Prev  

92. Surah Al-Lail سورة الليل

  Next  



تفسير القرطبي - الليل - Al-Lail -
 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
بِسْم ِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ
    +/- -/+  
الأية
1
 
أي يغطي . ولم يذكر معه مفعولا للعلم به . وقيل : يغشى النهار . وقيل : الأرض . وقيل : الخلائق . وقيل : يغشى كل شيء بظلمته . وروى سعيد عن قتادة قال : أول ما خلق الله النور والظلمة , ثم ميز بينهما , فجعل الظلمة ليلا أسود مظلما , والنور نهارا مضيئا مبصرا .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ
    +/- -/+  
 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ
    +/- -/+  
الأية
3
 
قال الحسن : معناه والذي خلق الذكر والأنثى فيكون قد أقسم بنفسه عز وجل . وقيل : معناه وخلق الذكر والأنثى ( فما )  : مصدرية على ما تقدم . وأهل مكة يقولون للرعد : سبحان ما سبحت له ( فما )  على هذا بمعنى ( من )  , وهو قول أبي عبيدة وغيره . وقد تقدم . وقيل : المعنى وما خلق من الذكر والأنثى فتكون }{ من }{ مضمرة , ويكون القسم منه بأهل طاعته , من أنبيائه وأوليائه , ويكون قسمه بهم تكرمة لهم وتشريفا . وقال أبو عبيدة : { وما خلق }{ أي من خلق . وكذا قوله : { والسماء وما بناها } [ الشمس : 5 ] , { ونفس وما سواها } [ الشمس : 7 ] , { ما }{ في هذه المواضع بمعنى من . وروي . ابن مسعود أنه كان يقرأ }{ والنهار إذا تجلى . والذكر والأنثى }{ ويسقط }{ وما خلق } . وفي صحيح مسلم عن علقمة قال : قدمنا الشام , فأتانا أبو الدرداء , فقال : فيكم أحد يقرأ علي قراءة عبد الله ؟ فقلت : نعم , أنا . قال : فكيف سمعت عبد الله يقرأ هذه الآية } والليل إذا يغشى }{ ؟ قال : سمعته يقرأ }{ والليل إذا يغشى . والذكر والأنثى }{ قال : وأنا والله هكذا سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرؤها , ولكن هؤلاء يريدون أن أقرأ }{ وما خلق }{ فلا أتابعهم . قال أبو بكر الأنباري : وحدثنا محمد بن يحيى المروزي قال حدثنا محمد قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال : أقرأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { إني أنا الرازق ذو القوة المتين }{ قال أبو بكر : كل من هذين الحديثين مردود بخلاف الإجماع له , وأن حمزة وعاصما يرويان عن عبد الله بن مسعود ما عليه جماعة المسلمين , والبناء على سندين يوافقان الإجماع أولى من الأخذ بواحد يخالفه الإجماع والأمة , وما يبنى على رواية واحد إذا حاذاه رواية جماعة تخالفه , أخذ برواية الجماعة , وأبطل نقل الواحد لما يجوز عليه من النسيان والإغفال . ولو صح الحديث عن أبي الدرداء وكان إسناده مقبولا معروفا , ثم كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة - رضي الله عنهم يخالفونه , لكان الحكم العمل بما روته الجماعة , ورفض ما يحكيه الواحد المنفرد , الذي يسرع إليه من النسيان ما لا يسرع إلى الجماعة , وجميع أهل الملة . وفي المراد بالذكر والأنثى قولان : أحدهما : آدم وحواء قاله ابن عباس والحسن والكلبي . الثاني : يعني جميع الذكور والإناث من بني آدم والبهائم ; لأن الله تعالى خلق جميعهم من ذكر وأنثى من نوعهم . وقيل : كل ذكر وأنثى من الآدميين دون البهائم لاختصاصهم بولاية الله وطاعته .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ
    +/- -/+  
الأية
4
 
هذا جواب القسم . والمعنى : إن عملكم لمختلف . وقال عكرمة وسائر المفسرين : السعي : العمل فساع في فكاك نفسه , وساع في عطبها يدل عليه قوله عليه السلام : ( الناس غاديان : فمبتاع نفسه فمعتقها , وبائع نفسه فموبقها )  . وشتى واحده شتيت مثل مريض ومرضى . وإنما قيل للمختلف شتى لتباعد ما بين بعضه وبعضه . أي إن عملكم لمتباعد بعضه من بعض ; لأن بعضه ضلالة وبعضه هدى . أي فمنكم مؤمن وبر , وكافر وفاجر , ومطيع وعاص . وقيل : { لشتى }{ أي لمختلف الجزاء فمنكم مثاب بالجنة , ومعاقب بالنار . وقيل : أي لمختلف الأخلاق فمنكم راحم وقاس , وحليم وطائش , وجواد وبخيل وشبه ذلك .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ
    +/- -/+  
الأية
5
 
قال ابن مسعود : يعني أبا بكر - رضي الله عنه - وقاله عامة المفسرين . فروى عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال : كان أبو بكر يعتق على الإسلام عجائز ونساء , قال : فقال له أبوه قحافة : أي بني لو أنك أعتقت رجالا جلدا يمنعونك ويقومون معك ؟ فقال : يا أبت إنما أريد ما أريد . وعن ابن عباس في قوله تعالى : { فأما من أعطى }{ أي بذل .{ واتقى }{ أي محارم الله التي نهى عنها .{ وصدق بالحسنى }{ أي بالخلف من الله تعالى على عطائه .{ فسنيسره لليسرى }{ وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا , ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا )  . وروى من حديث أبي الدرداء : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( ما من يوم غربت شمسه إلا بعث بجنبتها ملكان يناديان يسمعهما خلق الله كلهم إلا الثقلين : اللهم أعط منفقا خلفا , وأعط ممسكا تلفا )  فأنزل الله تعالى في ذلك في القرآن }{ فأما من أعطى " .. . الآيات . وقال أهل التفسير : { فأما من أعطى }{ المعسرين . وقال قتادة : أعطى حق الله تعالى الذي عليه . وقال الحسن : أعطى الصدق من قلبه .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ
    +/- -/+  
الأية
6
 
أي بلا إله إلا الله قاله الضحاك والسلمي وابن عباس أيضا . وقال مجاهد : بالجنة دليله قوله تعالى : { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } .. .[ يونس : 26 ] الآية . وقال قتادة : بموعود الله الذي وعده أن يثيبه . زيد بن أسلم : بالصلاة والزكاة والصوم . الحسن : بالخلف من عطائه وهو اختيار الطبري . وتقدم عن ابن عباس , وكله متقارب المعنى إذ كله يرجع إلى الثواب الذي هو الجنة .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ
    +/- -/+  
الأية
7
 
أي نرشده لأسباب الخير والصلاح , حتى يسهل عليه فعلها . وقال زيد بن أسلم : { لليسرى { للجنة . وفي الصحيحين والترمذي عن علي - رضي الله عنه - قال : كنا في جنازة بالبقيع , فأتى النبي صلى الله عليه وسلم - فجلس وجلسنا معه , ومعه عود ينكت به في الأرض , فرفع رأسه إلى السماء فقال : [ ما من نفس منفوسة إلا قد كتب مدخلها ] فقال القوم : يا رسول الله , أفلا نتكل على كتابنا ؟ فمن كان من أهل السعادة فانه يعمل للسعادة , ومن كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء . قال : [ بل اعملوا فكل ميسر أما من كان من أهل السعادة فإنه ييسر لعمل السعادة , وأما من كان من أهل الشقاء فإنه ييسر لعمل الشقاء - ثم قرأ - { فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى , فسنيسره لليسرى , وأما من بخل واستغنى , وكذب بالحسنى , فسنيسره للعسرى } ] لفظ الترمذي . وقال فيه : حديث حسن صحيح . وسأل غلامان شابان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالا : العمل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير ؟ أم في شيء يستأنف ؟ فقال عليه السلام : [ بل فيما جفت به الأقلام , وجرت به المقادير ] قالا : ففيم العمل ؟ قال : [ اعملوا فكل ميسر لعمل الذي خلق له ] قالا : فالآن نجد ونعمل .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ
    +/- -/+  
الأية
8
 
أي ضن بما عنده , فلم يبذل خيرا . وقد تقدم بيانه وثمرته في الدنيا في سورة }{ آل عمران } . وفي الآخرة مآله النار , كما في هذه الآية . روى الضحاك عن ابن عباس } فسنيسره للعسرى }{ قال : سوف أحول بينه وبين الإيمان بالله وبرسوله . وعنه عن ابن عباس قال : نزلت في أمية بن خلف وروى عكرمة عن ابن عباس : { وأما من بخل واستغنى } يقول : بخل بماله , واستغنى عن ربه . مسألة : قال العلماء : ثبت بهذه الآية وبقوله : { ومما رزقناهم ينفقون } [ البقرة : 3 ] , وقوله : { الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية } [ البقرة : 274 ] إلى غير ذلك من الآيات - أن الجود من مكارم الأخلاق , والبخل من أرذلها . وليس الجواد الذي يعطي في غير موضع العطاء , ولا البخيل الذي يمنع في موضع المنع , لكن الجواد الذي يعطي في موضع العطاء , والبخيل الذي يمنع في موضع العطاء , فكل من استفاد بما يعطي أجرا وحمدا فهو الجواد . وكل من استحق بالمنع ذما أو عقابا فهو البخيل . ومن لم يستفد بالعطاء أجرا ولا حمدا , وإنما استوجب به ذما فليس بجواد , وإنما هو مسوف مذموم , وهو من المبذرين الذين جعلهم الله إخوان الشياطين , وأوجب الحجر عليهم . ومن لم يستوجب بالمنع عقابا ولا ذما , واستوجب به حمدا , فهو من أهل الرشد , الذين يستحقون القيام على أموال غيرهم , بحسن تدبيرهم وسداد رأيهم .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ
    +/- -/+  
الأية
9
 
أي بالخلف . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد : { وكذب بالحسنى }{ قال : بالجنة . وبإسناد عنه آخر قال }{ بالحسنى }{ أي بلا إله إلا الله .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ
    +/- -/+  
الأية
10
 
فسنيسره }{ أي نسهل طريقه .. .{ للعسرى }{ أي للشر . وعن ابن مسعود : للنار . وقيل : أي فسنعسر عليه أسباب الخير والصلاح حتى يصعب عليه فعلها . وقد تقدم أن الملك ينادي صباحا ومساء : [ اللهم أعط منفقا خلفا , وأعط ممسكا تلفا ] . رواه أبو الدرداء . قال الفراء : يقول القائل : كيف قال : { فسنيسره للعسرى }{ ؟ وهل في العسرى تيسير ؟ فيقال في الجواب : هذا في إجازته بمنزلة قوله عز وجل : { فبشرهم بعذاب أليم } [ آل عمران : 21 ] , والبشارة في الأصل على المفرح والسار , فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر , جاءت البشارة فيهما . وكذلك التيسير في الأصل على المفرح , فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر , جاء التيسير فيهما جميعا . قال الفراء : وقوله تعالى : { فسنيسره } : سنهيئه . والعرب تقول : قد يسرت الغنم : إذا ولدت أو تهيأت للولادة . قال : هما سيدانا يزعمان وإنما يسوداننا أن يسرت غنماهما .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ
    +/- -/+  
الأية
11
 
أي مات . يقال : ردي الرجل يردى ردى : إذا هلك . قال : صرفت الهوى عنهن من خشية الردى وقال أبو صالح وزيد بن أسلم : { إذا تردى } : سقط في جهنم ومنه المتردية . ويقال : ردي في البئر وتردى : إذا سقط في بئر , أو تهور من جبل . يقال : ما أدري أين ردي ؟ أي أين ذهب . و }{ ما } : يحتمل أن تكون جحدا أي ولا يغني عنه ماله شيئا ويحتمل أن تكون استفهاما معناه التوبيخ أي أي شيء يغني عنه إذا هلك ووقع في جهنم .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ
    +/- -/+  
الأية
12
 
أي إن علينا أن نبين طريق الهدى من طريق الضلالة . فالهدى : بمعنى بيان الأحكام , قاله الزجاج . أي على الله البيان , بيان حلال وحرامه , وطاعته ومعصيته قاله قتادة . وقال الفراء : من سلك الهدى فعلى الله سبيله لقوله : { وعلى الله قصد السبيل } [ النحل : 9 ] يقول : من أراد الله فهو على السبيل القاصد . وقيل : معناه إن علينا للهدى والإضلال , فترك الإضلال كقوله : { بيدك الخير } [ آل عمران : 26 ] , و } بيده ملكوت كل شيء } [ يس : 83 ] . وكما قال : { سرابيل تقيكم الحر } [ النحل : 81 ] وهي تقي البرد عن الفراء أيضا . وقيل : أي إن علينا ثواب هداه الذي هديناه .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَىٰ
    +/- -/+  
الأية
13
 
للآخرة }{ الجنة .{ والأولى }{ الدنيا . وكذا روى عطاء عن ابن عباس . أي الدنيا والآخرة لله تعالى . وروى أبو صالح عن ابن عباس قال : ثواب الدنيا والآخرة , وهو كقوله تعالى : { من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة } [ النساء : 134 ] فمن طلبهما من غير مالكهما فقد أخطأ الطريق .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّىٰ
    +/- -/+  
الأية
14
 
فَأَنْذَرْتُكُمْ أي حذرتكم وخوفتكم . نَارًا تَلَظَّى أي تلهب وتتوقد وأصله تتلظى . وهي قراءة عبيد بن عمير , ويحيى بن يعمر , وطلحة بن مصرف .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى
    +/- -/+  
الأية
15
 
لَا يَصْلَاهَا أي لا يجد صلاها وهو حرها . إِلَّا الْأَشْقَى أي الشقي . وقال : الفراء : { إلا الأشقى }{ إلا من كان شقيا في علم الله جل ثناؤه . وروى الضحاك عن ابن عباس قال : { لا يصلاها إلا الأشقى }{ أمية بن خلف ونظراؤه الذين كذبوا محمدا - صلى الله عليه وسلم - وقال قتادة : كذب بكتاب الله , وتولى عن طاعة الله . وقال الفراء : لم يكن كذب برد ظاهر , ولكنه قصر عما أمر به من الطاعة فجعل تكذيبا , كما تقول : لقي فلان العدو فكذب : إذا نكل ورجع عن اتباعه . قال : وسمعت أبا ثروان يقول : إن بني نمير ليس لجدهم مكذوبة . يقول : إذا لقوا صدقوا القتال , ولم يرجعوا . وكذلك قوله جل ثناؤه : { ليس لوقعتها كاذبة } [ الواقعة : 2 ] يقول : هي حق . وسمعت سلم بن الحسن يقول : سمعت أبا إسحاق الزجاج يقول : هذه الآية التي من أجلها قال أهل الإرجاء بالإرجاء , فزعموا أنه لا يدخل النار إلا كافر لقوله جل ثناؤه : { لا يصلاها إلا الأشقى . الذي كذب وتولى }{ وليس الأمر كما ظنوا . هذه نار موصوفة بعينها , لا يصلى هذه النار إلا الذي كذب وتولى . ولأهل النار منازل فمنها أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار والله سبحانه كل ما وعد عليه بجنس من العذاب فجائز أن يعذب به . وقال جل ثناؤه : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } [ النساء : 48 ] , فلو كان كل من لم يشرك لم يعذب , لم يكن في قوله : { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }{ فائدة , وكان }{ ويغفر ما دون ذلك }{ كلاما لا معنى له . الزمخشري : الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين , فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين فقيل : الأشقى , وجعل مختصا بالصلي , كأن النار لم تخلق إلا له وقيل : الأتقى , وجعل مختصا بالجنة , كأن الجنة لم تخلق إلا له وقيل : هما أبو جهل أو أمية بن خلف . وأبو بكر - رضي الله عنه -

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
&# الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ
    +/- -/+  
الأية
16
 
الذي كذب }{ بنبي الله محمد - صلى الله عليه وسلم - { وتولى }{ أي أعرض عن الإيمان . وروى مكحول عن أبي هريرة قال : كل يدخل الجنة إلا من أباها . قال : يا أبا هريرة , ومن يأبى أن يدخل الجنة ؟ قال : الذي كذب وتولى . وقال مالك : صلى بنا عمر بن عبد العزيز المغرب , فقرأ }{ والليل إذا يغشى }{ فلما بلغ }{ فأنذرتكم نارا تلظى }{ وقع عليه البكاء , فلم يقدر يتعداها من البكاء , فتركها وقرأ سورة أخرى .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى
    +/- -/+  
الأية
17
 
وَسَيُجَنَّبُهَا أي يكون بعيدا منها . الْأَتْقَى أي المتقي الخائف . قال ابن عباس : هو أبو بكر - رضي الله عنه - يزحزح عن دخول النار .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ
    +/- -/+  
الأية
18
 
ثم وصف الأتقى فقال : { الذي يؤتي ماله يتزكى }{ أي يطلب أن يكون عند الله زاكيا , ولا يطلب بذلك رياء ولا سمعة , بل يتصدق به مبتغيا به وجه الله تعالى . وقال بعض أهل المعاني : أراد بقوله }{ الأتقى }{ و }{ الأشقى }{ أي التقي والشقي كقول طرفة : تمنى رجال أن أموت وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد أي واحد ووحيد وتوضع ( أفعل )  موضع فعيل , نحو قولهم : الله أكبر بمعنى كبير , { وهو أهون عليه } [ الروم : 27 ] بمعنى هين .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَىٰ
    +/- -/+  
الأية
19
 
أي ليس يتصدق ليجازى على نعمة , إنما يبتغي وجه ربه الأعلى , أي المتعالي }{ ولسوف يرضى }{ أي بالجزاء . فروى عطاء والضحاك عن ابن عباس قال : عذب المشركون بلالا , وبلال يقول أحد أحد فمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : [ أحد - يعني الله تعالى - ينجيك ] ثم قال لأبي بكر : [ يا أبا بكر إن بلالا يعذب في الله ] فعرف أبو بكر الذي يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانصرف إلى منزله , فأخذ رطلا من ذهب , ومضى به إلى أمية بن خلف , فقال له : أتبيعني بلالا ؟ قال : نعم فاشتراه فأعتقه . فقال المشركون : ما أعتقه أبو بكر إلا ليد كانت له عنده فنزلت }{ وما لأحد عنده }{ أي عند أبي بكر }{ من نعمة } , أي من يد ومنة , { تجزى }{ بل }{ ابتغاء }{ بما فعل }{ وجه ربه الأعلى } . وقيل : اشترى أبو بكر من أمية وأبي بن خلف بلالا , ببردة وعشر أواق , فأعتقه لله , فنزلت : { إن سعيكم لشتى } [ الليل : 4 ] . وقال سعيد بن المسيب : بلغني أن أمية بن خلف قال لأبي بكر حين قال له أبو بكر : أتبيعنيه ؟ فقال : نعم , أبيعه بنسطاس , وكان نسطاس عبدا لأبي بكر , صاحب عشرة آلاف دينار وغلمان وجوار ومواش , وكان مشركا , فحمله أبو بكر على الإسلام , على أن يكون له ماله , فأبى , فباعه أبو بكر به . فقال المشركون : ما فعل أبو بكر ببلال هذا إلا ليد كانت لبلال عنده فنزلت }{ وما لأحد عنده من نعمة تجزى . إلا ابتغاء }{ أي لكن ابتغاء فهو استثناء منقطع فلذلك نصبت . كقولك : ما في الدار أحد إلا حمارا . ويجوز الرفع . وقرأ يحيى بن وثاب }{ إلا ابتغاء وجه ربه }{ بالرفع , على لغة من يقول : يجوز الرفع في المستثنى . وأنشد في اللغتين قول بشر بن أبي خازم : أضحت خلاء قفارا لا أنيس بها إلا الجآذر والظلمان تختلف وقول القائل : وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس وفي التنزيل : { ما فعلوه إلا قليل منهم } [ النساء : 66 ] وقد تقدم .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَىٰ
    +/- -/+  
الأية
20
 
أي مرضاته وما يقرب منه . و }{ الأعلى }{ من نعت الرب الذي استحق صفات العلو . ويجوز أن يكون }{ ابتغاء وجه ربه }{ مفعولا له على المعنى ; لأن معنى الكلام : لا يؤتي ماله إلا ابتغاء وجه ربه , لا لمكافأة نعمته .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ
    +/- -/+  
الأية
21
 
أي سوف يعطيه في الجنة ما يرضي وذلك أنه يعطيه أضعاف ما أنفق . وروى أبو حيان التيمي عن أبيه عن علي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ رحم الله أبا بكر زوجني ابنته , وحملني إلى دار الهجرة , وأعتق بلالا من ماله ] . ولما اشتراه أبو بكر قال له بلال : هل اشتريتني لعملك أو لعمل الله ؟ قال : بل لعمل الله قال : فذرني وعمل الله , فأعتقه . وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول : أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلالا - رضي الله عنه . وقال عطاء - وروى عن ابن عباس - : إن السورة نزلت في أبي الدحداح في النخلة التي اشتراها بحائط له , فيما ذكر الثعلبي عن عطاء . وقال القشيري عن ابن عباس : بأربعين نخلة ولم يسم الرجل . قال عطاء : كان لرجل من الأنصار نخلة , يسقط من بلحها في دار جار له , فيتناوله صبيانه , فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم - فقال النبي صلى الله عليه وسلم - [ تبيعها بنخلة في الجنة ] ؟ فأبى فخرج فلقيه أبو الدحداح فقال : هل لك أن تبيعنيها ب }{ حسنى } : حائط له . فقال : هي لك . فأتى أبو الدحداح إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : يا رسول الله , اشترها مني بنخلة في الجنة . قال : [ نعم , والذي نفسي بيده ] فقال : هي لك يا رسول الله , فدعا النبي صلى الله عليه وسلم - جار الأنصاري , فقال : [ خذها ] فنزلت }{ والليل إذا يغشى } [ الليل : 1 ] إلى آخر السورة في بستان أبي الدحداح وصاحب النخلة .{ فأما من أعطى واتقى }{ يعني أبا الدحداح .{ وصدق بالحسنى }{ أي بالثواب .{ فسنيسره لليسرى } : يعني الجنة .{ وأما من بخل واستغنى } يعني الأنصاري .{ وكذب بالحسنى }{ أي بالثواب .{ فسنيسره للعسرى } , يعني جهنم .{ وما يغني عنه ماله إذا تردى }{ أي مات . إلى قوله : { لا يصلاها إلا الأشقى }{ يعني بذلك الخزرجي وكان منافقا , فمات على نفاقه .{ وسيجنبها الأتقى }{ يعني أبا الدحداح .{ الذي يؤتي ماله يتزكى }{ في ثمن تلك النخلة .{ ما لأحد عنده من نعمة تجزى } يكافئه عليها يعني أبا الدحداح .{ ولسوف يرضى }{ إذا أدخله الله الجنة . والأكثر أن السورة نزلت في أبي بكر - رضي الله عنه - وروي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وعبد الله بن الزبير وغيرهم . وقد ذكرنا خبرا آخر لأبي الدحداح في سورة }{ البقرة } , عند قوله : { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا } .

نهاية تفسير السورة - تفسير القرآن الكريم
End of Tafseer of The Surah - The Holy Quran Tafseer



 


© EsinIslam.Com Designed & produced by The Awqaf London. Please pray for us