Prev  

2. Surah Al-Baqarah سورة البقرة

  Next  


تفسير البغوي - البقرة - Al-Baqara -
 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
بِسْم ِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
الم
    +/- -/+  
الأية
1
 
{ بسم الله الرحمن الرحيم * الم ، { قال الشعبي وجماعة: آلم وسائر حروف الهجاء في أوائل السور من المتشابه الذي استأثر الله تعالى بعلمه وهي سر القرآن. فنحن نؤمن بظاهرها ونكل العلم فيها إلى الله تعالى. وفائدة ذكرها طلب الإيمان بها. قال أبو بكر الصديق: في كل كتاب سر وسر الله تعالى في القرآن أوائل السور، وقال علي: لكل كتاب صفوة وصفوة هذا الكتاب حروف ( التهجي ) وقال داود بن أبي هند: كنت أسأل الشعبي عن فواتح السور فقال: يا داود إن لكل كتاب سراً وإن سر القرآن فواتح السور فدعها وسل عما سوى ذلك. وقال جماعة هي معلومة المعاني فقيل: كل حرف منها مفتاح اسم من أسمائه كما قال ابن عباس في كهيعص: الكاف من كافي والهاء من هادي والياء من حكيم والعين من عليم والصاد من صادق. وقيل في المص أنا الله الملك الصادق، وقال الربيع بن أنس في آلم: الألف مفتاح اسمه الله واللام مفتاح اسمه اللطيف، والميم مفتاح اسمه المجيد. وقال محمد بن كعب : الألف آلاء الله واللام لطفه، والميم ملكه، وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال معنى آلم: أنا الله أعلم: ومعنى آلمص: أنا الله أعلم وأفضل ومعنى آلر: أنا الله أرى، ومعنى آلمر: أنا الله أعلم وأرى. قال الزجاج: وهذا حسن فإن العرب تذكر حرفاً من كلمة يريدها كقولهم: قلت لها: قفى لنا قالت: قاف. أي: وقفت، وعن سعيد بن جبير قال هي أسماء الله تعالى (مقطعة) لو علم الناس تأليفها لعلموا اسم الله الأعظم.ألا ترى أنك تقول آلر، وحم، ون، فتكون الرحمن، وكذلك سائرها إلا أنا لا نقدر على وصلها، وقال قتادة : هذه الحروف أسماء القرآن. وقال مجاهد و ابن زيد : هي أسماء (السور)، وبيانه: أن القائل إذا قال: قرأت آلمص عرف السامع أنه قرأ السورة التي افتتحت بالمص. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها أقسام، وقال الأخفش : إنما أقسم الله بهذه الحروف لشرفها وفضلها لأنها( مبادئ ) كتبه المنزلة، ومباني أسمائه الحسنى.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ
    +/- -/+  
الأية
2
 
قوله تعالى : { ذلك الكتاب } ، أي هذا الكتاب وهو القرآن، وقيل: هذا فيه مضمر أي هذا ذلك الكتاب. قال الفراء : كان الله قد وعد نبيه صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليه كتاباً لا يمحوه الماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، فلما أنزل القرآن قال هذا (ذلك) الكتاب الذي وعدتك أن أنزله عليك في التوراة والإنجيل وعلى لسان النبيين من قبلك (( وهذا )) للتقريب ((وذلك)) للتبعيد، وقال ابن كيسان : إن الله تعالى أنزل قبل سورة البقرة سوراً كذب بها المشركون ثم أنزل سورة البقرة فقال (ذلك الكتاب) يعنى ما تقدم البقرة من السور لا شك فيه. والكتاب مصدر وهو بمعنى المكتوب كما يقال للمخلوق خلق،وهذا الدرهم ضرب فلان أي مضروبه. وأصل الكتب: الضم والجمع، ويقال للجند: كتيبة لاجتماعها، وسمي الكتاب كتاباً لأنه جمع حرف إلى حرف. قوله تعالى } : لا ريب فيه } ، أي لا شك فيه أنه من عند الله عز وجل وأنه الحق والصدق، وقيل هو خبر بمعنى النهي أي لا ترتابوا فيه كقوله تعالى ، { فلا رفث ولا فسوق } (197-البقرة) أي لا ترفثوا ولا تفسقوا. قرأ ابن كثير فيه بالإشباع في الوصل وكذلك كل هاء كناية قبلها ساكن يشبعها وصلاً ما لم يلقها ساكن ثم إن كان الساكن قبل الهاء ياء يشبعها بالكسرة ياء وإن كان غير ياء يشبعها بالضم واواً ووافقه حفص في قوله ، { فيه مهاناً } (69-الفرقان) (فيشبعه). قوله تعالى } : هدى للمتقين ، { يدغم الغنة عند اللام والراء أبو جعفر و ابن كثير و حمزة و الكسائي ، زاد حمزة و الكسائي عند الياء وزاد حمزة عند الواو والآخرون لا يدغمونها ويخفي أبو جعفر النون والتنوين عند الخاء والغين (هدى للمتقين) أي هو هدى أي رشد وبيان لأهل التقوى، وقيل هو نصب على الحال أي هادياً تقديره لا ريب في هدايته للمتقين والهدى ما يهتدي به الإنسان، للمتقين أي للمؤمنين. قال ابن عباس رضي الله عنهما: المتقي من يتقي الشرك والكبائر والفواحش وهو مأخوذ من الاتقاء. وأصله الحجز بين الشيئين ومنه يقال اتقى بترسه أي جعله حاجزاً بين نفسه وبين ما يقصده. وفي الحديث: (( كنا إذا أحمر البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم )) أي إذا اشتد الحرب جعلناه حاجزاً بيننا وبين العدو، فكأن المتقي يجعل امتثال أمر الله والاجتناب عما نهاه حاجزاً بينه وبين العذاب. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لكعب الأحبار: حدثني عن التقوى فقال: هل أخذت طريقاً ذا شوك قال: نعم. قال فما عملت فيه قال: حذرت وشمرت: قال كعب: ذلك التقوى. وقال شهر بن حوشب : المتقي الذي يترك ما لا بأس به حذراً لما به بأس وقال عمر بن عبد العزيز: التقوى ترك ما حرم الله وأداء ما افترض الله فما رزق الله بعد ذلك فهو خير إلى خير. وقيل هو الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وفي الحديث: (( جماع التقوى في قوله تعالى ، { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } (90-النحل) الآية )) وقال ابن عمر: التقوى أن لا ترى نفسك خيراً من أحد. وتخصيص المتقين بالذكر تشريف لهم أو لأنهم هم المتقون بالهدى.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ
    +/- -/+  
الأية
3
 
قوله تعالى : { الذين يؤمنون ، { موضع الذين خفض نعتاً للمتقين. يؤمنون: يصدقون [ ويترك الهمزة أبو عمرو وورش، والآخرون يهمزونه وكذلك يتركان كل همزة ساكنة هي فاء الفعل نحو يؤمن ومؤمن إلا أحرفاً معدودة ]. وحقيقة الإيمان التصديق بالقلب، قال الله تعالى ، { وما أنت بمؤمن لنا } (17-يوسف) [ أي بمصدق لنا ] وهو في الشريعة: الاعتقاد بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالأركان، فسمي الإقرار والعمل إيماناً، لوجه من المناسبة، لأنه من شرائعه. والإسلام: هو الخضوع والانقياد، فكل إيمان إسلام وليس كل إسلام إيماناً، إذا لم يكن معه تصديق، قال الله تعالى } : قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا } (14- الحجرات) وذلك لأن الرجل قد يكون مستسلماً في الظاهر غير مصدق في الباطن. وقد يكون مصدقاً في الباطن غيرمنقاد في الظاهر. وقد اختلف جواب النبي صلى الله عليه وسلم عنهما حين سأله جبريل عليه السلام وهو ما أخبرنا أبو طاهر محمد ابن علي بن محمد بن علي بن محمد بن بويه الزراد البخاري: أنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي ثنا أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي ثنا أبو أحمد عيسى / بن أحمد العسقلاني أنا يزيد بن هارون أنا كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر قال. كان أول من تكلم في القدر، يعني بالبصرة، معبداً الجهني فخرجت أنا و حميد بن عبد الرحمن نريد مكة فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقوله هؤلاء فلقينا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فعلمت أنه سيكل الكلام إلي فقلت: يا أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يتقفرون هذا العلم ويطلبونه يزعمون أن لا قدر إنما الأمر أنف قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني منهم بريء شيئاً حتى يؤمن بالقدر خيره وشره ثم قال. حدثنا عمر بن الخطاب قال } : بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر ما يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد فأقبل حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم [وركبته تمس ركبته] فقال: يامحمد أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا فقال: صدقت فتعجبنا من سؤاله وتصديقه. ثم قال: فما الإيمان قال: أن تؤمن بالله وحده وملائكته وكتبه ورسوله وبالبعث بعد الموت والجنة والنار وبالقدر خيره وشره فقال: صدقت. ثم قال: فما الإحسان قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإنك إن لم تكن تراه فإنه يراك قال: صدقت ثم قال: فأخبرني عن الساعة فقال ما المسؤول عنها بأعلم بها من السائل قال: صدقت قال: فأخبرني عن أماراتها قال: أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في بنيان المدر قال: صدقت ثم انطلق فلما كان بعد ثالثة قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عمر هل تدري من الرجل؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: ذلك جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم وما أتاني في صورة إلا عرفته فيها إلا في صورته هذه }. فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل الإسلام في هذا الحديث إسماً لما ظهر من الأعمال، والإيمان اسماً لما بطن من الاعتقاد وليس ذلك لأن الأعمال ليست من الإيمان أو التصديق بالقلب ليس من الإسلام بل ذلك تفصيل لجملة هي كلها شيء واحد وجماعها الدين، ولذلك قال ذاك جبرائيل أتاكم يعلمكم أمر دينكم. والدليل على أن الأعمال من الإيمان ما أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو القاسم إبراهيم بن محمد بن علي بن الشاه ثنا أبو أحمد بن محمد بن قريش بن سليمان ثنا بشر بن موسى ثنا خلف بن الوليد عن جرير الرازي عن سهل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان }. وقيل: الإيمان مأخوذ من الأمان، فسمي المؤمن مؤمناً لأنه يؤمن نفسه من عذاب الله، والله تعالى مؤمن لأنه يؤمن العباد من عذابه. قوله تعالى ، { بالغيب }: والغيب مصدر وضع موضع الاسم فقيل للغائب غيب [ كما قيل للعادل عدل وللزائر زور. والغيب ما كان مغيباً عن العيون قال ابن عباس: الغيب هاهنا كل ما أمرت بالإيمان به فيما غاب عن بصرك مثل الملائكة والبعث والجنة والنار والصراط والميزان. وقيل الغيب هاهنا: هو الله تعالى، وقيل: القرآن،وقال الحسن: بالآخرة وقال زر بن حبيش وابن جريح: بالوحي. نظيره ، { أعنده علم الغيب } (35-النجم) وقال ابن كيسان : بالقدر وقال عبد الرحمن بن يزيد: كنا عند عبد الله بن مسعود فذكرنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم [وما سبقونا به] فقال عبد الله: إن أمر محمد كان بيناً لمن رآه والذي لا إله غيره ما آمن أحد قط إيماناً أفضل من إيمان بغيب ثم قرأ ، { الم * ذلك الكتاب ، { إلى قوله { المفلحون }. قرأ أبو جعفر وأبو عمرو وورش يومنون بترك الهمزة وكذلك أبو جعفر بترك كل همزة ساكنة إلا في أنبئهم ونبئهم ونبئنا ويترك أبو عمرو كلها إلا أن تكون علامة للجزم نحو نبئهم وأنبئهم وتسؤهم وإن نشأ وننسأها ونحوها أو يكون خروجاً من لغة إلى أخرى نحو مؤصدة ورئياً. ويترك ورش كل همزة ساكنة كانت فاء الفعل إلا تؤوي وتؤويه ولا يترك من عين الفعل: إلا الرؤيا وبابه، إلا ما كان على وزن فعل. مثل: ذئب]. قوله تعالى } : ويقيمون الصلاة } ، أي يديمونها ويحافظون عليها في مواقيتها بحدودها، وأركانها وهيئاتها يقال: قام بالأمر، وأقام الأمر إذا أتى به معطىً حقوقه، والمراد بها الصلوات الخمس ذكر بلفظ (الواحد) كقوله تعالى } : فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق } (213-البقرة) يعني الكتب. والصلاة في اللغة: الدعاء، قال الله تعالى } : وصل عليهم } (103-التوبة) أي ادع لهم، وفي الشريعة اسم لأفعال مخصوصة من قيام وركوع وسجود وقعود ودعاء وثناء. وقيل في قوله تعالى ، { إن الله وملائكته يصلون على النبي } (56-الأحزاب) الآية إن الصلاة من الله في هذه الآية الرحمة ومن الملائكة الاستغفار، ومن المؤمنين: الدعاء. قوله تعالى } : ومما رزقناهم } (أي) أعطيناهم والرزق اسم لكل ما ينتفع به حتى الولد والعبد وأصله في اللغة الحظ والنصيب ، { ينفقون ، { يتصدقون. قال قتادة : ينفقون في سبيل الله وطاعته. وأصل الإنفاق: الإخراج عن اليد والملك، ومنه نفاق السوق، لأنه تخرج فيه السلعة عن اليد، ومنه: نفقت الدابة إذا أخرجت روحها. فهذه الآية في المؤمنين من مشركي العرب.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ
    +/- -/+  
الأية
4
 
قوله تعالى : { والذين يؤمنون بما أنزل إليك } ، يعني القرآن ، { وما أنزل من قبلك ، { من التوراة والإنجيل وسائر الكتب المنزلة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ويترك أبو جعفر و ابن كثير وقالون (وأبو عمرو) وأهل البصرة ويعقوب كل مدة تقع بين كل كلمتين. والآخرون يمدونها. وهذه الآية في المؤمنين من أهل الكتاب. قوله تعالى ، { وبالآخرة } ، أي بالدار الآخرة سميت الدنيا دنيا لدنوها من الآخرة وسميت الآخرة آخرة لتأخرها وكونها بعد الدنيا ، { هم يوقنون } ، أي يستيقنون أنها كائنة، من الإيقان: وهو العلم. وقيل: الإيقان واليقين: علم عن استدلال. ولذلك لا يسمى الله موقناً ولاعلمه يقيناً إذ ليس علمه عن استدلال.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
    +/- -/+  
الأية
5
 
قوله تعالى : { أولئك } ، أي أهل هذه الصفة وأولاء كلمة معناها الكناية عن جماعة نحو: هم، والكاف للخطاب كما في حرف ذلك ، { على هدى } ، أي رشد وبيان وبصيرة ، { من ربهم، وأولئك هم المفلحون } ، أي الناجون / والفائزون فازوا بالجنة ونجوا من النار، ويكون الفلاح بمعنى البقاء أي باقون في النعيم المقيم وأصل الفلاح القطع والشق ومنه سمي الزراع فلاحاً لأنه يشق الأرض وفي المثل: الحديد بالحديد يفلح أي يشق فهم (مقطوع) لهم بالخير في الدنيا والآخرة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
    +/- -/+  
الأية
6
 
{ قوله ، { إن الذين كفروا } ، يعني مشركي العرب قال الكلبي : يعني اليهود. والكفر هو الجحود وأصله من الكفر وهو الستر ومنه سمي الليل كافراً لأنه يستر الأشياء بظلمته وسمي الزارع كافراً لأنه يستر الحب بالتراب والكافر يستر الحق بجحوده. والكفر على أربعة أنحاء: كفر إنكار، وكفر جحود، وكفر عناد، وكفر نفاق. فكفر الإنكار: أن لا يعرف الله أصلاً ولا يعترف به، وكفر الجحود هو: أن يعرف الله تعالى بقلبه ولا يقر بلسانه ككفر إبليس (وكفر) اليهود. قال الله تعالى } : فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به } (89-البقرة) وكفر العناد هو: أن يعرف الله بقلبه ويعترف بلسانه ولا يدين به ككفر أبي طالب حيث يقول: ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحاً بذاك مبيناً وأما كفر النفاق: فهو أن يقر بلسانه ولا يعتقد بالقلب، وجميع هذه الأنواع سواء في أن من لقي الله تعالى بواحد منها لا يغفر له. قوله ، { سواء عليهم } ، أي: متساو لديهم ، { أأنذرتهم ، { خوفتهم وحذرتهم والإنذار إعلام مع تخويف وتحذير وكل منذر معلم وليس كل معلم منذراً وحقق ابن عامر و عاصم و حمزة و الكسائي الهمزتين في ((أأنذرتهم)) وكذلك كل همزتين تقعان في أول الكلمة والآخرون يلينون الثانية { أم ، { حرف عطف على الاستفهام { لم ، { حرف جزم لا تلي إلا الفعل لأن الجزم يختص بالأفعال { تنذرهم لا يؤمنون ، { وهذه الآية في أقوام حقت عليهم الشقاوة في سابق علم الله ثم ذكر سبب تركهم الإيمان فقال

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
خَتَمَ اللهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
7
 
{ فقال ، { ختم الله ، { طبع الله ، { على قلوبهم ، { فلا تعي خيراً ولا تفهمه. وحقيقة الختم الاستيثاق من الشيء كيلا يدخله ما خرج منه ولا يخرج عنه ما فيه، ومنه الختم على الباب. قال أهل السنة: أي حكم على قلوبهم بالكفر، لما سبق من علمه الأزلي فيهم، وقال المعتزلة: جعلعلى قلوبهم علامة تعرفهم الملائكة بها. { وعلى سمعهم }: أي: على موضع سمعهم فلا يسمعون الحق ولا ينتفعون به، وأراد على أسماعهم كما قال } : على قلوبهم ، { وإنما وحده لأنه مصدر، والمصدر لا يثنى ولا يجمع. { وعلى أبصارهم غشاوة ، { هذا ابتداء كلام. غشاوة أي: غطاء، فلا يرون الحق. وقرأ أبو عمرو و الكسائي أبصارهم بالامالة وكذا كل ألف بعدها راء مجرورة في الأسماء كانت لام الفعل يميلانها ويميل حمزة منها ما يتكرر فيه الراء كالقرار ونحوه. زاد الكسائي إمالة جبارين والجوار والجار وبارئكم ومن أنصاري ونسارع وبابه. وكذلك يميل هؤلاء كل ألف بمنزلة لام الفعل، أو كان علماً للتأنيث، إذا كان قبلها راء، فعلم التأنيث مثل: الكبرى والأخرى. ولام الفعل: مثل ترى وافترى، يكسزون الراء فيها. { ولهم عذاب عظيم } ، أي: في الآخرة، وقيل: القتل والأسر في الدنيا والعذاب الدائم في العقبى. والعذاب كل ما يعني الإنسان ويشق عليه. قال الخليل : العذاب ما يمنع الإنسان عن مراده، ومنه: الماء العذب، لأنه يمنع العطش.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ
    +/- -/+  
الأية
8
 
{ قوله } : ومن الناس من يقول آمنا بالله ، { نزلت في المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول، ومعتب بن قشير، وجد بن قيس وأصحابهم حيث أظهروا كلمة الإسلام ليسلموا من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه واعتقدوا خلافها وأكثرهم من اليهود، والناس جمع انسان سمي به لأنه عهد إليه فنسي كما قال الله تعالى ، { ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي } (115-طه) وقيل لظهوره من قولهم آنست أي أبصرت، وقيل لأنه يستأنس به ، { وباليوم الآخر } ، أي بيوم القيامة. قال الله تعالى } : وما هم بمؤمنين } ، أي يخالفون الله.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ
    +/- -/+  
الأية
9
 
{ يخادعون الله } ، أي يخالفون الله وأصل الخدع في اللغة الإخفاء ومنه المخدع للبيت الذي يخفى فيه المتاع فالمخادع يظهر خلاف ما يضمر والخدع من الله في قوله { وهو خادعهم } (182-النساء) أي يظهر لهم ويعجل لهم من النعيم في الدنيا خلاف ما يغيب عنهم من عذاب الآخرة. وقيل: أصل الخدع: الفساد، معناه يفسدون ما أظهروا من الإيمان بما أضمروا من الكفر. وقوله: '' وهو خادعهم } ، أي: يفسد عليهم نعيمهم في الدنيا بما يصيرهم إليه من عذاب الآخرة فإن قيل ما معنى قوله ، { يخادعون الله ، { والمفاعلة للمشاركة وقد جل الله تعالى عن المشاركة في المخادعة؟ قيل: قد ترد المفاعلة لا على معنى المشاركة كقولك عافاك الله وعاقبت فلاناً، وطارقت النعل. وقال الحسن : معناه يخادعون رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى } : إن الذين يؤذون الله } (57- الأحزاب) أي أولياء الله، وقيل: ذكر الله هاهنا تحسين والقصد بالمخادعة الذين آمنوا كقوله تعالى ، { فأن لله خمسه وللرسول } (41- الأنفال) وقيل معناه يفعلون في دين الله ما هو خداع في دينهم ، { والذين آمنوا } ، أي و يخادعون المؤمنين بقولهمإذا رأوهم آمنا وهم غير مؤمنين. { وما يخدعون ، { قرأ ابن كثير و نافع و أبو عمرو وما يخادعون كالحرف الأول وجعلوه من المفاعلة التي تختص بالواحد. وقرأ الباقون: وما يخدعون على الأصل. { إلا أنفسهم ، { لأن وبال خداعهم راجع إليهم لأن الله تعالى يطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على نفاقهم فيفتضحون في الدنيا ويستوجبون العقاب في العقبى ، { وما يشعرون } ، أي لا يعلمون أنهم يخدعون أنفسهم وأن وبال خداعهم يعود عليهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ
    +/- -/+  
الأية
10
 
{ في قلوبهم مرض ، { شك ونفاق وأصل المرض الضعف. وسمي الشك في الدين مرضاً لأنه يضعف الدين كالمرض يضعف البدن. { فزادهم الله مرضاً ، { لأن الآيات كانت تنزل تترى، آية بعد آية، كلما كفروا بآية ازدادوا كفراً ونفاقاً وذلك معنى قوله تعالى ، { وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم } (125-التوبة) وقرأ ابن عامر و حمزة فزادهم بالإمالة وزاد حمزة إمالة زاد حيث وقع وزاغ وخاب وطاب وحاق وضاق، والآخرون لا يميلونها ، { ولهم عذاب أليم ، { مؤلم يخلص وجعه إلى قلوبهم ، { بما كانوا يكذبون ، { ما للمصدر أي بتكذيبهم الله ورسوله في السر. قرأ الكوفيون يكذبون بالتخفيف أي بكذبهم (إذ) قالوا آمنا وهم غير مؤمنين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ
    +/- -/+  
الأية
11
 
{ وإذا قيل ، { قرأ الكسائي : (( قيل )) و (( غيض )) و (( جيء )) و (( حيل )) و (( سيق )) و (( سيئت )) بروم أوائلهن الضم - ووافق ابن عامر في (( سيق )) و (( حيل )) و (( سيئ )) و (( سيئت )) - ووافق أهل المدينة في: سيء وسيئت لأن أصلها قول بضم القاف وكسر الواو، مثل قتل وكذل في أخواته فأشير إلى الضمة لتكون دالة على الواو المنقلبة وقرأ الباقون بكسر أوائلهن، استثقلوا الحركة على الواو فنقلوا كسرتها إلى فاء الفعل وانقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها / { وإذا قيل لهم } ، يعني للمنافقين، وقيل لليهود أي قال لهم المؤمنون ، { لا تفسدوا في الأرض ، { بالكفر وتعويق الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن. وقيل معناه لا تكفروا، والكفر أشد فساداً في الدين ، { قالوا إنما نحن مصلحون ، { يقولون هذا القول كذباً كقولهم آمنا وهم كاذبون.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِنْ لَا يَشْعُرُونَ
    +/- -/+  
الأية
12
 
{ ألا ، { كلمة تنبيه ينبه بها المخاطب ، { إنهم هم المفسدون ، { أنفسهم بالكفر والناس بالتعويق عن الإيمان ، { ولكن لا يشعرون } ، أي لا يعلمون أنهم مفسدون لأنهم يظنون أن الذي هم عليه من إبطان الكفر صلاح. وقيل: لا يعلمون ما أعد الله لهم من العذاب.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِنْ لَا يَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
13
 
{ وإذا قيل لهم } ، أي للمنافقين وقيل لليهود ، { آمنوا كما آمن الناس ، { عبد الله بن سلام وغيره من مؤمني أهل الكتاب وقيل كما آمن المهاجرون والأنصار ، { قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء } ، أي الجهال فإن قيل كيف يصح النفاق مع ( المهاجرة ) بقولهم أنؤمن كما آمن السفهاء قيل أنهم كانوا يظهرون هذا القول فيما بينهم لا عند المؤمنين. فأخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بذلك فرد الله عليهم فقال ، { ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون ، { أنهم كذلك فالسفيه خفيف العقل رقيق الحلم من قولهم: ثوب سفيه أي رقير وقيل السفيه الكذاب الذي يتعمد (الكذب) بخلاف ما يعلم. قرأ أهل الكوفة والشام (السفهاء ألا) بتحقيق الهمزتين وكذلك كل همزتين وقعتا في كلمتين اتفقتا أو اختلفتا والآخرون يحققون الأولى ويلينون الثانية في المختلفتين طلباً للخفة فإن كانتا متفقتين مثل: هؤلاء، وأولياء، وأولئك، وجاء أمر ربك - قرأها أبو عمرو و البزي عن ابن كثير بهمزة واحدة وقرأ أبو جعفر وورش والقواش و يعقوب بتحقيق الأولى وتليين الثانية وقرأ قالون بتخفيف الأولى وتحقيق الثانية لأن ما يستأنف أولى بالهمزة مما يسكت عليه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ
    +/- -/+  
الأية
14
 
{ وإذا لقوا الذين آمنوا } ، يعني هؤلاء المنافقين إذا لقوا المهاجرين والأنصار ، { قالوا آمنا ، { كإيمانكم ، { وإذا خلوا ، { رجعوا. ويجوز أن يكون من الخلوة ، { إلى } ، بمعنى الباء أي بشياطينهم وقيل: إلى بمعنى مع كما قال ( الله تعالى ) { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم } ( 2-النساء) أي مع أموالكم ، { شياطينهم } ، أي رؤسائهم وكهنتهم قال ابن عباس رضي الله عنهما: وهم حمسة نفر من اليهود كعب بن الأشرف بالمدينة، وأبو بردة في بني أسلم وعبد الدار في جهينة، وعوف بن عامر في بني أسد، وعبد الله بن السوداء بالشام. ولا يكون كاهن إلا ومعه شيطان تابع له.والشيطان : المتمرد العاتي من الجن والإنس ومن كل شيء وأصله البعد ، يقال بئر شطون أي : بعيدة العمق ، سمي الشيطان شيطانا لامتداده في الشر وبعده عن الخير . وقال مجاهد : إلى أصحابهم من المنافقين والمشركين ، { قالوا إنا معكم } ، أي : على دينكم ، { إنما نحن مستهزئون ، { بمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه بما نظهر من الإسلام . قرأ أبو جعفر مستهزون ويستهزون وقل استهزوا وليطفوا وليواطوا ويستنبونك وخاطين وخاطون ومتكن ومتكون فمالون والمنشون بترك الهمزة فيهن.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ
    +/- -/+  
الأية
15
 
{ الله يستهزئ بهم } ، أي يجازيهم جزاء استهزائهم سمي الجزاء باسمه لأنه في مقابلته كما قال الله تعالى } : وجزاء سيئة سيئة مثلها } (40-الشورى) قال ابن عباس: هو أن يفتح لهم باب من الجنة فإذا انتهوا إليه سد عنهم، وردوا إلى النار وقيل هو أن يضرب للمؤمنين نور يمشون به على الصراط فإذا وصل المنافقون إليه حيل بينهم وبين المؤمنين كما قال الله تعالى } : وحيل بينهم وبين ما يشتهون } (54-سبأ) قال الله تعالى } : فضرب بينهم بسور له باب ، { الآية (13-الحديد) وقال الحسن معناه الله يظهر المؤمنين على نفاقهم ، { ويمدهم ، { يتركهم ويمهلهم والمد والإمداد واحد، وأصله الزيادة إلا أن المد أكثر ما يأتي في الشر والإمداد في الخير قال الله تعالى في المد ، { ونمد له من العذاب مداً } (79-مريم) وقال في الإمداد ، { وأمددناكم بأموال وبنين } (6 ـ الإسراء ) { وأمددناهم بفاكهة } (22-الطور) { في طغيانهم } ، أي في ضلالتهم وأصله مجاوزة الحد. ومنه طغى الماء ، { يعمهون } ، أي يترددون في الضلالة متحيرين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ
    +/- -/+  
الأية
16
 
{ أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى } ، أي استبدلوا الكفر بالإيمان ، { فما ربحت تجارتهم } ، أي ما ربحوا في تجارتهم أضاف الربح إلى التجارة لأن الربح يكون فيها كما تقول العرب: ربح بيعك وخسرت صفقتك ، { وما كانوا مهتدين ، { من الضلالة، وقيل مصيبين في تجارتهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ
    +/- -/+  
الأية
17
 
{ مثلهم ، { شبههم، وقيل صفتهم. والمثل: قول سائر في عرف الناس يعرف به معنى الشيء وهو أحد أقسام القرآن السبعة ، { كمثل الذي } ، يعني الذين بدليل سياق الآية. ونظيره ، { والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون } (33-الزمر) { استوقد ، { أوقد ، { ناراً فلما أضاءت ، { النار ، { ما حوله } ، أي حول المستوقد. وأضاء: لازم ومتعد يقال أضاء الشيء بنفسه وأضاءه غيره وهو هاهنا متعد ، { ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون ، { قال ابن عباس و قتادة و مقاتل و الضحاك و السدي نزلت في المنافقين. يقول: مثلهم في نفاقهم كمثل رجل أوقد ناراً في ليلة مظلمة في مفازة فاستدفأ ورأى ما حوله فاتقى مما يخاف فبينا هو كذلك إذا طفيت ناره فبقي في ظلمة طائفاً متحيراً فكذلك المنافقون بإظهار كلمة الإيمان أمنوا على أموالهم وأولادهم وناكحوا المؤمنين ووارثوهم وقاسموهم الغنائم فذلك نورهم فإذا ماتوا عادوا إلى الظلمة والخوف. وقيل: ذهاب نورهم في القبر. وقيل: في القيامه حيث يقولون للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم. وقيل: ذهاب نورهم بإظهارعقيدتهم على لسان النبي صلى الله عليه وسلم فضرب النار مثلاً ثم لم يقل أطفأ الله نارهم لكن عبر بإذهاب النور عنه لأن النار نور وحرارة فيذهب نورهم وتبقى الحرارة عليهم. وقال مجاهد : إضاءة النار إقبالهم إلى المسلمين والهدى وذهاب نورهم إقبالهم إلى المشركين والضلالة وقال عطاء و محمد بن كعب : نزلت في اليهود. وانتظارهم خروج النبي صلى الله عليه وسلم واستفتاحهم به على مشركي العرب فلما خرج كفروا به ثم وصفهم الله فقال

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ
    +/- -/+  
الأية
18
 
{ صم } ، أي هم صم عن الحق لا يقبلونه وإذا لم يقبلوا فكأنهم لم يسمعوا ، { بكم ، { خرس عن الحق لا يقولونه أو أنهم لما أبطنوا خلاف ما أظهروا فكأنهم لم ينطقوا بالحق ، { عمي } ، أي لا بصائر لهم ومن لا بصيرة له كمن لا بصر له ، { فهم لا يرجعون ، { عن الضلالة إلى الحق.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ۚ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ
    +/- -/+  
الأية
19
 
{ أو كصيب } ، أي كأصحاب صيب وهذا مثل آخر ضربه الله تعالى للمنافقين بمعنىآخر إن شئت مثلهم بالمستوقد وإن شئت بأهل الصيب وقيل / أو بمعنى الواو يريد وكصيب كقوله تعالى } : أو يزيدون } ، بمعنى ويزيدون والصيب المطر وكل ما نزل من الأعلى إلى الأسفل فهو صيب فيعل من صاب يصوب أي نزل من السماء أي من السحاب قيل هي السماء بعينها والسماء كل ما علاك فأظلك وهي من أسماء الأجناس يكون واحداً وجمعاً ، { فيه } ، أي في الصيب وقيل في السماء أي من السحاب ولذلك ذكره وقيل السماء يذكر ويؤنث قال الله تعالى } : السماء منفطر به } (18-المزمل) وقال ، { إذا السماء انفطرت } (1-الانفطار) { ظلمات ، { جمع ظلمة ، { ورعد ، { هو الصوت الذي يسمع من السحاب ، { وبرق ، { وهو النار التي تخرج منه. قال علي وابن عباس وأكثر المفسرين رضي الله عنهم: الرعد اسم ملك يسوق السحاب والبرق لمعان سوط من نور يزجر به الملك السحاب. وقيل الصوت زجر السحاب وقيل تسبيح الملك. وقيل الرعد نطق الملك والبرق ضحكه. وقال مجاهد الرعد اسم الملك ويقال لصوته أيضاً رعد والبرق مصع ملك يسوق السحاب وقال شهر بن حوشب : الرعد ملك يزجي السحاب فإذا تبددت ضمها فإذا اشتد غضبه طارت من فيه النار فهي الصواعق، وقيل الرعد صوت انحراف الريح بين السحاب والأول أصح. { يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق ، { جمع صاعقة وهي الصيحة التي يموت من يسمعها أو يغشى عليه. ويقال لكل عذاب مهلك: صاعقة، وقيل الصاعقة قطعة عذاب ينزلها الله تعالى على من يشاء. روي عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق قال } : اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك }.قوله ، { حذر الموت } ، أي مخافة الهلاك ، { والله محيط بالكافرين } ، أي عالم بهم وقيل جامعهم. وقال مجاهد : يجمعهم فيعذبهم. وقيل: مهلكهم، دليله قوله تعالى } : إلا أن يحاط بكم } (66-يوسف) أي تهلكوا جميعاً. ويميل أبو عمرو و الكسائي الكافرين في محل النصب والخفض ولا يميلان } : أول كافر به } (41-البقرة).

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ۖ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ۚ إِنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
    +/- -/+  
الأية
20
 
{ يكاد البرق } ، أي يقرب، يقال: كاد يفعل إذا قرب ولم يفعل ، { يخطف أبصارهم ، { يختلسها والخطف استلاب بسرعة ، { كلما ، { كل حرف جملة ضم إلى ما الجزاء فصار أداة للتكرار ومعناهما متى ما ، { أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا } ، أي وقفوا متحيرين، فالله تعالى شبههم في كفرهم ونفاقهم بقوم كانوا في مفازة في ليلة مظلمة أصابهم مطر فيه ظلمات من صفتها أن الساري (لا يمكنه) المشي فيها، ورعد من صفته أن يضم السامعون أصابعهم إلى آذانهم من هوله، وبرق من صفته أن يقرب من أن يخطف أبصارهم ويعميها من شدة توقده، فهذا مثل ضربه الله للقرآن وصنيع الكافرين والمنافقين معه، فالمطر القرآن لأنه حياة الجنان كما أن المطر حياة الأبدان، والظلمات ما في القرآن من ذكر الكفر والشرك، والرعد ما خوفوا به من الوعيد، وذكر النار والبرق ما فيه من الهدى والبيان والوعد وذكر الجنة. والكافرون يسدون آذانهم عند قراءة القرآن مخافة ميل القلب إليه لأن الإيمان عندهم كفر والكفر موت ، { يكاد البرق يخطف أبصارهم } ، أي القرآن يبهر قلوبهم. وقيل هذا مثل ضربه الله للإسلام فالمطر الإسلام والظلمات ما فيه من البلاء والمحن، والرعد: ما فيه من الوعيد والمخاوف في الآخرة، والبرق ما فيه من الوعد والوعيد ، { يجعلون أصابعهم في آذانهم } ، يعني أن المنافقين إذا رأوا في الإسلام بلاء وشدة هربوا حذراً من الهلاك ، { والله محيط بالكافرين ، { جامعهم يعني لا ينفعهم هربهم لأن الله تعالى من ورائهم يجمعهم فيعذبهم. يكاد البرق يعنى دلائل الإسلام تزعجهم إلى النظر لولا ما سبق لهم من الشقاوة. { كلما أضاء لهم مشوا فيه } ، يعني أن المنافقين إذا أظهروا كلمة الإيمان آمنوا فإذا ماتوا عادوا إلى الظلمة. وقيل معناه كلما نالواغنيمة وراحة في الإسلام ثبتوا وقالوا إنا معكم ، { وإذا أظلم عليهم قاموا } ، يعني: رأوا شدة وبلاء تأخروا وقاموا أي وقفوا كما قال تعالى ، { ومن الناس من يعبد الله على حرف } (11-الحج) { ولو شاء الله لذهب بسمعهم } ، أي بأسماعهم ، { وأبصارهم ، { الظاهرة كما ذهب بأسماعهم وأبصارهم الباطنة، وقيل لذهب بما استفادوا من العز والأمان الذي لهم بمنزلة السمع والبصر. { إن الله على كل شيء قدير }: قادر. قرأ عامر وحمزة شاء وجاء حيث كان بالإمالة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
    +/- -/+  
الأية
21
 
قوله تعالى : { يا أيها الناس ، { قال ابن عباس رضي الله عنهما: ياأيها الناس خطاب أهل مكة، ويا أيها الذين آمنوا خطاب أهل المدينة وهو هاهنا عام إلا من حيث أنه لا يدخله الصغار والمجانين. { اعبدوا ، { وحدوا. قال ابن عباس رضي الله عنهما: كل ما ورد في القرآن من العبادة فمعناها التوحيد ، { ربكم الذي خلقكم ، { الخلق: اختراع الشيء على غير مثال سبق ، { والذين من قبلكم } ، أي وخلق الذين من قبلكم ، { لعلكم تتقون ، { لكي تنجوا من العذاب وقيل معناه كونوا على رجاء التقوى بأن تصيروا في ستر ووقاية من عذاب الله، وحكم الله من ورائكم يفعل ما يشاء كما قال } : فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى } (44-طه) أي ادعواه إلى الحق وكونا على رجاء التذكر، وحكم الله من ورائه يفعل ما يشاء، قال سيبويه : لعل وعسى حرفا ترج وهما من الله واجب.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ۖ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
22
 
{ الذي جعل لكم الأرض فراشاً } ، أي بساطاً وقيل مناماً وقيل وطاء أي ذللها ولم يجعلها حزنة لايمكن القرار عليها قال البخاري : حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله رضي الله عنه قال: '' سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي ذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل لله نداً وهوخلقك قلت: إن ذلك عظيم. ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك . قلت: ثم أي قال: أن تزاني حليلة جارك ، { والجعل هاهنا بمعنى الخلق ، { والسماء بناء ، { وسقفاً مرفوعاً. { وأنزل من السماء } ، أي من السحاب ، { ماء ، { وهو المطر ، { فأخرج به من الثمرات ، { من ألوان الثمرات وأنواع النبات ، { رزقاً لكم ، { طعاماً لكم وعلفاً لدوابكم ، { فلا تجعلوا لله أنداداً } ، أي أمثالاً تعبدونهم كعبادة الله. قال أبو عبيدة: الند الضد وهو من الأضداد والله تعالى بريء من المثل والضد. { وأنتم تعلمون ، { أنه واحد خالق هذه الأشياء.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
    +/- -/+  
الأية
23
 
{ وإن كنتم في ريب } ، أي (وإن) كنتم في شك، لأن الله تعالى علم أنهم شاكون ، { مما نزلنا } ، يعني القرآن ، { على عبدنا ، { محمد ، { فأتوا ، { أمر تعجيز ، { بسورة ، { والسورة قطعة من القرآن معلومة الأول والآخر من أسأرت أي أفضلت، حذفت الهمزة، وقيل: السورة اسم للمنزلة الرفيعة / ومنه سور البناءلارتفاعه سميت سورة لأن القارئ ينال بقراءتها منزلة رفيعة حتى يستكمل المنازل باستكماله سور القرآن ، { من مثله } ، أي مثل القرآن (( ومن )) صلة، كقوله تعالى } : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } (30-النور) وقيل: الهاء في مثله راجعة لمحمد صلى الله عليه وسلم يعني: من مثل محمد صلى الله عليه وسلم أمي لا يحسن الخط والكتابة [ قال محمود هاهنا من مثله دون سائر السور، لأن من للتبعيض وهذه السورة أول القرآن بعد الفاتحة فأدخل من ليعلم أن التحدي واقع على جميع سور القرآن، ولو أدخل من في سائر السور كان التحدي واقعاً على جميع سور القرآن، ولو أدخل خفي سائر السور كان التحدي واقعاً على بعض السور ]. { وادعوا شهداءكم } ، أي واستعينوا بآلهتكم التي تعبدونها ، { من دون الله ، { وقال مجاهد : ناساً يشهدون لكم ، { إن كنتم صادقين ، { أن محمداً صلى الله عليه وسلم يقوله من تلقاء نفسه فلما تحداهم عجزوا فقال

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ۖ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ
    +/- -/+  
الأية
24
 
{ فإن لم تفعلوا ، { فيما مضى ، { ولن تفعلوا ، { أبداً فيما بقي. وإنما قال ذلك لبيان الإعجاز وأن القرآن كان معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم حيث عجزوا عن الإتيان بمثله. { فاتقوا النار } ، أي فآمنوا واتقوا بالإيمان النار. { التي وقودها الناس والحجارة ، { قال ابن عباس وأكثر المفسرين يعني حجارة الكبريت لأنها أكثر التهاباً، وقيل جميع الحجارة وهودليل على عظمة تلك النار وقيل: أراد بها الأصنام لأن أكثر أصنامهم كانت منحوتة من الحجارة كما قال ، { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } (98-الأنبياء) { أعدت ، { هيئت ، { للكافرين }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا ۙ قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
    +/- -/+  
الأية
25
 
{ وبشر الذين آمنوا } ، أي أخبر والبشارة كل خبر صدق تتغير به بشرة الوجه، ويستعمل في الخير والشر، وفي الخير أغلب ، { وعملوا الصالحات } ، أي الفعلات الصالحات يعني المؤمنين الذين من أهل الطاعات قال عثمان بن عفان رضي الله عنه ، { وعملوا الصالحات } ، أي أخلصوا الأعمال كما قال ، { فليعمل عملاً صالحاً } (110-الكهف) أي خالياً عن الرياء. قال معاذ: العمل الصالح الذي فيه أربعة أشياء: العلم، والنية، والصبر، والاخلاص. { أن لهم جنات ، { جمع الجنة، والجنة البستان الذي فيه أشجار مثمرة، سميت بها لاجتنابها وتسترها بالأشجار. وقال الفراء : الجنة ما فيه النخيل، والفردوس ما فيه الكرم. { تجري من تحتها } ، أي من تحت أشجارها ومساكنها ، { الأنهار } ، أي المياه في الأنهار لأن النهر لا يجري وقيل (من تحتها) أي بأمرهم لقوله تعالى حكاية عن فرعون ، { وهذه الأنهار تجري من تحتي } (51-الزخرف) أي بأمري والأنهار جمع نهر سمي به لسعته وضيائه. ومنه النهار. وفي الحديث (( أنهار الجنة في غير أخدود )) { كلما ، { متى ما ، { رزقوا ، { أطعموا ، { منها } ، أي من الجنة من ثمرة أي ثمرة و ، { من ، { صلة ، { رزقاً ، { طعاماً ، { قالوا هذا الذي رزقنا من قبل ، { وقبل رفع على الغاية. قال الله تعالى } : لله الأمر من قبل ومن بعد } (4-الروم) قيل: من قبل في الدنيا وقيل: الثمار في الجنة متشابهة في اللون، مختلفة في الطعم، فإذا رزقوا ثمرة بعد أخرى ظنوا أنها الأولى ، { وأتوا به ، { بالرزق ، { متشابهاً ، { قال ابن عباس و مجاهد و الربيع : متشابهاً في الأوان، مختلفاً في الطعوم. وقال الحسن و قتادة : متشابهاً. أي يشبه بعضها بعضاً في الجودة، أي كلها خيار لا رذالة فيها. وقال محمد بن كعب : يشبه ثمر الدنيا غير أنها أطيب. وقيل متشابهاً في الاسم مختلفاً في الطعم. قال: ابن عباس رضي الله عنهما: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسامي. أنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي أنا أبو عبد الله محمد ابن عبد الله الصفار أنا أحمد بن محمد بن عيسى البرتي أنا محمد بن كثير أنا سفيان الثوري عن الأعمش عن ابي سفيان عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون ولا يبزقون، يلهمون الحمد والتسبيح، كما تلهمون النفس، طعامهم الجشاء، ورشحهم المسك }. قوله تعالى } : ولهم فيها ، { في الجنان ، { أزواج ، { نساء وجواري يعني من الحور العين ، { مطهرة ، { من الغائط، والبول، والحيض، والنفاس، والبصاق، والمخاط والمني، والولد، وكل قذر. قال إبراهيم النخعي : في الجنة جماع ما شئت ولا ولد. وقال الحسن هن عجائزكم الغمص العمش طهرن من قذرات الدنيا. وقيل: مطهرة عن مساوئ الأخلاق ، { وهم فيها خالدون ، { دائمون لا يموتون فيها ولا يخرجون منها. أنا أبو عمرو عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو حامد أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف الفربري ، أنا محمد بن إسماعيل البخاري أنا قتيبة بن سعيد ، أنا جرير عن عمارة عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة لا يبولون ولا يتغوطون، ولا يتفلون ولا يتمخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة وأزواجهم الحور العين، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء }. أنا عبد الواحد المليحي أنا عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم البغوي أنا علي بن الجعد أنا فضيل هو ابن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : أول زمرة تدخل الجنة يوم القيامة صورة وجوههم مثل صورة القمر ليلة البدر، والزمرة الثانية على لون أحسن الكواكب في السماء لكل رجل منهم زوجتان، على كل زوجة سبعون حلة، يرى مخ سوقهن دون لحومها ودمائها وحللها }. أنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي المروزي أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني ، أنا عبد الرحمن بن أبي شريح أنا عبد الله بن عمر الجوهري أنا أحمد بن علي الكشميهني أنا علي بن حجر أنا اسماعيل بن جعفر بن أبي كثير المدني عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم } : لو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت على الأرض لأضاءت ما بينهما ولملئت ما بينهما ريحاً، ولتاجها على رأسها خير من الدنيا وما فيها }. أنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني أنا أبو محمد محمد بن شريك الشافعي أنا عبد الله بن محمد بن مسلم أنا أبو بكر الجوربذي أنا أحمد بن الفرج الحمصي أنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار أنا محمد بن المهاجر عن الضحاك المعافري عن سليمان بن موسى حدثني كريب أنه سمع أسامة بن زيد يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : ألا هل من مشمر للجنة، وإن الجنة لا خطر لها وهي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز، وقصر مشيد ونهر مطرد، وثمرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة ومقام أبد في دار / سليمة وفاكهة خضرة، وحبرة، ونعمة في محلة عالية بهية قالوا: نعم يا رسول الله نحن المشمرون لها فقال: قولوا إن شاء الله قال القوم: إن شاء الله. { وروي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: '' أهل الجنة جرد مرد كحل لا يفنى شبابهم، ولا تبلى ثيابهم }. أنا أبو بكر محمد بن عبد الصمد الترابي أنا الحاكم أبو الفضل الحدادي أنا أبو يزيد محمد بن يحيى ابن خالد أنا إسحاق الحنظلي أنا أبو معاوية أنا عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعيد عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : إن في الجنة لسوقاً ليس فيه بيع ولا شراء إلا الصور من الرجال والنساء، فإذا اشتهى الرجل صورة دخل فيها، إن فيها لمجتمع الحور العين ينادين، بصوت لم يسمع الخلائق مثله: نحن الخالدات فلا نبيد أبداً، ونحن الناعمات فلا نبأس أبداً، ونحن الراضيات فلا نسخط أبداً، فطوبى لمن كان لنا وكنا له ونحن له ، { ورواه أبو عيسى عن هناد و أحمد بن منيع عن أبي نعاوية مرفوعاً وقال: هذا حديث غريب. أنا أسماعيل بن عبد القاهر الجرجاني أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي أنا محمد بن عيسى الجلودي أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحجاج أنا أبو عثمان سعيد بن عبد الجبارالبصري أنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال } : إن في الجنة لسوقاً يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً فيقول لهم أهلهم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً فيقولون وأنتم والله لقد زدتم بعدنا حسناً وجمالاً }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ
    +/- -/+  
الأية
26
 
{ قوله تعالى ، { إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها ، { سبب نزول هذه الآية أن الله تعالى لما ضرب المثل بالذباب والعنكبوت فقال } : إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له } (73-الحج) وقال } : مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً } (41-العنكبوت) قالت اليهود: ما أراد الله بذكر هذه الأشياء الخسيسة؟ وقيل: قال المشركون: إنا لا نعبد إلهاً يذكر مثل هذه الأشياء فأنزل الله تعالى ، { إن الله لا يستحيي } ، أي لا يترك ولا يمنعه الحياء ، { أن يضرب مثلاً ، { يذكر شبهاً ، { ما بعوضة ، { ما: صلة، أي مثلاً بالبعوضة، وبعوضة نصب بدل عن المثل. والبعوض صغار البق سميت بعوضة كأنها بعض البق ، { فما فوقها ، { يعنى الذباب والعنكبوت وقال أبو عبيدة أي فما دونها كما يقال وفوق ذلك أي وأجهل ، { فأما الذين آمنوا ، { بمحمد والقرآن ، { فيعلمون أنه } ، يعني: المثل هو ، { الحق ، { الصدق ، { من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً { ؟ أي بهذا المثل فلما حذف الألف واللام نصبه على الحال والقطع ثم أجابهم فقال ، { يضل به } ، أي بهذا المثل ، { كثيراً ، { من الكفار وذلك أنهم يكذبونه فيزدادون ضلالاً ، { ويهدي به } ، أي بهذا المثل ، { كثيراً ، { من المؤمنين فيصدقونه، والإضلال: هو الصرف عن الحق إلى الباطل. وقيل: هو الهلاك يقال ضل الماء في اللبن إذا هلك ، { وما يضل به إلا الفاسقين ، { الكافرين وأصل الفسق الخروج يقال فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها قال الله تعالى } : ففسق عن أمر ربه } (50-الكهف) أي خرج ثم وصفهم فقال:

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
    +/- -/+  
الأية
27
 
{ الذين ينقضون ، { يخالفون ويتركون وأصل النقض الكسر ، { عهد الله ، { أمر الله الذي عهد إليهم يوم الميثاق بقوله } : ألست بربكم؟ قالوا بلى } ( 173-الأعراف) وقيل: أراد به العهد الذي أخذه على النبيين وسائر الأمم أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم في قوله } : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين } (81-آل عمران) الآية وقيل: أراد به العهد الذي عهد إليهم في التوراة أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ويبينوا نعته ، { من بعد ميثاقه ، { توكيده. والميثاق: العهد المؤكد ، { ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ، { يعنى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبجميع الرسل عليهم السلام لأنهم قالوا: نؤمن ببعض ونكفر ببعض وقال المؤمنون ، { لا نفرق بين أحد من رسله } (285-البقرة) وقيل: أراد به الأرحام ، { ويفسدون في الأرض ، { بالمعاصي وتعويق الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن ، { أولئك هم الخاسرون ، { المغبونون، ثم قال لمشركي العرب على وجه التعجب

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
    +/- -/+  
الأية
28
 
{ كيف تكفرون بالله ، { بعد نصب الدلائل ووضوح البراهين ثم ذكر الدلائل فقال } : وكنتم أمواتاً ، { نطفاً في أصلاب آبائكم ، { فأحياكم ، { في الأرحام والدنيا ، { ثم يميتكم ، { عند انقضاء آجالكم ، { ثم يحييكم ، { للبعث ، { ثم إليه ترجعون } ، أي تردون في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم. قرأ يعقوب (( ترجعون )) في كل القرآن بفتح الياء والتاء على تسمية الفاعل.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
29
 
{ قوله تعالى ، { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ، { لكي تعتبروا وتستدلوا وقيل لكي تنتفعوا ، { ثم استوى إلى السماء ، { قال ابن عباس وأكثر مفسري السلف: أي ارتفع إلى السماء. وقال ابن كيسان و الفراء وجماعة من النحويين: أي أقبل على خلق السماء. وقيل: قصد لأنه خلق الأرض أولاً ثم عمد إلى خلق السماء ، { فسواهن سبع سماوات ، { خلقهن مستويات لا فطور فيها ولا صدع ، { وهو بكل شيء عليم ، { قرأ أبو جعفر و أبو عمرو و الكسائي و قالون وهو وهي بسكون الهاء إذا كان قبل الهاء واو أو فاء أو لام، زاد الكسائي و قالون : ثم هو و قالون ، { أن يمل هو } (282-البقرة).

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
30
 
قوله تعالى : { وإذ قال ربك } ، أي وقال ربك وإذ زائدة وقيل معناه واذكر إذ قال ربك وكذلك كل ما ورد في القرآن من هذا النحو فهذا سبيله وإذ وإذا حرفا توقيت إلا أن إذ للماضي وإذا للمستقبل وقد يوضع أحدهما موضع الآخر قال المبرد : إذا جاء (إذ) مع المستقبل كان معناه ماضياً كقوله تعالى ، { وإذ يمكر بك الذين } (30-الأنفال) يريد وإذ مكروا وإذا جاء (إذا ) مع الماضي كان معناه مستقبلاً كقوله } : فإذا جاءت الطامة } (34-النازعات) { إذا جاء نصر الله } (1-النصر) أي يجيء ، { للملائكة ، { جمع ملك وأصله مألك من المألكة والألوكة والوك، وهي: الرسالة فقلبت فقيل ملأك ثم حذفت الهمزة طلباً للخفة لكثرة استعماله ونقلت حركتها إلى اللام فقيل ملك. وأراد بهم الملائكة الذين كانوا في الأرض وذلك أن الله تعالى خلق السماء والأرض وخلق الملائكة والجن فأسكن الملائكة السماء وأسكن الجن الأرض فغبروا فعبدوا دهراً طويلاً في الأرض، ثم ظهر فيهم الحسد والبغي فأفسدوا وقتلوا فبعث الله إليهم جنداً من الملائكة يقال لهم: الجن، وهم خزان الجنان اشتق لهم من الجنة رأسهم إبليس وكان رئيسهم ومرشدهم وأكثرهم علماً فهبطوا إلى الأرض فطردوا الجن إلى شعوب الجبال (وبكون الأودية) وجزائر البحور وسكنوا الأرض وخفف الله عنهم العبادة فأعطى الله إبليس ملك الأرض، وملك السماء الدنيا وخزانة الجنة وكان يعبد الله تارة في الأرض وتارة في السماء وتارة في الجنة فدخله العجب فقال في نفسه: ما أعطاني الله هذا الملك إلا لأني أكرم الملائكة عليه فقال الله تعالى / له ولجنده } : إني جاعل ، { خالق. { في الأرض خليفة } ، أي بدلاً منكم ورافعكم إلي، فكرهوا ذلك لأنهم كانوا أهون الملائكة عبادة. والمراد بالخليفة هاهنا آدم سماه لأنه خلف الجن أي جاء بعدهم وقيل لأنه يخلفه غيره والصحيح أنه خليفة الله في أرضه لإقامة أحكامه وتنفيذ وصاياه ، { قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ، { بالمعاصي. { ويسفك الدماء ، { بغير حق أي كما فعل بنو الجان فقاسوا الشاهد على الغائب وإلا فهم ما كانوا يعلمون الغيب ، { ونحن نسبح بحمدك ، { قال الحسن: نقول سبحان الله وبحمده وهو صلاة الخلق (وصلاة البهائم وغيرهما) سوى الآدميين، وعليها يرزقون.أخبرنا اسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحجاج أنا زهير بن حرب أنا حبان بن هلال أنا وهيب أنا سعيد الجريري عن أبي عبد الله الجسري عن عبادة بن الصامت عن أبي ذر أن رسول صلى الله عليه وسلم سئل أي الكلام أفضل قال } : ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده سبحان الله وبحمده ، { وقيل: ونحن نصلي بأمرك، قال ابن عباس: كل ما في القرآن من التسبيح فالمراد منه الصلاة ، { ونقدس لك } ، أي نثني عليك بالقدس والطهارة وقيل: ونطهر أنفسنا لطاعتك وقيل: وننزهك. واللام صلة وقيل: لم يكن هذا في الملائكة على طريق الاعتراض والعجب بالعمل بل على سبيل التعجب وطلب وجه الحكمة فيه ، { قال ، { الله ، { إني أعلم ما لا تعلمون ، { من المصلحة فيه، وقيل: إني أعلم أن في ذريته من يطيعني ويعبدني من الأنبياء والأولياء والعلماء وقيل: إني أعلم أن فيكم من يعصيني، وهو إبليس، وقيل إني أعلم أنهم يذنبون وأنا أغفر لهم. قرأ أهل الحجاز والبصرة إني أعلم بفتح الياء وكذلك كل ياء إضافة استقبلها ألف مفتوحة إلا في مواضع معدودة ويفتحون في بعض المواضع عند الألف المضمومة والمكسورة (وعند غير الألف) وبين القراء في تفصيله اختلاف.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
    +/- -/+  
الأية
31
 
{ قوله } : وعلم آدم الأسماء كلها ، { سمي آدم لأنه خلق أديم الأرض، وقيل: لأنه كان آدم اللون وكنيته أبو محمد وأبو البشر فلما خلقه الله تعالى علمه أسماء الأشياء وذلك أن الملائكة قالوا: لما قال الله تعالى: (( إني جاعل في الأرض خليفة )): ليخلق ربنا ما شاء فلن يخلق خلقاً أكرم عليه منا وإن كان فنحن أعلم منه لأنا خلقنا قبله ورأينا ما لم يره. فأظهر الله تعالى فضله عليهم بالعلم وفيه دليل على أن الأنبياء أفضل من الملائكة وإن كانوا رسلاً كما ذهب إليه أهل السنة والجماعة قال ابن عباس و مجاهد و قتادة : علمه اسم كل شيء حتى القصعة والقصيعة وقيل: اسم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة. وقال الربيع بن أنس: أسماء الملائكة وقيل: أسماء ذريته، وقيل: صنعة كل شيء قال أهل التأويل: إن الله عز وجل علم آدم جميع اللغات ثم تكلم كل واحد من أولاده بلغة فتفرقوا في البلاد واختص كل فرقة منهم بلغة. { ثم عرضهم على الملائكة ، { إنما قال عرضهم ولم يقل عرضها لأن المسميات إذا جمعت من يعقل ومالا يعقل يكنى عنها بلفظ من يعقل كما يكنى عن الذكور والإناث بلفظ الذكور وقال مقاتل خلق الله كل شيء الحيوان والجماد ثم عرض تلك الشخوص على الملائكة فالكناية راجعة إلى الشخوص فلذلك قال عرضهم ، { فقال أنبئوني ، { أخبروني ، { بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ، { في أني لا أخلق خلقاً إلا وكنتم أفضل وأعلم منه فقالت الملائكة إقراراً بالعجز

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ
    +/- -/+  
الأية
32
 
{ قالوا سبحانك ، { تنزيهاً لك ، { لا علم لنا إلا ما علمتنا } ، معناه فإنك أجل من أن نحيط بشئ من علمك إلا ما علمتنا ، { إنك أنت العليم ، { بخلقك ، { الحكيم ، { في أمرك والحكيم له ومعنيان: أحدهما الحاكم وهو القاضي العدل والثاني المحكم للأمر كي لا لا يتطرق إليه الفساد وأصل الحكمة في اللغة: المنع فهي تمنع صاحبها من الباطل ومنه حكمة الدابة لأنها تمنعها من الاعوجاج فلما ظهر عجزهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ
    +/- -/+  
الأية
33
 
{ قال ، { الله تعالى } : يا آدم أنبئهم بأسمائهم ، { أخبرهم بأسمائهم فسمى آدم كل شئ باسمه وذكر الحكمة التي لأجلها خلق ، { فلما أنبأهم بأسمائهم قال ، { الله تعالى ، { ألم أقل لكم ، { يا ملائكتي ، { إني أعلم غيب السماوات والأرض ، { ما كان منهما وما يكون لأنه قد قال لهم ، { إني أعلم ما لا تعلمون } (30 - البقرة ) { وأعلم ما تبدون ، { قال الحسن وقتادة: يعني قولهم أتجعل فيها من يفسد فيها { وما كنتم تكتمون ، { قولكم لن يخلق الله خلقاً أكرم عليه منا، قال ابن عباس رضي الله عنهما هو أن إبليس مر على جسد آدم وهو ملقى بين مكة والطائف لا روح فيها فقال: لأمر ما خلق هذا ثم دخل في فيه وخرج من دبره وقال: إنه خلق لا يتماسك لأنه أجوف ثم قال للاملائكة الذين معه أرايتم إن فضل هذا عليكم وأمرتم بطاعته ماذا تصنعون ؟ قالوا: نطيع أمر ربنا، فقال إبليس في نفسه: والله لئن سلطت عليه لأهلكنه ولئن سلط علي لأعصينه فقال الله تعالى } : وأعلم ما تبدون } ، يعني ما تبديه الملائكة من الطاعة ، { وما كنتم تكتمون } ، يعني إبليس من المعصية.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
    +/- -/+  
الأية
34
 
{ وقوله تعالى } : وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ، { قرأ أبو جعفر (( للملائكة اسجدوا )) بضم التاء على جوار ألف اسجدوا وكذلك قرأ ، { قال رب احكم بالحق } (112-الأنبياء) بضم الباء وضعفه النحاة جداً ونسبوه إلى الغلط فيه واختلفوا في أن هذا الخطاب مع أي الملائكة فقال بعضهم: مع الذين كانوا سكان الأرض. والأصح: أنه مع جميع الملائكة لقوله تعالى } : فسجد الملائكة كلهم أجمعون } (30-الحجر) وقوله: (اسجدوا) فيه قولان: الأصح أن السجود كان لآدم على الحقيقة، وتضمن معنى الطاعة لله عز وجل بامتثال أمره، وكان ذلك سجود تعظيم وتحية لا سجود عبادة، كسجود إخوة يوسف له في قوله عز وجل ، { وخروا له سجداً } (100-يوسف) ولم يكن فيه وضع الوجه على الأرض، إنما كان الانحناء، فلما جاء الإسلام أبطل ذلك بالسلام. وقيل: معنى قوله ، { اسجدوا لآدم } ، أي إلى آدم قبلة، والسجود لله تعالى، كما جعلت الكعبة قبلةً للصلاة والصلاة لله عز وجل. { فسجدوا } ، يعني: الملائكة ، { إلا إبليس ، { وكان اسمه عزازيل بالسريانية، وبالعربية: الحارث، فلما عصى غير اسمه وصورته فقيل: إبليس، لأنه أبلس من رحمة الله تعالى أي يئس. واختلفوا فيه فقال ابن عباس رضي الله عنهما وأكثر المفسرين: كان إبليس من الملائكة، وقال الحسن : كان من الجن ولم يكن من الملائكة لقوله تعالى ، { إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه } (50-الكهف) فهو أصل الجن كما أن آدم أصل الإنس، ولأنه خلق من النار والملائكة خلقوا من النور، ولأن له ذرية ولا ذرية للملائكة، والأول أصح لأن خطاب السجود كان مع الملائكة، وقوله ، { كان من الجن } ، أي من الملائكة الذين هم خزنة الجنة. وقال سعيد بن جبير: من الذين يعملون في الجنة، وقال: قوم من الملائكة الذين يصوغون حلي أهل الجنة، وقيل: إن فرقة من الملائكة خلقوا من النار سموا جناً لاستتارهم عن الأعين، وإبليس كان منهم. والدليل عليه قوله تعالى ، { وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً } (158-الاصافات) وهو قولهم: الملائكة / بنات الله، ولما أخرجه الله من الملائكة جعل له ذرية. قوله } : أبى } ، أي امتنع فلم يسجد ، { واستكبر } ، أي تكبر عن السجود (لآدم) { وكان } ، أي: صار ، { من الكافرين ، { وقال أكثر المفسرين: وكان في سابق علم الله من الكافرين الذين وجبت لهم الشقاوة. أنا أبو بكر محمد بن عبد الصمد الترابي أنا ابن الحاكم أبو الفضل محمد بن الحسين الحدادي أنا أبو يزيد محمد بن يحيى بن خالد أنا اسحاق بن ابراهيم الحنظلي أنا جرير ووكيع وأبومعاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال } : إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول: يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ
    +/- -/+  
الأية
35
 
{ قوله تعالى ، { وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ، { وذلك أن آدم لم يكن له في الجنة من يجانسه فنام نومة فخلق الله زوجته حواء من قصيراء من شقه الأيسر، وسميت حواء لأنها خلقت من حي، خلقها الله عز وجل من غير أن أحس به آدم ولا وجد له ألماً، ولو وجد ألماً لما عطف رجل على امرأة قط فلما هب من نهومه رآها جالسة عند رأسه (كأحسن ما في) خلق الله فقال لها: من أنت؟ قالت زوجتك خلقني الله لك تسكن إلي وأسكن إليك ، { وكلا منها رغداً ، { واسعاً كثيراً ، { حيث شئتما ، { كيف شئتما ومتى شئتما وأين شئتما ، { ولا تقربا هذه الشجرة } ، يعني للأكل، وقال بعض لاعلماء: وقع النهي على جنس من الشجر. وقالى آخرون: على شجرة مخصوصة، واختلفوا في تلك الشجرة، قال ابن عباس و محمد بن كعب و مقاتل : هي السنبلة وقال ابن مسعود: هي شجرة العنب. وقال ابن جريج : شجرة التين، وقال قتادة : شجرة العلم وفيها من كل شيء، وقال علي رضي الله عنه: شجرة الكافور ، { فتكونا ، { فتصيرا ، { من الظالمين } ، أي: الضارين بأنفسكما بالمعصية، وأصل الظلم، وضع الشيء في غير موضعه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ
    +/- -/+  
الأية
36
 
{ فأزلهما ، { استزل ، { الشيطان ، { آدم وحواء أي دعاهما إلى الزلة: وقرأ حمزة: فأزالهما، أي نحاهما (( الشيطان )) فيعال من شطن، أي: بعد، سمي به لبعده عن الخير وعن الرحمة ، { عنها ، { عن الجنة ، { فأخرجهما مما كانا فيه ، { من النعيم، وذلك أن إبليس أراد أن يدخل ليوسوس ( إلى ) آدم وحواء فمنعته الخزنة فأتى الحية وكانت صديقةً لإبليس وكانت من أحسن الدواب، لها أربع قوائم كقوائم البعير، وكانت من خزان الجنة. فسألهما إبليس أن تدخله فمها فأدخلته ومرت به على الخزانة وهم لا يعلمون فأدخلته الجنة، وقال الحسن : إنما رآهما على باب الجنة لأنهما كانا يخرجان منها وقد كان آدم حين دخل الجنة ورأى ما فيها من النعيم قال: لو أن خلداً، فاغتنم ذلك منه الشيطان فأتاه من قبل الخلد فلما دخل الجنة وقف بين يدي آدم وحواء وهما لا يعلمان أنه إبليس فبكى وناح نياحة أحزنتهما، وهو أول من ناح فقالا له: ما يبكيك؟ قال: أبكي عليكما تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعمة. فوقع ذلك في أنفسهما فاغتما ومضى إبليس ثم أتاهما بعد ذلك وقال: يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد؟ فأبى أن يقبل منه، وقاسمهما بالله إنه لهما لمن الناصحين، فاغترا وما ظنا أن أحداً يحلف بالله كاذباً، فبادرت حواء إلى أكل الشجرة ثم ناولت آدم حتى أكلها. وكان سعيد بن المسيب يحلف بالله ما أكل آدم من الشجرة وهو يعقل ولكن حواء سقته الخمر حتى إذا سكر قادته فأكل. قال إبراهيم بن أدهم : أورثتنا تلك الأكلة حزناً طويلاً. قال ابن عباس و قتادة : قال الله عز وجل لآدم: ألم يكن فيما أبحتك من الجنة مندوحة عن الشجرة؟ قال: بلى يا رب وعزتك، ولكن ما ظننت أن أحداً يحلف بك كاذباً، قال: فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض، ثم لا تنال العيش إلا كداً فأهبطا من الجنة وكانا يأكلان فيها رغداً فعلم صنعة الحديد، وأمر بالحرث فحرث فيها وزرع ثم سقى حتى إذا بلغ حصد ثم داسه ثم ذراه ثم طحنه ثم عجنه ثم خبزه ثم أكله فلم يبلغه حتى بلغ منه ما شاء. قال سعيد بن جبير : عن ابن عباس: إن آدم لما أكل من الشجرة التي نهي عنها قال الله عز وجل: ما حملك على ما صنعت قال يا رب زينته لي حواء قال: فإني أعقبتها أن لا تحمل إلا كرهاً ولا تضع إلا كرهاً ودميتها في الشهر مرتين، فرنت حواء عند ذلك فقيل: عليك الرنة وعلى بناتك، فلما أكلا (تهافت) عنهما ثيابهما وبدت سوآتهما وأخرجا من الجنة، فذلك قوله تعالى } : وقلنا اهبطوا } ، أي انزلوه إلى الأرض يعني آدم وحواء وإبليس والحية، فهبط آدم بسرنديب من أرض الهند على جبل يقال له نود، وحواء بجدة وإبليس بالآيلة والحية بأصفهان ، { بعضكم لبعض عدو ، { أراد العداوة التي بين درية آدم والحية وبين المؤمنين من ذرية آدم وبين إبليس، قال الله تعالى } : إن الشيطان لكما عدو مبين } (22-الأعراف). أنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسن بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار أنا أحمد محمد الصفار حدثنا منصور الرمادي أنا عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال عكرمة: لا أعلمه إلا رفع الحديث، أنه كان يأمر بقتل الحيات وقال: من تركهن خشية أو مخافة ثائر فليس منا وزاد موسى بن مسلم عن عكرمة في الحديث: ما سالمناهن منذ حاربناهن [وروي أنه نهى عن ذوات البيوت، وروى أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم } : إن بالمدينة جناً قد أسلموا فإن رأيتم منهم شيئاً فآذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان }]. قوله تعالى } : ولكم في الأرض مستقر ، { موضع قرار ، { ومتاع ، { بلغة ومستمتع ، { إلى حين ، { إلى انقضاء آجالكم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
    +/- -/+  
الأية
37
 
{ فتلقى ، { تلقى والتلقي: هو قبول عن فطنة وفهم، وقيل: هو التعلم ، { آدم من ربه كلمات ، { قراءة العامة: آدم برفع الميم وكلمات بخفض التاء. قرأ ابن كثير: آدم بالنصب، كلمات برفع التاء يعني جاءت الكلمات آدم من ربه، وكانت سبب توبته. واختلفوا في تلك الكلمات قال سعيد بن جبير و مجاهد و الحسن : هي قوله ، { ربنا ظلمنا أنفسنا ، { الآية. وقال مجاهد و محمد بن كعب القرظي : هي قوله لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب عملت سوءاً وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت ( التواب الرحيم ). لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب عملت سوءاً وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت أرحم الراحمين وقال عبيد بن عمير : هي أن آدم قال يا رب أرأيت ما أتيت أشيء ابتدعته من تلقاء نفسي أم شيء قدرته علي قبل أن تخلقني؟ قال الله تعالى: بل شيء قدرته عليك قبل أن أخلقك. قال يارب فكما قدرته قبل أن تخلقني فاغفر لي. وقيل: هي ثلاثة أشياء الحياء والدعاء والبكاء، قال ابن عباس بكى آدم وحواء على ما فاتهما من نعيم الجنة مائتي سنة، ولم يأكلا ولم يشربا أربعين يوماً، ولم يقرب آدم/ حواء مائة سنة، وروى المسعودي عن يونس بن خباب وعلقمة بن مرثد قالوا: لو أن دموع أهل الأرض جمعت (لكانت) دموع داود أكثر حيث أصاب الخطيئة ولو أن دموع داود ودموع أهل الأرض جمعت لكانت دموع آدم أكثر حيث أخرجه الله من الجنة قال شهر بن حوشب : بلغني أن آدم لما (هبط) إلى الأرض مكث ثلثمائة سنة لا يرفع رأسه حياء من الله تعالى. قوله } : فتاب عليه ، { فتجاوز عنه ، { إنه هو التواب ، { يقبل توبة عباده ، { الرحيم ، { بخلقه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
    +/- -/+  
الأية
38
 
{ وقوله تعالى } : قلنا اهبطوا منها جميعاً } ، يعني هؤلاء الأربعة. وقيل الهبوط الأول من الجنة إلى السماء الدنيا والهبوط (الآخر) من السماء الدنيا إلى الأرض ، { فإما يأتينكم } ، أي فإن يأتكم ياذرية آدم ، { مني هدى } ، أي رشد وبيان شريعة، وقيل كتاب ورسول ، { فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، { قرأ يعقوب : فلا خوف بالفتح في كل القرآن والآخرون بالضم والتنوين فلا خوف عليهم فيما [يستقبلون هم] { ولا هم يحزنون ، { على ما خلفوا. وقيل: لا خوف عليهم في الدنيا ولا هم يحزنون في الآخرة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
    +/- -/+  
الأية
39
 
{ والذين كفروا } (يعني جحدوا) { وكذبوا بآياتنا ، { بالقرآن ، { أولئك أصحاب النار ، { يوم القيامة ، { هم فيها خالدون ، { لا يخرجون منها ولا يموتون فيها.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ
    +/- -/+  
الأية
40
 
قوله تعالى : { يا بني إسرائيل ، { يا أولاد يعقوب. ومعنى اسرائيل: عبد الله، ((وإيل)) هو الله تعالى، وقيل صفوة الله، وقرأ أبو جعفر : إسرائيل بغير همز ، { اذكروا ، { احفظوا، والذكر: يكون بالقلب ويكون باللسان وقيل: أراد به الشكر، وذكر بلفظ الذكر لأن في الشكر ذكراً وفي الكفران نسياناً، قال الحسن : ذكر النعمة شكرها ، { نعمتي } ، أي: نعمي، لفظها واحد ومعناها جمع كقوله تعالى ، { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } (34-ابراهيم) { التي أنعمت عليكم } ، أي على أجدادكم وأسلافكم. قال قتادة : هي النعم التي خصت بها بنو اسرائيل: من فلق البحر وإنجائهم من فرعون بإغراقه وتظليل الغمام عليهم في التيه، وإنزال المن والسلوى وإنزال التوراة، في نعم كثيرة لا تحصى، وقال غيره: هي جميع النعم التي لله عز وجل على عباده ، { وأوفوا بعهدي } ، أي بامتثال أمري ، { أوف بعهدكم ، { بالقبول والثواب. قال قتادة و مجاهد : أراد بهذا العهد ما ذكر في سورة المائدة ، { ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا { إلى أن قال - { لأكفرن عنكم سيئاتكم } (12-المائدة) فهذا قوله } : أوف بعهدكم }. وقال الحسن هو قوله ، { وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة } (63-البقرة) فهو شريعة التوراة، وقال مقاتل هو قوله ، { وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله } (83-البقرة) وقال الكلبي : عهد الله إلى بني اسرائيل على لسان موسى: إني باعث من بني اسماعيل نبياً أمياً فمن اتبعه وصدق بالنور الذي يأتي به غفرت له ذنبه وأدخلته الجنة وجعلت له أجرين اثنين: وهو قوله } : وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس } (187-آل عمران) يعني أمر محمد صلى الله عليه وسلم. { وإياي فارهبون ، { فخافوني في نقض العهد. وأثبت يعقوب الياءات المحذوفة في الخط مثل فارهبوني، فاتقوني، واخشوني، والآخرون يحذفونها على الخط.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ۖ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ
    +/- -/+  
الأية
41
 
{ وآمنوا بما أنزلت } ، يعني القرآن ، { مصدقاً لما معكم } ، أي موافقاً لما معكم يعني: التوراة، في التوحيد والنبوة والأخبار ونعت النبي صلى الله عليه وسلم، نزلت في كعب بن الأشرف وأصحابه من علماء اليهود ورؤسائهم ، { ولا تكونوا أول كافر به } ، أي بالقرآن يريد من أهل الكتاب، لأن قريشاً كفرت قبل اليهود بمكة، معناه: ولا تكونوا أول من كفر بالقرآن فيتابعكم اليهود على ذلك فتبوؤا بآثامكم وآثامهم ، { ثمناً قليلاً } ، أي عرضاً يسيراً من الدنيا وذلك أن رؤساء اليهود وعلماءهم كانت لهم مآكل يصيبونها من سفلتهم وجهالهم يأخذون منهم كل عام شيئاً معلوماً من زروعهم وضروعهم ونقودهم فخافوا إن هم بينوا صفة محمد صلى الله عليه وسلم وتابعوه أن تفوتهم تلك المآكل فغيروا نعته وكتموا اسمه فاختاروا الدنيا على الآخرة ، { وإياي فاتقون ، { فاخشوني.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
42
 
{ ولا تلبسوا الحق بالباطل } ، أي لا تخلطوا، يقال: لبس الثوب يلبس لبساً، ولبس عليه الأمر يلبس لبساً أي خلط. يقول: لا تخلطوا الحق الذي، أنزلت عليكم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم بالباطل الذي تكتبونه بأيديكم من تغيير صفة محمد صلى الله عليه وسلم. والأكثرون على أنه أراد: لا تلبسوا الإسلام باليهودية والنصرابية. وقال مقاتل : إن اليهود أقروا ببعض صفة محمد صلى الله عليه وسلم وكتموا بعضاً ليصدقوا في ذلك فقال: ولا تلبسوا الحق الذي تقرون به بالباطل يعني بما تكتمونه، فالحق: بيانهم، والباطل: كتمانهم وتكتموا الحق أي لا تكتموه، يعني: نعت محمد صلى الله عليه وسلم. { وأنتم تعلمون ، { أنه نبي مرسل.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ
    +/- -/+  
الأية
43
 
{ وأقيموا الصلاة } ، يعني الصلوات الخمس بمواقيتها وحدودها ، { وآتوا الزكاة ، { أدوا زكاة أموالكم المفروضة. والزكاة مأخزذة من زكا الزرع إذا نما وكثر. وقيل: من تزكى أي تطهر، وكلا المعنيين موجود في الزكاة، لأن فيها تطهيراً وتنمية للمال ، { واركعوا مع الراكعين } ، أي صلوا مع المصلين: محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وذكر بلفظ الركوع لأنه ركن من أركان الصلاة، ولأن صلاة اليهود لم يكن فيها ركوع، فكأنه قال: صلوا صلاة ذات ركوع، قيل: إعادته بعد قوله ، { وأقيموا الصلاة ، { لهذا، أي صلوا مع الذين في صلاتهم ركوع، فالأول مطلق في حق الكل، وهذا في حق أقوام مخصوصين. وقيل: هذا حث على إقامة الصلاة جماعة كأنه قال لهم: صلوا مع المصلين الذين سبقوكم بالإيمان.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
    +/- -/+  
الأية
44
 
{ أتأمرون الناس بالبر } ، أي بالطاعة، نزلت في علماء اليهود، وذلك أن الرجل منهم كان يقول لقريبه وحليفه من المسلمين إذا سأله عن أمر محمد صلى الله عليه وسلم: اثبت على دينه فإن أمره حق وقوله صدق. وقيل: هو خطاب لأحبارهم حيث أمروا أتباعهم بالتمسك بالتوراة، ثم خالفوا وغيروا نعت محمد صلى الله عليه وسلم ، { وتنسون أنفسكم } ، أي تتركون أنفسكم فلا تتبعونه ، { وأنتم تتلون الكتاب ، { تقرؤون التوراة فيها نعته وصفته ، { أفلا تعقلون ، { أنه حق فتتبعونه؟. والعقل مأخوذ من عقال الدابة، وهو ما يشد به ركبة البعير فيمنعه من الشرود، فكذلك العقل يمنع صاحبه من الكفر والجحود. أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو عمرو بكر بن محمد المزني أنا أبو بكر محمد بن عبد الله حفيد العباس بن حمزة أنا الحسين بن الفضل البجلي أنا عفان أنا حماد بن سلمة أنا علي بن زيد عن أنس ابن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال } : رأيت ليلة أسري بي رجالاً تقرض شفاههم بمقاريض من نار قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء خطباء من أمتك يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب }. أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن اسماعيل أنا علي بن عبد الله أنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل قال: قال أسامة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول } : يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه (أي تنقطع أمعاؤه) في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلان ما شأنك أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه ، { وقال شعبة عن الأعمش (( فيطحن فيها كما يطحن الحمار برحاه )).

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ
    +/- -/+  
الأية
45
 
{ واستعينوا ، { على ما يستقبلكم من أنواع البلاء وقيل: على طلب الآخرة ، { بالصبر والصلاة ، { أراد حبس النفس عن المعاصي. وقيل: أراد: الصبر على أداء الفرائض، وقال مجاهد : الصبر الصوم، ومنه سمي شهر رمضان شهر الصبر، وذلك لأن الصوم يزهده في الدنيا، والصلاة ترغبه في الآخرة، وقيل: الواو بمعنى على، أي: واستعينوا بالصبر على الصلاة، كما قال الله تعالى } : وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها } (132-طه) { وإنها ، { ولم يقل وانهما رداً للكناية إلى كل واحد منهما أي وإن كل خصلة منها. كما قال } : كلتا الجنتين آتت أكلها } (33-الكهف) أي كل واحدة منهما. وقيل: معناه ، { واستعينوا بالصبر ، { وإنه لكبير وبالصلاة وإنها لكبيرة، فحذف أحدهما اختصاراً، وقال المؤرج : رد الكناية إلى الصلاة لأنها أعم كقوله تعالى } : والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها } (34-التوبة) رد الكناية إلى الفضة لأنها أعم. وقيل: رد الكناية إلى الصلاة لأن الصبر داخل فيها. كما قال الله تعالى } : والله ورسوله أحق أن يرضوه } (62-التوبة) ولم يقل يرضوهما لأن رضا الرسول داخل في رضا الله تعالى. وقال الحسين بن الفضل : رد الكناية إلى الاستعانة ، { لكبيرة } ، أي: لثقيلة ، { إلا على الخاشعين } ، يعني: المؤمنين، وقال الحسن : الخائفين وقيل: المطيعين وقال مقاتل بن حيان : المتواضعين، وأصل الخشوع السكون قال الله تعالى } : وخشعت الأصوات للرحمن } (108-طه) فالخاشع ساكن إلى طاعة الله تعالى.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
    +/- -/+  
الأية
46
 
{ الذين يظنون ، { يستيقنون [أنهم مبعوثون وأنهم محاسبون وأنهم راجعون إلى الله تعالى، أي: يصدقون بالبعث، وجعل رجوعهم بعد الموت إلى المحشر رجوعاً إليه]. والظن من الأضداد يكون شكاً ويقيناً وأملاً، كالرجاء يكون خوفاً وأملاً وأمناً ، { أنهم ملاقوا ، { معاينو ، { ربهم ، { في الآخرة وهورؤية الله تعالى وقيل: المراد من اللقاء الصيرورة إليه ، { وأنهم إليه راجعون ، { فيجزيهم بأعمالهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ
    +/- -/+  
الأية
47
 
{ يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين } ، أي عالمي زمانكم، وذلك التفضيل وإن كان في حق الآباء، لكن به الشرف للأبناء.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ
    +/- -/+  
الأية
48
 
{ واتقوا يوماً ، { واخشوا عقاب يوم ، { لا تجزي نفس ، { لا تقضي نفس ، { عن نفس شيئاً } ، أي حقاً لزمها وقيل: لا تغني، وقيل: لا تكفي شيئاً من الشدائد ، { ولا يقبل منها شفاعة ، { قرأ ابن كثير و يعقوب بالتاء لتأنيث الشفاعة، وقرأ الباقون بالياء لأن الشفع والشفاعة بمعنى واحد كالوعظ والموعظة، فالتذكير على المعنى، والتأنيث على اللفظ، كقوله تعالى } : قد جاءتكم موعظة من ربكم } (57-يونس) وقال في موضع آخر ، { فمن جاءه موعظة من ربه } (275-البقرة) أي لا تقبل منها شفاعة إذا كانت كافرة ، { ولا يؤخذ منها عدل } ، أي فداء وسمي به لأنه مثل المفدي. والعدل: المثل ، { ولا هم ينصرون ، { يمنعون من عذاب الله.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
49
 
{ وإذ نجيناكم } ، يعني: أسلافكم وأجدادكم فاعتدها منةً عليهم لأنهم نجوا بنجاتهم ، { من آل فرعون }: أتباعه وأهل دينه، وفرعون هو الوليد مصعب بن الريان وكان من القبط العماليق وعمر أكثر من أربعمائة سنة ، { يسومونكم ، { يكلفونكم ويذيقونكم ، { سوء العذاب ، { أشد العذاب وأسوأه وقيل: يصرفونكم في العذاب مرة هكذا ومرة هكذا كالإبل السائمة في البرية، وذلك أن فرعون جعل بني إسرائيل خدماً وخولاً وصنفهم في الأعمال فصنف يبنون، وصنف يحرثون ويزرعون، وصنف يخدمونه، ومن لم يكن منهم في عمل وضع عليه الجزية. وقال وهب: كانوا أصنافاً في أعمال فرعون، فذوو القوة ينحتون السواري من الجبال حتى قرحت أعناقهم وأيديهم ودبرت ظهورهم من قطعها ونقلها، وطائفة ينقلون الحجارة، وطائفة يبنون له القصور، وطائفة منهم يضربون اللبن ويطبخون الآجر، وطائفة نجارون وحدادون، والضعفة منهم يضرب عليهم الخراج ضريبة يؤدونها كل يوم، فمن غربت عليه الشمس قبل أن يؤدي ضريبته غلت يمينه إلى عنقه شهراً، والنساء يغزلن الكتان وينسجن، وقيل: تفسيره ذكر ما بعده } : يذبحون أبناءكم ، { فهو مذكور على وجه البدل من قوله - يسومونكم سوء العذاب ، { ويستحيون نساءكم ، { يتركونهن أحياء، وذلك أن فرعون رأى في منامه كأن ناراً أقبلت من بيت المقدس وأحاطت بمصر وأحرقت كل قبطي بها ولم تتعرض لبني إسرائيل فهاله ذلك وسأل الكهنة عن رؤياه؟ فقالوا: يولد في بني إسرائيل غلام يكون على يده هلاكك وزوال ملكك، فأمر فرعون بقتل كل غلام يولد في بني إسرائيل وجمع القوابل فقال لهن: لا يسقطن على أيديكن غلام من بني إسرائيل إلا قتل ولاجارية إلا تركت، ووكل بالقوابل، فكن يفعلن ذلك حتى قيل: إنه قتل في بني إسرائيل اثنى عشر ألف صبي في طلب موسى. وقال وهب: بلغني أنه ذبح في طلب موسى عليه السلام تسعين ألف وليد. قالوا: وأسرع الموت في مشيخه بني إسرائيل فدخل رؤوس القبط على فرعون وقالوا: إن الموت قد وقع في بني إسرائيل أفتذبح صغارهم ويموت كبارهم فيوشك أن يقع العمل علينا؟ فأمر فرعون أن يذبحوا سنة ويتركوا سنة، فولد هارون في السنة التي لا يذبحون فيها، وموسى في السنة التي يذبحون فيها. { وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ، { قيل: البلاء المحنة، أي في سومهم إياكم سوء العذاب محنة عظيمة، وقيل: البلاء النعمة أي في إنجائي إياكم منهم نعمة عظيمة، فالبلاء يكون بمعنى النعمة وبمعنى الشدة، فالله تعالى قد يختبر على النعمة بالشكر، وعلى الشدة بالصبر وقال: الله تعالى } : ونبلوكم بالشر والخير فتنة } (35-الأنبياء).

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ
    +/- -/+  
الأية
50
 
{ وإذ فرقنا بكم البحر ، { قيل: معناه فرقنا لكم وقيل: فرقنا البحر بدخولكم إياه وسمي البحر بحراً لاتساعه، ومنه قيل للفرس: بحر إذا اتسع في جريه، وذلك أنه لما دنا هلاك فرعون أمر الله تعالى موسى عليه السلام أن يسري ببني إسرائيل من مصر ليلاً فأمر موسى قومه أن يسرجوا في بيوتهم إلى الصبح، وأخرج الله تعالى كل ولد زنا في القبط من بني إسرائيل إليهم، وكل ولد زنا في بني إسرائيل/ من القبط إلى القبط حتى رجع كل إلى أبيه، وألقى الله الموت على القبط فمات كل بكر لهم واشتغلوا بدفنهم حتى أصبحوا وطلعت الشمس، وخرج موسى عليه السلام في ستمائة ألف وعشرين مقاتل، لا يعدون ابن العشرين لصغره، ولا ابن الستين لكبره، وكانوا يوم دخلوا مصر مع يعقوب اثنين وسبعين إنساناً ما بين رجل وامرأة. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان أصحاب موسى ستمائة ألف وسبعين ألفاً. وعن عمرو بن ميمون قال: كانوا ستمائة ألف فلما أرادوا السير ضرب عليهم التيه فلم يدروا أين يذهبون فدعا موسى مشيخه بني إسرائيل وسألهم عن ذلك فقالوا: إن يوسف عليه السلام لما حضره الموت أخذ على إخوته عهداً أن لا يخرجوا من مصر حتى يخرجوه من مصر حتى يخرجوه معهم فلذلك انسد علينا الطريق، فسألهم عن موضع قبره فلم يعلموا فقام موسى ينادي: أنشد الله كل من يعلم أين موضع قبر يوسف عليه السلام إلا أخبرني به؟ ومن لم يعلم به فصمت أذناه عن قولي! وكان يمر بين الرجلين ينادي فلا يسمعان صوته حتى سمعته عجوز لهم فقالت: أرأيتك إن دللتك على قبره أتعطيني كل ما سألتك؟ فأبى عليها وقال: حتى أسأل ربي (فأمره) الله تعالى بإتيانها سؤلها فقالت: إني عجوز كبيرة لا أستطيع المشي فاحملني وأخرجني من مصر، هذا في الدنيا وأما في الآخرة فأسألك أن لا تنزل غرفة من الجنة إلا نزلتها معك قال: نعم قالت: إنه في جوف الماء في النيل فادع الله حتى يحسر عنه الماء، فدعا الله تعالى فحسر عنه الماء، ودعا أن يؤخر طلوع الفجر إلى أن يفرغ من أمر يوسف عليه السلام، فحفر موسى عليه السلام ذلك الموضع واستخرجه في صندوق من مرمر، وحمله حتى دفنه بالشام، ففتح لهم الطريق فساروا وموسى عليه السلام على ساقتهم وهارون على مقدمتهم، ونذر بهم فرعون فجمع قومه وأمرهم أن لا يخرجوا في طلب بني إسرائيل حتى يصيح الديك،فوالله ما صاح ديك تلك الليلة، فخرج فرعون في طلب بني إسرائيل وعلى مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف، وكان فيهم شبعون ألفاً من دهم الخيل سوى سا ئرالشيات [وقال محمد بن كعب رضي الله عنه: كان في عسكر فرعون مائة ألف حصان أدهم سوى سائر الشيات] وكان فرعون يكون في الدهم وقيل: كان فرعون في سبعة آلاف ألف، وكان بين يديه مائة ألف ناشب، ومائة ألف أصحاب حراب، ومائة ألف أصحاب الأعمدة، فسارت بنو إسرائيل حتى وصلوا إلى البحر والماء في غاية الزيادة فنظروا فإذا هم بفرعون حين أشرقت الشمس فبقوا متحيرين فقالوا: يا موسى كيف نصنع؟ وأين ما وعدتنا؟ هذا فرعون خلفنا إن أدركنا قتلنا! والبحر أمامنا إن دخلناه غرقنا؟ قال الله تعالى } : فلما تراء الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين } (61-62الشعراء). فأوحى الله إليه أن أضرب بعصاك البحر فضربه فلم يطعه فأوحى الله إليه أن كنه فضربه وقال: انفلق يا أبا خالد بإذن الله تعالى، فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم، وظهر فيه اثنا عشر طريقاً لكل سبط طريق وارتفع الماء بين كل طريقين كالجبل وأرسل الله الريح والشمس على قعر البحر حتى صار يبساً فخاضت بنو إس رائيل البحر، كل سبط في طريق، وعن جانبيهم الماء كالجبل الضخم ولا يرى بعضهم بعضاً، فخافوا وقال كل سبط: قد قتل إخواننا فأوحى الله تعالى إلى جبال الماء: أن تشبكي، فصار الماء شبكات كالطبقات يرى بعضهم بعضاً ويسمع بعضهم كلام بعض حتى عبروا البحر سالمين فذلك قولم تعالى ، { وإذ فرقنا بكم البحر }. { فأنجيناكم ، { من آل فرعون والغرق ، { وأغرقنا آل فرعون ، { وذلك أن فرعون لما وصل إلى البحر فرآه منغلقاً قال لقومه: انظروا إلى البحر انفلق من هيبتي حتى أدرك عبيدي الذين أبقوا ادخلوا البحر فهاب قومه أن يدخلوه وقيل: قالوا له إن كنت رباً فادخل البحر كما دخل موسى، وكان فرعون على حصان أدهم ولم يكن في خيل فرعون فرس أنثى فجاء جبريل على فرس أنثى وديق فتقدمهم وخاض البحر فلما شم أدهم فرعون ريحها اقتحم البحر في أثرها وهم لا يرونه ولم يملك فرعون من أمره شيئاً وهو لايرى فرس جبريل واقتحمت الخيول جملة خلفه في البحر، وجاء ميكائيل على فرس خلف القوم يشحذهم ويسوقهم حتى لا يشذ رجل منهم ويقول لهم: الحقوا بأصحابكم حتى خاضوا كلهم البحر، وخرج جبريل من البحر، وهم أولهم بالخروج فأمر الله تعالى البحر أن يأخذهم فالتطم عليهم وغرقهم أجمعين، وكان بين طرفي البحر أربعة فراسخ وهو بحر قلزم، طرف من بحر فارس، قال قتادة : بحر من وراء مصر يقال له إساف، وذلك بمرأى من بني إسرائيل فذلك قوله تعالى } : وأنتم تنظرون ، { إلى مصارعهم وقيل: إلى هلاكهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ
    +/- -/+  
الأية
51
 
{ وإذ واعدنا ، { هو من المفاعلة التي تكون من الواحد كقولهم: عافاك الله، وعاقبت اللص، وطارقت النعل. وقال الزجاج : كان من الله الأمر ومن موسى القبول، فلذلك ذكر بلفظ المواعدة، وقرأ أهل البصرة (وإذ وعدنا) من الوعد ، { موسى ، { اسم عربي عرب (( ومو )) بالعبرانية الماء (( وشى )) الشجرة، سمي به لأنه أخذ من بين الماء والشجر، ثم قلبت الشين المعجمة سيناً في العربية ، { أربعين ليلة } ، أي انقضاؤها: ثلاثين من ذي القعدة وعشر من ذي الحجة، وقرن التاريخ بالليل دون النهار لأن شهور العرب وضعت على سير القمر، والهلال إنما يهل بالليل وقيل: لأن الظلمة أقدم من الضوء، وخلق الليل قبل النهار، قال الله تعالى } : وآية لهم الليل نسلخ منه النهار } (37-يس) وذلك أن بني إسرائيل لما أمنوا من عدوهم ودخلوا مصر لم يكن لهم كتاب ولا شريعة ينتهون إليهما، فوعد الله موسى أن ينزل عليه التوراة فقال موسى لقومه: إني ذاهب لميقات ربكم آتيكم بكتاب فيه بيان ما تأتون وما تذرون، وواعدهم أربعين ليلة، ثلاثين من ذي القعدة وعشراً من من ذي الحجة، واستخلف عليهم أخاه هارون فلما أتى الوعد جاء جبريل على فرس يقال له فرس الحياة لا يصيب شيئاً إلا حيي ليذهب بموسى إلى ربه، فلما رآه السامري وكان رجلاً صائغاً من أهل باجرمى واسمه ميخا - وقال سعيد بن جبير : كان من أهل كرمان، وقال ابن عباس: اسمه موسى بن مظفر، وقال قتادة : كان من بني إسرائيل من قبيلة يقال لها سامرة - وكان منافقاً أظهر الإسلام، وكان من قوم يعبدون البقر، فلما رأى جبرائيل على ذلك الفرس ورأى مواضع قدم الفرس تخضر في الحال قال: إن لهذا شأناً فأخذ قبضة من تربة حافر فرس جبرائيل عليه السلام. قال عكرمة : ألقي في روعه أنه إذا ألقى في شيء غيره، وكانت بنو إسرائيل قد استعاروا حلياً كثيرة من قوم فرعون حين أرادوا الخروج من مصر بعلة عرس لهم، فأهلك الله فرعون وبقيت تلك الحلي في أيدي بني إسرائيل، فلما فصل موسى قال السامري لبني إسرائيل: إن الحلي التي استعرتموها من قزم فرعون غنيمة لا تحل لكم، فاحفروا حفرة فادفنوها فيها حتى يرجع موسى فيرى فيها رأيه. وقال السدي : إن هارون عليه السلام أمرهم أن يلقوها في حفيرة، حتى يرجع موسى ففعلوا، / فلما اجتمعت الحلي صاغها السامري عجلاً في ثلاثة أيام ثم ألقى فيها القبضة التي أخذها من تراب فرس جبرائيل عليه السلام، فخرج عجلاً من ذهب مرصعاً بالجواهر كأحسن ما يكون، وخار خورة، وقال السدي : كان يخور ويمشي فقال السامري ، { هذا إلهكم وإله موسى فنسي } (88-طه) أي فتركه هاهنا وخرج يطلبه. وكانت بنو إسرائيل قد أخلفوا الوعد فعدوا اليوم مع الليلة يومين فلما مضت عشرون يوماً ولم يرجع موسى وقعوا في الفتنة. وقيل: كان موسى قد وعدهم ثلاثين ليلة ثم زيدت العشرة فكانت فتنتهم في تلك العشرة فلما مضت الثلاثون ولم يرجع موسى ظنوا أنه قد مات ورأوا العجل وسمعوا قول السامري عكف ثمانية آلاف رجل منهم على العجل يعبدونه وقيل: كلهم عبدوه إلا هارون وحده فذلك قوله تعالى ، { ثم اتخذتم العجل } ، أي إلهاً ، { من بعده ، { أظهر ابن كثير و حفص الذال من أخذت واتخذت والآخرون يدغمونها ، { وأنتم ظالمون ، { ضارون لأنفسكم بالمعصية واضعون العبادة في غير موضعها.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
    +/- -/+  
الأية
52
 
{ ثم عفونا عنكم ، { محونا ذنوبكم ، { من بعد ذلك ، { من بعد عبادتكم العجل ، { لعلكم تشكرون ، { لكي تشكروا عفوي عنكم وصنيعي إليكم، قيل: الشكر هو الطاعة بجميع الجوارح في السر والعلانية قال الحسن : شكر النعمة ذكرها قال الله تعالى ، { وأما بنعمة ربك فحدث } (11-الضحى) قال الفضيل : شكر كل نعمة أن لا يعصي الله بعد تلك النعمة. وقيل: حقيقة الشكر العجز عن الشكر. حكي أن موسى عليه السلام قال: إلهي أنعمت علي النعم السوابغ، وأمرتني بالشكر وإنما شكري إياك نعمة منك، قال الله تعالى: يا موسى تعلمت العلم الذي لا يفوقه شيء من علم، حسبي من عبدي أن يعلم أن ما به من نعمة فهو مني، وقال داود عليه السلام: سبحان من جعل اعتراف العبد بالعجز عن شكره شكراً، كما جعل اعترافه بالعجز عن معرفته معرفة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
    +/- -/+  
الأية
53
 
قوله تعالى : { وإذ آتينا موسى الكتاب } ، يعني التوراة ، { والفرقان ، { قال مجاهد : هو التوراة أيضاً ذكرها باسمين، وقال الكسائي : الفرقان نعت الكتاب والواو زائدة، يعني: الكتاب المفرق بين الحلال والحرام، وقال يمان بن رباب: أراد بالفرقان انفراق البحر كما قال ، { وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم } { لعلكم تهتدون ، { بالتوراة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
    +/- -/+  
الأية
54
 
{ وإذ قال موسى لقومه ، { الذين عبدوا العجل ، { يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم ، { ضررتم بأنفسكم ، { باتخاذكم العجل ، { إلهاً قالوا: فأي شيء نصنع؟ قال } : فتوبوا ، { فارجعوا ، { إلى بارئكم ، { خالقكم قالوا: كيف نتوب؟ قال ، { فاقتلوا أنفسكم } ، يعني ليقتل البريء منكم المجرم ، { ذلكم } ، أي القتل ، { خير لكم عند بارئكم ، { فلما أمرهم موسى بالقتل قالوا: نصبر لأمر الله فجلسوا بالأفنية محتبين وقيل لهم: من مد حبوته أو مد طرفه إلى قاتله أو اتقاه بيد أو رجل فهو ملعون مردودة توبته، وأصلت القوم عليهم الخناجر، فكان الرجل يرى ابنه وأباه وأخاه وقريبه وصديقه وجاره فلم يمكنهم المضي لأمر الله تعالى، قالوا: يا موسى كيف نفعل؟ فأرسل الله تعالى عليهم ضبابة وسحابة سوداء لا يبصر بعضهم بعضاً فكانوا يقتلونهم إلى المساء، فلما كثر القتل دعا موسى وهارون عليهما السلام وبكيا وتضرعا وقالا: يارب هلكت بنو إسرائيل، البقية البقية، فكشف الله تعالى السحابة وأمرهم أن يكفوا عن القتل فتكشفت عن ألوف من القتلى. روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: كان عدد القتلى سبعين ألفاً فاشتد ذلك على موسى فأوحى الله تعالى إليه: أما يرضيك أن أدخل القاتل والمقتول في الجنة، فكان من قتل شهيداً، ومن بقي مكفراً عنه ذنوبه، فذلك قوله تعالى ، { فتاب عليكم } ، أي ففعلتم ما أمرتم به فتاب عليكم فتجاوز عنكم ، { إنه هو التواب ، { القابل التوبة ، { الرحيم ، { بخلقه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ
    +/- -/+  
الأية
55
 
قوله تعالى : { وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ، { وذلك أن الله تعالى أمر موسى عليه السلام أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل من عبادة العجل، فاختار موسى سبعين رجلاً من قومه من خيارهم، فقال لهم: صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم، ففعلوا، فخرج بهم موسى إلى طور سيناء لميقات ربه، فقالوا لموسى: اطلب لنا نسمع كلام ربنا، فقال لهم: أفعل، فلما دنا موسى إلى طور سيناء من الجبل وقع عليه عمود الغمام وتغشى الجبل كله،فدخل في الغمام وقال للقوم: ادنوا فدنوا حتى دخلوا في الغمام وخروا سجداً، وكان موسى إذا كلمه ربه وقع علىوجهه نور ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه، فضرب دونهم الحجاب وسمعوه وهو يكلم موسى يأمره وينهاه وأسمعهم الله: أني أنا الله لا إله إلا أنا ذو بكة أخرجتكم من أرض مصر بيد شديدة فاعبدوني ولا تعبدوا غيري، فلما فرغ موسى وانكشف الغمام أقبل إليهم فقالوا: له (( لن نؤمن حتى نرى الله جهرة )) معاينة وذلك أن العرب تجعل العلم بالقلب رؤية، فقال جهرة ليعلم أن المراد منه العيان ، { فأخذتكم الصاعقة } ، أي الموت، وقيل: نار جاءت من السماء فأحرقتهم ، { وأنتم تنظرون } ، أي ينظر بعضكم إلى بعض حين أخذكم الموت. وقيل: تعلمون، والنظر يكون بمعنى العلم، فلما هلكوا جعل موسى يبكي ويتضرع ويقول: ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم؟ ، { لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا } (155-الأعراف) فلم يزل يناشد ربه حتى أحياهم الله تعالى رجلاً بعد رجل بعدما ماتوا يوماً وليلة، ينظر بعضهم إلى بعض، كيف يحيون فذلك

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
    +/- -/+  
الأية
56
 
قوله تعالى : { ثم بعثناكم ، { أحييناكم، والبعث: إثارة الشيء عن محله يقال: بعثت البعير وبعثت النائم فانبعث ، { من بعد موتكم ، { قال قتادة : أحياهم ليستوفوا بقية آجالهم وأرزاقهم ولو ماتوا بآجالهم لم يبعثوا إلى يوم القيامة ، { لعلكم تشكرون }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۖ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
    +/- -/+  
الأية
57
 
{ وظللنا عليكم الغمام ، { في التيه يقيكم حر الشمس، والغمام من الغم وأصله التغطية والستر سمي السحاب غماماً لأنه يغطي وجه الشمس وذلك أنه لم يكن لهم في التيه كن يسترهم فشكوا إلى موسى فأرسل الله تعالى غماماً أبيض رقيقاً أطيب من غمام المطر، وجعل لهم عموداً من نور يضيء لهم الليل إذا لم يكن لهم قمر ، { وأنزلنا عليكم المن والسلوى } ، أي في التيه، الأكثرون على أن المن هو الترنجبين، وقال مجاهد : هو شيء كالصمغ كان يقع على الأشجار طعمه كالشهد، وقال وهب: هو الخبز الرقاق، قال الزجاج : جملة المن ما يمن الله به من غير تعب. أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن اسماعيل أنا أبو نعيم أنا أبو سفيان عن عبد الملك هو ابن عمير عن عمرو بن حريث عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم } : الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين }. قالوا فكان المن كل ليلة يقع على أشجارهم مثل الثلج، لكل إنسان منهم صاع، فقالوا: يا موسى قتلنا هذا المن بحلاوته فادع لنا ربك أن يطعمنا اللحم فأنزل الله تعالى عليهم السلوى وهو طائر يشبه السماني، وقيل: هو السماني بعينه، بعث الله سحابة فمطرت السماني في عرض ميل وطول رمح في السماء، بعضه على بعض والسلوى: العسل، فكان الله ينزل عليهم المن والسلوى كل صباح من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فيأخذ كل واحد منهم ما يكفيه يوماً وليلة وإذا كان يوم الجمعة أخذ كل واحد منهم ما يكفيه ليومين لأنه لم يكن ينزل يوم السبت. { كلوا } ، أي: وقلنا لهم: كلوا ، { من طيبات ، { حلالات ، { ما رزقناكم ، { ولا تدخروا لغد،ن ففعلوا، فقطع الله ذلك عنهم، ودود وفسد ما ادخروا، فقال الله تعالى } : وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } ، أي وما بخسوا بحقنا، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون باستيجابهم عذابي، وقطع مادة الرزق الذي كان ينزل عليهم بلا مؤنة في الدنيا ولا حساب في العقبى. أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي أنا أ[و بكر محمد بن الحسين القطان أنا أحمد بن يوسف السلمي أنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه أنا أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : لولا بنو اسرائيل لم يخبث الطعام ولم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ۚ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ
    +/- -/+  
الأية
58
 
{ وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية ، { سميت القرية لأنها تجمع أهلها، ومنه المقراة: للحوض، لأنها تجمع الماء، قال ابن عباس رضي الله عنهما: هي أريحا وهي قرية الجبارين كان فيها قوم من بقية عاد يقال لهم العمالقة ورأسهم عوج بن عنق، وقيل: بلقاء، وقال مجاهد : بيت المقدس، وقال الضحاك : هي الرملة والأردن وفلسطين وتدمر، وقال مقاتل : إليا، وقال ابن كيسان : الشام ، { فكلوا منها حيث شئتم رغداً ، { موسعاً عليكم ، { وادخلوا الباب } ، يعني باباً من أبواب القرية وكان لها سبعة أبواب ، { سجداً } ، أي ركعاً خضعاً منحنين، وقال وهب : فإذا دخلتموه فاسجدوا شكراً لله تعالى ، { وقولوا حطة ، { قال قتادة : حط عنا خطايانا، أمروا بالاستغفار، قال ابن عباس: لا إله إلا الله، لأنها تحط الذنوب، ورفعها على تقدير: قولوا مسألتنا حطة ، { نغفر لكم خطاياكم ، { من الغفر وهو الستر، فالمغفرة تستر الذنوب، وقرأ أهل المدينة و نافع بالياء وضمها وفتح الفاء، وقرأها ابن عامر بالتاء وضمها وفتح الفاء، وفي الأعراف قرأ جميعاً و يعقوب بالتاء وضمها، وقرأ الآخرون فيهما بنصب النون وكسر الفاء ، { وسنزيد المحسنين ، { ثواباً من فضلنا.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ
    +/- -/+  
الأية
59
 
{ فبدل ، { فغير ، { الذين ظلموا ، { أنفسهم وقالوا ، { قولاً غير الذي قيل لهم ، { وذلك أنهم بدلوا قول الحطة بالحبطة، فقالوا بلسانهم: حطانا سمقاثاً أي حنطة حمراء، استخفافاً بأمر الله تعالى، وقال مجاهد : طؤطئ لهم الباب ليخفضوا رؤوسهم فأبوا أن يدخلوها سجداً فدخلوا على أساههم مخالفة في الفعل كما بدلوا القول وقالوا قولاً غير الذي قيل لهم. أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن اسماعيل أنا اسحاق بن نصر أنا عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة فبدلوا فدخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا حبة في شعرة }. { فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء ، { قيل: أرسل الله عليهم طاعوناً فهلك منهم في ساعة واحدة سبعون ألفاً ، { بما كانوا يفسقون ، { يعصون ويخرجون من أمر الله تعالى.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ ۖ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ
    +/- -/+  
الأية
60
 
{ وإذ استسقى موسى ، { طلب السقيا ، { لقومه ، { وذلك أنهم عطشوا في التيه فسألوا موسى أن يستسقي لهم ففعل فأوحى الله إليه كما قال } : فقلنا اضرب بعصاك ، { وكانت من آس الجنة، طولها عشرة أذرع على طول موسى عليه السلام ولها شعبتان تتقدان في الظلمة نوراً، واسمها عليق حملها، آدم عليه السلام من الجنة فتوارثها الأنبياء حتى وصلت إلى شعيب عليه السلام فأعطاها موسى عليه السلام. قال مقاتل : اسم العصا بنعته. قوله تعالى ، { الحجر ، { اختلفوا فيه قال وهب : لم يكن حجراً معيناً بل كان موسى يضرب أي حجر كان من عرض الحجارة فينفجر عيوناً لكل سبط عين، وكانوا اثنى عشر سبطاً ثم تسيل كل عين في جدول إلى السبط الذي أمر أن يسقيهم، وقال الآخرون: كان حجراً معيناً بدليل أنه عرف بالألف واللام، قال ابن عباس: كان حجراً خفيفاً مربعاً على قدر رأس الرجل كان يضعه في مخلاته فإذا احتاجوا إلى الماء وضعه وضربه بعصاه، وقال عطاء : كان للحجر أربعة وجوه لكل وجه ثلاثة أعين لكل سبط عين وقيل: كان الحجر رخاماً، وقيل: كان من الكذان فيه اثنتا عشرة حفرة، ينبع من كل حفرة عين ماء عذب، فإذا فرغوا وأراد موسى حمله ضربه بعصاه فيذهب الماء، وكان يسقس كل يوم ستمائة ألف، وقال سعيد بن جبير : هو الحجر الذي وضع موسى ثوبه عليه ليغتسل ففر بثوبه ومر به على ملأ من بني اسرائيل حين رموه بالأدرة فلما أتاه جبريل فقال: إن الله تعالى يقول: ارفع هذا الحجر فلي فيه قدرة، ولك فيه معجزة، فرفعه ووضعه في مخلاته، قال عطاء : كان يضربه موسى اثنتي عشرة ضربة فيظهر على موضع كل ضربة مثل ثدي المرأة ثم يتفجر الأنهار، ثم تسيل. وأكثر أهل التفسير يقولون: انبجست وانفجرت واحد، وقال أبو عمرو بن العلاء: انبجست وانفجرت، أي: سالت، فذلك قوله تعالى } : فانفجرت } ، أي فضرب فانفجرت أي سالت منه ، { اثنتا عشرة عيناً ، { على عدد الأسباط ، { قد علم كل أناس مشربهم ، { موضع شربهم لا يدخل سبط على غيره في شربه ، { كلوا واشربوا من رزق الله } ، أي وقلنا لهم كلوا من المن والسلوى، واشربوا من الماء فهذا كله من رزق الله الذي يأتيكم بلا مشقة ، { ولا تعثوا في الأرض مفسدين ، { والعبث: أشد الفساد يقال عثى يعثي عيثاً، وعثا يعثو عثواً وعاث يعيث عيثاً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَنْ نَصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ
    +/- -/+  
الأية
61
 
قوله تعالى : { وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد ، { وذلك أنهم أجمعوا وسئموا من اكل المن والسلوى، وإنما قال ، { على طعام واحد ، { وهما اثنان لأن العرب تعبر عن الاثنين بلفظ الواحد كما تعبر عن الواحد بلفظ الاثنين، كقوله تعالى/ { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } (22-الرحمن) وإنما يخرج من المالح دون العذب وقيل: كانوا يأكلون أحدهما بالآخر فكانا كطعام واحد، وقال عبد الرحمن بن زيد بن اسلم: كانوا يعجنون المن بالسلوى فيصيران واحداً ، { فادع لنا ، { فاسأل لأجلنا ، { ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها ، { قال ابن عباس: والفوم الخبز: وقال عطاء ، الحنطة وقال القتيبي رحمه الله تعالى: الحبوب التي تؤكل كلها وقال الكلبي : { وعدسها وبصلها قال ، { لهم موسى عليه السلام ، { أتستبدلون الذي هو أدنى ، { أخس وأردى ، { بالذي هو خير ، { أشرف وأفضل وجعل الحنطة أدنى في القيمة وإن كان هو خيراً من المن والسلوى، أو أراد أنها أسهل وجوداً على العادة، ويجوز أن يكون الخير راجعاً إلى اختيار الله لهم واختيارهم لأنفسهم ، { اهبطوا مصراً ، { يعنى: فإن أبيتم إلا ذلك فانزلوا مصراً من الأمصار، وقال الضحاك : هو مصر موسى وفرعون، والأول أصح، لأنه لأنه لو أراده لم يصرفه ، { فإن لكم ما سألتم ، { من نبات الأرض ، { وضربت عليهم ، { جعلت عليهم وألزموا ، { الذلة ، { الذل والهوان قيل: بالجزية، وقال عطاء بن السائب : هو الكستيج والزنار وزي اليهودية ، { والمسكنة ، { الفقر، سمي الفقير مسكيناً لأن الفقر أسكنه وأقعده عن الحركة، فترى اليهود وإن كانوا مياسير كأنهم فقراء، وقيل: الذلة هي فقر القلب فلا ترى في أهل الملل أذل وأحرص على المال من اليهود. { وباءوا بغضب من الله ، { رجعوا ولا يقال: (( باؤوا إلا بشر )) وقال أبو عبيدة: احتملوا وأقروا به، ومنه الدعاء: أبوء (لك) بنعمتك علي وأبوء بذنبي، أقر ، { ذلك } ، أي الغضب ، { بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ، { بصفة محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم في التوراة ويكفرون بالإنجيل والقرآن ، { ويقتلون النبيين ، { تفرد نافع بهمز النبي وبابه، فيكون معناه المخبرمن أنبأ ينبيء ونبأ ينبئ، والقراءة المعروفة ترك الهمزة، وله وجهان: أحدهما هو أيضاً من الإنباء، تركت الهمزة فيه تخفيفاً لكثرة الاستعمال، والثاني هو بمعنى الرفيع مأخوذ من النبوة وهي المكان المرتفع، فعلى هذا يكون النبيين على الأصل ، { بغير الحق } ، أي بلا جرم فإن قيل: فلم قال: بغير الحق وقتل النبيين لا يكون إلا بغير الحق؟ قيل ذكره وصفاً للقتل، والقتل تارة يوصف بغير الحق وهو مثل قوله تعالى } : قال رب احكم بالحق } (112-الأنبياء) ذكر الحق وصفاً للحكم لا أن حكمه ينقسم إلى الجور والحق، ويروى أن اليهود قتلت سبعين نبياً في أول النهار وقامت سوق بقتلهم في آخر النهار ، { ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ، { يتجاوزون أمري ويرتكبون محارمي.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
    +/- -/+  
الأية
62
 
{ إن الذين آمنوا والذين هادوا } ، يعني اليهود سموا به لقولهم: إنا هدنا إليك أي ملنا إليك، وقيل: لأنهم هادوا أي تابوا عن عبادة العجل، وقيل: لأنهم مالوا عن دين الإسلام، وعن دين موسى عليه السلام، وقال أبو عمرو بن العلاء: لأنهم يتهودون أي يتحركون عند قراءة التوراة ويقولون: إن السموات والآرض تحركت حين آتى الله موسى التوراة ، { والنصارى ، { سموا به لقول الحواريين: نحن أنصار الله، وقال مقاتل : لأنهم نزلوا قرية يقال لها ناصرة، لآعتزائهم إلى نصرة وهي قرية كان ينزلها بعيسى عليه السلام. { والصابئين ، { قرأ أهل المدينة: والصابين والصابون بترك الهمزة والباقون بالهمزة، وأصله: الخروج، يقال: صبأ فلان أي خرج من دين إلى دين آخر، وصبأت النجوم إذا خرجت من مطاعها، وصبأ ناب البعير إذا خرج، فهؤلاء سموا به لخروجهم من دين إلى دين، قال عمر وابن عباس: هم قوم من أهل الكتاب، قال عمر رضي الله عنه: ذبائحهم ذبائح أهل الكتاب، وقال ابن عباس: لا تحل ذبائحهم ولا مناكحتهم، وقال مجاهد : هم قبيلة نحو الشام بين اليهود والمجوس، وقال الكلبي : هم قوم بين اليهود والنصارى يحلقون أوساط رؤوسهم ويجبون مذاكيرهم، وقال قتادة : قوم يقرؤون الزبور ويعبدون الملائكة، ويصلون إلى الكعبة ويقرون بالله تعالى، أخذوا من كل دين شيئاً، قال عبد العزيز بن يحيى : انقرضوا. { من آمن بالله واليوم الآخر ، { فإن قيل: كيف يستقيم قوله ( من آمن بالله ) وقد ذكر في ابتداء الآية (إن الذين آمنوا)؟ قيل: اختلفوا في حكم الآية فقال بعضهم: أراد بقوله ( إن الذين آمنوا ) على التحقيق ثم اختلفوا في هؤلاء المؤمنين فقال قوم: هم الذين آمنوا قبل المبعث وهم طلاب الدين مثل حبيب النجار، وقس بن ساعدة، وزيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل، والبراء السني، وأبي ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، وبحيرا الراهب، ووفد النجاشي، فمنهم من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم (وبايعه)،ن ومنهم من لم يدركه. وقيل: هم المؤمنون من الأمم الماضية، وقيل: هم المؤمنين من هذه الأمة (والذين هادوا) الذين كانوا على دين موسى عليه السلام، ولم يبدلوا، والنصارى، الذين كانوا على دين عيسى عليه السلام ولم يغيروا وماتوا على ذلك، قالوا: وهذان الاسمان لزماهم زمن موسى وعيسى عليهما السلام حيث كانوا على الحق، كالإسلام لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، والصابئون زمن استقامة أمرهم ، { من آمن } ، أي من مات منهم وهو مؤمن لأن حقيقة الإيمان بالموافاة، ويجوز أن يكون الواو مضمراً أي: ومن آمن بعدك يا محمد إلى يوم القيامة، وقال بعضهم: إن المذكورين بالإيمان في أول الآية على طريق المجاز دون الحقيقة، ثم اختلفوا فيهم فقال بعضهم: الذين آمنوا بالأنبياء الماضين ولم يؤمنوا بك وقيل: أراد بهم المنافقين الذين آمنوا بألسنتهم ولم يؤمنوا بقلوبهم، واليهود والنصارى الذين اعتقدوا اليهودية والنصرانية بعد التبديل والصابئون بعض أصناف الكفار ، { من آمن بالله واليوم الآخر ، { من هذه الأصناف بالقلب واللسان ، { وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ، { وإنما ذكر بلفظ الجمع لأن (من) يصلح للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث ، { ولا خوف عليهم ، { في الدنيا ، { ولا هم يحزنون ، { في الآخرة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
    +/- -/+  
الأية
63
 
{ قوله تعالى ، { وإذ أخذنا ميثاقكم ، { عهدكم يا معشر اليهود ، { ورفعنا فوقكم الطور ، { وهو الجبل بالسريانية في قول بعضهم، وهو قول مجاهد ، وقيل: ما من لغة في الدنيا إلا وهي في القرآن، وقال الأكثرون: ليس في القرآن لغة غير لغة العرب لقوله تعالى } : قرآناً عربياً ، { وإنما هذا وأشباهه وقع وفاقاً بين اللغتين، وقال ابن عباس: أمر الله تعالى جبلاً من جبال فلسطين فانقلع من أصله حتى قام على رؤوسهم، وذلك لأن الله تعالى أنزل التوراة على موسى عليه السلام فأمر موسى قومه أن يقبلوها ويعملوا بأحكامها فأبوا أن يقبلوها للآصار والأثقال التي هي فيها، وكانت شريعة ثقيلة فأمر الله تعالى جبريل عليه السلام فقلع جبلاً على قدر عسكرهم، وكان فرسخاً في فرسخ، فرفعه فوق رؤوسهم مقدار قامة الرجل كالظلة، وقال لهم: إن لم تقبلوا التوراة أرسلت هذا الجبل عليكم، وقال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: رفع / الله فوق رؤوسهم الطور، وبعث ناراً من قبل وجوههم، وأتاهم البحر المالح من خلفهم ، { خذوا } ، أي قلنا لهم خذوا ، { ما آتيناكم ، { أعطيناكم ، { بقوة ، { بجد واجتهاد ومواظبة ، { واذكروا ، { وادرسوا ، { ما فيه ، { وقيل: احفظوه واعملوا به ، { لعلكم تتقون ، { لكي تنجوا من الهلاك في الدنيا والعذاب في العقبى، فإن فإن قبلتم وإلا رضختم بهذا الجبل وأغرقتكم في هذا البحر وأحرقتكم بهذه النار، فلما رأوا أن لا مهرب لهم عنها قبلوا وسجدوا وجعلوا يلاحظون الجبل وهم سجود، فصار سنةً لليهود، ولا يسجدون إلا على أنصاف وجوههم، ويقولون: بهذا السجود رفع العذاب عنا.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ ۖ فَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ
    +/- -/+  
الأية
64
 
{ ثم توليتم ، { أعرضتم ، { من بعد ذلك ، { من بعد ما قبلتم التوراة ، { فلولا فضل الله عليكم ورحمته } ، يعني بالإمهال واإدراج وتأخير العذاب عنكم ، { لكنتم ، { لصرتم ، { من الخاسرين ، { من المغبونين بالعقوبة وذهاب الدنيا والآخرة وقيل: من المعذبين في الحال لأنه رحمهم بالإمهال.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ
    +/- -/+  
الأية
65
 
قوله تعالى : { ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت } ، أي جازوا الحد، وأصل السبت: القطع، قيل: سمي يوم السبت بذلك لأن الله تعالى قطع فيه الخلق، وقيل لأن اليهود أمروا فيه بقطع الأعمال، والقصة فيه: أنهم كانوا زمن داود عليه السلام بأرض يقال لها أيلة حرم الله عليهم صيد السمك يوم السبت، فكان إذا دخل السبت لم يبق حوت في البحر إلا اجتمع هناك حتى يخرجن خراطيمهن من الماء لأمنها، حتى لا يرى الماء من كثرتها، فإذا مضى السبت تغرقن ولزمن مقل البحر، فلا يرى شيء منها فذلك قوله تعالى ، { إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم } (163-الأعراف). ثم ان الشيطان وسوس إليهم وقال: إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت، فعمد رجال فحفروا الحياض حول البحر، وشرعوا منها إليها الأنهار، فإذا كانت عشية الجمعة فتحوا تلك الأنهار، فأقبل الموج بالحيتان إلى الحياض، فلا يقدرن على الخروج لبعد عمقها وقلة مائها، فإذا كان يوم الأحد أخذوها، وقيل: كانوا يسوقون الحيتان إلى (الحياض) يوم السبت ولا يأخذونها ثم يأخذوها يوم الأحد، وقيل: كانوا ينصبون الحبائل والشخوص يوم الجمعة ويخرجونها يوم الأحد ففعلوا ذلك زماناً ولم تنزل عليهم عقوبة فتجرؤوا على الذنب وقالوا: ما نرى السبت إلا وقد أحل لنا فأخذوا وأكلوا وملحوا وباعوا واشتروا وكثر مالهم، فلما فعلوا ذلك صار أهل القرية، وكان نحواً من سبعين ألفاً، ثلاثة أصناف: صنف أمسك ونهى، وصنف أمسك ولم ينه، وصنف انتهك الحرمة، وكان الناهون اثني عشر ألفاً، فلما أبى المجرمون قبول نصحهم قالوا: والله لا نساكنكم في قرية واحدة فقسموا القرية بجدار وعبروا بذلك سنتين، فلعنهم داود عليه السلام، وغضب الله عليهم لإصرارهم على المعصية فخرج الناهون ذات يوم من بابهم ولم يخرج من المجرمين أحد ولم يفتحوا بابهم، فلما أبطؤوا تسوروا عليهم الحائط فإذا هم جميعاً قردة لها أذناب يتعاوون، قال قتادة : صار الشبان قردة والشيوخ خنازير فمكثوا ثلاثة أيام ثم هلكوا ولم يمكث مسخ ثلاثة أيام ولم يتوالدوا. قال الله تعالى } : فقلنا لهم كونوا قردة ، { أمر تحويل وتكوين ، { خاسئين ، { مبعدين مطرودين، وقيل: فيه تقديم وتأخير أي كونوا خاسئين قردة ولذلك لم يقل خاسئات، والخسأ الطرد والإبعاد، وهو لازم ومتعد يقال: خسأته خسأً فخسأ خسوءاً مثل: رجعته رجعاً فرجع رجوعاً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ
    +/- -/+  
الأية
66
 
{ فجعلناها } ، أي جعلنا عقوبتهم بالمسخ ، { نكالاً } ، أي عقوبة وعبرة، والنكال اسم لكل عقوبة ينكل الناظر من فعل ما جعلت العقوبة جزاء عليه، ومنه النكول عن اليمين وهو الامتناع، وأصله من النكل وهو القيد ويكون جمعه: أنكالاً ، { لما بين يديها ، { قال قتادة : أراد بما بين يديها يعني ما سبقت من الذنوب، أي جعلنا تلك العقوبة جزاء لما تقدم من ذنوبهم قبل نهيهم عن أخذ الصيد ، { وما خلفها ، { ما حضر من الذنوب التي أخذوا بها، وهي العصيان بأخذ الحيتان، وقال أبو العالية و الربيع : عقوبة لما مضى من ذنوبهم وعبرة لمن بعدهم أن يستنوا بسنتهم، و (ما) الثانية بمعنى من، وقيل: (جعلناها) أي جعلنا قرية أصحاب السبت عبرة لما بين يديها أي القرى التي كانت مبنية في الحال ، { وما خلفها ، { وما يحدث من القرى من بعد ليتعظوا، وقيل: فيه تقديم وتأخير، تقديره: فجعلناها وما خلفها، أي ما أعد لهم من العذاب في الآخرة، نكالاً وجزاء لما بين يديها أي لما تقدم من ذنوبهم باعتدائهم في السبت ، { وموعظة للمتقين }: للمؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فلا يفعلون مثل فعلهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ
    +/- -/+  
الأية
67
 
قوله تعالى : { وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ، { البقرة هي الأنثى من البقر يقال: هي مأخوذة من البقر وهو الشق، سميت به لأنها تشق الأرض للحراثة. والقصة فيه أنه كان في بني إسرائيل رجل غني وله ابن عم فقير لا وارث له سواه، فلما طال عليه موته قتله ليرثه، وحمله إلى قرية أخرى وألقاه بفنائهم، ثم أصبح يطلب ثأره وجاء بناس إلى موسى يدعي عليهم القتل، فسألهم موسى فجحدوا، واشتبه أمر القتيل على موسى، قال الكلبي : وذلك قبل نزول القسامة في التوراة، فسألوا موسى أن يدعو الله ليبين لهم بدعائه، فأمرهم الله بذبح بقرة فقال لهم موسى: إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ، { قالوا أتتخذنا هزواً } ، أي: تستهزئ بنا، نحن نسألك عن أمر القتيل وتأمرنا بذبح بقرة!! وإنما قالوا ذلك لبعد بين الأمرين في الظاهر، ولم يدروا ما الحكمة فيه، قرأ حمزة هزوا وكفوا بالتخفيف وقرأ الآخرون بالتثقيل، وبترك الهمزة حفص ، { قال ، { موسى ، { أعوذ بالله ، { أمتنع بالله ، { أن أكون من الجاهلين } ، أي من المستهزئين بالمؤمنين وقيل: من الجاهلين بالجواب لا على وفق السؤال لأن الجواب لا على وفق السؤال جهل، فلما علم (القوم) أن ذبح البقرة عزم من الله عز وجل استوصفوها، ولو أنهم عمدوا إلى أدنى بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم، ولكنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم وكانت تحته حكمة، وذلك أنه كان في بني إسرائيل رجل صالح له (ابن) طفل وله عجلة أتى بها إلى غيضة وقال: اللهم إني أستودعك هذه العجلة لابني حتى تكبر، ومات الرجل فصارت العجلة في الغيضة عواناً، وكانت تهرب من كل من رآها فلما كبر الابن وكان باراً بوالدته، وكان يقسم الليل ثلاثة أثلاث يصلي ثلثاً وينام ثلثاً، ويجلس عند رأس أمه ثلثاً، فإذا أصبح انطلق فاحتطب على ظهره فيأتي به إلى السوق فيبيعه بما شاء الله ثم يتصدق بثلثه، ويأكل بثلثه، ويعطي والدته ثلثه، فقالت له أمه يوماً: إن أباك ورثك عجلة استودعها الله في غيضة كذا فانطلق وادع إله إبراهيم واسماعيل واسحاق أن يردها عليك وعلامتها أنك إذا نظرت إليها يخيل إليك أنها شعاع الشمس يخرج من جلدها، وكانت تسمى المذهبة لحسنها وصفرتها، فأتى الفتى الغيضة فرآها ترعى فصاح بها وقال: أعزم بإله ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب أن تأتي إلي فأقبلت تسعى حتى قامت بين يديه فقبض على عنقها يقودها، فتكلمت البقرة بإذن الله تعالى فقالت: أيها الفتى البار بوالدتك اركبني فإن ذلك أهون عليك، فقال الفتى: إن أمي لم تأمرني بذلك ولكن قالت: خذ بعنقها، فقالت البقرة: بإله بني اسرائيل لوركبتني ما كنت تقدر علي أبداً، فانطلق فإنك لو أمرت الجبل أن ينقلع من أصله وينطلق معك لفعل لبرك بأمك، فسار الفتى بها إلى أمه فقالت له: إنك فقير لا مال لك فيشق عليك الاحتطاب بالنهار والقيام بالليل فانطلق فبع هذه البقرة، قال: بكم أبيعها؟ قالت: بثلاثة دنانير ولا تبع بغير مشورتي وكان ثمن البقرة يومئذ ثلاثة دنانير، فانطلق بها إلى السوق، فبعث الله ملكاً ليرى خلقه قدرته وليختبر الفتى كيف بر بوالدته، وكان الله به خبيراً فقال له الملك: بكم تبيع هذه البقرة؟ قال: بثلاثة دنانير وأشترط عليك رضى والدتي فقال الملك: لمك ستة دنانير ولا تستأمر والدتك فقال الفتى: لو أعطيتني وزنها ذهباً لم آخذه إلا برضى أمي فردها إلى أمه فأخبرها بالثمن فقالت: ارجع فبعها بستة دنانير على رضى مني، فانطلق بها إلى السوق وأتى الملك فقال: استأمرت أمك فقال الفتى: إنها أمرتني أن لا أنقصها عن ستة على أن أستأمرها فقال الملك: فإني أعطيك اثني عشر على أن لا تستأمرهاا، فأبى الفتى، فرجع إلى أمه فأخبرها، فقالت إن الذي يأتيك ملك بصورة آدمي ليختبرك فإذا آتاك فقل له: أتأمرنا أن نبيع هذه البقرة أم لا؟ (ففعل) فقال له الملك: اذهب إلى أمك وقل لها أمسكي هذه البقرة فإن موسى بن عمران عليه السلام يشتريها منك لقتيل يقتل في بني إسرائيل فلا تبيعوها إلا بملء مسكها دنانير، فأمسكوها، وقدر الله تعالى على بني اسرائيل ذبح تلك البقرة بعينها فما زالوا يستوصفون موسى حتى وصف لهم تلك البقرة، مكافأة له على بره بوالدته فضلاً منه ورحمة ( فذلك ): قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَٰلِكَ ۖ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ
    +/- -/+  
الأية
68
 
{ قوله تعالى ، { قالوا: ادع لنا ربك يبين لنا ما هي } ، أي (ما صفاتها) { قال ، { موسى ، { إنه يقول } ، يعني أن الله تعالى يقول ، { إنها بقرة لا فارض ولا بكر } ، أي لا كبيرة ولا صغيرة، والفارض المسنة التي لا تلد، يقال منه: فرضت تفرض فروضاً، والبكر الفتاة الصغيرة التي لم تلد قط، وحذفت (الهاء) منهما للاختصاص بالإناث كالحائض ، { عوان ، { وسط نصف ، { بين ذلك } ، أي بين السنين يقال عونت المرأة تعويناً: إذا زادت على الثلاثين، قال الأخفش (العوان: التي لم تلد قط، وقيل: ) العوان التي نتجت مراراً وجمعها عون ، { فافعلوا ما تؤمرون ، { من ذبح البقرة ولا تكثروا السؤال.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ
    +/- -/+  
الأية
69
 
{ قالوا: ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال: إنه يقول: إنها بقرة صفراء فاقع لونها ، { قال ابن عباس: شديد الصفرة، وقال قتادة : صاف، وقال الحسن : الصفراء الوداء، والأول أصح لأنه لا يقال أسود فاقعإنما يقال: أصفر فاقع، وأسود (حالك) وأحمر قانئ وأخضر ناضر، وأبيض بقق للمبالغة ، { تسر الناظرين }: إليها يعجبهم حسنها وصفاء لونها.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ
    +/- -/+  
الأية
70
 
{ قالوا: ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ، { أسائمة أم عاملة ، { إن البقر تشابه علينا ، { ولم يقل تشابهت لتذكير لفظ البقر كقوله تعالى } : أعجاز نخل منقعر } (20-القمر) وقال الزجاج : أي جنس البقر تشابه، أي التبس واشتبه أمره علينا فلا نهتدي إليه ، { وإنا إن شاء الله لمهتدون ، { إلى وصفها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " (والله) لو لم يستثنوا لما بينت لهم إلى آخر الأبد }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا ۚ قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
71
 
{ قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول ، { مذللة بالعمل يقال: رجل ذلول بين الذل، ودابة ذلول بينة الذل ، { تثير الأرض ، { تقلبها للزراعة ، { ولا تسقي الحرث } ، أي ليست بساقية ، { مسلمة ، { بريئة من العيوب ، { لا شية فيها ، { لا لون لها سوى لون جميع جلدها قال عطاء : لاعيب فيها، وقال مجاهد : لا بياض فيها ولا سواد ، { قالوا: الآن جئت بالحق } ، أي بالبيان التام الشافي الذي لا إشكال فيه، وطلبوها فلم يجدوا بكمال وصفها إلا مع الفتى فاشتروها بملء مسكها ذهباً ، { فذبحوها وما كادوا يفعلون ، { من غلاء ثمنها وقال محمد بن كعب: وما كادوا يجدونها باجتماع أوصافها، وقيل ، { وما كادوا يفعلون ، { من شدة اضطرابهم واختلافهم فيها.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ۖ وَاللهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ
    +/- -/+  
الأية
72
 
قوله عز وجل : { وإذ قتلتم نفساً ، { هذا أول القصة وإن كانت مؤخرة في التلاوة، واسم القتيل (عاميل) { فادارأتم فيها ، { أصله تدارأتم فأدغمت التاء في الدال وأدخلت الألف، مثل قوله } : اثاقلتم } ، قال ابن عباس: و مجاهد : معناه فاختلفتم، وقال الربيع بن أنس: تدافعتم، أي يحيل بعضكم على بعض من الدرء وهو الدفع، فكان كل واحد يدفع عن نفسه ، { والله مخرج } ، أي مظهر ، { ما كنتم تكتمون ، { فإن القاتل كان يكتم القتل.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ۚ كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
    +/- -/+  
الأية
73
 
{ فقلنا اضربوه } ، يعني القتيل ، { ببعضها } ، أي ببعض البقرة، واختلفوا في ذلك البعض، قال ابن عباس رضي الله عنه وأكثر المفسرين: ضربوه بالعظم الذي يلي الغضروف وهو المقتل، وقال مجاهد و سعيد بن جبير : بعجب الذنب لأنه أول ما يخلق وآخر ما يبلى، ويركب عليه الخلق، وقال الضحاك : بلسانها، وقال الحسين بن الفضل : هذا أدل بها لأنه آلة الكلام، وقال الكلبي و عكرمة : بفخذها الأيمن، وقيل: بعضو منها لا بعينه، ففعلوا ذلك فقام القتيل حياً بإذن الله تعالى وأوداجه، أي عروق العنق، تشخب دماً وقال قتلني فلان، ثم سقط ومات مكانه فحرم قاتله الميراث، وفي الخبر: (( ما ورث قاتل بعد صاحب البقرة )) وفيه إضمار تقديره: فضرب فحيي ، { كذلك يحيي الله الموتى ، { كما أحيا عاميل ، { ويريكم آياته لعلكم تعقلون ، { قيل تمنعون أنفسكم من المعاصي. أما حكم هذه المسألة في الإسلام: إذا وجد قتيل في موضع ولا يعرف قاتله فإن كان ثم ( لوث ) على إنسان - واللوث: أن يغلب على القلب صدق المدعي، بأن اجتمع جماعة في بيت أو صحراء فتفرقوا عن قتيل يغلب على القلب أن القاتل فيهم، أو وجد قتيل في محلة أو قرية كلهم أعداء للقتيل لا يخالطهم غيرهم، فيغلب على القلب أنهم قتلوه - فادعى الولي على بعضهم، يحلف المدعي خمسين يميناً على من يدعي عليه، وإن كان الأولياء جماعة توزع الأيمان عليهم، ثم بعدما حلفوا أخذوا الدية من عاقلة المدعى عليه إن ادعوا قتل خطأ، وإن ادعوا قتل عمد فمن ماله، ولا قود على قول الأكثرين وذهب بعضهم إلى وجوب القود، وهو قول عمر بن عبد العزيز وبه قال مالك و أحمد ، وإن لم يكن على المدعى عليه لوث فالقول قول المدعى عليه مع يمينه ثم هل يحلف يميناً واحدة أم خمسين يميناً؟ فيه قولان: (أحدهما) يميناً واحدة كما في سائر الدعاوي ( والثاني) يحلف خمسين يميناً تغليظاً لأمر الدم، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه: لا حكم للوث [ولا يزيد بيمين المدعي] وقال: إذا وجد قتيل في محلة يختار الإمام خمسين رجلاً من صلحاء أهلها فيحلفهم أنهم ما قتلوه ولا عرفوا له قاتلاً، ثم يأخذ الدية من سكانها، والدليل على أن البداية بيمين المدعي عند وجود اللوث: [ ما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن يحيى بن سعيد عن بشير ابن يسار ] عن سهل بن أبي حثمة { أن عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود خرجا إلى خيبر لحاجتهما فقتل عبد الله بن سهل فانطلق هو وعبد الرحمن / أخو المقتول وحويصة بن مسعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له قتل عبد الله بن سهل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحلفون خمسين يميناً وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم فقالوا يا رسول الله لم نشهد ولم نحضر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فتبرئكم يهود بخمسين يميناً فقالوا يارسول الله كيف نقبل أيمان قوم كفار؟ فعزم النبي صلى الله عليه وسلم عقله من عنده }[ وفي لفظ آخر فزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم عقله من عنده ] قال بشير بن يسار: قال سهل لقد ركضتني فريضة تلك الفرائض في مربد لنا، وفي رواية: لقد ركضتني ناقة حمراء من تلك الفرائض في مربد لنا )) أخرجه مسلم عن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب . وجه الدليل من الخبر: أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بأيمان المدعين لتقوي جانبهم باللوث، وهو أن عبد الله بن سهل وجد قتيلاً في خيبر، وكانت العداوة ظاهرة بين الأنصار وأهل خيبر، وكان يغلب على القلب أنهم قتلوه،ن واليمين أبداً تكون حجة لمن يقوى جانبه وعند عدم اللوث يقوى جانب المدعى عليه من حيث أن الأصل براءة ذمته وكان القول قوله مع يمينه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ۗ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
74
 
قوله تعالى : { ثم قست قلوبكم ، { يبست وجفت، جفاف القلب: خروج الرحمة واللين عنه، وقيل: غلظت، وقيل: اسودت ، { من بعد ذلك ، { من بعد ظهور الدلالات. قال الكلبي : قالوا بعد ذلك: نحن لم نقتله، فلم يكونوا قط أعمى قلباً ولا أشد تكذيباً لنبيهم منهم عند ذلك ، { فهي } ، أي في الغلظة والشدة ، { كالحجارة أو أشد قسوة ، { قيل: أو بمعنى بل وقيل: بمعنى الواو كقوله تعالى } : مائة ألف أو يزيدون } (147-الصافات) أي: بل يزيدون أو ويزيدون، وإنما لم يشبهها بالحديد مع أنه أصلب من الحجارة، لأن الحديد قابل للين فإنه يلين بالنار، وقد لان لداود عليه السلام، والحجارة لا تلين قط، ثم فضل الحجارة على القلب القاسي فقال } : وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار ، { قيل: أراد به (جميع) الحجارة، وقيل: أراد به الحجر الذي كان يضرب عليه موسى للأسباط ، { وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء ، { أراد به عيوناً دون الأنهار ، { وإن منها لما يهبط ، { ينزل من أعلى الجبل إلى أسفله ، { من خشية الله ، { وقلوبكم لا تلين ولا تخشع يا معشر اليهود. فإن قيل: جماد لا يفهم، فكيف (يخشى)؟ قيل: الله يفهمه ويلهمه فيخشى بإلهامه. ومذهب أهل السنة والجماعة أن الله تعالى خلق علماً في الجمادات وسائر الحيوانات سوى العقل، لا يقف عليه غيره، فلها صلاة وتسبيح وخشية كما قال جل ذكره } : وإن من شيء إلا يسبح بحمده } (44-الاسراء) وقال ، { والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه } (41-النور) وقال } : ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر } (18-الحج) الآية، فيجب (المؤمن) الإيمان به ويكل علمه إلى الله تعالى سبحانه وتعالى، ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على ثبير والكفار يطلبونه فقال الجبل: انزل عني فإني أخاف أن تؤخذ علي فيعاقبني الله بذلك فقال له جبل حراء: إلي يا رسول الله )). أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ثنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي أنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب النيسابوري أنا محمد بن اسماعيل الصائغ أنا يحيى بن أبي بكر أنا ابراهيم ابن طهمان عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث وإني لأعرفه الآن } [ هذا حديث صحيح أخرجه مسلم عن أبي بكر ابن أبي شيبة عن يحيى بن أبي بكر وصح عن أنس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلع على أحد فقال: هذا جبل يحبنا و نحبه { وروي عن أبي هريرة يقول ، { صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ثم أقبل على الناس بوجهه وقال: بينما رجل يسوق بقرة إذ عيي فركبها فضربها فقالت: إنا لم نخلق لهذا، إنما خلقنا لحراثة الأرض فقال الناس: سبحان الله بقرة تتكلم!؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أومن به أنا وأبو بكر ,عمر وماهما ثم ، { وقال } : بينما رجل في غنم له إذ عدا الذئب على شاة منها فأدركها صاحبها فاستنفذها، فقال الذئب: فمن لها يوم السبع؟ أي يوم القيامة، يوم لا راعي لها غيري فقال الناس: سبحان الله ذئب يتكلم؟ فقال: أومن به أنا وأبو بكر وعمر وما هما ثم } ، وصح عن أبي هريرة قال: { كان رسول صلى الله عليه وسلم على حراء وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم اهدأ. أي: اسكن. فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد ، { صحيح أخرجه مسلم . أنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أ[و سعيد يحيى بن أحمد بن علي الصانع أنا أبو الحسن علي بن اسحاق بن هشام الرازي أنا محمد بن أيوب بن ضريس البجلي الرازي أنا محمد بن الصباح عن الوليد ابن أبي ثور عن السدي عن عباد بن أبي يزيد ] عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال } : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا في نواحيها خارجاً من مكة بين الجبال والشجر، فلم يمر بشجرة ولا جبل إلا قال السلام عليك يارسول الله }. أنا أبو الحسن عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنه يقول } : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب استند إلى جذع نخلة من سواري المسجد، فلما صنع له المنبر فاستوى عليه اضطربت تلك السارية وحنت كحنين الناقة حتى سمعها أهل المسجد، حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتنقها فسكنت }. قال مجاهد : لا ينزل حجر من أعلى إلى الأسفل إلا من خشية الله، ويشهد لما قلنا قوله تعالى } : لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله، وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون } (21-الحشر). قوله عز وجل ، { وما الله بغافل } (بساه) { عما تعملون ، { وعيد وتهديد، وقيل: بتارك عقوبة ما تعملون، بل يجازيكم به، قرأ ابن كثير يعملون بالياء والآخرون بالتاء.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
75
 
{ قوله تعالى ، { أفتطمعون ، { أفترجون؟ يريد: محمداً وأصحابه ، { أن يؤمنوا لكم ، { تصدقكم اليهود بما تخبرونهم به ، { وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله } ، يعني التوراة ، { ثم يحرفونه ، { يغيرون ما فيها من الأحكام ، { من بعد ما عقلوه ، { علموه كما غيروا صفة محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم ، { وهم يعلمون ، { أنهم كاذبون، هذا قول مجاهد و قتادة و عكرمة و السدي وجماعة، وقال ابن عباس و مقاتل : نزلت في السبعين الذين اختارهم موسى لميقات ربه، وذلك أنهم لما رجعوا - بعد ما سمعوا كلام الله - إلى قومهم رجع الناس إلى قولهم، وأما الصادقون منهم فأدوا كما سمعوا، وقالت طائفة منهم: سمعنا الله يقول في آخر كلامه إن استطعتم أن تفعلوا فافعلوا، وإن شئتم فلا تفعلوا، فهذا تحريفهم وهم يعلمون أنه الحق.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
    +/- -/+  
الأية
76
 
{ وإذا لقوا الذين آمنوا ، { قال ابن عباس و الحسن و قتادة : يعني منافقي اليهود الذين آمنوا بألسنتهم إذا لقوا المؤمنين المخلصين ، { قالوا: آمنا ، { كإيمانكم ، { وإذا خلا ، { رجع ، { بعضهم إلى بعض } - كعب بن الأشرف وكعب بن أسد ووهب بن يهودا وغيرهم من رؤساء اليهود - لأمرهم على ذلك ، { قالوا: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ، { بما قص الله عليكم في كتابكم: أن محمداً حق وقوله صدق. والفتاح القاضي. وقال الكسائي : بما بينه الله لكم [ من العلم بصفة النبي صلى الله عليه وسلم ونعته، وقال: ] الواقدي : بما أنزل الله عليكم، ونظيره } : لفتحنا عليهم بركات من السماء } (44-الأنعام) أي أنزلنا، وقال أبو عبيدة: بما من الله عليكم وأعطاكم ، { ليحاجوكم به ، { ليخاصموكم، يعني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يحتجوا بقولكم (عليكم) فيقولوا قد أقررتم أنه نبي حق في كتابكم ثن لا تتبعونه!! وذلك أنهم قالوا لأهل المدينة حين شاورهم في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم: آمنوا به فإنه حق ثم قال بعضهم لبعض: أتحدثونهم بما أنزل الله عليكم لتكون لهم الحجة عليكم ، { عند ربكم ، { في الدنيا والآخرة، وقيل: إنهم أخبروا المؤمنين بما عذبهم الله به على الجنايات فقال بعضهم لبعض: [ أتحدثونهم بما أنزل الله عليكم من العذاب ليحاجوكم به عند ربكم، ليروا الكرامة لأنفسهم عليكم عند الله وقال مجاهد : هو قول يهود بني قريظة قال بعضهم لبعض ] حين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم } : يا إخوان القردة والخنازير ، { فقالوا: من أخبرمحمد بهذا؟ ما خرج هذا إلا منكم ، { أفلا تعقلون }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ
    +/- -/+  
الأية
77
 
قال الله تعالى : { أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون ، { يخفون ، { وما يعلنون ، { يبدون يعني اليهود.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ
    +/- -/+  
الأية
78
 
{ وقوله تعالى } : ومنهم أميون } ، أي من اليهود أميون لا يحسنون القراءة والكتابة، جمع أمي منسوب إلى الأم كأنه باق على ما انفصل من الأم لم يتعلم كتابة ولا قراءة. [ وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ، { إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب } ] وقيل: هو منسوب إلى أم القرى وهي مكة ، { لا يعلمون الكتاب إلا أماني ، { قرأ أبو جعفر: أماني بتخفيف الياء كل القرآن حذف إحدى الياءين (تخفيفاً)، وقراءة العامة بالتشديد، وهي جمع الأمنية وهي التلاوة، قال الله تعالى } : إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته } (52-الحج) أي في قراءته، قال أبو عبيدة: [ إلا تلاوته وقراءته ] عن ظهر القلب لا يقرؤونه من كتاب، وقيل: يعلمونه حفظاً وقراءة لا يعرفون معناه. وقال ابن عباس: يعني غير عارفين بمعاني الكتاب، وقال مجاهد و قتادة : إلا كذباً وباطلاً، قال الفراء : الأماني: الأحاديث المفتعلة، قال عثمان رضي الله عنه: ما تمنيت منذ أسلمت (أي ما كذبت)، وأراد بها الأشياء التي كتبها علماؤهم من عند أنفسهم ثم / أضافوها إلى الله عز وجل من تغيير نعت النبي صلى الله عليه وسلم وغيره، وقال الحسن و أبو العالية : هي من التمني، وهي أمانيهم الباطلة التي تمنوها على الله عز وجل مثل قولهم } : لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى } (111-البقرة) وقولهم } : لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة } (80-البقرة) وقولهم ، { نحن أبناء الله وأحباؤه } (18- المائدة) فعلى هذا تكون (إلا) بمعنى (لكن) أي لا يعلمون الكتاب لكن يتمنون أشياء تحصل لهم ، { وإن هم ، { وما هم ، { إلا يظنون ، { وما هم إلا يظنون ظناً وتوهماً لا يقيناً، قاله قتادة و الربيع ، قال مجاهد : يكذبون.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ
    +/- -/+  
الأية
79
 
قوله تعالى : { فويل ، { قال الزجاج : ويل كلمة يقولها كل واقع في هلكة، وقيل: هو دعاء الكفار على أنفسهم بالويل والثبور، وقال ابن عباس: شدة العذاب، وقال سعيد بن المسيب: ويل واد في جهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لانماعت من شدة حره. أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا طاهر محمد بن أحمد بن الحارث أنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا أبو اسحاق ابراهيم بن عبد الله الخلال أنا عبد الله بن المبارك عن رشدين بن سعد [ عن عمرو بن الحارث أنه حدث عن أبي السمح عن أبي الهيثم ] عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال } : الويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يبلغ قعره، والصعود جبل من نار يتصعد فيه سبعين خريفاً ثم يهوي فهو كذلك }. { للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً ، { وذلك أن أحبار اليهود خافوا ذهاب مأكلتهم وزوال رياستهم حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فاحتالوا في تعويق اليهود عن الايمان به فعمدوا إلى صفته في التوراة، وكانت صفته فيها: حسن الوجه، حسن الشعر، أكحل العينين، ربعة، فغيروها وكتبوا مكانها طوال أزرق سبط الشعر فإذا سألهم سفلتهم عن صفته قرؤوا ما كتبوا فيجدونه مخالفاً لصفته فيكذبونه وينكرونه، قال الله تعالى ، { فويل لهم مما كتبت أيديهم } ، يعني ما كتبوا بأنفسهم اختراعاً من تغيير نعت محمد صلى الله عليه وسلم ، { وويل لهم مما يكسبون ، { من المآكل ويقال: من المعاصي.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً ۚ قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ ۖ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
80
 
{ وقالوا } ، يعني اليهود ، { لن تمسنا النار } [لن يصيبنا النار] { إلا أياماً معدودة ، { قدراً مقدراً ثم يزول عنا العذاب ويعقبه النعيم واختلفوا في هذه الآية، قال ابن عباس و مجاهد : كانت اليهود يقولون: هذه الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما نعذب بكل ألف سنة يوماً واحداً ثم ينقطع العذاب بعد سبعة آيام. وقال قتادة و عطاء : يعنون أربعين يوماً التي عبد فيها آباؤهم العجل، وقال الحسن و أ[و العالية : قالت اليهود: إن ربنا عتب علينا في أمر، فأقسم ليعذبنا أربعين يوماً فلن تمسنا النار إلا أربعين يوماً تحلة القسم، فقال الله عز وجل تكذيباً لهم } : قل ، { يا محمد ، { أتخذتم عند الله ، { ألف استفهام دخلت على ألف الوصل، عند الله ، { عهداً { ؟ موثقاً أن لايعذبكم إلا هذه المدة ، { فلن يخلف الله عهده ، { ووعده قال ابن مسعود: عهداً بالتوحيد، يدل عليه قوله تعالى } : إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً } (87-مريم) يعني: قول لا إله إلا الله ، { أم تقولون على الله ما لا تعلمون ، { ثم قال

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
بَلَىٰ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
    +/- -/+  
الأية
81
 
{ بلى ، { وبل وبلى: حرفا استدراك ومعناهما نفي الخبر الماضي وإثبات الخبر المستقبل ، { من كسب سيئة } ، يعني الشرك ، { وأحاطت به خطيئته ، { قرأ أهل المدينة خطيئاته بالجمع، والإحاطة الإحداق بالشيء من جميع نواحيه، قال ابن عباس و عطاء و الضحاك و أبو العالية و الربيع وجماعة: هي الشرك يموت عليه، وقيل: السيئة الكبيرة. والاحاطة به أن يصر عليها فيموت غير تائب، قال عكرمة و الربيع بن خيثم وقال مجاهد : هي الذنوب تحيط القلب، كلما أذنب ذنباً ارتفعت (حتى تغشى) القلب وهي الرين. قال الكلبي : أوبقته ذنوبه، دليله قوله تعالى ، { إلا أن يحاط بكم } (66-يوسف) أي تهلكوا ، { فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
    +/- -/+  
الأية
82
 
قوله تعالى : { والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ
    +/- -/+  
الأية
83
 
قوله تعالى : { وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل ، { في التوراة، والميثاق العهد الشديد ، { لا تعبدون إلا الله ، { قرأ ابن كثير و حمزة و الكسائي (لا يعبدون) بالياء وقرأ الخرون بالتاء لقوله تعالى ، { وقولوا للناس حسناً } ، معناه ألا تعبدوا فلما حذف أن صار الفعل مرفوعاً، وقرأ أبي بن كعب: لا تعبدوا إلا الله على النهي ، { بالوالدين إحساناً } ، أي ووصيناهم بالوالدين إحساناً، براً بهما وعطفاً عليهما ونزولاً عند أمرهما، فيما لا يخالف أمر الله تعالى ، { وذي القربى } ، أي وبذي القرابة والقربى مصدر كالحسنى ، { واليتامى ، { جمع يتيم وهو الطفل الذي لا أب له ، { والمساكين } ، يعني الفقراء ، { وقولوا للناس حسناً ، { صدقاً وحقاً في شأن محمد صلى الله عليه وسلم فمن سألكم عنه فاصدقوه وبينوا صفته ولاتكتموا أمره، هذا قول ابن عباس و سعيد بن جبير و ابن جريج و مقاتل ، وقال سفيان الثوري : مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر، وقيل: هو اللين في القول والمعاشرة بحسن الخلق. وقرأ حمزة و الكسائي و يعقوب : حسناً بفتح الحاء والسين أي قولاً حسناً ، { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم ، { أعرضتم عن العهد والميثاق ، { إلا قليلاً منكم ، { وذلك أن قوماً منهم آمنوا ، { وأنتم معرضون ، { كإعراض آبائكم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ
    +/- -/+  
الأية
84
 
{ قوله عز وجل ، { وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم } ، أي لا تريقون دماءكم أي: لا يسفك بعضكم دم بعض، وقيل: لا تسفكوا دماء غيركم فتسفك دماؤكم، فكأنكم سفكتم دماء أنفسكم ، { ولا تخرجون أنفسكم من دياركم } ، أي لا يخرج بعضكم بعضاً من داره، وقيل: لا تسيئوا جوار من جاوركم فتلجؤوهم إلى الخروج بسوء جواركم ، { ثم أقررتم ، { بهذا العهد أنه حق وقبلتم ، { وأنتم تشهدون ، { اليوم على ذلك يا معشر اليهود وتقرون بالقبول.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
ثُمَّ أَنْتُمْ هَٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ ۚ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
85
 
{ قوله عز وجل ، { ثم أنتم هؤلاء } ، يعني: يا هؤلاء، وهؤلاء للتنبيه ، { تقتلون أنفسكم } ، أي (يقتل) بعضكم بعضاً ، { وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم ، { بتشديد الظاء أي تتظاهرون أدغمت التاء في الظاء، وقرأ عاصم و حمزة و الكسائي بتخفيف الظاء فحذفوا تاء التفاعل وأبقوا تاء الخطاب كقوله تعالى } : ولا تعاونوا } ، معناهما جميعاً: تتعاونون، والظهير: العون ، { بالإثم والعدوان ، { المعصية والظلم ، { وإن يأتوكم أسارى ، { وقرأ حمزة : أسرى، وهما جمع أسير، ومعناهما واحد ، { تفادوهم ، { بالمال وتنقذوهم وقرأ أهل المدينة و عاصم و الكسائي و يعقوب ( تفادوهم ) أي تبادلوهم، أراد: مفاداة الأسيربالأسير، وقيل: معنى القراءتين واحد. ومعنى الآية قال السدي : إن الله تعالى أخذ على بني إسرائيل في التوراة أن لا يقتل بعضهم بعضاً، ولا يخرج بعضهم بعضاً من ديارهم، وأيما عبد أو أمة وجدتموه من بني إسرائيل فاشتروه بما قام من ثمنه وأعتقوه، فكانت قريظة حلفاء الأوس، والنضير حلفاء الخزرج، وكانوا يقتتلون في حرب سمير؟ فيقاتل بنو قريظة وحلفاؤهم وبنو النضير وحلفاؤهم وإذا غلبوا أخربوا ديارهم وأخرجوهم منها، وإذا أسر رجل من الفريقين جمعوا له حتى يفدوه وإن كان الأسير من عدوهم، فتعيرهم الاعرب وتقول: كيف تقاتلونهم وتفدونهم قالوا:إنا أمرنا أن نفديهم فيقولون: فلم تقاتلونهم؟ قالوا: إنا نستحيي أن يستذل حلفاؤنا، فعيرهم الله تعالى بذلك فقال } : ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم ، { وفي الآية تقديم وتأخير ونظمها (وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان) { وهو محرم عليكم إخراجهم ، { وإن يأتوكم أسارى تفادوهم، فكأن الله تعالى أخذ عليهم أربعة عهود: ترك القتال، وترك الاخراج، وترك المظاهرة عليهم مع أعدائهم، وفداء أسراهم، فأعرضوا عن الكل إلا الفداء. قال الله تعالى ، { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ، { قال مجاهد : يقول إن وجدته في يد غيرك فديته وأنت تقتله بيدك ، { فما جزاء من يفعل ذلك منكم ، { يا معشر اليهود ، { إلا خزي ، { عذاب وهوان ، { في الحياة الدنيا ، { فكان خزي قريظة القتل والسبي وخزي النضير الجلاء والنفي من منازلهم إلى أذرعات وأريحاء من الشام ، { ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب ، { وهو عذاب النار ، { وما الله بغافل عما تعملون ، { قرأ ابن كثير و نافع وأبو بكر بالياء، والباقون بالتاء قوله عز وجل } : أولئك الذين اشتروا }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ۖ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ
    +/- -/+  
الأية
86
 
{ أولئك الذين اشتروا ، { استبدلوا ، { الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف ، { يهون ، { عنهم العذاب ولا هم ينصرون ، { يمنعون من عذاب الله عز وجل.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ۖ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ
    +/- -/+  
الأية
87
 
{ قوله تعالى : { ولقد آتينا ، { أعطينا ، { موسى الكتاب ، { التوراة ، جملة واحده ، { وقفينا ، { وأتبعنا ، { من بعده بالرسل ، { رسولا بعد رسول ، { وآتينا عيسى ابن مريم البينات ، { الدلالات الواضحات وهي ما ذكر الله في سورة آل عمران والمائدة وقيل : أراد الإنجيل ، { وأيدناه ، { قويناه ، { بروح القدس ، { قرأ ابن كثير القدس بسكون الدال والآخرون بضمها وهما لغتان مثل الرعب و الرعب ، واخبلفوا في روح القدس ، قال الربيع وغيره : أراد بالروح الروح الذي نفخ فيه ، والقدس هو الله أضافه إلى نفسه تكريماً وتخصيصاً نحو بيت الله ، وناقة الله ، كما قال : { فنفخنا فيه من روحنا } ( 12- التحريم ) { وروح منه } (171-النساء) وقيل : أراد بالقدس الطهارة ، يعني الروح الطاهرة ، سمى روحه قدساً ، لأنه لم تتضمنه أصلاب الفحولة ، وام تشتمل عليه أرحام الطوامث ، إنما كان أمراً من الله تعالى ، قال قتادة و السدي و الضحاك : روح القدس جبريل عليه السلام قيل : وصف جبريل بالقدس أي بالطهارة لأنه لم يقترف ذنباً ، قال الحسن : القدس هو الله وروحه جبريل قال الله تعالى : { قل نزله روح القدس من ربك بالحق }( 102- النحل ) وتأييد عيسى بجبريل عليهما السلام أنه أمر أن يسير معه حيث سار حتى صعد به الله ( الى السماء ) وقيل : سمي جبريل عليه السلام روحاً للطافته ولمكانته من الوحي الذي هو سبب حياة القلوب ، وقال ابن عباس و سعيد بن جبير : روح القدس هو إسم الله تعالى الأعظم به كان يحيي الموتى ويرى الناس به العجائب ، وقيل : هو الإنجيل جعل له روحا كما ( جعل القرآن روحا لمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه سبب لحياة القلوب ) قال تعالى : { وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا } ( 52- الشورى ) فلما سمع اليهود ذكر عيسى عليه السلام قالوا : يامحمد لا مثل عيسى _ كما تزعم _ عملت ، ولا كما تقص علينا من الأنبياء فعلت ، فأتنا بما أتى به عيسى إن كنت صادقا . قال الله تعالى : { أفكلما جاءكم ، { يا معشر اليهود ، { رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ، { تكبرتم وتعظمتم عن الإيمان ، { ففريقاً ، { طائفة ، { كذبتم ، { مثل عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ، { وفريقا تقتلون } ، أي قتلتم مثل زكريا ويحيى وشعيا وسائر من قتلوه من الأنبياء عليهم السلام.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ
    +/- -/+  
الأية
88
 
{ وقالوا } ، يعني اليهود ، { قلوبنا غلف ، { جمع الاغلف وهو الذي عليه غشاء ، معناه عليها غشاوة فلا تعي ولا تفقه ما تقول ، قاله مجاهد و قتادة ، نظيره قوله تعالى ، { وقالوا قلوبنا في أكنة } ( 5 - فصلت ) وقرأ ابن عباس غلف بضم اللام وهي قراءة الأعرج وهو جمع غلاف أي قلوبنا أوعية لكل علم فلا تحتاج إلى علمك قاله ابن عباس و عطاء وقال الكلبي : معناه أوعية لكل علم فلا تسمع حديثاً إلا تعيه إلا حديثك لا تعقله ولا تعيه ولو كان فيه خير لوعته وفهمته . قال الله عز وجل : { بل لعنهم الله ، { طردهم الله وأبعدهم عن كل خير ، { بكفرهم فقليلاً ما يؤمنون ، { قال قتادة : معناه لن يؤمن منهم إلا قليل لأن من آمن من المشركين أكثر ممن آمن من اليهود ، أي فقليلاً يؤمنون ، ونصب قليلاً [ على الحال وقال معمر : لا يؤمنون إلا بقليل مما في أيديهم ويكفرون بأكثره ، أي فقليل يؤمنون ونصب قليلاً ] بنزع الخافض ، و(ما) صلة على قولهما ، وقال الواقدي : معناه لا يؤمنون قليلاً ولا كثيراً كقول الرجل للآخر : ما أقل ما تفعل كذا أي لا تفعله أصلاً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ
    +/- -/+  
الأية
89
 
{ ولما جاءهم كتاب من عند الله } ، يعني القرآن ، { مصدق ، { موافق ، { لما معهم } ، يعني التوراة ، { وكانوا } ، يعني اليهود ، { من قبل ، { من قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم ، { يستفتحون ، { يستنصرون ، { على الذين كفروا ، { على مشركي العرب، وذلك أنهم كانوا يقولون إذا حزبهم أمر ودهمهم عدو: اللهم انصرنا عليهم بالنبي المبعوث في آخر الزمان، الذي نجد صفته في التوراة، فكانوا ينصرون، وكانوا يقولون لأعدائهم من المشركين قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وثمود وإرم ، { فلما جاءهم ما عرفوا } ، يعني محمداً صلى الله عليه وسلم من غير بني اسرائيل وعرفوا نعته وصفته ، { كفروا به ، { بغياً وحسداً. { فلعنة الله على الكافرين }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ ۚ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ
    +/- -/+  
الأية
90
 
{ بئسما اشتروا به أنفسهم ، { بئس ونعم: فعلان ماضيان وضعا للمدح والذم، لا يتصرفان تصرف الأفعال، معناه: بئس الذي اختاروا لأنفسهم حين استبدلوا الباطل بالحق. وقيل: الاشتراء هاهنا بمعنى البيع والمعنى بئس ما باعوا به حظ أنفسهم أي حين اختاروا الكفر (وبذلوا أنفسهم للنار) { أن يكفروا بما أنزل الله } ، يعني القرآن ، { بغياً } ، أي حسداً وأصل البغي: الفساد ويقال بغى الجرح إذا فسد والبغي: الظلم، وأصله الطلب، والباغي طالب الظلم، والحاسد يظلم المحسود جهده، طلباً لإزالة نعمة الله تعالى عنه ، { أن ينزل الله من فضله } ، أي النبوة والكتاب ، { على من يشاء من عباده ، { محمد صلى الله عليه وسلم، قرأ أهل مكة والبصرة ينزل بالتخفيف إلا ( في سبحان الذي ) في موضعين ، { وننزل من القرآن } (93-الإسراء) و ، { حتى تنزل } (93-الإسراء) فإن ابن كثير يشددهما، وشدد البصريون في الأنعام ، { على أن ينزل آية } (37-الأنعام) زاد يعقوب تشديد (بما ينزل) في النحل ووافق حمزة و الكسائي في تخفيف (وينزل الغيث) في سورة لقمان وحم وعسق، والآخرون يشددون الكل، ولم يختلفوا في تشديد ، { وما ننزله إلا بقدر ، { في الحجر (21) { وباءوا بغضب } ، أي رجعوا بغضب ، { على غضب ، { قال ابن عباس و مجاهد : الغضب الأول بتضييعهم التوراة وتبديلهم، والثاني بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن، وقال قتادة : الأول بكفرهم بعيسى والإنجيل، والثاني بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن، وقال السدي : الأول بعبادة العجل والثاني بالكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ، { وللكافرين }: الجاحدين بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم من الناس كلهم ، { عذاب مهين ، { مخز يهانون فيه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ ۗ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
    +/- -/+  
الأية
91
 
{ قوله تعالى ، { وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله } ، يعني القرآن ، { قالوا نؤمن بما أنزل علينا } ، يعني التوراة، يكفينا ذلك ، { ويكفرون بما وراءه } ، أي بما سواه من الكتب كقوله عز وجل ، { فمن ابتغى وراء ذلك } (7-المؤمنون) أي سواه، وقال أبو عبيدة: [بما وراءه] أي: بما سواه من الكتب ، { وهو الحق } ، يعني القرآن ، { مصدقاً ، { نصب على الحال ، { لما معهم ، { من التوراة ، { قل ، { لهم يا محمد ، { فلم تقتلون } ، أي قتلتم ، { أنبياء الله من قبل ، { ولم: أصله لما فحذفت الألف فرقاً بين الجر والاستفهام كقولهم فيم وبم؟ ، { إن كنتم مؤمنين ، { بالتوراة، وقد نهيتم فيها عن قتل الأنبياء عليهم السلام.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ
    +/- -/+  
الأية
92
 
{ قوله عز وجل ، { ولقد جاءكم موسى بالبينات ، { بالدلالات الواضحة والمعجزات الباهرة/ { ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۖ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ۚ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
    +/- -/+  
الأية
93
 
{ وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا } ، أي استجيبوا وأطيعوا سميت الطاعة والإجابة سمعاً على المجاورة لأنه سبب للطاعة والإجابة ، { قالوا سمعنا ، { قولك ، { وعصينا ، { أمرك، وقيل: سمعنا بالأذن وعصينا بالقلوب، قال أهل المعاني: إنهم لم يقولوا هذا بألسنتهم ولكن لما سمعوا وتلقوه بالعصيان فنسب ذلك إلى القول اتساعاً ، { وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم } ، أي حب العجل، أي معناه: أدخل في قلوبهم حب العجل وخالطها، كإشراب اللون لشدة الملازمة يقال: فلان مشرب اللون إذا اختلط بياضه بالحمرة، وفي القصص: أن موسى أمر أن يبرد العجل بالمبرد ثم يذره في النهر وأمرهم (بالشرب) منه فمن بقي في قلبه شيء من حب العجل ظهرت سحالة الذهب على شاربه. قوله عز وجل ، { قل بئسما يأمركم به إيمانكم ، { أن تعبدوا العجل من دون الله أي بئس إيمان يأمركم بعبادة العجل ، { إن كنتم مؤمنين ، { بزعمكم، وذلك أنهم قالوا: (نؤمن بما أنزل علينا) فكذبهم الله عز وجل.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
    +/- -/+  
الأية
94
 
{ قوله تعالى ، { قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله ، { وذلك أن اليهود ادعوا دعاوى باطلة مثل قولهم ، { لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة } (80-البقرة) { وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى } (111-البقرة) وقولهم ، { نحن أبناء الله وأحباؤه } (18-المائدة) فكذبهم الله عز وجل وألزمهم الحجة فقال: قل لهم يا محمد (إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله) يعني الجنة عند الله ، { خالصة } ، أي خاصة ، { من دون الناس فتمنوا الموت } ، أي فأريدوه واسألوه لأن من علم أن الجنة مأواه حن إليها ولا سبيل إلى دخولها إلا بعد الموت فاستعجلوه بالتمني ، { إن كنتم صادقين ، { في قولكم، وقيل: فتمنوا الموت أي ادعوا بالموت على الفرقة الكاذبة. وروي عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال } : لو تمنوا الموت لغص كل انسان منهم بريقه وما بقي على وجه الأرض يهودي إلا مات }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ۗ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ
    +/- -/+  
الأية
95
 
قال الله تعالى : { ولن يتمنوه أبداً بما قدمت أيديهم ، { لعلمهم أنهم في دعواهم كاذبون وأراد (بما قدمت أيديهم) أي ما قدموه من الأعمال وأضافها إلى اليد [دون سائر الأعضاء] لأن أكثر جنايات الانسان تكون باليد فأضيف إلى اليد أعماله وإن لم يكن لليد فيها عمل ، { والله عليم بالظالمين }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ ۗ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
96
 
{ ولتجدنهم ، { اللام لام القسم والنون تأكيد للقسم، تقديره: والله لتجدنهم يا محمد يعني اليهود ، { أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا ، { قيل: هو متصل بالأول، وأحرص من الذين أشركوا، وقيل: ثم الكلام بقوله (على حياة) ثم ابتدأ ( من الذين أشركوا ) وأراد بالذين أشركوا المجوس قاله أبو العالية و الربيع سموا مشركين لأنهم يقولون بالنور والظلمة. { يود ، { يريد ويتمنى ، { أحدهم لو يعمر ألف سنة } ، يعني تعمير ألف سنة وهي تحية المجوس فيما بينهم يقولون عش ألف سنة وكل ألف نيروز ومهرجان، يقول الله تعالى: اليهود أحرص على الحياة من المجوس الذين يقولون ذلك ، { وما هو بمزحزحه ، { مباعده ، { من العذاب ، { من النار ، { أن يعمر } ، أي طول عمره لا ينقذه. [زحزحه وتزحزح] من العذاب أو زحزح: لازم ومتعد، ويقال زحزحته فتزحزح ، { والله بصير بما يعملون }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ
    +/- -/+  
الأية
97
 
قوله عز وجل : { قل من كان عدواً لجبريل ، { قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن حبراً من أحبار اليهود يقال له عبد الله بن صوريا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أي ملك (نزل) من السماء؟ قال (جبريل) قال: ذلك عدونا من الملائكة ولو كان ميكائيل لآمنا بك، إن جبريل ينزل بالعذاب والقتال والشدة وإنه عادانا مراراً وكان من أشد ذلك علينا، [أن الله تعالى أنزل على نبينا] أن بيت المقدس سيخرب على يد رجل يقال له بختنصر، وأخبرنا بالحين الذي يخرب فيه، فلما كان وقته بعثنا رجلاً من أقوياء بني إسرائيل في طلبه لقتله فانطلق حتى لقيه ببابل غلاماً مسكيناً فأخذه ليقتله فدفع عنه جبريل وكبر بختنصر وقوي وغزانا وخرب بيت المقدس فلهذا نتخذه عدواً فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال مقاتل : قالت اليهود: إن جبريل عدونا لأنه أمر بجعل النبوة فينا فجعلها في غيرنا، وقال قتادة و عكرمة و السدي : كان لعمر بن الخطاب أرض بأعلى المدينة وممرها على مدارس اليهود فكان إذا أتى أرضه يأتيهم ويسمع منهم (كلاماً) فقالوا له: ما في أصحاب محمد أحب إلينا منك، إنهم يمرون علينا فيؤذوننا وأنت لا تؤذينا وإنا لنطمع فيك فقال عمر: والله ما آتيكم لحبكم ولا أسألكم لأني شاك في ديني وإنما أدخل عليكم لأزداد بصيرة في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأرى آثاره في كتابكم [وأنتم تكتمونها] فقالوا: من صاحب ممحمد الذي يأتيه من الملائكة؟ قال: جبريل فقالوا: ذلك عدونا يطلع محمداً على أسرارنا وهو صاحب كل عذاب وخسف وسنة وشدة، وإن ميكائيل إذا جاء جاء بالخصب والمغنم فقال لهم عمر: تعرفون جبريل وتنكرون محمداً؟ قالوا: نعم قال: فأخبروني عن منزلة جبريل ووميكائيل من الله عز وجل؟ قالوا: جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره قال عمر: فإني أشهد أن من كان عدواً لجبريل فهو عدو لميكائيل، ومن كان عدواً لميكائيل فإنه لجبريل، ومن كان عدواً له، ثم رجع عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد جبريل قد سبقه بالوحي فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية فقال (( لقد وافقك ربك يا عمر )) فقال عمر: لقد رأيتني بعد ذلك، في دين الله أصلب من الحجر. قال الله تعالى ، { قل من كان عدواً لجبريل فإنه } ، يعني: جبريل ، { نزله } ، يعنى: القرآن، كناية عن غير مذكور ، { على قلبك ، { يا محمد ، { بإذن الله ، { بأمر الله ، { مصدقاً ، { موافقاً ، { لما بين يديه ، { لما قبله من الكتب ، { وهدىً وبشرى للمؤمنين }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ
    +/- -/+  
الأية
98
 
قوله عز وجل : { من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال ، { خصهما بالذكر من جملة الملائكة مع دخولهما في قوله ، { وملائكته ، { تفضيلاً وتخصيصاً،ن كقوله تعالى } : فيهما فاكهة ونخل ورمان } (68-الرحمن) خص النخل والرمان بالذكر مع دخولهما في ذكر الفاكهة، والواو فيهما بمعنى: أو، يعني من كان عدواً لأحد هؤلاء فإنه عدو للكل، لأن الكافر بالواحد كافر بالكل ، { فإن الله عدو للكافرين ، { قال عكرمة : جبر وميك واسراف هي العبد بالسريانية، وايل هو الله تعالى ومعناهما عبد الله وعبد الرحمن. وقرأ ابن كثير جبريل بفتح الجيم غير مهموز بوزن فعليل قال حسان: وجبريل رسول الله فينا وروح القدس ليس له كفاء وقرأ حمزة و الكسائي بالهمز زالاشباع بوزن سلسبيل، وقرأ أبو بكر بالاختلاس، وقرأ الآخرون بكسر الجيم غير مهموز،ن وميكاييل قرأ أبو عمرو ويعقوب وحفص ميكال بغير همز قال جرير: عبدوا الصليب وكذبوا بمحمد وبجبرائيل وكذبوا ميكالاً وقال آخر: ويوم بدر لقيناكم لنا مدد فيه مع النصر جبريل وميكال وقرأ نافع : بالهمز والاختلاس، بوزن ميفاعل، وقرأ الآخرون: بالهمز والاشباع بوزن ميكائيل، وقال ابن صوريا: ما جئتنا بشيء نعرفه، فأنزل الله تعالى

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۖ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ
    +/- -/+  
الأية
99
 
{ ولقد أنزلنا إليك آيات بينات ، { واضحات مفصلات بالحلال والحرام والحدود والأحكام ، { وما يكفر بها إلا الفاسقون ، { الخارجون عن أمر الله عز وجل.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
    +/- -/+  
الأية
100
 
{ قوله تعالى ، { أو كلما ، { واو العطف دخلت عليها ألف الاستفهام ، { عاهدوا عهداً } ، يعني اليهود عاهدوا لئن خرج محمد ليومنن به، فلما خرج كفروا به. قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخذ الله عليهم (من الميثاق) وعهد إليهم في محمد أن يؤمنوا، به قال مالك بن الصيف: والله ما عهد إلينا في محمد عهد، فأنزل الله تعالى هذهالآية، يدل عليه قراءة أبي رجاء العطاردي (( أو كلما عوهدوا )) فجعلهم مفعولين، وقال عطاء : هي العهود التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين اليهود / أن لا يعاونوا المشركين على قتاله فنقضوها كفعل بني قريظة والنضير، دليله قوله تعالى ، { الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم } (56-الأنفال)، ، { نبذه ، { طرحه ونقضه ، { فريق ، { طوائف ، { منهم ، { من اليهود ، { بل أكثرهم لا يؤمنون }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
101
 
{ ولما جاءهم رسول من عند الله } ، يعني محمداً ، { مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم } ، يعني التوراة وقيل: التوراة وقيل: القرآن ، { كأنهم لا يعلمون ، { قال الشعبي : كانوا يقرؤون التوراة ولا يعلمون بها، وقال سفيان بن عينية : أدرجوها في الحرير والديباج وحلوها بالذهب والفضة ولم يعملوا بها فذلك نبذهم لها.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
102
 
قوله تعالى : { واتبعوا } ، يعني اليهود ، { ما تتلوا الشياطين } ، أي: ماتلت، والعرب تضع المستقبل موضع الماضي، والماضي موضع المستقبل، وقيل: ما كنت تتلو أي تقرأ، قال ابن عباس رضي الله عنه: تتبع وتعمل به، وقال عطاء تحدث وتكلم به ، { على ملك سليمان } ، أي: ملكه وعهده. وقصة الآية: أن الشياطين كتبوا السحر والنيرنجيات على لسان آصف بن برخيا هذا ما علم آصف بن برخيا سليمان الملك، ثم دفنوها تحت مصلاه حتى نزع الله الملك عنه ولم يشعر بذلك سليمان فلما مات استخرجوها وقالوا للناس: إنما ملكهم سليمان بها فتعلموه فأما علماء بني اسرائيل وصلحاؤهم فقالوا: معاذ الله أن يكون هذا من علم الله، وأما السفلة، فقالوا: هذا علم سليمان، وأقبلوا على تعلمه، ورفضوا كتب أنبيائهم، وفشت الملامة على سليمان فلم يزل هذا حالهم وفعلهم حتى بعث الله محمدأ صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه براءة سليمان، هذا قول الكلبي . وقال السدي : كانت الشياطين تصعد إلى السماء، فيسمعون كلام الملائكة فيما يكون في الأرض من موت وغيره، فيأتون الكهنة ويخلطون بما يسمعون في كل كلمة سبعين كذبة ويخبرونهم بها [فكتب ذلك] وفشا في بني إسرائيل أن الجن يعلمون الغيب، فبعث سليمان في الناس وجمع تلك الكتب وجعلها في صندوق ودفنه تحت كرسيه وقال: لا أسمع أحداً يقول إن الشيطان يعلم الغيب إلا ضربت عنقه، فلما مات سليمان وذهب العلماء الذين كانوا يعرفون أمر سليمان ودفنه الكتب، وخلف بعدهم من خلف، تمثل الشيطان على صورة إنسان فأتى نفراً من بني إسرائيل فقال: أدلكم علىكنز لا تأكلونه أبداً قالوا: نعم فذهب معهم فأراهم المكان الذي تحت كرسيه، فحفروا فأقام ناحية فقالوا له: أدن وقال: لا أحضر، فإن لم تجدوه فاقتلوني، وذلك أنه لم يكن أحد من الشياطين يدنو من الكرسي إلا احترق، فحفروا وأخرجوا تلك الكتب، فقال الشيطان لعنه الله: إن سليمان كان يضبط الجن والإنس والشياطين والطير بهذا، ثم طار الشيطان عنهم، وفشا في الناس أن سليمان كان ساحراً، وأخذوا تلك الكتب (واستعملوها) فلذلك أكثر ما يوجد السحر في اليهود، فلما جاء محمد صلى الله عليه وسلم برأ الله تعالى سليمان من ذلك، وأنزل في عذر سليمان } : وما كفر سليمان ، { بالسحر، وقيل: لم يكن سليمان كافراً بالسحر ويعمل به ، { ولكن الشياطين كفروا ، { قرأ ابن عباس رضي الله عنه و الكسائي و حمزة ، (( لكن )) خفيفة النون، (( والشياطين )) رفع، وقرأ الآخرون ولكن مشددة النون (( والشياطين )) نصب وكذلك ، { ولكن الله قتلهم } (17-الأنفال) { ولكن الله رمى } (17-الأنفال) ومعنى لكن: نفي الخبر الماضي وإثبات المستقبل. { يعلمون الناس ، { قيل: معنى السحر العلم والحذق بالشيء قال الله تعالى ، { وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك } (49-الزخرف) أي العالم، والصحيح: أن السحر عبارة عن التمويه والتخييل، والسحر وجوده حقيقة عند أهل السنة، وعليه أكثر الأمم، ولكن العمل به كفر، حكي عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: السحر يخيل ويمرض وقد يقتل، حتى أوجب القصاص على من قتل به فهو من عمل الشيطان، يتلقاه الساحر منه بتعليمه إياه، فإذا تلقاه منه استعمله في غيره، وقيل: إنه يؤثر في قلب الأعيان فيجعل الآدمي على صورة الحمار ويجعل الحمار على صورة الكلب، والأصح أن ذلك تخييل قال الله تعالى } : يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى } (66-طه) لكنه يؤثر في الأبدان بالأمراض والموت والجنون، وللكلام تأثير في الطباع والنفوس وقد يسمع الإنسان ما يكره فيحمى ويغضب وربما يحم منه، وقد مات قوم بكلام سمعوه فهو بمنزلة العوارض والعلل التي تؤثر في الأبدان. قوله عز وجل ، { وما أنزل على الملكين ببابل } ، أي ويعملون الذي أنزل على الملكين [أي إلهاماً وعلماً، فالإنزال بمعنى الإلهام والتعليم، وقيل: واتبعوا ما أنزل على الملكين] وقرأ ابن عباس و الحسن الملكين بكسر اللام، وقال ابن عباس: هما رجلان ساحران كانا ببابل، وقال الحسن : علجان لأن الملائكة لا يعلمون السحر. وبابل هي بابل العراق سميت بابل لتبلبل الألسنة بها عند سقوط صرح نمرود أي تفرقها، قال ابن مسعود: بابل أرض الكوفة، وقيل جبل دماوند، والقراءة المعروفة على الملكين بالفتحز فإن قيل كيف يجوز تعليم السحر من الملائكة؟ قيل: له تأويلان: أحدهما، أنهما لا يتعمدان التعليم لكن يصفان السحر ويذكران بطلانه ويأمران باجتنابه، والتعليم بمعنى الإعلام، فالشقي يترك نصيحتهما ويتعلم السحر من صنعتهما. والتأويل الثاني: وهو الأصح: أن الله تعالى امتحن الناس بالملكين في ذلك الوقت فمن شقى يتعلم السحر منهما [ويأخذه عنهما ويعمل به] فيكفر به، ومن سعد يتركه فيبقى على الايمان، ويزداد المعلمان بالتعليم عذاباًن ففيه ابتلاء للمعلم [والمتعلم] ولله أن يمتحن عباده بما شاء، فله الأمر والحكم. قوله عز وجل ، { هاروت وماروت ، { اسمان سريانيان وهما في محل الخفض على تفسير الملكين إلا أنهما نصبا لعجمتها ومعرفتهما، وكانت قصتهما على ذكر ابن عباس والمفسرون: أن الملائكة رأوا ما يصعد إلى السماء من أعمال بني آدم الخبيثة في زمن إدريس عليه السلام فعيروهم وقالوا: هؤلاء الذين جعلتهم في الأرض خليفة واخترتهم فهم يعصونك فقال الله تعالى: لو أنزلتكم إلى الأرض وركبت فيكم ما ركبت فيهم لركبتم مثل ما ركبوا فقالوا: سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نعصيك قال لهم الله تعالى: فاختاروا ملكين من خياركم أهبطهما إلى الأرض، فاختاروا هاروت وماروت وكانا من أصلح الملائكة وأعبدهم، وقال الكلبي : قال الله تعالى لهم: اختاروا ثلاثة فاختاروا عزا وهو هاروت وعزايا وهو ماروت - غير إسمهما لما قارفا الذنب - وعزائيل، فركب الله فيهم الشهوة وأهبطهم إلى الأرض وأمرهم أن يحكموا بين الناس بالحق ونهاهم عن الشرك والقتل بغير الحق والزنا وشرب الخمر، فأما عزائيل فإنه لما وقعت الشهوة في قلبه استقبل ربه وسأله أن يرفعه إلى السماء، فأقاله إلى السماء، فأقاله فسجد أربعين سنة لم يرفع رأسه، ولم يزل بعد ذلك مطأطءاً رأسه حياء من الله تعالى. وأما الآخران: فإنهما ثبتا على ذلك وكانا يقضيان بين الناس يومهما، فإذا أمسيا ذكرا اسم الله الأعظم وصعدا إلى السماء، قال قتادة : فما مر عليهما شهر حتى افتتنا. قالوا جميعاً إنه اختصمت إليهما ذات يوم الزهرة وكانت من أجمل النساء، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: وكانت من أهل فارس وكانت ملكة في بلدها فلما رأياها أخذت بقلوبهما فراواداها عن نفسها فأبت وانصرفت ثم عادت في اليوم الثاني ففعلا مثل ذلك فأبت وقالت: لا إلا أن تعبدا ما أعبد وتصليا لهذا الصنم وتقتلا النفس وتشربا الخمر فقالا: لا سبيل إلى هذه الأشياء فإن الله تعالى قد نهانا عنها، فانصرفت ثم عادت في اليوم الثالث ومعها / قدح من خمر، وفي أنفسهما من الميل إليها ما فيها فراواداها عن نفسها فعرضت عليهما ما قالت بالأمس فقالا: الصلاة لغير الله عظيم، وقتل النفس عظيم، وأهون الثلاثة شرب الخمر، فشربا الخمر فانتشيا ووقعا بالمرأة، فزنيا فلما فرغا رآهما إنسان فقتلاه، قال الربيع بن أنس وسجدا للصنم فمسخ الله الزهرة كوكباً - وقال بعضهم: جاءتهما امرأة من أحسن الناس تخاصم زوجها فقال أحدهما للآخر: هل سقط في نفسك مثل الذي سقط في نفسي (من حب هذه)؟ قال: نعم فقال: وهل لك أن تقضي لها على زوجها بما تقول؟ فقال له صاحبه: أما تعلم ماعند الله من العقوبة والعذاب؟ فقال له صاحبه: أما تعلم ما عند الله من العفو والرحمة فسألاها نفسها، فقالت: لا إلا أن تقتلاه فقال أحدهما: أما تعلم ما عند الله من العقوبة والعذاب؟ فقال صاحبه: أما تعلم ما عند الله من العفو والرحمة فقتلاه ثم سألاها نفسها، فقالت: لا، إن لي صنماً أعبده، إن أنتما صليتما معي له: فعلت، فقال: أحدهما لصاحبه مثل القول الأول فقال صاحبه مثله، فصليا معها له فمسخت شهاباً. قال ابن أبي طالب رضي الله عنه و الكلبي و السدي : إنها قالت لهما حين سألاها نفسها: لن تدركاني حتى تخبراني بالذي تصعدان به إلى السماء فقالا: باسم الله الأكبر، قالت: فما أنتم تدركاني حتى تعلمانيه، فقال أحدهما لصاحبه: علمها فقال: إني أخاف الله رب العالمين، قال الآخر: فأين رحمة الله تعالى؟ فعلماها ذلك فتكلمت، فصعدت إلى السماء فمسخها الله كوكباً، فذهب بعضهم إلى أنها الزهرة بعينها وأنكر الآخرون هذا وقالوا: إن الزهرة من الكواكب السبعة السيارة التي أقسم الله بها فقال ، { فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس } (15-التكوير) والتي فتنت هاروت وماروت امرأة كانت تسمى الزهرة لجمالها فلما بغت مسخها الله تعالى شهاباً، قالوا: فلما أمسى هاروت وماروت بعدما قارفا الذنب هما بالصعود إلى السماء فلم تطاوعهما أجنحتهما، فعلما ما حل بهما (من الغضب) فقصدا إدريس النبي عليه السلام، فأخبراه بأمرهما وسألاه أن يشفع لهما إلى الله عز وجل وقالا له: إنا رأيناك يصعد لك من العبادات مثل ما يصعد لجميع أهل الأرض فاستشفع لنا، إلى ربك ففعل ذلك إدريس عليه السلام فخيرهما الله بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا إذ علما أنه ينقطع فهما ببابل يعذبان. واختلفوا في كيفية عذابهما فقال عبد الله بن مسعود: هما معلقان بشعورهما إلى قيام الساعة، وقال عطاء بن أبي رباح : رؤوسهما مصوبة تحت أجنحتهما، وقال قتادة (كبلا) من أقداهما إلى أصول أفخاذهما، وقال مجاهد : جعلا في جب ملئت ناراً، وقال عمر بن سعد: منكوسان يضربان بسياط من الحديد. وروي أن رجلاً قصد هاروت وماروت لتعلم السحر فوجدهما معلقين بأرجلهما، مزرقة أعينهما، مسودة جلودهما، ليس بين ألسنتهما وبين الماء إلا أربع أصابع وهما يعذبان بالعطش، فلما رأى ذلك هاله مكانهما فقال: لا إله الله، فلما سمعا كلامه قالا له: من أنت؟ قال: رجل من الناس، قالا: من أي أمة أنت؟ قال: من أمة محمد صلى الله عليه وسلم قالا: إنه نبي الساعة وقد دنا انقضاء عذابنا. قوله تعالى } : وما يعلمان من أحد } ، أي أحداً، و ((من)) صلة ، { حتى ، { ينصحاه أولاً و ، { يقولا إنما نحن فتنة ، { ابتلاء ومحنة ، { فلا تكفر } ، أي لا تتعلم السحر فتعمل به فتكفر، وأصل الفتنة: الاختبار والامتحان، من قولهم: فتنت الذهب والفضة إذا أذبتهما بالنار، ليتميز الجيد من الرديء، وإنما وحد الفتنة وهما اثنان، لأن الفتنة مصدر، والمصادر لا تثنى ولا تجمع، وقيل: إنهما يقولان (( إنما نحن فتنة فلا تكفر )) سبع مرات. قال عطاء و السدي : فإن أبى إلا التعلم قالا له: ائت هذا الرماد (وأقبل عليه) فيخرج منه نور ساطع في السماء فذلك نور المعرفة، وينزل شيء أسود شبه الدخان حتى يدخل مسامعه وذلك غضب الله تعالى، قال مجاهد : إن هاروت وماروت لا يصل إليهما أحد ويختلف فيما بينهما شيطان في كل مسألة اختلافة واحدة ، { فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه ، { وهو أن (يؤخذ) كل واحد عن صاحبه، ويبغض كل واحد إلى صاحبه قال الله تعالى } : وما هم ، { قيل أي: السحرة وقيل: الشياطين ، { بضارين به } ، أي بالسحر ، { من أحد } ، أي أحداً ، { إلا بإذن الله } ، أي: بعلمه وتكوينه، فالساحر يسحر والله يكون. قال سفيان الثوري : معناه إلا بقضائه وقدرته ومشيئته ، { ويتعلمون ما يضرهم } ، يعني: أن السحر يضرهم ، { ولا ينفعهم، ولقد علموا } ، يعني اليهود ، { لمن اشتراه } ، أي اختار السحر ، { ما له في الآخرة من خلاق } ، أي في الجنة من نصيب ، { ولبئس ما شروا به ، { باعوا به ، { أنفسهم ، { حظ أنفسهم، حيث اختاروا السحر والكفر على الدين والحق ، { لو كانوا يعلمون ، { فإن قيل: أليس قد قال ، { ولقد علموا لمن اشتراه ، { فما معنى قوله تعالى ، { لو كانوا يعلمون ، { بعدما أخبر أنهم علموا؟ قيل: أراد بقوله ، { ولقد علموا } ، يعني الشياطين وقوله ، { لو كانوا يعلمون } ، يعني اليهود، وقيل: كلاهما في اليهود يعني: لكنهم لما يعملوا بما علموا فكأنهم لم يعلموا.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
103
 
{ ولو أنهم آمنوا ، { بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ، { واتقوا ، { اليهودية والسحر ، { لمثوبة من عند الله خير ، { لكان ثواب الله إياهم خيراً لهم ، { لو كانوا يعلمون }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا ۗ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
104
 
قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا ، { وذلك أن المسلمين كانوا يقولون راعنا يا رسول الله، من المراعاة أي أرعنا سمعك، أي فرغ سمعك لكلامنا، يقال: أرعى إلى الشيء، ورعاه، وراعاه، أي أصغى إليه واستمعه، وكانت هذه اللفظة (شيئاً) قبيحاً بلغة اليهود، وقيل: وكان معناها عندهم اسمع لا سمعت. وقيل: هي من الرعونة إذا أرادوا أن يحمقوا إنساناً قالوا له: راعنا بمعنى يا أحمق‍ فلما سمع اليهود هذه اللفظة من المسلمين قالوا فيما بينهم: كنا نسب محمداً سراً، فأعلنوا به الآن، فكانوا يأتونه ويقولون: راعنا يا محمد، ويضحكون فيما بينهم، فسمعها سعد بن معاذ ففطن لها، وكان يعرف لغتهم، فقال لليهود: لئن سمعتها من أحدكم يقولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأضربن عنقه، فقالوا: أو لستم تقولونها؟ فأنزل الله تعالى ، { لا تقولوا راعنا ، { كيلا يجد اليهود بذلك سبيلا إلى شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { وقولوا انظرنا } ، أي انظر إلينا وقيل: انتظرنا وتأن بنا، يقال: نظرت فلاناً وانتظرته، ومنه قوله تعالى ، { انظرونا نقتبس من نوركم } (13-الحديد) قال مجاهد : معناها (فهمناه) { واسمعوا ، { ما تؤمرون به وأطيعوا ، { وللكافرين } ، يعني اليهود ، { عذاب أليم }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ۗ وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
    +/- -/+  
الأية
105
 
قوله تعالى : { ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ، { وذلك أن المسلمين كانوا إذا قالوا لحلفاؤهم من اليهود: آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم قالوا: ما هذا الذي تدعوننا إليه بخير مما نحنه فيه ولوددنا لو كان خيراً، فأنزل الله تكذيباً لهم ، { ما يود الذين } ، أي ما يحب ويتمنى الذين كفروا من أهل الكتاب يعني اليهود ، { ولا المشركين ، { جره بالنسق على من ، { أن ينزل عليكم من خير من ربكم } ، أي خير ونبوة، ومن صلة ، { والله يختص برحمته ، { بنبوته ، { من يشاء والله ذو الفضل العظيم ، { والفضل ابتداء إحسان بلا علة. وقيل: المراد بالرحمة الإسلام والهداية وقيل: معنى الآية إن الله تعالى بعث الأنبياء من ولد إسحاق فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم من ولد إسماعيل لم يقع ذلك بود اليهود ومحبتهم، (فنزلت الآية) وأما المشركون فإنما لم تقع بودهم لأنه جاء بتضليلهم وعيب آلهتهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
    +/- -/+  
الأية
106
 
{ قوله عز وجل ، { ما ننسخ من آية أو ننسها ، { وذلك أن المشركين قالوا: إن محمداً ما يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلاف ما يقوله غلا من تلقاء نفسه يقول [ اليوم قولا ويرجع عنه غداً كما أحبر الله <>( 101- النحل ) وأنزل ، { ما ننسخ من آية أو ننسها ، { فبين وجه الحكمة من النسخ بهذه الآية . والنسخ في اللغة شيئان: أحدهما : بمعنى التحويل والنقل ومنه نسخ الكتاب وهو أن يحول من كتاب إلى كتاب فعلى هذا الوجه كل القرآن منسوخ لأنه نسخ من اللوح المحفوظ. والثاني: يكون بمعنى الرفع يقال: نسخت الشمس الظل أي ذهبت به وأبطلته. فعلى هذا يكون بعض القرآن ناسخاً وبعضه منسوخاً وهو المراد من الآية /وهذا على وجوه أحدهما: أن يثبت الخط وينسخ الحكم مثل آية الوصية للأقارب . وآية عدة الوفاة بالحول وآية التخفيف في القتال وآية الممتحنة ونحوها ، وقال أبن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى ، { ما ننسخ من آية ، { ما نثبت خطها ونبدل حكمها مثل آية الرجم ، ومنها أن ترفع تلاوتهأصلاً عن المصحف وعن القلوب كما روي عن أبي أمامه بن سهل بن حنيف : أن قوماً من الصحابة رضي الله عنهم قاموا ليلة ليقرؤوا سورة فلم يذكروا منها إلا بسم الله الرحمن الرحيم فغدوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { تلك سورة رفعت تلاوتها وأحكامها ، { وقيل : كانت سورة الأحزاب مثل سورة البقرة ، فرفع أكثرها تلاوة وحكماً ، ثم من نسخ الحكم ما يرفع ويقام غيره مقامه، كما أن القبلة نسخت من بيت المقدس إلى الكعبة ، والوصية للأقارب نسخت بالميراث وعدة الوفاة نسخت من الحول إلى أربعة أشهر وعشر ، ومصابرة الواحدة العشر في القتال نسخت بمصابرة الاثنين ، ومنها ما يرفع ولا يقام غيره مقامه ، كامتحان النساء . والنسخ إنما يعترض على الأوامر والنواهي دون الأخبار. وأما معنى الآية فقوله ، { ما ننسخ من آية ، { قراءة العامة بفتح النون وكسر السين من النسخ ، أي: نرفعها ، وقرأ ابن عامر بضم النون وكسر السين من الإنساخ وله وجهان : أحدهما : ان نجعله كالمنسوخ . والثاني : أن نجعله نسخة له [ يقال : نسخت الكتاب أي كتبته، و أنسخه غيري إذا جعلته نسخة له ] { أو ننسها } ، أي ننسها على قلبك. وقال أبن عباس رضي الله عنهما ، نتركها لا ننسخها، قال الله تعالى ، { نسوا الله فنسيهم } (67- التوبة) أي تركوه فتركهم وقيل ، { ننسها } ، أي : نأمر بتركها ، يقال : أنسيت الشيء إذا أمرت بتركه، فيكون النسخ الأول من رفع الحكم واقامة غيره مقامه، والإنساء يكون ناسخاً من غير اقامة غيره مقامه. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو أو ننسأها بفتح النون الأول والسين مهموزاً أي نؤخرها فلا نبدلها يقال: نسأ الله في أجله وأنسأ الله أجله، وفي معناه قولاه: أحدهما : نرفع تلاوتها ونؤخر حكمها كما فعل في آية الرجم فعلى هذا يكون النسخ الأول بمعنى رفع التلاوة والحكم ، والقول الثاني : قال سعيد بن المسيب و عطاء : أما ما نسخ من آية فهو ما قد نزل من القرآن جعلاه من النسحة أو ننسأها أي نؤخرها ونتركها في اللوح المحفوظ ولا تنزل. { نأت بخير منها } ، أي بما هو أنفع لكم وأسهل عليكم وأكثر لأجركم، لا أن آية خير من آية، لأن كلام الله واحد وكله خير ، { أو مثلها ، { في المنفعة والثواب فكل ما نسخ إلى الأيسر فهو أسهل في العمل وما نسخ إلى الأشق فهو في الثواب أكثر ، { ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير { ؟ من النسخ والتبديل، لفظه استفهام، ومعناه تقرير، أي: إنك تعلم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ
    +/- -/+  
الأية
107
 
{ ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض وما لكم ، { يا معشر الكفار عند نزول العذاب ، { من دون الله ، { مما سوى الله ، { من ولي ، { قريب وصديق وقيل: من وال وهو القيم بالأمور ، { ولا نصير ، { ناصر يمنعكم من العذاب.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِنْ قَبْلُ ۗ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ
    +/- -/+  
الأية
108
 
{ قوله } : أم تريدون أن تسألوا رسولكم ، { نزلت في اليهود حين قالوا: يا محمد ائتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى موسى بالتوراة فقال الله تعالى ، { أم تريدون } ، يعني أتريدون فالميم صلة وقيل: بل تريدون أن تسألوا رسولكم محمداً صلى الله عليه وسلم ، { كما سئل موسى من قبل ، { سأله قومه: أرنا الله جهرة وقيل: إنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلا، كما أن موسى سأله قومه فقالوا: أرنا الله جهرة، ففيه منعهم عن السؤالات المقبوحة بعد ظهور الدلائل والبراهين ، { ومن يتبدل الكفر بالإيمان ، { يستبدل الكفر بالإيمان ، { فقد ضل سواء السبيل ، { أخطأ وسط الطريق وقيل: قصد السبيل.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
    +/- -/+  
الأية
109
 
قوله تعالى : { ود كثير من أهل الكتاب ، { الآية نزلت في نفر من اليهود قالوا لحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر بعد وقعة أحد: لو كنتم على الحق ما هزمتم، فارجعا إلى ديننا فنحن أهدى سبيلا منكم فقال لهم عمار: كيف نقض العهد فيكم؟ قالوا: شديد، قال: شديد، قال فإني قد عاهدت أن لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ما عشت. فقالت اليهود: أما هذا فقد صبأ وقال حذيفة: أما أنا فقد رضيت بالله رباً، وبمحمد نبياً، وبالإسلام ديناً، وبالقرآن إماماً، وبالكعبة قبلة، وبالمؤمنين إخواناً، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه بذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { قد أصبتما الخير وأفلحتما ، { فأنزل الله تعالى ، { ود كثير من أهل الكتاب } ، أي تمنى وأراد كثير من أهل الكتاب من اليهود ، { لو يردونكم ، { يا معشر المؤمنين ، { من بعد إيمانكم كفاراً حسداً ، { نصب على المصدر، أي يحسدونكم حسداً ، { من عند أنفسهم } ، أي من تلقاء أنفسهم ولم يأمرهم الله بذلك ، { من بعد ما تبين لهم الحق ، { في التوراة أن قول محمد صلى الله عليه وسلم صدق ودينه حق ، { فاعفوا ، { فاتركوا ، { واصفحوا ، { وتجاوزوا، فالعفو: المحو، والصفح: الاعراض، وكان هذا قبل آية القتال ، { حتى يأتي الله بأمره ، { بعذابه: القتل والسبي لبني قريظة، والجلاء والنفي لبني النضير، قاله ابن عباس رضي الله عنهما. وقال قتادة : هو أمره بقتالهم في قوله ، { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، { إلى قوله { وهم صاغرون } (29-التوبة) وقال ابن كيسان : بعلمه وحكمه فيهم حكم لبعضهم بالإسلام ولبعضهم بالقتل والسبي والجزية ، { إن الله على كل شيء قدير }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ ۗ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
    +/- -/+  
الأية
110
 
{ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا } (تسلفوا) { لأنفسكم من خير ، { طاعة وعمل صالح ، { تجدوه عند الله ، { وقيل: أراد بالخير المال كقوله تعالى ، { إن ترك خيراً } (180-البقرة) وأراد من زكاة وصدقه ، { تجدوه عند الله ، { حتى الثمرة واللقمة مثل أحد ، { إن الله بما تعملون بصير }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
    +/- -/+  
الأية
111
 
{ قوله ، { وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً } ، أي يهودياً ، قال الفراء : حذف الياء الزائدة ورجع إلى الفعل من اليهودية ، وقال الأخفش : الهود : جمع هائد ، مثل عائد وعود ، وحائل وحول ، ، { أو نصارى ، { وذلك أن اليهود قالوا : لن يدخل الجنة إلا من كان يهودياً ولا دين إلا دين اليهودية ، وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانياً ولا دين إلا دين النصرانية . وقيل : نزلت في وفد نجران وكانوا نصارى اجتمعوا في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مع اليهود فكذب بعضهم ، قال الله تعالى : { تلك أمانيهم } ، أي شهواتهم الباطلة التي تمنوها على الله بغير الحق ، { قل ، { يامحمد ، { هاتوا ، { أصله آتوا ، { برهانكم ، { حجتكم على ما زعمتم ، { إن كنتم صادقين }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
    +/- -/+  
الأية
112
 
{ ثم قال رداً عليهم ، { بلى من أسلم وجهه } ، أي ليس الامر كما قالوا ، بل الحكم للإسلام وإنما يدخل الجنة من أسلم وجهه ، { لله } ، أي اخلص دينه لله وقيل : أخلص عبادته لله وقيل : خضع وتواضع لله ، وأصل الإسلام : الإستسلام والخضوع ، وخص الوجه لأنه إذا جاد بوجهه في السجود لم يبخل بسائر جوارحه ، { وهو محسن ، { في عمله ، وقيل : مؤمن وقيل : مخلص ، { فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } .

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ۗ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ۚ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
    +/- -/+  
الأية
113
 
{ وقوله ، { وقالت اليهود ليست النصارى على شيء ، { نزلت في يهود المدينة ونصارى أهل نجران وذلك أن وفد اهل نجران لما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم أحبار اليهود : فتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم فقالت لهم اليهود ، ما أنتم على شئ من الدين ، وكفروا بعيسى والإنجيل ، وقالت لهم النصارى ، ما أنتم على شئ من الدين ، وكفروا بموسى والتوراة فانزل الله تعالى ، { وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب ، { وكلا الفريقين يقرأون الكتاب قيل : معناه ليس في كتبهم هذا الإختلاف فدل تلاوتهم الكتاب ومخالفتهم ما فيه على كونهم على الباطل ، { كذلك قال الذين لا يعلمون } ، يعني : آباءهم الذين مضوا ، { مثل قولهم ، { قال مجاهد : يعني : عوام النصارى ، وقال مقاتل : يعني مشركي العرب ، كذلك قالوا في نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه : إنهم ليسوا على شيء من الدين . وقال عطاء : امم كانت قبل اليهود والنصارى مثل قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام قالوا لنبيهم : إنه ليس على شيء ، { فالله يحكم بينهم يوم القيامة ، { يقضي بين الحق والمبطل ، { فيما كانوا فيه يختلفون ، { من الدين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
114
 
{ قوله ، { ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر ، { الآية نزلت في طيطوس بن اسبيسبانوس الرومي وأصحابه، وذلك أنهم غزوا بني إسرائيل فقتلوا ذراريهم، وحرقوا التوراة وخربوا بيت المقدس، وقذفوا فيه الجيف وذبحوا فيه الخنازير، فكان خراباً إلى أن بناه المسلمون في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقال قتادة و السدي : هو بختنصر وأصحابه غزوا اليهود وخربوا بيت المقدس وأعانهم على ذلك النصارى، طيطوس الرومي وأصحابه من أهل الروم، قال السدي : من أجل أنهم قتلوا يحيى بن زكريا، وقال قتادة : حملهم بعض اليهود على معاونة بختنصر البابلي (المجوسي) فأنزل اللاه تعالى (ومن أظلم) أي أكفر وأعتى ، { ممن منع مساجد الله } ، يعني بيت المقدس ومحاريبه. { أن يذكر فيها اسمه وسعى ، { عمل ، { في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين ، { وذلك أن بيت المقدس موضع حج النصارى ومحل زيارتهم، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لم يدخلها يعني بيت المقدس بعد عمارتها رومي إلا خائفاً / لو علم به لقتل. وقال قتادة و مقاتل : لا يدخل بيت المقدس أحد من النصارى إلا متنكر لو قدر عليه لعوقب، قال السدي : أخيفوا بالجزية. وقيل: هذا خبر بمعنى الأمر، أي أجهضوهم بالجهاد حتى لا يدخلها أحد (منهم) إلا خائفاً من القتل والسبي أي ما ينبغي ، { لهم في الدنيا خزي ، { عذاب وهوان، قال قتادة : هو القتل للحربي والجزية للذمي، قال مقاتل و الكلبي تفتح مدائنهم الثلاثة قسطنطينية، ورومية، وعمورية ، { ولهم في الآخرة عذاب عظيم ، { وهو النار، وقال عطاء وعبد الرحمن بن زيد: نزلت في مشركي مكة، وأراد بالمساجد المسجد الحرام منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من حجه والصلاة فيه عام الحديبية، وإذا منعوا من أن يعمره بذكر فقد سعوا في خرابه ، { أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين } ، يعني أهل مكة يقول أفتحها عليكم حتى تدخلوها وتكونوا أولى بها منهم، ففتحها عليهم وأمر النبي صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي: (( ألا لا يحجن بعد هذا العام مشرك )) فهذا خوفهم، وثبت في الشرع أن لا يمكن مشرك من دخول الحرم ، { لهم في الدنيا خزي ، { الذل والهوان والقتل والسبي والنفي.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ۚ إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
115
 
{ قوله عز وجل ، { ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ، { قال ابن عباس رضي الله عنهما: خرج نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر قبل تحويل القبلة إلى الكعبة، فأصابهم الضباب وحضرت الصلاة، فتحروا القبلة وصلوا فلما ذهب الضباب استبان لهم أنهم لم يصيبوا وأنهم مخطئون في تحريهم فلما قدموا سألوا رسول الله عن ذلك فنزلت هذه الآية. وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: نزلت في المسافر يصلي التطوع حيث ما توجهت به راحلته. أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أنا زاهر بن أحمد الفقيه السرخسي أنا أبو اسحاق ابراهيم ابن عبد الصمد الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته في السفر حيث ما توجهت به)). قال عكرمة : نزلت في تحويل القبلة، قال أبو العالية : لما صرفت القبلة إلى الكعبة عيرت اليهود المؤمنين وقالوا: ليست لهم قبلة معلومة فتارة يستقبلون هكذا وتارة هكذا، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وقال مجاهد و الحسن : لما نزلت ، { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } (60-غافر) قالوا: أين ندعوه فأنزل الله عز وجل ، { ولله المشرق والمغرب ، { ملكاً وخلقاً ، { فأينما تولوا فثم وجه الله } ، يعني أينما تحولوا وجوهكم فثم أي: هناك (رحمة) الله، قال الكلبي فثم الله يعلم ويرى والوجه صلة كقوله تعالى } : كل شيء هالك إلا وجهه } (88-القصص) أي إلا هو، وقال الحسن و مجاهد و قتادة و مقاتل بن حبان : فثم قبلة الله، والوجه والوجهة والجهة القبلة، وقيل: رضا الله تعالى. { إن الله واسع } ، أي غني يعطي في السعة، قال الفراء : الواسع الجواد الذي يسع عطاؤه كل شيء، قال الكلبي : واسع المغفرة ، { عليم ، { بنياتهم حيثما صلوا ودعوا.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَقَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۖ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ
    +/- -/+  
الأية
116
 
قوله تعالى : { وقالوا اتخذ الله ولداً ، { قرأ ابن عامر قالوا اتخذ الله بغير واو، وقرأ الآخرون بالواو [وقالوا اتخذ الله ولداً] نزلت في يهود المدينة حيث قالوا } : عزير ابن الله ، { وفي نصارى نجران حيث قالوا } : المسيح ابن الله } ، وفي مشركي العرب حيث قالوا: الملائكة بنات الله ، { سبحانه ، { نزه وعظم نفسه. أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن اسماعيل أنا أبو اليمان أنما شعيب عن عبد الرحمن بن أبي حسن عن نافع بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال } : قال الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان، وأما شتمه إياي فقوله لي ولد، فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولداً }. قوله تعالى ، { بل له ما في السموات والأرض ، { عبيداً وملكاً ، { كل له قانتون ، { قال مجاهد و عطاء و السدي : مطيعون وقال عكرمة و مقاتل : مقرون له بالعبودية، وقال ابن كيسان : قائمون بالشهادة، وأصل القنوت القيام قال النبي صلى الله عليه وسلم } : أفضل الصلاة طول القنوت } ، واختلفوا في حكم الآية فذهب جماعة إلى أن حكم الآية خاص، وقال مقاتل : هو راجع `لى عزير والمسيح والملائكة، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: هو راجع إلى أهل طاعته دون سائر الناس، وذهب جماعة إلى أن حكم الآية عام في جميع الخلق لأن ((كل)) تقتضي الإحاطة بالشيء بحيث لا يشذ منه شيء، ثم سلكوا في الكفار طريقين: فقال مجاهد : يسجد ظلالهم لله على كره منهم قال الله تعالى } : وظلالهم بالغدو والآصال } (15-الرعد) وقال السدي : هذا يوم القيامة دليله [ { وعنت الوجوه للحي القيوم } (111-طه) وقيل (قانتون) مذللون مسخرون لما خلقوا له].

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
    +/- -/+  
الأية
117
 
قوله تعالى : { بديع السموات والأرض } ، أي مبدعها ومنشئها من غير مثال سبق ، { وإذا قضى أمراً } ، أي قدره، وقيل: أحكمه وقدره [وأتقنه، وأصل القضاء: الفراغ، ومنه قيل لمن مات: قضي عليه لفراغه من الدنيا، ومنه قضاء الله وقدره] لأنه فرغ منه تقديراً وتدبيراً. { فإنما يقول له كن فيكون ، { قرأ ابن عامر كن فيكون بنصب النون في جميع المواضع إلا في آل عمران ، { كن فيكون * الحق من ربك ، { وفي سورة الأنعام ، { كن فيكون، قوله الحق ، { وإنما نصبها لأن جواب الأمر بالفاء يكون منصوباً [وافقه الكسائي في النحل ويس]، وقرأ الآخرون بالرفع على معنى فهو يكون، فإن قيل كيف قال (فإنما يقول له كن فيكون) والمعدوم لا يخاطب، قال ابن الأنباري : معناه فإنما يقول له أي لأجل تكوينه، فعلى هذا ذهب معنى الخطاب، وقيل: هو وإن كان معدوماً ولكنه لما قدر وجوده وهو كائن لا محالة كان كالموجود فصح الخطاب.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ ۗ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ۘ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ۗ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ
    +/- -/+  
الأية
118
 
قوله تعالى : { وقال الذين لا يعلمون ، { قال ابن عباس رضي الله عنهما: اليهود، وقال مجاهد : النصارى، وقال قتادة : مشركو العرب ، { لولا ، { هلا ، { يكلمنا الله ، { عياناً بأنك رسوله وكل ما في القرآن (( لولا )) فهو بمعنى هلا، إلا واحداً، وهو قوله ، { فلولا أنه كان من المسبحين } (143-الصافات) معناه فلو لم يكن ، { أو تأتينا آية ، { دلالة وعلامة على صدقك في ادعائك النبوة. قال الله تعالى } : كذلك قال الذين من قبلهم } ، أي كفار الأمم الخالية ، { مثل قولهم، تشابهت قلوبهم } ، أي أشبه بعضها بعضاً في الكفر والقسوة وطلب المحال ، { قد بينا الآيات لقوم يوقنون }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۖ وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ
    +/- -/+  
الأية
119
 
{ إنا أرسلناك بالحق } ، أي بالصدق كقوله ، { ويستنبئونك أحق هو؟ } (53-يونس) أي صدق، قال ابن عباس رضي الله عنهما: بالقرآن دليله ، { بل كذبوا بالحق لما جاءهم } (5-ق) وقال ابن كيسان : بالإسلام وشرائعه، دليله قوله عز وجل } : وقل جاء الحق } (81-الإسراء) وقال مقاتل : معناه لم نرسلك عبثاً، وإنما أرسلناك بالحق كما قال } : وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق } (85-الحجر). قوله عز وجل ، { بشيراً } ، أي مبشراً لأوليائي وأهل طاعتي بالثواب الكريم ، { ونذيراً } ، أي منذراً مخوفاً لأعدائي وأهل معصيتي بالعذاب الأليم، قرأ نافع و يعقوب ، { ولا تسأل ، { على النهي قال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم } : ليت شعري ما فعل أبواي ، { فنزلت هذه الآية، وقيل: هو على معنى ولا تسأل عن شر فلان فإنه فوق ما تحسب وليس على النهي، وقرأ الآخرون (( ولا تسأل )) بالرفع على النفي بمعنى ولست بمسؤول عنهم كما قال الله تعالى } : فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب } (20-آل عمران)، ، { عن أصحاب الجحيم ، { والجحيم معظم النار.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ
    +/- -/+  
الأية
120
 
{ قوله عز وجل ، { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم، قل إن هدى الله هو الهدى ، { وذلك أنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم الهدنة ويطمعونه في أنه إن أمهلهم اتبعوه فأنزل الله تعالى هذه الآية، معناه وإنك إن هادنتهم فلا يرضون بها وإنما يطلبون ذلك تعللا ولا يرضون منك إلا باتباع ملتهم، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: هذا في القبلة وذلك أن يهود المدينة ونصارى نجران كانوا يرجون النبي صلى الله عليه وسلم حين كان يصلي إلى قبلتهم فلما صرف الله القبلة إلى الكعبة آيسوا في أن يوافقهم على دينهم فأنزل الله تعالى ، { ولن ترضى عنك اليهود ، { إلا باليهودية ، { ولا النصارى ، { إلا بالنصرانية والملة الطريقة ، { ولئن اتبعت أهواءهم ، { قيل الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم والمراد به الأمة كقوله ، { لئن أشركت ليحبطن عملك } (65-الزمر) { بعد الذي جاءك من العلم ، { البيان بأن دين الله هو الإسلام والقبلة قبلة إبراهيم عليه السلام وهي الكعبة ، { ما لك من الله من ولي ولا نصير }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
    +/- -/+  
الأية
121
 
{ الذين آتيناهم الكتاب ، { قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت في أهل السفينة الذين قدموا مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وكانوا أربعين رجلاً اثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية من رهبان الشام منهم بحيرا، وقال الضحاك : هم من آمن من اليهود عبد الله بن سلام وسعية بن عمرو وتمام بن يهودا وأسد وأسيد ابنا كعب وابن يامين وعبد الله بن صوريا، وقال قتادة و عكرمة : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وقيل: هم المؤمنون عامة ، { يتلونه حق تلاوته ، { قال الكلبي : يصفونه في كتبهم حق صفته لمن سألهم من الناس، والهاء راجعة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وقال الآخرون: هي عائدة إلى الكتاب، واختلفوا في معناه فقال ابن مسعود رضي الله عنه: يقرؤونه كما أنزل ولا يحرفونه، ويحلون حلاله ويحرمون حرامه، وقال الحسن : يعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه، ويكلون علم ما أشكل عليهم إلى عالمه، وقال مجاهد : يتبعونه حق اتباعه. قوله ، { أولئك يؤمنون به، ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ
    +/- -/+  
الأية
122
 
{ يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ
    +/- -/+  
الأية
123
 
{ واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ
    +/- -/+  
الأية
124
 
قوله تعالى : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ، { قرأ ابن عامر إبراهام بالألف في أكثر المواضع وهو اسم أعجمي ولذلك لا يجر وهو إبراهيم بن تارخ بن ناخور وكان مولده بالسوس من أرض الأهواز وقيل بابل وقيل: كوفي، وقيل: [لشكر]، وقيل حران، وكان أبوه نقله إلى أرض بابل أرض نمرود ابن كنعان، ومعنى الابتلاء الاختبار والامتحان والأمر، وابتلاء الله العباد ليس ليعلم أحوالهم بالابتلاء، لأنه عالم بهم، ولكن ليعلم العباد أحوالهم حتى يعرف بعضهم بعضاً. واختلفوا في الكلمات التي ابتلى الله بها إبراهيم عليه السلام، فقال عكرمة : وابن عباس رضي الله عنهما: هي ثلاثون سماهن شرائع الإسلام، ولم يبتل بها أحد فأقامها كلها إلا إبراهيم فكتب له البراءة، فقال تعال } : وإبراهيم الذي وفى } (37-النجم) عشر في براءة (( التائبون العابدون )) إلى آخرها، وعشر في الأحزاب ، { إن المسلمين والمسلمات } ، وعشر في سورة المؤمنين في قوله } : قد أفلح المؤمنون ، { الآيات، وقوله ، { إلا المصلين ، { في سأل سائل. وقال طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما: ابتلاه الله بعشرة أشياء وهي: الفطرة خمس في الرأس: قص الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس، وخمس في الجسد: تقليم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة، والختان، والاستنجاء بالماء. وفي الخبر: (( أن إبراهيم عليه السلام أول من قص الشارب، وأول من اختتن، وأول من قلم الأظافر، وأول من رأى الشيب،ن فلما رآه قال: يا رب ما هذا؟ قال [سمة]: الوقار، قال: يارب زدني وقاراً )) قال مجاهد : هي الآيات التي بعدها في قوله عز وجل ، { إني جاعلك للناس إماماً } (124-البقرة) إلى آخر القصة، وقال الربيع و قتادة : مناسك الحج، وقال الحسن : ابتلاه الله بسبعة أشياء: بالكواكب والقمر والشمس، فأحسن فيها النظر وعلم أن ربه دائم لا يزول، وبالنار فصبر عليها، وبالهجرة وبذبح ابنه وبالختان فصبر عليها، قال سعيد بن جبير : هو قول إبراهيم وإسماعيل إذ يرفعان البيت ، { ربنا تقبل منا } (127-البقرة) الآية فرفعاها بسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله [والله أكبر]، قال يمان بن رباب : هن محاجة قومه قال الله تعالى } : وحاجه قومه ، { إلى قوله تعالى - { وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم } (83-الأنعام) وقيل هي قوله } : الذي خلقني فهو يهدين } (78-الشعراء) إلى آخر الآيات. { فأتمهن ، { قال قتادة : أداهن، قال الضحاك : قام بهن وقال: [نعمان] عمل بهن. قال الله تعالى } : قال: إني جاعلك للناس إماماً ، { يقتدى بك في الخير ، { قال ، { إبراهيم ، { ومن ذريتي } ، أي ومن أولادي أيضاً فاجعل منهم أئمة يقتدى بهم في الخير ، { قال ، { الله تعالى ، { لا ينال ، { لا يصيب ، { عهدي الظالمين ، { قرأ حمزة و حفص بإسكان الياء والباقون بفتحها أي من كان منهم ظالماً لا يصيبه، قال عطاء بن أبي رباح : عهدي رحمتي، وقال السدي : نبوتي، وقيل: الإمامة، قال مجاهد : ليس لظالم أن يطاع في ظلمه. ومعنى الآية لا ينال ما عهدت إليك من النبوة والإمامة من كان ظالماً من ولدك، وقيل: أراد بالعهد الأمان من النار، وبالظالم المشرك كقوله تعالى } : الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن } (82-الأنعام).

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ
    +/- -/+  
الأية
125
 
{ قال الله تعالى ، { وإذ جعلنا البيت } ، يعني الكعبة ، { مثابة للناس ، { مرجعاً لهم، قال مجاهد و سعيد بن جبير : يأتون إليه من كل جانب ويحجون، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: معاذاً وملجأ وقال قتادة و عكرمة : مجمعاً ، { وأمنا } ، أي مأمناً يأمنون فيه من إيذاء المشركين، فإنهم ما كانوا يتعرضون لأهل مكة ويقولون: هم أهل الله ويتعرضون لمن حوله كما قال الله تعال } : أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم } (67-العنكبوت). أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن اسماعيل أنا علي بن عبد الله أنا جرير عن منصور عن مجاهد عن طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة } : إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها، ولا يختلى خلاه فقال العباس: يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلا الإذخر }. قوله تعالى ، { واتخذوا ، { قرأ نافع و ابن عامر بفتح الخاء على الخبر، وقرأ الباقون بكسر الخاء على الأمر ، { من مقام إبراهيم مصلى ، { قال ابن يمان : المسجد كله مقام إبراهيم، وقال إبراهيم النخعي : الحرم كله مقام إبراهيم، وقيل: أراد بمقام إبراهيم جميع مشاهد الحج، مثل عرفة ومزدلفة وسائر المشاهد. والصحيح أن مقام إبراهيم هو الحجر الذي في المسجد يصلي إليه الأئمة، وذلك الحجر الذي قام عليه إبراهيك عليه السلام عند بناء البيت، وقيل: كان أثر أصابع رجليه بيناً فيه فاندرس من كثرة المسح بالأيدي، قال قتادة و مقاتل و السدي : أمروا بالصلاة عند مقام إبراهيم ولم يؤمروا بمسحه وتقبيله. أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن اسماعيل أنا مسدد عن يحيى بن حميد عن أنس قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (( وافقت الله في ثلاث - أو وافقني ربي في ثلاث - قلت يا رسول الله لو اتخذت مقام إبراهيم مصلى؟ فأنزل الله تعالى ، { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ، { وقلت يا رسول الله: يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب؟ فأنزل الله عز وجل آية الحجاب، قال وبلغني معاتبة النبي صلى الله عليه وسلم بعض نسائه فدخلت عليهن فقلت لهن: إن انتهيتن، أو ليبدلنه الله خيراً منكن، فأنزل الله تعالى } : عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن } (5-التحريم). ورواه محمد بن اسماعيل أيضاً عن عمرو بن عوف أنا هشيم عن حميد عن أنس رضي الله عنه قال: قال عمر رضي الله عنه: وافقت ربي في ثلاث قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزلت ، { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى }. وأما بدء قصة المقام فقد روى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أتى إبراهيم عليه السلام بإسماعيل وهاجر ووضعهما بمكة، وأتت على ذلك مدة، ونزلها الجرهميون وتزوج إسماعيل منهم امرأة وماتت هاجر، واستأذن إبراهيم سارة أن يأتي هاجر، فأذنت له وشرطت عليه أن لا ينزل فقدم إبراهيم مكة، وقد ماتت هاجر، فذهب إلى بيت إسماعيل فقال لامرأته: أين صاحبك؟ قالت ذهب للصيد وكان إسماعيل عليه السلام يخرج من الحرم فيصيد، فقال لها إبراهيم: هل عندك ضيافة؟ قالت ليس عندي ضيافة، وسألها عن عيشهم؟ فقالت: نحن في ضيق وشدة، فشكت إليه فقال لها: إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام وقولي له فليغير عتبة بابه، فذهب إبراهيم فجاء إسماعيل فوجد ريح أبيه فقال [لامرأته: هل جاءك أحد؟ قالت: جاءني شيخ صفته كذا وكذا كالمستخفة بشأنه قال] فما قال لك؟ قالت: قال: أقرئي زوجك السلام وقولي له فليغير عتبة بابه، قال ذلك أبي وقد أمرني أن أفارقك الحقي بأهلك، فطلقها وتزوج منهم أخرى، فلبث إبراهيم ما شاء الله أن يلبث، ثم استأذن سارة أن يزور إسماعيل فأذنت له وشرطت عليه أن لا ينزل، فجاء إبراهيم عليه السلام حتى انتهى إلى باب إسماعيل فقال لامرأته: أين صاحبك؟ قالت ذهب يتصيد وهو يجىء الآن إن شاء الله فانزل يرحمك الله، قال: هل عندك ضيافة؟ قالت: نعم فجاءت باللبن واللحم، وسألها عن عيشهم؟ فقالت: نحن بخير وسعة، فدعا لهما بالبركةولو جاءت يومئذ بخبز بر أو شعير وتمر لكانت أكثر أرض الله براً أو شعيراً أو تمراً، فقالت له: انزل حتى أغسل رأسك، فلم ينزل فجاءته بالمقام فوضعته عن شقه الأيمن فوضع قدمه عليه فغسلت شق رأسه الأيمن ثم حولت إلى شقه الأيسر فغسلت شق رأسه الأيسر فبقي أثر قدميه عليه، فقال لها: إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام وقولي له قد استقامت عتبة بابك، فلما جاء إسماعيل، وجد ريح أبيه فقال لامرأته: هل جاءك أحد؟ قالت: نعم شيخ أحسن الناس وجهاً وأطيبهم ريحاً، وقال لي كذا وكذا وقلت له كذا وكذا، وغسلت رأسه وهذا موضع قدميه فقال: ذاك إبراهيم النبي أبي، وأنت العتبة أمرني أن أمسكك. وروي عن سعيد بن جبير / عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ثم لبث عنهم ما شاء الله ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلاً تحت دومة قريباً من زمزم، فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الوالد بالولد، والولد بالوالد ثم قال: يا إسماعيل إن الله تعالى أمرني بأمر تعينني عليه؟ قال: أعينك قال: إن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتاً، فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام إبراهيم على حجر المقام وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان ( ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ) وفي الخبر: (( الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة ولولا ماسته أيدي المشركين لأضاء ما بين المشرق والمغرب )). قوله عز وجل ، { وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل } ، أي أمرناهما وأوحينا إليهما، قيل: سمي إسماعيل لأن إبراهيم كان يدعو الله أن يرزقه ولداً ويقول: إسمع يا إيل وإيل هو الله فلما رزق سماه الله به ، { أن طهرا بيتي ، { يعنى الكعبة أضافه إليه تخصيصاً وتفضيلاً أي ابنياه على الطهارة والتوحيد، وقال سعيد بن جبير و عطاء : طهراه من الأوثان والريب وقول الزور، وقيل: بخراه وخلقاه، قرأ أهل المدينة وحفص (بيتي) بفتح الياء هاهنا وفي سورة الحج، وزاد حفص في سورة نوح ، { للطائفين ، { الدائرين حوله ، { والعاكفين ، { المقيمين المجاورين ، { والركع ، { جمع راكع ، { السجود ، { جمع ساجد وهم المصلون قال الكلبي و مقاتل : الطائفين هم الغرباء والعاكفين أهل مكة، قال عطاء و مجاهد و عكرمة : الطواف للغرباء أفضل، والصلاة لأهل مكة أفضل.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ
    +/- -/+  
الأية
126
 
قوله تعالى : { وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا } ، يعني مكة وقيل: الحرم ، { بلداً آمناً } ، أي ذا أمن يأمن فيه أهله ، { وارزق أهله من الثمرات ، { إنما دعا بذلك لأنه كان بواد غير ذي زرع، وفي القصص أن الطائف كانت من مداين الشام بأردن فلما دعا إبراهيم عليه السلام هذا الدعاء أمر الله تعالى جبريل عليه السلام حتى قلعها من أصلها وأدارها حول البيت سبعاً ثم وضعها موضعها الذي هي الآن فيه، فمنها أكثر ثمرات مكة ، { من آمن منهم بالله واليوم الآخر ، { دعاء للمؤمنين خاصة ، { قال ، { الله تعالى ، { ومن كفر فأمتعه قليلاً ، { قرأ ابن عامر فأمتعه خفيفاً بضم الهمزة والباقون مشدداً ومعناهما واحد قليلاً أي سأرزق الكافر أيضاً قليلاً إلى منتهى أجله وذلك أن الله تعالى وعد الرزق للخلق كافة مؤمنهم وكافرهم، وإنما قيده بالقلة لأن متاع الدنيا قليل ، { ثم أضطره } ، أي ألجئه في الآخرة ، { إلى عذاب النار، وبئس المصير } ، أي المرجع يصير إليه قال مجاهد : وجد عند المقام كتاب فيه: أن الله ذو بكة صنعتها يوم خلقت الشمس والقمر، وحرمتها يوم خلقت السموات والأرض، وحففتها بسبعة أملاك حنفاء، يأتيها رزقها من ثلاثة سبل، مبارك لها في اللحم والماء.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
    +/- -/+  
الأية
127
 
قوله عز وجل : { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ، { قال الرواة: إن الله تعالى خلق موضع البيت قبل الأرض بألفي عام، وكانت زبدة بيضاء على الماء فدحيت الأرض من تحتها فلما أهبط الله آ دم عليه السلام إلى الأرض استوحش، فشكا إلى الله تعالى فأنزل الله البيت المعمور من ياقوته من يواقيت الجنة له بابان من زمرد أخضر، باب شرقي وباب غربي فوضعه على موضع البيت وقال: يا آدم إني أهبط لك بيتاً تطوف به كما يطاف حول عرشي، تصلي عنده كما يصلي عند عرشي وأنزل الحجر وكان أبيض فاسود من لمس الحيض في الجاهلية فتوجه آدم من أرض الهند إلى مكة ماشياً وقيض الله ملكاً يدله على البيت فحج البيت وأقام المناسك، فلما فرغ تلقته الملائكة وقالوا: بر حجك يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام، قال ابن عباس رضي الله عنهما: حج آدم أربعين حجة من الهند إلى مكة على رجليه فكان على ذلك إلى أيام الطوفان، فرفعه الله تعالى إلى السماء الرابعة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه، وبعث جبريل عليه السلام حتى خبأ الحجر الأسود في جبل أبي قبيس صيانة له من الغرق، فكان موضع البيت خالياً إلى زمن إبراهيم، ثم إن الله تعالى أمر إبراهيم بعدما ولد له إسماعيل وإسحاق ببناء بيت يذكر فيه، فسأل الله عز وجل أن يبين له موضعه، فبعث الله السكينة لتدله على موضع البيت، وهي ريح خجوج لها رأسان شبه الحية فأمر إبراهيم أن يبني حيث تستقر السكينة فتبعها إبراهيم حتى أتيا مكة فتطورت السكينة على موضع البيت كتطوي الحجفة هذا قول علي والحسن. وقال ابن عباس: بعث الله تعالى سحابة على قدر الكعبة فجعلت تسير وإبراهيم يمشي في ظلها إلى أن وافق مكة ووقفت على موضع البيت فنودي منها إبراهيم أن ابن على ظلها لا تزد ولا تنقص، وقيل: أرسل الله جبريل ليدله على موضع البيت كقوله تعالى ، { وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ، { فبنى إبراهيم وإسماعيل البيت فكان إبراهيم يبنيه وإسماعيل يناوله الحجر، فذلك قوله تعالى } : وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل } ، يعني أسسه واحدتها قاعدة. وقال الكسائي : جدر البيت، وقال ابن عباس: إنما بني البيت من خمسة أجبل، طور سيناء وطور زيتا ولبنان وهو جبل بالشام، والجودي وهو جبل بالجزيرة وبنيا قواعده من حراء وهو جبل بمكة فلما انتهى إبراهيم إلى موضع الحجر الأسود قال لإسماعيل ائتني بحجر حسن يكون للناس علماً فأتاه بحجر فقال: ائتني بأحسن من هذا فمضى إسماعيل يطلبه فصاح أبو قبيس: يا إبراهيم إن لك عندي وديعة فخذها، فأخذ الحجر الأسود فوضعه مكانه وقيل: إن الله تعالى بنى في السماء بيتاً وهو البيت المعمور ويسمى الضراح وأمر الملائكة أن يبنوا الكعبة في الأرض بحياله على قدره ومثاله، وقيل: أول من بنى الكعبة آدم واندرس في زمن الطوفان ثم أظهره الله لإبراهيم حتى بناه. قوله } : ربنا تقبل منا ، { فيه إضمار أي ويقولان: ربنا تقبل منا بناءنا ، { إنك أنت السميع ، { لدعائنا ، { العليم ، { بنياتنا.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
    +/- -/+  
الأية
128
 
{ ربنا واجعلنا مسلمين لك ، { موحدين مطيعين مخلصين خاضعين لك. { ومن ذريتنا } ، أي أولادنا ، { أمة ، { جماعة والأمة أتباع الأنبياء ، { مسلمة لك ، { خاضعة لك. { وأرنا ، { علمنا وعرفنا، قرأ ابن كثير ساكنة الراء و أبو عمرو بالاختلاس والباقون بكسرها ووافق ابن عامر و أبو بكر في الاسكان في حم السجدة، وأصله أرئنا فحذفت الهمزة طلباً للخفة ونقلت حركتها إلى الراء ومن سكنها قال: ذهبت الهمزة فذهبت حركتها ، { مناسكنا ، { شرائع ديننا وألام حجنا. وقيل: مواضع حجنا، وقال مجاهد : مذابحنا والنسك الذبيحة، وقيل: متعبداتنا، وأصل النسك العبادة، والناسك العابد فأجاب الله تعالى دعاءهما فبعث جبريل فأراهما المناسك في يوم عرفة فلما بلغ عرفات قال: عرفت يا إبراهيم؟ قال: نعم فسمى الوقت عرفة والموضع عرفات. { وتب علينا ، { تجاوز عنا ، { إنك أنت التواب الرحيم }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
    +/- -/+  
الأية
129
 
{ ربنا وابعث فيهم } ، أي في الأمة المسلمة من ذرية إبراهيم وإسماعيل وقيل: من أهل مكة ، { رسولاً منهم } ، أي مرسلاً أراد به محمداً صلى الله عليه وسلم. حدثنا السيد أبو القاسم علي بن موسى الموسوي حدثنى أبو بكر أحمد بن محمد بن عباس البلخي أنا الإمام أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي أنا محمد بن المكي أنا إسحاق بن إبراهيم أنا ابن أخي ابن وهب أنا عمي أنا معاوية عن صالح عن سعيد بن سويد عن عبد الأعلى بن هلال السلمي عن العرباض بن سارية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال } : إني عند الله مكتوب خاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته وسأخبركم بأول أمري، أنا دعوة إبراهيم وبشارة عيسى ورؤيا أمي التي رأت حين وضعتني وقد خرج منها نور أضاءت لها منه قصور الشام }. وأراد بدعوة إبراهيم هذا فإنه دعا أن يبعث في بني إسماعيل رسولاً منهم، قال ابن عباس: كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة: نوح وهود وصالح وشعيب ولوط وإبراهيم وإسماعيل واسحاق ويعقوب ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. { يتلو ، { يقرأ ، { عليهم آياتك ، { كتابك يعني القرآن والآية من القرآن كلام متصل إلى انقطاعه وقيل هي جماعة حروف يقال خرج القوم بآيتهم أي بجماعتهم ، { ويعلمهم الكتاب } ، يعني القرآن ، { والحكمة ، { قال مجاهد : فهم القرآن، وقال مقاتل : مواعظ القرآن وما فيه من الأحكام، قال ابن قتيبية: هي العلم والعمل، ولا يكون الرجل حكيماً حتى يجمعهما، وقيل: هي السنة، وقيل: هي الأحكام والقضاء، وقيل: الحكمة الفقه. قال أبو بكر بن دريد : كل كلمة وعظتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة. { ويزكيهم } ، أي يطهرهم من الشرك والذنوب، وقيل: يأخذ الزكاة من أموالهم، وقال ابن كيسان : يشهد لهم يوم القيامة بالعدالة إذا شهدوا للأنبياء بالبلاغ من التزكية، وهي التعديل ، { إنك أنت العزيز الحكيم ، { قال ابن عباس: العزيز الذي لا يوجد مثله، وقال الكلبي : المنتقم بيانه قوله تعالى ، { والله عزيز ذو انتقام }(4-آل عمران) وقيل: المنيع الذي لا تناله الأيدي ولا يصل إليه شيء وقيل: القوي، والعزة القوة قال الله تعالى ، { فعززنا بثالث } (14-يس) أي قوينا وقيل: الغالب قال الله تعالى إخباراً ، { وعزني في الخطاب } (23-ص) أي غلبني، ويقال في المثل: (( من عز بز )) أي من غلب سلب.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ
    +/- -/+  
الأية
130
 
قوله تعالى : { ومن يرغب عن ملة إبراهيم ، { وذلك أن عبد الله بن سلام دعا ابني أخيه سلمة ومهاجراً إلى الإسلام فقال لهما: قد علمتما أن الله عز وجل قال في التوراة: إني باعث من ولد إسماعيل نبياً اسمه أحمد فمن آمن به فقد اهتدى ومن لم يؤمن فهو ملعون، فأسلم سلمة وأبى مهاجر أن يسلم فأنزل الله عز وجل ، { من يرغب عن ملة إبراهيم } ، أي يترك دينه وشريعته يقال رغب في الشيء إذا أراده، ورغب عنه إذا تركه. وقوله ، { من ، { لفظه استفهام معناه التقريع والتوبيخ يعني: ما يرغب عن ملة إبراهيم ، { إلا من سفه نفسه ، { قال ابن عباس: من خسر نفسه، وقال الكلبي : ضل من قبل نفسه، وقال أبو عبيدة: أهلك نفسه، وقال ابن كيسان و الزجاج : معناه جهل نفسه والسفاهة: الجهل وضعف الرأي: وكل سفيه جاهل، وذلك أن من عبد غيرالله فقد جهل نفسه. لأنه لم يعرف أن الله خلقها، وقد جاء: (( من عرف نفسه عرف ربه ))، وفي الأخبار : (( إن الله تعالى أوحى إلأى داود اعرف نفسك واعرفني، فقال: يارب كيف أعرف نفسي؟ وكيف أعرفك؟ فأوحى الله تعالى اعرف نفسك بالضعف والعجز والفناء، واعرفني بالقوة والقدرة والبقاء )). وقال الأخفش : معناه سفه في نفسه، ونفسه على هذا القول نصب بنزع حرف الصفة وقال الفراء: نصب على التفسير، وكان الأصل سفهت نفسه فلما أضاف الفعل إلى صاحبها خرجت النفس المفسرة ليعلم موضع السفه، كما يقال: ضقت به ذرعاً، أي ضاق ذرعي به. { ولقد اصطفيناه في الدنيا ، { اخترناه في الدنيا ، { وإنه في الآخرة لمن الصالحين } ، يعني مع الأنبياء في الجنة، وقال الحسين بن الفضل : فيه تقديم وتأخير، تقديره ولقد اصطفيناه في الدنيا والآخرة وإنه لمن الصالحين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ
    +/- -/+  
الأية
131
 
{ إذ قال له ربه أسلم } ، أي استقم على الإسلام، واثبت عليه لأنه كان مسلماً. قال ابن عباس: قال له حين خرج من السرب، وقال الكلبي : أخلص دينك وعبادتك لله، وقال عطاء أسلم إلى الله عز وجل وفوض أمورك إليه. { قال أسلمت لرب العالمين } ، أي فوضت، قال ابن عباس: وقد حقق ذلك حيث لم يستعن بأحد من الملائكة حين ألقي في النار.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
    +/- -/+  
الأية
132
 
{ ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب ، { قرأ أهل المدينة والشام: (( وأوصى )) بالألف، وكذلك هو في مصاحفهم، وقرأ الباقون: (( ووصى )) مشدداً، وهما لغتان مثل أنزل ونزل، معناه ووصى بها إبراهيم بنيه ووصى يعقوب بنيه، قال الكلبي و مقاتل : يعني بكلمة الإخلاص لا إله إلا الله، قال أبو عبيدة: إن شئت رددت الكناية إلى الملة لأنه ذكر ملة إبراهيم، وإن شئت رددتها إلى الوصية: أي وصى إبراهيم بنيه الثمانية إسماعيل وأمه هاجر القبطية، وإسحاق وأمه سارة، وستة أمهم قنطورة بنت يقطن الكنعانية تزوجها إبراهيم بعد وفاة سارة ويعقوب، سمي بذلك لأنه والعيص كانا توأمين فتقدم عيص في الخروج من بطن أمه وخرج يعقوب على أثره آخذاً بعقبه قال ابن عباس، وقيل: سمي يعقوب لكثرة عقبه يعني: ووصى أيضاً يعقوب بنيه الاثنى عشر ، { يا بني } ، معناه أن يا بني ، { إن الله اصطفى ، { اختار ، { لكم الدين } ، أي دين الإسلام ، { فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، { مؤمنون وقيل: مخلصون وقيل: مفوضون والنهي في ظاهر الكلام وقع على الموت، وإنما نهوا في الحقيقة عن ترك الإسلام، داوموا على الإسلام حتى لا يصادفكم الموت إلا وأنتم مسلمون، وعن الفضيل بن عياض رحمه الله أنه قال: ( إلا وأنتم مسلمون ) أي محسنون بربكم الظن. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم عبد الله ابن محمد بن عبد العزيز البغوي أنا علي بن الجعد أنا أبو جعفر الرازي عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول } : لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ
    +/- -/+  
الأية
133
 
{ أم كنتم شهداء } ، يعني أكنتم شهداء، يريد ما كنتم شهداء حضوراً ، { إذ حضر يعقوب الموت } ، أي حين قرب يعقوب من الموت، قيل: نزلت في اليهود حين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ألست تعلم أن يعقوب يوم مات أوصى بنيه باليهودية فعلى هذا القول يكون الخطاب لليهود، وقال الكلبي : لما دخل يعقوب مصر رآهم يعبدون الأوثان والنيران، فجمع ولده وخاف عليهم ذلك فقال عز وجل ، { إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي ، { قال عطاء إن الله تعالى لم يقبض نبياً حتى يخيره بين الحياة والموت فلما خير يعقوب قال: أنظرني حتى أسأل ولدي وأوصيهم، ففعل الله ذلك به فجمع ولده وولد ولده، وقال لهم قد حضر أجلي فما تعبدون من بعدي ، { قالوا: نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ، { وكان إسماعيل عماً لهم والعرب تسمى العم أباً كما تسمى الخالة أماً قال النبي صلى الله عليه وسلم } : عم الرجل صنو أبيه ، { وقال في عمه / العباس: (( ردوا علي أبي فإني أخشى أن تفعل به قريش ما فعلت ثقيف بعرة بن مسعود )). وذلك أنهم قتلوه. { إلهاً واحداً ، { نصب على البدل في قوله إلهك وقيل نعرفه إلهاً واحداً ، { ونحن له مسلمون }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
134
 
{ تلك أمة ، { جماعة ، { قد خلت ، { مضت ، { لها ما كسبت ، { من العمل ، { ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون } ، يعني: يسأل كل عن عمله لا عن عمل غيره.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا ۗ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
    +/- -/+  
الأية
135
 
قوله تعالى : { وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا ، { قال ابن عباس: نزلت في رؤساء يهود المدينة كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف ووهب بن يهودا وأبي ياسر بن أخطب، وفي نصارى أهل نجران السيد والعاقب وأصحابهما، وذلك أنهم خاصموا المسلمين في الدين كل فرقة تزعم أنها أحق بدين الله، فقالت اليهود: نبينا موسى أفضل الأنبياء، وكتابنا التوراة أفضل الكتب، وديننا أفضل الأاديان، وكفرت بعيسى عليه السلام والإنجيل وبمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن، وقالت النصارى: نبينا أفضل الأنبياء وكتابنا الإنجيل أفضل الكتب، وديننا أفضل الأديان وكفرت بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن، وقال كل واحد من الفريقين للمؤمنين كونوا علىديننا فلا دين إلا ذلك فقال تعالى ، { قل ، { يا محمد ، { بل ملة إبراهيم ، { بل نتبع ملة إبراهيم، وقال الكسائي : هو نصب على الإغراء، كأنه يقول: اتبعوا ملة إبراهيم، وقيل معناه بل نكون على ملة إبراهيم فحذف ((على)) فصار منصوباً ، { حنيفاً ، { نصب على الحال عند نحاة البصرة، وعند نحاة الكوفة نصب على القطع أراد بل ملة إبراهيم الحنيف فلما سقطت الألف واللام لم يتبع المعرفة النكرة فانقطع منه فنصب. قال مجاهد :الحنيفية اتباع إبراهيم فيما أتى به من الشريعة التي صار بها إماماً للناس قال ابن عباس: الحنيف المائل كلها إلى دين الإسلام، وأصله من الحنف، وهو ميل وعوج يكون في القدم، وقال سعيد بن جبير : الحنيف هو الحاج المختتن. وقال الضحاك ك إذا كان مع الحنيف المسلم فهو الحاج، وإذا لم يكن مع المسلم فهو المسلم، قال قتادة : الحنيفية: الختان وتحريم الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وإقامة المناسك. { وما كان من المشركين ، { ثم علم المؤمنين طريق الإيمان فقال جل ذكره:

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ
    +/- -/+  
الأية
136
 
{ قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا } ، يعني القرآن ، { وما أنزل إلى إبراهيم ، { وهو عشر صحف ، { وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط } ، يعني أولاد يعقوب وهم اثنا عشر سبطاً واحدهم سبط سموا بذلك لأنه ولد لكل واحد منهم جماعة وسبط الرجل حافده، ومنه قيل للحسن والحسين رضي الله عنهما سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم والأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من العرب من بني إسماعيل والشعوب من العجم، وكان في الأسباط أنبياء ولذلك قال: وما أنزل إليهم وقيل هم بنو يعقوب من صلبه صاروا كلهم أنبياء ، { وما أوتي موسى } ، يعني التوراة ، { وعيسى } ، يعني الإنجيل ، { وما أوتي ، { أعطي ، { النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم { أي نؤمن بالكل لا نفرق بين أحد منهم فنؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى ، { ونحن له مسلمون }. أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا محمد بن بشار أنا عثمان بن عمر أنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله الآية }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا ۖ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ۖ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
    +/- -/+  
الأية
137
 
{ قوله تعالى : { فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به } ، أي بما آمنتم به ، وكذلك كان يقرؤها ابن عباس ، والمثل صلة كقوله تعالى : { ليس كمثله شيء } ، أي ليس هو كشيء ، وقيل : معناه فإن آمنوا بجميع ما آمنتم به أي أتوا بإيمان كإيمانكم وتوحيد كتوحيدكم ، وقيل : معناه فإن آمنوا مثل ما أمنتم به و الباء زائدة كقوله تعالى : { وهزي إليك بجذع النخلة } ( 25- مريم ) وقال أبو معاذ النحوي : معناه فإن آمنوا بكتابكم كما آمنتم بكتابهم ، ، { فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق } ، أي في خلاف ومنازعة قاله : ابن عباس و عطاء ويقال : شاق مشاقةً إذا خالف كأن كل واحد آخذ في شق غير شق صاحبه ، قال الله تعالى : { لا يجرمنكم شقاقي } ( 89- هود ) أي خلافي ، وقيل : في عداوة ، دليله : قوله تعالى : { ذلك بأنهم شاقوا الله } (13- الأنفال ) أي عادوا الله ، { فسيكفيكهم الله ، { يا محمد أي يكفيك شر اليهود و النصارى وقد كفى بإجلاء بني النضير ، وقتل بني قريظة وضرب الجزية على اليهود و النصارى ، { وهو السميع ، { لأقوالهم ، { العليم ، { بأحوالهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
صِبْغَةَ اللهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ
    +/- -/+  
الأية
138
 
{ قوله تعالى : { صبغة الله } : قال ابن عباس في رواية الكلبي و قتادة و الحسن : دين الله ، وإنما سماه صبغة لأنه يظهر أثر الدين على المتدين كما يظهر أثر الصبغ على الثوب ، وقيل لأن المتدين يلزمه ولا يفارقه ، كالصبغ يلزم الثوب ، وقال مجاهد : فطرة الله ، وهو قريب من الأول ، وقيل : سنة الله ، وقيل : أراد به الختان لأنه يصبغ صاحبه بالدم ، قال ابن عباس : هي أن النصارى إذا ولد لأحدهم ولد فأتى عليه سبعة أيام غمسوه في ماء لهم أصفر يقال له المعمودي وصبغوه به ليطهروه بذلك الماء مكان الختان ، فإذا فعلوا به ذلك قالوا : الآن صار نصرانياً حقاً فأخبر الله أن دينه الإسلام لا ما يفعله النصارى ، وهو نصب على الإغراء يعني الزموا دين الله ، قال الأخفش هي بدل من قوله ملة إبراهيم ، { ومن أحسن من الله صبغة ، { ديناً وقيل : تطهيراً ، { ونحن له عابدون ، { مطيعون.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ
    +/- -/+  
الأية
139
 
{ قل ، { يا محمد لليهود و النصارى ، { أتحاجوننا في الله } ، أي في دين الله و المحاجة : المجادلة في الله لإظهار الحجة ، وذلك بأنهم قالوا إن الأنبياء كانوا منا وعلى ديننا ، وديننا أقوم فنحن أولى بالله منكم فقال الله تعالى : قل أتحاجوننا في الله ، { وهو ربنا وربكم } ، أي نحن وأنتم سواء في الله فإنه ربنا وربكم ، { ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم } ، أي لكل واحد جزاء عمله ، فكيف تدعون أنكم أولى بالله ، { ونحن له مخلصون ، { وأنتم به مشركون . قال سعيد بن جبير : الإخلاص أن يخلص العبد دينه وعمله لله فلا يشرك به في دينه ولا يرائي بعمله . قال الفضيل : ترك العمل لأجل الناس رياء ، و العمل من أجل الناس شرك ، و الإخلاص أن يعافيك الله منهما.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ ۗ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ ۗ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
140
 
{ قوله تعالى : { أم تقولون } ، يعني : أتقولون ، صيفة استفهام ومعناه التوبيخ ، وقرأ ابن عامر و حمزة و الكسائي و حفص بالتاء لقوله تعالى : { قل أتحاجوننا في الله ، { وقال بعده ، { قل أأنتم أعلم أم الله ، { وقرأ الآخرون بالياء يعني يقول اليهود و النصارى ، { إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب و الأسباط كانوا هوداً أو نصارى قل ، { يا محمد ، { أأنتم أعلم ، { بدينهم ، { أم الله ، { وقد أخبر الله تعالى أن إبراهيم لم يكن / يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً ، { ومن أظلم ممن كتم ، { أخفى ، { شهادة عنده من الله ، { وهي علمهم بأن إبراهيم وبنيه كانوا مسلمين وأن محمداً صلى الله عليه وسلم حق ورسول أشهدهم الله عليه في كتبهم ، { وما الله بغافل عما تعملون } .

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
141
 
{ تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ، { كرره تأكيداً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ۚ قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
    +/- -/+  
الأية
142
 
قوله تعالى : { سيقول السفهاء ، { الجهال ، { من الناس ما ولاهم ، { صرفهم وحولهم ، { عن قبلتهم التي كانوا عليها } ، يعني بيت المقدس والقبلة فعلة من المقابلة نزلت في اليهود ومشركي مكة طعنوا في تحويل القبلة من بيت المقدس إلى مكة، فقالوا لمشركي مكة: قد تردد على محمد أمره فاشتاق إلى مولده وقد توجه نحو بلدكم وهو راجع إلى دينكم فقال الله تعالى } : قل لله المشرق والمغرب ، { ملك له والخلق عبيده. { يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ ۗ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
143
 
{ وكذلك جعلناكم أمة وسطاً ، { نزلت في رؤساء اليهود، قالوا لمعاذ ابن جبل: ما رتك محمد قبلتتنا إلا حسداً، وإن قبلتنا قبلة الأنبياء، ولقد علم محمد أنا عدل بين الناس، فقال معاذ: إنا على حق وعدل فأنزل الله تعالى } : وكذلك } ، أي وهكذا، وقيل: الكاف للتشبيه أي كما اخترنا إبراهيم وذريته واصطفيناهم ، { وكذلك جعلناكم أمة وسطا ، { مردودة على قوله } : ولقد اصطفيناه في الدنيا } (130-البقرة) أي عدلا خياراً قال الله تعالى } : قال أوسطهم } (28-القلم) أي خيرهم وأعدلهم وخير الأشياء أوسطها، وقال الكلبي يعني أهل دين وسط بين الغلو والتقصير لأنهما مذمومان في الدين. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو معشر إبراهيم بن محمد بن الحسين الوراق أنا أبو عبد الله محمد بن زكريا بن يحيى أنا أبو الصلت أنا حماد بن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: '' قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بعد العصر فما ترك شيئاً إلى يوم القيامة إلا ذكره في مقامه ذلك حتى إذا كانت الشمس على رؤوس النخل وأطراف الحيطان، قال (( أما أنه لم يبق من الدنيا فيما مضى منها إلا بقي من يومكم هذا، ألا وإن هذه الأمة توفي سبعين أمة هي آخرها وأخيرها وأكرمها على الله تعالى }. قوله تعالى ، { لتكونوا شهداء على الناس ، { يوم القيامة أن الرسل قد بلغتهم، قال ابن جريج : قلت لعطاء ما معنى قوله تعالى لتكونوا شهداء على الناس؟ قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم شهداء على من يترك الحق من الناس أجمعين ، { ويكون الرسول ، { محمد صلى الله عليه وسلم ، { عليكم شهيداً ، { معدلاً مزكياً لكم، وذلك أن الله تعالى يجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد، ثم يقول لكفار الأمم الماضية } : ألم يأتكم نذير } (8-الملك) فينكرون ويقولون ما جاءنا من بشير وى نذير، فيسأل الله تعالى الأنباء عليهم السلام عن ذلك فيقولون: كذبوا قد بلغناهم فيسألهم البينة - وهو أعلم بهم - إقامة للحجة، فيؤتى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيشهدون لهم أنهم قد بلغوا، فتقول الأمم الماضية: من أين علموا وإنما أتوا بعدنا؟ فيسأل هذه الأمة فيقولون أرسلت إلينا رسولاً، وأنزلت عليه كتاباً، أخبرتنا فيه تبليغ الرسل وأنت صادق فيما أخبرت، ثم يؤتى بمحمد صلى الله عليه وسلم فيسأل عن حال أمته فيزكيهم ويشهد بصدقهم. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا إسحاق بن منصور أخبرنا أبو أسامة قال الأعمش أخبرنا أبو صالح عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : يجاء بنوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم يارب، فيسأل أمته هل بلغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير، فيقال: من شهودك فيقول محمد وأمته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجاء بكم فتشهدون ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً } ". قوله تعالى } : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها } ، أي تحويلها يعني بيت المقدس، فيكون من باب حذف المضافن ويحتمل أن يكون المفعول الثاني للجعل محذوفاً، على تقدير وما جعلنا القبلة التي كنت عليها منسوخة، وقيل معناه التي أنت عليها، وهي الكعبة كقوله تعالى ، { كنتم خير أمة } ، أي أنتم. { إلا لنعلم من يتبع الرسول ، { فإن قيل ما معنى قوله: (( إلا لنعلم )) وهو عالم بالأشياء كلها قبل يتعلق بما يوجد معناه ليعلم العلم الذي يستحق العامل عليه الثواب والعقاب، وقيل: إلا لنعلم أي: لنرى ونميز من يتبع الرسول في القبلة ، { ممن ينقلب على عقبيه ، { فيرتد وفي الحديث إن القبلة لما حولت ارتد قوم من المسلمين إلى اليهودية، وقالوا: رجع محمد إلى دين آبائه، وقال أهل المعاني: معناه إلا لعلمنا من يتبع الرسول ممن على عقبيه كأنه سبق في علمه أن تحويل القبلة سبب لهداية قوم وضلالة قوم، وقد يأتي لفظ الاستقبال بمعنى الماضي كما قال الله تعالى ، { فلم تقتلون أنبياء الله } (91-البقرة) أي فلم قتلتموهم ، { وإن كانت } ، أي قد كانت أي تولية الكعبة وقيل: الكناية راجعة إلى القبلة، وقيل: إلى الكعبة قال الزجاج : وإن كانت التحويلة ، { لكبيرة ، { ثقيلة شديدة ، { إلا على الذين هدى الله } ، أي هداهم الله، قال سيبويه : (( وإن )) تأكيد يشبه اليمين ولذلك دخلت اللام في جوابها ، { وما كان الله ليضيع إيمانكم ، { وذلك أن حيي بن أخطب وأصحابه من اليهود قالوا للمسلمين: أخبرونا عن صلاتكم نحو بيت المقدس، إن كانت هدى فقد تحولتم عنها وإن كانت ضلالة فقد دنتم الله بها، ومن مات منكم عليها فقد مات على الضلالة، فقال المسلمون إنما الهدى ما أمر الله به، والضلالة مانهى الله عنه. قالوا: فما شهادتكم على من مات منكم على قبلتنا؟ وكان قد مات قبل أن تحول القبلة من المسلمين أسعد بن زرارة من بني النجار، والبراء بن معرور من بني سلمة، وكانوا من النقباء ورجال آخرون فانطلق عشائرهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله قد صرفك الله إلى قبلة إبراهيم فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى ، { وما كان الله ليضيع إيمانكم } ، يعني صلاتكم إلى بيت المقدس ، { إن الله بالناس لرؤوف رحيم ، { قرأ أهل الحجاز و ابن عامر و حفص لرؤوف مشبع على وزن فعول، لأن أكثر اسماء الله تعالى على فعول وفعيل، والشكور والرحيم والكريم وغيرها، و أبو جعفر يلين الهمزة وقرأ الآخرون بالاختلاس على وزن فعل قال جرير : ترى للمسلمين عليك حقاً كفعل الواحد الرؤف الرحيم والرأفة أشد الرحمة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ۗ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
144
 
{ قوله تعالى: '' قد نرى تقلب وجهك في السماء ، { هذه الآية وإن كانت متأخرة في التلاوة فهي متقدمة في المعنى فإنها رأس القصة، وأمر القبلة أول ما نسخ من أمور الشرع، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا بمكة إلى الكعبة، فلما هاجر إلى المدينة أمره الله أن يصلي نحو صخرة بيت المقدس ليكون أقرب إلى تصديق اليهود إياه إذا صلى إلى قبلتهم مع ما يجدون من نعته في التوراة فصلى بعد الهجرة ستة عشر أو سبعة عشر شهراً إلى بيت المقدس وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة لأنها فصلى بعد الهجرة ستة عشر أو سبعة عشر شهراً إلى بيت المقدس وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة لأنها كانت قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام، وقال مجاهد : كان يحب ذلك لأجل اليهود لأنهم كانوا يقولون يخالفنا محمد صلى الله عليه وسلم في ديننا ويتبع قبلتنا، فقال لجبريل عليه السلام: وددت لو حولني الله إلى الكعبة فإنها قبلة أبي إبراهيم عليه السلام، فقال جبريل: إنما انا عبد مثلك وأنت كريم على ربك، فسل أنت ربك فإنك عند الله عز وجل بمكان [فرجع] جبريل عليه السلام وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يديم النظر إلى السماء رجاء أن ينزل جبريل بما يحب من أمر القبلة فأنزل الله تعالى ، { قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ، { فلنحولنك إلى قبلة ، { ترضاها } ، أي تحبها وتهواها ، { فول } ، أي حول ، { وجهك شطر المسجد الحرام } ، أي نحوه وأراد به الكعبة والحرام المحرم ، { وحيث ما كنتم ، { من بر أو بحر أو شرق أو غرب ، { فولوا وجوهكم شطره ، { عند الصلاة. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف اخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا إسحاق بن نصر أخبرنا ابن جريج عن عطاء قال سمعت ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل حتى خرج منه، فلما خرج ركع ركعتين في قبل الكعبة ( وقال هذه القبلة ). أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد ابن إسماعيل أخبرنا عمرو بن خالد أخبرنا زهير أخبرنا أبو إسحاق عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده أو قال أخواله من الأنصار وأنه صلى قبل بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلى أول صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد قباء وهم راكعون فقال: أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت، وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل المقدس لأنه قبلة أهل الكتاب، فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك، وقال: البراء في حديثه هذا: أنه مات على القبلة قبل أن تحول رجال وقتلوا فلم ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله تعالى (وما كان الله ليضيع إيمانكم). وكان تحويل القبلة في رجب بعد زوال الشمس قبل قتال بدر بشهرين، قال مجاهد وغيره: نزلت هذه الآية و رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد بني سلمة وقد صلى بأصحابه ركعتين من صلاة الظهر، فتحول في الصلاة واستقبل الميزاب وحول الرجال مكان النساء، والنساء مكان الرجال، فسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين، وقيل: كان التحويل خارج الصلاة بين الصلاتين، وأهل قباء وصل إليهم الخبر في صلاة الصبح. أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد الفقيه السرخسي أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي السامري أخبرنا أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري عن مالك بن أنس عن عبد الله بن دينار أن عبد الله بن عمر قال: بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت وقال لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة. فلما تحولت القبلة قالت اليهود: يا محمد إلا شيء تبتدعه من تلقاء نفسك فتارة تصلي إلى بيت المقدس وتارة إلى الكعبة ولو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن تكون صاحبنا الذي ننتظره؟ فأنزل الله ، { وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه } ، يعني أمر الكعبة { الحق من ربهم ، { ثم هددهم فقال ، { وما الله بغافل عما تعملون ، { قرأ أبو جعفر و ابن عامر و الكسائي بالتاء قال ابن عباس يريد أنكم يا معشر المؤمنين تطلبون مرضاتي وما أنا بغافل عن ثوابكم وجزائكم وقرأ الباقون بالياء يعني ما أنا بغافل عما يفعل اليهود فأجازيهم في الدنيا والآخرة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ۚ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ ۚ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ۚ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ
    +/- -/+  
الأية
145
 
قوله تعالى : { ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب } ، يعني اليهود والنصارى قالوا: ائتنا بآية على ما تقول، فقال الله تعالى } : ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب } { بكل آية ، { معجزة ، { ما تبعوا قبلتك } ، يعني الكعبة ، { وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ، { لأن اليهود تستقبل بيت المقدس وهو المغرب والنصارى تستقبل المشرق وقبلة المسلمين الكعبة. أخبرنا أبو عثمان بن إسماعيل الضبي أخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي أخبرنا أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي أخبرنا الحسن بن بكر المروزي أخبرنا المعلى بن منصور أخبرنا عبد الله بن جعفر المخزومي عن عثمان الأخنسي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال } : القبلة ما بين المشرق والمغرب } . وأراد به في حق أهل المشرق، وأراد بالمشرق: مشرق الشتاء في أقصر يوم في السنة، وبالمغرب: مغرب الصيف في أطول يوم من السنة، فمن جعل مغرب الصيف في هذا الوقت على يمينه ومشرق الشتاء على يساره كان وجهه إلى القبلة ، { ولئن اتبعت أهواءهم }: مرادهم الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم، والمراد به الأمة ، { من بعد ما جاءك من العلم ، { من الحق في القبلة ، { إنك إذاً لمن الظالمين }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
146
 
قوله تعالى : { الذين آتيناهم الكتاب } ، يعني مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه ، { يعرفونه } ، يعني يعرفون محمداً صلى الله عليه وسلم ، { كما يعرفون أبناءهم ، { من بين الصبيان، قال عمر بن الخطاب لعبد الله بن سلام إن الله قد أنزل على نبيه ، { الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، { فكيف هذه المعرفة؟ قال عبد الله: يا عمر لقد عرفته حين رأيته كما عرفت ابني ومعرفتي بمحمد صلى الله عليه وسلم أشد من معرفتي بابني، فقال عمر: كيف ذلك؟ فقال أشهد إنه رسول الله حق من الله تعالى وقد نعته الله في كتابنا ولا أدري ما تصنع النساء، فقال عمر وفقك الله يا ابن سلام فقد صدقت ، { وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق } ، يعني صفة محمد صلى الله عليه وسلم وأمر الكعبة ، { وهم يعلمون ، { ثم قال

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ
    +/- -/+  
الأية
147
 
{ الحق من ربك } ، أي هذا الحق خبر مبتدأ مضمر وقيل رفع بإضمار فعل أي جلءك الحق من ربك ، { فلا تكونن من الممترين ، { الشاكين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعًا ۚ إِنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
    +/- -/+  
الأية
148
 
قوله تعالى : { ولكل وجهة } ، أي لأهل كل ملة قبلة والجهة اسم للمتوجه إليه ، { هو موليها } ، أي مستقبلها ومقبل إليها يقال: وليته ووليت إليه: إذا أقبلت إليه، ووليت عنه إذا أدبرت عنه. قال مجاهد : هو موليها وجهه، وقال الأخفش ، هو كناية عن الله عز وجل يعني الله مولي الأمم إلى قبلتهم وقرأ ابن عامر : مولاها، أي: المستقبل مصروف إليها ، { فاستبقوا الخيرات } ، أي إلى الخيرات، يريد: بادروا بالطاعات، والمراد المبادرة إلى القبول } ، أينما تكونوا ، { أنتم وأهل الكتاب ، { يأت بكم الله جميعاً ، { يوم القيامة فيجزيكم بأعمالكم ، { إن الله على كل شيء قدير }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۖ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ۗ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
149
 
{ قوله تعالى ، { ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون ، { قرأ أبو عامر بالياء والباقون بالتاء.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
    +/- -/+  
الأية
150
 
{ ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ، { وإنما كرر لتأكيد النسخ ، { لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا ، { اختلفوا في تأويل هذه الآية ووجه قوله ، { إلا ، { فقال بعضهم: معناه حولت القبلة إلى الكعبة ، { لئلا يكون للناس عليكم حجة ، { إذا توجهتم إلى غيرها فيقولون ليست لكم قبلة ، { إلا الذين ظلموا ، { وهم قريش واليهود فأما قريش فتقول رجع محمد إلى الكعبة، لأنه علم أنها الحق وأنها قبلة آبائه، فكذلك يرجع إلى ديننا، وأما اليهود فتقول لم ينصرف عن بيت المقدس مع علمه بأنه حق إلا أنه يعمل برأيه وقال قوم ، { لئلا يكون للناس عليكم حجة } ، يعني اليهود وكانت حجتهم على طريق المخاصمة على المؤمنين في صلاتهم إلى بيت المقدس أنهم كانوا يقولون ما درى محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم نحن. وقوله ، { إلا الذين ظلموا ، { وهم مشركو مكة، وحجتهم: أنهم قالوا - لما صرفت قبلتهم إلى الكعبة إن محمداً قد تحير في دينه وسيعود إلى ملتنا كما عاد إلى قبلتنا، وهذا معنى قول مجاهد و عطاء و قتادة ، وعلى هذين التأويلين يكون الاستثناء صحيحاً، وقوله ، { إلا الذين ظلموا } ، يعني لا حجة لأحد عليكم إلا لمشركي قريش فإنهم يحاجونكم فيجتدلونكم ويخاصمونكم بالباطل والظلم والاحتجاج بالباطب يسمى حج كما قال الله تعالى ، { حجتهم داحضة عند ربهم } (16-الشورى) وموضع ، { الذين ، { خفض كأنه قال سوى الذين ظلموا قاله الكسائي وقال الفراء نصب بالاستثناء. قوله تعالى } : منهم } ، يعني من الناس وقيل هذا استثناء منقطع عن الكلام الأول، معناه ولكن الذين ظلموا يجادلونكم بالباطل، كما قال الله تعالى ، { ما لهم به من علم إلا اتباع الظن } (157-النساء) يعني لكن يتبعون الظن فهو كقول الرجل مالك عندي حق إلا أن تظلم. قال أبو ورق ، { لئلا يكون للناس } ، يعني اليهود ، { عليكم حجة ، { وذلك أنهم عرفوا أن الكعبة قبلة إبراهيم ووجدوا في التوراة أن محمداً سيحول إليها فحوله الله تعالى إليها لئلا يكون لهم حجة فيقولون: إن النبي الذي نجده في كتابنا سيحول إليها ولم تحول أنت، فلما حول إليها ذهبت حجتهم ، { إلا الذين ظلموا } ، يعني إلا أن يظلموا فيكتموا ما عرفوا من الحق. وقال أبو عبيدة قوله ، { إلا الذين ظلموا ، { ليس باستثناء ولكن (( إلا )) في موضع واو العطف يعني: والذين ظلموا أيضاً لا يكون لهم حجة كما قال الشاعر: وكل أخ مفارقه أخوه لعمر أبيك إلا الفرقدان معناه والفرقدان أيضاً يتفرقان، فمعنى الآية فتوجهوا إلى الكعبة ، { لئلا يكون للناس } ، يعني اليهود ، { عليكم حجة ، { فيقولوا لم تركتم الكعبة وهي قبلة إبراهيم وأنتم على دينه ولا الذين ظلموا وهم مشركو مكة فيقولون لم ترك محمد قبلة جده وتحول عنها إلى قبلة اليهود ، { فلا تخشوهم ، { في انصرافكم إلى الكعبة وفي تظاهرهم عليكم بالمجادلة فإني وليكم أظهركم عليهم بالحجة والنصرة ، { واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ، { عطف على قوله ، { لئلا يكون للناس عليكم حجة ، { ولكي أتم نعمتي عليكم بهدايتي إياكم إلى قبلة إبراهيم فتتم لكم الملة الحنيفية، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه تمام النعمة الموت على الإسلام. قال: سعيد بن جبير لا يتم نعمة على المسلم إلا أن يدخله الله الجنة ، { ولعلكم تهتدون ، { لكي تهتدوا من الضلالة ولعل وعسى من الله واجب.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
151
 
قوله تعالى : { كما أرسلنا فيكم ، { هذه الكاف للتشبيه وتحتاج إلى شيء يرجع إليه فقال بعضهم: ترجع إلى ما قبلها معناه ولأتم نعمتي عليكم كما أرسلنا رسولاً قال محمد بن جرير : دعا إبراهيم عليه السلام بدعوتين - إحداهما - قال ، { ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك } (128-البقرة) فبعث الله الرسول وهو محمد صلى الله عليه وسلم، ووعد إجابة الدعوة الثانية بأن يجعل من ذريته أمة مسلمة، كما أجبت دعوته بأن أهديكم لدينه وأجعلكم مسلمين وأتم نعمتي عليكم ببيان شرائع الملة الحنيفية وقال مجاهد و عطاء و الكلبي : هي متعلقة بما بعدها وهو قوله ، { فاذكروني أذكركم } ، معناه كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم فاذكروني وهذه الآية خطاب لأهل مكة والعرب يعني كما أرسلنا فيكم يا معشر العرب. { رسولاً منكم } ، يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ، { يتلو عليكم آياتنا } ، يعني القرآن ، { ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ، { قيل: الحكمة السنة، وقيل: مواعظ القرآن ، { ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ، { من الأحكام وشرائع الإسلام.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ
    +/- -/+  
الأية
152
 
{ فاذكروني أذكركم ، { قال ابن عباس: اذكروني بطاعتي، أذكركم بمغفرتي، وقال سعيد بن جبير اذكروني في النعمة والرخاء، أذكركم في الشدة والبلاء، بيانه ، { فلولا أنه كان من المسبحين * للبث في بطنه إلى يوم يبعثون } (144-الصافات). أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا عمر بن حفص أخبرنا الأعمش قال سمعت أبا صالح عن أبي هريرة قال قال: النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى } : أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة }. أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي وثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة الكشميهني قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سراج الطحان أخبرنا أبو أحمد محمد بن قريش بن سليمان أخبرنا أبو عبد الملك الدمشقي أخبرنا سليمان بن عبد الرحمن أخبرنا منذر بن زياد عن صخر بن جويرية عن الحسن عن أنس قال: إني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم عدد أناملي هذه العشر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال } : إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم إن ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي، وإن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ خير منهم، وإن دنوت مني شبراً دنوت منك ذراعاً، وإن دنوت مني ذراعاً دنوت منك باعاً، وإن مشيت إلي هرولت إليك، وإن هرولت إلي سعيت إليك، وإن سألتني أعطيتك، وإن لم تسألني غضبت عليك }. أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أبو منصور السمعاني أخبرنا أبو جعفر الرياني أخبرنا حميد بن زنجويه أخبرنا يحيى بن عبد الله أخبرنا الأوزاعي أخبرنا إسماعيل بن عبيد الله عن أبي الدرداء عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل } : أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه }. أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم البغوي أخبرنا علي بن الجعد أخبرنا إسماعيل بن عياش أخبرنا عمرو بن قيس السكوني عن عبد الله بن بسر قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول أي الأعمال أفضل؟ قال } : أن تفارق الدنيا ولسانك رطب من ذكر الله تعالى }. قوله تعالى } : واشكروا لي ولا تكفرون } ، يعني واشكروا لي بالطاعة ولا تكفروني بالمعصية فإن من أطاع الله فقد شكره ومن عصاه فقد كفره.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ
    +/- -/+  
الأية
153
 
قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين ، { بالعون والنصرة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِنْ لَا تَشْعُرُونَ
    +/- -/+  
الأية
154
 
{ ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات ، { نزلت في قتلى بدر من المسلمين وكانوا أربعة عشر رجلاً ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار كان الناس يقولون لمن يقتل في سبيل الله مات فلان وذهب عنه نعيم الدنيا ولذتها فأنزل الله تعالى } : ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات } { بل أحياء ولكن لا تشعرون ، { كما قال في شهداء أحد ، { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون } (169-آل عمران) قال الحسن إن الشهداء أحياء عند الله تعالى تعرض أرزاقهم على أرواحهم فيصل إليهم الروح والفرح كما تعرض النار على أرواح آل فرعون غدوة وعشية فيصل إليهم الوجع.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ
    +/- -/+  
الأية
155
 
قوله تعالى : { ولنبلونكم } ، أي ولنختبرنكم يا أمة محمد، واللام لجواب القسم تقديره والله لبيلونكم والابتلاء من الله لإظهار المطيع من العاصي لا ليعلم شيئاً لم يكن عالماً به ، { بشيء من الخوف ، { قال ابن عباس يعني خوف العدو ، { والجوع } ، يعني القحط ، { ونقص من الأموال ، { بالخسران والهلاك ، { والأنفس } ، يعني بالقتل والموت وقيل بالمرض والشيب ، { والثمرات } ، يعني الجوائح في الثمار وحكي عن الشافعي أنه قال الخوف خوف الله تعالى، والجوع صيام رمضان، ونقص من الأموال أداء الزكاة والصدقات، والأنفس الأمراض، والثمرات موت الأولاد لأن ولد الرجل ثمرة قلبه. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني أخبرنا حميد بن زنجويه أخبرنا الحسن بن موسى أخبرنا حماد بن سلمة عن أبي سنان قال دفنت ابني سناناً وأبو طلحة الخولاني على شفير القبر فلما أردت الخروج أخذ بيدي فأخرجني فقال: ألا أبشرك؟: حدثني الضحاك بن عزرب عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته أقبضتم ولد عبدي؟ قالوا نعم، قال أقبضتم ثمرة فؤاده؟ قالوا نعم، فماذا قال عبدي؟ قالوا استرجع وحمدك قال: ابنوا له بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد }. { وبشر الصابرين ، { على البلايا والرزايا، ثم وصفهم فقال:

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
    +/- -/+  
الأية
156
 
{ الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله ، { عبيداً وملكاً ، { وإنا إليه راجعون ، { في الآخرة. أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أخبرنا أبو جعفر الرياني أخبرنا حميد بن زنجويه اخبرنا محاضر بن المورع أخبرنا سعد بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح أخبرنا مولى أم سلمة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول } : ما من مصيبة تصيب عبداً فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها } ، قالت أم سلمة لما توفي أبو سلمة عزم الله لي فقلت: اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها. فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال سعيد بن جبير : ما أعطي أحد في المصيبة ما أعطي هذه الأمة يعني الاسترجاع ولو أعطيها أحد لأعطيها يعقوب عليه السلام ألا تسمع لقوله تعالى في قصة يوسف عليه السلام ، { يا أسفى على يوسف } (84-يوسف) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ
    +/- -/+  
الأية
157
 
{ أولئك ، { أهل هذه الصفة ، { عليهم صلوات من ربهم ورحمة ، { صلوات أي رحمة فإن الصلاة من الله الرحمة ورحمة ذكرها الله تأكيداً وجميع الصوات، أي: رحمة بعد رحمة ، { وأولئك هم المهتدون ، { إلى الاسترجاع وقيل إلى الحق والصواب وقيل إلى الجنة والثواب، قال عمر رضي الله عنه: نعم العدلان ونعمت العلاوة، فالعدلان الصلاة والرحمة، والعلاوة الهداية. وقد وردت أخبار في ثواب أهل البلاء وأجر الصابرين منها ما أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد السرخسي أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه قال: سمعت أبا الحباب سعيد بن يسار يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { من يرد الله به خيراً يصب منه }. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا عبد الله بن محمد أخبرنا عبد الملك بن عمرو أخبرنا زهير بن محمد عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال } : ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه }. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أبو منصور السمعاني أخبرنا أبو جعفر الرياني أخبرنا حميد بن زنجويه أنا محمد بن عبيد أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: جاءت امرأة بها لمم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: ادع الله لي أن يشفيني قال ، { إن شئت دعوت الله أن يشفيك وإن شئت فاصبري ولا حساب عليك ، { قالت: بل أصبر ولا حساب علي. أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أخبرنا أبو سعيد خلف بن عبد الرحمن بن أبي نزار أخبرنا أبو منصور العباس بن الفضل النضروي أخبرنا أحمد بن نجدة أخبرنا يحيى بن عبد الحميد الحماني أخبرنا حماد بن زيد عن عاصم هو ابن أبي النجود عن مصعب بن سعد عن سعد قال } : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشد الناس بلاءً قال: الأنبياء والأمثل فالأمثل يبتلي الله الرجل على حسب دينه فإن الأرض وماله من ذنب }. أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أبو منصور السمعاني أخبرنا أبو جعفر الرياني أخبرنا حميد بن زنجويه أخبرنا عبد الله بن صالح قال: حدثني الليث حدثني يزيد بن أبي حبيب عن سعيد بن سنان عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال } : إن عظم الجزاء عند الله مع عظم البلاء فإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط }. أخبرنا أبو حامد أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري أخبرنا حاجب ابن أحمد الطوسي أخبرنا محمد بن يحيى أخبرنا يزيد بن هارون أحبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة }. أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد عبد الله بن بشران أخبرنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار أخبرنا أحمد بن منصور الرمادي أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تفيئه ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء، ومثل المنافق كمثل شجرة الأرزة لا تهتز حتى تستحصد }. أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار أخبرنا أحمد بن منصور الرمادي أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أبي إسحق عن العيزار بن حريث عن عمر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { عجب للمؤمن إن أصابه خير حمد الله وشكر، وإن أصابته مصيبة حمد الله وصبر. فالمؤمن يؤجر في كل أمره حتى يؤجر في اللقمة يرفعها إلى في امرأته }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
158
 
قوله تعالى : { إن الصفا والمروة من شعائر الله ، { الصفا جمع صفاة وهي الصخور الصلبة الملساء، يقال: صفاة وصفا، مثل: حصاة وحصى ونواة ونوى، والمروة: الحجر الرخو، وجمعها مروات، وجمع الكثير مرو، مثل تمرة وتمرات وتمر. وإنما عنى الله بهما الجبلين المعروفين بمكة في طرفي ا لمسعى، ولذلك أدخل فيهما الألف واللام، وشعائر الله أعلام دينه، أصلها من الإشعار وهو الإعلام واحدتها شعيرة وكل ما كان معلماً لقربان يتقرب به إلى الله تعالى من صلاة ودعاء وذبيحة فهو شعيرة فالمطاف والموقف والنحر كلها شعائر الله ومثلها المشاعر، والمراد بالشعائر ها هنا: المناسك التي جعلها الله أعلاماً لطاعته، فالصفا والمروة منها حتى يطاف بهما جميعاً ، { فمن حج البيت أو اعتمر ، { فالحج في اللغة: القصد، والعمرة: الزيارة، وفي الحج والعمرة المشروعين قصد وزيارة ، { فلا جناح عليه } ، أي لا إثم عليه، وأصله من جنح أي مال عن القصد ، { أن يطوف بهما } ، أي يدور بهما، وأصله يتطوف أدغمت التاء في الطاء. وسبب نزول هذه الآية أنه كان على الصفا والمروة صنمان أساف ونائلة، وكان أساف على الصفا ونائلة على المروة، وكان أهل الجاهلية يطوفون بين الصفا والمروة تعظيماً للصنمين ويتمسحون بهما، فلما جاء الإسلام وكسرت الأصنام كان المسلمون يتحرجون عن السعي بين الصفا والمروة لأجل الصنمين فأذن الله فيه وأخبر أنه من شعائر الله. واختلف أهل العلم في حكم هذه الآية ووجوب السعي بين الصفا والمروة في الحج والعمرة فذهب جماعة إلى وجوبه وهو قول ابن عامر وجابر وعائشة وبه قال الحسن وإليه ذهب مالك و الشافعي وذهب قوم إلى أنه تطوع وهو قول ابن عباس وبه قال ابن سيرين و مجاهد وإليه ذهب سفيان الثوري وأصحاب الرأي. وقال الثوري وأصحاب الرأي على من تركه دم. واحتج من أوجبه بما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي الخطيب أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم أخبرنا الربيع عن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الله بن مؤمل العائذي عن عمرو بن عبد الرحمن بن محيصن عن عطاء بن أبي رباح عن صفية بنت شيبة قالت: أخبرتني بنت أبي تجراة - اسمها حبيبة إحدى نساء بني عبد الدار - قالت: دخلت مع نسوة من قريش دار آل أبي حسين ننظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسعى بين الصفا والمروة فرأيته يسعى وإن مئزره ليدور من شدة السعي حتى لأقول إني لأرى ركبتيه، وسمعته يقول ، { اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي }. أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن هشان بن عروة عن أبيه أنه قال: قلت لعائشة زو ج النبي صلى الله عليه وسلم أرأيت قول الله تعالى ، { إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ، { فما أرى على أحد شيئاً ألا يطوف بهما، قالت عائشة: كلا لو كانت كما تقول كانت (( فلا جناح عليه أن يطوف بهما )) إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار كانوا يهلون لمناة وكانت مناة حذو قديد فأنزل الله تعالى ، { إن الصفا والمروة من شعائر الله ، { الآية. قال عاصم : قلت لأنس بن مالك أكنتم تكرهون السعي بين الصفا والمروة؟ قال: نعم، لأنها كانت من شعائر الجاهلية حتىأنزل الله تعالى ، { إن الصفا والمروة من شعائر الله ، { أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من المسجد وهو يريد الصفا يقول ، { نبدأ بما بدأ الله تعالى به ، { فبدأ بالصفا. وقال كان إذا وقف على الصفا يكبر ثلاثاً ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وله الملك وله الحمد وهوعلى كل شيء قدير. يصنع ذلك ثلاث مرات ويدعو ويصنع على المروة مثل ذلك. كان إذا نزل من الصفا مشى حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي يسعى حتى يخرج منه. قال مجاهد : - رحمه الله - حج موسى عليه السلام على جمل أحمر وعليه عباءتان قطوانيتان، فطاف البيت ثم صعد الصفا ودعا ثم هبط إلى السعي وهو يلبي فيقول لبيك اللهم لبيك. فقال الله تعالى لبيك عبدي وأنا معك فخر موسى عليه السلام ساجداً. قوله تعالى } : ومن تطوع خيراً ، { قرأ حمزة و الكسائي بالياء وتشديد الطاء وجزم العين وكذلك الثانية ، { فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا } (184-البقرة) بمعنى يتطوع ووافق يعقوب في الأولى وقرأ الباقون بالتاء وفتح العين على الماضي وقال مجاهد : معناه فمن تطوع بالطواف بالصفا والمروة. وقال مقاتل و الكلبي : فمن تطوع: أي زاد في الطواف بعد الواجب. وقيل من تطوع بالحج والعمرة بعد أداء الحجة الواجبة عليه وقال الحسن وغيره: أراد سائر الأعمال يعني فعل غير المفترض عليه من زكاة وصلاة وطواف وغيرها من أنواع الطاعات ، { فإن الله شاكر ، { مجاز لعبده بعمله ، { عليم ، { بنيته. والشكر من الله تعالى أن يعطي لعبده فوق ما يستحق. يشكر اليسير ويعطي الكثير.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ
    +/- -/+  
الأية
159
 
قوله تعالى : { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب ، { نزلت في علماء اليهود كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم وغيرهما من الأحكام التي كانت في التوراة ، { أولئك يلعنهم الله ، { وأصل اللعن الطرد والبعد ، { ويلعنهم اللاعنون } ، أي يسألون الله أن يلعنهم ويقولون: اللهم العنهم. واختلفوا في هؤلاء اللاعنين، قال ابن عباس: جميع الخلائق إلا الجن والإنسز وقال قتادة : هم الملائكة وقال عطاء : الجن والإنس وقال الحسن : جميع عباد الله. قال ابن مسعود: ما تلاعن اثنان من المسلمين إلا رجعت تلك اللعنة على اليهود والنصارى الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم وصفته وقال مجاهد : اللاعنون البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السنة وأمسك المطر وقالت هذا من شؤم ذنوب بني آدم ثم استثنى

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
    +/- -/+  
الأية
160
 
{ فقال } : إلا الذين تابوا ، { من الكفر ، { وأصلحوا ، { أسلموا وأصلحوا الأعمال فيما بينهم وبين ربهم ، { وبينوا ، { ما كتموا ، { فأولئك أتوب عليهم ، { أتجاووز عنهم وأقبل توبتهم ، { وأنا التواب ، { الرجاع بقلوب عبادي المنصرفة عني إلي ، { الرحيم ، { بهم بعد إقبالهم علي.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
    +/- -/+  
الأية
161
 
{ إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة } ، أي لعنة الملائكة ، { والناس أجمعين ، { قال أبو العالية : هذا يوم القيامة يوقف الكافر فيلعنه الله ثم تلعنه الملائكة ثم يلعنه الناس فإن قيل فقد قال ، { والناس أجمعين ، { والملعون هو من جملة الناس فكيف يلعن نفسه؟ قيل يلعن نفسه في القيامة قال الله تعالى } : ويلعن بعضكم بعضاً } (25-العنكبوت) وقيل إنهم يلعنون الظالمين والكافرين ومن يلعن الظالمين والكافرين وهو منهم فقد لعن نفسه

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
خَالِدِينَ فِيهَا ۖ لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ
    +/- -/+  
الأية
162
 
{ خالدين فيها ، { مقيمين في اللعنة وقيل في النار ، { لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون ، { لا يمهلون ولا يؤجلون وقال أبو العالية : لا ينظرون فبعتذروا كقوله تعالى ، { ولا يؤذن لهم فيعتذرون } (36-المرسلات).

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ
    +/- -/+  
الأية
163
 
قوله تعالى : { وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ، { سبب نزول هذه الآية أن كفار قريش قالوا يا محمد صف لنا ربك وانسبه فأنزل الله تعالى هذه الآية وسورة الإخلاص والواحد الذي لا نظير له ولا شريك له. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أبو منصور السمعاني أخبرنا أبو جعفر الرياني أخبرنا حميد بن زنجويه أخبرنا بكر بن إبراهيم و أبو عاصم عن عبيد الله بن أبي زياد عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول } : إن في هاتين الآيتين اسم الله الأعظم ، { إلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ، { و ، { الله لا إله إلا هو الحي القيوم }". قال أبو الضحى : لما نزلت هذه الآية قال المشركون: إن محمداً يقول إن إلهكم إله واحد فليأتنا بآية إن كان من الصادقين

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
    +/- -/+  
الأية
164
 
{ فأنزل الله عز وجل ، { إن في خلق السموات والأرض ، { ذكر السماوات بلفظ الجمع والأرض بلفظ الواحد لأن كل سماء ليست من جنس واحد بل من جنس آخر، والأرضون كلها من جنس واحد وهو التراب، فالآية في السماوات سمكها وارتفاعها من غير عمد ولا علاقة وما ترى فيها من الشمس والقمر والنجوم، والآية في الأرض مدها وبسطها وسعتها وماترى فيها من الأشجار والأنهار والجبال والبحار والجواهر والنبات. قوله تعالى } : واختلاف الليل والنهار } ، أي تعاقبهما في الذهاب والمجيء يخلف أحدهما صاحبه إذا ذهب أحدهما جاء الآخر خلفه أي بعده نظيره قوله تعالى } : وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة } (62-الفرقان) قال عطاء : أراد اختلافهما في النور والظلمة والزيادة والنقصان. والليل جمع ليلة، والليالي جمع الجمع. والنهار جمعه نهر وقدم الليل على النهار في الذكر لأنه أقدم منه قال الله تعالى ، { وآية لهم الليل نسلخ منه النهار } (37-يس). { والفلك التي تجري في البحر } ، يعني السفن واحده وجمعه سواء فإذا أريد به الجمع يؤنث وفي الواحد يذكر قال الله تعالى: في الواحد والتذكير ، { إذ أبق إلى الفلك المشحون } (140-الصافات) وقال في الجمع والتأنيث ، { حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة } (22-يونس). { والفلك التي تجري في البحر ، { الآية في الفلك تسخيرها وجريانها على وجه الماء وهي موقرة لا ترسب تحت الماء ، { بما ينفع الناس } ، يعني ركوبها والحمل عليها في التجارات والمكاسب وأنواع المطالب ، { وما أنزل الله من السماء من ماء } ، يعني المطر قيل: أراد بالسماء السحاب، يخلق الله في السحاب ثم من السحاب ينزل وقيل أراد به السماء المعروفة يخلق الله تعالى الماء في السماء ثم ينزل من السماء إلى السحاب ثم من السحاب ينزل إلى الأرض ، { فأحيا به } ، أي الماء ، { الأرض بعد موتها } ، أي بعد يبوستها وجدوبتها ، { وبث فيها } ، أي فرق فيها ، { من كل دابة وتصريف الرياح }. قرأ حمزة و الكسائي الريح بغير ألف وقرأ الباقون بالألف وكل ريح في القرآن ليس فيها ألف ولا لام اختلفوا في جمعها وتوحيدها إلا في الذاريات ، { الريح العقيم } (41-الذاريات) اتفقوا على توحيدها وفي الحرف الأول من سورة الروم ، { الرياح مبشرات } (456-الروم) اتفقوا على جمعها، وقرأ أبو جعفر سائرها على الجمع، والقراء مختلفون فيها، والريح يذكر ويؤنث، وتصريفها أنها تتصرف إلى الجنوب والشمال والقبول والدبور والنكباء. وقيل: تصريفها أنها تارة تكون ليناً وتارة تكون عاصفاً وتارة تكون حارة وتارة تكون باردة قال ابن عباس: أعظم جنود الله الريح والماء وسميت الريح ريحاً لأنها تريح النفوس قال شريح القاضي : ما هبت ريح إلا لشفاء سقيم صحيح والبشارة في ثلاث من الرياح في الصبا والشمال والجنوب أما الدبور فهي الريح العقيم لا بشارة فيها وقيل الرياح ثمانية: أربعة للرحمة وأربعة للعذاب. فأما التي للرحمة المبشرات والناشرات والذاريات والمرسلات وأما التي للعذاب فالعقيم والصرصر في البر والعاصف والقاصف في البحر ، { والسحاب المسخر } ، أي الغيم المذلل سمي سحاباً لأنه ينسحب أي يسير في سرعة كأنه يسحب أي يجر ، { بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ، { فيعلمون أن لهذه الأشياء خالقاً وصانعاً قال وهب بن منبه : ثلاثة لا يدرى من أين تجيء الرعد والبرق والسحاب.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ۗ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ
    +/- -/+  
الأية
165
 
قوله تعالى : { ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً } ، أي أصناماً يعبدونها ، { يحبونهم كحب الله } ، أي يحبون آلهتهم كحب المؤمنين الله، وقال الزجاج : يحبون الأصنام كما يحبون الله لأنهم أشركوها مع الله فسووا بين الله وبين أوثانهم في المحبة ، { والذين آمنوا أشد حباً لله } ، أي أثبت وأدوم على حبه لأنهم لا يختارون على الله ما سواه والمشركون إذا اتخذوا صنماً ثم رأوا أحسن منه طرحوا الأول واختاروا الثاني قال قتادة : إن الكافر يعرض عن معبوده في وقت البلاء ويقبل على الله تعالى كما أخبر الله عز وجل عنهم فقال } : فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين } (65-العنكبوت) والمؤمن لا يعرض عن الله في السراء والضراء والشدة والرخاء. قال سعيد بن جبير : إن الله عز وجل يأمر يوم القيامة من أحرق نفسه في الدنيا على رؤية الأصنام أن يدخلوا جهننم مع أصنامهم فلا يدخلون لعلمهم أن عذاب جهنم على الدوام، ثم يقول للمؤمنين وهم بين أيدي الكفار: (( إن كنتم أحبائي فادخلوا جهنم )) فيقتحمون فيها فينادي مناد من تحت العرش ، { والذين آمنوا أشد حباً لله ، { وقيل إنما قال ، { والذين آمنوا أشد حباً لله ، { لأن الله تعالى أحبهم أولاً ثم أحبوه ومن شهد له المعبود بالمحبة كانت محبته أتم قال الله تعالى } : يحبهم ويحبونه } (54-المائدة). قوله تعالى } : ولو يرى الذين ظلموا ، { قرأ نافع و ابن عامر و يعقوب ولو ترى بالتاء وقرأ الآخرون بالياء وجواب لو هاهنا محذوف ومثله كثير في القرآن كقوله تعالى ، { ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به } (الرعد-31 يعني لكان هذا القرآن فمن قرأ بالتاء معناه ولو ترى يا محمد الذين ظلموا أنفسهم من شدة العذاب لرأيت أمرأً عظيماً، وقيل: معناه قل يا محمد: أيها الظالم لو ترى الذين ظلموا أو أشركوا في شدة العقاب لرأيت أمراً فظيعاً، ومن قرأ بالياء معناه ولو يرى الذين ظلموا أنفسهم عند رؤية العذاب أو لو رأوا شدة عذاب الله وعقوبته حين يرون العذاب لعرفوا مضرة الكفر وأن ما اتخذوا من الأصنام لا ينفعهم. قوله تعالى } : إذ يرون ، { قرأ ابن عامر بضم الياء والباقون بفتحها ، { العذاب أن القوة لله جميعاً وأن الله شديد العذاب } ، أي بأن القوة لله جميعاً معناه لرأوا معناه لرأوا وأيقنوا أن القوة لله جميعاً. وقرا أبو جعفر و يعقوب إن القوة وإن الله بكسر الألف على الاستئناف والكلام تام عند قوله ، { إذ يرون العذاب ، { مع إضمار الجواب.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ
    +/- -/+  
الأية
166
 
{ إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب ، { هذا في يوم القيامة حين يجمع الله القادة والأتباع فيتبرأ بعضهم من بعض، هذا قول أكثر المفسرين، وقال السدي : هم الشياطين يتبرأون من الإنس ، { وتقطعت بهم } ، أي عنهم ، { الأسباب } ، أي الوصلات التي كانت بينهم في الدنيا نت القرابات والصداقات وصارت مخالتهم عداوة، وقال ابن جريج : الأرحام كما قال الله تعالى } : فلا أنساب بينهم يومئذ } (101-المؤمنون) وقال السدي : يعني الأعمال التي كانوا يعملونها في الدنيا كما قال الله تعالى ، { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً } (23-الفرقان). وأصل السبب ما يوصل به إلى الشيء من ذريعة أو قرابة أو مودة ومنه يقال للحبل سبب وللطريق سبب

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ
    +/- -/+  
الأية
167
 
{ وقال الذين اتبعوا } ، يعني الأتباع ، { لو أن لنا كرة } ، أي رجعة إلى الدنيا ، { فنتبرأ منهم } ، أي من المتبوعين ، { كما تبرؤوا منا ، { اليوم ، { كذلك } ، أي كما أراهم العذاب كذلك ، { يريهم الله ، { وقيل كتبرئ بعضهم من بعض يريهم الله ، { أعمالهم حسرات ، { ندامات ، { عليهم ، { جمع حسرة قيل يريهم الله ما ارتكبوا من السيئات فيتحسرون لم عملوا، وقيل يريهم ما تركوا من الحسنات فيندمون على تضييعها وقال ابن كيسان : إنهم أشركوا بالله الأوثان رجاء أن تقربهم إلى الله عز وجل، فلما عذبوا على ما كانوا يرجون ثوابه تحسروا وندموا. قال السدي : ترفع لهم الجنة فينظرون إليها وإلى بيوتهم فيها لو أطاعوا الله فيقال لهم تلك مساكنكم لو أطعتم الله، ثم تقسم بين المؤمنين فذلك حين يندمون ويتحسرون ، { وما هم بخارجين من النار }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ
    +/- -/+  
الأية
168
 
قوله تعالى : { يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً ، { نزلت في ثقيف وخزاعه وعامر بن صعصعة وبني مدلج فيما حرموا على أنفسهم من الحرث والأنعام والبحيرة والسائبة والوصيلة والحام، فالحلال ما أحله الشرع طيباً، قيل: ما يستطاب ويستلذ، والمسلم يستطيب الحلال ويعاف الحرام، وقيل الطيب الطاهر ، { ولا تتبعوا خطوات الشيطان ، { قرأ أبو جعفر و ابن عامر و الكسائي و حفص و يعقوب بضم الطاء والباقون بسكونها وخطوات الشيطان آثاره وزلاته، وقيل هي النذر في المعاصي. وقال أبو عبيدة : هي المحقرات من الذنوب. وقال الزجاج : طرقه ، { إنه لكم عدو مبين ، { بين العداوة وقيل مظهر العداوة، وقد أظهر عداوته بإبائه السجود لآدم وغروره إياه حتى أخرجه من الجنة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
169
 
{ وأبان يكون لازماً ومتعدياً ثم ذكر عداوته فقال } : إنما يأمركم بالسوء } ، أي بالإثم وأصل السوء ما يسوء صاحبه وهو مصدر ساء يسوء سوأ ومساءة أي أحزنه، وسوأته فساء أي حزنته فحزن ، { والفحشاء ، { المعاصي وما قبح من القول والفعل وهو مصدر كالسراء والضراء. روى باذان عن ابن عباس قال: الفحشاء من المعاصي ما يجب فيه الحد والسوء من الذنوب ما لا حد فيه. وقال السدي : هي الزنا وقيل هي البخل { أن تقولوا على الله ما لا تعلمون ، { من تحريم الحرث والأنعام.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ
    +/- -/+  
الأية
170
 
{ وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله ، { قيل هذه قصة مستأنفة والهاء والميم في لهم كناية عن غير مذكور. وروي عن ابن عباس قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود إلى الإسلام، فقال رافع بن خارجة ومالك بن عوف قالوا: بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، أي ما وجدنا عليه آباءنا فهم كانوا خيراً وأعلم منا، فأنزل الله تعالى هذه اآية، وقيل الآية متصلة بما قبلها وهي نازلة في مشركي العرب وكفار قريش والهاء والميم عائدة إلى قوله ، { ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً } (165-البقرة) { قالوا بل نتبع ما ألفينا } ، أي ما وجدنا ، { بهذا في آبائنا ، { من عبادة الأصنام، وقيل معناه: وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله في تحليل ما حرموه على أنفسهم من الحرث والأنعام والبحيرة والسائبة. والهاء والميم عائدة إلى الناس في قوله تعالى ، { يا أيها الناس كلوا } { قالوا بل نتبع ، { قرأ الكسائي : بل نتبع بإدغام اللام في النون. وكذلك يدغم لام هل وبل في التاء والثاء والزاي والسين والصاد والطاء والظاء ووافق حمزة في التاء والثاء والسين ، { ما ألفينا ، { ما وجدنا ، { عليه آباءنا ، { من التحريم والتحليل. قال تعالى } : أو لو كان آباؤهم } ، أي كيف يتبعون آباءهم وآباؤهم ، { لا يعقلون شيئاً ، { والواو في (( أولو )) واو العطف، ويقال لها واو التعجب دخلت عليها ألف الاستفهام للتوبيخ والمعنى أيتبعون آباءهم وإن كانوا جهالاً لا يعقلون شيئاً، لفظه عام ومعناه الخصوص. أي لا يعقلون شيئاً من أمور الدين لأنهم كانوا يعقلون أمر الدنيا ، { ولا يهتدون ، { ثم ضرب الله مثلاً فقال جل ذكره:

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ۚ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ
    +/- -/+  
الأية
171
 
{ ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع ، { والنعيق والنعق صوت الراعي بالغنم معناه مثلك يا محمد ومثل الكفار في وعظهم ودعائهم إلى الله عز وجل كمثل الراعي الذي ينعق بالغنم، وقيل مثل واعظ الكفار وداعيهم معهم كمثل الراعي ينعق بالغنم وهي لا تسمع ، { إلا دعاء ، { صوتاً ، { ونداء ، { فأضاف المثل إلى الذين كفروا لدلالة الكلام عليه كما في قوله تعالى ، { واسأل القرية } (82-يوسف) معناه كما أن البهائم تسمع صوت الراعي ولا تفهم وى تعقل ما يقال لها، كذلك الكافر لا ينتفعبوعظك إنما يسمع صوتك. وقيل: معناه: ومثل الذين كفروا في قلة عقلهم وفهمهم عن الله وعن رسوله كمثل المنعوق به من البهائم التي لا تفقه من الأمر والنهي إلا الصوت فيكون المعنى للمنعوق به والكلام خارج عن الناعق وهو فاش في كلام العرب يفعلون ذلك ويقلبون الكلام لايضاح المعنى عندهم، يقولون فلان يخافك كخوف الأسد، أي كخوفه الأسد. وقال تعالى ، { ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة } (76-القصص) وإنما العصبة تنوء بالمفاتيح وقيل معناه مثل الذين كفروا في دعاء الأصنام التي لاتفقه ولا تعقل كمثل الناعق بالغنم فلا ينتفع من نعيقه بشيء غير أنه في عناء من الدعاء والنداء، كذلك الكافر ليس له من دعاء الآلهة وعبادتها إلا العناء والبلاء كما قال تعالى ، { إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم } (14-فاطر). وقيل معنى الآية ومثل الذين كفروا في دعاء الأوثان كمثل الذي يصيح في جوف الجبال فيسمع صوتاً يقال له: الصدى لا يفهم منه شيئاً، فمعنى الآية كمثل الذي ينفق بما لا يسمع منه الناعق إلا دعاء ونداء ، { صم ، { يقول العرب لمن يسمع ولا يعقل: كأنه أصم ، { بكم ، { عن الخير لا يقولونه ، { عمي ، { عن الهدى لا يبصرونه ، { فهم لا يعقلون }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ
    +/- -/+  
الأية
172
 
قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ، { من حلالات ، { ما رزقناكم }. أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي أخبرنا علي بن جعد أخبرنا فضيل بن مرزوق عن عدي بن ثابت عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا الطيب وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال } : يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً } (51-المؤمنون) وقال ، { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ، { ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يارب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك }. { واشكروا لله ، { على نعمه ، { إن كنتم إياه تعبدون ، { ثم بين المحرمات

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ ۖ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
173
 
{ فقال } : إنما حرم عليكم الميتة ، { قرأ أبو جعفر الميتة في كل القرآن بالتشديد والباقون يشددون البعض. والميتة كل ما لم تدرك ذكاته مما يذبح ، { والدم ، { أراد بالدم الجاري يدل عليه قوله تعالى ، { أو دماً مسفوحاً } (145-الأنعام) واستثنى الشرع من الميتة السمك والجراد ومن الدم الكبد والطحال فأحلها. أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أخبرنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { أحلت لنا ميتتان ودمان، الميتتان الحوت والجراد، والدمان، أحسبه قال: الكبد والطحال } { ولحم الخنزير ، { أراد به جميع أجزائه فعبر عن ذلك باللحم لأنه معظمه ، { وما أهل به لغير الله } ، أي ما ذبح للأصنام والطواغيت، وأصل الإهلال رفع الصوت. وكانوا إذا ذبحوا لآلهتهم يرفعون أصواتهم بذكرها فجرى ذلك من أمرهم حتى قيل لكل ذابح وإن لم يجهر بالتسمية مهل. وقال الربيع بن أنس وغيره ، { وما أهل به لغير الله ، { قال ما ذكر عليه اسم غير الله. { فمن اضطر ، { بكسر النون وأخواته قرأ عاصم و حمزة ، ووافق أبو عمرو إلا في اللام والواو مثل ، { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن } (110-الإسراء) ويعقوب إلا في الوا، ووافق ابن عامر في التنوين، والباقون كلهم بالضمن فمن كسر قال: لأن الجزم يحرك إلى الكسر، ومن ضم فلضمة أول الفعل نقل حركتها إلى ما قبلها، و أبو جعفر بكسر الطاء ومعناه فمن اضطر إلى أكل ميتة أي أحوج وألجئ إليه ، { غير ، { نصب على الحال، وقيل على الاستثناء وإذا رأيت (غير) يصلح في موضعها (لا) فهي حال، وإذا صلح في موضعها (إلا) فهي استثناء ، { باغ ولا عاد ، { أصل البغي قصد الفساد، يقال بغى الجرح يبغي بغياً إذا ترامى إلى الفساد، وأصل العدوان الظلم ومجاوزة الحد يقال عدا عليه عدواً وعدواناً إذا ظلم واختلفوا في معنى قوله ، { غير باغ ولا عاد ، { فقال بعضهم ، { غير باغ } ، أي: خارج على السلطان، ولا عاد: متعد عاص بسفره، بأن خرج لقطع الطريق أو لفساد في الأرض. وهو قول ابن عباس و مجاهد و سعيد بن جبير . وقالوا لا يجوز للعاصي بسفره أن يأكل الميتة إذا اضطر إليها ولا أن يترخص المسافر حتى يتوب، وبه قال الشافعي رحمه الله: لأن إباحته له إعانة له على فساده، وذهب جماعة إلى أن البغي والعدوان راجعان إلى الأكل واختلفوا في تفصيله. فقال الحسن و قتادة ، { غير باغ ، { لا تأكله من غير اضطرار ، { ولا عاد } ، أي لا يعدو لشبعه. وقيل ، { غير باغ } ، أي غير طالبها وهويجد غيرها ، { ولا عاد } ، أي غير متعد ما حد له فما يأكل حتى يشبع ولكن يأكل منها قوتاً مقدار ما يمسك رمقه. وقال مقاتل بن حيان ، { غير باغ } ، أي مستحل لها ، { ولا عاد } ، أي متزود منها. وقيل ، { غير باغ } ، أي غير مجاوز للقدر الذي أحل له ، { ولا عاد } ، أي لا يقصر فيما أبيح له فيدعه قال مسروق : من اضطر إلى الميتة والدم ولحم الخنزير فلم يأكل ولم يشرب حتى مات دخل النار. واختلف العلماء في مقدار ما يحل للمضطر أكله من الميته، فقال بعضهم مقدار ما يسد رمقه. وهو قول أبو حنيفة رضي الله عنه و أحد قولي الشافعي رضي الله عنه. والقول الآخر يجوز أن يأكل حتى يشبع وبه قال مالك رحمه الله تعالى. وقال سهل بن عبد الله ، { غير باغ ، { مفارق للجماعة ، { ولا عاد ، { مبتدع مخالف للسنة ولم يرخص للمبتدع في تناوله المحرم عند الضرورة ، { فلا إثم عليه } ، أي فلا حرج عليه في أكلها ، { إن الله غفور ، { لمن أكل في حال الاضطرار ، { رحيم ، { حيث رخص للعباد في ذلك.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۙ أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
174
 
قوله تعالى : { إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب } (( نزلت في رؤساء اليهود وعلمائهم كانوا يصيبون من سفلتهم الهدايا والمآكل وكانوا يرجون أن يكون النبي المبعوث منهم، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم من غيرهم خافوا ذهاب مأكلهم وزوال رياستهم، فعمدوا إلى صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فغيروها ثم أخرجوها إليهم، فلما نظرت السفلة إلى النعت المغير وجدوه مخالفاً لصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يتبعوه )) فأنزل الله تعالى ، { إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب } ، يعني صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته ، { ويشترون به } ، أي بالمكتوم ، { ثمناً قليلاً } ، أي عوضاً يسيراً يعني المآكل التي يصيبونها من سفلتهم ، { أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار } ، يعني إلا ما يؤديهم إلى النار وهوالرشوة والحرام وثمن الدين، فلما كان يفضي ذلك بهم إلى النار فكأنهم أكلوا النار وقيل معناه أنه يصير ناراً في بطونهم ، { ولا يكلمهم الله يوم القيامة } ، أي لا يكلمهم بالرحمة وبما يسرهم إنما يكلمهم بالتوبيخ. وقيل: أراد به أن يكون عليهم غضبان، كما يقال: فلان لا يكلم فلاناً إذا كان عليه غضبان ، { ولا يزكيهم } ، أي لا يطهرهم من دنس الذنوب ، { ولهم عذاب أليم }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ ۚ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ
    +/- -/+  
الأية
175
 
{ أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار ، { قال عطاء و السدي : هو ما: استفهام معناه ما الذي صبرهم على النار وأي شيء يصبرهم على النار حتى تركوا الحق واتبعوا الباطل وقال الحسن و قتادة : والله ما لهم عليها من صبر ولكن ما أجرأهم على العمل الذي يقربهم إلى النار قال الكسائي : فما أصبرهم على عمل أهل النار أي ما أدومهم عليه

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ
    +/- -/+  
الأية
176
 
{ ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق } ، يعني ذلك العذاب بأن الله نزل الكتاب بالحق فأنكروه وكفروا به وحينئذ يكون ذلك في محل الرفع وقال بعضهم محله نصب معناه فعلنا ذلك بهم بأن الله أي لأن الله نزل الكتاب بالحق فاختلفوا فيه وقيل معناه ذلك أي فعلهم الذي يفعلون من الكفر والاختلاف والاجتراء على الله من أجل أن الله نزل الكتاب بالحق وهو قوله تعالى ، { إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون * ختم الله على قلوبهم } (7-البقرة) { وإن الذين اختلفوا في الكتاب ، { فآمنوا ببعض وكفروا ببعض ، { لفي شقاق بعيد } ، أي في خلاف وضلال بعيد.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ
    +/- -/+  
الأية
177
 
قوله تعالى : { ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ، { قرأ حمزة و حفص : ليس البر بنصب الراء، والباقون برفعها، فمن رفعها جعل ، { البر ، { اسم ليس ، وخبره قوله: أن تولوا ، تقديره: ليس البر توليتكم وجوهكم. ومن نصب جعل ، { أن تولوا ، { في موضع الرفع على اسم ليس تقديره: ليس توليتكم وجوهكم البر كله، كقةله تعالى ، { ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا } (25- الجاثية). والبر كل عمل خير يفضي بصاحبه إلى الجنة واختلفوا في المخاطبين بهذه الآية، فقال قوم: عنى بها اليهود والنصارى، وذلك أن اليهود كانت تصلي قبل المغرب إلى بيت المقدس والنصارى قبل المشرق، وزعم كل فريق منهم: أن البر في ذلك، فأخبر الله تعالى أن البر غير دينهم وعملهم ولكنه ما بينه في هذه الآية وعلى هذا القول قتادة و مقاتل بن حيان . وقال الآخرونك المراد بها المؤمنون وذلك أن الرجل كان في ابتداء الإسلام قبل نزول الفرائض إذا أتى بالشهادتين وصلى الصلاة إلى جهة كانت ثم مات على ذلك وجبت له الجنة. ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلت الفرائض وحددت وصرفت القبلة إلى الكعبة أنزل الله هذه الآية فقال } : ليس البر } ، أي كله أن تصلوا قبل المشرق والمغرب ولا تعملوا على غير ذلك ، { ولكن البر ، { ما ذكر في هذه الآية وعلى هذا القول ابن عباس و مجاهد و عطاء و الضحاك . { ولكن البر ، { قرأ نافع و ابن عامر ولكن خفيفة النون البر رفع وقرأ الباقون بتشديد النون ونصب البر. قوله تعالى } : من آمن بالله ، { جعل من وهي اسم خبر للبر وهو فعل ولا يقال البر زيد واختلفوا في وجهه قيل لما وقع من في موضع المصدر جعله خبراً للبر كأنه قال ولكن البر الإيمان بالله والعرب تجعل الاسم خبراً للفعل وأنشد الفراء : لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللحى ولكنما الفتيان كل فتى ندي فجعل نبات اللحى خبراً للفتى وقيل فيه إضمار معناه ولكن البر بر من آمن بالله فاستغنى بذكر الأول عن الثاني كقولهم الجود حاتم أي الجود جود حاتم وقيل معناه ولكن ذا البر من آمن بالله كقوله تعالى } : هم درجات عند الله } (163-آل عمران) أي ذو درجات وقيل معناه ولكن البار من آمن بالله كقوله تعالى ، { والعاقبة للتقوى } (132-طه) أي للمتقي والمراد من البر هاهنا الإيمان والتقوى. { واليوم الآخر والملائكة ، { كلهم ، { والكتاب } ، يعني الكتب المنزلة ، { والنبيين ، { أجمع ، { وآتى المال ، { أعطى المال ، { على حبه ، { اختلفوا في هذه الكناية فقال أكثر أهل التفسير: إنها راجعة إلى المال أي أعطى المال في حال صحته ومحبته المال قال ابن مسعود: أن تؤتيه وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا موسى بن إسماعيل أخبرنا عبد الواحد ثنا عمارة بن القعقاع أنا أبو زرعة أخبرنا أبو هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال } : أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان }. وقيل هي عائدة على الله عز وجل أي على حب الله تعالى. { ذوي القربى ، { أهل القرابة. أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي أخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي أخبرنا أبو العباس المحبوبي أخبرنا أبو عيسى الترمذي أخبرنا قتيبة أخبرنا سفيان بن عيينة عن عاصم الأحول عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن عمها سلمان بن عامر يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال } : الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة }. قوله تعالى } : واليتامى والمساكين وابن السبيل ، { قال مجاهد : يعني المسافر المنقطع عن أهله يمر عليك ويقال للمسافر ابن السبيل لملازمته الطريق، وقيل: هو الضيف ينزل بالرجل قال النبي صلى الله عليه وسلم } : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه } { والسائلين } ، يعني الطالبين. أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبي بجيد الأنصاري وهم عبد الرحمن بن بجيد عن جدته وهي أم بجيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال } : ردوا السائل ولو بظلف محرق ، { وفي رواية قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم: '' إن لم تجدي شيئاً إلا ظلفاً محرقاً فادفعيه إليه ، { قوله تعالى ، { وفي الرقاب } ، يعني المكاتبين قاله أكثر المفسرين، وقيل: عتق النسمة وفك الرقبة وقيل: فداء الأسارى ، { وأقام الصلاة وآتى الزكاة ، { وأعطى الزكاة ، { والموفون بعهدهم ، { فيما بينهم وبين الله عز وجل وفيما بينهم وبين الناس { إذا عاهدوا } ، يعني إذا وعدوا أنجزوا، وإذا حلفوا ونذروا أوفوا، وإذا عاهدوا أوفوا، وإذا قالوا صدقوا، وإذا ائتمنوا أدوا، واختلفوا في رفع قوله والموفون قيل هو عطف على خبر معناه ولكن ذا البر المؤمنون والموفون بعهدهم وقيل تقديره: وهم الموفون كأنه عد أصنافاً ثم قال: هم الموفون كذا، وقيل رفع على الابتداء والخبر يعني وهم الموفون ثم قال ، { والصابرين ، { وفي نصبها أربعة أوجه: قال أبو عبيدة: نصبها على تطاول الكلام ومن شأن العرب أن تغير الإعراب إذا طال الكلام والنسق ومثله في سورة النساء ، { والمقيمين الصلاة } (سورة المائدة-162) '' والصابئون والنصارى } ، وقيل معناه أعني الصابرين، وقيل نصبه نسقاً على قوله ذوي القربى أي وآتي الصابرين. وقال الخليل : نصب على المدح والعرب تنصب الكلام على المدح والذم [كأنهم يريدون إفراد الممدوح والمذموم فلا يتبعونه أول الكلام وينصبونه فالمدح كقوله تعالى ، { والمقيمين الصلاة }] (162-النساء). والذم كقوله تعالى ، { ملعونين أينما ثقفوا } (61-الأحزاب). قوله تعالى ، { في البأساء } ، أي الشدةوالفقر ، { والضراء ، { المرض والزمانة ، { وحين البأس } ، أي القتال والحرب. أخبرنا المطهر بن علي بن عبد الله الفارسي أخبرنا أبو ذر محمد بن إبراهيم الصالحاني أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حبان أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي أخبرنا علي بن الجعد أخبرنا زهير عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنا إذا احمر البأس ولقي القوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه، يعني إذا اشتد الحرب ، { أولئك الذين صدقوا ، { في إيمانهم ، { وأولئك هم المتقون }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَىٰ بِالْأُنْثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
178
 
قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص ، { قال الشعبي و الكلبي و قتادة : نزلت هذه الآية في حيين من أحياء العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل وكانت بينهما قتلى وجراحات لم يأخذها بعضهم من بعض حتى جاء الإسلام، قال مقاتل بن حيان : كانت بين بني قريظة والنضير، وقال سعيد بن جبير : كانت بين الأوس والخزرج، وقالوا جميعاً كانت لأحد الحيين على الآخر طول في الكثرة والشرف وكانوا ينكحون نساءهم بغير مهور فأقسموا: لنقتلن بالعبد منا الحر منهم وبالمرأة منا الرجل منهم وبالرجل منا الرجلين منهم، وجعلوا جراحاتهم ضعفي جراحات أولئك فرفعوا أمرهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى هذه الآية وأمر بالمساواة فرضوا وأسلموا. قوله ، { كتب عليكم القصاص } ، أي فرض عليكم القصاص ، { في القتلى ، { والقصاص المساواة والمماثلة في الجراحات والديات، وأصله من قص الأثر إذا اتبعه فالمفعول به يتبع ما فعل به فيفعل مثله. ثم بين المماثلة فقال } : الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ، { وجملة الحكم فيه أنه إذا تكافأ الدمان في الأحرار المسلمين أو العبيد من المسلمين أو الأحرار من المعاهدين أو العبيد منهم قتل من كل صنف منهم الذكر إذا قتل بالذكر وبالأنثى، وتقتل الأنثى إذا قتلت بالأنثى وبالذكر، ولا يقتل مؤمن بكافر ولا حر بعبد، ولا والد بولد، ولا مسلم بذمي، ويقتل الذمي بالمسلم، والعبد بالحر، والولد بالوالد. هذا قول أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم. أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أخبرنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع بن سليمان أنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن مطرف عن الشعبي عن أبي جحيفة قال: (( سألت علياً رضي الله عنه هل عندك عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء سوى القرآن؟ فقال لا: والذي خلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يؤتي الله عبداً فهماً في القرآن وما في هذه الصحيفة، قلت وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مؤمن بكافر )). وروي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : لا تقام الحدود في المساجد، ولا يقاد بالولد الوالد }. وذهب الشعبي و النخعي وأصحاب الرأي إلى أن المسلم يقتل بالذمي، وإلى أن الحر يقتل بالعبد، والحديث حجة لمن لم يوجب القصاص على المسلم بقتل الذمي، وتقتل الجماعة بالواحد. (( روي عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قتل سبعة أو خمسة برجل قتلوه غيلة، وقال لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلهم جميعاً )) ويجري القصاص في الأطراف كما يجري في النفوس إلا في شيء واحد وهو أن الصحيح السوي يقتل بالمريض الزمن، وفي الأطراف لو قطع يداً شلاء أو ناقصة بأصبع لا تقطع بها الصحيحة الكاملة، وذهب أصحاب الرأي إلى أن القصاص في الأطراف لا يجري إلا بين حرين أو حرتين ولا يجري بين الذكر والأنثى ولا بين العبيد ولا بين الحر والعبد، وعند الآخرين الطرف في القصاص مقيس على النفس. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا عبد الله بن منير أنه سمع عبد الله بن بكر السهمي أخبرنا حميد ، { عن أنس بن النضر أن الربيع عمته كسرت ثنية جارية، فطلبوا إليها العفو، فأبوا فعرضوا الأرش فأبوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبوا إلا القصاص، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص، فقال أنس بن النضر: يا رسول الله أتكسر ثنية الربيع لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أنس كتاب الله القصاص فرضي القوم فعفوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره }. قوله تعالى ، { فمن عفي له من أخيه شيء } ، أي ترك له وصفح عنه من الواجب عليه وهو القصاص في قتل العمد ورضي بالدية هذا قول أكثر المفسرين، قالوا: العفو أن تقبل الدية في قتل العمد وقوله (من أخيه) أي من دم أخيه وأراد بالأخ المقتول والكنايتان في قوله ، { له ، { و ، { من أخيه ، { ترجعان إلى من وهو القاتل، وقوله شيء دليل على أن بعض الأولياء إذا عفا يسقط القود لأن شيئاً من الدم قد بطل. قوله تعالى } : فاتباع بالمعروف } ، أي على الطالب للدية أن يتبع بالمعروف فلا يطالب بأكثر من حقه. { وأداء إليه بإحسان } ، أي على المطلوب منه أداء الدية بالإحسان من غير مماطلة، أمر كل واحد منهما بالإحسان فيما له وعليه ومذهب أكثر العلماء من الصحابة والتابعين أن ولي الدم إذا عفا عن القصاص على الدية فله أخذ الدية وإن لم يرض به القاتل، وقال قوم: لا دية له إلا برضاء القاتل، وهو قول الحسن و النخعي وأصحاب الرأي، وحجة المذهب الأول ما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أخبرنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال. { ثم أنتم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل وأنا والله عاقله فمن قتل بعده قتيلاً فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا العقل }. قوله تعالى } : ذلك تخفيف من ربكم ورحمة } ، أي ذلك الذي ذكرت من العفو عن القصاص وأخذ الدية تخفيف من ربكم ورحمة، وذلك أن القصاص في النفس والجراح كان حتماً في التوراة على اليهود ولم يكن لهم أخذ الدية، وكان في شرع النصارى الدية ولم يكن لهم القصاص، فخير الله تعالى هذه الأمة بين القصاص وبين العفو على الدية تخفيفاً منه ورحمة. { فمن اعتدى بعد ذلك ، { فقتل الجاني بعد العفو وقبول الدية ، { فله عذاب أليم ، { وهو أن يقتل قصاصاً، قال ابن جريج : يتحتم قتله حتى لا يقبل العفو، وفي اية دليل على أن القاتل لا يصير كافراً بالقتل، لأن الله تعالى خاطبه بعد القتل بخطاب الإيمان فقال } : يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص ، { وقال في آخر الآية ، { فمن عفي له من أخيه شيء ، { وأراد به أخوة الإيمان، فلم يقطع الأخوة بينهما بالقتل.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
    +/- -/+  
الأية
179
 
قوله تعالى : { ولكم في القصاص حياة } ، أي بقاء، وذلك أن القاصد للقتل إذا علم أنه علم إذا قتل يقتل يمتنع عن القتل، فيكون بقاؤه وبقاء من هم بقتله، وقيل في المثل: (( القتل قلل القتل )) وقيل في المثل: (( القتل أنفى للقتل ))، وقيل معنى الحياة سلامته من قصاص الآخرة، فإنه إذا اقتص منه حيي في الآخرة وإذا لم يقتص منه في الدنيا اقتص منه في الآخرة ، { يا أولي الألباب لعلكم تتقون } ، أي تنتهون عن القتل مخافة القود.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ
    +/- -/+  
الأية
180
 
قوله تعالى : { كتب عليكم } ، أي فرض عليكم ، { إذا حضر أحدكم الموت } ، أي جاءه أسباب الموت وآثاره من العلل والأمراض ، { إن ترك خيراً } ، أي مالاً نظيره قوله تعالى ، { وما تنفقوا من خير } (272-البقرة) { الوصية للوالدين والأقربين ، { كانت الوصية فريضة في ابتداء الإسلام للوالدين والأقربين على من مات وله مال ثم نسخت بآية الميراث. أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد القاضي أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص التاجر أخبرنا محمد بن أحمد الوليد أخبرنا الهيثم بن جميل أخبرنا حماد بن سلمة عن قتادة عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنمعن عمرو بن خارجة قال: { كنت آخذاً بزمام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فقال:إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ولا وصية لوارث ، { فذهب جماعة إلى أن وجوبها صار منسوخاً في حق الأقارب الذين يرثون وبقي وجوبها في حق الذين لا يرثون من الوالدين والأقارب، وهو قول ابن عباس و طاووس و قتادة و الحسن قال طاووس : من أوصى لقوم سماهم ذوي قرابته محتاجين انتزعت منهم وردت إلى ذوي قرابته، وذهب الأكثرون إلى أن الوجوب صار منسوخاً في حق الكافة وهي حتمية في حق الذين لا يرثون. أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا طاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال } : ما من حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا وصيته مكتوبة عند رأسه }. قوله تعالى } : بالمعروف ، { يريد يوصي بالمعروف ولا يزيد على الثلث ولا يوصي للغني ويدع الفقير، قال ابن مسعود: الوصية للأخل فالأخل أي الأحوج فالأحوج. أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن رحيم الشيباني أخبرنا أحمد بن حازم بن أبي غرزه أخبرنا عبيد الله بن موسى و أبو نعيم عن سفيان الثوري عن سعيد بن إبراهيم عن عامر بن سعيد عن سعد بن مالك قال ، { جاءني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصي بمالي كله؟ قال لا قلت: فالشطر؟ قال لا، قلت: فالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس بأيديهم }. وعن ابن مليكة أن رجلاً قال لعائشة رضي الله عنها: إني أريد أن أوصي، قالت كم مالك؟ قال: ثلاثة آلاف. قالت كم عيالك؟ قال: أربعة، قالت: إنما قال الله ، { إن ترك خيراً ، { وإن هذا شيء يسير فاترك لعيالك. وقال علي رضي الله عنه: لأن أوصي بالخمس أحب إلي من أن أوصي بالربع ولأن أوصي بالربع أحب إلي من أن أوصي بالثلث فمن أوصى بالثلث فلم يترك. وقال الحسن البصري رضي الله عنه يوصي بالسدس أو الخمس أو الربع، وقال الشعبي إنما كانوا يوصون بالخمس أو الربع. قوله تعالى } : حقاً ، { نصب على المصدر وقيل على المفعول أي جعل الوصية حقاً ، { على المتقين ، { المؤمنين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ۚ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
181
 
قوله تعالى : { فمن بدله } ، أي غير الوصية في الأوصياء أو الأولياء أو الشهود ، { بعد ما سمعه } ، أي بعد ما سمع قول الموصي، ولذلك ذكر الكناية مع كون الوصية مؤنثة، وقيل الكناية راجعة إلى الإيصاء كقوله تعالى } : فمن جاءه موعظة من ربه } (275-البقرة) رد الكناية إلى الوعظ ، { فإنما إثمه على الذين يبدلونه ، { والميت بريء منه ، { إن الله سميع ، { لما أوصى به الموصي ، { عليم ، { بتبديل المبدل، أو سميع لوصيته عليم بنيته.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
182
 
{ قوله تعالى ، { فمن خاف } ، أي علم، كقوله تعالى } : فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله } (229-البقرة) أي علمتم ، { من موص ، { قرأ حمزة و الكسائي و أبو بكر و يعقوب بفتح الواو وتشديد الصاد، كقوله تعالى } : ما وصى به نوحاً } (13-الشورى) { ووصينا الإنسان } (8-العنكبوت) وقرأ الآخرون بسكون الواو وتخفيف الصاد، كقوله تعالى } : يوصيكم الله في أولادكم } (11-النساء) { من بعد وصية يوصي بها أو دين } (12-النساء) { جنفاً } ، أي جوراً وعدولاً عن الحق، والجنف: الميل ، { أو إثماً } ، أي ظلماً، قال السدي و عكرمة و الربيع : الجنف الخطأ والإثم العمد ، { فأصلح بينهم فلا إثم عليه ، { واختلفوا في معنى الآية، قال مجاهد : معناها أن الرجل إذا حضر مريضاً وهو يوصي فرآه يميل إما بتقصير أو إسراف، أو وضع الوصية في غير موضعها فلا حرج على من حضره أن يأمره بالعدل وينهاه عن الجنف فينظر للموصى وللورثة، وقال آخرون: إنه أراد به أنه إذا أخطأ الميت في وصيته أو جار متعمداً فلا حرج على وليه أو وصيه أو والي أمور المسلمين أن يصلح بعد موته بين ورثته وبين الموصى لهم، ويرد الوصية إلى العدل والحق، فلا إثم عليه أي: فلا حرج عليه ، { إن الله غفور رحيم ، { وقال طاووس : جنفة توليجة، وهو أن يوصي لبني بنيه يريد ابنه ولولد ابنته ولزوج ابنته يريد بذلك ابنته. قال الكلبي : كان الأولياء والأوصياء يمضون وصية الميت بعد نزول قوله تعالى } : فمن بدله بعد ما سمعه ، { الآية وإن استغرق المال كله ولم يبق شيء، ثم نسخها قوله تعالى } : فمن خاف من موص جنفاً ، { الآية، قال ابن زيد : فعجز الموصي أن يوصي للوالدين والأقربين كما أمر الله تعالى، وعجز الموصي أن يصلح فانتزع الله تعالى ذلك منهم ففرض الفرائض. روي عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال } : إن الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله ستين سنة، ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية فتجب لهما النار ، { ثم قرأ أبو هريرة: ( من بعد وصية يوصي بها أو دين ) إلى قوله ( غير مضار ).

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
    +/- -/+  
الأية
183
 
قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام } ، أي فرض وأوجب، والصوم والصيام في اللغة الإمساك يقال: صام النهار إذا اعتدل وقام قائم الظهيرة، لأن الشمس إذا بلغت كبد السماء وقفت وأمسكت عن السير سويعة ومنه قال تعالى } : فقولي إني نذرت للرحمن صوماً } (26-مريم) أي صمتاً لأنه إمساك عن الكلام، وفي الشريعة الصوم هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع مع النية في وقت مخصوص ، { كما كتب على الذين من قبلكم ، { من الأنبياء والأمم، واختلفوا في هذا التشبيه فقال سعيد ابن جبير : كان صوم من قبلنا من العتمة إلى الليلة القابلة كما كان في ابتداء الإسلام. وقال جماعة من أهل العلم: أراد أن صيام رمضان كان واجباً على النصارى كما فرض علينا، فربما كان يقع في الحر الشديد والبرد الشديد، وكان يشق عليهم في أسفارهم ويضرهم في معايشهم، فاجتمع رأي علماؤهم ورؤسائهم على أن يجعلوا صيامهم في فصل من السنة بين الشتاء والصيف،فجعلوه في الربيع وزادوا فيه عشرة أيام كفارة لما صنعوا فصار أربعين، ثم إن ملكهم اشتكى فمه فجعل لله عليه إن هو برئ من وجعه أن يزيد في صومهم. أسبوعاً فبرئ فزاد فيه أسبوعاً ثم مات ذلك الملك ووليهم ملك آخر فقال: أتموه خمسين يوماً، وقال مجاهد ك أصابهم موتان، فقالوا زيدوا فيصيامكم فزادوا عشراً قبل وعشراً بعد، قال الشعبي : لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذي يشك فيه، فيقال من شعبان ويقال من رمضان، وذلك أن النصارى فرض عليهم شهر رمضان فصاموا قبل الثلاثين يوماً وبعدها يوماً، ثم لم يزل القرن الآخر يستن بسنة القرن الذي قبله حتى صاروا إلى خمسين يوماً، فذلك قوله تعالى } : كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } ، يعني بالصوم لأن الصوم وصلة إلى التقوى لما فيه من قهر النفس وكسر الشهوات، وقيل: لعلكم تحذرون عن الشهوات من الأكل والشرب والجماع } ، أياماً معدودات ، { قيل: كان في ابتداء الإسلام صوم ثلاثة أيام من كل شهر واجباً، وصوم يوم عاشوراء فصاموا كذلك من الربيع إلى شهر رمضان سبعة عشر شهراً، ثم نسخ بصوم رمضان قال ابن عباس: أول ما نسخ بعد الهجرة أمر القبلة والصوم، ويقال: نزل صوم شهر رمضان قبل بدر بشهر وأيام، قال محمد بن إسحاق كانت غزوة بدر يوم الجمعة لسبع عشر ليلة خلت من شهر رمضان على رأس ثمانية عشر شهراً من الهجرة. حدثنا أبو الحسن الشيرازي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: (( كان يوم عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صامه وأمر الناس بصيامه، فلما فرض رمضان كان هو الفريضة وترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه )).

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ۚ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ۚ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
184
 
{ وقيل المراد من قوله } ، أياماً معدودات ، { شهر رمضان وهي غير منسوخة ونصب أياماً على الظرف، أي في أيام معدودات، وقيل: على التفسير، وقيل: على هو خبر ما لم يسم فاعله ، { فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة } ، أي فأفطر فعدة ، { من أيام أخر } ، أي فعليه عدة، والعدد والعدة واحد ، { من أيام أخر } ، أي غير أيام مرضه وسفره، وأخر في موضع خفض لكنها لا تنصرف فلذلك نصبت. قوله تعالى } : وعلى الذين يطيقونه ، { اختلف العلماء في تأويل هذه الآية وحكمها فذهب أكثرهم إلى أن الآية منسوخة، وهو قول ابن عمر وسلمة بن الأكوع وغيرهما، وذلك أنهم كانوا في ابتداء الإسلام نخيرين بين أن يصوموا وبين أن يفطروا ويفدوا، خيرهم الله تعالى لئلا يشق عليهم لأنهم كانوا لم يتعودوا الصوم، ثم نسخ التخيير ونزلت العزيمة بقوله تعالى } : فمن شهد منكم الشهر فليصمه ، { وقال قتادة : هي خاصة في حق الشيخ الكبير الذي يطيق الصوم، ولكن يشق عليه رخص له في أن يفطر ويفدي ثم نسخ. وقال الحسن : هذا في المريض الذي به ما يقع عليه اسم المرض وهو مستطيع للصوم خير بين أن يصوم وبين أن يفطر ويفدي، ثم نسخ بقوله تعالى } : فمن شهد منكم الشهر فليصمه }. وثبتت الرخصة للذين لا يطيقون، وذهب جماعة إلى أن الآية محكمة غير منسوخة، ومعناه: وعلى الذين كانوا يطيقونه في حال الشباب فعجزوا عنه بعد الكبر فعليهم الفدية بدل الصوم، وقرأ ابن عباس } : وعلى الذين يطيقونه ، { بضم الياء وفتح الطاء وتخفيفها وفتح الواو وتشديدها، أي يكلفون الصوم وتأويله على الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان الصوم، والمريض الذي لا يرجى زوال مرضه فهم يكلفون الصوم ولا يطيقونه، فلهم أن يفطروا ويطعموا مكان كل يوم مسكيناً وهو قول سعيد بن جبير ، وجعل الآية محكمة. قوله تعالى } : فدية طعام مسكين ، { قرأ أهل المدينة والشام مضافاً، وكذلك في المائدة } : كفارة طعام ، { أضاف الفدية إلى الطعام، وإن كان واحداً لاختلاف اللفظين، كقوله تعالى ، { وحب الحصيد } (9-ق) وقولهم مسجد الجامع وربيع الأول، وقرأ الآخرون: فدية وكفارة منونة، طعام رفع وقرأ مساكين بالجمع هنا أهل المدينة والشام، والآخرون على التوحيد، فمن جمع نصب النون ومن حد خفض النون ونونها، والفدية: الجزاء، ويجب أن يطعم مكان كل يوم مسكيناً مداً من الطعام بمد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو رطل وثلث من غالب قوت البلد، هذا قول فقهاء الحجاز، وقال بعض فقهاء أهل العراق: عليه لكل مسكين نصف صاع لكل يوم يفطر، وقال بعضهم: نصف صاع من القمح أو صاع من غيره، وقال بعض الفقهاء ما كان المفطر يتقوته يومه الذي أفطره، وقال ابن عباس: يعطي كل مسكين عشاءه وسحوره. { فمن تطوع خيراً فهو خير له } ، أي زاد على مسكين واحد فأطعم مكان كل يوم مسكينين فأكثر، قاله مجاهد و عطاء و طاووس ، وقيل: من زاد على القدر الواجب عليه فأعطى صاعاً وعليه مد فهو خير له. { وأن تصوموا خير لكم ، { فمن ذهب إلى النسخ قال معناه الصوم خير له من الفدية، وقيل: هذا في الشيخ الكبير لو تكلف الصوم وإن شق عليه خبر له من أن يفطر ويفدي ، { إن كنتم تعلمون ، { واعلم أنه لا رخصة لمؤمن مكلف في إفطار رمضان إلا لثلاثة: أحدهم يجب عليه القضاء والكفارة، والثاني عليه القضاء دون الكفارة، والثالث عليه الكفارة دون القضاء أما الذي عليه القضاء والكفارة فالحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما فإنهما تفطران وتقضيان وعليهما مع القضاء الفدية، وهذا قول ابن عمر وابن عباس، وبه قال مجاهد وإليه ذهب الشافعي رحمه الله، وقال قوم لا فدية عليهما، وبه قال الحسن و عطاء و إبراهيم النخعي و الزهري وإليه ذهب الأوزاعي و الثوري وأصحاب الرأي، وأما الذي عليه القضاء دون الكفارة فالمريض والمسافر والحائض والنفساء. وأما الذي عليه الكفارة دون القضاء فالشيخ الكبير والمريض الذي لا يرجى زوال مرضه ثم بين الله تعالى أيام الصيام

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
    +/- -/+  
الأية
185
 
{ فقال } : شهر رمضان ، { رقعه على معنى هو شهر رمضان، وقال الكسائي : كتب عليكم شهر رمضان وسمي الشهر شهراً لشهرته، وأما رمضان فقد قال مجاهد : هو اسم من أسماء الله تعالى، يقال شهر رمضان كما يقال شهر الله، والصحيح أنه اسم للشهر سمي به من الرمضاء وهي الحجارة المحماة وهم كانوا يصومونه في الحر الشديد فكانت ترمض فيه الحجارة في الحرارة. قوله تعالى } : الذي أنزل فيه القرآن ، { سمي القرآن قرآناً لأنه يجمع السور والآي والحروف وجمع فيه القصص والأمر والنهي والوعد والوعيد. وأصل القرء الجمع وقد يحذف الهمز منه فيقال، قريت الماء في الحوض إذا جمعته، وقرأ ابن كثير : القرآن بفتح الراء غير مهموز، وكذلك كان يقرأ الشافعي ويقول ليس هو من القراءة ولكنه اسم لهذا الكتاب كالتوراة والإنجيل، وروي عن مقسم عن ابن عباس: أنه سئل عن قوله عز وجل ، { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ، { وقوله } : إنا أنزلناه في ليلة القدر } (1-القدر)، وقوله } : إنا أنزلناه في ليلة مباركة } (3-الدخان) وقد نزل في سائر الشهور، وقال عز وجل } : وقرآناً فرقناه } (106-الإسراء) فقال أنزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ في ليلة القدر من شهر رمضان إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ثم نزل به جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم نجوماً في ثلاث وعشرين سنة فذلك قوله تعالى ، { فلا أقسم بمواقع النجوم } (75-الواقعة) قال داود بن أبي هند: قلت للشعبي : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ، { أما كان ينزل في سائر الشهور؟ قال: بلى، ولكن جبريل كان يعارض محمداً صلى الله عليه وسلم في رمضان ما نزل إليه فيحكم الله ما يشاء ويثبت ما يشاء، وينسيه ما يشاء. وروي عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال } : أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في ثلاث ليال مضين من رمضان، ويروى في أول ليلة من رمضان، وأنزلت توراة موسى عليه السلام في ست ليال مضين من رمضان، وأنزل الإنجيل على عيسى عليه السلام في ثلاث عشرة ليلة مضت من رمضان، وأنزل زبور داود في ثمان عشرة مضت من رمضان وأنزل الفرقان على محمد صلى الله عليه وسلم في الرابعة والعشرين من شهر رمضان لست بقين بعدها }. قوله تعالى } : هدى للناس ، { من الضلالة، وهدى في محل نصب على القطع لأن القرآن معرفة وهدى نكرة ، { وبينات من الهدى } ، أي دلالات واضحات من الحلال والحرام والحدود والأحكام ، { والفرقان } ، أي الفارق بين الحق والباطل. قوله تعالى } : فمن شهد منكم الشهر فليصمه } ، أي فمن كان مقيمأً في الحضر فأدركه الشهر واختلف أهل العلم فيمن أدركه الشهر وهو مقيم ثم سافر، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: لا يجوز له الفطر، وبه قال عبيدة السلماني لقوله تعالى ، { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } ، أي الشهر كله وذهب أكثر الصحابة والفقهاء إلى أنه إذا أنشأ السفر في شهر رمضان جاز له أن يفطر، ومعنى الآية: فمن شهد منكم الشهر كله فليصمه أي الشهر كله، ومن لم يشهد منكم الشهر كله فليصم ما شهد منه والدليل عليه ما أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر وأفطر الناس معه، فكانوا يأخذون بالأحدث فلأحدث من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله تعالى } : ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر ، { أباح الفطر لعذر المرض والسفر وأعاد هذا الكلام ليعلم أن هذا الحكم ثابت في الناسخ ثبوته في المنسوخ، واختلفوا في المرض الذي يبيح الفطر، فذهب أهل الظاهر إلى أن ما يطلق عليه اسم المرض يبيح الفطر وهو قول ابن سيرين . قال طريف بن تمام العطاردي دخلت على محمد بن سيرين . في رمضان، وهو يأكل فقال: إنه وجعت أصبعي هذه، وقال الحسن و إبراهيم النخعي هو المرض الذي تجوز معه الصلاة قاعداً. وذهب الأكثرون إلى أنه مرض يخاف معه من الصوم زيادة علة غير محتملة، وفي الجملة أته إذا أجهده الصوم أفطر وإن لم يجهده فهو كالصحيح. وأما السفر، فالفطر فيه مباح والصوم جائز عند عامة أهل العلم إلا ما روي عن ابن عباس وأبي هريرة وعروة بن الزبير وعلي بن الحسين أنهم قالوا لا يجوز الصوم في السفر ومن صام فعليه القضاء، واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم } : ليس من البر الصوم في السفر ، { وذلك عند الآخرين في حق من يجهده الصوم فالأولى له أن يفطر، والدليل عليه ما أخبرنا به عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد ابن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا آدم أخبرنا شعبة أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الأنصاري قال سمعت محمد بن عمرو بن الحسن بن علي عن جابر بن عبد الله قال } : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحاماً ورجلاً قد ظلل عليه فقال ما هذا؟ قالوا هذا صائم، فقال: ليس من البر الصوم في السفر }. والدليل على جواز الصوم ما حدثنا الأستاذ أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري أخبرنا أبو نعيم الاسفراييني أخبرنا أبو عوانه أخبرنا أبو أمية أخبرنا عبد الله القواريري أخبرنا حماد بن زيد أخبرنا الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال } : كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر فلا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم }. واختلفوا في أفضل الأمرين، فقالت طائفة: الفطر في السفر أفضل من الصوم، روي ذلك عن ابن عمر وإليه ذهب سعيد بن المسيب و الشعبي ، وذهب قوم إلى أن الصوم أفضل وروي ذلك عن معاذ بن جبل وأنس وبه قال إبراهيم النخعي و سعيد بن جبير ، وقالت طائفة: أفضل الأمرين أيسرهما عليه لقوله تعالى } : يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ، { وهو قول مجاهد و قتادة وعمر بن عبد العزيز، ومن أصبح مقيماً صائماً ثم سافر في أثناء النهار لا يجوز له أن يفطر ذلك اليوم عند أكثر أهل العلم، وقالت طائفة: له أن يفطر، وهو قول الشعبي وبه قال أحمد ، أما المسافر إذا أصبح صائماً فيجوز له أن يفطر بالاتفاق، والدليل عليه ما أخبر عبد الوهاب بن محمد الخطيب أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أخبرنا أبو الهباس الأصم أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان، فصام حتى بلغ كراع الغميم، فصام الناس معه، فقيل له يا رسول الله إن الناس قد شق عليهم الصيام فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون فأفطر بعض الناس وصام بعضهم فبلغه أن ناساً صاموا، فقال أولئك العصاة }. واختلفوا في السفر الذي يبيح الفطر، فقال قوم: مسيرة يوم، وذهب جماعة إلى مسيرة يومين، وهو قول الشافعي رحمه الله، وذهب جماعة إلى مسيرة ثلاثة أيام، وهو قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي. قوله تعالى } : يريد الله بكم اليسر ، { بإباحة الفطر في المرض والسفر ، { ولا يريد بكم العسر ، { قرأ أبو جعفر : العسر واليسر ونحوهما بضم السين، وقرأ الآخرون بالسكون. وقال الشعبي : ما خير رجل بين أمرين فاختار أيسرهما إلا كان ذلك أحبهما إلى الله عز وجل ، { ولتكملوا العدة ، { قرأ أبو بكر بتشديد الميم وقرأ الآخرون بالتخفيف، وهو الاختيار لقوله تعالى } : اليوم أكملت لكم دينكم } (3-المائدة) والواو في قوله تعالى: ولتكملوا العدة واو النسق، واللام لام كي، تقديره: ويريد لكي تكملوا العدة، أي لتكملوا العدة، أي لتكملوا عدة أيام الشهر بقضاء ما أفطرتم في مرضكم وسفركم، وقال عطاء : { ولتكملوا العدة } ، أي عدد أيام الشهر. أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أخبرنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال } : الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين }. أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي أخبرنا محمد بن يحيى أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : لا تقدموا الشهر بصوم يوم ولا يومين إلا أن يوافق ذلك صوماً كان يصومه أحدكم، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين ثم أفطروا }. { ولتكبروا الله ، { ولتعظموا الله ، { على ما هداكم ، { أرشدكم إلى ما رضي به من صوم شهر رمضان وخصكم به دون سائر أهل الملل. قال ابن عباس: هو تكبيرات ليلة الفطر. وروي عن الشافعي وعن ابن المسيب وعروة وأبي سلمة أنهم كانوا يكبرون ليلة الفطر يجهرون بالتكبير، وشبه ليلة النحر بها إلا من كان حاجاً فذكره التلبية. { ولعلكم تشكرون ، { الله على نعمه، وقد وردت أخبار في فضل شهر رمضان وثواب الصائمين. أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الحسني المروزي أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سراج الطحان أخبرنا أبو أحمد بن قريش بن سليمان أخبرنا علي بن عبد العزيز المكي أخبرنا أبو القاسم بن سلام حدثني إسماعيل بن جعفر عن أبي سهل نافع بن مالك عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال } : إذا دخل رمضان صفدت الشياطين، وفتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار }. أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي أخبرنا ابو محمد عبد الجبار بن محمد بن الجراح أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي أخبرنا ابو عيسى محمد بن عيسى الترمذي أخبرنا أبو كريب محمد بن العلاء أخبرنا أبو بكر محمد بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرةقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا كان أول ليلة في شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب ، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب ، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة }. أخبرنا أبو بكر أحمد بن أبي نصر بن أحمد الكوفاني الهروي بها أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عمر ابن محمد التجيبي المصري بهاالمعروف بابن النحاس قيل له أخبركم أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد العنزي البصري بمكة المعروف بابن الأعرابي ؟ أخبرنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني أخبرنا سفيان ابن عيينة عن الزهري أخبرنا أبو سلمةبن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال } : من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه } . أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أخبرنا أبوسعيد خلف بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي نزار حدثنا الحسين ين أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن أسد الصفار أخبرنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن أبي إسحق العنزي أخبرنا علي بن حجر بن إياس السعدي أخبرنا يوسف بن زياد عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن سلمان قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال : { يا أيها الناس إنه قد أظلكم شهر عظيم - وفي رواية قد أطلكم بالطاء- أطل: أشرف، شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً، من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة - أي المساهمة - وشهر يزاد فيه الرزق ومن فطرفيه صائماً كان له مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء قالوا يا رسول الله ليس كلنا نجد ما نفطر به الصائم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائماً على مذقة لبن أو تمرة أو شربة من ماء، ومن أشبع صائماً سقاه الله عز وجل من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة، ومن خفف عن مملوكه فيه غفر الله له وأعتقه من النار حتى يدخل الجنة، وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، فاستكثروا فيه من أربع خصال، خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما، أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما فتسألون الله الجنة، وتعوذون به من النار }. أخبرنا الإمام أبوعلي الحسين بن محمد القاضي أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمش الزيادي أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص التاجر أخبرنا إبراهيم بن عبد الله بن عمر بن بكير الكوفي أخبرنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : كل عمل بني آدم يضاعف له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع الصائم طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، للصائم فرحتان، فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك، الصوم جنة، الصوم جنة }. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا سعيد بن أبي مريم أخبرنا محمد بن مطرف حدثني أبو حازم عن سهل ابن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال } : في الجنة ثمانية أبواب منها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون }. أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة أخبرنا أبو طاهر بن أحمد بن الحارث أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي أخبرنا عبد الله بن محمود أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال أخبرنا عبد الله بن المبارك عن راشد بن سعد عن يحيى بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال } : الصيام والقرآن يشفعان للعبد يقول الصيام: أي رب إني منعته الطعام والشراب والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن رب إني منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ
    +/- -/+  
الأية
186
 
قوله تعالى : { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ، { روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال يهود أهل المدينة: يا محمد كيف يسمع ربنا دعاءنا وأنت تزعم أن بيننا وبين السماء مسيرة خمسمائة عام وإن غلظ كل سماء مثل ذلك، فنزلت هذه الآية، وقال الضحاك : سأل بعض الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله تعالى } : وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ، { وفيه إضمار كأنه قال: فقل لهم إني قريب منهم بالعلم لا يخفى على شيء كما قال } : ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } (16-ق). أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا عبد الواحد عن عاصم عن أبي عثمان عن أبي موسى الأشعري قال: { لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أو قال: لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إنكم تدعون سميعاً قريباً وهو معكم }. قوله تعالى } : أجيب دعوة الداع إذا دعان ، { قرأ أهل المدينة غير قالون و أبو عمرو بإثبات الياء فيهما في الوصل، والباقون بحذفها وصلاً ووقفاً، وكذلك اختلف القراء في إثبات الياءات المحذوفة من الخط وحذفها في التلاوة، ويثبت يعقوب جميعها وصلاًووقفاً، واتفقوا على إثبات ما هو مثبت في الخط وصلاً ووقفاً ، { فليستجيبوا لي ، { قيل: الاستجابة بمعنى الإجابة، أي: فليجيبوا لي بالطاعة، والإجابة في اللغة: الطاعة وإعطاء ما سئل فالإجابة من الله تعالى العطاء، ومن العبد الطاعة، وقيل: فليستجيبوا لي أي ليستدعوا مني الإجابة، وحقيقته فليطيعوني ، { وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ، { لكي يهتدوا، فإن قيل فما وجه قوله تعالى } : أجيب دعوة الداع ، { وقوله ، { ادعوني أستجب لكم ، { وقد يدعى كثيراً فلا يجيب؟ قلنا: اختلفوا في معنى الآيتين قيل معنى الدعاء ههنا الطاعة، ومعنى الإجابة الثواب، وقيل معنى الآيتين خاص وإن كان لفظهما عاماً، تقديرهما } : أجيب دعوة الداع ، { إن شئت، كما قال } : فيكشف ما تدعون إليه إن شاء } (41-الأنعام) أو أجيب دعوة الداعي إن وافق القضاء أو: أجيبه إن كانت الإجابة خيراً له أو أجيبه إن لم يسأل محالاً. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني أخبرنا حميد بن زنجويه أخبرنا عبد الله بن صالح حدثني معاوية بن صالح أن ربيعة بن زيد حدثه عن أبي إدريس عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال } : يستجيب الله لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل قالوا وما الاستعجال يا رسول الله؟ قال: يقول قد دعوتك يارب، قد دعوتك يارب، قد دعوتك يارب، فلا أراك تستجيب لي، فيستحسر عند ذلك فيدع الدعاء }. وقيل هو عام، ومعنى قوله ، { أجيب } ، أي اسمع، ويقال ليس في الآية أكثر من إجابة الدعوة، فأما إعطاء المنية فليس بمذكور فيها، وقد يجيب السيد عبده، والوالد ولده ثم لا يعطيه سؤله فالإجابة كائنة لا محالة عند حصول الدعوة، وقيل معنى الآية أنه لا يخيب دعاءه، فإن قدر له ما سأل أعطاه، وإن لم يقدره له ادخر له الثواب في الآخرة، أو كف عنه به سوءاً والدليل عليه ما أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أبو منصور السمعاني أخبرنا أبو جعفر الرياني أخبرنا حميد زنجويه أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا بن ثوبان وهو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال } : ما على الأرض رجل مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه، الله إياها أو كف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ، { وقيل: إن الله تعالى يجيب دعاء المؤمن في الوقت ويؤخر إعطاء مراده ليدعوه فيسمع صوته ويعجل إعطاء من لا يحبه لأنه يبغض صوته، وقيل: إن للدعاء آداباً وشرائط وهي أسباب الإجابة فمن استكملها كان من أهل الإجابة، ومن أخل بها فهو من أهل الاعتداء في الدعاء فلا يستحق الإجابة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ۗ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
    +/- -/+  
الأية
187
 
قوله تعالى : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ، { فالرفث كناية عن الجماع، قال ابن عباس: إن الله تعالى حيي كريم يكنى كل ما ذكر في القرآن من المباشرة والملامسة والإفضاء والدخول والرفث فإنما عنى به الجماع وقال الزجاج : الرفث كلمة جامعة لكل ما يريده الرجال من النساء، قال أهل التفسير: كان في ابتداء الأمر إذا أفطر الرجل حل له الطعام والشراب والجماع إلى أن يصلي العشاء الآخرة أو يرقد قبلها، فإذا صلى العشاء أو رقد قبلها حرم عليه الطعام والنساء إلىالليلة القابلة، ثم { إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه واقع أهله بعد ما صلى العشاء فلما اغتسل أخذ يبكي ويلوم نفسه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أعتذر إلى الله وإليك من نفسي هذه الخاطئة، إني رجعت إلى أهلي بعدما صليت العشاء فوجدت رائحة طيبة فسولت لي نفسي فجامعت أهلي فهل تجد لي من رخصة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما كنت جديراً بذلك يا عمر فقام رجال فاعترفوا بمثله فنزل في عمر وأصحابه. { أحل لكم } { أي أبيح لكم ، { ليلة الصيام } ، أي في ليلة الصيام ، { الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم } ، أي سكن لكم ، { وأنتم لباس لهن } ، أي سكن لهن دليله. قوله تعالى } : وجعل منها زوجها ليسكن إليها } (189-الأعراف) وقيل لا يسكن شيء كسكون أحد الزوجين لى الآخر، وقيل: سمي كل واحد من الزوجين لباساً لتجردهما عند النوم واجتماعهما في ثوب واحد حتى يصير كل واحد منهما لصاحبه كالثوب الذي يلبسه، وقال الربيع بن أنس: هن فراش لكم وأنتم لحاف لهن، قال أبو عبيدة وغيره: يقال للمرأة هي لباسك وفراشك وإزارك وقيل: اللباس اسم لما يواري الشيء فيجوز أن يكون كل واحد منهما ستراً لصاحبه عما لا يحل كما جاء في الحديث } : من تزوج فقد أحرز ثلثي دينه }. { علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم } ، أي تخونوها وتظلموها بالمجامعة بعد العشاء، قال البراء: لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم، فأنزل الله تعالى ، { علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم } { فتاب عليكم ، { تجاوز عنكم ، { وعفا عنكم ، { محا ذنوبكم ، { فالآن باشروهن ، { جامعوهن حلالاً، سميت المجامعة مباشرة لتلاصق بشرة كل واحد منهم لصاحبه ، { وابتغوا ما كتب الله لكم } ، أي فاطلبوا ما قضى الله لكم، وقيل ما كتب الله لكم في اللوح المحفوظ يعني الولد، قاله أكثر المفسرين، قال مجاهد : ابتغوا الولد إن لم تلد هذه فهذه وقال قتادة : وابتغوا الرخصة التي كتب الله لكم بإباحة الأكل والشرب والجماع في اللوح المحفوظ، وقال معاذ بن جبل: وابتغوا ما كتب الله لكم يعني ليلة القدر. قوله } : وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض ، { نزلت في رجل من الأنصار اسمه أبو صرمة ابن قيس بن صرمة، وقال عكرمة : أبو قيس بن صرمه، وقال الكلبي : أبو قيس صرمة بن أنس بن أبي صرمة، وذلك أنه ظل نهاره يعمل في أرض له وهو صائم، فلما أمسى رجع إلى أهله بتمر، وقال لأهله قدمي الطعام فأرادت المرأة أن تطعمه شيئاً سخيناً فأخذت تعمل له سخينة، وكان في الابتداء من صلى العشاء ونام حرم عليه الطعام والشراب، فلما فرغت من طعامه إذ هي به قد نام وكان قد أعيا وكل فأيقظته فكره أن يعصي الله ورسوله، فأبى أن يأكل فأصبح صائماً مجهوداً، فلم ينتصف النهار حتى غشي عليه، فلما أفاق أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يا أبا قيس مالكأمسيت طليحاً فذكر له ماله فاغتم لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل ، { وكلوا واشربوا } ، يعني في ليالي الصوم ، { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود } ، يعني بياض النهار من سواد الليل، سميا خيطين لأن كل واحد منهما يبدو في الابتداء ممتداً كالخيط. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف اخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا سعيد بن مريم أخبرنا أبو غسان محمد بن مطرف ثنا أبو حازم عن سهل بن سعد قال: أنزلت ، { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، { ولم ينزل قوله } : من الفجر ، { فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود ولا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله تعالى بعده ، { من الفجر ، { فعلموا أنما يعني بهما الليل والنهار. أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا الحجاج بن منهال أخبرنا هشيم أخبرنا حصين بن عبد الرحمن عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال: لما نزلت ، { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، { عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتي فجعلت أنظر إليهما وإلى الليل فلا يستبين لي فغدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك فقال ، { إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار }. أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال } : إن بلالاً ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم ، { قال ، { كان ابن أم مكتوم رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال له أصبحت أصبحت ، { واعلم أن الفجر فجران كاذب وصادق، فالكاذب يطلع أولاً مستطيلاً كذنب السرحان يصعد إلى السماء فبطلوعه لا يخرج الليل ولا يحرم الطعام والشراب على الصائم، ثم يغيب فيطلع بعده الفجر الصادق مستطيراً ينتشر سريعاً في الأفق، فبطلوعه يدخل النهار ويحرم الطعام والشراب على الصائم. أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي أخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي أخبرنا أبو العباس المحبوبي أخبرنا أبو عيسى الترمذي أخبرنا هناد و يوسف بن عيسى قالا: أخبرنا وكيع عن أبي هلال عن سوادة بن حنظلة عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل ولكن الفجر المستطير في الأفق }. قوله تعالى } : ثم أتموا الصيام إلى الليل ، { فالصائم يحرم عليه الطعام والشراب بطلوع الفجر الصادق ويمتد إلى غروب الشمس فإذا غربت حصل الفطر. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا الحميدي أخبرنا سفيان أخبرنا هشام بن عروة قال: سمعت أبي يقول: سمعت عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم }. قوله تعالى } : ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } [وقد نويتم الإعتكاف في المساجد وليس المراد عنمباشرتهن في المساجد لأن ذلك ممنوع منه في غير الاعتكاف] والعكوف هو الإقامة على الشيء والاعتكاف في الشرع هو الإقامة في المسجد على عبادة الله، وهو سنة ولا يجوز في غير المسجد ويجوز في جميع المساجد. أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا عبد الله بن يوسف أخبرنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة ابن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم (( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى، ثم اعتكف أزواجه من بعده )) والآية نزلت في نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يعتكفون في المسجد، فإذا عرضت للرجل منهم الحاجة إلى أهله خرج إليها فجامعها ثم اغتسل، فرجع إلى المسجد فنهوا عن ذلك ليلاً ونهاراً حتى يفرغوا من اعتكافهم، فالجماع حرام في حال الاعتكاف ويفسد به الاعتكاف، أما ما دون الجماع من المباشرات كالقبلة واللمس بالشهوة، فمكروه ولا يفسد به الاعتكاف عند أكثر أهل العلم وهو أظهر قولي الشافعي ، كما لا يبطل به الحج، وقالت طائفة يبطل بها اعتكافه وهو قول مالك ، وقيل إن أنزل بطل اعتكافه وإن لم ينزل فلا كالصوم، وأما اللمس الذي لا يقصد به التلذذ فلا يفسد به الاعتكاف لما أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عمرة بني عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف أدنى إلي رأسه فأرجله وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان )). قوله تعالى } : تلك حدود الله } ، يعني تلك الأحكام التي ذكرها في الصيام والاعتكاف، حدود الله أي: ما منع الله عنها، قال السدي : شروط الله، وقال شهر بن حوشب : فرائض الله، وأصل الحد في اللغة المنع، ومنه يقال للبواب حداد، لأنه يمنع الناس من الدخول، وحدود الله ما منع الله من مخالفتها ، { فلا تقربوها ، { فلا تأتوها ، { كذلك ، { هكذا ، { يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون ، { لكي يتقوها فينجوا من العذاب.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
188
 
قوله تعالى : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ، { قيل نزلت هذه الآية في امرئ القيس بن عايش لكندي ادعى عليه ربيعة بن عبدان الحضرمي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضاً أنه غلبني عليها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي ( ألك بينة )؟ قال لا قال: ( فلك يمينه ) فانطلق ليحلف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : أما إن حلف على ماله ليأكله ظلماً ليلقين الله وهو عنه معرض ، { فأنزل الله هذه الآية ، { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } ، أي لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل أي من غير الوجه الذي أباحه الله، وأصل الباطل الشيء الذاهب، والأكل بالباطل أنواع، قد يكون بطريق الغصب والنهب وقد يكون بطريق اللهو كاللهو كالقمار وأجرة المغني ونحوهما، وقد يكون بطريق الرشوة والخيانة ، { وتدلوا بها إلى الحكام } ، أي تلقوا أمور تلك الأموال بينكم وبين أربابها إلى الحكام، وأصل الإدلاء: إرسال الدلو وإلقاؤه في البئر يقال: أدلى دلوه إذا أرسله، ودلاه يدلوه إذا أخرجه قال ابن عباس: هذا في الرجل يكون عليه مال وليس عليه بينة فيجحد المال ويخاصم فيه إلى الحاكم، وهو يعرف أن الحق عليه وأنه آثم بمنعه، قال مجاهد في هذه الآية: لا تخاصم وأنت ظالم، قال الكلبي : هو أن يقيم شهادة الزور وقوله } : وتدلوا ، { في محل الجزم بتكرير حرف النهي، معناه ولا تدلوا بها إلى الحكام، وقيل معناه: ولا تأكلوا بالباطل وتنسبونه إلى الحكام، قال قتادة : لا تدل بمال أخيك إلى الحاكم وأنت تعلم أنك ظالم فإن قضاءه لا يحل حراماً، وكان شريح القاضي يقول: إني لأقضي لك وإني لأظنك ظالماً ولكن لا يسعني إلا أن أقضي بما من البينة وإن قضائي لا يحل لك حراماً. أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أخبرنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك بن أنس عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال } : إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذنه فإنما أقطع له قطعة من النار }. قوله تعالى } : لتأكلوا فريقاً ، { طائفة ، { من أموال الناس بالإثم ، { بالظلم وقال ابن عباس: باليمين الكاذبة يقطع بها مال أخيه ، { وأنتم تعلمون ، { أنكم مبطلون.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
    +/- -/+  
الأية
189
 
قوله تعالى : { يسألونك عن الأهلة ، { نزلت في معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم الأنصاريين قالا: يا رسول الله ما بال الهلال يبدو دقيقاً ثم يزيد حتى يمتلئ نوراً ثم يعود دقيقاً كما بدأ ولا يكون على حالة واحدة؟ فأنزل الله تعالى } : يسألونك عن الأهلة ، { وهي جمع هلال مثل رداء وأردية سمي هلالاً لأن الناس يرفعون أصواتهم بالذكر عند رؤيته من قولهم استهل الصبي إذا صرخ حين يولد وأهل القوم بالحج إذا رفعوا أصواتهم بالتلبية ، { قل هي مواقيت للناس والحج ، { جمع ميقات أي فعلنا ذلك فعلنا ذلك ليعلم ذلك ليعلم الناس أوقات الحج والعمرة والصوم والإفطار وآجال الديون وعدد النساء وغيرها، فلذلك خالف بينه وبين الشمس التي هي دائمة على حالة واحدة ، { وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها }. قال أهل التفسير: كان الناس في الجاهلية وفي أول الإسلام إذا أحرم الرجل منهم بالحج أو العمرة لم يدخل حائطاً ولا بيتاً ولا داراً من بابه فإن كان من أهل المدر نقب نقباً في ظهر بيته ليدخل منه ويخرج أو يتخذ سلماً فيصعد منه ةوإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخيمة والفسطاط ولا يخل ولا يخرج من الباب حتى يحل من إحرامه ويرون ذلك براً إلا أن يكون من الحمس وهم قريش وكنانة [ وخزاعة وثقيف وخثعم وبنو عامر بن صعصعة وبنو مضر بن معاوية سموا حمساً لتشددهم في دينهم والحماسة الشدة والصلابة ] '' فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بيتاً لبعض الأنصار، فدخل رجل من الأنصار يقال له رفاعة بن التابوت على أثره من الباب وهو محرم فأنكروا عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم دخلت من الباب وأنت محرم؟قال رأيتك دخلت فدخلت على أثرك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أحمس فقال الرجل إن كنت أحمسياً فإني أحمسي رضيت بهديك وسمتك ودينك فأنزل الله تعالى هذه الآية ، { وقال الزهري : كان ناس من الأنصار إذا أهلوا بالعمرة لم يحل بينهم وبين السماء شيء، وكان الرجل يخرج مهلاً بالعمرة فتبدو له الحاجة بعد ما يخرج من بيته فيرجع ولا يدخل من باب الحجرة من أجل سقف البيت أن يحول بينه وبين السماء فيفتح الجدار من ورائه، ثم يقوم في حجرته فيأمر بحاجته حتى بلغنا { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل زمن الحديبية بالعمرة فدخل حجرة فدخل رجل على أثره من الأنصار من بني سلمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لم فعلت ذلك؟ قال لأني رأيتك دخلت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أحمس فقال الأنصاري وأنا أحمس يقول وأنا على دينك فأنزل الله تعالى ، { وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها }". قرأ ابن كثير و ابن عامر و حمزة و الكسائي و أبو بكر : والغيوب والجيوب والعيون وشيوخاً بكسر أوائلهن لمكان الياء وقرأ الباقون بالضم على الأصل وقرأ ابن عامر و حمزة و الكسائي (( جيوبهن )) بكسر الجيم، وقرأ أبو بكر و حمزة (( الغيوب )) بكسر الغين ، { ولكن البر من اتقى } ، أي: البر: بر من اتقى. { وأتوا البيوت من أبوابها ، { في حال الإحرام ، { واتقوا الله لعلكم تفلحون }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ
    +/- -/+  
الأية
190
 
{ وقاتلوا في سبيل الله } ، أي في طاعة الله ، { الذين يقاتلونكم ، { كان في ابتداء الإسلام أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالكف عن قتال المشركين ثم لما هاجر إلى المدينة أمره بقتال من قاتله منهم بهذه الآية، وقال الربيع بن أنس : هذه أول آية نزلت في القتال ثم أمره بقتال المشركين كافة قاتلوا أو لم يقاتلوا بقوله ( فاقتلوا المشركين ) فصارت هذه الآية منسوخة بها، وقيل: نسخ بقوله ( فاقتلوا المشركين ) قريب من سبعين آية وقوله ، { ولا تعتدوا } ، أي لا تبدؤهم بالقتال وقيل: هذه الآية محكمة غير منسوخة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتال المقاتلين ومعنى قوله } : ولا تعتدوا } ، أي لا تقتلوا النساء والصبيان والشيخ الكبير والرهبان ولا من ألقى إليكم السلام هذا قول ابن عباس و مجاهد . أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو بكر بن سهل القهستاني المعروف بأبي تراب أخبرنا محمد بن عيسى الطرسوسي أنا يحيى بن بكير أنا الليث بن سعد عن جرير بن حازم عن شعبة عن علقمة بن يزيد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال ، { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيشاً قال: اغزوا بسم الله، وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، لا تغلوا ولا تقتلوا امرأة ولا وليداً ولا شيخاً كبيراً ، { وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس نزلت هذه الآية في صلح الحديبية، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج مع أصحابه للعمرة وكانوا ألفاً وأربعمائة فساروا حتى نزلوا الحديبية فصدهم المشركون عن البيت الحرام فصالحهم على أن يرجع عامه ذلك على أن يخلوا له مكة عام قابل ثلاثة أيام فيطوف بالبيت فلما كان العام القابل تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لعمرة القضاء وخافوا أن لاتفي قريش بما قالوا وأن يصدوهم عن البيت الحرام وكره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قتالهم في الشهر الحرام وفي الحرم فأنزل الله تعالى ، { وقاتلوا في سبيل الله } ، يعني محرمين ، { الذين يقاتلونكم } ، يعني قريشاً ، { ولا تعتدوا ، { فتبدؤوا بالقتال في الحرم محرمين ، { إن الله لا يحب المعتدين }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ۚ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ ۖ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ۗ كَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ
    +/- -/+  
الأية
191
 
{ قوله تعالى ، { واقتلوهم حيث ثقفتموهم ، { قبل نسخت الآية الأولى بهذه الآية، وأصل الثقافة الحذق والبصر بالأمور، ومعناه واقتلوهم حيث بصرتم مقاتلتهم وتمكنتم من قتلهم ، { وأخرجوهم من حيث أخرجوكم ، { وذلك أنهم أخرجوا المسلمين من مكة، فقال: أخر جوهم من ديارهم كما أخرجوكم من دياركم ، { والفتنة أشد من القتل } ، يعني شركهم بالله عز وجل أشد وأعظم من قتلكم إياهم في الحرم والإحرام ، { ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم ، { قرأ حمزة و الكسائي : ( ولا تقتلوهم حتى يقتلوكم فإن قتلوكم ) بغير ألف فيهن من القتل على معنى ولا تقتلوا بعضهم، تقول العرب: قتلنا بني فلان وإنما قتلوا بعضهم، وقرأ الباقون بالألف من القتال وكان هذا في ابتداء الإسلام كان لا يحل بدايتهم بالقتال في البلد الحرام، ثم صار منسوخاً بقوله تعالى ، { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ، { هذا قول قتادة ، وقال مقاتل بن حيان قوله ، { واقتلوهم حيث ثقفتموهم } ، أي حيث أدركتموهم في الحل والحرم، صارت هذه الآية منسوخة بقوله تعالى } : ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام } ، أي نسختها آية السيف في براءة فهي ناسخة منسوخة. وقال مجاهد وجماعة: هذه الآية محكمة ولا يجوز الابتداء بالقتال في الحرم ، { كذلك جزاء الكافرين }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
192
 
{ فإن انتهوا ، { عن القتال والكفر ، { فإن الله غفور رحيم } ، أي غفور لما سلف رحيم بالعباد

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ۖ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ
    +/- -/+  
الأية
193
 
{ وقاتلوهم } ، يعني المشركين ، { حتى لا تكون فتنة } ، أي شرك يعني قاتلوهم حتى يسلموا فلا يقبل من الوثني إلا الإسلام فإن أبى قتل ، { ويكون الدين } ، أي الطاعة والعبادة (لله) وحده فلا يعبد شيء دونه. قال نافع : جاء رجل إلى ابن عمر في فتنة ابن الزبير فقال ما يمنعك أن تخرج؟ قال: يمنعني أن الله تعالى قد حرم دم أخي، قال: ألا تسمع ما ذكره الله عز وجل ، { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا } (9-الحجرات) قال يا ابن أخي: لأن أعير بهذه الآية ولا أقاتل أحب إلي من أن أعير بالآية التي يقول الله عز وجل فيها ، { ومن يقتل مؤمناً متعمداً } (93-النساء) قال ألم يقل الله ، { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ، { قال قد فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان الإسلام قليلاً وكان الرجل يفتن في دينه إما يقتلونه أو يعذبونه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة وكان الدين كله لله، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله، وعن سعيد بن جبير قال: قال رجل لابن عمر: كيف ترى في قتال الفتنة؟ فقال: هل تدري ما الفتنة؟ كان محمد صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين وكان الدخول عليهم فتنة وليس بقتالكم على الملك ( فإن انتهوا ) عن الكفر وأسلموا ، { فلا عدوان ، { فلا سبيل ( إلا على الظالمين ) قال ابن عباس: يدل عليه قوله تعالى } ، أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي } (28-القصص) وقال أهل المعاني: العدوان الظلم، أي فإن أسلموا فلا نهب ولا أسر ولا قتل ، { إلا على الظالمين ، { الذين بقوا على الشرك وما يفعل بأهل الشرك من هذه الأشياء لا يكون ظلماً، وسماه عدواناً على طريق المجازاة والمقابلة، كما قال ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه ) وكقوله تعالى ، { وجزاء سيئة سيئة مثلها } (40-الشورى) وسمي الكافر ظالماً لأنه يضع العبادة في غير موضعها.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ
    +/- -/+  
الأية
194
 
قوله تعالى : { الشهر الحرام بالشهر الحرام ، { نزلت في عمرة القضاء وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج معتمراً في ذي القعدة فصده المشركون عن البيت بالحديبيةفصالح أهل مكة على أن ينصرف عامه ذلك ويرجع العام القابل فيقضي عمرته، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عامه ذلك ورجع في العام القابل في ذي القعدة وقضى عمرته سنة سبع من الهجرة فذلك معنى قوله تعالى { الشهر الحرام } ، يعني ذا القعدة الذي دخلتم فيه مكة وقضيتم فيه عمرتكم سنة سبع'' بالشهر الحرام } ، يعني ذي القعدة الذي صددتم فيه عن البيت سنة ست ، { والحرمات قصاص ، { جمع حرمة وإنما جمعها لأنه أراد حرمة الشهر الحرام والبلد الحرام وحرمة الإحرام، والقصاص المساواة والمماثلة وهو أن يفعل بالفاعل مثل ما فعل، وقيل هذا في أمر القتال معناه: إن بدؤوكم بالقتال في الشهر الحرام فقاتلوهم فيه ف إنه قصاص بما فعلوا فيه ، { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه ، { وقاتلوهم ، { بمثل ما اعتدى عليكم ، { سمى الجزاء باسم الابتداء على ازدواج الكلام كقوله تعالى ، { وجزاء سيئة سيئة مثلها } (40-الشورى) { واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
    +/- -/+  
الأية
195
 
قوله تعالى : { وأنفقوا في سبيل الله ، { أراد به الجهاد وكل خير هو في سبيل الله، ولكن إطلاقه ينصرف إلى الجهاد ، { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، { قيل: الباء في قوله تعالى ، { بأيديكم ، { زائدة، يريد: ولا تلقوا أيديكم، أي أنفسكم ، { إلى التهلكة ، { عبر عن النفس بالأيدي كقوله تعالى ، { بما كسبت أيديكم } (30-الشورى) أي بما كسبتم، وقيل الباء في موضعها، وفيه حذف، أي لاتلقوا أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة أي الهلاك، وقيل: التهلكة كل شيء يصير عاقبته إلى الهلاك، أي ولا تأخذوا في ذلك، وقيل: التهلكة ما يمكن الاحتراز عنه، والهلاك مالا يمكن الاحتراز عنه، والعرب لا تقول للإنسان ألقى بيده إلا في الشرك، واختلفوا في تأويل هذه الآية فقال بعضهم: هذا في البخل وترك الإنفاق. يقول ، { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، { بترك الإنفاق في سبيل الله وهو قول حذيفة و الحسن و قتادة و عكرمة و عطاء . وقال ابن عباس: في هذه الآية: أنفق في سبيل الله وإن لم يكن لك إلا سهم أو مشقص، ولا يقولن أحدكم إني لا أجد شيئاً، وقال: السدي بها: أنفق في سبيل الله ولو عقالاً ، { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، { ولا تقل: ليس عندي شيء، وقال: سعيد بن المسيب و مقاتل بن حيان : لما أمر الله تعالى بالإنفاق قال رجل: أمرنا بالنفقة في سبيل الله، ولو انفقنا أموالنا بقينا فقراء، فأنزل الله هذه الآية، وقال مجاهد فيها: لا يمنعنكم من نفقة في حق خيفة العيلة. أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني أخبرنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة أخبرنا أبو غسان أخبرنا خالد بن عبد الله الواسطي أخبرنا واصل مولى أبي عيينة عن بشار بن أبي سيف عن الوليد بن عبد الرحمن عن عياض بن غضيف قال: أتينا أبا عبيدة نعوده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول } : من أنفق نفقة فاضلة في سبيل الله فبسبعمائة، ومن أنفق نفقة على أهله فالحسنة بعشر أمثالها }. وقال زيد بن أسلم : كان رجال يخرجون في البعوث بغير نفقة فإما أن يقطع بهم، وإما أن كانوا عيالاً فأمرهم الله تعالى بالإنفاق على أنفسهم في سبيل الله، ومن لم يكن عنده شيء ينفقه فلا يخرج بغير نفقة ولا قوت فيلقي بيده إلى التهلكة، فالتهلكة: أن يهلك من الجوع والعطش أو بالمشي، وقيل: أنزلت الآية في ترك الجهاد، قال أبو أيوب الأنصاري : نزلت فينا معشر الأنصار وذلك أن الله تعالى لما أعز دينه ونصر رسوله قلنا فيما بيننا: إنا قد تركنا أهلنا وأموالنا حتى فشا الإسلام ونصر الله نبيه فلو رجعنا إلى أهلينا وأموالنا فأقمنا فيها فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله تعالى ، { وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، { فالتهلكة الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد، فما زال أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى كان آخر غزوة غزاها بقسطنطينية في زمن معاوية فتوفي هناك ودفن في أصل سور القسطنطينية وهم يستسقون به. وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق }. وقال محمد بن سيرين و عبيدة السلماني : الإلقاء إلى التهلكة هو القنوط من رحمة الله تعالى، قال أبو قلابة : هو الرجل يصيب الذنب فيقول: قد هلكت ليس لي توبة فييأس من رحمة الله، وينهمك في المعاصي، فنهاهم الله تعالى عن ذلك، قال الله تعالى } : إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون } (87-يوسف). قوله تعالى } : وأحسنوا } [أي أحسنوا أعمالكم وأخلاقكم وتفضلوا على الفقراء ، { إن الله يحب المحسنين } 
{ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۖ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ۚ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ۚ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۚ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ۗ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ۗ ذَٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
    +/- -/+  
الأية
196
 
{ قوله عز وجل ، { وأتموا الحج والعمرة لله ، { قرأ علقمة و إبراهيم النخعي ( وأقيموا الحج والعمرة لله ) واختلفوا في إتمامها فقال بعضهم: هو أن يتمها بمناسكهما وحدودهما وسننهما، وهو قول ابن عباس وعلقمة و إبراهيم النخعي و مجاهد ، وأركان الحج خمسة .. الإحرام والوقوف بعرفة، وطواف الزيارة، والسعي بين الصفا والمروة، وحلق الرأس أو التقصير. وللحج تحللان، وأسباب التحلل ثلاثة: رمي جمرة العقبة يوم النحر وطواف الزيارة والحلق، فإذا وجد شيئان من هذه الأشياء الثلاثة حصل التحلل الأول، وبالثلاث حصل التحلل الثاني، وبعد التحلل الأول يستبيح جميع محظورات الإحرام إلا النساء، وبعد الثاني يستبيح الكل، و أركان العمرة أربعة: الإحرام، والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والحلق، وقال سعيد بن جبير و طاووس : تمام الحج والعمرة أن تحرم بهما مفردين مستأنفين من دويرة أهلك، ومثله عن ابن مسعود، وقال قتادة : تمام العمرة أن تعمل في غير أشهر الحج، [فإن كانت في أشهر الحج] ثم أقام حتى حج فهي متعة، وعليه فيها الهدي إن وجده، أو الصيام إن لم يجد الهدي، وتمام الحج أن يؤتى بمناسكه كلها حتى لا يلزم عامله دم بسبب قران ولا متعة وقال الضحاك : إتمامها أن تكون النفقة حلالاً وينتهي عما نهى الله عنه، وقال سفيان الثوري : إتمامها أن تخرج من أهلك لهما، ولا تخرج لتجارة ولا لحاجة. قال عمر بن الخطاب: الوفد كثير والحاج قليل، واتفقت الأمة على وجوب الحج على من استطاع إليه سبيلاً، واختلفوا في وجوب العمرة فذهب أكثر أهل العلم إلى وجوبها وهو قول عمر وعلي وابن عمر وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال: والله عن العمرة لقرينة الحج في كتاب الله، قال الله تعالى } : وأتموا الحج والعمرة لله ، { وبه قال عطاء و مجاهد و طاووس و قتادة و سعيد بن جبير ، وإليه ذهب الثوري و الشافعي في أصح قوليه، وذهب قوم إلى أنها سنة وهو قول جابر وبه قال الشافعي وإليه ذهب مالك وأهل العراق وتأولوا قوله تعالى ، { وأتموا الحج والعمرة لله ، { على معنى أتموهما إذا دخلتم فيهما، أما ابتداء الشروع فيها فتطوع، واحتج من لم يوجبهما بما روي عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه سئل عن العمرة أواجبة هي؟ فقال: لا وأن تعتمروا خير لكم ، { والقول الأول أصح ومعنى قوله ، { وأتموا الحج والعمرة لله } ، أي ابتدؤوهما فإذا دخلتم فيهما فأتموهما فهو أمر بالابتداء والإتمام أي أقيموهما كقوله تعالى } : ثم أتموا الصيام إلى الليل } (187-البقرة) أي ابتدؤوه وأتموه. أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أبو منصور السمعاني أخبرنا أبو جعفر الرياني أخبرنا حميد بن زنجويه أخبرنا ابن أبي شيبة أخبرنا أبو خالد الأحمر عن عمرو بن قيس عن عاصم عن شقيق عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحج المبرور جزاء إلا الجنة ، { وقال ابن عمر: ليس من خلق الله أحد إلا وعليه حجة وعمرة واجبتان إن استطاع إلى ذلك سبيلاً كما قال الله تعالى ، { وأتموا الحج والعمرة لله ، { فمن زاد بعد ذلك فهو خير وتطوع، واتفقت الأمة على أنه يجوز أداء الحج والعمرة على ثلاثة أوجه: الإفراد والتمتع والقران، فصورة الإفراد أن يفرد الحج، ثم بعد الفراغ منه يعتمر وصورة التمتع أن يعتمر في أشهر الحج، ثم بعد الفراغ من أعمال العمرة، يحرم بالحج من مكة فيحج في هذا العام، وصورة القران: أن يحرم بالحج والعمرة معاً أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج قبل أن يفتتح الطواف فيصير قارناً، واختلفوا في الأفضل من هذه الوجوه: فذهب جماعة إلى أن الإفراد أفضل ثم التمنع ثم القران وهو قول مالك و الشافعي لما أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج، فأما من أهل بالعمرة فحل، وأما من أهل بالحج أو جمع بين الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر. أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أخبرنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر رضي الله عنه وهويحدث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لا ننوي إلا الحج، ولا نعرف غيره ولا نعرف العمرة، وروي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج وذهب قوم إلى أن القران أفضل وهو قول الثوري وأصحاب الرأي واحتجوا بما أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم أخبرنا محمد بن هشام بن ملاس النميري أخبرنا مروان بن معاوية الفزاري أخبرنا حميد قال: قال أنس بن مالك رضي الله عنه: أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال } : لبيك بحج وعمرة }. وذهب قوم إلى أن التمتع أفضل، وهو قول أحمد بن حنبل و إسحاق بن راهوية واحتجوا بما أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا يحيى بن بكير أخبرنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج فتمتع الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج فكان من الناس من أهدى فساق الهدي ومنهم من لم يهد، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس ، { من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة، وليقصر وليتحلل، ثم ليهل بالحج فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله } ، فطاف حين قدم مكة، واستلم الركن أول شيء ثم خب ثلاثة أطواف ومشى أربعاً، فركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين، ثم سلم فانصرف، فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف، ثم لم يتحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر وأفاض فطاف بالبيت، ثم حل من كل شيء حرم منه، وفعل مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهدى وساق الهدي من الناس. وعن عروة أن عائشة رضي الله عنها أخبرته عن النبي صلى الله عليه وسلم في تمتعه بالعمرة إلى الحج فتمتع الناس معه بمثل الذي أخبرني سالم عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال شيخنا الإمام رضي الله عنه، قد اختلفت الرواية في إحرام النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا وذكر الشافعي في كتاب اختلاف الأحاديث كلاماً موجزاً أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان منهم المفرد والقارن والمتمتع وكل كان يأخذ منه أمر نسكه ويصدر عن تعليمه، فأضيف الكل إليه على معنى أنه أمر بها وأذن فيها ويجوز في لغة العرب إضافة (الشييء) إلى الآمر به، كما يجوز إضافته إلى الفاعل له كما يقال بنى فلان داراً، وأريد أنه أمر ببنائها، وكما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزاً، وإنما أمر برجمه واختار الشافعي الإفراد لرواية قصة حجة الوداع وآخرها، ولفضل حفظ عائشة رضي الله عنها، وقرب ابن عمر من النبي صلى الله عليه وسلم. ومال الشافعي في اختلاف الأحاديث إلى التمتع، وقال ليس شيء من الاختلاف أيسر من هذا وإن كان الغلط فيه قبيحاً من جهة أنه مباح لأن الكتاب ثم السنة ثم مالا أعلم فيه خلافاً على أن التمتع بالعمرة إلى الحج وإفراد الحج والقران، واسع كله وقال. من قال إنه أفرد الحج يشبه أن يكون مقيماً على الحج إلا وقد ابتدأ إحرامه بالحج قال الشيخ الإمام رحمه الله: ومما يدل على أنه كان متمتعاً أن الرواية عن ابن عمر وعائشة متعارضة، وقد روينا عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (( تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في [حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وقال ابن شهاب عن عروة أن عائشة أخبرته عن النبي صلى الله عليه وسلم] في تمتعه بالعمرة إلى الحج، فتمتع الناس معه بمثل الذي أخبرني سالم عن ابن عمر وقال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { هذه عمرة استمتعنا بها }. وقال سعد بن أبي وقاص في المتعة: صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه. قال الشيخ الإمام: وما روي عن جابر أنه قال: خرجنا لا ننوي إلا الحج - لا ينافي التمتع لأن خروجهم كان لقصد الحج، ثم منهم من قدم العمرة، ومنهم من أهل بالحج إلى أن أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعله متعة قوله تعالى ، { فإن أحصرتم ، { اختلف العلماء في الإحصار الذي يبيح للمحرم التحلل من إحرامه فذهب جماعة إلى أن كل مانع يمنعه عن الوصول إلى البيت الحرام والمعنى في إحرامه من عدو أو مرض أو جرح أو ذهاب نفقة أو ضلال راحلة، يبيح له التحلل، وبه قال ابن مسعود وهو قول إبراهيم النخعي و الحسن و مجاهد و عطاء و قتادة وعروة بن الزبير، وإليه ذهب سفيان الثوري وأهل العراق وقالوا: لأن الإحصار في كلام العرب هو حبس العلة أو المرض، وقال الكسائي وأبو عبيدة ما كان من مرض أو ذهاب نفقة يقال: منه أحصر فهو محصر وما كان من حبس عدو أو سجن يقال: منه حصر محصور، وإنما جعل هاهنا حبس العدو إحصاراً قياساً على المرض إذ كان في معناه، واحتجوا بما روي عن عكرمة عن الحجاج بن عمرو الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل }. قال عكرمة : فسألت ابن عباس وأبا هريرة فقالا صدق. وذهب جماعة إلى أنه لا يباح له التحلل إلا بحبس العدو وهو قول ابن عباس وقال لا حصر إلا حصر العدو، وروي معناه عن ابن عمر وعبد الله بن الزبير وهو قول سعيد بن المسيب و سعيد بن جبير وإليه ذهب الشافعي و أحمد و إسحاق ، وقالوا الحصر والإحصار بمعنى واحد. وقال ثعلب : تقول العرب حصرت الرجل عن حاجته فهو محصور، وأحصره العدو إذا منعه عن السير فهو محصر، واحتجوا بأن نزول هذه الآية في قصة الحديبية وكان ذلك حبساً من جهة العدو ويدل عليه قوله تعالى في سياق الآية ، { فإذا أمنتم ، { والأمن يكون من الخوف، وضعفوا حديث الحجاج بن عمرو بما ثبت عن ابن عباس أنه قال: لا حصر إلا حصر العدو، وتأوله بعضهم على أنه غنما يحل بالكسر والعرج إذا كان قد شرط ذلك في عقد الإحرام كما روي أن ضباعة بنت الزبير كانت وجعة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم } : حجي واشترطي وقولي اللهم محلي حيث حبستني }. ثم المحصر يتحلل بذبح الهدي وحلق الرأس، والهدي شاة وهو المراد من قوله تعالى ، { فما استيسر من الهدي } ، ومحل ذبحه حيث أحصر عند أكثر أهل العلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح الهدي عام الحديبية بها، وذهب قوم إلى أن المحصر يقيم على إحرامه ويبعث بهديه إلى الحرم، ويواعد من يذبحه هناك ثم يحل، وهو قول أهل العراق. واختلف القول في المحصر إذا لم يجد هدياً ففي قول لا بد له فيتحلل والهدي في ذمته إلى أن يجد، والقول الثاني: له بدل، فعلى هذا اختلف القول فيه، ففي قول عليه صوم التمتع، وفي قول تقوم الشاة في فدية الطيب واللبس فإن المحرم إذا احتاج إلى ستر رأسه لحر أو برد أو إلى لبس قميص، أو مرض فاحتاج إلى مداواته بدواء فيه طيب فعل، وعليه الفدية، وفديته على الترتيب والتعديل فعليه ذبح شاة فإن لم يجد يقوم الشاة بدراهم والدراهم يشتري بها طعاماً فيتصدق به، فإن عجز صام عن كل مد يوماً. ثم المحصر إن كان إحرامه بغرض قد استقر عليه فلذلك الغرض في ذمته وإن كان بحج تطوع فهل عليه القضاء؟ اختلفوا فيه فذهب جماعة إلى أنه لا قضاء عليه وهو قول مالك و الشافعي ، وذهب وم إلى أن عليه القضاء، وهو قول مجاهد و الشعبي و النخعي وأصحاب الرأي. قوله تعالى ، { فما استيسر من الهدي } [أي فعليه ما تيسر من الهدي] ومحله رفع وقيل: ما في محل النصب أي فاهدي ما استيسر والهدي جمع هدية وهي اسم لكل ما يهدي إلى بيت الله تقرباً إليه، وما استيسر من الهدي شاة، قاله علي بن أبي طالب وابن عباس، لأنه أقرب إلى اليسر، وقال الحسن و قتادة : أعلاه بدنة وأوسطه بقرة وأدناه شاة. قوله تعالى } : ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله ، { اختلفوافي المحل الذي يحل المحصر ببلوغ هديه إليه فقال بعضهم: هو ذبحه بالموضع الذي أحصر فيه سواء كان في الحل أو في الحرم، ومعنى محله: حيث يحل ذبحه فيه وأكله. أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا عبد الله بن محمد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر أخبرني الزهري أخبرني عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة في قصة الحديبية قال: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه } : قوموا فانحروا ثم احلقوا، فوالله ما قام رجل منهم حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد، دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك فاخرج، ثم لا تكلم أحداً منهم بكلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج ولم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً }. وقال بعضهم: محل هدي المحصر الحرم، فإن كان حاجاً فمحله يوم النحر، وإن كان معتمراً فمحله يوم يبلغ هديه الحرم قوله تعالى ، { فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه } ، معناه لا تحلقوا رؤوسكم في حال الإحرام إلا أن تضطروا إلى حلقه لمرض أو لأذى في الرأس من هوام أو صداع ، { ففدية ، { فيه إضمار، أي: فحلق فعليه فدية نزلت في كعب بن عجرة. أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا الحسن بن خلف أخبرنا إسحاق بن يوسف عن أبي بشر و رقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه وقمله يسقط على وجهه فقال: أيؤذيك هوامك؟ قال نعم فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلق وهو بالحديبية ولم يبين لهم أنهم يحلون بها وهم على طمع أن يدخلوا مكة، فأنزل الله الفدية فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطعم فرقاً بين ستة مساكين أو يهدي شاة أو يصوم ثلاثة أيام. قوله تعالى } : ففدية من صيام } ، أي ثلاثة أيام ، { أو صدقة } ، أي ثلاثة آصع على ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع ، { أو نسك ، { واحدتها نسيكة أي ذبيحة، أعلاها بدنة وأوسطها بقرة وأدناها شاة، أيتها شاء ذبح، فهذه الفدية على التخيير والتقدير، ويتخير بين أن يذبح أو يصوم أو يتصدق، وكل حيث شاء، قوله تعالى } : فإذا أمنتم } ، أي من خوفكم وبرأتم من مرضكم ، { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ، { اختلفوا في هذه المتعة فذهب عبد الله بن الزبير إلى أن معناه: فمن أحصر حتى فاته الحج ولم يتحلل فقدم مكة يخرج من إحرامه بعمل عمرة واستمتع بإحلاله ذلك بتلك العمرة إلى السنة المستقبلة ثم حج فيكون متمتعاً بذلك الإحلال إلى إحرامه الثاني في العام القابل، وقال بعضهم معناه ، { فإذا أمنتم ، { وقد حللتم من إحرامكم بعد الإحصار ولم تقضوا عمرة، وأخرتم العمرة إلى السنة القابلة، فاعتمرتم في أشهر الحج ثم حللتم فاستمتعتم بإحلالكم إلى الحج ثم أحرمتم بالحج، فعليكم ما استيسر من الهدي، وهو قول علقمة و إبراهيم النخعي و سعيد بن جبير ، وقال ابن عباس و عطاء وجماعة: هو الرجل يقدم معتمراً من أفق من الآفاق في أشهر الحج فقضى عمرته وأقام حلالاً بمكة حتى أنشأ منها الحج فحج من عامه ذلك فيكون مستمتعاً بالإحلال من العمرة إلى إحرامه بالحج، فمعنى التمتع هو الاستمتاع بعد الخروج من العمرة بما كان محظوراً عليه في الإحرام إلى إحرامه بالحج. ولوجوب دم التمتع أربع شروط: أحدهما أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، والثاني أن يحج بعد الفراغ من العمرة في هذه السنة، والثالث أن يحرم بالحج في مكة ولا يعود إلى الميقات لإحرامه، الرابع أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام، فمتى وجدت هذه الشرائط فعليه ما استيسر من الهدي، وهو دم شاة يذبحه يوم النحر فلو ذبحها قبله بعد ما أحرم بالحج يجوز عند بعض أهل العلم كدماء الجنايات، وذهب بعضهم إلى أنه لا يجوز قبل يوم النحر كدم الأضحية. قوله تعالى } : فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج } ، أي صوموا ثلاثة أيام، يصوم يوماً قبل التروية ويوم التروية، ويوم عرفة، ولو صام قبله بعدما أحرم بالحج يجوز، ولا يجوز يوم النحر ولا أيام التشريق عند أكثر أهل العلم، وذهب بعضهم وذهب بعضهم لى جواز صوم الثلاث أيام التشريق. يروى ذلك عن عائشة وابن عمر وابن الزبير وهو قول مالك و الأوزاعي و أحمد و إسحاق . قوله تعالى ، { سبعة إذا رجعتم } ، أي صوموا سبعة أيام إذا رجعتم إلى أهليكم وبلدكم، فلو صام السبعة قبل الرجوع إلى أهله لا يجوز، وهو قول أكثر أهل العلم، روي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وقيل يجوز أن يصومها بعد الفراغ من أعمال الحج، وهوالمراد من الرجوع المذكور في الآية. قوله تعالى ، { تلك عشرة كاملة ، { ذكرها على وجه التأكيد وهذا لأن العرب ما كانوا يهتدون إلى الحساب فكانوا يحتاجون إلى فضل شرح وزيادة بيان، وقيل: فيه تقدم وتأخير يعني فصيام عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجعتم فهي عشرة كاملة وقيل: كاملة الثواب والأجر، وقيل: كاملة فيما أريد به من إقامة الصوم بدل الهدي وقيل: كاملة بشروطها وحدودها، وقيل لفظه خبر ومعناه أمر أي فأكملوها ولا تنقصوها ، { ذلك } ، أي هذا الحكم ، { لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ، { واختلفوا في حاضري المسجد الحرام، فذهب قوم إلى أنهم أهل مكة وهو قول مالك ، وقيل: هم أهل الحرم وبه قال طاووس من التابعين وقال ابن جريج : أهل عرفة والرجيع وضجنان ونخلتان، وقال الشافعي رحمه الله: كل من كان وطنه من مكة على أقل من مسافة القصر فهو من حاضري المسجد الحرام، وقال عكرمة : هم من دون الميقات، وقيل هم أهل الميقات فما دونه، وهو قول أصحاب الرأي، ودم القران كدم التمتع والمكي إذا قرن أو تمتع فلا هدي عليه، قال عكرمة : سئل ابن عباس عن متعة الحج فقال: أهل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأهللنا فلما قدمنا مكة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي }. فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة، وأتينا النساء ولبسنا الثياب ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج، فإذا فرغنا فقد تم حجنا وعلينا الهدي، فجمعوا نسكين في عام بين الحج والعمرة فإن الله أنزله في كتابه وسنة نبيه وأباحه للناس من غير أهل مكة قال الله تعالى } : ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام }. ومن فاته الحج، وفواته يكون بفوات الوقوف بعرفة حتى يطلع الفجر يوم النحر، فإنه يتحلل بعمل العمرة، وعليه القضاء من قابل والفدية وهي على الترتيب والتقدير كفدية التمتع والقران. أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن نافع عن سليمان بن يسار أن هناد بن الأسود جاء يوم النحر وعمر بن الخطاب ينحر هديه فقال: يا أمير المؤمنين أخطأنا العدد، كنا نظن أن هذا اليوم يوم عرفة، فقال له عمر: اذهب إلى مكة فطف أنت ومن معك بالبيت واسعوا بين الصفا والمروة وانحروا هدياً إن كان معكم، ثم احلقوا أو قصروا ثم ارجعوا، فإذا كان عام قابل فحجوا واهدوا فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم. { واتقوا الله ، { في أداء الأوامر ، { واعلموا أن الله شديد العقاب ، { على ارتكاب المناهي.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ۚ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ
    +/- -/+  
الأية
197
 
قوله تعالى : { الحج أشهر معلومات } ، أي وقت الحج أشهر معلومات وهي: شوال وذو القعدة وتسع من ذي الحجة إلى طلوع الفجر من يوم النحر، ويروى عن ابن عمر شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة وكل واحد من اللفظين صحيح غير مختلف، فمن قال عشر عبر به عن الليالي ومن قال تسع عبر به عن الأيام، فإن آخر أيامها يوم عرفة، وهو يوم التاسع وإنما قال أشهر بلفظ الجمع وهي شهران وبعض الثالث لأنها وقت والعرب تسمي الوقت تاماً بقليله وكثيره فتقول العرب أتيتك يوم الخميس وإنما أتاه في ساعة منه، ويقول زرتك العام، وإنما زاره في بعضه، وقيل الاثنان فما فوقهما جماعة لأن معنى الجمع ضم الشيء إلى الشيء، فإذا جاز أن يسمى الاثنان جماعة جاز أن يسمى الاثنان وبعض الثالث جماعة وقد ذكر الله تعالى الاثنين بلفظ الجمع فقال ، { فقد صغت قلوبكما } (4-التحريم) أي قلباكما، وقال عروة بن الزبير وغيره: أراد بالأشهر شوالاً وذا القعدة وذا الزيارة بمنى فكانت في حكم الحج ، { فمن فرض فيهن الحج } ، أي فمن أوجب على نفسه الحج بالإحرام والتلبية وفيه دليل على أن من أحرم بالحج في غير أشهر الحج لا ينعقد إحرامه بالحج، وهو قول ابن عباس وجابر وبه قال عطاء و طاووس و مجاهد وإليه ذهب الأوزاعي و الشافعي وقال ينعقد إحرامه بالعمرة لأن الله تعالى خص هذه الأشهر بغرض الحج فيها فلو انعقد في غيرها لم يكن لهذا التخصيص فائدة، كما أنه علق الصلوات بالمواقيت ثم من أحرم بفرض الصلاة قبل دخول وقته لا ينعقد إحرامه عن الفرض وذهب جماعة إلى أنه ينعقد إحرامه بالحج وهو قول مالك و الثوري و أبي حنيفة رضي الله عنهم، وأما العمرة: فجميع أيام السنة لها إلا أن يكون متلبساً بالحج، وروي عن أنس أنه كان بمكة فكان إذا حمم رأسه خرج فاعتمر. قوله تعالى } : فلا رفث ولا فسوق ، { قرأ ابن كثير وأهل البصرة ، { فلا رفث ولا فسوق ، { بالرفع والتنوين فيهما، وقرأ الآخرون بالنصب من غير تنوين كقوله تعالى ، { ولا جدال في الحج ، { وقرأ أبو جعفر كلها بالرفع والتنوين، واختلفوا في الرفث: قال ابن مسعود وابن عباس وابن عمر هو الجماع وهو قول الحسن و مجاهد و عمرو بن دينار و قتادة و عكرمة و الربيع و إبراهيم النخعي ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: الرفث غشيان النساء والتقبيل والغمز، وأن يعرض لها بالفحش من الكلام قال حصين بن قيس أخذ ابن عباس رضي الله عنه بذنب بعيره فجعل يلويه وهو يحدو ويقول: وهن يمشين بنا هميسا إن تصدق الطير ننك لميسا فقلت له أترفث وأنت محرم، فقال إنما الرفث ما قيل عند النساء، قال طاووس : الرفث التعريض للنساء بالجماع وذكره بين أيديهن، وقال عطاء : الرفث قول الرجل للمرأة في حال الإحرام إذا حللت أصبتك، وقيل: الرفث الفحش والقول القبيح، أما الفسوق: قال ابن عباس: هو المعاصي كلها وهو قول طاووس و الحسن و سعيد بن جبير و قتادة و الزهري و الربيع و القرظي ، وقال ابن عمر: هو ما نهي عنه المحرم في حال الإحرام من قتل الصيد وتقليم الأظافر، وأخذ الأشعار، وما أشبههما وقال إبراهيم و عطاء و مجاهد ، هو السباب بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم ، { سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ، { وقال الضحاك هو التنابز بالألقاب بدليل قوله تعالى ، { ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان } (11-الحجرات). أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا آدم أخبرنا سيار أبو الحكم قال سمعت أبا حازم يقول: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول } : من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه }. قوله تعالى ، { ولا جدال في الحج ، { قال ابن مسعود وابن عباس: الجدال أي يماري صاحبه ويخاصمه حتى يغضبه، وهو قول عمرو بن دينار و سعيد بن جبير و عكرمة و عطاء و قتادة ، وقال القاسم بن محمد : هو أن يقول بعضهم الحج ويقول بعضهم الحج غداً، وقال القرظي : كانت قريش إذا اجتمعت بمنى قال هؤلاء: حجنا أتم من حجكم، وقال هؤلاء: حجنا أتم من حجكم وقال مقاتل : هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم في حجة الوداع وقد أحرموا بالحج } : اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي ، { قالوا كيف نجعله عمرة وقد سمينا الحج؟ فهذا جدالهم، وقال ابن زيد : كانوا يقفون مواقف مختلفة كلهم يزعم أن موقفه موقف إبراهيم يتجادلون فيه، وقيل: هو ما كان عليه أهل الجاهلية كان بعضهم يقف بعرفة وبعضهم بالمزدلفة، وكان بعضهم يحج في ذي القعدة وكان بعضهم يحج في ذي الحجة فكل يقول ما فعلته فهو الصواب، فقال جل ذكره ، { ولا جدال في الحج } ، أي استقر أمر الحج على ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا اختلاف فيه من بعد، وذلك معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم } : ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ، { قال مجاهد : معناه ولا شك في الحج أنه في ذي الحجة فأبطل النسيء قال أهل المعاني: ظاهر الآية نفي، ومعناها نهى، أي لا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا، كقوله تعالى ، { لا ريب فيه } ، أي لا ترتابوا ، { وما تفعلوا من خير يعلمه الله } ، أي لا يخفى عليه فيجازيكم به. قوله تعالى } : وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ، { نزلت في ناس من أهل اليمن كانوا يخرجون إلى الحج بغير زاد ويقولون: نحن نحج بيت الله فلا يطعمنا؟ فإذا قدموا مكة سألوا الناس، وربما يفضي بهم الحال إلى النهب والغصب، فقال الله عز وجل ، { وتزودوا } ، أي ما تتبلغون به وتكفون به وجوهكم، قال أهل التفسير: الكعك والزبيب والسويق والتمر ونحوها ، { فإن خير الزاد التقوى ، { من السؤال والنهب ، { واتقون يا أولي الألباب ، { يا ذوي العقول.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ۚ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ۖ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ
    +/- -/+  
الأية
198
 
قوله تعالى : { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم ، { أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا علي بن عبد الله أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية فلما كان الإسلام تأثموا من التجارة فيها فأنزل الله تعالى ، { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم ، { في مواسم الحج، قرأ ابن عباس كذا، وروى عن أبي أمامة التيمي قال: قلت لابن عمر: إنا قوم نكري في هذا الوجه، يعني إلى مكة، فيزعمون أن لا حج لنا، فقال: ألستم تحرمون كما يحرمون وتطوفون كما يطوفون وترمون كما يرمون؟ قلت بلى، قال: أنت حاج: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الذي سألتني عنه فلم يجبه بشيء حتى نزل جبريل بهذه الآية ، { ليس عليكم جناح } ، أي حرج ، { أن تبتغوا فضلاً } ، أي رزقاً ، { من ربكم } ، يعني بالتجارة في مواسم الحج ، { فإذا أفضتم ، { دفعتم، والإفاضة: دفع بكثرة وأصله من قول العرب: أفاض الرجل ماء أي صبه ، { من عرفات ، { هي جمع عرفة، جمع بما حولها وإن كانت بقعة واحدة كقولهم ثوب أخلاق. واختلفوا في المعنى الذي لأجله سمي الموقف واليوم عرفة فقال عطاء : كان جبريل عليه السلام يري إبراهيم عليه السلام المناسك ويقول عرفت؟ فيقول عرفت فسمي ذلك المكان عرفات واليوم عرفة، وقال الضحاك : إن آدم عليه السلام لما أهبط إلى الأرض وقع بالهند وحواء بجدة فجعل كل واحد منهما يطلب صاحبه فاجتمعا بعرفات يوم عرفة وتعارفا فسمي اليوم يوم عرفة والموضع عرفات، وقال السدي لما أذن إبراهيم في الناس بالحج وأجابوه بالتلبية وأتاه من أتاه أمره الله أن يخرج إلى عرفات ونعتها له فخرج فلما بلغ الجمرة عند القعبة استقبله الشيطان ليرده فرماه بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة فطار فوقع على الجمرة الثانية، فرماه وكبر فطار، فلما نظر إليه لم يعرفه فجاز فسمي ذا المجاز، ثم انطلق حتى وقف بعرفات فعرفها بالنعت فسمي الوقت عرفة والموضع عرفات حتى إذا أمسى ازدلف إلى جمع، أي قرب إلى جمع، فسمي المزدلفة. وروي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنه أن إبراهيم عليه السلام رأى ليلة التروية في منامه أنه يؤمر بذبح ابنه فلما أصبح روى يومه أجمع أي فكر، أمن الله تعالى هذه الرؤيا أم من الشيطان؟ فسمي اليوم يوم التروية، ثم رأى ذلك ليلة عرفة ثانياً فلما أصبح عرف أن ذلك من الله تعالى فسمي اليوم يوم عرفة، وقيل سمي بذلك لأن الناس يعترفون في ذلك اليوم بذنوبهم، وقيل سمي بذلك من العرف وهو الطيب، وسمي منىً لأنه يمنى فيه الدم أي يصب فيكون فيه الفروث والدماء ولا يكون الموضع طيباً وعرفات طاهرة عنها فتكون طيبة. قوله تعالى } : فاذكروا الله ، { بالدعاء والتلبية ، { عند المشعر الحرام ، { وهو ما بين جبلي المزدلفة من مأزمي عرفة إلى المحسر، وليس المأزمان ولا المحسر من المشعر، وسمي مشعراً من الشعار وهي العلامة لأنه من معالم الحج، وأصل الحرام: من المنع فهو، ممنوع أن يفعل فيه ما لم يؤذن فيه، وسمي المزدلفة جمعاً: لأنه يجمع فيه بين صلاتي العشاء، والإفاضة من عرفات تكون بعد غروب الشمس، ومن جمع قبل طلوعها من يوم النحر. قال طاووس كان أهل الجاهلية يدفعون من عرفة قبل أن تغيب الشمس ومن مزدلفة بعد أن تطلع الشمس ويقولون: أشرق ثبير كيما نغير فأخر الله هذه وقدم هذه. أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن موسى بن عقبة عن كريب مولى عبد الله بن عباس عن أسامة بن زيد أنه سمعه يقول: (( دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة حتى إذا كان بالشعب نزل فبال، ثم توضأ فلم يسبغ الوضوء، فقلت له: الصلاة يا رسول الله قال: فقال الصلاة أمامك، فركب فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله، ثم أقيمت العشاء فصلاها ولم يصل بينهما شيئاً )). وقال جابر : { دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئاً، ثم اضطجع حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة، فدعاه وكبره وهلله ووحده، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً فدفع قبل أن تطلع الشمس }. أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا زهير بن حرب أخبرنا وهب بن جرير أخبرنا أبي عن يونس الأيلي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أسامة بن زيد كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى المزدلفة ثم أردف الفضل من مزدلفة إلى منى، قال: فكلاهما قال لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة )). قوله تعالى } : واذكروه كما هداكم } ، أي واذكروه بالتوحيد والتعظيم كما ذكركم بالهداية فهداكم لدينه ومناسك حجه ، { وإن كنتم من قبله لمن الضالين } ، أي وقد كنتم، وقيل: وما كنتم من قبله إلا من الضالين. كقوله تعالى } : وإن نظنك لمن الكاذبين } (186-الشعراء) أي: وما نظنك إلا من الكاذبين، والهاء في قوله (( من قبله )) راجعة إلى الهدى، وقيل: إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كناية عن غير مذكور.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ ۚ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
199
 
قوله تعالى : { ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ، { قال أهل التفسير، كانت قريش وحلفاؤها ومن دان بدينها، ويتعظمون أن يقفوا بالمزدلفة ويقولون: نحن أهل الله، وقطان حرمه، فلا نخلف الحرم ولا نخرج منه، ويتعظمون أن يقفوا مع سائر العرب بعرفات، وسائر الناس كانوا يقفون بعرفات، فإذا أفاض الناس من عرفات أفاض الحمس من المزدلفة، فأمرهم الله أن يقفوا بعرفات ويفيضوا منها إلى جمع مع سائر الناس، وأخبرهم أنه سنة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وقال بعضهم خاطب به جميع المسلمين. وقوله تعالى ، { من حيث أفاض الناس ، { من جمع إلى منى، وقالوا لأن الإفاضة من عرفات قبل الإفاضة من جمع، فيكف يسوغ أن يقول فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ثم أفيضوا من عرفات؟ والأول قول أكثر أهل التفسير. وفي الكلام تقدير وتأخير تقديره: فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام. وقيل: ثم بمعنى الواو أي وأفيضوا، كقوله تعالى } : ثم كان من الذين آمنوا } (17-البلد) وأما الناس فهم العرب كلهم غير الحمس. وقال الكلبي : هم أهل اليمن وربيعة، وقال الضحاك : الناس هاهنا إبراهيم عليه السلام وحده كقوله تعالى ، { أم يحسدون الناس } (54-النساء) وأراد محمداً صلى الله عليه وسلم وحده ويقال هذا الذي يقتدى به ويكون لسان قومه وقال الزهري : الناس هاهنا آدم عليه السلام وحده دليله قراءة سعيد بن جبير ثم أفيضوا من حيث أفاض الناسي بالياء ويقال: هو آدم نسي عهد الله حين أكل من الشجرة. أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: سئل أسامة وأنا جالس كيف كان يسير رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حين دفع؟ قال: كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص، قال هشام: والنص فوق العنق. أخبرنا عبد الواحدالمليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا سعيد بن أبي مريم أخبرنا إبراهيم بن سويد حدثني عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب قال أخبرني سعيد بن جبير مولى والبة الكوفي حدثني ابن عباس أنه دفع مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فسمع النبي صلى الله عليه وسلم وراءه زجراً شديداً وضرباً للابل فأشار إليهم وقال } : يا أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بالإيضاع ، { واستغفروا الله إن الله غفور رحيم } .

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ۗ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ
    +/- -/+  
الأية
200
 
قوله تعالى : { فإذا قضيتم مناسككم } ، أي فرغتم من حجكم وذبحتم نسائككم، أي ذبائحكم، يقال: نسك الرجل ينسك نسكا إذا ذبح نسيكته، وذلك بعد رمي جمرة العقبة والاستقرار بمنى. { فاذكروا الله ، { بالتكبير والتحميد والثناء عليه ، { كذكركم آباءكم ، { وذلك أن العرب كانت إذا فرغت من الحج وقفت عند البيت فذكرت مفاخر آبائها، فأمرهم الله تعالى بذكره وقال: فاذكروني فأنا الذي فعلت ذلك بكم وبآبائكم وأحسنت إليكم وإليهم. قال ابن عباس و عطاء : معناه فاذكروا الله كذكر الصبيان الصغار الآباء، وذلك أن الصبي أول ما يتكلم يلهج بذكر أبيه ل بذكر غيره فيقول الله فاذكروا الله لا غير كذكر الصبي أباه أو اشد، وسئل ابن عباس عن قوله ، { فاذكروا الله كذكركم آباءكم ، { فقيل قد يأتي على الرجل اليوم ولا يذكر فيه أباه، قال ابن عباس: ليس كذلك ولكن أن تغضب لله إذا عصي أشد من غضبك لوالديك إذا شتما، وقوله تعالى ، { أو أشد ذكراً } ، يعني: وأشد ذكراً، وبل أشد، أي وأكثر ذكراً ، { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا ، { أراد به المشركين كانوا لا يسألون الله تعالى في الحج إلا الدنيا يقولون اللهم أعطنا غنماً وإبلاً وبقراً وعبيداً، وكان الرجل يقوم فيقول يارب: لإن أبي كان عظيم القبة كبير الجفنة كثير المال فأعطني مثل ما أعطيته، قال قتادة هذا عبد نيته الدنيا لها أنفق ولها عمل ونصب ، { وما له في الآخرة من خلاق ، { من حظ ونصيب

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
    +/- -/+  
الأية
201
 
{ ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } ، يعني المؤمين، واختلفوا في معنى الحسنتين قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الدنيا حسنة: امرأة صالحة، وفي الآخرة حسنة: الجنة. أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد الحنيفي أنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الطوسي أخبرنا أبو بكر أحمد بن يوسف بن خلاد أنا الحارث بن أبي أسامة أنا أبو عبد الرحمن المقري أخبرنا حيوة و ابن لهيعة قالا أخبرنا شرحبيل بن شريك أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يحدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال } : الدنيا كلها متاع وخير متاعها المرأة الصالحة ، { وقال الحسن : في الدنيا حسنة: العلم والعبادة، وفي الآخرة حسنة، الجنة، وقال السدي و ابن حيان : { في الدنيا حسنة ، { رزقاً حلالاً وعملاً صالحاً ، { وفي الآخرة حسنة ، { المغفرة والثواب. أخبرنا أبو بكر بن محمد بن عبد الله بن أبي توبة أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث أخبرنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي أخبرنا عبد الله بن محمود أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن المبارك عن يحيى بن أيوب حدثني عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم أبي عبد الرحمن عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال } : أغبط أوليائي عندي مؤمن خفيف الحاذ ذو حظ من الصلاة أحسن عبادة ربه، فأطاعه في السر، وكان غامضاً في الناس لا يشار إليه بالأصابع، وكان رزقه كفافاً، فصبرعلى ذلك، ثم (نفض بيده) فقال: عجلت منيته قلت بواكيه قل تراثه }. وقال قتادة : في الدنيا عافية وفي الآخرة عافية. وقال عوف في هذه الآية: من آتاه الله الإسلام والقرآن وأهلاً ومالاً فقد أوتي في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة. أخبرنا الشيخ أبو القاسم عبد الله بن علي الكركاني الطوسي أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمش الزيادي أخبرنا أبو الفضل عبدوس بن الحسين بن منصور السمسار أخبرنا أبو حاتم محمد بن ادريس الحنظلي الرازي أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري أخبرنا حميد الطويل عن ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: { رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً قد صار مثل الفرخ فقال: هل كنت تدعو الله بشيء أو تسأله إياه؟ فقال يا رسول الله كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبني به في الآخرة فعجله لي في الدنيا فقال: سبحان الله إذن لا تستطيعه ولا تطيقه فهلا قلت اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار }. أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أبي إسحاق الحجاجي أخبرنا أبو العباس محمد بن عبد الرحمن الدعولي أخبرنا محمد بن مشكان أخبرنا أبو داود أخبرنا شعبة عن ثابت عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول } : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار }. أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أخبرنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا سعيد بن سالم القداح عن ابن جريج عن يحيى بن عبيد مولى السائب عن أبيه عن عبد الله بن السائب أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فيما بين ركن بني جمح والركن الأسود ، { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أُولَٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا ۚ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ
    +/- -/+  
الأية
202
 
{ قوله تعالى ، { أولئك لهم نصيب ، { حظ ، { مما كسبوا ، { من الخير والدعاء بالثواب والجزاء ، { والله سريع الحساب } ، يعني إذا حاسب فحسابه سريع لا يحتاج إلى عقد يد ولا وعي صدر ولا إلى روية ولا فكر. قال الحسن : أسرع من لمح البصر وقيل: معناه إتيان القيامة قريب لأن ما هو كائن لا محالة فهو قريب، قال الله تعالى } : وما يدريك لعل الساعة قريب } (17-الشورى).

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ۚ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
    +/- -/+  
الأية
203
 
{ قوله تعالى ، { واذكروا الله } ، يعني التكبيرات أدبار الصلاة وعند الجمرات يكبر مع كل حصاة وغيرها من الأوقات ، { في أيام معدودات ، { الأيام المعدودات: هي أيام التشريق، وهي أيام منى ورمي الجمار، سميت معدودات لقلتهن كقوله } : دراهم معدودة } (20-يوسف) والأيام المعلومات: عشر ذي الحجة آخرهن يوم النحر. هذا قول أكثر أهل العلم وروي عن ابن عباس المعلومات: يوم النحر ويومان بعده والمعدودات يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق. وقال محمد بن كعب : هما شيء واحد وهي أيام التشريق، وروى عن نبيشة الهذلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله }. ومن الذكر في أيام التشريق: التكبير، واختلفوا فيه فروي عن عمر و عبد الله بن عمر أنهما كانا يكبران بمنى تلك الأيام خلف الصلاة وفي المجلس وعلى الفراش والفسطاط وفي الطريق ويكبر الناس بتكبيرهما ويتأولان هذه الآية. والتكبير أدبار الصلاة مشروع في هذه الأيام في حق الحاج وغير الحاج عند عامة العلماء واختلفوا في قدره فذهب قوم إلى أنه يبتدأ التكبير عقيب صلاة الصبح من يوم عرفة ويختتم بعد العصر من آخر أيام التشريق، يروى ذلك عن علي رضي الله عنه، وبه قال مكحول، وإليه ذهب أبو يوسف رضي الله عنه، وذهب قوم إلى أنه يبتدأ التكبير عقيب صلاة الصبح من يوم عرفة ويختتم بعد العصر من يوم النحر، يروى ذلك عن بن مسعود رضي الله عنه وبه قال أبو حنيفة ، وقال قوم يبتدأ عقيب صلاة الظهر من يوم النحر ويختتم بعد الصبح من آخر أيام التشريق، يروى ذلك عن ابن عباس وبه قال مالك و الشافعي ، قال الشافعي : لأن الناس فيه تبع للحاج وذكر الحاج قبل هذا الوقت التلبية ويأخذون في التكبير يوم النحر من صلاة الظهر، ولفظ التكبير: كان سعيد بن جبير و الحسن يقولان: الله أكبر الله أكبر الله أكبر ثلاثاً نسقاً - وهو قول أهل المدينة، وإليه ذهب الشافعي ، وقال: وما زاد من ذكر الله فهو حسن، وعند أهل العراق يكبر اثنتين يروى ذلك عن ابن مسعود. قوله تعالى } : فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ، { أراد أن من نفر من الحاج في اليوم الثاني من أيام التشريق ، { فلا إثم عليه ، { وذلك أن على الحاج أن يبيت بمنى الليلة الأولى والثانية من أيام التشريق ويرمي كل يوم بعد الزوال إحدى وعشرين حصاة، عند كل جمرة سبع حصيات، ورخص في ترك البيتوتة لرعاء الإبل وأهل سقاية الحاج، ثم كل من رمى اليم الثاني من أيام التشريق وأراد أن ينفر فيدع البيتوتة الليلة الثالثة ورمى يومها فذلك له واسع لقوله تعالى ، { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ، { ومن لم ينفر حتى غربت الشمس فعليه أن يبيت حتى يرمي اليوم الثالث ثم ينفر، قوله تعالى ، { ومن تأخر فلا إثم عليه } ، يعني لا إثم على من تعجل فنفر في اليوم الثاني في تعجيله ومن تأخر حتى ينفر في اليوم الثالث ، { فلا إثم عليه ، { في تأخره. وقيل: معناه ، { فمن تعجل ، { فقد ترخص ، { فلا إثم عليه ، { بالترخص ، { ومن تأخر فلا إثم عليه ، { بترك الترخص وقيل معناه رجع مغفوراً له، لا ذنب عليه تعجل أو تأخر، كما روينا من (( حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه )) وهو قول علي وابن مسعود. قوله تعالى } : لمن اتقى } ، أي لمن اتقى أن يصيب في حجه شيئاً نهاه الله عنه كما قال: (( من حج فلم يرفث ولم يفسق )) قال ابن مسعود: إنما جعلت مغفرة الذموب لمن اتقى الله تعالى في حجه، وفي رواية الكلبي عن ابن عباس معناه ، { لمن اتقى ، { الصيد لا يحل له أن يقتل صيداً حتى تخلو أيام التشريق، وقال أبو العالية ذهب إثمه إن اتقى فيما بقي من عمره [ { واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون ، { تجمعون في الاخرة فيجزيكم بأعمالكم].

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ
    +/- -/+  
الأية
204
 
قوله تعالى : { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ، { قال الكلبي و مقاتل و عطاء : نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة واسمه أبي وسمي الأخنس لأنه خنس يوم بدر بثلاثمائة رجل من بني زهرة عن قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وكان رجلاً حلو الكلام، حلو المنظر، وكان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجالسه ويظهر الإسلام، ويقول إني لأحبك، ويحلف بالله على ذلك، وكان منافقاً، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني مجلسه فنزل قوله تعالى ، { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا } ، أي تستحسنه ويعظم في قلبك، ويقال في الاستحسان أعجبني كذا وفي الكراهية والإنكار عجبت من كذا ، { ويشهد الله على ما في قلبه } ، يعني قول المنافق: والله إني بك مؤمن ولك محب ، { وهو ألد الخصام } ، أي شديد الخصومة، يقال لددت يا هذا وأنت تلد لداً ولدادة، فإذا أردت أنه غلب على خصمه قلت: لده يلده لداً، يقال: رجل ألد وامرأة لداء وقوم لد، قال الله تعالى } : وتنذر به قوماً لداً } (97-مريم). قال الزجاج : اشتقاقه من لديدي العنق وهما صفحتاه، وتأويله: أنه في وجه أخذ من يمين أو شمال في أبواب الخصومة غلب، والخصام مصدر خاصمه خصاماً ومخاصمة قاله أبو عبيدة. وقال الزجاج : هو جمع خصم يقال: خصم وخصام وخصوم مثل بحر وبحار وبحور قال الحسن : ألد الخصام أي كاذب القول، قال قتادة : شديد القسوة في المعصية، جدل بالباطل يتكلم بالحكمة ويعمل بالخطيئة. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا أبو عاصم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال } : إن أبغض الرجال إلى الله تعالى الألد الخصم }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ
    +/- -/+  
الأية
205
 
{ وإذا تولى } ، أي أدبر وأعرض عنك ، { سعى في الأرض } ، أي عمل فيها، وقيل: سار فيها ومشى ، { ليفسد فيها ، { قال ابن جريج قطع الرحم وسفك دماء المسلمين ، { ويهلك الحرث والنسل ، { وذلك أن الأخنس كان بينه وبين ثقيف خصومة فبيتهم ليلاً فأحرق زروعهم وأهلك مواشيهم. قال مقاتل : خرج إلى الطائف مقتضياً مالاً له على غريم فأحرق له كدساً وعقر له أتاناً، والنسل: نسل كل دابة والناس منهم، وقال الضحاك : { وإذا تولى } ، أي ملك الأمر وصار والياً ، { سعى في الأرض ، { قال مجاهد : في قوله عز وجل ، { وإذا تولى سعى في الأرض ، { قال إذا ولي فعمل بالعدوان والظلم أمسك الله المطر وأهلك الحرث والنسل ، { والله لا يحب الفساد } ، أي لا يرضى بالفساد، قال سعيد بن المسيب : قطع الدرهم من الفساد في الأرض.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ
    +/- -/+  
الأية
206
 
{ قوله ، { وإذا قيل له اتق الله } ، أي خف الله ، { أخذته العزة بالإثم } ، أي حملته العزة وحمية الجاهلية على الفعل بالإثم أي بالظلم، والعزة: التكبر والمنعة، وقيل معناه ، { أخذته العزة ، { للإثم الذي في قلبه، فأقام الباء مقام اللام. قوله ، { فحسبه جهنم } ، أي كافية ، { ولبئس المهاد } ، أي الفراش، قال عبد الله بن مسعود: إن من أكبر الذنب عند الله أن يقال: للعبد اتق الله، فيقول: عليك بنفسك. وروي أنه قيل لعمر بن الخطاب: اتق الله، فوضع خده على الأرض تواضعاً لله عز وجل.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ ۗ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ
    +/- -/+  
الأية
207
 
قوله تعالى : { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله } ، أي لطلب رضاء الله تعالى ، { والله رؤوف بالعباد ، { روي عن ابن عباس و الضحاك : أن هذه الآية نزلت في سرية الرجيع وذلك أن كفار قريش بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة: إنا قد أسلمنا فابعث إلينا نفراً من علماء أصحابك يعلموننا دينك، وكان ذلك مكراً منهم، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خبيب بن عدي الأنصاري ومرثد بن أبي مرثد الغنوي وخالد بن بكير وعبد الله بن طارق بن شهاب البلوي وزيد بن الدثنة وأمر عليهم عاصم ابن ثابت بن أبي الأفلح الأنصاري، قال أبو هريرة: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة عيناً وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري فساروا فنزلوا ببطن مكة والمدينة ومعهم تمر عجوة فأكلوا فمرت عجوز فأبصرت النوى فرجعت إلى قومها بمكة وقالت: قد سلك هذا الطريق أهل يثرب من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فركب سبعون رجلاً، منهم معهم الرماح حتى أحاطوا بهم، قال أبو هريرة رضي الله عنه: ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان فنفروا لهم بقريب من مائة رجل رام فاقتفوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزل نزلوه فقالوا: تمر يثرب، فاتبعوا آثارهم، فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد فأحاط بهم القوم فقتلوا مرثداً وخالداً وعبد الله بن طارق، ونثر عاصم بن ثابت كنانته وفيها سبعة أسهم فقتل بكل سهم رجلاً من عظماء المشركين ثم قال: اللهم إني حميت دينك صدر النهار فاحك لحمي آخر النهار، ثم أحاط به المشركون فقتلوه، فلما قتلوه أرادوا حز رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد وكانت قد نذرت حين أصاب ابنها يوم أحد لئن قدرت على رأس عاصم لتشرين في قحفه الخمر فأرسل الله رجلاً من الدبر - وهي الزنابير - فحمت عاصماً فلم يقدروا عليه فسمي حمي الدبر فقالوا دعوه حتى تمسي فتذهب عنه فنأخذه فجاءت سحابة سوداء وأمطرت مطراً كالعزالي فيعث الله الوادي غديراً فاحتمل عاصماً به فذهب به إلى الجنة وحمل خمسين من المشركين إلى النار وكان عاصم قد أعطى الله تعالى عهداً أن لايمسه مشرك ولا يمس مشركاً أبداً. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول حين بلغه أن الدبر منعته يقول: عجباً لحفظ الله المؤمن كان عاصم نذر أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركاً أبداً فمنعه الله بعد وفاته كما امتنع عاصم في حياته. وأسر المشركون خبيب بن عدي الأنصاري، وزريد بن الدثنة فذهبوا بهما إلى مكة، فأما خبيب فابتاعه بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف لقتلوه بأبيهم، وكان خبيب هو الذي قتل الحارث يوم بدر، فلبث خبيب عندهم أسيراً حتى أجمعوا على قتله فاستعار من بنات الحارث موسى ليستحد بها فأعارته فدرج بني لها وهي غافلة فما راع المرأة إلا خبيب قد أجلس الصبي على فخذه والموسى بيده، فصاحت المرأة فقال خبيب: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك إن الغدر ليس من شأننا، فقالت المرأة بعد: والله ما رأيت أسيراً خيراً من خبيب، والله لقد وجدته يوماً يأكل قطفاً من عنب في يده وإنه لموثق بالحديد، وما بمكه من ثمرة، إن كان إلا رزقاً رزقه الله خبيباً، ثم إنهم خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحل وأرادوا أن يصلبوه فقال لهم خبيب دعوني أصلي ركعتين، فتركوه فكان خبيب هو أول من سن لكل مسلم قتل صبراً الصلاة، فركع ركعتين، ثم قال لولا أن يحسبوا أن ما بي جزع لزدت، اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تبق منهم أحداً ثم أنشأ يقول: فلست أبالي حين أقتل مسلماً على أي شق كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع فصلبوه حياً فقال اللهم: إنك تعلم أنه ليس أحد حولي يبلغ سلامي رسولك فأبلغه سلامي، ثم قام أبو سروعة عقبة بن الحرث فقتله. ويقال: كان رجل من المشركين يقال له سلامان، أبو ميسرة، معه رمح فوضعه بين ثديي خبيب فقال له خبيبك اتق الله فما زاده ذلك إلا عتواً فطعنه فأنفذه وذلك قوله عز وجل ، { وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم } ، يعني سلامان. وأما زيد بن الدثنة فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه أمية بن خلف فبعثه مع مولى له يسمى نسطاس إلى التنعيم ليقتله بأبيه واجتمع رهط من قريش فيهم أبو سفيان بن حرب فقال له أبو سفيلن حين قدم ليقتل: أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمداً عندنا الآن بمكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك؟ فقال: والله ما أحب أن محمداً صلى الله عليه وسلم الآن في مكانه الذي هو فيه يصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي. فقال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً يحب أصحاب محمد محمداً، ثم قتله النسطاس. فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخبر قال لأصحابه أيكم (ينزل) خبيباً عن خشبته وله الجنة؟ فقال الزبير: أنا يا رسول الله وصاحبي المقداد بن الأسود، فخرجا يمشيان بالليل ويكمنان بالنهار حتى أتيا التنعيم ليلاً وإذا حول الخشبة أربعون رجلاً من المشركين نائمون نشاوى فأنزلاه فإذا هو رطب ينثي لم يتغير منه شيء بعد أربعين يوماً، ويده على جراحته وهي تبض دماً اللون لون دم والريح ريح المسك، فحمله الزبير على فرسه وسارا فانتبه الكفار وقد فقدوا خبيباً فأخبروا قريشاً فركب منهم سبعون، فلما لحقوهما قذف الزبير خبيباً فابتلعته الأرض فسمي بليع الأرض. فقال الزبير: ما جرأكم علينا يا معشر قريش، ثم رفع العمامة عن رأسه وقال: أنا الزبير بن العوام وأمي صفية بنت عبد المطلب وصاحبي المقداد بن الأسود أسدان رابضان يدفعان عن شبليهما فإن شئتم ناضلتكم وإن شئتم نازلتكم وإن شئتم انصرفتم، فانصروا إلى مكة، وقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل عنده فقال يا محمد إن الملائكة لتباهي بهذين من أصحابك فنزل في الزبير والمقداد بن الأسود ، { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ، { حين شريا أنفسهما لإنزال خبيب عن خشبته. وقال أكثر المفسرين: نزلت في صهيب بن سنان الرومي حين أخذه المشركون في رهط من المؤمنين فعذبوهم، فقال لهم صهيب إني شيخ كبير لا يضركم أمنكم كنت أم من غيركم فهل لكم أن تأخذوا مالي وتذروني وديني؟ ففعلوا، وكان شرط عليهم راحلة ونفقة، فأقام بمكة ما شاء الله ثم خرج إلى المدينة فتلقاه أبو بكر وعمر في رجال، فقال له أبو بكر ربح بيعك يا أبا يحيى، فقال له صهيب: وبيعك فلا تتحسر، قال صهيب: ما ذاك؟ فقال قد أنزل الله فيك، وقرأ عليه هذه الآية. وقال سعيد بن المسيب و عطاء : أقبل صهيب مهاجراً نحو النبي صلى الله عليه وسلم فاتبعه نفر من مشركي قريش فنزل عن راحلته ونثل ما كان في كنانته ، ثم قال : يا معشر قريش لقد علمتم أني لمن أرماكم رجلاً والله لا أضع سهماً مما في كنانتي إلا في قلب رجل منكم وايم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم في كنانتي ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي ثم افعلوا ما شئتم ، وإن شئتم دللتكم على مالي بمكة وخليتم سبيلي قالوا : نعم . ففعل ذلك ، فأنزل الله هذه الآية . وقال الحسن : أتدرون فيمن نزلت هذه الآية ؟ نزلت في المسلم يلقى الكافر فيقول له قل لا إله إلا الله فيأبى أن يقولها ، فقال المسلم والله لأشرين نفسي لله . فتقدم فقاتل وحده حتى قتل . وقيل نزلت الآية في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، قال ابن عباس : أرى من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله يقوم فيأمر هذا بتقوى الله ، فإذا لم يقبل وأخذته العزة بالإثم ، قال وأنا أشري نفسي لله فقاتله فاقتتل الرجلان لذلك ، وكان علي إذا قرأ هذه الآية يقول : اقتتلا ورب الكعبة ، وسمع عمر بن الخطاب إنساناً يقرأ هذه ، { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ، { فقال عمر ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) قام رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل . أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا عبد الرحمن بن شريح أخبرنا أبو القاسم البغوي أخبرنا علي بن الجعد أخبرني حماد بن سلمه عن أبي غالب عن أبي أمامه أن رجلاً قال : يا رسول الله أي الجهاد أفضل ؟ قال : { أفضل الجهاد من قال كلمة حق عند سلطان جائر }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ
    +/- -/+  
الأية
208
 
{ قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ، { قرأ أهل الحجاز و الكسائي السلم ها هنا بفتح السين وقرأ الباقون بكسرها ، وفي سورة الأنفال ، { وإن جنحوا للسلم ، { بالكسر ، وقرأ أبو بكر و الباقون بالفتح ، وفي سورة محمد صلى الله عليه وسلم بالكسر حمزة و أبو بكر . نزلت هذه الآية في مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام النضيري و أصحابه ، وذلك أنهم كانوا يعظمون السبت ويكرهون لحمان الإبل وألبانها بعدما أسلموا وقالوا : يا رسول الله إن التوراة كتاب الله فدعنا فلنقم بها في صلاتنا بالليل فأنزل الله تعالى ، { يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة } ، أي في الإسلام ، قال مجاهد في أحكام أهل الإسلام و أعمالهم ، { كافة } ، أي جميعاً ، وقيل : ادخلوا في الإسلام إلى منتهى شرائعه كافين عن المجاوزه إلى غيره ، وأصل السلم من الاستسلام و الانقياد ، ولذلك قيل للصلح سلم ، قال حذيفة بن اليمان في هذه الآية : الإسلام ثمانيه أسهم فعد الصلاة ، و الزكاة ، و الصوم ، و الحج ، و العمرة ، و الجهاد ، والأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، وقال : قد خاب من لا سهم له . { ولا تتبعوا خطوات الشيطان } ، أي آثاره فيما زين لكم من تحريم السبت ولحوم الإبل وغيره ، { إنه لكم عدو مبين } . أخبرنا محمد بن الحسن المروزي أخبرنا أبو العباس الطحان أخبرنا أبو أحمد محمد بن قريش أخبرنا علي بن عبد العزيز المكي أخبرنا أبو عبيد القاسم بن سلام أخبرنا هشيم أخبرنا مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم حين أتاه عمر فقال إنا نسمع أحاديث من يهود فتعجبنا ، أفترى أن نكتب بعضها ؟ فقال : { أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود و النصارى ؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقيه ولو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي } .

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
209
 
{ فإن زللتم } ، أي ضللتم، وقيل: ملتم، يقال زلت قدمه تزل زلاً وزللاً إذا دحضت، قال ابن عباس: يعني الشرك، قال قتادة : قد علم الله أنه سيزل زالون من الناس فتقدم في ذلك وأوعد فيه ليكون له به الحجة عليهم ، { من بعد ما جاءتكم البينات } ، أي الدلالات الواضحات ، { فاعلموا أن الله عزيز ، { في نقمته ، { حكيم ، { في أمره، فالعزيز: هو الغالب الذي لا يفوته شيء، والحكيم: ذو الإصابة في الأمر.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ ۚ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ
    +/- -/+  
الأية
210
 
قوله تعالى : { هل ينظرون } ، أي هل ينظر التاركون الدخول في السلم والمتبعون خطوات الشيطان يقال: نظرته وانتظرته بمعنى واحد، فإذا كان النظر مقروناً بذكر الله أو بذكر الوجه أو إلى، لم يكن إلا بمعنى الرؤية ، { إلا أن يأتيهم الله في ظلل ، { جمع ظلة ، { من الغمام ، { وهو السحاب الأبيض الرقيق سمي غماماً لأنه يغم أي يستر، وقال مجاهد : هو غير السحاب، ولم يكن إلا لبني اسرائيل في تيههم: قال مقاتل : كهيئة الضباب أبيض، قال الحسن : في سترة من الغمام فلا ينظر [إليه] أهل الأرض ، { والملائكة ، { قرأ أبوجعفر بالخفض عطفاً على الغمام، تقديره: مع الملائكة، تقول العرب: أقبل الأمير في العسكر، أي مع المعسكر، وقرأ الباقون بالرفع على معنى: إلا أن تأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام، والأولى في هذه الآية وما شاكلها أن يؤمن الانسان بظاهرها ويكل علمها إلى الله تعالى، ويعتقد أن الله عز اسمه منزه عن سمات الحدث، على ذلك مضت أئمة السف وعلماء السنة. قال الكلبي : هذا هو المكتوم الذي لا يفسر، وكان مكحول و الزهري و الاوزاعي و مالك و ابن المبارك و سفيان الثوري و الليث بن سعد و و أحمد و اسحاق يقولون فيها وفي أمثالها: أمروها كما جاءت بلا كيف، قال سفيان بن عيينة : كل ما وصف الله به نفسه في كتابه فتفسيره قراءته، والسكوت عنه، ليس لأحد أن يفسره إلا الله تعالى ورسوله. قوله تعالى } : وقضي الأمر } ، أي وجب العذاب، وفرغ من الحساب، وذلك فصل (الله) القضاء بالحق بين الخلق يوم القيامة ، { وإلى الله ترجع الأمور ، { قرأ ابن عامر و حمزة و الكسائي و يعقوب بفتح التاء وكسر الجيم وقرأ الباقون بضم التاء وفتح الجيم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ۗ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
    +/- -/+  
الأية
211
 
قوله تعالى : { سل بني إسرائيل } ، أي سل يا محمد يهود المدينة ، { كم آتيناهم ، { أعطينا آباءهم وأسلافهم ، { من آية بينة ، { دلالة واضحة على نبوة موسى عليه السلام، مثل العصا واليد البيضاء، وفلق البحر وغيرها. وقيل: معناها الدلالات التي آتاهم في التوراة والإنجيل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. { ومن يبدل ، { يغير ، { نعمة الله ، { كتاب الله، وقيل: عهد الله وقيل: من ينكر الدلالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، { من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ۘ وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ
    +/- -/+  
الأية
212
 
{ زين للذين كفروا الحياة الدنيا ، { الأكثرون على أن المزين هو الله تعالى، والتزيين من الله تعالى هو أنه خلق الأشياء الحسنة والمناظر العجيبة، فنظر الخلق إليها بأكثر من قدرها فأعجبتهم ففتنوا بها، وقال الزجاج : زين لهم الشيطان، قيل نزلت هذه الآية في مشركي العرب أبي جهل وأصحابه كانوا يتنعمون بما بسط الله لهم في الدنيا من المال ويكذبون بالمعاد ، { ويسخرون من الذين آمنوا } ، أي يستهزؤون بالفقراء من المؤمنين. قال ابن عباس: أراد بالذين آمنوا عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وصهيباً وبلالاً وخباباً وأمثالهم، وقال مقاتل : نزلت في المنافقين عبد الله بن أبي وأصحابه، كانوا يتنعمون في الدنيا ويسخرون من ضعفاء المؤمنين وفقراء المهاجرين ويقولون انظروا إلى هؤلاء الذين يزعم محمد أنه يغلب بهم، وقال عطاء : نزلت في رؤساء اليهود من بني قريظة والنضير وبني قينقاع سخروا من فقراء المهاجرين فوعدهم الله أن يعطيهم أموال بني قريظة والنضير بغير قتال ، { ويسخرون من الذين آمنوا ، { لفقرهم ، { والذين اتقوا } ، يعني هؤلاء الفقراء ، { فوقهم يوم القيامة ، { لأنهم في أعلى عليين وهم في أسفل السافلين. أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري أخبرنا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزاز أخبرنا أبو بكر محمد بن زكريا العذافري أخبرنا اسحاق الدبري أخبرنا معمر عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : وقفت على باب الجنة فرأيت أكثر أهلها المساكين ووقفت على باب النار فرأيت أكثر أهلها النساء وإذا أهل الجد محبوسون إلا من كان منهم من أهل النار فقد أمر به إلى النار }. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليخي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل ثنا اسحاق بن إبراهيم حدثني عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد الساعدي أنه قال } : مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده جالس ما رأيك في هذا؟ فقال: رجل من أشراف الناس: هذا والله حري إن خطب أن ينكح وإن شفع أن يشفع، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مر رجل آخر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيك في هذا؟ فقال: يا رسول الله إن هذا رجل من فقراء المسلمين هذا حري إن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفع وإن قال أن لا يسمع لقوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير من ملء الأرض مثل هذا }. { والله يرزق من يشاء بغير حساب ، { قال ابن عباس: يعني كثيراً بغير مقدار، لأن كل ما دخل عليه الحساب فهو قليل، يري: يوسع على من يشاء ويبسط لمن يشاء من عباده، وقال الضحاك : يعني من غير تبعة يرزقه في الدنيا ولا يحاسبه في الآخرة، وقيل: هذا يرجع إلى الله تعالى، معناه: يقتر على من يشاء ويبسط على من يشاء ولا يعطي كل أحد بقدر حاجته بل يعطي الكثير من لا يحتاج إليه ولا يعطي القليل من يحتاج إليه فلا يعترض عليه، ولا يحاسب فيما يرزق ولا يقال لم أعطيت هذا وحرمت هذا؟ ولم أعطيت هذا أكثر مما أعطيت ذاك؟ وقيل معناه لا يخاف نفاذ خزائنه فيحتاج إلى حساب ما يخرج منها لأن الحساب من المعطي إنما يكون لمن يخاف من نفاذ خزائنه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۖ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ۗ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
    +/- -/+  
الأية
213
 
قوله تعالى : { كان الناس أمة واحدة ، { على دين واحد، قال مجاهد : أراد آدم وحده، كان أمة واحدحة، قال: سمي الواحد بلفظ الجمع لأنه أصل النسل وأبو البشر، ثم خلق الله تعالى حواء ونشر منهما الناس فانتشروا وكانوا مسلمين إلى أن قتل قابيل هابيل فاختلفوا ، { فبعث الله النبيين ، { قال الحسن و عطاء : كان الناس من وقت وفاة آدم إلى مبعث نوح أمة واحدة على ملة الكفر أمثال البهائم، فبعث الله نوحاً وغيره من النبيين. وقال قتادة و عكرمة : كان الناس من وقت آدم إلى مبعث نوح وكان بينهما عشرة قرون كلهم على شريعة واحدة من الحق والهدى، ثم اختلفوا في زمن نوح فبعث الله إليهم نوحاً، فكان أول نبي بعث، ثم بعث بعده النبيين. وقال الكلبي هم أهل سفينة نوح كانوا مؤمنين ثم اختلفوا بعد وفاة نوح. وروي عن ابن عباس قال: كان الناس على عهد إبراهيم عليه السلام أمة واحدة كفاراً كلهم فبعث الله إبراهيم وغيره من النبيين، وقيل: كان العرب على دين إبراهيم إلى أن غيره عمرو بن لحي. وروي عن أبي العالية عن أبي كعب قال: كان الناس حين ععرضوا على آدم، وأخرجوا من ظهره وأقروا بالعبودية أمة واحدة مسلمين كلهم، ولم يكونوا أمة واحد قط غير ذلك اليوم، ثم اختلفوا بعد آدم نظيره في سورة يونس ، { وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا } { فبعث الله النبيين } (19-يونس) وجملتهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً والرسل منهم ثلثمائة وثلاثة عشر، والمذكورون في القرآن باسك العلم ثمانية وعشرون نبياً ، { مبشرين ، { بالثواب من آمن وأطاع ، { ومنذرين ، { محذرين بالعقاب من كفر وعصى ، { وأنزل معهم الكتاب } ، أي الكتب، تقديره وأنزل مع كل واحد منهم الكتاب ، { بالحق ، { بالعدل والصدق ، { ليحكم بين الناس ، { قرأ أبو جعفر ، { ليحكم ، { بضم الياء وفتح الكاف هاهنا وفي أول آل عمران وفي النور موضعين لأن الكتاب لا يحكم في الحقيقة إنما (الحكم) به، وقراءة العامة بفتح الياء وضم الكاف، أي ليحكم الكتاب ذكره على سعة الكلام كقوله تعالى ، { هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق } (29-الجاثية). وقيل معناه ليحكم كل نبي بكتابه ، { فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه } ، أي في الكتاب ، { إلا الذين أوتوه } ، أي أعطوا الكتاب ، { من بعد ما جاءتهم البينات } ، يعني أحكام التوراة والإنجيل، قال الفراء : ولاختلافهم معنيان: أحدهما كفر بعضهم بكتاب بعض قال الله تعالى } : ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض } (150-النساء) والآخر تحريفهم كتاب الله قال الله تعالى } : يحرفون الكلم عن مواضعه } (46-النساء) وقيل الآية راجعة إلى محمد صلى الله عليه وسلم وكتابه اختلف فيه أهل الكتاب ، { من بعد ما جاءتهم البينات ، { صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتبهم ، { بغياً ، { ظلماً وحسداً ، { بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه } ، أي لما اختلفوا فيه ، { من الحق بإذنه ، { بعلمه وارادته فيهم. قال ابن زيد في هذه الآية: اختلفوا في القبلة فمنهم من يصلي إلى المشرق ومنهم من يصلي إلى المغرب ومنهم من يصلي إلى بيت المقدس، فهدانا الله إلى الكعبة، واختلفوا في الصيام فهدانا الله لشهر رمضان، واختلفوا في الأيام، فأخذت اليهود السبت والنصارى الأحد، فهدانا الله للجمعه واختلفوا في إبراهيم عليه السلام، فقالت اليهود كان يهودياً، وقالت النصارى كان نصرانياً فهدانا الله للحق من ذلك، واختلفوا في عيس فجعلته اليهود لفرية وجعلته النصارى إلهاً وهدانا الله للحق فيه ، { والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ۖ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ
    +/- -/+  
الأية
214
 
قوله تعالى : { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ، { قال قتادة و السدي : نزلت هذه الآية في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد وشدة الخوف والبرد وضيق العيش وأنواع الأذى كما قال الله تعالى } : وبلغت القلوب الحناجر } (10-الأحزاب) وقيل نزلت في حرب أحد. وقال عطاء : لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة اشتد عليهم الضر، لأنهم خرجوا بلا مال وتركوا ديارهم وأموالهم بأيدي المشركين وآثروا رضا الله ورسوله، وأظهرت اليهود العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسر قوم النفاق فأنزل الله تعالى تطييباً لقلوبهم ، { أم حسبتم } ، أي: أحسبتم، والميم صلة، قاله الفراء ، وقال الزجاج : بل حسبتم، ومعنى الآية: أظننتم أيها المؤمنون أن تدخلوا الجنة ، { ولما يأتكم ، { وما صلة ، { مثل الذين خلوا ، { شبه الذين مضوا ، { من قبلكم ، { من النبيين والمؤمنين ، { مستهم البأساء ، { الفقر والشدة والبلاء ، { والضراء ، { المرض والزمانة ، { وزلزلوا } ، أي حركوا بأنواع البلايا والرزايا وخوفوا ، { حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ، { ما زال البلاء بهم حتى استبطؤوا النصر. قال الله تعالى } : ألا إن نصر الله قريب ، { قرأ نافع حتى يقول الرسول بالرفع معناه حتى قال الرسول، وإذا كان الفعل الذي يلي حتى في معنى الماضي ولفظه (لفظ) المستقبل فلك فيه الوجهان الرفع والنصب، فالنصب على ظاهر الكلام، لأن حتى تنصب الفعل المستقبل، والرفع لأن معناه الماضي، وحتى لا تعمل في الماضي. قوله تعالى: ( يسألونك ماذا ينفقون ) نزلت في عمرو بن الجموح، وكان شيخاً كبيراً ذا مال فقال: يا رسول الله بماذا نتصدق وعلى من ننفق؟

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ ۖ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
215
 
{ قوله تعالى: { يسألونك ماذا ينفقون ، { نزلت في عمرو بن الجموح ، وكان شيخا كبيرا ذا مال فقال يا رسول الله بماذا نتصدق وعلى من ننفق ؟ فأنزل الله تعالى ، { يسألونك ماذا ينفقون ، { وفي قوله ، { ماذا ، { وجهان من الإعراب أحدهما أن يكون محله نصباً بقوله (ينفقون) تقديره أي شيء ينفقون والآخر أن يكون رفعاً بما، ومعناه ما الذي ينفقون ، { قل ما أنفقتم من خير } ، أي من مال ، { فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم ، { يجازيكم به قال أهل التفسير: كان هذا قبل فرض الزكاة فنسخت بالزكاة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۗ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
216
 
قوله تعالى : { كتب عليكم القتال } ، أي فرض عليكم الجهاد، واختلف العلماء في حكم هذه الآية فقال عطاء : الجهاد تطوع، والمراد من الآية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيرهم، وإليه ذهب الثوري واحتج من ذهب إلى هذا بقوله تعالى } : فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلاً وعد الله الحسنى } (95-النساء) ولو كان القاعد تاركاً فرضاً لم يكن بعده الحسنى، وجرى بعضهم على ظاهر الآية، وقال: الجهاد فرض على كافة المسلمين إلى قيام الساعة. أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي الخوارزمي أخبرنا أبو اسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أخبرنا أبو عمرو أحمد بن أبي الفراتي أخبرنا أبو الهيثم بن كليب أخبرنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة أخبرنا سعيد بن عثمان السعيدي عن عمر بن محمد بن المنكدر عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق }. وقال قوم، وعليه الجمهور: إن الجهاد فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين مثل صلاة الجنازة ورد السلام، قال الزهري و الأوزاعي : كتب الله الجهاد على الناس غزوا أو قعدوا، فمن غزا فيها ونعمت ومن قعد فهو عدة إن استعين به أعان وإن استنفر نفر وإن استغني عنه قعد. قوله تعالى } : وهو كره لكم } ، أي شاق عليكم قال بعض أهل المعاني: هذا الكره منحيث نفور الطبع عنه لما فيه، من مؤنة المال ومشقة النفس وخطر الروح، لا أنهم كرهوا أمر الله تعالى، وقال عكرمة ، نسخها قوله تعالى } : سمعنا وأطعنا } ، يعني أنهم كرهوه ثم احبوه فقالوا ، { سمعنا وأطعنا }. قال الله تعالى } : وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم ، { لأن في الغزو إحدى الحسنيين إما الظفر والغنيمه وإما الشهادة والجنة ، { وعسى أن تحبوا شيئاً } ، يعني القعود عن الغزو ، { وهو شر لكم ، { لما فيه من فوات الغنيمة والأجر ، { والله يعلم وأنتم لا تعلمون }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
    +/- -/+  
الأية
217
 
{ قوله تعالى.: { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه ، { سبب نزول هذه الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن جحش، وهو ابن عمةالنبي صلى الله عليه وسلم أخت أبيه في جمادى الآخرة، قبل قتال بدر بشهرين على رأس سبعة عشر شهراً من مقدمه إلى المدينة، وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين: سعد بن أبي وقاص الزهري و عكاشة بن محمص الأسدي و عتبة بن غزوان السلمي و أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة و سهيل بن بيضاء و عامر بن ربيعة وواقد بن عبد الله وخالد بن بكير وكتب لأميرهم عبد الله بن جحش كتاباً وقال له. (( سر على اسم الله ولا تنظر في الكتاب حتى تسير يومين فإذا نزلت فافتح الكتاب واقرأه على أصحابك ثم امض لما أمرتك ولا تستكرهن أحداً من أصحابك على السير معك )) فسار عبد الله يومين ثم نزل وفتح الكتاب فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد: فسر على بركة الله بمن معك من أصحابك حتى تنزل بطن نخلة فترصد بها عير قريش لعلك تأتينا منها بخبر، فلما نظر في الكتاب قال: سمعاً وطاعة، ثم قال لأصحابه ذلك، وقال إنه نهاني أن أستكره أحداً منكم، فمن كان يريد الشهادة فلينطلق ومن كره فليرجع، ثم مضى ومضى معه أصحابه لم يتخلف عنه منهم أحد حتى كان بمعدن فوق الفرع بموضع من الحجاز يقال له بحران آضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيراً لهما يعتقبانه فتخلفا في طلبه ومضى ببقية أصحابه حتى نزلوا بطن نخلة بين مكة والطائف. فبينما هم كذلك إذ مرت عير لقريش تحمل زبيباً وادماً وتجارة والطائف، فيهم عمرو بن الحضرمي والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة وعثمان بن عبد الله بن المغيرة وأخوه نوفل بن عبد الله المخزوميان فلما رأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هابوهم، فقال عبد الله بن جحش: إن القوم قد ذعروا منكم فاحلقوا رأس رجل منكم وليتعرض لهم فحلقوا رأس عكاشة ثم أشرف عليهم فقالوا: قوم عمار لا بأس عليكم، فأمنوهم، وكان ذلك في آخر يوم من جمادى الآخرة، وكانوا يرون أنه من جمادى وهو من رجب فتشاور القوم وقالوا لئن تركتموهم الليلة ليدخلن الحرم وليمتنعن منكم، فأجمعوا أمرهم في مواقعة القوم، فرمى واقد بن عبد الله السهمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله فكان أول قتيل من المشركين[وهو أول قتيل في الهجرة وأدى النبي صلى الله عليه وسلم دية ابن الحضرمي إلى ورثته من قريش. قال مجاهد وغيره لأنه كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش عهد، وادع أهل مكة سنين أن لا يقاتلهم ولا يقاتلوه]. واستأسر الحكم وعثمان فكانا أول أسيرين في الإسلام وأفلت نوفل فأعجزهم، واستاق المؤمنون العير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فقالت قريش: قد استحل محمد الشهر الحرام فسفك فيه الدماء وأخذ الحرائب وعير بذلك أهل مكة من كان فيها من المسلمين وقالوا: يا معشر الصباة استحللتم الشهر الحرام وقاتلتم فيه! وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لابن جحش وأصحابه: ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام، ووقف العير والأسيرين، وأبى أن يأخذ شيئاً من ذلك، فعظم ذلك على أصحاب السرية، وظنوا أنهم قد هلكوا وسقط في أيديهم، وقالوا: يا رسول الله إنا قد قتلنا ابن الحضرمي ثم أمسينا فنظرنا إلى هلال رجب فلا ندري أفي رجب أصبناه أم في جمادى؟ وأكثر الناس في ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العير فعزل منها الخمس، فكان أول خمس في الإسلام، وقسم الباقي بين أصحاب السرية، وكان أول غنيمة في الإسلام وبعث أهل مكة في فداء أسيرهم فقال (( بل نقفهم حتى يقدم سعد وعقبة وإن لم يقدما قتلناهما بهما )) فلما قدما فاداهما، فأما الحكم بن كيسان فأسلم وأقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فقتل يوم بئر معونة شهيداً، وأما عثمان بن عبد الله فرجع إلى مكة فمات بها كافراً وأما نوفل فضرب بطن فرسه يوم الأحزاب ليدخل الخندق فوقع في الخندق مع فرسه فتحطما جميعاً فقتله الله، فطلب المشركون جيفته بالثمن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوه فإنه خبيث الجيفة خبيث الدية، فهذا سبب نزول هذه الآية. قوله تعالى } : يسألونك عن الشهر الحرام } ، يعني رجباً سمي بذلك لتحريم القتال فيه. { قتال فيه } ، أي عن قتال فيه ، { قل ، { يا محمد ، { قتال فيه كبير ، { عظيم، تم الكلام هاهنا ثم ابتدأ فقال ، { وصد عن سبيل الله } ، أي فصدكم المسلميين عن الإسلام ، { وكفر به } ، أي كفركم بالله ، { والمسجد الحرام } ، أي المسجد الحرام وقيل صدكم عن المسجد الحرام ، { وإخراج أهله } ، أي إخراج أهل المسجد ، { منه أكبر ، { وأعظم وزراً ، { عند الله والفتنة } ، أي الشرك الذي أنتم عليه ، { أكبر من القتل } ، أي من قتل ابن الحضرمي في الشهر الحرام، فلما نزلت هذه الآية كتب عبد الله بن أنيس إلى مؤمني مكة إذا عيركم المشركون بالقتال في الشهر الحرام فعيروهم أنتم بالكفر وإخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ومنعهم المسلمين عن البيت الحرام، ثم قال } : ولا يزالون } ، يعني مشركي مكة، وهو فعل لا مصدر له مثل ما عسى ، { يقاتلونكم ، { يا معشر المؤمنين ، { حتى يردوكم ، { يصرفوكم ، { عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت ، { جزم بالنسق ، { وهو كافر فأولئك حبطت ، { بطلت ، { أعمالهم ، { حسناتهم ، { في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ، { فقال أصحاب السرية يا رسول الله هل نؤجر على وجهنا هذا، وهل نطمع أن يكون سفرنا هذا غزواً؟

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ ۚ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
218
 
{ فأنزل الله تعالى ، { إن الذين آمنوا والذين هاجروا ، { فارقوا عشائرهم ومنمازلهم وأموالهم ، { وجاهدوا ، { المشركين ، { في سبيل الله ، { طاعة لله، فجعلها جهاداً ، { أولئك يرجون رحمة الله ، { أخبر أنهم على رجاء الرحمة ، { والله غفور رحيم }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ۗ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ
    +/- -/+  
الأية
219
 
قوله تعالى : { يسألونك عن الخمر والميسر ، { الآية، نزلت في عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما ونفر من الأنصار أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله أفتنا في الخمر أفتنا في الخمر والميسر فإنهما مذهبة للعقل مسلبة للمال؟ فأنزل الله هذه الآية. وجملة القول في تحريم الخمر على ما قال المفسرون أن الله تعالى أنزل في الخمر أربع آيات نزلت بمكة وهي } : ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً } (67-النحل) فكان المسلمون يشربونها وهي لهم حلال يومئذ، ثم نزلت في مسألة عمر ومعاذ بن جبل ، { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ، { فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : إن الله قد تقدم في تحريم الخمر ، { فتركها قوم لقوله { إثم كبير ، { وشربها قوم لقوله'' ومنافع للناس ، { إلى أن صنع عبد الرحمن بن عوف كعاماً فدعا ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتاهم بخمر فشربوا وسكروا، وحضرت صلاة المغرب فقدموا بعضهم ليصلي بهم فقرأ ، { قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون ، { هكذا إلى آخر السورة بحذف (( لا )) فأنزل الله تعالى ، { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } (43-النساء) فحرم السكر في أوقات الصلاة وشربوها في غير حين الصلاة، حتى كان الرجل يشرب بعد صلاة العشاء فيصبح وقد زال عنه السكر، ويشرب بعد صلاة الصبح فيصحو إذا جاء وقت الظهر، واتخذ عتبان بن مالك صنيعاً ودعا رجالاً من المسلمين فيهم سعد بن أبي وقاص وكان قد شوى لهم رأس بعير، فأكلوا منه وشربوا الخمر حتى أخذت منهم، ثم إنهم افتخروا عند ذلك (وانتسبوا) وتناشدوا الأشعار، فانشد سعد قصيدة فيها هجاء للأنصار وفخر لقومه فأخذ رجل من الأنصار لحي البعير فضرب به رأس سعد فشجه شجة موضحه فانطلق سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا إليه الأنصاري فقال عمر: اللهم بين لنا رأيك في الخمر بياناً شافياً، فأنزل الله تعالى تحريم الخمر في سورة المائدة. إلى قوله ، { فهل أنتم منتهون }. وذلك بعد غزوة الأحزاب بأيام فقال عمر رضي الله عنه انتهينا يارب، قال أنس حرمت الخمر ولم يكن يومئذ للعرب عيش أعجب منها وما حرم عليهم شيئاً أشد من الخمر. [ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما نزلت الآية في سورة المائدة حرمت الخمر فخرجنا بالحباب إلى الطريق فصببنا ما فيها فمنا كسر صبه ومنا غسله بالماء والطين، ولقد غودرت أزقة المدينة بعد ذلك حيناً فلما مطرت استبان فيها لون الخمر وفاحت منها ريحها ]. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا يعقوب بن إبراهيم أخبرنا ابن علية أخبرنا عبد العزيز بن صهيب قال: قال لي أنس بن مالك ما كان لنا خمر غير فضيحتكم وإني لقائم أسقي أبا طلحة وفلاناً وفلاناً إذ جاء رجل فقال: حرمت الخمر. فقالوا أهرق هذه القلال يا أنس قال فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل. عن أنس: سميت خمراً لأنهم كانوا يدعونها في الدنان حتى تختمر وتتغير، وعن ابن المسيب : لأنها تركت حتى صفا صفوها، ورسب كدرها، واختلف الفقهاء في ماهية الخمر، فقال قوم: هي عصير العنب أو الرطب الذي اشتد وغلا من غير عمل النار فيه، واتفقت الأئمة على أن هذا الخمر نجس يحد شاربه ويفسق ويكفر مستحلها، وذهب سفيان الثوري و أبو حنيفة وجماعة إلى أن التحريم لا يتعدى هذا ولا يحرم ما يتخذ من غيرهما كالمتخذ من الحنطة والشعير والذرة والعسل والفانيد إلا أن يسكر منه فيحرم، وقالوا إذا طبخ عصير العنب والرطب حتى ذهب نصفه فهو حلال ولكنه يكره، وإن طبخ حتى ذهب ثلثاه قالوا هو حلال مباح شربه إلا أن السكر منه حرام، ويحتجون بما روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى بعض عماله أن أرزق المسلمين من الطلاء ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه. ورأى أبو عبيدة ومعاذ شرب الطلاء على الثلث. وقال قوم: إذا طبخ العصير أدنى طبخ صار حلالاً، وهو قول اسماعيل بن علية. وذهب أكثر أهل العلم إلى أن كل شراب أسكر كثيره فهو خمر فقليله حرام يحد شاربه. واحتجوا بما أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو اسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع فقال } : كل شراب أسكر فهو حرام }. أخبرنا أبو عبد الله بن محمد بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني أنا عبد الله بن عمر الجوهري أخبرنا أحمد بن علي الكشميهني أنا علي ابن حجر أنا إسماعيل بن جعفر عن داود ابن بكر بن أبي الفرات عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال } : ما أسكر كثيره فقليله حرام }. أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر الجرجاني أنا عبد الغفار بن محمد الفارسي أنا محمد بن عيسى الجلودي أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحجاج أنا أبو الربيع العتكي أخبرنا حماد بن زيد حدثنا أيوب بن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو مدمنها ولم يتب لم يشربها في الآخرة }. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد ابن إسماعيل أنا أحمد بن أبي رجاء أنا يحيى، عن أبي حيان التيمي عن الشعبي عن ابن عمر قال: خطب عمر على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أنه قد نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة أشياء: من العنب والتمر، والحنطة والشعير والعسل، والخمر ما خامر العقل )). وروى الشعبي عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : إن من العنب خمراً، وإن من التمر خمراً، وإن من العسل خمراً، وإن من البر خمراً وإن من الشعير خمراً ، { فثبت أن الخمر لا يختص بما يتخذ من العنب أو الرطب. أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو اسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه أخبره أن عمر بن الخطاب خرج عليهم فقال اني وجدت من فلان ريح شراب، وزعم أنه شرب الطلاء، وأنا سائل عما شرب فإن كان يسكر جلدته، فجلده عمر الحد تاماً، وما روى عن عمر وأبي عبيدة ومعاذ في الطلاء فهو طبخ حتى خرج عن أن يكون مسكراً. وسئل ابن عباس عن الباذق فقال: سبق محمد فما أسكر فهو حرام. قوله تعالى } : والميسر } ، يعني القمار، قال ابن عباس: كان الرجل في الجاهلية يخاطر الرجل على أهله وماله فأيهما قمر صاحبه ذهب بأهله وماله فأنزل الله تعالى هذه الآية، والميسر: مفعل من قولهم يسر لي الشيء إذا وجب بيسر يسراً وميسراً، ثم قيل للقمار ميسر وللمقامر ياسر ويسر، وكان أصل الميسر في الجزور وذلك أن أهل الثروة من العرب كانوا يشترون جزوراً فينحرونها ويجزؤونها عشرة أجزاء ثم يسهمون عليها بعشرة قداح يقال لها الأزلام والأقلام، لسبعة منها أنصباء وهي: الفذ وله نصيب واحد، والتوأم وله نصيبان، والرقيب وله ثلاثة أسهم، والحلس وله أربعة، والنافس وله خمسة، والمسبل وله ستة، والمعلى وله سبعة، وثلاثة منها: لا أنصباء لها وهي المنيح والسفيح والوغد، ثم يجعلون القداح في خريطة تسمى الربابة ويضعونها على يدي رجل عدل عندهم يسمى المجيل والنفيض، ثم يجيلها ويخرج قدحاً منها باسم رجل منهم، فأيهم خرج سهمه أخذ نصيبه على قدر ما يخرج، فإن خرج له واحد من الثلاثة التي لا أنصباء لها كان يأخذ شيئاً ويغرم ثمن الجزور كله. وقال بعضهم كان لا يأخذ شيئاً ولا يغرم ويكون ذلك القدح لغواً ثم يدفعون ذلك الجزور إلى الفقراء ولا يأكلون منه شيئاً، وكانوا يفتخرون بذلك ويذمون من لم يفعل ذلك ويسمونه البرم وهو أصل القمار الذي كانت تفعله العرب. والمراد من الآية أنواع القمار كلها، قال طاووس و عطاء و مجاهد : كل شيء فيه قمار فهو من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب، وروي عن علي رضي الله عنه في النرد والشطرنج أنهما من الميسر. قوله تعالى } : قل فيهما إثم كبير ، { وزر عظيم من المخاصمة والمشاتمة وقول الفحش، قرأ حمزة و الكسائي إثم كثير بالثاء المثلثة وقرأ الباقون بالباء فالإثم في الخمر والميسر ما ذكره الله في سورة المائدة. { إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون } (91-المائدة) { ومنافع للناس ، { فمنفعة الخمر اللذة عند شربها والفرح واستمراء الطعام وما يصيبون من الربح بالتجارة فيها، ومنفعة الميسر إصابة المال من غير كد ولا تعب وارتفاق الفقراء به. والإثم فيه أنه إذا ذهب ماله من غير عوض ساءه ذلك فعادى صاحبه فقصده بالسوء. { وإثمهما أكبر من نفعهما ، { قال الضحاك وغيره: إثمهما بعد التحريم أكبر من نفعهما قبل التحريم، وقيل: إثمهما أكبر من نفعهما قبل التحريم وهو ما يحصل من العداوة والبغضاء. قوله تعالى } : ويسألونك ماذا ينفقون ، { وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حثهم على الصدقة فقالوا ماذا ننفق؟ فقال ، { قل العفو ، { قرأ أبو عمرو العفو بالرفع، معناه: الذي ينفقون هو العفو. وقرأ الآخرون بالنصب، على معنى قل: أنفقوا العفو. واختلفوا في معنى العفو، فقال قتادة و عطاء و السدي : هو ما فضل عن الحاجة، وكانت الصحابة يكتسبون المال ويمسكون قدر النفقة ويتصدقون بالفضل بحكم هذه الآية، ثم نسخ بآية الزكاة. وقال مجاهد : معناه: التصدق عن ظهر غنى حتى لا يبقى كلاً على الناس. أخذ الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي أنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص التاجر أنا إبراهيم بن عبد الله بن عمر الكوفي أنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول ، { وقال عمرو بن دينار : الوسط من غير إسراف ولا إقتار قال الله تعالى ، { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا } (67-الفرقان) وقال طاووس : ما يسر، والعفو: اليسر من كل شيء (ومنه قوله تعالى) { خذ العفو } (199-الأعراف) أي الميسور من أخلاق الناس. أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أنا سفيان عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال } : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله عندي دينار قال صلى الله عليه وسلم: أنفقه على نفسك قال: عندي آخر قال: أنفقه على ولدك قال: عندي آخر قال: أنفقه على أهلك قال: عندي آخر قال: أنفقه على خادمك قال: عندي آخر قال:أنت أعلم }. قوله تعالى } : كذلك يبين الله لكم الآيات ، { قال الزجاج : إنما قال كذلك على الواحد وهو يخاطب جماعة، لأن الجماعة معناها القبيل كأنه قال: كذلك أيها القبيل، وقيل: هو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم لأن خطابه يشتمل على خطاب الأمة كقوله تعالى } : يا أيها النبي إذا طلقتم النساء } (1-الطلاق). قوله تعالى } : لعلكم تتفكرون }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۗ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ ۚ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
220
 
قوله تعالى : { في الدنيا والآخرة ، { قيل: معناه يبين الله لكم الآيات في أمر النفقة لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة فتحبسون من أموالكم ما يصلحكم في معاش الدنيا وتنفقون الباقي فيما ينفعكم في العقبى، وقال أكثر المفسرين: معناها هكذا: يبين الله لكم الآيات في أمر الدنيا والآخرة ، { لعلكم تتفكرون ، { في زوال الدنيا وفنائها فتزهدوا فيها وفي إقبال الآخرة وبقائها فترغبوا فيها. قوله تعالى } : ويسألونك عن اليتامى ، { قال ابن عباس و قتادة : لما نزل قوله تعالى } : ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } (152-الأنعام) وقوله تعالى ، { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً ، { الآية (10-النساء) تحرج المسلمون من أموال اليتامى تحرجاً شديداً حتى عزلوا أموال اليتامى عن أموالهم حتى كان يصنع لليتيم طعام فيفضل منه شيء فيتركونه ولا يأكلونه حتى يفسد، فاشتد ذلك عليهم فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية } : قل إصلاح لهم خير } ، أي (الإصلاح لأموالهم) من غير أجرة ولا أخذ عوض خير لكم وأعظم أجراً، لما لكم في ذلك من الثواب، وخير لهم، لما في ذلك من توفر أموالهم عليهم، قال مجاهد : يوسع عليهم من طعام نفسه ولا يوسع من طعام اليتيم ، { وإن تخالطوهم ، { هذه إباحة المخالطة أي وإن تشاركوهم في أموالهم وتخلطوها بأموالكم في نفقاتكم ومساكنكم وخدمكم ودوابكم فتصيبوا من أموالهم عوضاً من قيامكم بأمورهم وتكافؤوهم على ما تصيبون من أموالهم ، { فإخوانكم } ، أي فهم إخوانكم، والاخوان يعين بعضهم بعضاً ويصيب بعضهم من أموال بعض على وجه الإصلاح والرضا ، { والله يعلم المفسد ، { لأموالهم ، { من المصلح ، { لها يعني الذي يقصد بالمخالظة الخيانة وإفساد أموال اليتيم وأكله بغير حق من الذي يقصد الإصلاح ، { ولو شاء الله لأعنتكم } ، أي لضيق عليكم وما أباح لكم مخالطتهم، وقال ابن عباس: ولو شاء الله لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقاً لكم، وأصل العنت الشدة والمشقة. ومعناه: كلفكم في كل شيء ما يشق عليكم ، { إن الله عزيز ، { والعزيز الذي يأمر بعزة - سهل على العباد أو شق عليهم ، { حكيم ، { فيما صنع من تدبيره وترك الإعنات.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
    +/- -/+  
الأية
221
 
قوله تعالى : { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ، { سبب نزول هذه الآية أن أبا مرثد الغنوي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ليخرج منها ناساً من المسلمين سراً، فلما قدمها سمعت به امرأة مشركة يقال لها عناق، وكانت خليلته في الجاهلية، فأتته وقالت: يا أبا مرثد ألا تخلو؟ فقال لها ويحك يا عناق إن الإسلام قد حال بيننا وبين ذلك، قالت: فهل لك أن تتزوج بي؟ قال نعم، ولكن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمره، فقالت أبي تتبرم؟ ثم استغاثت عليه فضربوه ضرباً شديداً، ثم خلوا سبيله، فلما قضى حاجته بمكة وانصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه بالذي كان من أمره وأمر عناق وما لقي بسببها وقال: يا رسول الله أيحل لي أن أتزوجها؟ فأنزل الله تعالى ، { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن }. وقيل: الآية منسوخة في حق الكتابيات بقوله تعالى ، { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } (5-المائدة) فإن قيل: كيف أطلقتم اسم الشرك على من لا ينكر إلا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال أبو الحسن ابن فارس لأن من يقول القرآن كلام غير الله فقد أشرك مع الله وغيره، وقال قتادة و سعيد بن جبير : أراد بالمشركاات الوثنيات، فإن عثمان رضي الله عنه تزوج نائلة بنت فرافصة، وكانت نصرانية فأسلمت تحته، وتزوج طلحة بن عبيد الله نصرانية، وتزوج حذيفة يهودية [فكتب إليه عمر رضي الله عنه خل سبيلها. فكتب إليه أتزعم أنها حرام؟ فقال: لا أزعم أنها حرام، ولكني أخاف أن تعاطوا المومسات منهن ]. قوله تعالى } : ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ، { بجمالها ومالها، نزلت في خنساء وليدة سوداء، كانت لحذيفة بن اليمان، يا خنساء قد ذكرت في الولأ الأعلى، على سوادك ودمامتك فأعتقها وتزوجها، وقال السدي ، { نزلت في عبد الله بن رواحة كانت له أمة سوداء فغضب عليها ولطمها ثم فزع فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك فقال له صلى الله عليه وسلم وما هي يا عبد الله؟ قال: هي تشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وتصوم رمضان وتحسن الوضوء وتصلي فقال: هذه مؤمنة قال عبد الله: فوالذي بعثك بالحق نبياً لأعتقنها ولأتزوجنها ففعل ذلك فطعن عليه ناس من المسلمين وقالوا: أتنكح أمة؟ وعرضوا عليه حرة مشركة، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، { قوله تعالى } : ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ، { هذا اجماع: لا يجوز للمسلمة أن تنكح المشرك ، { ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم، أولئك } ، يعني المشركين ، { يدعون إلى النار } ، أي إلى الأعمال الموجبة للنار ، { والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه } ، أي بقضائه وإرادته ، { ويبين آياته للناس } ، أي أوامره ونواهيه ، { لعلهم يتذكرون ، { يتعظون.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ۚ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ
    +/- -/+  
الأية
222
 
قوله تعالى : { ويسألونك عن المحيض ، { أخبرنا أبو طاهر عمر بن عبد العزيز القاشاني أنا أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي أنا أبو علي محمد بن أحمد بن عمر اللؤلؤي أنا أبو داود سليمان الأشعث السجستاني أنا موسى بن إسماعيل أنا حماد بن سلمة أنا ثابت البناني عن أنس بن مالك أن اليهود كانت إذا حاضت المرأة أخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله تعالى ، { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ، { الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء إلا النكاح ، { فقالت اليهود ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئاً من أمرنا إلا حلافنا فيه فجاء أسيد بن حضير و عباد بن بشر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ان اليهود تقول كذا وكذا أفلا ننكحهن في المحيض؟ فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما فخرجا فاستقبللتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهما فسقاهما فظننا أنه لم يجد عليهما. قوله تعالى } : ويسألونك عن المحيض } ، أي عن الحيض وهو مصدر حاضت المرأة تحيض حيضاً ومحيضاً كالسير والمسير، وأصل الحيض الانفجار والسلان وقوله ، { قل هو أذى } ، أي قذر، والأذى كل ما يكره من كل شيء ، { فاعتزلوا النساء في المحيض ، { أراد بالاعتزال ترك الوطء ، { ولا تقربوهن } ، أي لا تجامعوهن، أما الملامسة والمضاجعة معها فجائزة. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا قبيصة أنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (( كنت اغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد كلانا جنب وكان يأمرني أن أتزر فيباشرني وأنا حائض وكان يخرج رأسه إلي وهو معتكف فأغسله وأنا حائض )). أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا سعد بن حفص أنا شيبان عن يحيى عن أبي سلمة عن زينب بنت أبي سلمة حدثته عن أم سلمة قالت: (( حضت وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخميلة فانسللت فخرجت منها فأخذت ثياب حيضي فلبستها فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنفست؟ قلت: نعم، فدعاني فأدخلني معه في الخميلة )). أخبرنا أبو القاسم بن عبد الله بن محمد الحنيفي أنا أبو الحارث طاهر بن محمد الطاهري أنا أبو محمد الحسن بن محمد بن حكيم أنا أبو الموجه محمد بن عمرو أنا صدقة أنا وكيع أنا مسعر و سفيان عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (( كنت أشرب وأنا حائض فأناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في وأتعرق العرق فيتناوله فيضع فاه على موضع في )). فوطء الحائض حرام، ومن فعله يعصي الله عز وجل ويعزره الإمام، إن علم منه ذلك، واختلف أهل العلم في وجوب الكفارة عليه، فذهب أكثرهم إلى أنه لا كفارة عليه فيستغفر الله ويتوب إليه. وذهب قوم إلى وجوب الكفارة عليه منهم: قتادة و الأوزاعي و أحمد و إسحاق ، لما أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا عبد الرحمن بن أبي شريح أنا القاسم البغوي أنا علي بن الجعد أنا أبو جعفر الرازي عن عبد الكريم بن أبي المخارق عن مقسم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال رجل جامع امرأته وهي حائض قال } : إن كان الدم عبيطاً فليتصدق بدينار، وإن كان صفرة فبنصف دينار }. ويروى هذا موقوفاً عن ابن عباس، ويمنع الحيض جواز الصلاة ووجوبها، ويمنع جواز الصوم، ولا يمنع وجوبه، حتى إذا طهرت يجب عليها قضاء الصوم ولا يجب قضاء الصلاة، وكذلك النفساء. أخبرنا أبو عثمان بن اسماعيل الضبي أنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي أنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي أنا أبو عيسى الترمذي أنا علي بن حجر أنا علي بن مسهر عن عبيده بن معتب الضبي عن إبراهيم النخعي عن الأسود عن عائشة قالت: (( كنا نحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نطهر فيأمرنا بقضاء الصيام ولا يأمرنا بقضاء الصلاة )). ولا يجوز للحائض الطواف بالبيت ولا الاعتكاف في المسجد، ولا مس المصحف، ولا قراءة القرآن، ولا يجوز للزوج غشيانها. أخبرنا عمر بن عبد العزيز أنا القاسم بن جعفر أنا أبو علي اللؤلؤي أنا أبو داود أنا مسدد أنا عبد الواحد بن زياد أنا أفلت بن خليفة قال: حدثني جسرة بنت دجاجة قالت: سمعت عائشة تقول جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال } : وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب }. قوله تعالى } : حتى يطهرن ، { قرأ عاصم برواية أبي بكر و حمزة و الكسائي بتشديد الطاء والهاء يعني: حتى يغتسلن، وقرأ الآخرون بسكون الطاء وضم الهاء، فخفف، ومعناه حتى يطهرن من الحيض وينقطع دمهن ، { فإذا تطهرن } ، يعني اغتسلن ، { فاتوهن } ، أي فجامعوهن ، { من حيث أمركم الله } ، أي من حيث أمركم أن تعتزلوهن منه، وهو الفرج، قاله مجاهد و قتادة و عكرمة ، وقال ابن عباس: طؤوهن في الفرج ولا تعدوه إلى غيره أي اتقوا الأدبار، وقيل (من) بمعنى (في) أي في حيث أمركم الله تعالى وهو الفرج، كقوله تعالى } : إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة } (9-الجمعة) أي في يوم الجمعة وقيل ، { فاتوهن ، { من الوجه الذي أمركم الله أن تأتوهن وهو الطهر، وقال ابن الحنفية: من قبل الحلال دون الفجور، وقيل: لا تأتوهن صائمات ولا معتكفات ولا محرمات: وأتوهن وغشيانهن لكم حلال، واعلم أنه لا يرتفع تحريم شيء مما منعه الحيض بانقطاع الدم ما لم تغتسل أو تتيمم عند عدم الماء إلا تحريم الصوم، فإن الحائض إذا انقطع دمها بالليل ونوت الصوم فوقع غسلها بالنهار صح صومها، والطلاق في حال الحيض يكون بدعياً، وإذا طلقها بعد انقطاع الدم قبل الغسل لا يكون بدعياً، وذهب أبو حنيفة رضي الله عنه إلى أنه إذا انقطع دمها لأكثر الحيض وهو عدة عشرة أيام يجوز للزوج غشيانها قبل الغسل، وقال مجاهد و طاووس : إذا غسلت فرجها جاز للزوج غشيانها قبل الغسل. وأكثر أهل العلم على التحريم ما لم تغتسل أو تتيمم عند عدم الماء، لأن الله تعالى علق جواز وطئها بشرطين: بانقطاع الدم والغسل، فقال (حتى يطهرن) يعني من الحيض (فإذا تطهرن) يعني اغتسلن (فأتوهن) ومن قرأ يطهرن بالتشديد فالمراد من ذلك: الغسل كقوله تعالى ، { وإن كنتم جنباً فاطهروا } (6-المائدة) أي فاغتسلوا فدل على أن قبل الغسل لا يحل الوطء. قوله تعالى } : إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ، { قال عطاء و مقاتل بن سليمان و الكلبي : يحب التوابين من الذنوب، ويحب المتطهرين بالماء من الأحداث والنجاسات، وقال مقاتل بن حيان : يحب التوابين من الذنوب والمتطهرين من الشرك، وقال سعيد بن جبير : التوابين من الشرك والمتطهرين من الذنوب، وقال مجاهد التوابين من الذنوب لا يعودون فيها والمتطهرين منها لم يصيبوها، والتواب: الذي كلما أذنب تاب، نظيره قوله تعالى } : فإنه كان للأوابين غفوراً } (25-الاسراء).

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ
    +/- -/+  
الأية
223
 
قوله تعالى : { نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم ، { أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرنا عبد الله بن حامد الاصبهاني أخبرنا محمد بن يعقوب أنا ابن المنادي أنا يونس أنا يعقوب القمي عن جعفر بن المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (( يا رسول الله هلكت، قال وما الذي أهلكك؟ قال: حولت رحلي البارحة، فلم يرد عليه شيئاً، فأوحى الله إليه ، { نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم ، { يقول أدبر وأقبل واتق الدبر والحيضة. أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أحمد بن الحسين الحيري أنا حاجب بن أحمد الطوسي أنا عبد الرحيم بن منيب أنا ابن عيينة عن ابن المنكدر أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : كانت اليهود تقول في الذي يأتي امرأته من دبرها في قبلها : إن الولد يكون أحول ، فنزلت ، { نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم } . وروى مجاهد عن ابن عباس قال كان من شأن أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلا على حرف وذلك أستر ما تكون المرأة ، وكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم ، وكان هذا الحي من قريش يتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات ، فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار ، فذهب يصنع بها ذلك فأنكرت عليه وقالت إنا كنا نؤتى على حرف فإن شئت فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني ، حتى سرى أمرهما ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى ، { نساؤكم حرث لكم ، { الآية يعني موضع الولد ، { فاتوا حرثكم أنى شئتم ، { مقبلات ومدبرات ومستلقيات وأنى حرف استفهام يكون سؤالاً عن الحال و المحل ، معناه : كيف شئتم وحيث شئتم ، بعد أن يكون في صمام واحد ، وقال عكرمة ، { أنى شئتم ، { إنما هو الفرج ، ومثله عن الحسن ، وقيل ، { حرث لكم } ، أي مزرع لكم ومنبت للولد ، بمنزلة الأرض التي تزرع ، وفيه دليل على تحريم الأدبار ، لأن محل الحرث و الزرع هو القبل لا الدبر. وقال سعيد بن المسيب هذا في العزل ، يعني إن شئتم فاعزلوا ، وإن شئتم فلا تعزلوا وسئل ابن عباس عن العزل فقال : حرثك إن شئت فأعطش ، وإن شئت فأرو ، وروى عنه أنه قال : تستأمر الحرة في العزل ولا تستأمر الجارية ، وبه قال أحمد وكره جماعة العزل وقالوا : هو الوأد الخفي ، وروى عن مالك عن نافع قال كنت أمسك على ابن عمر الصحف فقرأ هذه الآية ، { نساؤكم حرث لكم ، { فقال أتدري فيم نزلت هذه الآية ؟ قلت لا قال : نزلت في رجل اتى امرأته في دبرها ، فشق ذلك عليه فنزلت هذه الآية . ويحكى عن مالك إباحة ذلك ، وأنكر ذلك أصحابه ، وروي عن عبد الله بن الحسن أنه لقي سالم بن عبد الله فقال له يا أبا عمر ما حديث يحدث نافع عن عبد الله أنه لم يكن يرى بأساً بإتيان النساء في أدبارهن فقال : كذب العبد وأخطأ ، إنما قال عبد الله : يؤتون في فروجهن من أدبارهن ، و الدليل على تحريم الأدبار ما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد بن الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أخبرنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أخبرنا الشافعي أنا عمر محمد بن علي بن شافع أخبرني عبد الله بن علي بن السائب عن عمرو بن أحيحة بن الجلاح عن خزيمة بن ثابت أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن اتيان النساء في أدبارهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم ، { في أي الخرمتين أو في أي الخرزتين أو في أي الخصفتين أمن دبرها في قبلها فنعم أو من دبرها في دبرها فلا ، فإن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن }. أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو اسحاق الثعلبي أنا عبد الله الحسين بن محمد الحافظ أنا عمر بن أحمد بن القاسم النهاوندي أخبرنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي أنا عبد الله بن أبان أنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن مسلم بن خالد عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ملعون من أتى امرأته في دبرها }. قوله تعالى : { وقدموا لأنفسكم ، { قال عطاء : التسمية عند الجماع قال مجاهد ، { وقدموا لأنفسكم } ، يعني إذا أتى أهله فليدع . أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن اسماعيل أنا عثمان بن أبي شيبة أنا جرير عن منصور عن سالم عن كريب عن ابن عباس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ، { لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال : بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبداً } . وقيل قدموا لأنفسكم يعني : طلب الولد . أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني أخبرنا عبد الله بن عمر الجوهري أنا أحمد بن علي الكشميهني أنا علي بن حجر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له } ، وقيل : هو التزوج بالعفائف ليكون الولد صالحاً . أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن اسماعيل أنا مسدد أنا يحيى عن عبيد الله حدثني سعيد ابن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها و لجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ، { وقيل معنى الآية تقديم الأفراط . أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو اسحق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن ابن شهاب / عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ، { لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم ، { وقال الكلبي و السدي : وقدموا لأنفسكم يعني الخير و العمل الصالح بدليل سياق الآية ، { واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه ، { صائرون إليه فيجزيكم بأعمالكم ، { وبشر المؤمنين } .

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ۗ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
224
 
{ قوله تعالى : { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم ، { نزلت في عبد الله بن رواحة ، كان بينه وبين ختنه عى أخته بشير بن النعمان الأنصاري شيء ، فحلف عبد الله أن لا يدخل عليه ولا يكلمه ولا يصلح بينه وبين خصمه ، وإذا قيل له فيه قال : قد حلفت بالله أن لا أفعل ، فلا يحل لي إلا أن تبر يميني ، فأنزل الله هذه الآية . وقال ابن جريج : نزلت في أبي بكر الصديق حين حلف أن لا ينفق على مسطح حين خاض في حديث الإفك ، و العرضة : أصلها الشدة و القوة ومنه قيل للدابة التي تتخذ للسفر عرضة ، لقوتها عليه ، ثم قيل لكل ما يصلح لشيء هو عرضة له حتى قالوا للمرأة هي عرضة النكاح إذا صلحت له و العرضة كل ما يعترض فيمنع عن الشيء ومعنى الآية ، { لا تجعلوا ، { الحلف بالله سبباً مانعاً لكم من البر و التقوى يدعى أحدكم إلى صلة رحم أو بر فيقول حلفت بالله أن لا أفعله ، فيعتل بيمينه في ترك البر ، { أن تبروا } ، معناه أن لا تبروا كقوله تعالى ، { يبين الله لكم أن تضلوا } ( 176- النساء ) أي لئلا تضلوا ، { وتتقوا وتصلحوا بين الناس و الله سميع عليم } . أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو اسحق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ، { من حلف بيمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه ، وليفعل الذي هو خير }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ۗ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
225
 
قوله تعالى : { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ، { اللغو كل مطرح من الكلام لا يعتد به، واختلف أهل العلم في اللغو في اليمين المذكورة في الآية فقال قوم هو ما يسبق إلى اللسان على عجلة لصلة الكلام، من غير عقد وقصد، كقول القائل: لا والله وبلى والله وكلا والله. أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أخبرنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: لغو اليمين قول الانسان لا والله وبلى والله، ورفعه بعضهم وإلى هذا ذهب الشعبي و عكرمة وبه قال الشافعي . ويروى عن عائشة: أيمان اللغو ما كانت في الهزل والمراء والخصومة والحديث الذي لا يعقد عليه القلب، وقال قوم: هو أن يحلف على شيء يرى أنه صادق فيه ثم يتبين له خلاف ذلك وهو قول الحسن و الزهري و إبراهيم النخعي و قتادة و مكحول ، وبه قال أبو حنيفة رضي الله عنه، وقالوا لا كفارة فيه ولا إثم عليه، وقال علي: هو اليمين على الغضب، وبه قال طاووس وقال سعيد بن جبير : هو اليمين في المعصية لا يؤاخذه الله بالحنث فيها، بل يحنث ويكفر. وقال مسروق : ليس عليه كفارة أيكفر خطوات الشيطان؟ وقال الشعبي في الرجل يحلف على المعصية كفارته أن يتوب منها وكل يمين لا يحل لك أن تفي بها فليس فيها كفارة ولو أمرته بالكفارة لأمرته أن يتم على قوله وقال زيد بن أسلم: هو دعاء الرجل على نفسه تقول لإنسان أعمى الله بصري إن لم أفعل كذا وكذا [أخرجني الله من مالي إن لم آتك غداً، ويقول: هو كافر إن فعل كذا]. فهذا كله لغو لا يئاخذه الله به ولو آخذهم به لعجل لهم العقوبة ، { ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم } (11-يونس)، وقال ، { ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير } (11-الإسراء). قوله تعالى } : ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } ، أي عزمتم وقصدتم إلى اليمين، وكسب القلب العقد والنية ، { والله غفور رحيم ، { واعلم أن اليمين لا تنعقد إلا بالله أو باسم من أسمائه، أو بصفة من صفاته: فاليمين بالله أن يقول: والذي أعبده، والذي أصلي له، والذي نفسي بيده، ونحو ذلك، واليمين بأسمائه كقوله والله والرحمن ونحوه، واليمين بصفاته كقوله: وعزة الله وعظمة الله وجلال الله وقدرة الله ونحوها، فإذا حلف بشيء منها على أمر في المستقبل فحنث يجب عليه الكفارة وإذا حلف على أمر ماض أنه كان ولم يكن أو على أنه لم يكن وقد كان، إن كان عالماً به حالة ما حلف فهو اليمين الغموس، وهو من الكبائر، وتجب فيه الكفارة عند بعض أهل العلم، عالماً كان أو جاهلاً، وبه قال الشافعي ، ولا تجب عند بعضهم وهو قول أصحاب الرأي وقالوا إن كان عالماً فهو كبيرة ولا كفارة لها كما في سائر الكبائر وإن كان جاهلاً فهو يمين اللغو عندهم ومن حلف بغير الله مثل أن قال: والكعبة وبيت الله ونبي الله، أو حلف بابيه ونحو ذلك، فلا يكون يميناً، فلا تجب عليه الكفارة إذا حلف، وهي يمين مكروهة، قال الشافعي : وأخشى أن يكون معصية. أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك عمر بن الخطاب وهو يسير في ركب وهو يحلف بأبيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ۖ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
226
 
قوله تعالى : { للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر ، { يؤلون أي يحلفون، والألية: اليمين والمراد من الآية: اليمين على ترك وطء المرأة، قال قتادة : كان الإيلاء طلاقاً لأهل الجاهلية، وقال سعيد بن المسيب : كان ذلك من ضرار أهل الجاهلية، كان الرجل لا يحب امرأته ولا يريد أن يتزوجها غيره، فيحلف أن لا يقربها أبداً، فيتركها لا أيماً ولا ذات بعل، وكانوا عليه في ابتداء الإسلام، فضرب الله له أجلاً في الإسلام، واختلف أهل العلم فيه: فذهب أكثرهم إلى أنه إن حلف أن لا يقرب زو جته أبداً أو سمى مدة أكثر من أربعة أشهر، يكون مولياً ، فلا يتعرض له قبل مضي أربعة أشهر، وبعد مضيها يوقف ويؤمر بالفئ أو بالطلاق بعد مطالبة المرأة، والفئ هو الرجوع عما قاله بالوطء، إن قدر عليه، وإن لم يقدر فبالقول، فإن لم يفء ولم يطلق طلق عليه السلطان واحدة، وذهب إلى الوقوف بعد مضي المدة عمر وعثمان وعلي و أبو الدرداء و ابن عمر ، قال سليمان بن يسار : أدركت بضعة عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يقول بوقف المولي. وإليه ذهب سعيد بن جبير و سليمان بن يسار و مجاهد ، وبه قال مالك و الشافعي و أحمد و إسحاق وقال بعض أهل العلم: إذا مضت أربعة أشهر تقع عليه طلقة بائنة، وهو قول ابن عباس وابن مسعود وبه قال سفيان الثوري وأصحاب الرأي. وقال سعيد بن المسيب و الزهري : تقع طلقة رجعية، ولو حلف أن لا يطأ أقل من أربعة أشهر لا يكون مولياً، بل هو حالف، فإذا وطئها قبل مضي تلك المدة تجب عليه كفارة اليمين، ولو حلف أن لا يطأها أربعة أشهر لا يكون مولياً عند من يقول بالوقف بعد مضي المدة، لأن بقاء المدة شرط للوقف وثبوت المطالبة بالفيء أو الطلاق، وقد مضت المدة. وعند من لا يقول بالوقف يكون مولياً، ويقع الطلاق بمضي المدة. ومدة الإيلاء: أربعة أشهر في حق الحر والعبد جميعاً عن الشافعي رحمه الله، لأنها ضربت لمعنى يرجع إلى الطبع، وهو قلة صبر المراة عن الزوج، فيستوي فيه الحر والعبد كمدة العنة. وعند مالك رحمه الله و أبي حنيفة رحمه الله تنتصف مدة العنة بالرق، غير أن عند أبي حنيفة تتصف برق المرأة، وعند مالك برق الزوج، كما قالا في الطلاق. قوله تعالى } : تربص أربعة أشهر } ، أي انتظار أربعة اشهر، والتربص: التثبت والتوقف ، { فإن فاؤوا ، { رجعوا عن اليمين بالوطء ، { فإن الله غفور رحيم ، { وإذا وطئ خرج عن الإيلاء وتجب عليه كفارة اليمين عند أكثر أهل العلم، وقال الحسن و إبراهيم النخعي و قتادة : لا كفارة عليه لأن الله تعالى وعد بالمغفرة فقال ، { فإن الله غفور رحيم ، { وذلك عند الأكثرين في إسقاط العقوبة لا في الكفارة، ولو قال لزوجته: إن قربتك فعبدي حر أو صرت طالقاً، أو لله علي عتق رقبة أو صوم أو صلاة فهو مول لأن المولي من يلزمه أمر بالوطء، ويوقف بعد مضي المدة فإن فاء يقع الطلاق أو العتق المعلق به، وإن التزم في الذمة تلزمه كفارة اليمين في قول، وفي قول يلزمه ما التزم في ذمته من الاعتاق والصلاة والصوم

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
227
 
{ وإن عزموا الطلاق } ، أي حققوه بالإيقاع ، { فإن الله سميع ، { لقولهم ، { عليم ، { بنياتهم، وفيه دليل على أنها لا تطلق بعد مضي المدة ما لم يطلقها زوجها، لأنه شرط فيه العزم، وقال ، { فإن الله سميع عليم ، { فدل على أنه يقتضي مسموعاً والقول هو الذي يسمع.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ۚ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا ۚ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
228
 
قوله تعالى : { والمطلقات } ، أي المخليات من حبال أزواجهن ، { يتربصن ، { ينتظرن ، { بأنفسهن ثلاثة قروء ، { فلا يتزوجن، والقروء: جمع قرء، وجمعه القليل أقرؤ والجمع الكثير أقراء، واختلف أهل العلم في القروء فذهب جماعة إلى أنها الحيض وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وبه قال الحسن و مجاهد وإليه ذهب الأوزاعي و الثوري وأصحاب الرأي واحتجوا بان النبي صلى الله عليه وسلم قال للمستحاضة ، { دعي الصلاة أيام أقرائك ، { وإنما تدع الصلاة أيام حيضها. وذهب جماعة إلى أنها الأطهار وهو قول زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وعائشة، وهو قول الفقهاء السبعة و الزهري وبه قال ربيعة و مالك و الشافعي ، واحتجوا بأن ابن عمر رضي الله عنه لما طلق امرأته وهي حائض قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر } : مره فليراجعها حتى تطهر ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء }. فأخبر أن زمان العدة هو الطهر، ومن جهة اللغة قول الشاعر: ففي كل عام أنت جاشم غزوة تشد لأقصاها عزيم عزائكا مورثة مالاً، وفي الحي رفعةً لما ضاع فيها من قروء نسائكا وأراد به أنه كان يخرج إلى الغزو ولم يغش نساءه فتضيع أقراؤهن وإنما تضيع بالسفر زمان الطهر لازمان الحيضة، وفائدة الخلاف تظهر في أن المعتدة إذا شرعت في الحيضة الثالثة تنقضي عدتها على قول من يجعلها أطهاراً وتحسب بقية الطهر الذي وقع فيه الطلاق قرءاً، قالت عائشة رضي الله عنها: إذا طعنت المطلقة في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها. ومن ذهب إلى أن الأقراء هي الحيض يقول لا تنقصني عدتها ما لم تطهر من الحيضة الثالثة، وهذا الاختلاف من حيث أن اسم القرء يقع على الطهر والحيض جميعاً، يقال أقرأت المرأة: إذا حاضت وأقرأت: إذا طهرت، فهي مقرئ، واختلفوا في أصله فقال أبو عمرو بن العلاء و أبو عبيدة : هو الوقت لمجيء الشيء وذهابه، يقال: رجع فلان لقرئه ولقارئه أي لوقته الذي يرجع فيه وهذا قارئ الرياح أي وقت هبوبها، قال مالك بن الحارث الهذلي: كرهت العقر عقر بني شليل إذا هبت لقارئها الرياح أي لوقتها، والقرء يصلح للوجهين، لأن الحيض يأتي لوقت، والطهر مثله، وقيل: هو من القرأ وهو الحبس والجمع، تقول العرب: ما قرأت الناقة سلاً قط أي لم تضم رحمها على ولد ومنه قريت الماء في المقراة وهي الحوض أي جمعته، بترك همزها، فالقرء هاهنا احتباس الدم واجتماعه، فعلى هذا يكون الترجيح فيه للطهر لأنه يحبس الدم ويجمعه، والحيض يرخيه ويرسله، وجملة الحكم في العدد: أن المرأة إذا كانت حاملاً فعدتها بوضع الحمل، سواء وقعت الفرقة بينها وبين الزوج بالطلاق أو بالموت لقوله تعالى ، { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } (4-الطلاق) فإن لم تكن حاملاً نظر: إن وقعت الفرقة بينهما بموت الزوج فعليها أن تعتد بأربعة أشهر وعشر، سواء مات الزوج قبل الدخول أو بعده، وسواء كانت المرأة ممن تحيض، أو لاتحيض لقول الله تعالى } : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } (234-البقرة) وان وقعت الفرقة بينهما في الحياة نظر فإن كان الطلاق قبل الدخول بها، فلا عدة عليها، لقول الله تعالى } : يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } (49-الأحزاب). وإن كان بعد الدخول نظر: إن كانت المرأة ممن لم تحض قط أو بلغت في الكبر سن الآيسات فعدتها ثلاثة أشهر لقول الله تعالى } : واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } (4-الطلاق). وإن كانت ممن تحيض فعدتها ثلاثة أقراء لقوله تعالى } : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ، { وقوله ، { يتربصن بأنفسهن ، { لفظه خبر ومعناه أمر، وعدة الأمة ان كانت حاملاً بوضع الحمل كالحرة، وإن كانت حائلاً ففي الوفاة عدتها شهران وخمس ليال، وفي الطلاق، إن كانت ممن تحيض فعدتها قرءان، وإن كانت ممن لا تحيض فشهر ونصف: وقيل شهران كالقرأين في حق من تحيض. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ينكح العبد امرأتين ويطلق طلقتين وتعتد الأمة بحيضتين، فإن لم تكن تحيض فشهرين أو شهراً ونصفاً. وقوله عز وجل } : ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن ، { قال عكرمة : يعني الحيض وهو أن يريد الرجل مراجعتها فتقول: قد حضت الثالثة وقال ابن عباس و قتادة : يعني الحمل، ومعنى الآية: لا يحل للمرأة كتمان ما خلق الله في رحمها من الحيض و الحمل لتبطل حق الزوج من الرجعة والولد ، { إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر } ، معناه أن هذا من فعل المؤمنات وإن كانت المؤمنة والكافرة في هذا الحكم سواء كما تقول، أد حقي إن كنت مؤمناً، يعني أداء الحقوق من فعل المؤمنين. { وبعولتهن } ، يعني أزواجهن جمع بعل، كالفحولة جمع فحل، سمي الزوج بعلاً لقيامه بأمور زوجته وأصل البعل السيد والمالك ، { أحق بردهن ، { أولى برجعتهن إليهم ، { في ذلك } ، أي في حال العدة ، { إن أرادوا إصلاحا } ، أي إن أرادوا بالرجعة الصلاح وحسن العشرة لا الإضرار كما كانوا يفعلونه في الجاهلية كان الرجل يطلق امرأته فإذا قرب انقضاء عدتها، راجعها ثم تركها مدة، ثم طلقها ثم إذا قرب انقضاء عدتها راجعها ثم بعد مدة طلقها يقصد بذلك تطويل العدة عليها ، { ولهن } ، أي للنساء على الأزواج مثل الذي عليهن للأزواج بالمعروف قال ابن عباس في معناه: اني أحب أن أتزين لامرأتي كما تحب امرأتي أن تتزين لي لأن الله تعالى قال } : ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف }. أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الحسن المروزي أخبرنا أبو سهل محمد بن عمر بن طرفة السجزي أنا أبو سليمان الخطابي أخبرنا أبو بكر بن داسة أنا أبو داود السجستاني أنا موسى بن اسماعيل أنا حماد أنا أبو قزعة سويد بن حجير الباهلي عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال: قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال } : أن تطعمها إذا طعمت، وأن تكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه، ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت }. أخبرنا اسماعيل بن عبد القاهر الجرجاني أخبرنا عبد الغافر بن محمد الفارسي أنا محمد بن عيسى الجلودي أنا أبو اسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحجاج أنا أبو بكر بن أبي شيبة أنا حاتم بن اسماعيل المدني عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه قال: دخلنا على جابر بن عبد الله فقلت: أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم فسرد قصة حجة الوداع إلى ان ذكر خطبته يوم عرفة قال } : فاتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده: كتاب الله، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال بأصبعيه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس اللهم اشهد اللهم اشهد ثلاث مرات }. أخبرنا أحمد الصالحي أنا أحمد بن الحسن الحيري أنا حاجب بن أحمد الطوسي أنا محمد بن يحيى أنا يعلى بن عبيد أنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : إن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائكم }. قوله تعالى } : وللرجال عليهن درجة ، { قال ابن عباس: بما ساق إليها من المهر وأنفق عليها من المال، وقال قتادة : بالجهاد، وقيل بالعقل، وقيل بالشهادة، وقيل بالميراث، وقيل بالدية وقيل بالطلاق، لأن الطلاق بيد الرجال، وقيل بالرجعة، وقال سفيان و زيد بن أسلم : بالإمارة وقال القتيبي وللرجال عليهن درجة معناه فضيلة في الحق ، { والله عزيز حكيم }. أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار أخبرنا أحمد بن محمد بن عيسى البرتي أنا أبو حذيفة أنا سفيان عن الأعمش عن أبي ظبيان أن معاذ بن جبل خرج في غزاة بعثه النبي صلى الله عليه وسلم فيها ثم رجع فرأى رجالاً يسجدج بعضهم لبعض فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ، { لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
    +/- -/+  
الأية
229
 
قوله تعالى : { الطلاق مرتان ، { روي عن عروة بن الزبير قال: كان الناس في الابتداء يطلقون من غير حصر ولا عدد، وكان الرجل يطلق امرأته، فإذا قاربت انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها كذلك ثم راجعها يقصد مضارتها فنزلت هذه الآية ، { الطلاق مرتان } ، يعني الطلاق الذي يملك الرجعة عقبيه مرتان، فإذا طلق ثلاثاً فلا تحل له إلا بعد نكاح زوج آخر. قوله تعالى } : فإمساك بمعروف ، { قيل: أراد بالإمساك الرجعة بعد الثانية، والصحيح أن المراد منه: الإمساك بعد الرجعة، يعني إذا راجعها بعد الرجعة الثانية فعليه أن يمسكها بالمعروف كل ما يعرف في الشرع، من أداء حقوق النكاح وحسن الصحبة ، { أو تسريح بإحسان ، { هو أن يتركها بعد الطلاق حتى تنقضي عدتها وقيل الطلقة الثالثة. قوله تعالى } : أو تسريح بإحسان ، { وصريح اللفظ الذي يقع به الطلاق من غير نية ثلاثة: الطلاق والفراق والسراح، وعند أبي حنيفة الصريح هو لفظ الطلاق فحسب، وجملة الحكم فيه أن الحر إذا طلق زوجته طلقة أو طلقتين بعد الدخول بها يجوز له مراجعتها بغير رضاها ما دامت في العدة، وإن لم يراجعها حتى انقضت عدتها، أو طلقها قبل الدخول بها أو خالعها فلا تحل له إلا بنكاح جديد بإذنها، وإذن وليها فإن طلقها ثلاثاً فلا تحل له، ما لم تنكح زوجاً غيره، وأما العبد إذا كانت تحته امرأة، فطلقها طلقتين فإنها لا تحل له إلا بعد نكاح زوج آخر. واختلف أهل العلم فيما إذا كان أحد الزوجين رقيقاً، فذهب أكثرهم إلى أنه يعتبر عدد الطلاق بالزوج، فالحر يملك على زوجته الأمة ثلاث طلقات، والعبد لا يملك على زوجته الحرة إلا طلقتين، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: الطلاق بالرجال والعدة بالنساء، يعني يعتبر في عدد الطلاق حال الرجل وفي قدر العدة حال المرأة، وهو قول عثمان وزيد بن ثابت وابن عباس رضي الله عنهم، وبه قال عطاء و سعيد بن المسيب وإليه ذهب مالك و الشافعي و أحمد و اسحاق ، وذهب قوم إلى أن الاعتبار بالمرأة في عدد الطلاق فيملك العبد على زوجته الحرة ثلاث طلقات ولا يملك الحر على زوجته الأمة إلا طلقتين وهو قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي. قوله تعالى ، { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن ، { أعطيتموهن ، { شيئاً ، { من المهور وغيرها ثم استثنى الخلع فقال ، { إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله ، { نزلت في جميلة بنت عبد الله بن أبي أوفى ويقال: '' حبيبة بنت سهل كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس وكانت تبغضه وهو يحبها فكان بينهما كلام فأتت أباها فشكت إليه زوجها وقالت له: إنه يسيئ إلي ويضربني فقال: ارجعي إلى زوجك فإني أكره للمرأة أن لا تزال رافعة يديها تشكو زوجها قال: فرجعت إليه الثانية وبها أثر الضرب فقال لها: ارجعي إلى زوجك، فلما رأت أباها لا يشكيها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت إليه زوجها وأرته آثاراً بها من ضربه وقالت يا رسول الله: لا أنا ولا هو، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثابت فقال: مالك ولأهلك؟ فقال: والذي بعثك بالحق نبياً ما على وجه الأرض أحب إلى منها غيرك، فقال لها: ما تقولين؟ فكرهت أن تكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألها فقالت: صدق يا رسول الله ولكن قد خشيت أن يهلكني فأخرجني منه، وقالت: يا رسول الله ما كنت لأحدثك حديثاً ينزل الله عليك خلافه، هو من أكرم الناس محبة لزوجته، ولكني أبغضه فلا أنا