Prev  

37. Surah As-Sâffât سورة الصافات

  Next  



تفسير القرطبي - الصافات - As-Saaffat -
 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
بِسْم ِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
وَالصَّافَّاتِ صَفًّا
    +/- -/+  
الأية
1
 
هذه قراءة أكثر القراء . وقرأ حمزة بالإدغام فيهن . وهذه القراءة التي نفر منها أحمد بن حنبل لما سمعها . النحاس : وهي بعيدة في العربية من ثلاث جهات : إحداهن أن التاء ليست من مخرج الصاد , ولا من مخرج الزاي , ولا من مخرج الذال , ولا من أخواتهن , وإنما أختاها الطاء والدال , وأخت الزاي الصاد والسين , وأخت الذال الظاء والثاء . والجهة الثانية أن التاء في كلمة وما بعدها في كلمة أخرى . والجهة الثالثة أنك إذا أدغمت جمعت بين ساكنين من كلمتين , وإنما يجوز الجمع بين ساكنين في مثل هذا إذا كانا في كلمة واحدة ; نحو دابة وشابة . ومجاز قراءة حمزة أن التاء قريبة المخرج من هذه الحروف .{ والصافات }{ قسم ; الواو بدل من الباء . والمعنى برب الصافات و } الزاجرات }{ عطف عليه .{ إن إلهكم لواحد }{ جواب القسم . وأجاز الكسائي فتح إن في القسم . والمراد بـ }{ الصافات }{ وما بعدها إلى قوله : { فالتاليات ذكرا }{ الملائكة في قول ابن عباس وابن مسعود وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة . تصف في السماء كصفوف الخلق في الدنيا للصلاة . وقيل : تصف أجنحتها في الهواء واقفة فيه حتى يأمرها الله بما يريد . وهذا كما تقوم العبيد بين أيدي ملوكهم صفوفا . وقال الحسن : { صفا } لصفوفهم عند ربهم في صلاتهم . وقيل : هي الطير ; دليله قوله تعالى : { أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات } [ الملك : 19 ] . والصف ترتيب الجمع على خط كالصف في الصلاة .{ والصافات }{ جمع الجمع ; يقال : جماعة صافة ثم يجمع صافات . وقيل : الصافات جماعة الناس المؤمنين إذا قاموا صفا في الصلاة أو في الجهاد ; ذكره القشيري .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا
    +/- -/+  
الأية
2
 
الملائكة في قول ابن عباس وابن مسعود ومسروق وغيرهم على ما ذكرناه إما لأنها تزجر السحاب وتسوقه في قول السدي . وإما لأنها تزجر عن المعاصي بالمواعظ والنصائح . وقال قتادة : هي زواجر القرآن .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا
    +/- -/+  
الأية
3
 
الملائكة تقرأ كتاب الله تعالى ; قاله ابن مسعود وابن عباس والحسن ومجاهد وابن جبير والسدي . وقيل : المراد جبريل وحده فذكر بلفظ الجمع ; لأنه كبير الملائكة فلا يخلو من جنود وأتباع . وقال قتادة : المراد كل من تلا ذكر الله تعالى وكتبه . وقيل : هي آيات القرآن وصفها بالتلاوة كما قال تعالى : { إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل } [ النمل : 76 ] . ويجوز أن يقال لآيات القرآن تاليات ; لأن بعض الحروف يتبع بعضا ; ذكره القشيري . وذكر الماوردي : أن المراد بالتاليات الأنبياء يتلون الذكر على أممهم . فإن قيل : ما حكم الفاء إذا جاءت عاطفة في الصفات ؟ قيل له : إما أن تدل على ترتب معانيها في الوجود ; كقوله : يا لهف زيابة للحارث الص ابح فالغانم فالآيب كأنه قال : الذي صبح فغنم فآب . وإما على ترتبها في التفاوت من بعض الوجوه كقولك : خذ الأفضل فالأكمل , واعمل الأحسن فالأجمل . وإما على ترتب موصوفاتها في ذلك كقوله : ( رحم الله المحلقين فالمقصرين )  . فعلى هذه القوانين الثلاثة ينساق أمر الفاء العاطفة في الصفات ; قاله الزمخشري .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
إِنَّ إِلَٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ
    +/- -/+  
الأية
4
 
جواب القسم . قال مقاتل : وذلك أن الكفار بمكة قالوا أجعل الآلهة إلها واحدا , وكيف يسع هذا الخلق فرد إله ! فأقسم الله بهؤلاء تشريفا . ونزلت الآية . قال ابن الأنباري : وهو وقف حسن .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ
    +/- -/+  
الأية
5
 
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا على معنى هو رب السموات . النحاس : ويجوز أن يكون }{ رب السموات والأرض }{ خبرا بعد خبر , ويجوز أن يكون بدلا من } واحد } . قلت : وعلى هذين الوجهين لا يوقف على }{ لواحد } . وحكى الأخفش : { رب السموات - ورب المشارق }{ بالنصب على النعت لاسم إن . بين سبحانه معنى وحدانيته وألوهيته وكمال قدرته بأنه }{ رب السموات والأرض }{ أي خالقهما ومالكهماوَرَبُّ الْمَشَارِقِ أي مالك مطالع الشمس . ابن عباس : للشمس كل يوم مشرق ومغرب ; وذلك أن الله تعالى خلق للشمس ثلاثمائة وخمسة وستين كوة في مطلعها , ومثلها في مغربها على عدد أيام السنة الشمسية , تطلع في كل يوم في كوة منها , وتغيب في كوة , لا تطلع في تلك الكوة إلا في ذلك اليوم من العام المقبل . ولا تطلع إلا وهي كارهة فتقول : رب لا تطلعني على عبادك فإني أراهم يعصونك . ذكره أبو عمر في كتاب التمهيد , وابن الأنباري في كتاب الرد عن عكرمة ; قال : قلت لابن عباس أرأيت ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أمية بن أبي الصلت ( آمن شعره وكفر قلبه )  قال : هو حق فما أنكرتم من ذلك ؟ قلت : أنكرنا قوله : والشمس تطلع كل آخر ليلة حمراء يصبح لونها يتورد ليست بطالعة لهم في رسلها إلا معذبة وإلا تجلد ما بال الشمس تجلد ؟ فقال : والذي نفسي بيده ما طلعت شمس قط حتى ينخسها سبعون ألف ملك , فيقولون لها اطلعي اطلعي , فتقول لا أطلع على قوم يعبدونني من دون الله , فيأتيها ملك فيستقل لضياء بني آدم , فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن الطلوع فتطل بين قرنيه فيحرقه الله تعالى تحتها , فذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما طلعت إلا بين قرني شيطان ولا غربت إلا بين قرني شيطان وما غربت قط إلا خرت لله ساجدة فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن السجود فتغرب بين قرنيه فيحرقه الله تعالى تحتها )  لفظ ابن الأنباري . وذكر عن عكرمة عن ابن عباس قال : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أمية بن أبي الصلت في هذا الشعر : زحل وثور تحت رجل يمينه والنسر للأخرى وليث مرصد والشمس تطلع كل آخر ليلة حمراء يصبح لونها يتورد ليست بطالعة لهم في رسلها إلا معذبة وإلا تجلد قال عكرمة : فقلت لابن عباس : يا مولاي أتجلد الشمس ؟ فقال : إنما اضطره الروي إلى الجلد لكنها تخاف العقاب . ودل بذكر المطالع على المغارب ; فلهذا لم يذكر المغارب , وهو كقوله : { سرابيل تقيكم الحر } [ النحل : 81 ] . وخص المشارق بالذكر ; لأن الشروق قبل الغروب . وقال في سورة [ الرحمن ] { رب المشرقين ورب المغربين } [ الرحمن : 17 ] أراد بالمشرقين أقصى مطلع تطلع منه الشمس في الأيام الطوال , وأقصر يوم في الأيام القصار على ما تقدم في [ يس ] والله أعلم .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ
    +/- -/+  
الأية
6
 
قال قتادة : خلقت النجوم ثلاثا ; رجوما للشياطين , ونورا يهتدى بها , وزينة لسماء الدنيا . وقرأ مسروق والأعمش والنخعي وعاصم وحمزة : { بزينة }{ مخفوض منون }{ الكواكب { خفض على البدل من }{ زينة }{ لأنها هي . وقرأ أبو بكر كذلك إلا أنه نصب }{ الكواكب } بالمصدر الذي هو زينة . والمعنى بأن زينا الكواكب فيها . ويجوز أن يكون منصوبا بإضمار أعني ; كأنه قال : إنا زيناها }{ بزينة }{ أعني }{ الكواكب } . وقيل : هي بدل من زينة على الموضع . ويجوز }{ بزينة الكواكب }{ بمعنى أن زينتها الكواكب . أو بمعنى هي الكواكب . الباقون }{ بزينة الكواكب }{ على الإضافة . والمعنى زينا السماء الدنيا بتزيين الكواكب ; أي بحسن الكواكب . ويجوز أن يكون كقراءة من نون إلا أنه حذف التنوين استخفافا .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ
    +/- -/+  
الأية
7
 
وَحِفْظًا مصدر أي حفظناها حفظا . مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ لما أخبر أن الملائكة تنزل بالوحي من السماء , بين أنه حرس السماء عن استراق السمع بعد أن زينها بالكواكب . والمارد : العاتي من الجن والإنس , والعرب تسميه شيطانا .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ
    +/- -/+  
الأية
8
 
لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى قال أبو حاتم : أي لئلا يسمعوا ثم حذف }{ أن }{ فرفع الفعل . الملأ الأعلى : أهل السماء الدنيا فما فوقها , وسمي الكل منهم أعلى بالإضافة إلى ملإ الأرض . الضمير في }{ يسمعون }{ للشياطين . وقرأ جمهور الناس }{ يسمعون }{ بسكون السين وتخفيف الميم . وقرأ حمزة وعاصم في رواية حفص }{ لا يسمعون }{ بتشديد السين والميم من التسميع . فينتفي على القراءة الأولى سماعهم وإن كانوا يستمعون , وهو المعنى الصحيح , ويعضده قوله تعالى : { إنهم عن السمع لمعزولون " [ الشعراء : 212 ] . وينتفي على القراءة الأخيرة أن يقع منهم استماع أو سماع . قال مجاهد : كانوا يتسمعون ولكن لا يسمعون . وروي عن ابن عباس }{ لا يسمعون إلى الملإ } قال : هم لا يسمعون ولا يتسمعون . وأصل }{ يسمعون }{ يتسمعون فأدغمت التاء في السين لقربها منها . واختارها أبو عبيد ; لأن العرب لا تكاد تقول : سمعت إليه وتقول تسمعت إليه . وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ أي يرمون من كل جانب ; أي بالشهب .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
دُحُورًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ
    +/- -/+  
الأية
9
 
دُحُورًا مصدر لأن معنى }{ يقذفون }{ يدحرون . دحرته دحرا ودحورا أي طردته . وقرأ السلمي ويعقوب الحضرمي }{ دحورا }{ بفتح الدال يكون مصدرا على فعول . وأما الفراء فإنه قدره على أنه اسم الفاعل . أي ويقذفون بما يدحرهم أي بدحور ثم حذف الباء ; والكوفيون يستعملون هذا كثيرا كما أنشدوا : تمرون الديار ولم تعوجوا واختلف هل كان هذا القذف قبل المبعث , أو بعده لأجل المبعث ; على قولين . وجاءت الأحاديث بذلك على ما يأتي من ذكرها في سورة [ الجن ] عن ابن عباس . وقد يمكن الجمع بينهما أن يقال : إن الذين قالوا لم تكن الشياطين ترمى بالنجوم قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ثم رميت ; أي لم تكن ترمى رميا يقطعها عن السمع , ولكنها كانت ترمى وقتا ولا ترمى وقتا , وترمى من جانب ولا ترمى من جانب . ولعل الإشارة بقوله تعالى : { ويقذفون من كل جانب . دحورا ولهم عذاب واصب }{ إلى هذا المعنى , وهو أنهم كانوا لا يقذفون إلا من بعض الجوانب فصاروا يرمون واصبا . وإنما كانوا من قبل كالمتجسسة من الإنس , يبلغ الواحد منهم حاجته ولا يبلغها غيره , ويسلم واحد ولا يسلم غيره , بل يقبض عليه ويعاقب وينكل . فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم زيد في حفظ السماء , وأعدت لهم شهب لم تكن من قبل ; ليدحروا عن جميع جوانب السماء , ولا يقروا في مقعد من المقاعد التي كانت لهم منها ; فصاروا لا يقدرون على سماع شيء مما يجري فيها , إلا أن يختطف أحد منهم بخفة حركته خطفة , فيتبعه شهاب ثاقب قبل أن ينزل إلى الأرض فيلقيها إلى إخوانه فيحرقه ; فبطلت من ذلك الكهانة وحصلت الرسالة والنبوة . فإن قيل : إن هذا القذف إن كان لأجل النبوة فلم دام بعد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فالجواب : أنه دام بدوام النبوة , فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر ببطلان الكهانة فقال : ( ليس منا من تكهن )  فلو لم تحرس بعد موته لعادت الجن إلى تسمعها ; وعادت الكهانة . ولا يجوز ذلك بعد أن بطل , ولأن قطع الحراسة عن السماء إذا وقع لأجل النبوة فعادت الكهانة دخلت الشبهة على ضعفاء المسلمين , ولم يؤمن أن يظنوا أن الكهانة إنما عادت لتناهي النبوة , فصح أن الحكمة تقضي دوام الحراسة في حياة النبي عليه السلام , وبعد أن توفاه الله إلى كرامته صلى الله عليه وعلى آله . وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ أي دائم , عن مجاهد وقتادة . وقال ابن عباس : شديد . الكلبي والسدي وأبو صالح : موجع ; أي الذي يصل وجعه إلى القلب ; مأخوذ من الوصب وهو المرض .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ
    +/- -/+  
الأية
10
 
إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ استثناء من قوله : { ويقذفون من كل جانب }{ وقيل : الاستثناء يرجع إلى غير الوحي ; لقوله تعالى : { إنهم عن السمع لمعزولون } [ الشعراء : 212 ] فيسترق الواحد منهم شيئا مما يتفاوض فيه الملائكة , مما سيكون في العالم قبل أن يعلمه أهل الأرض ; وهذا لخفة أجسام الشياطين فيرجمون بالشهب حينئذ . وروي في هذا الباب أحادث صحاح , مضمنها : أن الشياطين كانت تصعد إلى السماء , فتقعد للسمع واحدا فوق واحد , فيتقدم الأجسر نحو السماء ثم الذي يليه ثم الذي يليه , فيقضي الله تعالى الأمر من أمر الأرض , فيتحدث به أهل السماء فيسمعه منهم الشيطان الأدنى , فيلقيه إلى الذي تحته فربما أحرقه شهاب , وقد ألقى الكلام , وربما لم يحرقه على ما بيناه . فتنزل تلك الكلمة إلى الكهان , فيكذبون معها مائة كذبة , وتصدق تلك الكلمة فيصدق الجاهلون الجميع كما بيناه في [ الأنعام ] . فلما جاء الله بالإسلام حرست السماء بشدة , فلا يفلت شيطان سمع بتة . والكواكب الراجمة هي التي يراها الناس تنقض . قال النقاش ومكي : وليست بالكواكب الجارية في السماء ; لأن تلك لا ترى حركتها , وهذه الراجمة ترى حركتها ; لأنها قريبة منا . وقد مضى في هذا الباب في سورة [ الحجر ] من البيان ما فيه كفاية . وذكرنا في [ سبأ ] حديث أبي هريرة . وفيه ( والشياطين بعضهم فوق بعض )  وقال فيه الترمذي حديث حسن صحيح . وفيه عن ابن عباس : ( ويختطف الشياطين السمع فيرمون فيقذفونه إلى أوليائهم فما جاءوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يحرقونه ويزيدون )  . قال هذا حديث حسن صحيح . والخطف : أخذ الشيء بسرعة ; يقال : خطف وخطف وخطف وخطف وخطف . والأصل في المشددات اختطف فأدغم التاء في الطاء لأنها أختها , وفتحت الخاء ; لأن حركة التاء ألقيت عليها . ومن كسرها فلالتقاء الساكنين . ومن كسر الطاء أتبع الكسر الكسر . فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ أي مضيء ; قاله الضحاك والحسن وغيرهما . وقيل : المراد كواكب النار تتبعهم حتى تسقطهم في البحر . وقال ابن عباس في الشهب : تحرقهم من غير موت . وليست الشهب التي يرجم الناس بها من الكواكب الثوابت . يدل على ذلك رؤية حركاتها , والثابتة تجري ولا ترى حركاتها لبعدها . وقد مضى هذا . وجمع شهاب شهب , والقياس في القليل أشهبة وإن لم يسمع من العرب و } ثاقب }{ معناه مضيء ; قاله الحسن ومجاهد وأبو مجلز . ومنه قوله : وزندك أثقب أزنادها أي أضوأ . وحكى الأخفش في الجمع : شهب ثقب وثواقب وثقاب . وحكى الكسائي : ثقبت النار تثقب ثقابة وثقوبا إذا اتقدت , وأثقبتها أنا . وقال زيد بن أسلم في الثاقب : إنه المستوقد ; من قولهم : أثقب زندك أي استوقد نارك ; قاله الأخفش . وأنشد قول الشاعر : بينما المرء شهاب ثاقب ضرب الدهر سناه فخمد .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا ۚ إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ
    +/- -/+  
الأية
11
 
فَاسْتَفْتِهِمْ أي سلهم يعني أهل مكة ; مأخوذ من استفتاء المفتي . أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا قال مجاهد : أي من خلقنا من السموات والأرض والجبال والبحار . وقيل : يدخل فيه الملائكة ومن سلف من الأمم الماضية . يدل على ذلك أنه أخبر عنهم }{ بمن }{ قال سعيد بن جبير : الملائكة . وقال غيره : { من }{ الأمم الماضية وقد هلكوا وهم أشد خلقا منهم . نزلت في أبي الأشد بن كلدة , وسمي بأبي الأشد لشدة بطشه وقوته . وسيأتي في [ البلد ] ذكره . ونظير هذه : { لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس }{ غافر : 57 ] وقوله : { أأنتم أشد خلقا أم السماء } [ النازعات : 27 ] . إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ أي لاصق ; قاله ابن عباس . ومنه قول علي رضي الله عنه : تعلم فإن الله زادك بسطة وأخلاق خير كلها لك لازب وقال قتادة وابن زيد : معنى }{ لازب }{ لازق . الماوردي : والفرق بين اللاصق واللازق أن اللاصق : هو الذي قد لصق بعضه ببعض , واللازق : هو الذي يلتزق بما أصابه . وقال عكرمة : { لازب } لزج . سعيد بن جبير : أي جيد حر يلصق باليد . مجاهد : { لازب }{ لازم . والعرب تقول : طين لازب ولازم , تبدل الباء من الميم . ومثله قولهم : لاتب ولازم . على إبدال الباء بالميم . واللازب الثابت ; تقول : صار الشيء ضربة لازب , وهو أفصح من لازم . قال النابغة : ولا يحسبون الخير لا شر بعده ولا يحسبون الشر ضربة لازب وحكى الفراء عن العرب : طين لاتب بمعنى لازم . واللاتب الثابت ; تقول منه : لتب يلتب لتبا ولتوبا , مثل لزب يلزب بالضم لزوبا ; وأنشد أبو الجراح في اللاتب : فإن يك هذا من نبيذ شربته فإني من شرب النبيذ لتائب صداع وتوصيم العظام وفترة وغم مع الإشراق في الجوف لاتب واللاتب أيضا : اللاصق مثل اللازب , عن الأصمعي حكاه الجوهري . وقال السدي والكلبي في اللازب : إنه الخالص . مجاهد والضحاك : إنه المنتن .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ
    +/- -/+  
الأية
12
 
بَلْ عَجِبْتَ قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وعاصم بفتح التاء خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم ; أي بل عجبت مما نزل عليك من القرآن وهم يسخرون به . وهي قراءة شريح وأنكر قراءة الضم وقال : إن الله لا يعجب من شيء , وإنما يعجب من لا يعلم . وقيل : المعنى بل عجبت من إنكارهم للبعث . وقرأ الكوفيون إلا عاصما بضم التاء . واختارها أبو عبيد والفراء , وهي مروية عن علي وابن مسعود ; رواه شعبة عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ : { بل عجبت }{ بضم التاء . ويروى عن ابن عباس . قال الفراء في قوله سبحانه : { بل عجبت ويسخرون }{ قرأها الناس بنصب التاء ورفعها , والرفع أحب إلي ; لأنها عن علي و عبد الله وابن عباس . وقال أبو زكريا الفراء : العجب إن أسند إلى الله عز وجل فليس معناه من الله كمعناه من العباد ; وكذلك قوله : { الله يستهزئ بهم } [ البقرة : 15 ] ليس ذلك من الله كمعناه من العباد . وفي هذا بيان الكسر لقول شريح حيث أنكر القراءة بها . روى جرير والأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال : قرأها عبد الله يعني ابن مسعود }{ بل عجبت ويسخرون }{ قال شريح : إن الله لا يعجب من شيء إنما يعجب من لا يعلم . قال الأعمش فذكرته لإبراهيم فقال : إن شريحا كان يعجبه رأيه , إن عبد الله كان أعلم من شريح وكان يقرؤها عبد الله }{ بل عجبت } . قال الهروي : وقال بعض الأئمة : معنى قوله : { بل عجبت }{ بل جازيتهم على عجبهم ; لأن الله تعالى أخبر عنهم في غير موضع بالتعجب من الحق ; فقال : { وعجبوا أن جاءهم منذر منهم } [ ص : 4 ] وقال : { إن هذا لشيء عجاب } , { أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم } [ يونس : 2 ] فقال تعالى : { بل عجبت }{ بل جازيتهم على التعجب . قلت : وهذا تمام معنى قول الفراء واختاره البيهقي . وقال علي بن سليمان : معنى القراءتين واحد , التقدير : قيل يا محمد بل عجبت ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم مخاطب بالقرآن . النحاس : وهذا قول حسن وإضمار القول كثير . البيهقي : والأول أصح . المهدوي : ويجوز أن يكون إخبار الله عن نفسه بالعجب محمولا على أنه أظهر من أمره وسخطه على من كفر به ما يقوم مقام العجب من المخلوقين ; كما يحمل إخباره تعالى عن نفسه بالضحك لمن يرضى عنه - على ما جاء في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم - على أنه أظهر له من رضاه عنه ما يقوم له مقام الضحك من المخلوقين مجازا واتساعا . قال الهروي : ويقال معنى ( عجب ربكم )  أي رضي وأثاب ; فسماه عجبا وليس بعجب في الحقيقة ; كما قال تعالى : { ويمكر الله } [ الأنفال : 30 ] معناه ويجازيهم الله على مكرهم , ومثله في الحديث ( عجب ربكم من إلكم وقنوطكم )  . وقد يكون العجب بمعنى وقوع ذلك العمل عند الله عظيما . فيكون معنى قوله : { بل عجبت }{ أي بل عظم فعلهم عندي . قال البيهقي : ويشبه أن يكون هذا معنى حديث عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( عجب ربك من شاب ليست له صبوة )  وكذلك ما خرجه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل )  قال البيهقي : وقد يكون هذا الحديث وما ورد من أمثاله أنه يعجب ملائكته من كرمه ورأفته بعباده , حين حملهم على الإيمان به بالقتال والأسر في السلاسل , حتى إذا آمنوا أدخلهم الجنة . وقيل : معنى }{ بل عجبت }{ بل أنكرت . حكاه النقاش . وقال الحسين بن الفضل : التعجب من الله إنكار الشيء وتعظيمه , وهو لغة العرب . وقد جاء في الخبر ( عجب ربكم من إلكم وقنوطكم ) . وَيَسْخَرُونَ قيل : الواو واو الحال ; أي عجبت منهم في حال سخريتهم . وقيل : تم الكلام عند قوله : { بل عجبت }{ ثم استأنف فقال : { ويسخرون }{ أي مما جئت به إذا تلوته عليهم . وقيل : يسخرون منك إذا دعوتهم .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ
    +/- -/+  
الأية
13
 
وإذا ذكروا }{ أي وعظوا بالقرآن في قول قتادة : { لا يذكرون }{ لا ينتفعون به . وقال سعيد بن جبير : أي إذا ذكر لهم ما حل بالمكذبين من قبلهم أعرضوا عنه ولم يتدبروا .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ
    +/- -/+  
الأية
14
 
وَإِذَا رَأَوْا آيَةً أي معجزةيَسْتَسْخِرُونَ أي يسخرون في قول قتادة . ويقولون إنها سحر . واستسخر وسخر بمعنى مثل استقر وقر , واستعجب , وعجب . وقيل : { يستسخرون } أي يستدعون السخرية من غيرهم . وقال مجاهد : يستهزئون . وقيل : أي يظنون أن تلك الآية سخرية .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَقَالُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ
    +/- -/+  
الأية
15
 
أي إذا عجزوا عن مقابلة المعجزات بشيء قالوا هذا سحر وتخييل وخداع .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ
    +/- -/+  
 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ
    +/- -/+  
الأية
17
 
أي أوتبعث آباؤنا دخلت ألف الاستفهام على حرف العطف . قرأ نافع : { أو آباؤنا } بسكون الواو . وقد مضى هذا في سورة [ الأعراف ] . في قوله تعالى : { أوأمن أهل القرى " [ الأعراف : 98 ] .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ
    +/- -/+  
الأية
18
 
قُلْ نَعَمْ أي نعم تبعثون . وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ أي صاغرون أذلاء ; لأنهم إذا رأوا وقوع ما أنكروه فلا محالة يذلون . وقيل : أي ستقوم القيامة وإن كرهتم , فهذا أمر واقع على رغمكم وإن أنكرتموه اليوم بزعمكم .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ
    +/- -/+  
الأية
19
 
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ أي صيحة واحدة , قاله الحسن وهي النفخة الثانية . وسميت الصيحة زجرة ; لأن مقصودها الزجر أي يزجر بها كزجر الإبل والخيل عند السوق . فَإِذَا هُمْ قياميَنْظُرُونَ أي ينظر بعضهم إلى بعض . وقيل : المعنى ينتظرون ما يفعل بهم . وقيل : هي مثل قوله : { فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا } [ الأنبياء : 97 ] . وقيل : أي ينظرون إلى البعث الذي أنكروه .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَٰذَا يَوْمُ الدِّينِ
    +/- -/+  
الأية
20
 
نادوا على أنفسهم بالويل ; لأنهم يومئذ يعلمون ما حل بهم . وهو منصوب على أنه مصدر عند البصريين . وزعم الفراء أن تقديره : ياوي لنا , ووي بمعنى حزن . النحاس : ولو كان كما قال لكان منفصلا وهو في المصحف متصل , ولا نعلم أحدا يكتبه إلا متصلا . و }{ يوم الدين }{ يوم الحساب . وقيل : يوم الجزاء .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
هَٰذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ
    +/- -/+  
الأية
21
 
قيل : هو من قول بعضهم لبعض ; أي هذا اليوم الذي كذبنا به . وقيل : هو قول الله تعالى لهم . وقيل : من قول الملائكة ; أي هذا يوم الحكم بين الناس فيبين المحق من المبطل . فـ }{ فريق في الجنة وفريق في السعير } [ الشورى : 7 ] .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ
    +/- -/+  
الأية
22
 
هو من قول الله تعالى للملائكة : { احشروا }{ المشركين }{ وأزواجهم }{ أي أشياعهم في الشرك , والشرك الظلم ; قال الله تعالى : { إن الشرك لظلم عظيم } [ لقمان : 13 ] فيحشر الكافر مع الكافر ; قاله قتادة وأبو العالية . وقال عمر بن الخطاب في قول الله عز وجل : { احشروا الذين ظلموا وأزواجهم }{ قال : الزاني مع الزاني , وشارب الخمر مع شارب الخمر , وصاحب السرقة مع صاحب السرقة . وقال ابن عباس : { وأزواجهم }{ أي أشباههم . وهذا يرجع إلى قول عمر . وقيل : { وأزواجهم }{ نساؤهم الموافقات على الكفر ; قاله مجاهد والحسن , ورواه النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب . وقال الضحاك : { وأزواجهم }{ قرناءهم من الشياطين . وهذا قول مقاتل أيضا : يحشر كل كافر مع شيطانه في سلسلة .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ
    +/- -/+  
الأية
23
 
مِنْ دُونِ اللهِ أي من الأصنام والشياطين وإبليس . فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ أي سوقوهم إلى النار . وقيل : { فاهدوهم }{ أي دلوهم . يقال : هديته إلى الطريق , وهديته الطريق ; أي دللته عليه . وأهديت الهدية وهديت العروس , ويقال أهديتها ; أي جعلتها بمنزلة الهدية .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ
    +/- -/+  
الأية
24
 
وَقِفُوهُمْ وحكى عيسى بن عمر }{ أنهم }{ بفتح الهمزة . قال الكسائي : أي لأنهم وبأنهم , يقال : وقفت الدابة أقفها وقفا فوقفت هي وقوفا , يتعدى ولا يتعدى ; أي احبسوهم . وهذا يكون قبل السوق إلى الجحيم ; وفيه تقديم وتأخير , أي قفوهم للحساب ثم سوقوهم إلى النار . وقيل : يساقون إلى النار أولا ثم يحشرون للسؤال إذا قربوا من النار . إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ عن أعمالهم وأقوالهم وأفعالهم ; قاله القرظي والكلبي . الضحاك : عن خطاياهم . ابن عباس : عن لا إله إلا الله . وعنه أيضا : عن ظلم الخلق . وفي هذا كله دليل على أن الكافر يحاسب . وقد مضى في [ الحجر ] الكلام فيه . وقيل : سؤالهم أن يقال لهم : { ألم يأتكم رسل منكم } [ الأنعام : 130 ] إقامة للحجة . ويقال لهم : .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ
    +/- -/+  
الأية
25
 
فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ أي فغفرنا له ذنبه . قال ابن الأنباري : { فغفرنا له ذلك } تام , ثم تبتدئ }{ وإن له }{ وقال القشيري : ويجوز الوقف على }{ فغفرنا له }{ ثم تبتدئ { ذلك وإن له }{ كقوله : { هذا وإن للطاغين } [ ص : 55 ] أي الأمر ذلك . وقال عطاء الخراساني وغيره : إن داود سجد أربعين يوما حتى نبت المرعى حول وجهه وغمر رأسه فنودي : أجائع فتطعم وأعار فتكسى فنحب نحبة هاج المرعى من حر جوفه وغمر رأسه , فنودي : أجائع فتطعم وأعار فتكسى ; فنحب نحبة هاج المرعى من حر جوفه , فغفر له وستر بها . فقال : يا رب هذا ذنبي فيما بيني وبينك قد غفرته , وكيف بفلان وكذا وكذا رجلا من بني إسرائيل , تركت أولادهم أيتاما , ونساءهم أرامل ؟ قال : يا داود لا يجاوزني يوم القيامة ظلم أمكنه منك ثم أستوهبك منه بثواب الجنة . قال : يا رب هكذا تكون المغفرة الهينة . ثم قيل : يا داود ارفع رأسك . فذهب ليرفع رأسه فإذا به قد نشب في الأرض , فأتاه جبريل فاقتلعه عن وجه الأرض كما يقتلع من الشجرة صمغها . رواه الوليد بن مسلم عن ابن جابر عن عطاء . قال الوليد : وأخبرني منير بن الزبير , قال : فلزق مواضع مساجده على الأرض من فروة وجهه ما شاء الله . قال الوليد قال ابن لهيعة : فكان يقول في سجوده سبحانك هذا شرابي دموعي وهذا طعامي في رماد بين يدي . في رواية : إنه سجد أربعين يوما لا يرفع رأسه إلا للصلاة المكتوبة , فبكى حتى نبت العشب من دموعه . وروي مرفوعا من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن داود مكث أربعين ليلة ساجدا حتى نبت العشب من دموعه على رأسه وأكلت الأرض من جبينه وهو يقول في سجوده : يا رب داود زل زلة بعد بها ما بين المشرق والمغرب رب إن لم ترحم ضعف داود وتغفر ذنبه جعلت ذنبه حديثا في الخلق من بعده فقال له جبريل بعد أربعين سنة يا داود إن الله قد غفر لك الهم الذي هممت به )  وقال وهب : إن داود عليه السلام نودي إني قد غفرت لك . فلم يرفع رأسه حتى جاءه جبريل فقال : لم لا ترفع رأسك وربك قد غفر لك ؟ قال يا رب كيف وأنت لا تظلم أحدا . فقال الله لجبريل : اذهب إلى داود فقل له يذهب إلى قبر أوريا فيتحلل منه , فأنا أسمعه نداءه . فلبس داود المسوح وجلس عند قبر أوريا ونادى يا أوريا فقال : لبيك ! من هذا الذي قطع علي لذتي وأيقظني ؟ فقال : أنا أخوك داود أسألك أن تجعلني في حل فإني عرضتك للقتل قال : عرضتني للجنة فأنت في حل . وقال الحسن وغيره : كان داود عليه السلام بعد الخطيئة لا يجالس إلا الخاطئين , ويقول : تعالوا إلى داود الخطاء , ولا يشرب شرابا إلا مزجه بدموع عينيه . وكان يجعل خبز الشعير اليابس في قصعة فلا يزال يبكي حتى يبتل بدموعه , وكان يذر عليه الرماد والملح فيأكل ويقول : هذا أكل الخاطئين . وكان قبل الخطيئة يقوم نصف الليل ويصوم نصف الدهر . ثم صام بعده الدهر كله وقام الليل كله . وقال : يا رب اجعل خطيئتي في كفي فصارت خطيئته منقوشة في كفه . فكان لا يبسطها لطعام ولا شراب ولا شيء إلا رآها فأبكته , وإن كان ليؤتى بالقدح ثلثاه ماء , فإذا تناوله أبصر خطيئته فما يضعه عن شفته حتى يفيض من دموعه . وروى الوليد بن مسلم : حدثني أبو عمرو الأوزاعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إنما مثل عيني داود مثل القربتين تنطفان ولقد خدد الدموع في وجه داود خديد الماء في الأرض )  . قال الوليد : وحدثنا عثمان بن أبي العاتكة أنه كان في قول داود . إذ هو خلو من الخطيئة شدة قوله في الخطائين إن كان يقول : اللهم لا تغفر للخطائين . ثم صار إلى أن يقول : اللهم رب اغفر للخاطئين لكي تغفر لداود معهم ; سبحان خالق النور . إلهي خرجت أسأل أطباء عبادك أن يداووا خطيئتي فكلهم عليك يدلني . إلهي أخطأت خطيئة قد خفت أن تجعل حصادها عذابك يوم القيامة إن لم تغفرها ; سبحان خالق النور . إلهي إذا ذكرت خطيئتي ضاقت الأرض برحبها علي , وإذا ذكرت رحمتك ارتد إلي روحي . وفي الخبر : أن داود عليه السلام كان إذا علا المنبر رفع يمينه فاستقبل بها الناس ليريهم نقش خطيئته ; فكان ينادي : إلهي إذا ذكرت خطيئتي ضاقت علي الأرض برحبها , وإذا ذكرت رحمتك ارتد إلي روحي ; رب اغفر للخاطئين كي تغفر لداود معهم . وكان يقعد على سبعة أفرشة من الليف محشوة بالرماد , فكانت تستنقع دموعه تحت رجليه حتى تنفذ من الأفرشة كلها . وكان إذا كان يوم نوحه نادى مناديه في الطرق والأسواق والأودية والشعاب وعلى رءوس الجبال وأفواه الغيران : ألا إن هذا يوم نوح داود , فمن أراد أن يبكي على ذنبه فليأت داود فيسعده ; فيهبط السياح من الغيران والأودية , وترتج الأصوات حول منبره والوحوش والسباع والطير عكف ; وبنو إسرائيل حول منبره ; فإذا أخذ في العويل والنوح , وأثارت الحرقات منابع دموعه , صارت الجماعة ضجة واحدة نوحا وبكاء , حتى يموت حول منبره بشر كثير في مثل ذلك اليوم . ومات داود عليه السلام فيما قيل يوم السبت فجأة ; أتاه ملك الموت وهو يصعد في محرابه وينزل ; فقال : جئت لأقبض روحك . فقال : دعني حتى أنزل أو أرتقي . فقال : ما لي إلى ذلك سبيل ; نفدت الأيام والشهور والسنون والآثار والأرزاق , فما أنت بمؤثر بعدها أثرا . قال : فسجد داود على مرقاة من الدرج فقبض نفسه على تلك الحال . وكان بينه وبين موسى عليهما السلام خمسمائة وتسع وتسعون سنة . وقيل : تسع وسبعون , وعاش مائة سنة , وأوصى إلى ابنه سليمان بالخلافة . وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ قال محمد بن كعب ومحمد بن قيس : { وإن له عندنا لزلفى }{ قربة بعد المغفرة .{ وحسن مآب }{ قالا : والله إن أول من يشرب الكأس يوم القيامة داود . وقال مجاهد عن عبد الله بن عمر : الزلفى الدنو من الله عز وجل يوم القيامة . وعن مجاهد : يبعث داود يوم القيامة وخطيئته منقوشة في يده : فإذا رأى أهاويل يوم القيامة لم يجد منها محرزا إلا أن يلجأ إلى رحمة الله تعالى . قال : ثم يرى خطيئته فيقلق فيقال له هاهنا ; ثم يرى فيقلق فيقال له هاهنا , ثم يرى فيقلق فيقال له هاهنا ; حتى يقرب فيسكن فذلك قوله عز وجل : { وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب }{ ذكره الترمذي الحكيم . قال : حدثنا الفضل بن محمد , قال حدثنا عبد الملك بن الأصبغ قال : حدثنا الوليد بن مسلم , قال حدثنا إبراهيم بن محمد الفزاري عن عبد الملك بن أبي سليمان عن مجاهد فذكره . قال الترمذي : ولقد كنت أمر زمانا طويلا بهذه الآيات فلا ينكشف لي المراد والمعنى من قوله : { ربنا عجل لنا قطنا }{ والقط الصحيفة في اللغة ; وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا عليهم : { فأما من أوتي كتابه بيمينه } [ الحاقة : 19 ] : وقال لهم : ( إنكم ستجدون هذا كله في صحائفكم تعطونها بشمائلكم )  قالوا : { ربنا عجل لنا قطنا } أي صحيفتنا }{ قبل يوم الحساب }{ قال الله تعالى : { اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد }{ فقص قصة خطيئته إلى منتهاها , فكنت أقول : أمره بالصبر على ما قالوا , وأمره بذكر داود فأي شيء أريد من هذا الذكر ؟ وكيف اتصل هذا بذاك ؟ فلا أقف على شيء يسكن قلبي عليه , حتى هداني الله له يوما فألهمته أن هؤلاء أنكروا قول أنهم يعطون كتبهم بشمائلهم , فيها ذنوبهم وخطاياهم استهزاء بأمر الله ; وقالوا : { ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب }{ فأوجعه ذلك من استهزائهم , فأمره بالصبر على مقالتهم , وأن يذكر عبده داود ; سأل تعجيل خطيئته أن يراها منقوشة في كفه , فنزل به ما نزل من أنه كان إذا رآها اضطرب وامتلأ القدح من دموعه , وكان إذا رآها بكى حتى تنفذ سبعة أفرشة من الليف محشوة بالرماد , فإنما سألها بعد المغفرة وبعد ضمان تبعة الخصم , وأن الله تبارك وتعالى اسمه يستوهبه منه , وهو حبيبه ووليه وصفيه ; فرؤية نقش الخطيئة بصورتها مع هذه المرتبة صنعت به هكذا , فكيف كان يحل بأعداء الله وبعصاته من خلقه وأهل خزيه , لو عجلت لهم صحائفهم فنظروا إلى صورة تلك الخطايا التي عملوها على الكفر والجحود , وماذا يحل بهم إذا نظروا إليها في تلك الصحائف , وقد أخبر الله عنهم فقال : { فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها } [ الكهف : 49 ] فداود صلوات الله عليه مع المغفرة والبشرى والعطف لم يقم لرؤية صورتها . وقد روينا في الحديث : إذا رآها يوم القيامة منقوشة في كفه قلق حتى يقال له ها هنا , ثم يرى فيقلق ثم يقال ها هنا , ثم يرى فيقلق حتى يقرب فيسكن .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ
    +/- -/+  
الأية
26
 
قال قتادة : مستسلمون في عذاب الله عز وجل . ابن عباس : خاضعون ذليلون . الحسن : منقادون . الأخفش : ملقون بأيديهم . والمعنى متقارب .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
27
 
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يعني الرؤساء والأتباعيَتَسَاءَلُونَ يتخاصمون . ويقال لا يتساءلون فسقطت لا . النحاس : وإنما غلط الجاهل باللغة فتوهم أن هذا من قوله : { فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } [ المؤمنون : 101 ] إنما هو لا يتساءلون بالأرحام , فيقول أحدهم : أسألك بالرحم الذي بيني وبينك لما نفعتني , أو أسقطت لي حقا لك علي , أو وهبت لي حسنة . وهذا بين ; لأن قبله }{ فلا أنساب بينهم } [ المؤمنون : 101 ] . أي ليس ينتفعون بالأنساب التي بينهم ; كما جاء في الحديث : ( إن الرجل ليسر بأن يصبح له على أبيه أو على ابنه حق فيأخذه منه لأنها الحسنات والسيئات ) , وفي حديث آخر : ( رحم الله امرأ كان لأخيه عنده مظلمة من مال أو عرض فأتاه فاستحله قبل أن يطالبه به فيأخذ من حسناته فإن لم تكن له حسنات زيد عليه من سيئات المطالب )  . و }{ يتساءلون }{ هاهنا إنما هو أن يسأل بعضهم بعضا ويوبخه في أنه أضله أو فتح له بابا من المعصية ; يبين ذلك أن بعده }{ إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين } .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ
    +/- -/+  
الأية
28
 
قال مجاهد : هو قول الكفار للشياطين . قتادة : هو قول الإنس للجن . وقيل : هو من قول الأتباع للمتبوعين ; دليله قوله تعالى : { ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول } [ سبأ : 31 ] الآية . قال سعيد عن قتادة : أي تأتوننا عن طريق الخير وتصدوننا عنها . وعن ابن عباس نحو منه . وقيل : تأتوننا عن اليمين التي نحبها ونتفاءل بها لتغرونا بذلك من جهة النصح . والعرب تتفاءل بما جاء عن اليمين وتسميه السانح . وقيل : { تأتوننا عن اليمين }{ تأتوننا مجيء من إذا حلف لنا صدقناه . وقيل : تأتوننا من قبل الدين فتهونون علينا أمر الشريعة وتنفروننا عنها . قلت : وهذا القول حسن جدا ; لأن من جهة الدين يكون الخير والشر , واليمين بمعنى الدين ; أي كنتم تزينون لنا الضلالة . وقيل : اليمين بمعنى القوة ; أي تمنعوننا بقوة وغلبة وقهر ; قال الله تعالى : { فراغ عليهم ضربا باليمين } [ الصافات : 93 ] أي بالقوة وقوة الرجل في يمينه ; وقال الشاعر : إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين أي بالقوة والقدرة . وهذا قول ابن عباس . وقال مجاهد : { تأتوننا عن اليمين }{ أي من قبل الحق أنه معكم ; وكله متقارب المعنى .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ
    +/- -/+  
الأية
29
 
قال قتادة : هذا قول الشياطين لهم . وقيل : من قول الرؤساء ; أي لم تكونوا مؤمنين قط حتى ننقلكم منه إلى الكفر , بل كنتم على الكفر فأقمتم عليه للإلف والعادة .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ ۖ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ
    +/- -/+  
الأية
30
 
وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ أي من حجة في ترك الحقبَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ أي ضالين متجاوزين الحد .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا ۖ إِنَّا لَذَائِقُونَ
    +/- -/+  
الأية
31
 
هو أيضا من قول المتبوعين ; أي وجب علينا وعليكم قول ربنا , فكلنا ذائقون العذاب , كما كتب الله وأخبر على ألسنة الرسل }{ لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين } [ السجدة : 13 ] . وهذا موافق للحديث : ( إن الله جل وعز كتب للنار أهلا وللجنة أهلا لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم )  .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ
    +/- -/+  
الأية
32
 
فَأَغْوَيْنَاكُمْ أي زينا لكم ما كنتم عليه من الكفرإِنَّا كُنَّا غَاوِينَ بالوسوسة والاستدعاء .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ
    +/- -/+  
 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
إِنَّا كَذَٰلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ
    +/- -/+  
الأية
34
 
إِنَّا كَذَلِكَ أي مثل هذا الفعلنَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ أي المشركين .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ
    +/- -/+  
الأية
35
 
أي إذا قيل لهم قولوا فأضمر القول . و }{ يستكبرون }{ في موضع نصب على خبر كان . ويجوز أن يكون في موضع رفع على أنه خبر إن , وكان ملغاة . ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب عند موته واجتماع قريش ( قولوا لا إله إلا الله تملكوا بها العرب وتدين لكم بها العجم )  أبوا وأنفوا من ذلك . وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أنزل الله تعالى في كتابه فذكر قوما استكبروا فقال : { إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون } ) وقال تعالى : { إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها } [ الفتح : 26 ] وهي ( لا إله إلا الله محمد رسول الله )  استكبر عنها المشركون يوم الحديبية يوم كاتبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على قضية المدة ; ذكر هذا الخبر البيهقي , والذي قبله القشيري .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ
    +/- -/+  
الأية
36
 
لقول شاعر مجنون؛ فرد الله جل وعز عليهم فقال: "بل جاء بالحق" .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ
    +/- -/+  
الأية
37
 
بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ يعني القرآن والتوحيد وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ فيما جاءوا به من التوحيد .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ
    +/- -/+  
الأية
38
 
الأصل لذائقون فحذفت النون استخفافا وخفضت للإضافة . ويجوز النصب كما أنشد سيبويه : فألفيته غير مستقتب ولا ذاكر الله إلا قليلا وأجاز سيبويه }{ والمقيمي الصلاة }{ على هذا .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
    +/- -/+  
 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
إِلَّا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ
    +/- -/+  
الأية
40
 
استثناء ممن يذوق العذاب . وقراءة أهل المدينة والكوفة }{ المخلصين }{ بفتح اللام ; يعني الذين أخلصهم الله لطاعته ودينه وولايته . الباقون بكسر اللام ; أي الذين أخلصوا لله العبادة . وقيل : هو استثناء منقطع , أي إنكم أيها المجرمون ذائقو العذاب لكن عباد الله المخلصين لا يذوقون العذاب .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
أُولَٰئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ
    +/- -/+  
الأية
41
 
يعني المخلصين ; أي لهم عطية معلومة لا تنقطع . قال قتادة : يعني الجنة . وقال غيره : يعني رزق الجنة . وقيل : هي الفواكه التي ذكر قال مقاتل : حين يشتهونه . وقال ابن السائب : إنه بمقدار الغداة والعشي ; قال الله تعالى : { ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا } [ مريم : 62 ] .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
فَوَاكِهُ ۖ وَهُمْ مُكْرَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
42
 
فَوَاكِهُ جمع فاكهة ; قال الله تعالى : { وأمددناهم بفاكهة } [ الطور : 22 ] وهي الثمار كلها رطبها ويابسها ; قاله ابن عباس . وَهُمْ مُكْرَمُونَ أي ولهم إكرام من الله جل وعز برفع الدرجات وسماع كلامه ولقائه .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ
    +/- -/+  
الأية
43
 
أي في بساتين يتنعمون فيها . وقد تقدم أن الجنان سبع في سورة [ يونس ] منها النعيم .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
عَلَىٰ سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ
    +/- -/+  
الأية
44
 
قال عكرمة ومجاهد : لا ينظر بعضهم في قفا بعض تواصلا وتحاببا . وقيل : الأسرة تدور كيف شاءوا فلا يرى أحد قفا أحد . وقال ابن عباس : على سرر مكللة بالدر والياقوت والزبرجد ; السرير ما بين صنعاء إلى الجابية , وما بين عدن إلى أيلة . وقيل : تدور بأهل المنزل الواحد . والله أعلم .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ
    +/- -/+  
الأية
45
 
لما ذكر مطاعمهم ذكر شرابهم . والكأس عند أهل اللغة اسم شامل لكل إناء مع شرابه ; فإن كان فارغا فليس بكأس . قال الضحاك والسدي : كل كأس في القرآن فهي الخمر , والعرب تقول للإناء إذا كان فيه خمر كأس , فإذا لم يكن فيه خمر قالوا إناء وقدح . النحاس : وحكى من يوثق به من أهل اللغة أن العرب تقول للقدح إذا كان فيه خمر : كأس ; فإذا لم يكن فيه خمر فهو قدح ; كما يقال للخوان إذا كان عليه طعام : مائدة ; فإذا لم يكن عليه طعام لم تقل له مائدة . قال أبو الحسن بن كيسان : ومنه ظعينة للهودج إذا كان فيه المرأة . وقال الزجاج : { بكأس من معين }{ أي من خمر تجري كما تجري العيون على وجه الأرض . والمعين : الماء الجاري الظاهر .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ
    +/- -/+  
الأية
46
 
بَيْضَاءَ صفة للكأس . وقيل : للخمر . قال الحسن : خمر الجنة أشد بياضا من اللبن . وقيل : { بيضاء }{ أي لم يعتصرها الرجال بأقدامهم . لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ }{ لذة } قال الزجاج : أي ذات لذة فحذف المضاف . وقيل : هو مصدر جعل اسما أي بيضاء لذيذة ; يقال شراب لذ ولذيذ , مثل نبات غض وغضيض . فأما قول القائل : ولذ كطعم الصرخدي تركته بأرض العدا من خشية الحدثان فإنه يريد النوم .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ
    +/- -/+  
الأية
47
 
بَيْضَاءَ صفة للكأس . وقيل : للخمر . قال الحسن : خمر الجنة أشد بياضا من اللبن . وقيل : { بيضاء }{ أي لم يعتصرها الرجال بأقدامهم . لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ }{ لذة } قال الزجاج : أي ذات لذة فحذف المضاف . وقيل : هو مصدر جعل اسما أي بيضاء لذيذة ; يقال شراب لذ ولذيذ , مثل نبات غض وغضيض . فأما قول القائل : ولذ كطعم الصرخدي تركته بأرض العدا من خشية الحدثان فإنه يريد النوم .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ
    +/- -/+  
الأية
48
 
وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أي نساء قد قصرن طرفهن على أزواجهن فلا ينظرن إلى غيرهم ; قاله ابن عباس ومجاهد ومحمد بن كعب وغيرهم . عكرمة : { قاصرات الطرف } أي محبوسات على أزواجهن . والتفسير الأول أبين ; لأنه ليس في الآية مقصورات ولكن في موضع آخر }{ مقصورات }{ يأتي بيانه . و }{ قاصرات }{ مأخوذ من قولهم : قد اقتصر على كذا إذا اقتنع به وعدل عن غيره ; قال امرؤ القيس : من القاصرات الطرف لو دب محول من الذر فوق الإتب منها لأثرا ويروى : فوق الخد . والأول أبلغ . والإتب القميص , والمحول الصغير من الذر . وقال مجاهد أيضا : معناه لا يغرن . عِينٌ عظام العيون الواحدة عيناء ; وقاله السدي . مجاهد : { عين }{ حسان العيون . الحسن : الشديدات بياض العين , الشديدات سوادها . والأول أشهر في اللغة . يقال : رجل أعين واسع العين بين العين , والجمع عين . وأصله فعل بالضم فكسرت العين ; لئلا تنقلب الواو ياء . ومنه قيل لبقر الوحش عين , والثور أعين , والبقرة عيناء .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ
    +/- -/+  
الأية
49
 
أي مصون . قال الحسن وابن زيد : شبهن ببيض النعام , تكنها النعامة بالريش من الريح والغبار , فلونها أبيض في صفرة وهو أحسن ألوان النساء . وقال ابن عباس وابن جبير والسدي : شبهن ببطن البيض قبل أن يقشر وتمسه الأيدي . وقال عطاء : شبهن بالسحاء الذي يكون بين القشرة العليا ولباب البيض . وسحاة كل شيء : قشره والجمع سحا ; قاله الجوهري . ونحوه قول الطبري , قال : هو القشر الرقيق , الذي على البيضة بين ذلك . وروي نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم . والعرب تشبه المرأة بالبيضة لصفائها وبياضها ; قال امرؤ القيس : وبيضة خدر لا يرام خباؤها تمتعت من لهو بها غير معجل وتقول العرب إذا وصفت الشيء بالحسن والنظافة : كأنه بيض النعام المغطى بالريش . وقيل : المكنون المصون عن الكسر ; أي إنهن عذارى . وقيل : المراد بالبيض اللؤلؤ ; كقوله تعالى : { وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون } [ الواقعة : 22 - 23 ] أي في أصدافه ; قاله ابن عباس أيضا . ومنه قول الشاعر : وهي بيضاء مثل لؤلؤة الغ واص ميزت من جوهر مكنون وإنما ذكر المكنون والبيض جمع ; لأنه رد النعت إلى اللفظ .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
50
 
أي يتفاوضون فيما بينهم أحاديثهم في الدنيا . وهو من تمام الأنس في الجنة . وهو معطوف على معنى }{ يطاف عليهم }{ المعنى يشربون فيتحادثون على الشراب كعادة الشراب . قال بعضهم : وما بقيت من اللذات إلا أحاديث الكرام على المدام فيقبل بعضهم على بعض يتساءلون عما جرى لهم وعليهم في الدنيا ; إلا أنه جيء به ماضيا على عادة الله تعالى في إخباره .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ
    +/- -/+  
الأية
51
 
قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ أي من أهل الجنةإِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ أي صديق ملازم , وقيل : أراد بالقرين قرينه من الشيطان كان يوسوس إليه بإنكار البعث .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ
    +/- -/+  
الأية
52
 
أي بالمبعث والجزاء . وقال سعيد بن جبير : قرينه شريكه . وقد مضى في [ الكهف ] ذكرهما وقصتهما والاختلاف في اسميهما مستوفى عند قوله تعالى : { واضرب لهم مثلا رجلين } [ الكهف : 32 ] وفيهما أنزل الله جل وعز : { قال قائل منهم إني كان لي قرين }{ إلى } من المحضرين } . وقرئ : { أإنك لمن المصدقين }{ بتشديد الصاد . رواه علي بن كيسة عن سليم عن حمزة . قال النحاس : ولا يجوز }{ أإنك لمن المصدقين }{ لأنه لا معنى للصدقة هاهنا . وقال القشيري : وفي قراءة عن حمزة }{ أإنك لمن المصدقين }{ بتشديد الصاد . واعترض عليه بأن هذا من التصديق لا من التصدق . والاعتراض باطل ; لأن القراءة إذا ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا مجال للطعن فيها . فالمعنى }{ أإنك لمن المصدقين }{ بالمال طلبا في ثواب الآخرة .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ
    +/- -/+  
 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ
    +/- -/+  
الأية
54
 
فـ }{ قال }{ الله تعالى لأهل الجنة : { هل أنتم مطلعون } . وقيل : هو من قول المؤمن لإخوانه في الجنة هل أنتم مطلعون إلى النار لننظر كيف حال ذلك القرين . وقيل : هو من قول الملائكة . وليس }{ هل أنتم مطلعون }{ باستفهام , إنما هو بمعنى الأمر , أي اطلعوا ; قاله ابن الأعرابي وغيره . ومنه لما نزلت آية الخمر , قام عمر قائما بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم , ثم رفع رأسه إلى السماء , ثم قال : يا رب بيانا أشفى من هذا في الخمر . فنزلت : { فهل أنتم منتهون } [ المائدة : 91 ] قال : فنادى عمر انتهينا يا ربنا . وقرأ ابن عباس : { هل أنتم مطلعون }{ بإسكان الطاء خفيفة }{ فأطلع }{ بقطع الألف مخففة على معنى هل أنتم مقبلون , فأقبل . قال النحاس }{ فأطلع فرآه }{ فيه قولان : أحدهما أن يكون فعلا مستقبلا معناه فأطلع أنا , ويكون منصوبا على أنه جواب الاستفهام . والقول الثاني أن يكون فعلا ماضيا ويكون اطلع وأطلع واحدا . قال الزجاج : يقال طلع وأطلع واطلع بمعنى واحد . وقد حكي }{ هل أنتم مطلعون }{ بكسر النون وأنكره أبو حاتم وغيره . النحاس : وهو لحن لا يجوز ; لأنه جمع بين النون والإضافة , ولو كان مضافا لكان هل أنتم مطلعي , وإن كان سيبويه والفراء قد حكيا مثله , وأنشدا : هم القائلون الخير والآمرونه إذا ما خشوا من محدث الأمر معظما وأنشد الفراء : والفاعلونه . وأنشد سيبويه وحده : ولم يرتفق والناس محتضرونه وهذا شاذ خارج عن كلام العرب , وما كان مثل هذا لم يحتج به في كتاب الله عز وجل , ولا يدخل في الفصيح . وقد قيل في توجيهه : إنه أجرى اسم الفاعل مجرى المضارع لقربه منه , فجرى }{ مطلعون } مجرى يطلعون . ذكره أبو الفتح عثمان بن جني وأنشد : أرأيت إن جئت به أملودا مرجلا ويلبس البرودا أقائلن أحضروا الشهودا فأجرى أقائلن مجرى أتقولن . وقال ابن عباس في قوله تعالى : { هل أنتم مطلعون . فاطلع فرآه }{ إن في الجنة كوى ينظر أهلها منها إلى النار وأهلها . وكذلك قال كعب فيما ذكر ابن المبارك , قال : إن بين الجنة والنار كوى , فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدو كان له في الدنيا اطلع من بعض الكوى .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ
    +/- -/+  
الأية
55
 
أي في وسط النار والحسك حواليه ; قاله ابن مسعود . ويقال : تعبت حتى انقطع سوائي : أي وسطي . وعن أبي عبيدة : قال لي عيسى بن عمر : كنت أكتب يا أبا عبيدة حتى ينقطع سوائي . وعن قتادة قال : قال بعض العلماء : لولا أن الله جل وعز عرفه إياه لما عرفه , لقد تغير حبره وسبره . فعند ذلك يقول : { تالله إن كدت لتردين } .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
قَالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ
    +/- -/+  
الأية
56
 
إن }{ مخففة من الثقيلة دخلت على كاد كما تدخل على كان . ونحوه }{ إن كاد ليضلنا } [ الفرقان : 42 ] واللام هي الفارقة بينها وبين النافية . وقال الكسائي : { لتردين } أي لتهلكني , والردى الهلاك . وقال المبرد : لو قيل : { لتردين }{ لتوقعني في النار لكان جائزا .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ
    +/- -/+  
الأية
57
 
وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي أي عصمته وتوفيقه بالاستمساك بعروة الإسلام والبراءة من القرين السوء . وما بعد لولا مرفوع بالابتداء عند سيبويه والخبر محذوف . لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ قال الفراء : أي لكنت معك في النار محضرا . وأحضر لا يستعمل مطلقا إلا في الشر ; قاله الماوردي .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ
    +/- -/+  
الأية
58
 
وقرئ }{ بمائتين }{ والهمزة في }{ أفما }{ للاستفهام دخلت على فاء العطف , والمعطوف محذوف معناه أنحن مخلدون منعمون فما نحن بميتين ولا معذبين .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ
    +/- -/+  
الأية
59
 
يكون استثناء ليس من الأول ويكون مصدرا ; لأنه منعوت . وهو من قول أهل الجنة للملائكة حين يذبح الموت , ويقال : يا أهل الجنة خلود ولا موت , ويا أهل النار خلود ولا موت . وقيل : هو من قول المؤمن على جهة الحديث بنعمة الله في أنهم لا يموتون ولا يعذبون ; أي هذه حالنا وصفتنا . وقيل : هو من قول المؤمن توبيخا للكافر لما كان ينكره من البعث , وأنه ليس إلا الموت في الدنيا .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
    +/- -/+  
الأية
60
 
قال المؤمن مشيرا إلى ما هو فيه ; }{ إن هذا لهو الفوز العظيم }{ يكون }{ هو }{ مبتدأ وما بعده خبر عنه والجملة خبر إن . ويجوز أن يكون }{ هو }{ فاصلا .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
لِمِثْلِ هَٰذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ
    +/- -/+  
الأية
61
 
يحتمل أن يكون من كلام المؤمن لما رأى ما أعد الله له في الجنة وما أعطاه قال : { لمثل هذا }{ العطاء والفضل }{ فليعمل العاملون }{ نظير ما قال له الكافر : { أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا } [ الكهف : 34 ] . ويحتمل أن يكون من قول الملائكة . وقيل : هو من قول الله عز وجل لأهل الدنيا ; أي قد سمعتم ما في الجنة من الخيرات والجزاء , و { لمثل هذا }{ الجزاء }{ فليعمل العاملون } . النحاس : وتقدير الكلام - والله أعلم - فليعمل العاملون لمثل هذا . فإن قال قائل : الفاء في العربية تدل على أن الثاني بعد الأول , فكيف صار ما بعدها ينوى به التقديم ؟ فالجواب أن التقديم كمثل التأخير ; لأن حق حروف الخفض وما بعدها أن تكون متأخرة .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
أَذَٰلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ
    +/- -/+  
الأية
62
 
أذلك خير }{ مبتدأ وخبر , وهو من قول الله جل وعز .{ نزلا }{ على البيان ; والمعنى أنعيم الجنة خير نزلا .{ أم شجرة الزقوم }{ خير نزلا . والنزل في اللغة الرزق الذي له سعة - النحاس - وكذا النزل إلا أنه يجوز أن يكون النزل بإسكان الزاي لغة , ويجوز أن يكون أصله النزل ; ومنه أقيم للقوم نزلهم , واشتقاقه أنه الغذاء الذي يصلح أن ينزلوا معه ويقيموا فيه . وقد مضى هذا في آخر سورة [ آل عمران ] وشجرة الزقوم مشتقة من التزقم وهو البلع على جهد لكراهتها ونتنها . قال المفسرون : وهي في الباب السادس , وأنها تحيا بلهب النار كما تحيا الشجرة ببرد الماء ; فلا بد لأهل النار من أن ينحدر إليها من كان فوقها فيأكلون منها , وكذلك يصعد إليها من كان أسفل . واختلف فيها هل هي من شجر الدنيا التي تعرفها العرب أم لا على قولين : أحدهما أنها معروفة من شجر الدنيا . ومن قال بهذا اختلفوا فيها ; فقال قطرب : إنها شجرة مرة تكون بتهامة من أخبث الشجر . وقال غيره : بل هو كل نبات قاتل . القول الثاني : إنها لا تعرف في شجر الدنيا . فلما نزلت هذه الآية في شجرة الزقوم قالت كفار قريش : ما نعرف هذه الشجرة . فقدم عليهم رجل من إفريقية فسألوه فقال : هو عندنا الزبد والتمر . فقال ابن الزبعرى : أكثر الله في بيوتنا الزقوم فقال أبو جهل لجاريته : زقمينا ; فأتته بزبد وتمر . ثم قال لأصحابه : تزقموا ; هذا الذي يخوفنا به محمد ; يزعم أن النار تنبت الشجر , والنار تحرق الشجر .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ
    +/- -/+