وهذه السورة وسورة }{ الناس }{ و }{ الإخلاص } : تعوذ بهن رسول الله صلى الله عليه
وسلم حين سحرته اليهود ; على ما يأتي . وقيل : إن المعوذتين كان يقال لهما
المقشقشتان ; أي تبرئان من النفاق . وقد تقدم . وزعم ابن مسعود أنهما دعاء تعوذ به ,
وليستا من القرآن ; خالف به الإجماع من الصحابة وأهل البيت . قال ابن قتيبة : لم
يكتب عبد الله بن مسعود في مصحفه المعوذتين ; لأنه كان يسمع رسول الله صلى الله
عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين - رضي الله عنهما - بهما , فقدر أنهما بمنزلة :
أعيذكما بكلمات الله التامة , من كل شيطان وهامة , ومن كل عين لامة . قال أبو بكر
الأنباري : وهذا مردود على ابن قتيبة ; لأن المعوذتين من كلام رب العالمين , المعجز
لجميع المخلوقين ; و }{ أعيذكما بكلمات الله التامة }{ من قول البشر بين . وكلام
الخالق الذي هو آية لمحمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين , وحجة له باقية على
جميع الكافرين , لا يلتبس بكلام الآدميين , على مثل عبد الله بن مسعود الفصيح
اللسان , العالم باللغة , العارف بأجناس الكلام , وأفانين القول . وقال بعض الناس :
لم يكتب عبد الله المعوذتين لأنه أمن عليهما من النسيان , فأسقطهما وهو يحفظهما ;
كما أسقط فاتحة الكتاب من مصحفه , وما يشك في حفظه وإتقانه لها . فرد هذا القول على
قائله , واحتج عليه بأنه قد كتب : { إذا جاء نصر الله والفتح } , و }{ إنا أعطيناك
الكوثر } , و }{ قل هو الله أحد }{ وهن يجرين مجرى المعوذتين في أنهن غير طوال ,
والحفظ إليهن أسرع , ونسيانهن مأمون , وكلهن يخالف فاتحة الكتاب ; إذ الصلاة لا تتم
إلا بقراءتها . وسبيل كل ركعة أن تكون المقدمة فيها قبل ما يقرأ من بعدها , فإسقاط
فاتحة الكتاب من المصحف , على معنى الثقة ببقاء حفظها , والأمن من نسيانها , صحيح ,
وليس من السور ما يجري في هذا المعنى مجراها , ولا يسلك به طريقها . وقد مضى هذا
المعنى في سورة }{ الفاتحة } . والحمد لله . { قل أعوذ برب الفلق }{ روى النسائي عن
عقبة بن عامر , قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكب , فوضعت يدي على قدمه
, فقلت : أقرئني سورة [ هود ] أقرئني سورة يوسف . فقال لي : [ لن تقرأ شيئا أبلغ عند
الله من }{ قل أعوذ برب الفلق } ] . وعنه قال : بينا أنا أسير مع النبي صلى الله عليه
وسلم بين الجحفة والأبواء , إذ غشتنا ريح مظلمة شديدة , فجعل رسول الله صلى الله
عليه وسلم يتعوذ }{ بأعوذ برب الفلق } , و }{ أعوذ برب الناس } , ويقول : [ يا عقبة ,
تعوذ بهما فما تعوذ متعوذ بمثلهما ] . قال : وسمعته يقرأ بهما في الصلاة . وروى
النسائي عن عبد الله قال : أصابنا طش وظلمة , فانتظرنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم يخرج . ثم ذكر كلاما معناه : فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي بنا ,
فقال : قل . فقلت : ما أقول ؟ قال : ( قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي , وحين
تصبح ثلاثا , يكفيك كل شيء ) وعن عقبة بن عامر الجهني قال : قال لي رسول الله صلى
الله عليه وسلم : [ قل ] . قلت : ما أقول ؟ قال قل : ( قل هو الله أحد . قل أعوذ برب
الفلق . قل أعوذ برب الناس - فقرأهن رسول الله صلى الله عليه وسلم , ثم قال : لم
يتعوذ الناس بمثلهن , أو لا يتعوذ الناس بمثلهن ) . وفي حديث أبن عباس }{ قل أعوذ برب
الفلق وقل أعوذ برب الناس , هاتين السورتين } . وفي صحيح البخاري ومسلم عن عائشة أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى قرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث , كلما اشتد
وجعه كنت أقرأ عليه , وأمسح عنه بيده , رجاء بركتها . النفث : النفخ ليس معه ريق .
ثبت في الصحيحين من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم سحره يهودي من يهود بني
زريق , يقال له لبيد بن الأعصم , حتى يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء ولا يفعله ,
فمكث كذلك ما شاء الله أن يمكث - في غير الصحيح : سنة - ثم قال : ( يا عائشة أشعرت
أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه . أتاني ملكان , فجلس أحدهما عند رأسي , والآخر
عند رجلي , فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي : ما شأن الرجل ؟ قال : مطبوب . قال
ومن طبه ؟ قال لبيد بن الأعصم . قال في ماذا ؟ قال في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر , تحت
راعوفة في بئر ذي أروان ) فجاء البئر واستخرجه . انتهى الصحيح . وقال ابن عباس : (
أما شعرت يا عائشة أن الله تعالى أخبرني بدائي ) . ثم بعث عليا والزبير وعمار بن
ياسر , فنزحوا ماء تلك البئر كأنه نقاعة الحناء , ثم رفعوا الصخرة وهي الراعوفة -
صخرة تترك أسفل البئر يقوم عليها المائح , وأخرجوا الجف , فإذا مشاطة رأس إنسان ,
وأسنان من مشط , وإذا وتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة مغرزة بالإبر , فأنزل الله
تعالى هاتين السورتين , وهما إحدى عشرة آية على عدد تلك العقد , وأمر أن يتعوذ بهما
; فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة , ووجد النبي صلى الله عليه وسلم خفة , حتى انحلت
العقدة الأخيرة , فكأنما أنشط من عقال , وقال : ليس به بأس . وجعل جبريل يرقي رسول
الله صلى الله عليه وسلم فيقول : [ باسم الله أرقيك , من كل شيء يؤذيك , من شر حاسد
وعين , والله يشفيك ] . فقالوا : يا رسول الله , ألا نقتل الخبيث . فقال : [ أما أنا
فقد شفاني الله , وأكره أن أثير على الناس شرا ] . وذكر القشيري في تفسيره أنه ورد
في الصحاح : أن غلاما من اليهود كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم , فدست إليه
اليهود , ولم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس النبي صلى الله عليه وسلم . والمشاطة بضم
الميم : ما يسقط من الشعر عند المشط . وأخذ عدة من أسنان مشطه , فأعطاها اليهود ,
فسحروه فيها , وكان الذي تولى ذلك لبيد بن الأعصم اليهودي . وذكر نحو ما تقدم عن ابن
عباس . تقدم في }{ البقرة }{ القول في السحر وحقيقته , وما ينشأ عنه من الآلام
والمفاسد , وحكم الساحر ; فلا معنى لإعادته . قوله تعالى : { الفلق }{ اختلف فيه ;
فقيل : سجن في جهنم ; قاله ابن عباس . وقال أبي بن كعب : بيت في جهنم إذا فتح صاح
أهل النار من حره . وقال الحبلي أبو عبد الرحمن : هو اسم من أسماء جهنم . وقال الكلبي
: واد في جهنم . وقال عبد الله بن عمر : شجرة في النار . سعيد بن جبير : جب في النار
. النحاس : يقال لما اطمأن من الأرض فلق ; فعلى هذا يصح هذا القول . وقال جابر بن عبد
الله والحسن وسعيد بن جبير أيضا ومجاهد وقتادة والقرظي وابن زيد : الفلق , الصبح
. وقاله ابن عباس . تقول العرب : هو أبين من فلق الصبح وفرق الصبح . وقال الشاعر : يا
ليلة لم أنمها بت مرتفقا أرعى النجوم إلى أن نور الفلق وقيل : الفلق : الجبال
والصخور تنفرد بالمياه ; أي تتشقق . وقيل : هو التفليق بين الجبال والصخور ; لأنها
تتشقق من خوف الله عز وجل . قال زهير : ما زلت أرمقهم حتى إذا هبطت أيدي الركاب بهم
من راكس فلقا الراكس : بطن الوادي . وكذلك هو في قول النابغة : وعيد أبي قابوس في
غير كنهه أتاني ودوني راكس فالضواجع والراكس أيضا : الهادي , وهو الثور وسط البيدر
, تدور عليه الثيران في الدياسة . وقيل : الرحم تنفلق بالحيوان . وقيل : إنه كل ما
انفلق عن جميع ما خلق من الحيوان والصبح والحب والنوى , وكل شيء من نبات وغيره ;
قاله الحسن وغيره . قال الضحاك : الفلق الخلق كله ; قال : وسوس يدعو مخلصا رب الفلق
سرا وقد أون تأوين العقق قلت : هذا القول يشهد له الاشتقاق ; فإن الفلق الشق . فلقت
الشيء فلقا أي شققته . والتفليق مثله . يقال : فلقته فانفلق وتفلق . فكل ما انفلق عن
شيء من حيوان وصبح وحب ونوى وماء فهو فلق ; قال الله تعالى : { فالق الإصباح } [
الأنعام : 96 ] قال : { فالق الحب والنوى } [ الأنعام : 95 ] . وقال ذو الرمة يصف
الثور الوحشي : حتى إذا ما انجلى عن وجهه فلق هاديه في أخريات الليل منتصب يعني
بالفلق هنا : الصبح بعينه . والفلق أيضا : المطمئن من الأرض بين الربوتين , وجمعه :
فلقان ; مثل خلق وخلقان , وربما قال : كان ذلك بفالق كذا وكذا ; يريدون المكان
المنحدر بين الربوتين , والفلق أيضا مقطرة السجان . فأما الفلق ( بالكسر ) :
فالداهية والأمر العجب ; تقول منه : أفلق الرجل وافتلق . وشاعر مفلق , وقد جاء
بالفلق أي بالداهية . والفلق أيضا : القضيب يشق باثنين , فيعمل منه قوسان , يقال لكل
واحدة منهما فلق , وقولهم : جاء بعلق فلق ; وهي الداهية ; لا يجرى [ مجرى عمر ]
. يقال منه : أعلقت وأفلقت ; أي جئت بعلق فلق . ومر يفتلق في عدوه ; أي يأتي بالعجب
من شدته .
اختلف فيه ; فقيل : هو الليل . والغسق : أول ظلمة الليل ; يقال منه : غسق الليل يغسق
أي أظلم . قال ابن قيس الرقيات : إن هذا الليل قد غسقا واشتكيت الهم والأرقا وقال
آخر : يا طيف هند لقد أبقيت لي أرقا إذ جئتنا طارقا والليل قد غسقا هذا قول ابن
عباس والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم . و }{ وقب }{ على هذا التفسير : أظلم ; قاله ابن
عباس . والضحاك : دخل . قتادة : ذهب . يمان بن رئاب : سكن . وقيل : نزل ; يقال : وقب
العذاب على الكافرين ; نزل . قال الشاعر : وقب العذاب عليهم فكأنهم لحقتهم نار
السموم فأحصدوا وقال الزجاج : قيل الليل غاسق لأنه أبرد من النهار . والغاسق :
البارد . والغسق : البرد ; ولأن في الليل تخرج السباع من آجامها , والهوام من
أماكنها , وينبعث أهل الشر على العبث والفساد . وقيل : الغاسق : الثريا ; وذلك أنها
إذا سقطت كثرت الأسقام والطواعين , وإذا طلعت ارتفع ذلك ; قاله عبد الرحمن بن زيد
. وقيل : هو الشمس إذا غربت ; قاله ابن شهاب . وقيل : هو القمر . قال القتبي : { إذا
وقب }{ القمر : إذا دخل في ساهوره , وهو كالغلاف له , وذلك إذا خسف به . وكل شيء أسود
فهو غسق . وقال قتادة : { إذا وقب }{ إذا غاب . وهو أصح ; لأن في الترمذي عن عائشة :
أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر , فقال : [ يا عائشة , استعيذي بالله من
شر هذا , فإن هذا هو الغاسق إذا وقب ] . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح . وقال
أحمد بن يحيى ثعلب عن ابن الأعرابي في تأويل هذا الحديث : وذلك أن أهل الريب
يتحينون وجبة القمر . وأنشد : أراحني الله من أشياء أكرهها منها العجوز ومنها الكلب
والقمر هذا يبوح وهذا يستضاء به وهذه ضمرز قوامة السحر وقيل : الغاسق : الحية إذا
لدغت . وكأن الغاسق نابها ; لأن السم يغسق منه ; أي يسيل . ووقب نابها : إذا دخل في
اللديغ . وقيل : الغاسق : كل هاجم يضر , كائنا ما كان ; من قولهم : غسقت القرحة :
إذا جرى صديدها .
يعني الساحرات اللائي ينفثن في عقد الخيط حين يرقين عليها . شبه النفخ كما يعمل من
يرقي . قال الشاعر : أعوذ بربي من النافثات في عضه العاضه المعضه وقال متمم بن نويرة
: نفثت في الخيط شبيه الرقى من خشية الجنة والحاسد وقال عنترة : فإن يبرأ فلم أنفث
عليه وإن يفقد فحق له الفقود وروى النسائي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : [ من عقد عقدة ثم نفث فيها , فقد سحر , ومن سحر فقد أشرك , ومن
تعلق شيئا وكل إليه ] . واختلف في النفث عند الرقى فمنعه قوم , وأجازه آخرون . قال
عكرمة : لا ينبغي للراقي أن ينفث , ولا يمسح ولا يعقد . قال إبراهيم : كانوا يكرهون
النفث في الرقى . وقال بعضهم : دخلت , على الضحاك وهو وجع , فقلت : ألا أعوذك يا أبا
محمد ؟ قال : لا شيء من ذلك ولكن لا تنفث ; فعوذته بالمعوذتين . وقال ابن جريج قلت
لعطاء : القرآن ينفخ به أو ينفث ؟ قال : لا شيء من ذلك ولكن تقرؤه هكذا . ثم قال بعد
: انفث إن شئت . وسئل محمد بن سيرين عن الرقية ينفث فيها , فقال : لا أعلم بها بأسا
, وإذا اختلفوا فالحاكم بينهم السنة . روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
ينفث في الرقية ; رواه الأئمة , وقد ذكرناه أول السورة وفي }{ الإسراء } . وعن محمد
بن حاطب أن يده احترقت فأتت به أمه النبي صلى الله عليه وسلم , فجعل ينفث عليها
ويتكلم بكلام ; زعم أنه لم يحفظه . وقال محمد بن الأشعث : ذهب بي إلى عائشة رضي الله
عنها وفي عيني سوء , فرقتني ونفثت . وأما ما روي عن عكرمة من قوله : لا ينبغي
للراقي أن ينفث , فكأنه ذهب فيه إلى أن الله تعالى جعل النفث في العقد مما يستعاذ
به , فلا يكون بنفسه عوذة . وليس هذا هكذا ; لأن النفث في العقد إذا كان مذموما لم
يجب أن يكون النفث بلا عقد مذموما . ولأن النفث في العقد إنما أريد به السحر المضر
بالأرواح , وهذا النفث لاستصلاح الأبدان , فلا يقاس ما ينفع بما يضر . وأما كراهة
عكرمة المسح فخلاف السنة . قال علي رضي الله عنه : اشتكيت , فدخل علي النبي صلى الله
عليه وسلم وأنا أقول : اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحني , وإن كان متأخرا فاشفني
وعافني , وإن كان بلاء فصبرني . فقال النبي صلى الله عليه وسلم [ كيف قلت ] ؟ فقلت
له : فمسحني بيده , ثم قال : [ اللهم اشفه ] فما عاد ذلك الوجع بعد . وقرأ عبد الله
بن عمرو وعبد الرحمن بن سابط وعيسى بن عمر ورويس عن يعقوب }{ من شر النافثات }{ في
وزن ( فاعلات ) . ورويت عن عبد الله بن القاسم مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنهما
. وروي أن نساء سحرن النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى عشرة عقدة , فأنزل الله
المعوذتين إحدى عشرة آية . قال ابن زيد : كن من اليهود ; يعني السواحر المذكورات
. وقيل : هن بنات لبيد بن الأعصم .
قد تقدم في سورة }{ النساء }{ معنى الحسد , وأنه تمني زوال نعمة المحسود وإن لم يصر
للحاسد مثلها . والمنافسة هي تمني مثلها وإن لم تزل . فالحسد شر مذموم . والمنافسة
مباحة وهي الغبطة . وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ المؤمن يغبط ,
والمنافق يحسد ] . وفي الصحيحين : [ لا حسد إلا في اثنتين ] يريد لا غبطة وقد مضى في
سورة }{ النساء }{ والحمد لله . قلت : قال العلماء : الحاسد لا يضر إلا إذا ظهر حسده
بفعل أو قول , وذلك بأن يحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود , فيتبع مساوئه ,
ويطلب عثراته . قال صلى الله عليه وسلم : [ إذا حسدت فلا تبغ .. .] الحديث . وقد تقدم
. والحسد أول ذنب عصي الله به في السماء , وأول ذنب عصي به في الأرض , فحسد إبليس
آدم , وحسد قابيل هابيل . والحاسد ممقوت مبغوض مطرود ملعون ولقد أحسن من قال : قل
للحسود إذا تنفس طعنة يا ظالما وكأنه مظلوم هذه سورة دالة على أن الله سبحانه خالق
كل شر , وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ من جميع الشرور . فقال : { من شر ما
خلق } . وجعل خاتمة ذلك الحسد , تنبيها على عظمه , وكثرة ضرره . والحاسد عدو نعمة
الله . قال بعض الحكماء : بارز الحاسد ربه من خمسة أوجه : أحدها : أنه أبغض كل نعمة
ظهرت على غيره . وثانيها : أنه ساخط لقسمة ربه , كأنه يقول : لم قسمت هذه القسمة ؟
وثالثها : أنه ضاد فعل الله , أي إن فضل الله يؤتيه من يشاء , وهو يبخل بفضل الله .
ورابعها : أنه خذل أولياء الله , أو يريد خذلانهم وزوال النعمة عنهم . وخامسها :
أنه أعان عدوه إبليس . وقيل : الحاسد لا ينال في المجالس إلا ندامة , ولا ينال عند
الملائكة إلا لعنة وبغضاء , ولا ينال في الخلوة إلا جزعا وغما , ولا ينال في الآخرة
إلا حزنا واحتراقا , ولا ينال من الله إلا بعدا ومقتا . وروي أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : ( ثلاثة لا يستجاب دعاؤهم : آكل الحرام , ومكثر الغيبة , ومن كان
في قلبه غل أو حسد للمسلمين ) . والله سبحانه وتعالى أعلم .
نهاية تفسير السورة - تفسير القرآن الكريم
End of Tafseer of The Surah - The Holy Quran Tafseer