Prev  

7. Surah Al-A'râf سورة الأعراف

  Next  



تفسير ابن كثير - الأعراف - Al-A`raf -
 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
بِسْم ِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
المص
    +/- -/+  
الأية
1
 
سورة الأعراف. قد تقدم الكلام في أول سورة البقرة على ما يتعلق بالحروف وبسطه واختلاف الناس فيه قال ابن جرير حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا أبي عن شريك عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى عن ابن عباس { المص } أنا الله أفصل.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ
    +/- -/+  
الأية
2
 
قال سعيد بن جبير { كتاب أنزل إليك } أي هذا كتاب أنزل إليك أي من ربك { فلا يكن في صدرك حرج منه } قال مجاهد وقتادة والسدي شك منه وقيل لا تتحرج به في إبلاغه والإنذار به { فاصبر كما صبرا أولوا العزم من الرسل } ولهذا قال { لتنذر به } أي أنزلناه إليك لتنذر به الكافرين { وذكرى للمؤمنين }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ
    +/- -/+  
الأية
3
 
قال تعالى مخاطبا للعالم { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم } أي اقتفوا آثار النبي الأمي الذي جاءكم بكتاب أنزل إليكم من رب كل شيء ومليكه { ولا تتبعوا من دونه أولياء } أي لا تخرجوا عما جاءكم به الرسول إلى غيره فتكونوا قد عدلتم عن حكم الله إلى حكم غيره { قليلا ما تذكرون } كقوله { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } وقوله { وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله } الآية. وقوله { وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ
    +/- -/+  
الأية
4
 
يقول الله تعالى { وكم من قرية أهلكناها } أي بمخالفة رسلنا وتكذيبهم فأعقبهم ذلك خزي في الدنيا موصولا بذل الآخرة كما قال تعالى { ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون } وكقوله { فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد } وقال تعالى { وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين } وقوله { فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون } أي فكان منهم من جاءه أمر الله وبأسه ونقمته بياتا أي ليلا أو هم قائلون من القيلولة وهي الاستراحة وسط النهار وكلا الوقتين وقت غفلة ولهو كما قال { أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون } وقال { أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرءوف رحيم }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ
    +/- -/+  
الأية
5
 
قوله { فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين } أي فما كان قولهم عند مجيء العذاب إلا أن اعترفوا بذنوبهم وأنهم حقيقون بهذا كقوله تعالى { وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة - إلى قوله - خامدين } قال ابن جرير: في هذه الآية الدلالة الواضحة على صحة ما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله { ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم } حدثنا بذلك ابن حميد حدثنا جرير عن أبي سنان عن عبد الملك بن ميسرة الزراد قال: قال عبد الله بن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم } قال: قلت لعبد الملك كيف يكون ذاك قال فقرأ هذه الآية { فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ
    +/- -/+  
الأية
6
 
قوله { فلنسألن الذين أرسل إليهم } الآية. كقوله { ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين } وقوله { يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب } فيسأل الله الأمم يوم القيامة عما أجابوا رسله فيما أرسلهم به ويسأل الرسل أيضا عن إبلاغ رسالاته ولهذا قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه الآية { فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين } قال عما بلغوا وقال ابن مردوية حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن حدثنا أبو سعيد الكندي حدثنا المحاربي عن ليث عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالإمام يسأل عن رعيته والرجل يسأل عن أهله والمرأة تسأل عن بيت زوجها والعبد يسأل عن مال سيده } . قال الليث وحدثني ابن طاوس مثله ثم قرأ { فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين } وهذا الحديث مخرج في الصحيحين بدون هذه الزيادة.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ ۖ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ
    +/- -/+  
الأية
7
 
قال ابن عباس في قوله { فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين } يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون { وما كنا غائبين } يعني أنه تعالى يخبر عباده يوم القيامة بما قالوا وبما عملوا من قليل وكثير وجليل وحقير لأنه تعالى الشهيد على كل شيء لا يغيب عنه شيء ولا يغفل عن شيء بل هو العالم بخائنة الأعين وما تخفي الصدور { وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ۚ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
    +/- -/+  
الأية
8
 
يقول تعالى { والوزن } أي للأعمال يوم القيامة { الحق } أي لا يظلم تعالى أحدا كقوله { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفي بنا حاسبين } وقال تعالى { إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما } وقال تعالى { فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ما هيه نار حامية }. وقال تعالي { فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون }. { فصل } والذي يوضع في الميزان يوم القيامة قيل الأعمال لأن كانت أعراضا إلا أن الله تعالى يقلبها يوم القيامة أجساما قال البغوي يروى نحو هذا عن ابن عباس كما جاء في الصحيح من أن البقرة وآل عمران يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيابتان أو فرقان من طير صواف. ومن ذلك في الصحيح قصة القرآن وإنه يأتي صاحبه في صورة شاب شاحب اللون فيقول من أنت فيقول أنا القرآن الذي أسهرت ليلك وأظمأت نهارك. وفي حديث البراء في قصة سؤال القبر { فيأتي المؤمن شاب حسن اللون طيب الريح فيقول من أنت؟ فيقول أنا عملك الصالح { وذكر عكسه في شأن الكافر والمنافق وقيل يوزن كتاب الأعمال كما جاء في حديث البطاقة في الرجل الذي يؤتى به ويوضع له في كفة تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر ثم يؤتى بتلك البطاقة فيها لا إله إلا الله فيقول يا رب وما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول الله تعالى إنك لا تظلم. فتوضع تلك البطاقة في كفة الميزان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { فطاشت السجلات وثقلت البطاقة } رواه الترمذي بنحو من هذا وصححه وقيل يوزن صاحب العمل كما في الحديث { يؤتى يوم القيامة بالرجل السمين فلا يزن عند الله جناح بعوضة { ثم قرأ { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا } وفي مناقب عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أتعجبون من دقة ساقيه والذي نفسي بيده لهما في الميزان أثقل من أحد { وقد يمكن الجمع بين هذه الآثار بأن يكون ذلك كله صحيحا فتارة توزن الأعمال وتارة توزن محالها وتارة يوزن فاعلها والله أعلم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ
    +/- -/+  
الأية
9
 
يقول تعالى { والوزن } أي للأعمال يوم القيامة { الحق } أي لا يظلم تعالى أحدا كقوله { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفي بنا حاسبين } وقال تعالى { إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما } وقال تعالى { فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ما هيه نار حامية }. وقال تعالي { فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون }. { فصل } والذي يوضع في الميزان يوم القيامة قيل الأعمال لأن كانت أعراضا إلا أن الله تعالى يقلبها يوم القيامة أجساما قال البغوي يروى نحو هذا عن ابن عباس كما جاء في الصحيح من أن البقرة وآل عمران يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيابتان أو فرقان من طير صواف. ومن ذلك في الصحيح قصة القرآن وإنه يأتي صاحبه في صورة شاب شاحب اللون فيقول من أنت فيقول أنا القرآن الذي أسهرت ليلك وأظمأت نهارك. وفي حديث البراء في قصة سؤال القبر { فيأتي المؤمن شاب حسن اللون طيب الريح فيقول من أنت؟ فيقول أنا عملك الصالح { وذكر عكسه في شأن الكافر والمنافق وقيل يوزن كتاب الأعمال كما جاء في حديث البطاقة في الرجل الذي يؤتى به ويوضع له في كفة تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر ثم يؤتى بتلك البطاقة فيها لا إله إلا الله فيقول يا رب وما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول الله تعالى إنك لا تظلم. فتوضع تلك البطاقة في كفة الميزان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { فطاشت السجلات وثقلت البطاقة } رواه الترمذي بنحو من هذا وصححه وقيل يوزن صاحب العمل كما في الحديث { يؤتى يوم القيامة بالرجل السمين فلا يزن عند الله جناح بعوضة { ثم قرأ { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا } وفي مناقب عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أتعجبون من دقة ساقيه والذي نفسي بيده لهما في الميزان أثقل من أحد { وقد يمكن الجمع بين هذه الآثار بأن يكون ذلك كله صحيحا فتارة توزن الأعمال وتارة توزن محالها وتارة يوزن فاعلها والله أعلم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ ۗ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ
    +/- -/+  
الأية
10
 
يقول تعالى ممتنا على عبيده فيما مكن لهم من أنه جعل الأرض قرارا وجعل فيها رواسي وأنهارا وجعل لهم فيها منازل وبيوتا وأباح لهم منافعها وسخر لهم السحاب لإخراج أرزاقهم منها وجعل لهم فيها معايش أي مكاسب وأسبابا يكسبون بها ويتجرون فيها ويتسببون أنواع الأسباب وأكثرهم مع هذا قليل الشكر على ذلك كقوله { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار } وقد قرأ الجميع معايش بلا همز إلا عبد الرحمن بن هرمز الأعرج فإنه همزها والصواب الذي عليه الأكثرون بلا همز لأن معايش جمع معيشة من عاش يعيش عيشا ومعيشة أصلها معيشة فاستثقلت الكسرة على الياء فنقلت إلى العين فصارت معيشة فلما جمعت رجعت الحركة إلى الياء لزوال الاستثقال فقيل معايش ووزنه مفاعل لأن الياء أصلية في الكلمة بخلاف مدائن وصحائف وبصائر جمع مدينة وصحيفة وبصيرة من مدن وصحف وأبصر فإن الياء فيها زائدة ولهذا تجمع على فعائل وتهمز لذلك والله أعلم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ
    +/- -/+  
الأية
11
 
ينبه تعالى بني آدم في هذا المقام على شرف أبيهم آدم ويبين لهم عداوة عدوهم إبليس وما هو منطو عليه من الحسد لهم ولأبيهم آدم ليحذروه ولا يتبعوا طرائقه فقال تعالى { ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا } وهذا كقوله تعالى { وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين } وذلك أنه تعالى لما خلق آدم عليه السلام بيده من طين لازب وصوره بشرا سويا ونفخ فيه من روحه أمر الملائكة بالسجود له تعظيما لشأن الله تعالى وجلاله فسمعوا كلهم وأطاعوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين وقد تقدم الكلام على إبليس في أول سورة البقرة. وهذا الذين قررناه هو اختيار ابن جرير أن المراد بذلك كله آدم عليه السلام. وقال سفيان الثوري عن الأعمش عن منهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس { ولقد خلقناكم ثم صورناكم } قال خلقوا في أصلاب الرجال وصوروا في أرحام النساء. رواه الحاكم. وقال صحيح على شرطهما ولم يخرجاه ونقل ابن جرير عن بعض السلف أيضا أن المراد بخلقناكم ثم صورناكم الذرية. وقال الربيع بن أنس والسدي وقتادة والضحاك في هذه الآية { ولقد خلقناكم ثم صورناكم } أي خلقنا آدم ثم صورنا الذرية وهذا فيه نظر لأنه قال بعده { ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم } فدل على أن المراد بذلك آدم وإنما قيل ذلك بالجمع لأنه أبو البشر كما يقول الله تعالى لبني إسرائيل الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم { وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى } والمراد بالآباء آباؤهم الذين كانوا في زمن موسى ولكن لما كان ذلك منة على الآباء الذين هم أصل صار كأنه واقع على الأبناء وهذا بخلاف قوله { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } الآية. فإن المراد منه آدم المخلوق من السلاله وذريته مخلوقون من نطفة وصح هذا لأن المراد من خلقنا الإنسان الجنس لا معينا والله أعلم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ
    +/- -/+  
الأية
12
 
قال بعض النحاة في توجيه قوله تعالى { ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك } لا هنا زائدة وقال بعضهم زيدت لتأكيد الجحد كقول الشاعر: ما إن رأيت ولا سمعت بمثله. فأدخل { إن } وهي للنفي على ما النافية لتأكيد النفي قالوا وكذا هنا { ما منعك أن لا تسجد } مع تقدم قوله { لم يكن من الساجدين } حكاهما ابن جرير وردهما واختار أن منعك مضمن معنى فعل آخر تقديره ما أحرجك وألزمك واضطرك أن لا تسجد إذ أمرتك ونحو هذا. وهذا القول قوي حسن والله أعلم وقول إبليس لعنه الله { أنا خير منه } من العذر الذي هو أكبر من الذنب كأنه امتنع من الطاعة لأنه لا يؤمر الفاضل بالسجود للمفضول يعني لعنه الله وأنا خير منه فكيف تأمرني بالسجود له؟ ثم بين أنه خير منه بأنه خلق من نار والنار أشرف مما خلقته منه وهو الطين فنظر اللعين إلى أصل العنصر ولم ينظر إلى التشريف العظيم وهو أن الله تعالى خلق آدم بيده ونفخ فيه من روحه وقاس قياسا فاسدا في مقابلة نص قوله تعالى { فقعوا له ساجدين } فشذ من بين الملائكة لترك السجود فلهذا أبلس من الرحمة أي أويس من الرحمة فأخطأ قبحه الله في قياسه ودعواه أن النار أشرف من الطين أيضا فإن الطين من شأنه الرزانة والحلم والأناة والتثبت والطين محل النبات والنمو والزيادة والإصلاح والنار من شأنها الإحراق والطيش والسرعة ولهذا خان إبليس عنصره ونفع آدم عنصره بالرجوع والإنابة والإستكانه والانقياد والاستسلام لأمر الله والاعتراف وطلب التوبة والمغفرة وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { خلقت الملائكة من نور وخلق إبليس من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم }. هكذا رواه مسلم وقال ابن مردويه حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن مسعود حدثنا نعيم بن حماد حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { خلق الله الملائكة من نور العرش وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم }. قلت لنعيم بن حماد أين سمعت هذا من عبد الرزاق؟ قال باليمن وفي بعض ألفاظ هذا الحديث في غير الصحيح { وخلقت الحور العين من الزعفران } وقال ابن جرير حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثنا محمد بن كثير عن ابن شوذب عن مطر الوراق عن الحسن في قوله { خلقتني من نار وخلقته من طين }. قال قاس إبليس وهو أول من قاس إسناده صحيح وقال حدثني عمر بن مالك حدثنا يحيي بن سليم الطائفي عن هشام عن ابن سيرين قال أول من قاس إبليس وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقايس إسناد صحيح أيضا.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ
    +/- -/+  
الأية
13
 
يقول تعالى مخاطبا لإبليس بأمر قدري كوني { فاهبط منها } أي بسبب عصيانك لأمري وخروجك عن طاعتي فما يكون لك أن تتكبر فيها قال كثير من المفسرين الضمير عائد إلى الجنة ويحتمل أن يكون عائدا إلى المنزلة التي هو فيها في الملكوت الأعلى { فأخرج إنك من الصاغرين } أي الذليلين الحقيرين معاملة له بنقيض قصده ومكافأة لمراده بضده فعند ذلك استدرك اللعين وسأل النظرة إلى يوم الدين.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ
    +/- -/+  
الأية
14
 
قال { أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين } أجابه تعالى إلى ما سأل لما له في ذلك من الحكمة والإرادة والمشيئة التي لا تخالف ولا تمانع ولا معقب لحكمه { وهو سريع الحساب }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ
    +/- -/+  
الأية
15
 
قال { أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين } أجابه تعالى إلى ما سأل لما له في ذلك من الحكمة والإرادة والمشيئة التي لا تخالف ولا تمانع ولا معقب لحكمه { وهو سريع الحساب }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ
    +/- -/+  
الأية
16
 
يخبر تعالى أنه لما أنظر إبليس { إلى يوم يبعثون } واستوثق إبليس بذلك أخذ في المعاندة والتمرد فقال { فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم } أي كما أغويتني قال ابن عباس كما أضللتني وقال غيره كما أهلكتني لأقعدن لعبادك الذين تخلقهم من ذرية هذا الذي أبعدتني بسببه على { صراطك المستقيم } أي طريق الحق وسبيل النجاة ولأضلنهم عنها لئلا يعبدوك ولا يوحدوك بسبب إضلالك إياي وقال بعض النحاة الباء هنا قسمية كأنه يقول فبأغوائك إياي لأقعدن لهم صراطك المستقيم. قال مجاهد صراطك المستقيم يعني الحق. وقال محمد بن سوقة عن عون بن عبد الله يعني طريق مكة قال ابن جرير الصحيح أن الصراط المستقيم أعم من ذلك. { قلت } لما روى الإمام أحمد حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا أبو عقيل يعني الثقفي عبد الله بن عقيل حدثنا موسى بن المسيب أخبرني سالم بن أبي الجعد عن سبرة بن أبي الفاكه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { إن الشيطان قعد لابن آدم بطرقه فقعد له بطريق الإسلام فقال أتسلم وتذر دينك ودين آبائك قال فعصاه وأسلم } قال { قعد له بطريق الهجرة فقال أتهاجر وتدع أرضك وسماءك وإنما مثل المهاجر كالفرس في الطول فعصاه وهاجر ثم قعد له بطريق الجهاد وهو جهاد النفس والمال فقال: تقاتل فتقل فتنكح المرأة ويقسم المال قال فعصاه وجاهد }. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { فمن فعل ذلك منهم فمات كان حقا على الله أن يدخله الجنة وإن قتل كان حقا على الله أن يدخله الجنة وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة أو وقصته دابة كان حقا على الله أن يدخله الجنة }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ
    +/- -/+  
الأية
17
 
قوله { ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم } الآية. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { ثم لآتينهم من بين أيديهم } أشككهم في آخرتهم { ومن خلفهم } أرغبهم في دنياهم { وعن أيمانهم } أشبه عليهم أمر دينهم { وعن شمائلهم } أشهي لهم المعاصي. وقال ابن أبي طلحة في رواية العوفي كلاهما عن ابن عباس أما من بين أيديهم فمن قبل دنياهم وأما من خلفهم فأمر آخرتهم وأما عن أيمانهم فمن قبل حسناتهم وأما عن شمائلهم فمن قبل سيئاتهم وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أتاهم من بين أيديهم فأخبرهم أنه لا بعث ولا جنة ولا نار ومن خلفهم من أمر الدنيا فزينها لهم ودعاهم إليها وعن أيمانهم من قبل حسناتهم بطأهم عنها وعن شمائلهم زين لهم السيئات والمعاصي ودعاهم إليها وأمرهم بها آتاك يا ابن آدم من كل وجه غير أنه لم يأتك من فوقك لم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله. وكذا روى عن إبراهيم النخعي والحكم بن عيينة والسدي وابن جريج إلا أنهم قالوا من بين أيديهم الدنيا ومن خلفهم الآخرة وقال مجاهد من بين أيديهم وعن أيمانهم من حيث يبصرون ومن خلفهم وعن شمائلهم حيث لا يبصرون واختار ابن جرير أن المراد جميع طرق الخير والشر فالخير يصدهم عنه والشر يحسنه لهم وقال الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس في قوله { ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن إيمانهم وعن شمائلهم } ولم يقل من فوقهم لأن الرحمة تنزل من فوقهم وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { ولا تجد أكثرهم شاكرين } قال موحدين وقول إبليس هذا إنما هو ظن منه وتوهم وقد وافق في هذا الواقع كما قال تعالى { ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ }. ولهذا ورد في الحديث الاستعاذة من تسلط الشيطان على الإنسان من جهاته كلها كما قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده حدثنا نصر بن علي حدثنا عمرو بن مجمع عن يونس بن خباب عن ابن جبير بن مطعم يعني نافع بن جبير عن ابن عباس وحدثنا عمر بن الخطاب يعني السجستاني حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا عبد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن يونس بن خباب عن ابن جبير بن مطعم عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو { اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بك اللهم أن أغتال من تحتي } تفرد به البزار وحسنه وقال الإمام أحمد حدثنا وكيع حدثنا عبادة بن مسلم الفزاري حدثني جرير بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم سمعت عبد الله بن عمر يقول لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يصبح وحين يمسي { اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي }. قال وكيع من تحتي يعني الخسف. ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث عبادة مسلم به وقال الحاكم صحيح الإسناد.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا ۖ لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ
    +/- -/+  
الأية
18
 
أكد تعالى عليه اللعنة والطرد والإبعاد والنفي عن محل الملأ الأعلى بقوله { اخرج منها مذءوما مدحورا } قال ابن جرير أما المذءوم فهو المعيب والذأم غير مشدد العيب يقال ذأمه يذأمه ذأما فهو مذءوم ويتركون الهمز فيقول ذمته أذيمه ذيما وذاما والذام والذيم أبلغ في العيب من الذم. قال والمدحور المقصي وهو المبعد المطرود وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ما نعرف المذءوم والمذموم إلا واحدا وقال سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس { اخرج منها مذءوما مدحورا } قال مقيتا وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس صغيرا مقيتا وقال السدي مقيتا مطرودا وقال قتادة لعينا مقيتا وقال مجاهد منفيا مطرودا وقال الربيع بن أنس مذءوما منفيا والمدحور المصغر. وقوله تعالى { لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين } كقوله { قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفي بربك وكيلا }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ
    +/- -/+  
الأية
19
 
يذكر تعالى أنه أباح لآدم { ولزوجته حواء الجنة أن يأكلا منها من جميع ثمارها إلا شجرة واحدة وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة البقرة.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ
    +/- -/+  
الأية
20
 
عند ذلك حسدهما الشيطان وسعى في المكر والوسوسة والخديعة ليسلبهما ما هما فيه من النعمة واللباس الحسن { وقال } كذبا وافتراء { ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين } أي لئلا تكونا ملكين أو خالدين ههنا ولو أنكما أكلتما منها لحصل لكما ذلكما كقوله { قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى } أي لئلا تكونا ملكين كقوله { يبين الله لكم أن تضلوا } أي لئلا تضلوا { وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم } أي لئلا تميد بكم. وكان ابن عباس ويحيى بن أبي كثير يقرآن { إلا إن تكونا ملكين } بكسر اللام وقرأه الجمهور بفتحها.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ
    +/- -/+  
الأية
21
 
{ وقاسمهما } أي حلف لهما بالله { إني لكما لمن الناصحين } فإني من قبلكما ههنا وأعلم بهذا المكان وهذا من باب المفاعلة والمراد أحد الطرفين كما قال خالد بن زهير بن عم أبي ذؤيب. وقاسمهم بالله جهدا لأنتم ألذ من السلوى إذ ما نشوزها أي حلف لهما بالله على ذلك حتى خدعهما وقد يخدع المؤمن بالله وقال قتادة في الآية حلف بالله إني خلقت قبلكما وأنا أعلم منكما فاتبعان أرشدكما وكان بعض أهل العلم يقول من خدعنا بالله انخدعنا له.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ
    +/- -/+  
الأية
22
 
قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: كان آدم رجلا طوالا كأنه نخلة سحوق كثير شعر الرأس فلما وقع فيما وقع فيه من الخطيئة بدت له عورته عند ذلك وكان لا يراها فانطلق هاربا في الجنة فتعلقت برأسه شجرة من شجر الجنة فقال لها أرسليني فقالت: إني غير مرسلتك فناداه ربه عز وجل يا آدم أمني تفر قال يا رب إني أستحيتك. وقد رواه ابن جرير وابن مردوية من طرق عن الحسن عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا والموقوف أصح إسنادا وقال عبد الرزاق: أنبأنا سفيان بن عيينة وابن المبارك أنبأنا الحسن بن عمارة عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كانت الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته السنبلة فلما أكلا منها بدت لهما سوآتهما وكان الذي وارى عنهما من سوآتهما أظفارهما { وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة } ورق التين يلزقان بعضه إلى بعض فانطلق آدم عليه السلام موليا في الجنة فعلقت برأسه شجرة من الجنة فناداه الله يا آدم أمني تفر؟ قال لا ولكني استحيتك يا رب قال: أما كان لك فيما منحتك من الجنة وأبحتك منها مندوحة عما حرمت عليك قال: بلى رب ولكن وعزتك ما حسبت أن أحدا يحلف بك كاذبا قال وهو قول الله عز وجل { وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين }. قال فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض ثم لا تنال العيش إلا كدا قال فأهبط من الجنة وكانا يأكلان منها رغدا فأهبط إلى غير رغد من طعام وشراب فعلم صنعه الحديد وأمر بالحرث فحرث وزرع ثم سقى حتى إذا بلغ حصد ثم داسه ثم ذراه ثم طحنه ثم عجنه ثم خبزه ثم أكله فلم يبلغه حتى بلغ منه ما شاء الله أن يبلغ. وقال الثوري عن ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس { وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة } قال ورق التين صحيح إليه وقال مجاهد جعلا يخصفان عليهما من ورق الجنة قال كهيئة الثوب وقال وهب بن منبه في قوله ينزع عنهما لباسهما قال كان لباس آدم وحواء نورا على فروجهما لا يرى هذا عورة هذه ولا هذه عورة هذا فلما أكلا من الشجرة بدت لهما سوآتهما. رواه ابن جرير بسند صحيح إليه وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة قال: قال آدم أي رب أرأيت إن تبت واستغفرت قال: إذا أدخلك الجنة وأما إبليس فلم يسأله التوبة وسأله النظرة فأعطى كل واحد منهما الذي سأله وقال ابن جرير حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما أكل آدم من الشجرة قيل له لم أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها قال: حواء أمرتني قال: فإني قد أعقبتها أن لا تحمل إلا كرها ولا تضع إلا كرها قال فرنت عند ذلك حواء فقيل لها الرنة عليك وعلى ولدك.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ
    +/- -/+  
الأية
23
 
قال الضحاك بن مزاحم في قوله { ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ
    +/- -/+  
الأية
24
 
قيل المراد بالخطاب في { اهبطوا } آدم وحواء وإبليس والحية ومنهم من لم يذكر الحية والله أعلم. والعمدة في العداوة آدم وإبليس ولهذا قال تعالى في سورة طه قال { اهبطا منها جميعا } الآية. وحواء تبع لآدم والحية إن كان ذكرها صحيحا فهي تبع لإبليس وقد ذكر المفسرون الأماكن التي هبط فيها كل منهم ويرجع حاصل تلك الأخبار إلى الإسرائيليات والله أعلم بصحتها ولو كان في تعيين تلك البقاع فائدة تعود على المكلفين في أمر دينهم أو دنياهم لذكرها الله تعالى في كتابه أو رسوله صلى الله عليه وسلم وقوله { ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين } أي قرار وأعمار مضروبة إلى آجال معلومة قد جرى بها القلم وأحصاها القدر وسطرت في الكتاب الأول وقال ابن عباس { مستقر } القبور وعنه قال { مستقر } فوق الأرض وتحتها رواهما ابن أبي حاتم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ
    +/- -/+  
الأية
25
 
قوله { قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون } كقوله تعالى { منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى } يخبر تعالي أنه جعل الأرض دارا لبني آدم مدة الحياة الدنيا فيها محياهم وفيها مماتهم وقبورهم ومنها نشورهم ليوم القيامة الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين ويجازي كلا بعمله.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ
    +/- -/+  
الأية
26
 
يمتن تعالى على عباده بما جعل لهم من اللباس والريش فاللباس ستر العورات وهي السماوات والرياش والريش ما يتجمل به ظاهرا فالأول من الضروريات والريش من التكملات والزيادات قال ابن جرير الرياش في كلام العرب الأثاث وما ظهر من الثياب وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وحكاه البخاري عنه الرياش المال. وهكذا قال مجاهد وعروة بن الزبير والسدي والضحاك وغير واحد وقال العوفي عن ابن عباس الريش اللباس والعيش والنعيم وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم الرياش الجمال وقال الإمام أحمد حدثنا يزيد بن هارون حدثنا أصبغ عن أبي العلاء الشامي قال لبس أبو أمامة ثوبا جديدا فلما بلغ ترقوته قال الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي ثم قال سمعت عمر بن الخطاب يقول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من استجد ثوبا فلبسه فقال حين يبلغ ترقوته الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي ثم عمد إلى الثوب الخلق فتصدق به كان في ذمة الله وفي جوار الله وفي كنف الله حيا وميتا }. رواه الترمذي وابن ماجه من رواية يزيد بن هارون عن أصبغ هو ابن زيد الجهني وقد وثقه يحيى بن معين وغيره وشيخه أبو العلاء الشامي لا يعرف إلا بهذا الحديث ولكن لم يخرجه أحد والله أعلم وقال الإمام أحمد أيضا حدثنا محمد بن عبيد حدثنا مختار بن نافع التمار عن أبي مطر أنه رأى عليا رضي الله عنه أتى غلاما حدثا فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم ولبسه ما بين الرسغين إلى الكعبين يقول حين لبسه الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس وأواري به عورتي فقيل هذا شيء ترويه عن نفسك أو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند الكسوة { الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس وأواري به عورتي ". رواه الإمام أحمد وقوله تعالى { ولباس التقوى ذلك خير } قرأ بعضهم ولباس التقوى بالنصب وقرأ الآخرون بالرفع على الابتداء وذلك خير خبره واختلف المفسرون في معناه فقال عكرمة يقال هو ما يلبسه المتقوم يوم القيامة رواه ابن أبي حاتم وقال زيد بن علي والسدي وقتادة وابن جريج ولباس التقوى الإيمان وقال العوفي عن ابن عباس العمل الصالح قال الديال بن عمرو عن ابن عباس هو السمت الحسن في الوجه وعن عروة بن الزبير لباس التقوى خشية الله وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ولباس التقوى يتقي الله فيواري عورته فذاك لباس التقوى وكلها متقاربة ويؤيد ذلك الحديث الذي رواه ابن جرير حيث قال حدثني المثنى حدثنا إسحاق بن الحجاج حدثني إسحاق بن إسماعيل عن سليمان بن أرقم عن الحسن قال: رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه قميص فوهي محلول الزر وسمعته يأمر بقتل الكلاب وينهى عن اللعب بالحمام ثم قال يا أيها الناس اتقوا الله في هذه السرائر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { والذي نفس محمد بيده ما أسر أحد سريرة إلا ألبسه الله رداءها علانية إن خيرا فخير وإن شرا فشر }. ثم قرأ هذه الآية { وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله } قال السمت الحسن. هكذا رواه ابن جرير من رواية سليمان بن أرقم وفيه ضعف وقد روى الأئمة الشافعي وأحمد والبخاري في كتاب الأدب من طرق صحيحة عن الحسن البصري أنه سمع أمير المؤمنين عثمان بن عفان يأمر بقتل الكلاب وذبح الحمام يوم الجمعة على المنبر وأما المرفوع منه فقد روى الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير له شاهدا من وجه آخر حيث قال حدثنا.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ
    +/- -/+  
الأية
27
 
يحذر تعالى بني آدم من إبليس وقبيله مبينا لهم عداوته القديمة لأبي البشر آدم عليه السلام في سعيه في إخراجه من الجنة التي هي دار النعيم إلى دار التعب والعناء والتسبب في هتك عورته بعد ما كانت مستورة عنه وما هذا إلا عن عداوة أكيدة وهذا كقوله تعالى { أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ اللهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
28
 
قال مجاهد كان المشركون يطوفون بالبيت عراة يقولون نطوف كما ولدتنا أمهاتنا فتضع المرأة على قبلها النسعة أو الشيء وتقول. اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله فأنزل الله { وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها } الآية. قلت كانت العرب ما عدا قريشا لا يطوفون بالبيت في ثيابهم التي لبسوها يتأولون في ذلك أنهم لا يطوفون في ثياب عصوا الله فيها وكانت قريش وهم الحمس يطوفون في ثيابهم ومن أعاره أحمسي ثوبا طاف فيه ومن معه ثوب جليد طاف فيه ثم يلقيه فلا يتملكه أحد ومن لم يجد ثوبا جديدا ولا أعاره أحمسي ثوبا طاف عريانا وربما كانت امرأة فتطوف عريانة فتجعل على فرجها شيئا ليستره بعض الستر فتقول. اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله وأكثر ما كان النساء يطفن عراة بالليل وكان هذا شيئا قد ابتدعوه من تلقاء أنفسهم واتبعوا فيه آباءهم ويعتقدون أن فعل آبائهم مستند إلى أمر من الله وشرع فأنكر الله تعالى عليهم ذلك فقال { وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها } فقال تعالى ردا عليهم { قل } أي يا محمد لمن ادعى ذلك { إن الله لا يأمر بالفحشاء } أي هذا الذي تصنعونه فاحشة منكرة والله لا يأمر بمثل ذلك { أتقولون على الله ما لا تعلمون } أي أتسندون إلي الله من الأقوال ما لا تعلمون صحته.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ۖ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۚ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ
    +/- -/+  
الأية
29
 
قوله تعالى { قل أمر ربي بالقسط } أي بالعدل والاستقامة { وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين } أي أمركم بالاستقامة في عبادته في محالها وهي متابعة المرسلين المؤيدين بالمعجزات فيما أخبروا به عن الله وما جاءوا به من الشرائع وبالإخلاص له في عبادته فإنه تعالى لا يتقبل العمل حتى يجمع هذين الركنين أن يكون صوابا موافقا للشريعة وأن يكون خالصا من الشرك. وقوله تعالى { كما بدأكم تعودون } إلى قوله { الضلالة } اختلف في معنى قوله { كما بدأكم تعودون } فقال ابن أبي نجيح عن مجاهد { كما بدأكم تعودون } يحييكم بعد موتكم. وقال الحسن البصري كما بدأكم في الدنيا كذلك تعودون يوم القيامة أحياء وقال قتادة { كما بدأكم تعودون } قال بدأ فخلقهم ولم يكونوا شيئا ثم ذهبوا ثم يعيدهم وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم كما بدأكم أولا كذلك يعيدكم آخرا واختار هذا القول أبو جعفر بن جرير وأيده بما رواه من حديث سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج كلاهما عن المغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال { يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين }. وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من حديث شعبة وفي حديث البخاري أيضا من حديث الثوري به. وقال ورقاء بن إياس أبو يزيد عن مجاهد { كما بدأكم تعودون } قال يبعث المسلم مسلما والكافر كافرا وقال أبو العالية { كما بدأكم تعودون } ردوا إلى علمه فيهم وقال سعيد بن جبير كما بدأكم تعودون كما كتب عليكم تكونون وفي رواية كما كنتم عليه تكونون وقال محمد بن كعب القرظي في قوله تعالى { كما بدأكم تعودون } من ابتدأ الله خلقه على الشقاوة صار إلى ما ابتدئ عليه خلقه وإن عمل بأعمال أهل السعادة ومن ابتدأ خلقه على السعادة صار إلى ما ابتدئ خلقه عليه وإن عمل بأعمال أهل الشقاء كما أن السحرة عملوا بأعمال أهل الشقاء ثم صاروا إلى ما ابتدءوا عليه وقال السدي { كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة } يقول { كما بدأكم تعودون } كما خلقناكم فريق مهتدون وفريق ضلال كذلك تعودون وتخرجون من بطون أمهاتكم وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله { كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة } قال إن الله تعالى بدأ خلق ابن آدم مؤمنا وكافرا كما قال { هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن } ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم مؤمنا وكافرا قلت ويتأيد هذا القول بحديث ابن مسعود في صحيح البخاري { فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة { وقال أبو القاسم البغوي حدثنا علي بن الجعد حدثنا أبو غسان عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن العبد ليعمل فيما يرى الناس بعمل أهل الجنة وإنه من أهل النار وإنه ليعمل فيما يرى الناس بعمل أهل النار وإنه من أهل الجنة وإنما الأعمال بالخواتيم } هذا قطعة من حديث البخاري من حديث أبي غسان محمد بن مطرف المدني في قصة قزمان يوم أحد وقال ابن جرير حدثني ابن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { تبعث كل نفس على ما كانت عليه }. وهذا الحديث رواه مسلم وابن ماجه من غير وجه عن الأعمش به ولفظه { يبعث كل عبد على ما مات عليه } وعن ابن عباس مثله قلت ويتأيد بحديث ابن مسعود قلت ولابد من الجمع بين هذا القول إن كان هو المراد من الآية وبين قوله تعالى { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها } وما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال { كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه } وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { يقول الله تعالى: إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم } الحديث ووجه الجمع على هذا أنه تعالى خلقهم ليكون منهم مؤمن وكافر في ثاني الحال وإن كان قد فطر الخلق كلهم على معرفته وتوحيده والعلم بأنه لا إله غيره كما أخذ عليهم الميثاق بذلك وجعله في غرائزهم وفطرهم ومع هذا قدر أن منهم شقيا ومنهم سعيدا { هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن } وفي الحديث { كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها }. وقدر الله نافذ في بريته فإنه هو { الذي قدر فهدى } و { الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } وفي الصحيحين { فأما من كان منكم من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ ۗ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ
    +/- -/+  
الأية
30
 
قال تعالى { فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة } ثم علل ذلك فقال { إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله } قال ابن جرير وهذا من أبين الدلالة على خطأ من زعم أن الله لا يعذب أحدا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها فيركبها عنادا منه لربه فيها لأنه لو كان كذلك لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضل وهو يحسب أنه مهتد وفريق الهدى فرق وقد فرق الله تعالى بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
    +/- -/+  
الأية
31
 
هذه الآية الكريمة رد على المشركين فيما كانوا يعتمدونه من الطواف بالبيت عراة كما رواه مسلم والنسائي وابن جرير واللفظ له من حديث شعبة عن سلمة بن كهيل عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة الرجال والنساء الرجال بالنهار والنساء بالليل وكانت المرأة تقول: اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله فقال الله تعالى { خذوا زينتكم عند كل مسجد } وقال العوفي عن ابن عباس في قوله { خذوا زينتكم عند كل مسجد } الآية. قال كان رجال يطوفون بالبيت عراة فأمرهم الله بالزينة والزينة اللباس وهو ما يواري السوأة وما سوى ذلك من جيد البز والمتاع فأمروا أن يأخذوا زينتهم عند كل مسجد وهكذا قال مجاهد وعطاء وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وقتادة والسدي والضحاك ومالك عن الزهري وغير واحد من أئمة السلف في تفسيرها أنها نزلت في طوائف المشركين بالبيت عراة وقد روى الحافظ ابن مردوية من حديث سعيد بن بشير والأوزاعي عن قتادة عن أنس مرفوعا أنها نزلت في الصلاة في النعال ولكن في صحته نظر والله أعلم ولهذه الآية وما ورد في معناها من السنة يستحب التجمل عند الصلاة ولا سيما يوم الجمعة ويوم العيد والطيب لأنه من الزينة والسواك لأنه من تمام ذلك ومن أفضل اللباس البياض كما قال الإمام أحمد حدثنا علي بن عاصم حدثنا عبد الله بن عثمان بن خيثم عن سعيد بن جبير وصححه عن ابن عباس مرفوعا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم وإن خير أكحالكم الأثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر }. هذا حديث جيد الإسناد رجاله على شرط مسلم ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث عبد الله بن عثمان بن خيثم به وقال الترمذي حسن صحيح والإمام أحمد أيضا وأهل السنن بإسناد جيد عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { عليكم بثياب البياض فالبسوها فإنها أطهر وأطيب وكفنوا فيها موتاكم } وروى الطبراني بسند صحيح عن قتادة عن محمد بن سيرين أن تميما الداري اشترى رداء بألف وكان يصلي فيه وقوله تعالى { وكلوا واشربوا } الآية. قال بعض السلف جمع الله الطب كله في نصف آية { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا } وقال البخاري قال ابن عباس: كل ما شئت والبس شئت ما أخطأتك خصلتان سرف ومخيلة وقال ابن جرير حدثنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال { أحل الله الأكل والشرب ما لم يكن سرفا أو مخيلة } إسناده صحيح وقال الإمام أحمد حدثنا بهز حدثنا همام عن قتادة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير مخيلة ولا سرف فإن الله يحب أن يرى نعمته على عبده }. ورواه النسائي وابن ماجه من حديث قتادة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { كلوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة } وقال الإمام أحمد حدثنا أبو المغيرة حدثنا سليمان بن سليم الكلبي حدثنا يحيى بن جابر الطائي سمعت المقدام بن معديكرب الكندي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان فاعلا لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه } ورواه النسائي والترمذي من طرق عن يحيى بن جابر به وقال الترمذي حسن وفي نسخة حسن صحيح وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده حدثنا سويد بن عبد العزيز حدثنا بقية عن يوسف بن أبي كثير عن نوح بن ذكوان عن الحسن عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت }. ورواه الدارقطني في الأفراد وقال هذا حديث غريب تفرد به بقية وقال السدي كان الذين يطوفون بالبيت عراة يحرمون عليهم الودك ما أقاموا في الموسم فقال الله تعالى لهم { كلوا واشربوا } الآية. يقول لا تسرفوا في التحريم وقال مجاهد أمرهم أن يأكلوا ويشربوا مما رزقهم الله وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم { ولا تسرفوا } يقول ولا تأكلوا حراما ذلك الإسراف وقال عطاء الخراساني عن ابن عباس قوله { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين } ففي الطعام والشراب وقال ابن جرير وقوله { إنه لا يحب المسرفين } يقول الله تعالى { إن الله لا يحب المعتدين } حده في حلال أو حرام الغالين فيما أحل بإحلال الحرام أو بتحريم الحلال ولكنه يحب أن يحلل ما أحل ويحرم ما حرم وذلك العدل الذي أمر به.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
32
 
يقول تعالى ردا على من حرم شيئا من المآكل أو المشارب أو الملابس من تلقاء نفسه من غير شرع من الله { قل } يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يحرمون ما يحرمون بآرائهم الفاسدة وابتداعهم { من حرم زينة الله التي أخرج لعباده } الآية أي هي مخلوقة لمن آمن بالله وعبده في الحياة الدنيا وإن شركهم فيها الكفار حبا في الدنيا فهي لهم خاصة يوم القيامة لا يشركهم فيها أحد من الكفار فإن الجنة محرمة على الكافرين قال أبو القاسم الطبراني حدثنا أبو حصين محمد بن الحسين القاضي حدثنا يحيى الحماني حدثنا يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كانت قريش يطوفون بالبيت وهم عراة يصفرون ويصفقون فأنزل الله { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده } فأمروا بالثياب.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
33
 
قال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا أحد أغير من الله فلذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب إليه المدح من الله } أخرجاه في الصحيحين من حديث سليمان بن مهران الأعمش عن شقيق عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود وتقدم الكلام على ما يتعلق بالفواحش ما ظهر منها وما بطن في سورة الأنعام وقوله { والإثم والبغي بغير الحق } قال السدي أما الإثم فالمعصية والبغي أن تبغي على الناس بغير الحق وقال مجاهد الإثم المعاصي كلها وأخبر أن الباغي بغيه على نفسه وحاصل ما فسر به الإثم أنه الخطايا المتعلقة بالفاعل نفسه والبغي هو التعدي إلى الناس فحرم الله هذا وهذا وقوله تعالى { وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا } أي تجعلوا له شركاء في عبادته { وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } من الافتراء والكذب من دعوى أن له ولدا ونحو ذلك مما لا علم لكم به كقوله { فاجتنبوا الرجس من الأوثان } الآية.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ
    +/- -/+  
الأية
34
 
يقول تعالى { ولكل أمة } أي قرن وجيل { أجل فإذا جاء أجلهم } أي ميقاتهم المقدر لهم { لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي ۙ فَمَنِ اتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
    +/- -/+  
الأية
35
 
أنذر تعالى بني آدم أنه سيبعث إليهم رسلا يقصون عليهم آياته وبشر وحذر فقال { فمن اتقى وأصلح } أي ترك المحرمات وفعل الطاعات { فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
    +/- -/+  
الأية
36
 
{ والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها } أي كذبت بها قلوبهم واستكبروا عن العمل بها { أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } أي ماكثون فيها مكثا مخلدا.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۚ أُولَٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ۖ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ
    +/- -/+  
الأية
37
 
يقول { فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته } أي لا أحد أظلم ممن افترى الكذب على الله أو كذب بآياته المنزلة { أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب } اختلف المفسرون في معناه فقال العوفي عن ابن عباس ينالهم ما كتب عليهم وكتب لمن كذب على الله أن وجهه مسود وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يقول نصيبهم من الأعمال من عمل خيرا جزى به ومن عمل شرا جزى به وقال مجاهد ما وعدوا به من خير وشر وكذا قال قتادة والضحاك وغير واحد واختاره ابن جرير وقال محمد بن كعب القرظي { أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب } قال عمله ورزقه وعمره وكذا قال الربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهذا القول قوي في المعنى والسياق يدل عليه وهو قوله { حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم } ونظير المعنى في هذه الآية. كقوله { إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون } وقوله { ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور نمتعهم قليلا } الآية. وقوله { حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم } الآية. يخبر تعالى أن الملائكة إذا توفت المشركين تفزعهم عند الموت وقبض أرواحهم إلى النار يقولون لهم أين الذين كنتم تشركون بهم في الحياة الدنيا وتدعونهم وتعبدونهم من دون الله ادعوهم يخلصوكم مما أنتم فيه قالوا { ضلوا عنا } أي ذهبوا عنا فلا نرجوا نفعهم ولا خيرهم { وشهدوا على أنفسهم } أي أقروا واعترفوا على أنفسهم { أنهم كانوا كافرين }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ ۖ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا ۖ حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ ۖ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِنْ لَا تَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
38
 
يقول تعالى مخبرا عما يقوله لهؤلاء المشركين به المفترين عليه المكذبين بآياته { ادخلوا في أمم } أي من أمثالكم وعلى صفاتكم { قد خلت من قبلكم } أي من الأمم السالفة الكافرة { من الجن والإنس في النار } يحتمل أن يكون بدلا من قوله في أمم ويحتمل أن يكون في أمم أي مع أمم وقوله { كلما دخلت أمة لعنت أختها } كما قال الخليل عليه السلام { ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض } الآية وقوله تعالى { إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار } وقوله { حتى إذا اداركوا فيها جميعا } أي اجتمعوا فيها كلهم { قالت أخراهم لأولاهم } أي أخراهم دخولا وهم الأتباع لأولادهم وهم المتبوعون لأنهم أشد جرما من أتباعهم فدخلوا قبلهم فيشكوهم الأتباع إلى الله يوم القيامة لأنهم هم الذين أضلوهم عن سواء السبيل فيقولون { ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار } أي أضعف عليهم العقوبة كما قال تعالى { يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب } الآية. وقوله { قال لكل ضعف } أي قد فعلنا ذلك وجازينا كلا بحسبه كقوله { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا } الآية. وقوله { وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم } وقوله { ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ
    +/- -/+  
الأية
39
 
{ وقالت أولاهم لأخراهم } أي قال المتبوعون للأتباع { فما كان لكم علينا من فضل } قال السدي فقد ضللتم كما ضللنا { فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون } وهذه الحال كما أخبر الله تعالى عنهم في حال محشرهم في قوله { ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ
    +/- -/+  
الأية
40
 
قوله { لا تفتح لهم أبواب السماء } قيل المراد لا يرفع لهم منها عمل صالح ولا دعاء قاله مجاهد وسعيد بن جبير ورواه العوفي وعلي بن أبي طلحة عن ابن عباس وكذا رواه الثوري عن ليث عن عطاء عن ابن عباس وقيل المراد لا تفتح لأرواحهم أبواب السماء رواه الضحاك عن ابن عباس وقاله السدي وغير واحد ويؤيده ما قال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن المنهال هو ابن عمرو عن زاذان عن البراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر قبض روح الفاجر وأنه يصعد بها إلى السماء فيصعدون بها فلا تمر على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذه الروح الخبيثة فيقولون فلان بأقبح أسمائه التي كان يدعى بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء فيستفتحون بابها له فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا تفتح لهم أبواب السماء } الآية. هكذا رواه وهو قطعة من حديث طويل رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من طرق عن المنهال بن عمرو به وقد رواه الإمام أحمد بطوله فقال حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن المنهال بن عمرو عن زاذان عن البراء بن عازب قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأن على رؤسنا الطير وفي يده عود ينكت به في الأرض فرفع رأسه فقال { استعيذوا بالله من عذاب القبر- مرتين أو ثلاثا - ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال إلى الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس المطمئنة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان { قال } فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذه الروح الطيبة فيقولون فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا به إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح له فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة فيقول الله عز وجل اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى قال فتعاد روحه فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول ربي الله فيقولان له ما دينك فيقول ديني الإسلام فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولان له وما عملك فيقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة فيأتيه من روحها { طيبها } ويفسح له في قبره مد البصر قال ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول له من أنت فوجهك الوجه يجيء بالخير فيقول أنا عملك الصالح فيقول رب أقم الساعة رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي. { قال } وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال إلى الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى سخط الله وغضب قال فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذه الروح الخبيثة فيقولون فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا فيستفتح فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط } فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى فتطرح روحه طرحا ثم قرأ { ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق } فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان ما دينك فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هاه هاه لا أدري فينادي مناد من السماء أن كذب عبدي فأفرشوه من النار وافتحوا له بابا إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول أبشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول من أنت فوجهك الوجه يجيء بالشر فيقول أنا عملك الخبيث فيقول رب لا تقم الساعة } وقال الإمام أحمد أيضا حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن يونس بن خباب عن المنهال بن عمرو عن زاذان عن البراء بن عازب قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة فذكر نحوه وفيه حتى إذا خرج روحه صلى عليه كل ملك من السماء والأرض وكل ملك في السماء وفتحت له أبواب السماء ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله عز وجل أن يعرج بروحه من قبلهم وفي آخره ثم يقيض له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة لو ضرب بها جبل كان ترابا فيضربه ضربة فيصير ترابا ثم يعيده الله عز وجل كما كان فيضربه ضربة أخرى فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين قال البراء ثم يفتح له باب من النار ويمهد له فرش من النار وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه وابن جرير واللفظ له من حديث محمد بن عمرو بن عطاء عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { الميت تحضره الملائكة فإذا كان الرجل الصالح قالوا اخرجي أيتها النفس المطمئنة كانت في الجسد الطيب أخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان فيقولون ذلك حتى يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها فيقال من هذا فيقولان فلان فيقال فلان مرحبا بالنفس الطيبة التي كانت في الجسد الطيب ادخلي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان فيقال لها ذلك حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل وإذا كان الرجل السوء قالوا اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث اخرجي ذميمة وأبشري بحميم وغساق وآخر من شكله أزواج فيقولون ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها فيقال من هذا فيقولون فلان فيقولون لا مرحبا بالنفس الخبيثة التي كانت في الجسد الخبيث ارجعي ذميمة فإنه لم يفتح لك أبواب السماء فترسل بين السماء والأرض فتصير إلى القبر } وقد قال ابن جريج في قوله { لا تفتح لهم أبواب السماء } لا تفتح لأعمالهم ولا لأرواحهم وهذا فيه جمع بين القولين والله أعلم وقوله تعالى { ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط }. هكذا قرأه الجمهور وفسروه بأنه البعير قال ابن مسعود هو الجمل ابن الناقة وفي رواية زوج الناقة وقال الحسن البصري حتى يدخل البعير في خرق الإبرة وكذا قال أبو العالية والضحاك وكذا روى علي بن أبي طلحة والعوفي عن ابن عباس وقال مجاهد وعكرمة عن ابن عباس أنه كان يقرؤها { يلج الجمل في سم الخياط } بضم الجيم وتشديد الميم يعني الحبل الغليظ في خرق الإبرة وهذا اختيار سعيد بن جبير وفي رواية أنه قرأ حتى يلج الجمل يعني قلوس السفن وهي الحبال الغلاظ.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ
    +/- -/+  
الأية
41
 
قوله { لهم من جهنم مهاد } قال محمد بن كعب القرظي { لهم من جهنم مهاد } قال الفرش { ومن فوقهم غواش } قال اللحف وكذا قال الضحاك بن مزاحم والسدي { وكذلك نجزي الظالمين }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
    +/- -/+  
الأية
42
 
لما ذكر تعالى حال الأشقياء عطف بذكر حال السعداء فقال { والذين آمنوا وعملوا الصالحات } أي آمنت قلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم ضد { أولئك الذين كفروا بآيات الله واستكبروا عنها } نبه تعالى على أن الإيمان والعمل به سهل لأنه تعالى قال { لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ونزعنا ما في صدورهم من غل } أي من حسد وبغض كما جاء في صحيح البخاري من حديث قتادة عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار فاقتص لهم مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة فوالذي نفسي بيده إن أحدهم بمنزله في الجنة أدل منه بمسكنه كان في الدنيا }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ۖ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ ۖ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ۖ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
43
 
قال السدي في قوله { ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار } الآية إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان فشربوا من إحداهما فينزع ما في صدورهم من غل فهو الشراب الطهور واغتسلوا من الأخرى فجرت عليهم نضرة النعيم فلم يشعثوا ولم يشحبوا بعدها أبدا وقد روى أبو إسحاق عن عاصم عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب نحوا من هذا كما سيأتي في قوله تعالى { وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا } إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان وقال قتادة قال علي رضي الله عنه إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله تعالى فيهم { ونزعنا ما في صدورهم من غل } رواه ابن جرير وقال عبد الرزاق أخبرنا ابن عيينة عن إسرائيل قال سمعت الحسن يقول قال علي: فينا والله أهل بدر نزلت { ونزعنا ما في صدورهم من غل }. وروى النسائي وابن مردويه واللفظ له من حديث أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { كل أهل الجنة يرى مقعده من النار فيقول لولا أن الله هداني فيكون له شكرا وكل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول لو أن الله هداني فيكون له حسرة }. ولهذا لما أورثوا مقاعد أهل النار من الجنة نودوا { أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون } أي بسبب أعمالكم نالتكم الرحمة فدخلتم الجنة وتبوأتم منازلكم بحسب أعمالكم. وإنما وجب الحمل على هذا لما ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال { واعلموا أن أحدكم لن يدخله عمله الجنة { قالوا ولا أنت يا رسول الله قال { ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل } .

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ۖ قَالُوا نَعَمْ ۚ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ
    +/- -/+  
الأية
44
 
يخبر تعالى بما يخاطب به أهل النار على وجه التقريع والتوبيخ إذا استقروا في منازلهم { أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا } { أن } ههنا مفسرة للقول المحذوف و{ قد } للتحقيق أي قالوا لهم { قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم } كما أخبر تعالى في سورة الصافات عن الذي كان له قرين من الكفار { فاطلع فرآه في سواء الجحيم قال تالله إن كدت لتردين ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين } أي ينكر عليه مقالته التي يقولها في الدنيا ويقرعه بما صار إليه من العذاب والنكال وكذلك تقرعهم الملائكة يقولون لهم { هذه النار التي كنتم بها تكذبون أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون } وكذلك قرع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قتلى القليب يوم بدر فنادى { يا أبا جهل بن هشام ويا عتبة بن ربيعة ويا شيبة بن ربيعة - وسمى رءوسهم - هل وجدتم ما وعد ربكم حقا فإني وجدت ما وعدني ربي حقا { وقال عمر يا رسول الله تخاطب قوما قد جيفوا فقال { والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكن لا يستطيعون أن يجيبوا }. وقوله تعالى { فأذن مؤذن بينهم } أي أعلم معلم ونادى مناد { أن لعنة الله على الظالمين } أي مستقرة عليهم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ
    +/- -/+  
الأية
45
 
وصفهم بقوله { الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا } أي يصدون الناس عن اتباع سبيل الله وشرعه وما جاءت به الأنبياء ويبغون أن يكون السبيل معوجة غير مستقيمة حتى لا يتبعها أحد { وهم بالآخرة كافرون } أي وهم بلقاء الله في الدار الآخرة كافرون أي جاحدون مكذبون بذلك لا يصدقونه ولا يؤمنون به فلهذا لا يبالون بما يأتون من منكر من القول والعمل لأنهم لا يخافون حسابا عليه ولا عقابا فهم شر الناس أقوالا وأعمالا.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ۚ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ۚ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ
    +/- -/+  
الأية
46
 
لما ذكر تعالى مخاطبة أهل الجنة مع أهل النار نبه أن بين الجنة والنار حجابا وهو الحاجز المانع من وصول أهل النار إلى الجنة قال ابن جرير وهو السور الذي قال الله تعالى { فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب } وهو الأعراف الذي قال الله تعالى فيه { وعلى الأعراف رجال } ثم روى بإسناده عن السدي أنه قال في قوله تعالى { وبينهما حجاب } هو السور وهو الأعراف وقال مجاهد الأعراف حجاب بين الجنة والنار سور له باب قال ابن جرير والأعراف جمع عرف وكل مرتفع من الأرض عند العرب يسمى عرفا وإنما قيل لعرف الديك عرفا لارتفاعه. حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا ابن عيينة عن عبد الله بن أبي يزيد سمع ابن عباس يقول الأعراف هو الشيء المشرف. وقال الثوري عن جابر عن مجاهد عن ابن عباس قال الأعراف سور كعرف الديك وفي رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه الأعراف جمع: تل بين الجنة والنار حبس عليه من أهل الذنوب بين الجنة والنار وفي رواية عنه هو سور بين الجنة والنار وكذا قال الضحاك وغير واحد من علماء التفسير وقال السدي إنما سمي الأعراف أعرافا لأن أصحابه يعرفون الناس واختلفت عبارات المفسرين في أصحاب الأعراف من هم وكلها قريبة ترجع إلى معنى واحد وهو أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم نص عليه حذيفة وابن عباس وابن مسعود وغير واحد من السلف والخلف رحمهم الله وقد جاء في حديث مرفوع رواه الحافظ أبو بكر بن مردوية حدثنا عبد الله بن إسماعيل حدثنا عبد بن الحسن حدثنا سليمان بن داود حدثنا النعمان بن عبد السلام حدثنا شيخ لنا يقال له أبو عباد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن استوت حسناته وسيئاته فقال { أولئك أصحاب الأعراف لم يدخلوها وهم يطمعون }. وهذا حديث غريب من هذا الوجه ورواه من وجه آخر عن سعيد بن سلمة عن أبي الحسام عن محمد بن المنكدر عن رجل من مزينة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن استوت حسناته وسيئاته وعن أصحاب الأعراف فقال { إنهم قوم خرجوا عصاة بغير إذن آبائهم فقتلوا في سبيل الله }. وقال سعيد بن منصور حدثنا أبو معشر حدثنا يحيي بن شبل عن يحيي بن عبد الرحمن المزني عن أبيه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف قال { هم ناس قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم فمنعهم من دخول الجنة معصية آبائهم ومنعهم من النار قتلهم في سبيل الله }. ورواه ابن مردويه وابن جرير وابن أبي حاتم من طرق عن أبي معشر به وكذا رواه ابن ماجه مرفوعا من حديث أبي سعيد الخدري وابن عباس والله أعلم بصحة هذه الأخبار المرفوعة وقصاراها أن تكون موقوفة وفيه دلالة على ما ذكر. وقال ابن جرير حدثني يعقوب حدثنا هشيم أخبرنا حصين عن الشعبي عن حذيفة أنه سئل عن أصحاب الأعراف قال: فقال { هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فقعدت بهم سيئاتهم عن الجنة وخلفت بهم حسناتهم عن النار قال فوقفوا هنالك على السور حتى يقضي الله فيهم } وقد رواه من وجه آخر أبسط من هذا فقال حدثنا ابن حميد حدثنا يحيى بن واضح حدثنا يونس بن أبي إسحاق قال: قال الشعبي أرسل إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن وعنده أبو الزناد عبد الله بن ذكوان مولى قريش فإذا هما قد ذكرا من أصحاب الأعراف ذكرا ليس كما ذكرا فقلت لهما إن شئتما أنبأتكما بما ذكر حذيفة فقالا هات فقلت إن حذيفة ذكر أصحاب الأعراف فقال هم قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار وقعدت بهم سيئاتهم عن الجنة { فإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين } فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم ربك فقال لهم اذهبوا فادخلوا الجنة فإني قد غفرت لكم. وقال عبد الله بن المبارك عن أبي بكر الهذلي قال: قال سعيد بن جبير وهو يحدث ذلك عن ابن مسعود قال يحاسب الناس يوم القيامة فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار ثم قرأ قول الله { فمن ثقلت موازينه } الآيتين ثم قال الميزان يخف بمثقال حبة ويرجح قال ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف فوقفوا على الصراط ثم عرفوا أهل الجنة وأهل النار فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوا سلام عليكم وإذا صرفوا أبصارهم إلى يسارهم نظروا أهل النار { قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين } تعوذوا بالله من منازلهم قال فأما أصحاب الحسنات فإنهم يعطون نورا يمشون به بين أيديهم وبأيمانهم ويعطى كل عبد يومئذ نورا وكل أمة نورا فإذا أتوا على الصراط سلب الله نور كل منافق ومنافقة فلما رأى أهل الجنة ما لقي المنافقون قالوا { ربنا أتمم لنا نورنا } وأما أصحاب الأعراف فإن النور كان بأيديهم فلم ينزع فهنالك يقول الله تعالى { لم يدخلوها وهم يطمعون } فكان الطمع دخولا قال: فقال ابن مسعود إن العبد إذا عمل حسنة كتب له بها عشر وإذا عمل سيئة لم تكتب إلا واحدة ثم يقول هلك من غلبت آحاده عشراته رواه ابن جرير وقال أيضا حدثني ابن وكيع حدثنا ابن حميد قالا حدثنا جرير عن منصور عن حبيب بن أبي ثابت عن عبد الله بن الحارث عن ابن عباس قال: الأعراف السور الذي بين الجنة والنار وأصحاب الأعراف بذلك المكان حتى إذا بدأ الله أن يعافيهم انطلق بهم إلى نهر يقال له نهر الحياة حافتاه قصب الذهب مكلل باللؤلؤ ترابه المسك فألقوا فيه حتى تصلح ألوانهم وتبدو في نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها حتى إذا صلحت ألوانهم أتى بهم الرحمن تبارك وتعالى فقال { تمنوا ما شئتم } فيتمنون حتى إذا انقطعت أمنياتهم قال لهم { لكم الذي تمنيتم ومثله سبعون ضعفا } فيدخلون الجنة وفي نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها يسمون مساكين أهل الجنة. وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن يحيى بن المغيرة عن جرير به وقد رواه سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن مجاهد وعن عبد الله بن الحارث من قوله وهذا أصح والله أعلم وهكذا روي عن مجاهد والضحاك وغير واحد وقال سعيد بن داود حدثني جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن عمرو بن جرير قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف قال { هم آخر من يفصل بينهم من العباد فإذا فرغ رب العالمين من الفصل بين العباد قال أنتم قوم أخرجتكم حسناتكم من النار ولم تدخلوا الجنة فأنتم عتقائي فارعوا من الجنة حيث شئتم }. وهذا مرسل حسن وقيل هم أولاد الزنا حكاه القرطبي وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة الوليد بن موسى عن شيبة بن عثمان عن عروة بن رويم عن الحسن عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أن مؤمني الجن لهم ثواب وعليهم عقاب فسألناه عن ثوابهم وعن مؤمنيهم فقال على الأعراف وليسوا في الجنة مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم فسألناه وما الأعراف فقال حائط الجنة تجري فيها الأنهار وتنبت فيه الأشجار والثمار رواه البيهقي عن ابن بشران عن علي بن محمد المصري عن يوسف بن يزيد عن الوليد بن موسى به وقال سفيان الثوري عن خصيف عن مجاهد قال أصحاب الأعراف قوم صالحون فقهاء علماء. وقال ابن جرير حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية عن سليمان التيمي عن أبي مجلز في قوله تعالى { وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم } قال هم رجال من الملائكة يعرفون أهل الجنة وأهل النار قال { ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة } قال فيقال حين يدخل أهل الجنة الجنة { ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون }. وهذا صحيح إلى أبي مجلز لاحق بن حميد أحد التابعين وهو غريب من قوله وخلاف الظاهر من السياق وقول الجمهور مقدم على قوله بدلالة الآية على ما ذهبوا إليه وكذا قول مجاهد إنهم قوم صالحون علماء فقهاء فيه غرابة أيضا والله أعلم وقد حكى القرطبي وغيره فيهم اثني عشر قولا منها أنهم شهدوا أنهم صلحاء تهرعوا من فزع الآخرة وخلق يطلعون على أخبار الناس وقيل هم أنبياء وقيل ملائكة وقوله تعالى { يعرفون كلا بسيماهم } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال يعرفون أهل الجنة ببياض الوجوه وأهل النار بسواد الوجوه وكذا روى الضحاك عنه وقال العوفي عن ابن عباس أنزلهم الله تلك المنزلة ليعرفوا في الجنة والنار وليعرفوا أهل النار بسواد الوجوه ويتعوذوا بالله أن يجعلهم مع القوم الظالمين وهم في ذلك يحيون أهل الجنة بالسلام لم يدخلوها وهم يطمعون أن يدخلوها وهم داخلوها إن شاء الله وكذا قال مجاهد والضحاك والسدي والحسن وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم وقال معمر عن الحسن إنه تلا هذه الآية { لم يدخلوها وهم يطمعون } قال والله ما جعل ذلك الطمع في قلوبهم إلا لكرامة يريدها بهم وقال قتادة قد أنبأكم الله بمكانهم من الطمع.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
    +/- -/+  
الأية
47
 
قوله { وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين } قال الضحاك عن ابن عباس إن أصحاب الأعراف إذا نظروا إلى أهل النار وعرفوهم قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين. وقال السدي وإذا مروا بهم يعني بأصحاب الأعراف بزمرة يذهب بها إلى النار قالوا: ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين. وقال عكرمة تجدد وجوههم للنار فإذا رأوا أصحاب الجنة ذهب ذلك عنهم وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله { وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار } فرأوا وجوههم مسودة وأعينهم مزرقة { قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ
    +/- -/+  
الأية
48
 
يقول الله تعالى إخبارا عن تقريع أهل الأعراف لرجال من صناديد المشركين وقادتهم يعرفونهم في النار بسيماهم { ما أغنى عنكم جمعكم } أي كثرتكم { وما كنتم تستكبرون } أي لا ينفعكم كثرتكم ولا جموعكم من عذاب الله بل صرتم إلى ما أنتم فيه من العذاب والنكال.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ ۚ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ
    +/- -/+  
الأية
49
 
{ أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يعني أصحاب الأعراف { ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون } وقال ابن جرير حدثني محمد بن سعد حدثني أبي حدثني عمي حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس { قالوا ما أغنى عنكم جمعكم } الآية. قال فلما قالوا لهم الذي قضى الله أن يقولوا يعني أصحاب الأعراف لأهل الجنة وأهل النار قال الله لأهل التكبر والأموال { أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون } وقال حذيفة إن أصحاب الأعراف قوم تكاثفت أعمالهم فقصرت بهم حسناتهم عن الجنة وقصرت بهم سيئاتهم عن النار فجعلوا على الأعراف يعرفون الناس بسيماهم فلما قضى الله بين العباد أذن لهم في طلب الشفاعة فأتوا آدم فقالوا يا آدم أنت أبونا فاشفع لنا عند ربك فقال هل تعلمون أن أحدا خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وسبقت رحمته إليه غضبه وسجدت له الملائكة غيري؟ فيقولون لا فيقول ما علمت كنهه ما أستطيع أن أشفع لكم ولكن ائتوا ابني إبراهيم فيأتون إبراهيم صلى الله عليه وسلم فيسألونه أن يشفع لهم عند ربهم فيقول تعلمون من أحد اتخذه الله خليلا هل تعلمون أن أحدا أحرقه قومه بالنار في الله غيري؟ فيقولون لا فيقول ما علمت كنهه ما أستطيع أن أشفع لكم ولكن ائتوا ابني موسى فيأتون موسى عليه السلام { فيقول هل تعلمون من أحد كلمه الله تكليما وقربه نجيا غيري فيقولون لا فيقول ما علمت كنهه ما أستطيع أن أشفع لكم ولكن ائتوا عيسى فيأتونه عليه السلام فيقولون له اشفع لنا عند ربك فيقول هل تعلمون أحدا خلقه الله من غير أب فيقولون لا فيقول هل تعلمون من أحد كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله غيري؟ قال فيقولون لا فيقول أنا حجيج نفسي ما علمت كنهه ما أستطيع أن أشفع لكم ولكن ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فيأتوني فأضرب بيدي على صدري ثم أقول أنا لها ثم أمشي حتى أقف بين يدي العرش فآتي ربي عز وجل فيفتح لي من الثناء ما لم يسمع السامعون بمثله قط ثم أسجد فيقال لي يا محمد ارفع رأسك وسل تعطه واشفع تشفع فأرفع رأسي ثم أثني على ربي عز وجل ثم أخر ساجدا فيقال لي ارفع رأسك وسل تعطه واشفع تشفع فأرفع رأسي فأقول ربي أمتي فيقول هم لك فلا يبقى نبي مرسل ولا ملك مقرب إلا غبطني بذلك المقام وهو المقام المحمود فآتي بهم الجنة فأستفتح فيفتح لي ولهم فيذهب بهم إلى نهر يقال له نهر الحيوان حافتاه قصب مكلل باللؤلؤ ترابه المسك وحصباؤه الياقوت فيغتسلون منه فتعود إليهم ألوان أهل الجنة وريح أهل الجنة فيصيرون كأنهم الكواكب الدرية ويبقي في صدورهم شامات بيض يعرفون بها يقال مساكين أهل الجنة.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ ۚ قَالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ
    +/- -/+  
الأية
50
 
يخبر تعالى عن ذلة أهل النار وسؤالهم أهل الجنة من شرابهم وطعامهم وأنهم لا يجابون إلى ذلك قال السدي { ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله } يعني الطعام وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم يستطعمونهم ويستسقونهم وقال الثوري عن عثمان الثقفي عن سعيد بن جبير في هذه الآية قال ينادي الرجل أباه أو أخاه فيقول له قد احترقت فأفض علي من الماء فيقال لهم أجيبوهم فيقولون { إن الله حرمهما على الكافرين }. وروى من وجه آخر عن سعيد عن ابن عباس مثله سواء وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم { إن الله حرمهما على الكافرين } يعني طعام الجنة وشرابها قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا نصر بن علي أخبرنا موسى بن المغيرة حدثنا أبو موسى الصفار في دار عمرو بن مسلم قال سألت ابن عباس أو سئل أي الصدقة أفضل؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أفضل الصدقة الماء ألم تسمع إلى أهل النار لما استغاثوا بأهل الجنة قالوا أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله }. وقال أيضا حدثنا أحمد بن سنان حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي صالح قال لما مرض أبو طالب قالوا له لو أرسلت إلى ابن أخيك هذا فيرسل إليك بعنقود من الجنة لعله أن يشفيك به فجاءه الرسول وأبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر إن الله حرمهما على الكافرين.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ
    +/- -/+