقال { أبوك ذكر لك هذا ما أرى أباك يعلمها } قال فكان عمر يقول ما أراني أعلمها. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال. رواه ابن مردويه ثم رواه من طريق ابن عيينة وعن عمر بن طاوس أن عمر أمر حفصة أن تسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلالة فأملاها عليها في كتف فقال { من أمرك بهذا أعمر؟ ما أراه يقيمها وما تكفيه آية الصيف } وآية الصيف التي في النساء { وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة } فلما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت الآية التي هي خاتمة النساء فألقى عمر الكتف كذا قال في هذا الحديث وهو مرسل. وقال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا عثام عن الأعمش عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال أخذ عمر كتفا وجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال لأقضين في الكلالة قضاء تحدث به النساء في خدورهن فخرجت حينئذ حية من البيت فتفرقوا فقال لو أراد الله عز وجل أن يتم هذا الأمر لأتمه. وهذا إسناد صحيح وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري حدثنا علي بن محمد بن عقبة الشيباني بالكوفة حدثنا الهيثم بن خالد حدثنا أبو نعيم حدثنا ابن عينة عن عمرو بن دينار سمعت محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانه يحدث عن عمر بن الخطاب قال لأن أكون سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاث أحب إلي من حمر النعم: من الخليفة بعده ؟ وعن قوم قالوا نقر بالزكاة في أموالنا ولانؤديها إليك أيحل قتالهم ؟ وعن الكلالة. ثم قال صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ثم روى هذا الإسناد عن سفيان بن عيينة عن عمر بن مرة عن عمر قال: ثلاث لأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم بينهن لنا أحب إلي من الدنيا وما فيها الخلافة والكلالة والربا. ثم قال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وبهذا الإسناد إلى سفيان بن عيينة قال سمعت سليمان الأحول يحدث عن طاوس قال سمعت ابن عباس قال كنت آخر الناس عهدا بعمر فسمعته يقول القول ما قلت قلت وما قلت ؟ قال: قلت الكلالة من لا ولد له. ثم قال صحيح على شرطهما ولم يخرجاه. وهكذا رواه ابن مردويه من طريق زمعة بن صالح عن عمرو بن دينار وسليمان الأحول عن طاوس عن ابن عباس قال كنت آخر الناس عهدا بعمر بن الخطاب قال اختلفت أنا وأبو بكر في الكلالة والقول ما قلت - قال وذكر أن عمر شرك بين الإخوة للأم والأب وبين الإخوة للأم في الثلث إذا اجتمعوا وخالفه أبو بكر { رضي الله عنهما. وقال ابن جرير حدثنا وكيع حدثنا محمد بن حميد العمري عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن عمر كتب في الجد والكلالة كتابا فمكث يستخير الله يقول اللهم إن علمت فيه خيرا فأمضه حتى إذا طعن دعا بكتاب فمحى ولم يدر أحد ما كتب فيه فقال إنى كنت كتبت كتابا في الجد والكلالة وكنت أستخير الله فيه فرأيت أن أترككم على ما كنتم عليه. قال ابن جرير: وقد روى عن عمر { رضي الله عنه أنه قال إني لأستحي أن أخالف فيه أبا بكر وكان أبو بكر { رضي الله عنه يقول هو ما عدا الولد والوالد. وهذا الذي قاله الصديق عليه جمهور الصحابة والتابعين والأئمة في قديم الزمان وحديثه وهو مذهب الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة وقول علماء الأمصار قاطبة وهو الذي يدل عليه القرآن كما أرشد الله أنه قد بين ذلك ووضحه في قوله { يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم } والله أعلم.
.

نهاية تفسير السورة - تفسير القرآن الكريم
End of Tafseer of The Surah - The Holy Quran Tafseer








© EsinIslam.Com Designed & produced by The Awqaf London. Please pray for us