في الترمذي : عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من سره أن
ينظر إلى يوم القيامة [ كأنه رأي عين ] فليقرأ إذا الشمس كورت , وإذا السماء انفطرت
, وإذا السماء انشقت ) . قال : هذا حديث حسن [ غريب ] . قال ابن عباس : تكويرها :
إدخالها في العرش . والحسن : ذهاب ضوئها . وقاله قتادة ومجاهد : وروي عن ابن عباس
أيضا . سعيد بن جبير : عورت . أبو عبيدة : كورت مثل تكوير العمامة , تلف فتمحى . وقال
الربيع بن خيثم : { كورت رمي بها ; ومنه : كورته فتكور ; أي سقط . قلت : وأصل
التكوير : الجمع , مأخوذ من كار العمامة على رأسه يكورها أي لاثها وجمعها فهي تكور
ويمحى ضوءها , ثم يرمى بها في البحر . والله أعلم . وعن أبي صالح : كورت : نكست .
أي تهافتت وتناثرت . وقال أبو عبيدة : انصبت كما تنصب العقاب إذا انكسرت . قال العجاج
يصف صقرا : أبصر خربان فضاء فانكدر تقضي البازي إذا البازي كسر وروى أبو صالح عن
ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يبقى في السماء يومئذ نجم
إلا سقط في الأرض , حتى يفزع أهل الأرض السابعة مما لقيت وأصاب العليا ) , يعني
الأرض . وروى الضحاك عن ابن عباس قال : تساقطت ; وذلك أنها قناديل معلقة بين السماء
والأرض بسلاسل من نور , وتلك السلاسل بأيدي ملائكة من نور , فإذا جاءت النفخة
الأولى مات من في الأرض ومن في السموات , فتناثرت تلك الكواكب وتساقطت السلاسل من
أيدي الملائكة ; لأنه مات من كان يمسكها . ويحتمل أن يكون انكدارها طمس آثارها
. وسميت النجوم نجوما لظهورها في السماء بضوئها . وعن ابن عباس أيضا : انكدرت تغيرت
فلم يبق لها ضوء لزوالها عن أماكنها . والمعنى متقارب .
أي تهافتت وتناثرت . وقال أبو عبيدة : انصبت كما تنصب العقاب إذا انكسرت . قال العجاج
يصف صقرا : أبصر خربان فضاء فانكدر تقضي البازي إذا البازي كسر وروى أبو صالح عن
ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يبقى في السماء يومئذ نجم
إلا سقط في الأرض , حتى يفزع أهل الأرض السابعة مما لقيت وأصاب العليا ) , يعني
الأرض . وروى الضحاك عن ابن عباس قال : تساقطت ; وذلك أنها قناديل معلقة بين السماء
والأرض بسلاسل من نور , وتلك السلاسل بأيدي ملائكة من نور , فإذا جاءت النفخة
الأولى مات من في الأرض ومن في السموات , فتناثرت تلك الكواكب وتساقطت السلاسل من
أيدي الملائكة ; لأنه مات من كان يمسكها . ويحتمل أن يكون انكدارها طمس آثارها
. وسميت النجوم نجوما لظهورها في السماء بضوئها . وعن ابن عباس أيضا : انكدرت تغيرت
فلم يبق لها ضوء لزوالها عن أماكنها . والمعنى متقارب .
أي النوق الحوامل التي في بطونها أولادها ; الواحدة عشراء أو التي أتى عليها في
الحمل عشرة أشهر , ثم لا يزال ذلك اسمها حتى تضع , وبعدما تضع أيضا . ومن عادة العرب
أن يسموا الشيء باسمه المتقدم وإن كان قد جاوز ذلك ; يقول الرجل لفرسه وقد قرح :
هاتوا مهري وقربوا مهري , ويسميه بمتقدم اسمه ; قال عنترة : لا تذكري مهري وما
أطعمته فيكون جلدك مثل جلد الأجرب وقال أيضا : وحملت مهري وسطها فمضاها وإنما خص
العشار بالذكر ; لأنها أعز ما تكون على العرب , وليس يعطلها أهلها إلا حال القيامة
. وهذا على وجه المثل ; لأن في القيامة لا تكون ناقة عشراء , ولكن أراد به المثل ;
أن هول يوم القيامة بحال لو كان للرجل ناقة عشراء لعطلها واشتغل بنفسه . وقيل : إنهم
إذا قاموا من قبورهم , وشاهد بعضهم بعضا , ورأوا الوحوش والدواب محشورة , وفيها
عشارهم التي كانت أنفس أموالهم , لم يعبئوا بها , ولم يهمهم أمرها . وخوطبت العرب
بأمر العشار ; لأن مالها وعيشها أكثره من الإبل . وروى الضحاك عن ابن عباس : عطلت :
عطلها أهلها , لاشتغالهم بأنفسهم . وقال الأعشى : هو الواهب المائة المصطفا ة إما
مخاضا وإما عشارا وقال آخر : ترى المرء مهجورا إذا قل ماله وبيت الغني يهدى له
ويزار وما ينفع الزوار مال مزورهم إذا سرحت شول له وعشار يقال : ناقة عشراء ,
وناقتان عشراوان , نوق عشار وعشراوات , يبدلون من همزة التأنيث واوا . وقد عشرت
الناقة تعشيرا : أي صارت عشراء . وقيل : العشار : السحاب يعطل مما يكون فيه وهو
الماء فلا يمطر ; والعرب تشبه السحاب بالحامل . وقيل : الديار تعطل فلا تسكن . وقيل :
الأرض التي يعشر زرعها تعطل فلا تزرع . والأول أشهر , وعليه من الناس الأكثر .
أي جمعت والحشر : الجمع . عن الحسن وقتادة وغيرهما . وقال ابن عباس : حشرها : موتها
. رواه عنه عكرمة . وحشر كل شيء : الموت غير الجن والإنس , فإنهما يوافيان يوم
القيامة . وعن ابن عباس أيضا قال : يحشر كل شيء حتى الذباب . قال ابن عباس : تحشر
الوحوش غدا : أي تجمع حتى يقتص لبعضها من بعض , فيقتص للجماء من القرناء , ثم يقال
لها كوني ترابا فتموت . وهذا أصح مما رواه عنه عكرمة , وقد بيناه في كتاب }{ التذكرة
{ مستوفى , ومضى في سورة }{ الأنعام }{ بعضه . أي إن الوحوش إذا كانت هذه حالها فكيف
ببني آدم . وقيل : عني بهذا أنها مع نفرتها اليوم من الناس وتنددها في الصحاري ,
تنضم غدا إلى الناس من أهوال ذلك اليوم . قال معناه أبي بن كعب .
أي ملئت من الماء ; والعرب تقول : سجرت الحوض أسجره سجرا : إذا ملأته , وهو مسجور
والمسجور والساجر في اللغة : الملآن . وروى الربيع بن خيثم : سجرت : فاضت وملئت
. وقاله الكلبي ومقاتل والحسن والضحاك . قال ابن أبي زمنين : سجرت : حقيقته ملئت ,
فيفيض بعضها إلى بعض فتصير شيئا واحدا . وهو معنى قول الحسن . وقيل : أرسل عذبها على
مالحها ومالحها على عذبها , حتى امتلأت . عن الضحاك ومجاهد : أي فجرت فصارت بحرا
واحدا . القشيري : وذلك بأن يرفع الله الحاجز الذي ذكره في قوله تعالى : { بينهما
برزخ لا يبغيان } [ الرحمن : 20 ] , فإذا رفع ذلك البرزخ تفجرت مياه البحار , فعمت
الأرض كلها , وصارت البحار بحرا واحدا . وقيل : صارت بحرا واحدا من الحميم لأهل
النار . وعن الحسن أيضا وقتادة وابن حيان : تيبس فلا يبقى من مائها قطرة . القشيري :
وهو من سجرت التنور أسجره سجرا : إذا أحميته وإذا سلط عليه الإيقاد نشف ما فيه من
الرطوبة وتسير الجبال حينئذ وتصير البحار والأرض كلها بساطا واحدا , بأن يملأ مكان
البحار بتراب الجبال . وقال النحاس : وقد تكون الأقوال متفقة ; يكون تيبس من الماء
بعد أن يفيض , بعضها إلى بعض , فتقلب نارا . قلت : ثم تسير الجبال حينئذ , كما ذكر
القشيري , والله أعلم . وقال ابن زيد وشمر وعطية وسفيان ووهب وأبي وعلي بن أبي طالب
وابن عباس في رواية الضحاك عنه : أوقدت فصارت نارا . قال ابن عباس : يكور الله الشمس
والقمر والنجوم في البحر , ثم يبعث الله عليها ريحا دبورا , فتنفخه حتى يصير نارا
. وكذا في بعض الحديث : ( يأمر الله جل ثناؤه الشمس والقمر والنجوم فينتثرون في
البحر , ثم يبعث الله جل ثناؤه الدبور فيسجرها نارا , فتلك نار الله الكبرى , التي
يعذب بها الكفار ) . قال القشيري : قيل في تفسير قول ابن عباس }{ سجرت }{ أوقدت ,
يحتمل أن تكون جهنم في قعور من البحار , فهي الآن غير مسجورة لقوام الدنيا , فإذا
انقضت الدنيا سجرت , فصارت كلها نارا يدخلها الله أهلها . ويحتمل أن تكون تحت البحر
نار , ثم يوقد الله البحر كله فيصير نارا . وفي الخبر : البحر نار . في نار . وقال
معاوية بن سعيد : بحر الروم وسط الأرض , أسفله آبار مطبقة بنحاس يسجر نارا يوم
القيامة . وقيل : تكون الشمس في البحر , فيكون البحر نارا بحر الشمس . ثم جميع ما في
هذه الآيات يجوز أن يكون في الدنيا قبل يوم القيامة ويكون من أشراطها , ويجوز أن
يكون يوم القيامة , وما بعد هذه الآيات فيكون في يوم القيامة . قلت : روي عن عبد
الله بن عمرو : لا يتوضأ بماء البحر لأنه طبق جهنم . وقال أبي بن كعب : ست آيات من
قبل يوم القيامة : بينما الناس في أسواقهم ذهب ضوء الشمس وبدت النجوم فتحيروا
ودهشوا , فبينما هم كذلك ينظرون إذ تناثرت النجوم وتساقطت , فبينما هم كذلك إذ وقعت
الجبال على وجه الأرض , فتحركت واضطربت واحترقت , فصارت هباء منثورا , ففزعت الإنس
إلى الجن والجن إلى الإنس , واختلطت الدواب والوحوش والهوام والطير , وماج بعضها في
بعض ; فذلك قوله تعالى : { وإذا الوحوش حشرت }{ ثم قالت الجن للإنس : نحن نأتيكم
بالخبر , فانطلقوا إلى البحار فإذا هي نار تأجج , فبينما هم كذلك تصدعت الأرض صدعة
واحدة إلى الأرض السابعة السفلى , وإلى السماء السابعة العليا , فبينما هم كذلك إذ
جاءتهم ريح فأماتتهم . وقيل : معنى }{ سجرت } : هو حمرة مائها , حتى تصير كالدم ;
مأخوذ من قولهم : عين سجراء : أي حمراء . وقرأ ابن كثير }{ سجرت }{ وأبو عمرو أيضا ,
إخبارا عن حالها مرة واحدة . وقرأ الباقون بالتشديد إخبارا عن حالها في تكرير ذلك
منها مرة بعد أخرى .
قال النعمان بن بشير : قال النبي صلى الله عليه وسلم }{ وإذا النفوس زوجت }{ قال : (
يقرن كل رجل مع كل قوم كانوا يعملون كعمله ) . وقال عمر بن الخطاب : يقرن الفاجر مع
الفاجر , ويقرن الصالح مع الصالح . وقال ابن عباس : ذلك حين يكون الناس أزواجا ثلاثة
, السابقون زوج - يعني صنفا - وأصحاب اليمين زوج , وأصحاب الشمال زوج . وعنه أيضا
قال : زوجت نفوس المؤمنين بالحور العين , وقرن الكافر بالشياطين , وكذلك المنافقون
وعنه أيضا : قرن كل شكل بشكله من أهل الجنة وأهل النار , فيضم المبرز في الطاعة إلى
مثله , والمتوسط إلى مثله , وأهل المعصية إلى مثله ; فالتزويج أن يقرن الشيء بمثله
; والمعنى : وإذا النفوس قرنت إلى أشكالها في الجنة والنار . وقيل : يضم كل رجل إلى
من كان يلزمه من ملك وسلطان , كما قال تعالى : { احشروا الذين ظلموا وأزواجهم } [
الصافات : 22 ] . وقال عبد الرحمن بن زيد : جعلوا أزواجا على أشباه أعمالهم ليس
بتزويج , أصحاب اليمين زوج , وأصحاب الشمال زوج , والسابقون زوج ; وقد قال جل ثناؤه
: { احشروا الذين ظلموا وأزواجهم } [ الصافات : 22 ] أي أشكالهم . وقال عكرمة : { وإذا النفوس زوجت }{ قرنت الأرواح بالأجساد ; أي ردت إليها . وقال الحسن : ألحق كل
امرئ بشيعته : اليهود باليهود , والنصاري بالنصارى , والمجوس بالمجوس , وكل من كان
يعبد شيئا من دون الله يلحق بعضهم ببعض , والمنافقون بالمنافقين , والمؤمنون
بالمؤمنين . وقيل : يقرن الغاوي بمن أغواه من شيطان أو إنسان , على جهة البغض
والعداوة , ويقرن المطيع بمن دعاه إلى الطاعة من الأنبياء والمؤمنين . وقيل : قرنت
النفوس بأعمالها , فصارت لاختصاصها به كالتزويج .
الموءودة المقتولة ; وهي الجارية تدفن وهي حية , سميت بذلك لما يطرح عليها من
التراب , فيؤودها أي يثقلها حتى تموت ; ومنه قول تعالى : { ولا يئوده حفظهما } [
البقرة : 255 ] أي لا يثقله ; وقال متمم بن نويرة : وموءودة مقبورة في مفازة بآمتها
موسودة لم تمهد وكانوا يدفنون بناتهم أحياء لخصلتين : إحداهما كانوا يقولون إن
الملائكة بنات الله , فألحقوا البنات به . الثانية إما مخافة الحاجة والإملاق , وإما
خوفا من السبي والاسترقاق . وقد مضى في سورة }{ النحل }{ هذا المعنى , عند قوله تعالى
: { أم يدسه في التراب } [ النحل : 59 ] مستوفى . وقد كان ذوو الشرف منهم يمتنعون من
هذا , ويمنعون منه , حتى افتخر به الفرزدق , فقال : ومنا الذي منع الوائدات فأحيا
الوئيد فلم يوأد يعني جده صعصعة كان يشتريهن من آبائهن . فجاء الإسلام وقد أحيا
سبعين موءودة . وقال ابن عباس : كانت المرأة في الجاهلية إذا حملت حفرت حفرة ,
وتمخضت على رأسها , فإن ولدت جارية رمت بها في الحفرة , وردت التراب عليها , وإن
ولدت غلاما حبسته , ومنه قوال الراجز : سميتها إذ ولدت تموت والقبر صهر ضامن زميت
الزميت الوقور , والزميت مثال الفسيق أوقر من الزميت , وفلان أزمت الناس أي أوقرهم
, وما أشد تزمته ; عن الفراء . وقال قتادة : كانت الجاهلية يقتل أحدهم ابنته , ويغذو
كلبه , فعاتبهم الله على ذلك , وتوعدهم بقوله : { وإذا الموءودة سئلت }{ قال عمر في
قوله تعالى : { وإذا الموءودة سئلت }{ قال : جاء قيس بن عاصم إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! إني وأدت ثماني بنات كن لي في الجاهلية , قال : (
فأعتق عن كل واحدة منهن رقبة ) قال : يا رسول الله إني صاحب إبل , قال : ( فأهد عن
كل واحدة منهن بدنة إن شئت ) .
وقوله تعالى : { سئلت }{ سؤال الموءودة سؤال توبيخ لقاتلها , كما يقال للطفل إذا ضرب
: لم ضربت ؟ وما ذنبك ؟ قال الحسن : أراد الله أن يوبخ قاتلها ; لأنها قتلت بغير
ذنب . وقال ابن أسلم : بأي ذنب ضربت , وكانوا يضربونها . وذكر بعض أهل العلم في قوله
تعالى : { سئلت }{ قال : طلبت ; كأنه يريد كما يطلب بدم القتيل . قال : وهو كقوله : { وكان عهد الله مسئولا } [ الأحزاب : 15 ] أي مطلوبا . فكأنها طلبت منهم , فقيل أين
أولادكم ؟ وقرأ الضحاك وأبو الضحى عن جابر بن زيد وأبي صالح }{ وإذا الموءودة سألت }
فتتعلق الجارية بأبيها , فتقول : بأي ذنب قتلتني ؟ ! فلا يكون له عذر ; قاله ابن
عباس وكان يقرأ }{ وإذا الموءودة سألت }{ وكذلك هو في مصحف أبي . وروى عكرمة عن ابن
عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن المرأة التي تقتل ولدها تأتي يوم
القيامة متعلقا ولدها بثدييها , ملطخا بدمائه , فيقول يا رب , هذه أمي , وهذه
قتلتني ) . والقول الأول عليه الجمهور , وهو مثل قوله تعالى لعيسى : { أأنت قلت
للناس } , على جهة التوبيخ والتبكيت لهم , فكذلك سؤال الموءودة توبيخ لوائدها , وهو
أبلغ من سؤالها عن قتلها ; لأن هذا مما لا يصح إلا بذنب , فبأي ذنب كان ذلك , فإذا
ظهر أنه لا ذنب لها , كان أعظم في البلية وظهور الحجة على قاتلها . والله أعلم . وقرئ
{ قتلت }{ بالتشديد , وفيه دليل بين على أن أطفال المشركين لا يعذبون , وعلى أن
التعذيب لا يستحق إلا بذنب .
أي فتحت بعد أن كانت مطوية , والمراد صحف الأعمال التي كتبت الملائكة فيها ما فعل
أهلها من خير وشر , تطوى بالموت , وتنشر في يوم القيامة , فيقف كل إنسان على صحيفته
, فيعلم ما فيها , فيقول : { ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها }
[ الكهف : 49 ] . وروى مرثد بن وداعة قال : إذا كان يوم القيامة تطايرت الصحف من تحت
العرش , فتقع صحيفة المؤمن في يده }{ في جنة عالية } [ الحاقة : 22 ] إلى قوله : { الأيام الخالية } [ الحاقة : 24 ] وتقع صحيفة الكافر في يده }{ في سموم وحميم }{ إلى
قوله }{ ولا كريم } [ الواقعة : 42 - 44 ] . وروي عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة ) فقلت : يا
رسول الله فكيف بالنساء ؟ قال : ( شغل الناس يا أم سلمة ) . قلت : وما شغلهم ؟ قال :
( نشر الصحف فيها مثاقيل الذر ومثاقيل الخردل ) . وقد مضى في سورة }{ الإسراء }{ قول
أبي الثوار العدوي : هما نشرتان وطية , أما ما حييت يا ابن آدم فصحيفتك المنشورة
فأمل فيها ما شئت , فإذا مت طويت , حتى إذا بعثت نشرت }{ اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم
عليك حسيبا } [ الإسراء : 14 ] . وقال مقاتل : إذا مات المرء طويت صحيفة عمله , فإذا
كان يوم القيامة نشرت . وعن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا قرأها قال : إليك يساق
الأمر يا بن آدم . وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وأبو عمرو }{ نشرت }{ مخففة , على نشرت
مرة واحدة , لقيام الحجة . الباقون بالتشديد , على تكرار النشر , للمبالغة في تقريع
العاصي , وتبشير المطيع . وقيل : لتكرار ذلك من الإنسان والملائكة الشهداء عليه .
الكشط : قلع عن شدة التزاق ; فالسماء تكشط كما يكشط الجلد عن الكبش وغيره والقشط :
لغة فيه . وفي قراءة عبد الله }{ وإذا السماء قشطت }{ وكشطت البعير كشطا : نزعت جلده
ولا يقال سلخته ; لأن العرب لا تقول في البعير إلا كشطته أو جلدته , وانكشط : أي
ذهب ; فالسماء تنزع من مكانها كما ينزع الغطاء عن الشيء . وقيل : تطوى كما قال تعالى
: { يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب } [ الأنبياء : 104 ] فكأن المعنى : قلعت
فطويت . والله أعلم .
أي أوقدت فأضرمت للكفار وزيد في إحمائها . يقال : سعرت النار وأسعرتها . وقراءة
العامة بالتخفيف من السعير . وقرأ نافع وابن ذكوان ورويس بالتشديد لأنها أوقدت مرة
بعد مرة . قال قتادة : سعرها غضب الله وخطايا بني آدم . وفي الترمذي عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت , ثم أوقد
عليها ألف سنة حتى ابيضت , ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت , فهي سوداء مظلمة }
وروي موقوفا .
أي دنت وقربت من المتقين . قال الحسن : إنهم يقربون منها ; لا أنها تزول عن موضعها
. وكان عبد الرحمن بن زيد يقول : زينت : أزلفت ؟ والزلفى في كلام العرب : القربة قال
الله تعالى : { وأزلفت الجنة للمتقين } [ الشعراء : 90 ] , وتزلف فلان تقرب .
يعني ما عملت من خير وشر . وهذا جواب }{ إذا الشمس كورت }{ وما بعدها . قال عمر رضي
الله عنه لهذا أجري الحديث . وروي عن ابن عباس وعمر رضي الله عنهما أنهما قرآها ,
فلما بلغا }{ علمت نفس ما أحضرت }{ قالا لهذا أجريت القصة ; فالمعنى على هذا إذا
الشمس كورت وكانت هذه الأشياء , علمت نفس ما أحضرت من عملها . وفي الصحيحين عن عدي
بن حاتم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما منكم من أحد إلا وسيكلمه
الله ما بينه وبينه ترجمان , فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدمه [ وينظر أشأم منه
فلا يرى إلا ما قدم ] بين يديه , فتستقبله النار , فمن استطاع منكم أن : يتقي النار
ولو بشق تمرة فليفعل ) وقال الحسن : { إذ الشمس كورت }{ وقع على قوله : { علمت نفس
ما أحضرت }{ كما يقال : إذا نفر زيد نفر عمرو . والقول الأول أصح . وقال ابن زيد عن
ابن عباس في قوله تعالى : { إذا الشمس كورت }{ إلى قوله : { وإذا الجنة أزلفت }
اثنتا عشرة خصلة : ستة في الدنيا , وستة في الآخرة ; وقد بينا الستة الأولى بقول
أبي بن كعب .
أي أقسم , و }{ لا }{ زائدة , كما تقدم . وفي الصحاح : { الخنس } : الكواكب كلها
. لأنها تخنس في المغيب , أو لأنها تخنس نهارا . ويقال : هي الكواكب السيارة منها دون
الثابتة . وقال الفراء في قوله تعالى : { فلا أقسم بالخنس . الجواري الكنس } : إنها
النجوم الخمسة ; زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد ; لأنها تخنس في مجراها ,
وتكنس , أي تستتر كما تكنس الظباء في المغار , وهو الكناس . ويقال : سميت خنسا
لتأخرها , لأنها الكواكب المتحيرة التي ترجع وتستقيم , يقال : خنس عنه يخنس بالضم
خنوسا : تأخر , وأخنسه غيره : إذا خلفه ومضى عنه . والخنس تأخر الأنف عن الوجه مع
ارتفاع قليل في الأرنبة , والرجل أخنس , والمرأة خنساء , والبقر كلها خنس . وقد روي
عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى : { فلا أقسم بالخنس }{ هي بقر الوحش . روى هشيم
عن زكريا عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال : قال لي عبد الله بن مسعود
: إنكم قوم عرب فما الخنس ؟ قلت : هي بقر الوحش ; قال : وأنا أرى ذلك . وقال إبراهيم
وجابر بن عبد الله . وروي عن ابن عباس : إنما أقسم الله ببقر الوحش . وروى عنه عكرمة
قال : { الخنس } : البقر و }{ الكنس } : هي الظباء , فهي خنس إذا رأين الإنسان خنسن
وانقبضن وتأخرن ودخلن كناسهن . القشيري : وقيل على هذا }{ الخنس }{ من الخنس في الأنف
, وهو تأخر الأرنبة وقصر القصبة , وأنوف البقر والظباء خنس . والأصح الحمل على
النجوم , لذكر الليل والصبح بعد هذا , فذكر النجوم أليق بذلك . قلت : لله أن يقسم
بما شاء من مخلوقاته من حيوان وجماد , وإن لم يعلم وجه الحكمة في ذلك . وقد جاء عن
ابن مسعود وجابر بن عبد الله وهما صحابيان والنخعي أنها بقر الوحش . وعن ابن عباس
وسعيد بن جبير أنها الظباء . وعن الحجاج بن منذر قال : سألت جابر بن زيد عن الجواري
الكنس , فقال : الظباء والبقر , فلا يبعد أن يكون المراد النجوم . وقد قيل : إنها
الملائكة ; حكاه الماوردي .
هي الكواكب الخمسة الدراري : زحل والمشتري وعطارد والمريخ والزهرة , فيما ذكر أهل
التفسير . والله أعلم . وهو مروي عن علي كرم الله وجهه . وفي تخصيصها بالذكر من بين
سائر النجوم وجهان : أحدهما : لأنها تستقبل الشمس ; قاله بكر بن عبد الله المزني
. الثاني : لأنها تقطع المجرة ; قاله ابن عباس . وقال الحسن وقتادة : هي النجوم التي
تخنس بالنهار وإذا غربت , وقاله علي رضي الله عنه , قال : هي النجوم تخنس بالنهار ,
وتظهر بالليل ; وتكنس في وقت غروبها ; أي تتأخر عن البصر لخفائها , فلا ترى . والكنس
الغيب ; مأخوذة من الكناس , وهو كناس الوحش الذي يختفي فيه . قال أوس بن حجر : ألم
تر أن الله أنزل مزنه وعفر الظباء في الكناس تقمع وقال طرفة : كأن كناسي ضالة
يكنفانها وأطر قسي تحت صلب مؤيد وقيل : الكنوس أن تأوي إلى مكانسها , وهي المواضع
التي تأوي إليها الوحوش والظباء . قال الأعشى في ذلك : فلما أتينا الحي أتلع آنس كما
أتلعت تحت المكانس ربرب يقال : تلع . النهار ارتفع وأتلعت الظبية من كناسها : أي سمت
بجيدها . وقال امرؤ القيس : ش تعشى قليلا ثم أنحى ظلوفه و يثير التراب عن مبيت ومكنس
ش والكنس : جمع كانس وكانسة , وكذا الخنس جمع خانس وخانسة . والجواري : جمع جارية من
جرى يجري .
قال الفراء : أجمع المفسرون على أن معنى عسعس أدبر ; حكاه الجوهري . وقال بعض
أصحابنا : إنه دنا من أوله وأظلم وكذلك السحاب إذا دنا من الأرض . المهدوي : { والليل إذا عسعس }{ أدبر بظلامه ; عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما . وروي عنهما أيضا وعن
الحسن وغيره : أقبل بظلامه . زيد بن أسلم : { عسعس }{ ذهب . الفراء : العرب تقول عسعس
وسعسع إذا لم يبق منه إلا اليسير . الخليل وغيره : عسعس الليل إذا أقبل أو أدبر
. المبرد : هو من الأضداد , والمعنيان يرجعان إلى شيء واحد , وهو ابتداء الظلام في
أوله , وإدباره في آخره ; وقال علقمة بن قرط : حتى إذا الصبح لها تنفسا و انجاب
عنها ليلها وعسعسا وقال رؤبة : يا هند ما أسرع ما تسعسعا من بعد ما كان فتى سرعرعا
وهذه حجة الفراء . وقال امرؤ القيس : عسعس حتى لو يشاء آدنا كان لنا من ناره مقبس
فهذا يدل على الدنو . وقال الحسن ومجاهد : عسعس : أظلم , قال الشاعر : حتى إذا ما
ليلهن عسعسا ركبن من حد الظلام حندسا الماوردي : وأصل العس الامتلاء ; ومنه قيل
للقدح الكبير عس لامتلائه بما فيه , فأطلق على إقبال الليل لابتداء امتلائه ; وأطلق
على إدباره لانتهاء امتلائه على ظلامه ; لاستكمال امتلائه به . وأما قول امرئ القيس
. ألما على الربع القديم بعسعسا فموضع بالبادية . وعسعس أيضا اسم رجل ; قال الراجز :
وعسعس نعم الفتى تبياه أي تعتمده . ويقال للذئب العسعس والعسعاس والعساس ; لأنه يعس
بالليل ويطلب . ويقال للقنافذ العساعس لكثرة ترددها بالليل . قال أبو عمرو : والتعسعس
الشم , وأنشد : كمنخر الذنب إذا تعسعسا والتعسعس أيضا : طلب الصيد [ بالليل ] .
أي امتد حتى يصير نهارا واضحا ; يقال للنهار إذا زاد : تنفس . وكذلك الموج إذا نضح
الماء . ومعنى التنفس : خروج النسيم من الجوف . وقيل : { إذا تنفس }{ أي انشق وانفلق ;
ومنه تنفست القوس أي تصدعت .
هذا جواب القسم . والرسول الكريم جبريل ; قاله الحسن وقتادة والضحاك . والمعنى }{ إنه
لقول رسول }{ عن الله }{ كريم }{ على الله . وأضاف الكلام إلى جبريل عليه السلام , ثم
عداه عنه بقوله }{ تنزيل من رب العالمين } [ الواقعة : 80 ] ليعلم أهل التحقيق في
التصديق أن الكلام لله عز وجل . وقيل : هو محمد عليه الصلاة والسلام .
ذِي قُوَّةٍ من جعله جبريل فقوته ظاهرة فروى الضحاك عن ابن عباس قال : من قوته قلعه
مدائن قوم لوط بقوادم جناحه . عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ أي عند الله جل ثناؤهمَكِينٍ أي
ذي منزلة ومكانة ; فروي عن أبي صالح قال : يدخل سبعين سرادقا بغير إذن .
مُطَاعٍ أي في السموات ; قال ابن عباس : من طاعة الملائكة جبريل , أنه لما أسري
برسول الله صلى الله عليه وسلم قال جبريل عليه السلام لرضوان خازن الجنان : افتح له
, ففتح , فدخل ورأى ما فيها , وقال لمالك خازن النار : افتح له جهنم حتى ينظر إليها
, فأطاعه وفتح له . ثَمَّ أَمِينٍ أي مؤتمن على الوحي الذي يجيء به . ومن قال : إن
المراد محمد صلى الله عليه وسلم فالمعنى }{ ذي قوة }{ على تبليغ الرسالة }{ مطاع }{ أي
يطيعه من أطاع الله جل وعز .
يعني محمدا صلى الله عليه وسلم بمجنون حتى يتهم في قول . وهو من جواب القسم . وقيل :
أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يرى جبريل في الصورة التي يكون بها عند ربه جل
وعز فقال : ما ذاك إلي ; فأذن له الرب جل ثناؤه , فأتاه وقد سد الأفق , فلما نظر
إليه النبي صلى الله عليه وسلم خر مغشيا عليه , فقال المشركون : إنه مجنون , فنزلت
: { إنه لقول رسول كريم }{ وما صاحبكم بمجنون }{ وإنما رأى جبريل على صورته فهابه ,
وورد عليه ما لم تحتمل بنيته , فخر مغشيا عليه .
أي رأى جبريل في صورته , له ستمائة جناح .{ بالأفق المبين }{ أي بمطلع الشمس من قبل
المشرق ; لأن هذا الأفق إذا كان منه تطلع الشمس فهو مبين . أي من جهته ترى الأشياء
. وقيل : الأفق المبين : أقطار السماء ونواحيها ; قال الشاعر : أخذنا بآفاق السماء
عليكم لنا قمراها والنجوم الطوالع الماوردي : فعلى هذا , فيه ثلاثة أقاويل أحدها :
أنه رآه في أفق السماء الشرقي ; قاله سفيان . الثاني : في أفق السماء الغربي , حكاه
ابن شجرة . الثالث : أنه رآه نحو أجياد , وهو مشرق مكة ; قاله مجاهد . وحكى الثعلبي
عن ابن عباس , قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل : { إني أحب أن أراك في صورتك
التي تكون فيها في السماء }{ قال : لن تقدر على ذلك . قال : { بلى }{ قال : فأين تشاء
أن أتخيل لك ؟ قال : { بالأبطح }{ قال : لا يسعني . قال : { فبمنى }{ قال : لا يسعني
. قال : { فبعرفات }{ قال : ذلك بالحري أن يسعني . فواعده فخرج صلى الله عليه وسلم
للوقت , فإذا هو قد أقبل بخشخشة وكلكلة من جبال عرفات , قد ملأ ما بين المشرق
والمغرب , ورأسه في السماء ورجلاه في الأرض , فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم خر
مغشيا عليه , فتحول جبريل في صورته , وضمه إلى صدره . وقال : يا محمد لا تخف ; فكيف
لو رأيت إسرافيل ورأسه من تحت العرش ورجلاه في تخوم الأرض السابعة , وإن العرش على
كاهله , وإنه ليتضاءل أحيانا من خشية الله , حتى يصير مثل الوصع - يعني العصفور حتى
ما يحمل عرش ربك إلا عظمته . وقيل : إن محمدا عليه السلام رأى ربه عز وجل بالأفق
المبين . وهو معنى قول ابن مسعود . وقد مضى القول في هذا في }{ والنجم }{ مستوفى ,
فتأمله هناك . وفي }{ المبين }{ قولان : أحدهما أنه صفة الأفق ; قاله الربيع . الثاني
أنه صفة لمن رآه ; قاله مجاهد .
بالظاء , قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي , أي بمتهم , والظنة التهمة ; قال
الشاعر : أما وكتاب الله لا عن شناءة هجرت ولكن الظنين ظنين واختاره أبو عبيد ;
لأنهم لم يبخلوه ولكن كذبوه ; ولأن الأكثر من كلام العرب : ما هو بكذا , ولا يقولون
: ما هو على كذا , إنما يقولون : ما أنت على هذا بمتهم . وقرأ الباقون }{ بضنين }
بالضاد : أي ببخيل من ضننت بالشيء أضن ضنا [ فهو ] ضنين . فروى ابن أبي نجيح عن
مجاهد قال : لا يضن عليكم بما يعلم , بل يعلم الخلق كلام الله وأحكامه . وقال الشاعر
: أجود بمكنون الحديث وإنني بسرك عمن سالني لضنين والغيب : القرآن وخبر السماء . ثم
هذا صفة محمد عليه السلام . وقيل : صفة جبريل عليه السلام . وقيل : بظنين : بضعيف
. حكاه الفراء والمبرد ; يقال : رجل ظنين : أي ضعيف . وبئر ظنون : إذا كانت قليلة
الماء ; قال الأعشى : ما جعل الجد الظنون الذي جنب صوب اللجب الماطر مثل الفراتي
إذا ما طما يقذف بالبوصي والماهر والظنون : الدين الذي لا يدرى أيقضيه آخذه أم لا ؟
ومنه حديث علي عليه السلام في الرجل يكون له الدين الظنون , قال : يزكيه لما مضى
إذا قبضه إن كان صادقا . والظنون : الرجل السيئ الخلق ; فهو لفظ مشترك .
وَمَا هُوَ يعني القرآنبِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ أي مرجوم ملعون , كما قالت قريش
. قال عطاء : يريد بالشيطان الأبيض الذي كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة
جبريل يريد أن يفتنه .
قال قتادة : فإلى أين تعدلون عن هذا القول وعن طاعته . كذا روى معمر عن قتادة ; أي
أين تذهبون عن كتابي وطاعتي . وقال الزجاج : فأي طريقة تسلكون أبين من هذه الطريقة
التي بينت لكم . ويقال : أين تذهب ؟ وإلى أين تذهب ؟ وحكى الفراء عن العرب : ذهبت
الشام وخرجت العراق وانطلقت السوق : أي إليها . قال : سمعناه في هذه الأحرف الثلاثة
; وأنشدني بعض بني عقيل : تصيح بنا حنيفة إذ رأتنا وأي الأرض تذهب بالصياح يريد إلى
أي أرض تذهب , فحذف إلى . وقال الجنيد : معنى الآية مقرون بآية أخرى ; وهي قوله
تعالى : { وإن من شيء إلا عندنا خزائنه } [ الحجر : 21 ] المعنى : أي طريق تسلكون
أبين من الطريق الذي بينه الله لكم . وهذا معنى قول الزجاج .
أي يتبع الحق ويقيم عليه . وقال أبو هريرة وسليمان بن موسى : لما نزلت }{ لمن شاء
منكم أن يستقيم }{ قال أبو جهل : الأمر إلينا , إن شئنا استقمنا , وإن شئنا لم نستقم
- وهذا هو القدر ; وهو رأس القدرية - فنزلت : { وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب
العالمين } .
فبين بهذا أنه لا يعمل العبد خيرا إلا بتوفيق الله , ولا شرا إلا بخذلانه . وقال
الحسن : والله ما شاءت العرب الإسلام حتى شاءه الله لها . وقال وهب بن منبه : قرأت
في سبعة وثمانين كتابا مما أنزل الله على الأنبياء : من جعل إلى نفسه شيئا من
المشيئة فقد كفر . وفي التنزيل : { ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى
وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله } [ الأنعام : 111 ]
. وقال تعالى : { وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله } [ يونس : 100 ] . وقال تعالى
: { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء } [ القصص : 56 ] والآي في هذا
كثير , وكذلك الأخبار , وأن الله سبحانه هدى بالإسلام , وأضل بالكفر , كما تقدم في
غير موضع . ختمت السورة والحمد لله .
نهاية تفسير السورة - تفسير القرآن الكريم
End of Tafseer of The Surah - The Holy Quran Tafseer