Prev  

37. Surah As-Sâffât سورة الصافات

  Next  



تفسير ابن كثير - الصافات - As-Saaffat -
 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
بِسْم ِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
وَالصَّافَّاتِ صَفًّا
    +/- -/+  
الأية
1
 
سورة الصافات: قال النسائي: أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد يعني ابن الحارث - عن أبي ذئب قال أخبرنا الحارث بن عبد الرحمن عن سالم بن عبدالله عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالتخفيف ويؤمنا بالصافات تفرد به النسائي. بسم الله الرحمن الرحيم قال سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال { والصافات صفا } وهي الملائكة.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا
    +/- -/+  
 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا
    +/- -/+  
الأية
3
 
هي الملائكة وكذا قال ابن عباس رضي الله عنهما ومسروق وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد والسدي وقتادة والربيع بن أنس قال قتادة الملائكة صفوف فى السماء. وقال مسلم حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل عن أبي مالك الأشجعي عن ربعي عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا وجعل لنا ترابها طهورا إذا لم نجد الماء } وقد روى مسلم أيضا وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث الأعمش عن المسيب بن رافع عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم؟ } قلنا وكيف تصف الملائكة عند ربهم؟ قال صلى الله عليه وسلم { يتمون الصفوف المتقدمة ويتراصون في الصف } وقال السدي وغيره معنى قوله تعالى { فالزاجرات زجرا } أنها تزجر السحاب. وقال الربيع بن أنس { فالزاجرات زجرا } ما زجر الله تعالى عنه في القرآن وكذا روى مالك عن زيد بن اسلم { فالتاليات ذكرا } قال السدي الملائكة يجيئون بالكتاب والقرآن من عند الله إلى الناس وهذه الآية كقوله تعالى { فالملقيات ذكرا عذرا أو نذرا }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنَّ إِلَٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ
    +/- -/+  
الأية
4
 
وقوله عز وجل { إن إلهكم لواحد رب السموات والأرض } هذا هو المقسم عليه أنه تعالى لا إله إلا هو رب السموات والأرض { وما بينهما } أي من المخلوقات { ورب المشارق } أي هو المالك المتصرف في الخلق بتسخيره بما فيه من كواكب ثوابت وسيارات تبدو من المشرق وتغرب من المغرب واكتفى بذكر المشارق عن المغارب لدلالتها عليه وقد صرح بذلك في قوله عز وجل { فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون } وقال تعالى فى الآية الأخرى { رب المشرقين ورب المغربين } يعني في الشتاء والصيف للشمس والقمر.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ
    +/- -/+  
الأية
5
 
وقوله عز وجل { إن إلهكم لواحد رب السموات والأرض } هذا هو المقسم عليه أنه تعالى لا إله إلا هو رب السموات والأرض { وما بينهما } أي من المخلوقات { ورب المشارق } أي هو المالك المتصرف في الخلق بتسخيره بما فيه من كواكب ثوابت وسيارات تبدو من المشرق وتغرب من المغرب واكتفى بذكر المشارق عن المغارب لدلالتها عليه وقد صرح بذلك في قوله عز وجل { فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون } وقال تعالى فى الآية الأخرى { رب المشرقين ورب المغربين } يعني في الشتاء والصيف للشمس والقمر.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ
    +/- -/+  
الأية
6
 
يخبر تعالى أنه زين السماء الدنيا للناظرين إليها من أهل الأرض بزينة الكواكب قرئ بالإضافة وبالبدل وكلاهما بمعنى واحد فالكواكب السيارة والثوابت يثقب ضوءها جرم السماء الشفاف فتضيء لأهل الأرض كما قال تبارك وتعالى { ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين واعتدنا لهم عذاب السعير } وقال عز وجل { ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ
    +/- -/+  
الأية
7
 
قوله جل وعلا ههنا { وحفظا } تقديره وحفظناها حفظا { من كل شيطان مارد }: يعني المتمرد العاتي.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ
    +/- -/+  
الأية
8
 
إذا أراد أن يسترق السمع أتاه شهاب ثاقب فأحرقه ولهذا قال جل جلاله { لا يسمعون إلى الملإ الأعلى } أي لئلا يصلوا إلى الملإ الأعلى وهي السموات ومن فيها من الملائكة إذا تكلموا بما يوحيه الله تعالى مما يقوله من شرعه وقدره كما تقدم بيان ذلك في الأحاديث التي أوردناها عند قوله تبارك وتعالى { حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير } ولهذا قال تعالى { ويقذفون } أي يرمون { من كل جانب } أي من كل جهة يقصدون السماء منها.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
دُحُورًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ
    +/- -/+  
الأية
9
 
{ دحورا } أي رجما يدحرون به ويزجرون ويمنعون من الوصول إلى ذلك ويرجمون { ولهم عذاب واصب } أي في الدار الآخرة لهم عذاب دائم موجع مستمر كما قال جلت عظمته { وأعتدنا لهم عذاب السعير }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ
    +/- -/+  
الأية
10
 
وقوله تبارك وتعالى { إلا من خطف الخطفة } أي إلا من اختطف من الشياطين الخطفة وهي الكلمة يسمعها من السماء فيلقيها إلى الذي تحته ويلقيها الآخر إلى الذي تحته فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها بقدر الله تعالى قبل أن يأتيه الشهاب فيحرقه فيذهب بها الآخر إلى الكاهن كما تقدم في الحديث ولهذا قال { إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب } أي مستنير قال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان للشياطين مقاعد في السماء قال فكانوا يستمعون الوحي قال وكانت النجوم لا تجري وكانت الشياطين لا ترمى قال فإذا سمعوا الوحي نزلوا إلى الأرض فزادوا في الكلمة تسعا قال فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الشيطان إذا قعد مقعده جاءه شهاب فلم يخطئه حتى يحرقه قال فشكوا ذلك إلى إبليس لعنه الله فقال ما هو إلا من أمر حدث قال فبعث جنوده فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي بين جبلي نخلة قال وكيع يعني بطن نخلة قال فرجعوا إلى إبليس فأخبروه فقال هذا الذي حدث وستأتي إن شاء الله تعالى الأحاديث الواردة مع الآثار في هذا المعنى عند قوله تعالى إخبارا عن الجن أنهم قالوا { وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا ۚ إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ
    +/- -/+  
الأية
11
 
يقول تعالى: فسل هؤلاء المنكرين للبعث أيما أشد خلقا هم أم السموات والأرض وما بينهما من الملائكة والشياطين والمخلوقات العظيمة؟ وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه { أم من عددنا } فإنهم يقرون أن هذه المخلوقات أشد خلقا منهم منهم وإذا كان الأمر كذلك فلم ينكرون البعث وهم يشاهدون ما هو أعظم مما أنكروا كما قال عز وجل { لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون } ثم بين أنهم خلقوا من شيء ضعيف فقال { إنا خلقناهم من طين لازب } قال مجاهد وسعيد بن جبير والضحاك هو الجيد الذي يلتزق بعضه ببعض وقال ابن عباس رضي الله عنهما وعكرمة هو اللزج الجيد وقال قتادة هو الذي يلزق باليد.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ
    +/- -/+  
الأية
12
 
وقوله عز وجل بل عجبت ويسخرون أى بل عجبت يا محمد من تكذيب هؤلاء المنكرين للبعث وأنت موقن مصدق بما أخبر الله تعالى من الأمر العجيب وهو إعادة الأجسام بعد فنائها وهم بخلاف أمرك من شدة تكذيبهم يسخرون مما تقول لهم من ذلك.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ
    +/- -/+  
الأية
13
 
وقوله عز وجل بل عجبت ويسخرون أى بل عجبت يا محمد من تكذيب هؤلاء المنكرين للبعث وأنت موقن مصدق بما أخبر الله تعالى من الأمر العجيب وهو إعادة الأجسام بعد فنائها وهم بخلاف أمرك من شدة تكذيبهم يسخرون مما تقول لهم من ذلك.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ
    +/- -/+  
الأية
14
 
قال قتادة عجب محمد صلى الله عليه وسلم وسخر ضلال بني آدم { وإذا رأوا آية } أي دلالة واضحة على ذلك { يستسخرون } قال مجاهد وقتادة يستهزئون.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَقَالُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ
    +/- -/+  
 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ
    +/- -/+  
 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ
    +/- -/+  
 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ
    +/- -/+  
الأية
18
 
أي قل لهم يا محمد نعم تبعثون يوم القيامة بعدما تصيرون ترابا وعظاما وأنتم داخرون أي حقيرون تحت القدرة العظيمة كما قال تبارك وتعالى { وكل أتوه داخرين } وقال { إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ
    +/- -/+  
الأية
19
 
قال جلت عظمته { فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون } أي فإنما هو أمر واحد من الله عز وجل يدعوهم دعوة واحدة أن يخرجوا من الأرض فإذا هم قيام بين يديه ينظرون إلى أهوال يوم القيامة والله تعالى أعلم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَٰذَا يَوْمُ الدِّينِ
    +/- -/+  
الأية
20
 
يخبر تعالى عن قيل الكفار يوم القيامة أنهم يرجعون على أنفسهم بالملامة ويعترفون بأنهم كانوا ظالمين لأنفسهم في الدار الدنيا فإذا عاينوا أهوال القيامة ندموا كل الندم حيث لا ينفعهم الندم { وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين } فتقول لهم الملائكة والمؤمنون { هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون } وهذا يقال لهم على وجه التقريع والتوبيخ ويأمر الله تعالى الملائكة أن تميز الكفار من المؤمنين في الموقف في محشرهم ومنشرهم ولهذا قال تعالى { احشروا الذين ظلموا وأزواجهم } قال النعمان بن بشير رضي الله عنه يعني بأزواجهم أشباههم وأمثالهم وكذا قال ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد والسدي وأبو صالح وأبو العالية وزيد بن أسلم وقال سفيان الثوري عن سماك عن النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه { احشروا الذين ظلموا وأزواجهم } قال إخوانهم. وقال شريك عن سماك عن النعمان قال: سمعت عمر يقول { احشروا الذين ظلموا وأزواجهم } قال أشباههم قال يجيء أصحاب الزنا مع أصحاب الزنا وأصحاب الربا مع أصحاب الربا وأصحاب الخمر مع أصحاب الخمر وقال خصيف عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما أزواجهم نساءهم وهذا غريب والمعروف عنه الأول كما رواه مجاهد وسعيد بن جبير عنه أزواجهم قرناءهم وما كانوا يعبدون من دون الله أي من الأصنام والأنداد تحشر معهم في أماكنهم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
هَٰذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ
    +/- -/+  
الأية
21
 
يخبر تعالى عن قيل الكفار يوم القيامة أنهم يرجعون على أنفسهم بالملامة ويعترفون بأنهم كانوا ظالمين لأنفسهم في الدار الدنيا فإذا عاينوا أهوال القيامة ندموا كل الندم حيث لا ينفعهم الندم { وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين } فتقول لهم الملائكة والمؤمنون { هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون } وهذا يقال لهم على وجه التقريع والتوبيخ ويأمر الله تعالى الملائكة أن تميز الكفار من المؤمنين في الموقف في محشرهم ومنشرهم ولهذا قال تعالى { احشروا الذين ظلموا وأزواجهم } قال النعمان بن بشير رضي الله عنه يعني بأزواجهم أشباههم وأمثالهم وكذا قال ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد والسدي وأبو صالح وأبو العالية وزيد بن أسلم وقال سفيان الثوري عن سماك عن النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه { احشروا الذين ظلموا وأزواجهم } قال إخوانهم. وقال شريك عن سماك عن النعمان قال: سمعت عمر يقول { احشروا الذين ظلموا وأزواجهم } قال أشباههم قال يجيء أصحاب الزنا مع أصحاب الزنا وأصحاب الربا مع أصحاب الربا وأصحاب الخمر مع أصحاب الخمر وقال خصيف عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما أزواجهم نساءهم وهذا غريب والمعروف عنه الأول كما رواه مجاهد وسعيد بن جبير عنه أزواجهم قرناءهم وما كانوا يعبدون من دون الله أي من الأصنام والأنداد تحشر معهم في أماكنهم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ
    +/- -/+  
الأية
22
 
يخبر تعالى عن قيل الكفار يوم القيامة أنهم يرجعون على أنفسهم بالملامة ويعترفون بأنهم كانوا ظالمين لأنفسهم في الدار الدنيا فإذا عاينوا أهوال القيامة ندموا كل الندم حيث لا ينفعهم الندم { وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين } فتقول لهم الملائكة والمؤمنون { هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون } وهذا يقال لهم على وجه التقريع والتوبيخ ويأمر الله تعالى الملائكة أن تميز الكفار من المؤمنين في الموقف في محشرهم ومنشرهم ولهذا قال تعالى { احشروا الذين ظلموا وأزواجهم } قال النعمان بن بشير رضي الله عنه يعني بأزواجهم أشباههم وأمثالهم وكذا قال ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد والسدي وأبو صالح وأبو العالية وزيد بن أسلم وقال سفيان الثوري عن سماك عن النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه { احشروا الذين ظلموا وأزواجهم } قال إخوانهم. وقال شريك عن سماك عن النعمان قال: سمعت عمر يقول { احشروا الذين ظلموا وأزواجهم } قال أشباههم قال يجيء أصحاب الزنا مع أصحاب الزنا وأصحاب الربا مع أصحاب الربا وأصحاب الخمر مع أصحاب الخمر وقال خصيف عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما أزواجهم نساءهم وهذا غريب والمعروف عنه الأول كما رواه مجاهد وسعيد بن جبير عنه أزواجهم قرناءهم وما كانوا يعبدون من دون الله أي من الأصنام والأنداد تحشر معهم في أماكنهم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ
    +/- -/+  
الأية
23
 
وقوله تعالى { فاهدوهم إلى صراط الجحيم } أي أرشدوهم إلى طريق جهنم وهذا كقوله تعالى { ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ
    +/- -/+  
الأية
24
 
أي قفوهم حتى يسئلوا عن أعمالهم وأقوالهم التي صدرت عنهم في الدار الدنيا كما قال الضحاك عن ابن عباس يعني احبسوهم إنهم محاسبون. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا النفيلي حدثنا المعتمر بن سليمان قال سمعت ليثا يحدث عن بشير عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أيما داع دعا إلى شيء كان موقوفا معه إلى يوم القيامة لا يغادره ولا يفارقه وإن دعا رجل رجلا } ثم قرأ { وقفوهم إنهم مسئولون } ورواه الترمذي من حديث ليث بن أبي سليم ورواه ابن جرير عن يعقوب بن إبراهيم عن معتمر عن ليث عن رجل عن أنس رضي الله عنه مرفوعا.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ
    +/- -/+  
الأية
25
 
وقال عبدالله بن المبارك سمعت عثمان بن زائدة يقول إن أول ما يسئل عنه الرجل جلساؤه ثم يقال لهم على سبيل التقريع والتوبيخ { ما لكم لا تناصرون } أي كما زعمتم أنكم جميع منتصر.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ
    +/- -/+  
الأية
26
 
أي منقادون لأمر الله لا يخالفونه ولا يحيدون عنه والله أعلم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
27
 
يذكر تعالى أن الكفار يتلاومون في عرصات القيامة كما يتخاصمون في دركات النار { فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد } وقال تعالى { ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون } وهكذا قالوا لهم ههنا { إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين } قال الضحاك عن ابن عباس يقولون كنتم تقهروننا بالقدرة منكم علينا لأنا كنا أذلاء وكنتم أعزاء وقال مجاهد يعني عن الحق والكفار تقوله للشياطين وقال قتادة قالت الإنس للجن إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين قال من قبل الخير فتنهونا عنه وتبطئونا عنه وقال السدي تأتوننا من قبل الحق وتزينوا لنا الباطل وتصدونا عن الحق وقال الحسن في قوله تعالى { إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين } أي والله يأتيه عند كل خير يريده فيصده عنه وقال ابن زيد معناه تحولون بيننا وبين الخير ورددتمونا عن الإسلام والإيمان والعمل بالخير الذي أمرنا به وقال يزيد الرشك من قبل لا إله إلا الله وقال خصيف يعنون من قبل ميامنهم وقال عكرمة { إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين } قال من حيث نأمنكم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ
    +/- -/+  
الأية
28
 
يذكر تعالى أن الكفار يتلاومون في عرصات القيامة كما يتخاصمون في دركات النار { فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد } وقال تعالى { ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون } وهكذا قالوا لهم ههنا { إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين } قال الضحاك عن ابن عباس يقولون كنتم تقهروننا بالقدرة منكم علينا لأنا كنا أذلاء وكنتم أعزاء وقال مجاهد يعني عن الحق والكفار تقوله للشياطين وقال قتادة قالت الإنس للجن إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين قال من قبل الخير فتنهونا عنه وتبطئونا عنه وقال السدي تأتوننا من قبل الحق وتزينوا لنا الباطل وتصدونا عن الحق وقال الحسن في قوله تعالى { إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين } أي والله يأتيه عند كل خير يريده فيصده عنه وقال ابن زيد معناه تحولون بيننا وبين الخير ورددتمونا عن الإسلام والإيمان والعمل بالخير الذي أمرنا به وقال يزيد الرشك من قبل لا إله إلا الله وقال خصيف يعنون من قبل ميامنهم وقال عكرمة { إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين } قال من حيث نأمنكم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ
    +/- -/+  
الأية
29
 
تقول القادة من الجن والإنس للأتباع ما الأمر كما تزعمون بل كانت قلوبكم منكرة للإيمان قابلة للكفر والعصيان.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ ۖ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ
    +/- -/+  
الأية
30
 
{ وما كان لنا عليكم من سلطان } أي من حجة على صحة ما دعوناكم إليه { بل كنتم قوما طاغين } أي بل كان فيكم طغيان ومجاوزة للحق فلهذا استجبتم لنا وتركتم الحق الذي جاءتكم به الأنبياء وأقاموا لكم الحجج على صحة ما جاءوكم به فخالفتموهم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا ۖ إِنَّا لَذَائِقُونَ
    +/- -/+  
الأية
31
 
يقول الكبراء للمستضعفين حقت علينا كلمة الله إنا من الأشقياء الذائقين للعذاب يوم القيامة { فأغويناكم } أي دعوناكم إلى الضلالة { إنا كنا غاوين } أي فدعوناكم إلى ما نحن فيه فاستجبتم لنا.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ
    +/- -/+  
الأية
32
 
يقول الكبراء للمستضعفين حقت علينا كلمة الله إنا من الأشقياء الذائقين للعذاب يوم القيامة { فأغويناكم } أي دعوناكم إلى الضلالة { إنا كنا غاوين } أي فدعوناكم إلى ما نحن فيه فاستجبتم لنا.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ
    +/- -/+  
الأية
33
 
قال الله تبارك وتعالى { فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون } أي الجميع في النار كل بحسبه.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنَّا كَذَٰلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ
    +/- -/+  
الأية
34
 
{ إنا كذلك نفعل بالمجرمين إنهم كانوا } أي في الدار الدنيا { إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون } أي يستكبرون أن يقولوها كما يقولها المؤمنون. قال ابن أبي حاتم حدثنا عبيد الله بن أخي بن وهب حدثنا عمي حدثنا الليث عن ابن مسافر يعني عبدالرحمن بن خالد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله عز وجل } وأنزل الله تعالى في كتابه العزيز وذكر قوما استكبروا فقال تعالى { إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون }. وقال ابن أبي حاتم أيضا حدثنا أبي حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن سعيد الجريري عن أبي العلاء قال: يؤتى باليهود يوم القيامة فيقال لهم ما كنتم تعبدون؟ فيقولون نعبد الله وعزيرا فيقال لهم خذوا ذات الشمال ثم يؤتى بالنصارى فيقال لهم ما كنتم تعبدون؟ فيقولون نعبد الله والمسيح فيقال لهم خذوا ذات الشمال ثم يؤتى بالمشركين فيقال لهم لا إله إلا الله فيستكبرون ثم يقال لهم لا إله إلا الله فيستكبرون ثم يقال لهم لا إله إلا الله فيستكبرون فيقال لهم خذوا ذات الشمال. قال أبو نضرة فينطلقون أسرع من الطير قال أبو العلاء ثم يؤتى بالمسلمين فيقال لهم ما كنتم تعبدون؟ فيقولون كنا نعبد الله تعالى فيقال لهم هل تعرفونه إذا رأيتموه؟ فيقولون نعم فيقال لهم فكيف تعرفونه ولم تروه؟ فيقولون نعلم أنه لا عدل له قال فيتعرف لهم تبارك وتعالى وتقدس وينجي الله المؤمنين.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ
    +/- -/+  
الأية
35
 
{ إنا كذلك نفعل بالمجرمين إنهم كانوا } أي في الدار الدنيا { إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون } أي يستكبرون أن يقولوها كما يقولها المؤمنون. قال ابن أبي حاتم حدثنا عبيد الله بن أخي بن وهب حدثنا عمي حدثنا الليث عن ابن مسافر يعني عبدالرحمن بن خالد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله عز وجل } وأنزل الله تعالى في كتابه العزيز وذكر قوما استكبروا فقال تعالى { إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون }. وقال ابن أبي حاتم أيضا حدثنا أبي حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن سعيد الجريري عن أبي العلاء قال: يؤتى باليهود يوم القيامة فيقال لهم ما كنتم تعبدون؟ فيقولون نعبد الله وعزيرا فيقال لهم خذوا ذات الشمال ثم يؤتى بالنصارى فيقال لهم ما كنتم تعبدون؟ فيقولون نعبد الله والمسيح فيقال لهم خذوا ذات الشمال ثم يؤتى بالمشركين فيقال لهم لا إله إلا الله فيستكبرون ثم يقال لهم لا إله إلا الله فيستكبرون ثم يقال لهم لا إله إلا الله فيستكبرون فيقال لهم خذوا ذات الشمال. قال أبو نضرة فينطلقون أسرع من الطير قال أبو العلاء ثم يؤتى بالمسلمين فيقال لهم ما كنتم تعبدون؟ فيقولون كنا نعبد الله تعالى فيقال لهم هل تعرفونه إذا رأيتموه؟ فيقولون نعم فيقال لهم فكيف تعرفونه ولم تروه؟ فيقولون نعلم أنه لا عدل له قال فيتعرف لهم تبارك وتعالى وتقدس وينجي الله المؤمنين.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ
    +/- -/+  
الأية
36
 
أي أنحن نترك عبادة آلهتنا وآلهة آبائنا عن قول هذا الشاعر المجنون يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ
    +/- -/+  
الأية
37
 
قال الله تعالى تكذيبا لهم وردا عليهم { بل جاء بالحق } يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بالحق في جميع شرعة الله تعالى له من الأخبار والطلب { وصدق المرسلين } أي صدقهم فيما أخبروا عنه من الصفات الحميدة والمناهج السديدة وأخبر عن الله تعالى فى شرعه وأمره كما اخبروا { ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك } الآية.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ
    +/- -/+  
الأية
38
 
يقول تعالى مخاطبا للناس { إنكم لذائقو العذاب الأليم وما تجزون إلا ما كنتم تعملون } ثم استثنى من ذلك عباده المخلصين كما قال تعالى { والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } وقال عز وجل { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } وقال تعالى { وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا } وقال تعالى { كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين } ولهذا قال جل وعلا ههنا { إلا عباد الله المخلصين } أي ليسوا يذوقون العذاب الأليم ولا يناقشون في الحساب بل يتجاوز عن سيئاتهم إن كان لهم سيئات ويجزون الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة إلى ما يشاء الله تعالى من التضعيف.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
39
 
يقول تعالى مخاطبا للناس { إنكم لذائقو العذاب الأليم وما تجزون إلا ما كنتم تعملون } ثم استثنى من ذلك عباده المخلصين كما قال تعالى { والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } وقال عز وجل { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } وقال تعالى { وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا } وقال تعالى { كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين } ولهذا قال جل وعلا ههنا { إلا عباد الله المخلصين } أي ليسوا يذوقون العذاب الأليم ولا يناقشون في الحساب بل يتجاوز عن سيئاتهم إن كان لهم سيئات ويجزون الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة إلى ما يشاء الله تعالى من التضعيف.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِلَّا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ
    +/- -/+  
الأية
40
 
يقول تعالى مخاطبا للناس { إنكم لذائقو العذاب الأليم وما تجزون إلا ما كنتم تعملون } ثم استثنى من ذلك عباده المخلصين كما قال تعالى { والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } وقال عز وجل { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } وقال تعالى { وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا } وقال تعالى { كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين } ولهذا قال جل وعلا ههنا { إلا عباد الله المخلصين } أي ليسوا يذوقون العذاب الأليم ولا يناقشون في الحساب بل يتجاوز عن سيئاتهم إن كان لهم سيئات ويجزون الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة إلى ما يشاء الله تعالى من التضعيف.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أُولَٰئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ
    +/- -/+  
الأية
41
 
قوله جل وعلا { أولئك لهم رزق معلوم } قال قتادة والسدي يعني الجنة ثم فسره بقوله تعالى { فواكه } أي متنوعة { وهم مكرمون } أي يخدمون ويرفهون وينعمون.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَوَاكِهُ ۖ وَهُمْ مُكْرَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
42
 
قوله جل وعلا { أولئك لهم رزق معلوم } قال قتادة والسدي يعني الجنة ثم فسره بقوله تعالى { فواكه } أي متنوعة { وهم مكرمون } أي يخدمون ويرفهون وينعمون.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ
    +/- -/+  
الأية
43
 
قال مجاهد لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض وقال ابن أبي حاتم حدثنا يحيى بن عبدك القزويني حدثنا حسان بن حسان حدثنا إبراهيم بن بشر حدثنا يحيى بن معين حدثنا إبراهيم القرشي عن سعيد بن شرحبيل عن زيد بن أبي أوفى رضي الله عنه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا هذه الآية } { على سرر متقابلين } ينظر بعضهم إلى بعض } حديث غريب.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
عَلَىٰ سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ
    +/- -/+  
الأية
44
 
قال مجاهد لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض وقال ابن أبي حاتم حدثنا يحيى بن عبدك القزويني حدثنا حسان بن حسان حدثنا إبراهيم بن بشر حدثنا يحيى بن معين حدثنا إبراهيم القرشي عن سعيد بن شرحبيل عن زيد بن أبي أوفى رضي الله عنه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا هذه الآية } { على سرر متقابلين } ينظر بعضهم إلى بعض } حديث غريب.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ
    +/- -/+  
الأية
45
 
قوله تعالى { يطاف عليهم بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون } كما قال عز وجل في الآية الأخرى { يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون } نزه الله سبحانه وتعالى خمر الجنة عن الآفات التي في خمر الدنيا من صداع الرأس ووجع البطن وهو الغول وذهابها بالعقل جملة فقال تعالى ههنا { يطاف عليهم بكأس من معين } أي بخمر من أنهار جارية لا يخافون انقطاعها ولا فراغها قال مالك عن زيد بن أسلم: خمر جارية بيضاء أي لونها مشرق حسن بهي لا كخمر الدنيا في منظرها البشع الرديء من حمرة أو سواد أو اصفرار أو كدورة إلى غير ذلك مما ينفر الطبع السليم وقوله عز وجل { لذة للشاربين } أي طعمها طيب كلونها وطيب الطعم دليل على طيب الريح بخلاف خمر الدنيا في جميع ذلك.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ
    +/- -/+  
الأية
46
 
قوله تعالى { يطاف عليهم بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون } كما قال عز وجل في الآية الأخرى { يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون } نزه الله سبحانه وتعالى خمر الجنة عن الآفات التي في خمر الدنيا من صداع الرأس ووجع البطن وهو الغول وذهابها بالعقل جملة فقال تعالى ههنا { يطاف عليهم بكأس من معين } أي بخمر من أنهار جارية لا يخافون انقطاعها ولا فراغها قال مالك عن زيد بن أسلم: خمر جارية بيضاء أي لونها مشرق حسن بهي لا كخمر الدنيا في منظرها البشع الرديء من حمرة أو سواد أو اصفرار أو كدورة إلى غير ذلك مما ينفر الطبع السليم وقوله عز وجل { لذة للشاربين } أي طعمها طيب كلونها وطيب الطعم دليل على طيب الريح بخلاف خمر الدنيا في جميع ذلك.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ
    +/- -/+  
الأية
47
 
وقوله تعالى { لا فيها غول } يعني لا تؤثر فيهم عولا وهو وجع البطن قاله ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وقتادة وابن زيد كما تفعله خمر الدنيا من القولنج ونحوه لكثرة مائيتها وقيل المراد بالغول ههنا صداع الرأس وروي هكذا عن ابن عباس رضي الله عنهما وقال قتادة هو صداع الرأس ووجع البطن وعنه وعن السدي لا تغتال عقولهم كما قال الشاعر: فمنا زالت الكأس تغتالنا وتذهب بالأول الأول وقال سعيد بن جبير لا مكروه فيها ولا أذى والصحيح قول مجاهد أنه وجع البطن وقوله تعالى { ولاهم عنها ينزفون } قال مجاهد لا تذهب عقولهم وكذا قال ابن عباس ومحمد بن كعب والحسن وعطاء بن أبي مسلم الخراساني والسدي وغيرهم وقال الضحاك عن ابن عباس في الخمر أربع خصال السكر والصداع والقيء والبول فذكر الله تعالى خمر الجنة فنزهها عن هذه الخصال.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ
    +/- -/+  
الأية
48
 
قوله تعالى { وعندهم قاصرات الطرف } أي عفيفات لا ينظرن إلى غير أزواجهن كذا قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وزيد بن أسلم وقتادة والسدي وغيرهم. وقوله تبارك وتعالى { عين } أي حسان الأعين وقيل ضخام الأعين وهو يرجع إلى الأول وهي النجلاء العيناء فوصف عيونهن بالحسن والعفة كقول زليخا في يوسف عليه الصلاة والسلام حين جملته وأخرجته على تلك النسوة فأعظمنه وأكبرنه وظنن أنه ملك من الملائكة لحسنه وبهاء منظره قالت { فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم } أي هو مع هذا الجمال عفيف تقي نقي وهكذا الحور العين { خيرات حسان } ولهذا قال عز وجل { وعندهم قاصرات الطرف عين }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ
    +/- -/+  
الأية
49
 
وقوله جل جلاله { كأنهن بيض مكنون } وصفهن بترافة الأبدان بأحسن الألوان قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما { كأنهن بيض مكنون } يقول اللؤلؤ المكنون وينشد ههنا بيت أبي دهبل الشاعر وهو قوله في قصيدة له وهي زهراء مثل لؤلؤة الغواص ميزت من جوهر مكنون وقال الحسن { كأنهن بيض مكنون } يعني محصون لم تمسه الأيدي وقال السدي البيض في عشه مكنون وقال سعيد بن جبير { كأنهن بيض مكنون } يعني بطن البيض وقال عطاء الخراساني هو السحاء الذي يكون بين قشرته العليا ولباب البيضة وقال السدي { كأنهن بيض مكنون } يقول بياض البيض حين ينزع قشرته واختاره ابن جرير لقوله مكنون قال والقشرة العليا يمسها جناح الطير والعش وتنالها الأيدي بخلاف داخلها والله أعلم. وقال ابن جرير حدثنا أحمد بن عبدالرحمن بن وهب حدثنا محمد بن الفرح الصدفي الدمياطي عن عمرو بن هاشم عن ابن أبي كريمة عن هشام عن الحسن عن أمه عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله أخبرني عن قول الله عز وجل { حور عين } قال { العين الضخام العيون شفر الحوراء بمنزلة جناح النسر } قلت يا رسول الله أخبرني عن قول الله عز وجل { كأنهن بيض مكنون } قال { رقتهن كرقة الجلدة التي رأسها في داخل البيضة التي تلي القشر وهي الغرقئ }. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو غسان النهدي حدثنا عبدالسلام بن حرب عن ليث عن الربيع بن أنس عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا وأنا خطيبهم إذا وفدوا وأنا مبشرهم إذا حزنوا وأنا شفيعهم إذا حبسوا لواء الحمد يومئذ بيدي وأنا أكرم ولد آدم على الله عز وجل ولا فخر يطوف علي ألف خادم كأنهن البيض المكنون - أو اللؤلؤ المكنون } والله تعالى أعلم بالصواب.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
50
 
يخير تعالى عن أهل الجنة أنه أقبل بعضهم على بعض يتساءلون أي عن أحوالهم وكيف كانوا في الدنيا وماذا كانوا يعانون فيها وذلك من حديثهم على شرابهم واجتماعهم في تنادمهم ومعاشرتهم في مجالسهم وهم جلوس على السرر والخدم بين أيديهم يسعون ويجيئون بكل خير عظيم من مآكل ومشارب وملابس وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ
    +/- -/+  
الأية
51
 
قال مجاهد يعني شيطانا وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما هو الرجل المشرك يكون له صاحب من أهل الإيمان في الدنيا ولا تنافي بين كلام مجاهد وابن عباس رضي الله عنهما فإن الشيطان يكون من الجن فيوسوس في النفس ويكون من الإنس فيقول كلاما تسمعه الأذنان وكلاهما يتعاونان قال الله تعالى { يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا } وكل منهما يوسوس كما قال الله عز وجل { من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ
    +/- -/+  
الأية
52
 
أي أأنت تصدق بالبعث والنشور والحساب والجزاء يعني يقول ذلك على وجه التعجب والتكذيب والاستبعاد والكفر والعناد.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ
    +/- -/+  
الأية
53
 
قال مجاهد والسدي لمحاسبون وقال ابن عباس رضي الله عنهما ومحمد بن كعب القرظي لمجزيون بأعمالنا وكلاهما صحيح.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ
    +/- -/+  
 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ
    +/- -/+  
الأية
55
 
قال ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير وخليد العصري وقتادة والسدي وعطاء الخراساني يعني فى وسط الجحيم وقال الحسن البصري في وسط الجحيم كأنه شهاب يتقد وقال قتادة ذكر لنا أنه اطلع فرأى جماجم القوم تغلي وذكر لنا أن كعب الأحبار قال في الجنة كوى إذا أراد أحد من أهلها أن ينظر إلى عدوه في النار اطلع فيها فازداد شكرا.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قَالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ
    +/- -/+  
الأية
56
 
يقول المؤمن مخاطبا للكافر والله إن كدت لتهلكني لو أطعتك.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ
    +/- -/+  
الأية
57
 
أي ولولا فضل الله علي لكنت مثلك في سواء الجحيم حيث أنت محضر معك في العذاب ولكنه تفضل علي ورحمني فهداني للإيمان وأرشدني إلى توحيده { وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ
    +/- -/+  
الأية
58
 
قوله تعالى { أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى } وما نحن بمعذبين هذا من كلام المؤمن مغتبطا نفسه بما أعطاه الله تعالى من الخلد في الجنة والإقامة في دار الكرامة بلا موت فيها ولا عذاب ولهذا قال عز وجل { إن هذا لهو الفوز العظيم } وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو عبدالله الظهراني حدثنا حفص بن عمر العدني حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تبارك وتعالى لأهل الجنة { كلوا وأشربوا هنيئا بما كنتم تعملون } قال ابن عباس رضي الله عنهما وقوله عز وجل { هنيئا } أي لا يموتون فيها فعندها قالوا { أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين } وقال الحسن البصري علموا أن كل نعيم فإن الموت يقطعه فقالوا { أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين } قيل لا قالوا { إن هذا لهو الفوز العظيم }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ
    +/- -/+  
الأية
59
 
قوله تعالى { أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى } وما نحن بمعذبين هذا من كلام المؤمن مغتبطا نفسه بما أعطاه الله تعالى من الخلد في الجنة والإقامة في دار الكرامة بلا موت فيها ولا عذاب ولهذا قال عز وجل { إن هذا لهو الفوز العظيم } وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو عبدالله الظهراني حدثنا حفص بن عمر العدني حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تبارك وتعالى لأهل الجنة { كلوا وأشربوا هنيئا بما كنتم تعملون } قال ابن عباس رضي الله عنهما وقوله عز وجل { هنيئا } أي لا يموتون فيها فعندها قالوا { أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين } وقال الحسن البصري علموا أن كل نعيم فإن الموت يقطعه فقالوا { أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين } قيل لا قالوا { إن هذا لهو الفوز العظيم }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
    +/- -/+  
الأية
60
 
قوله تعالى { أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى } وما نحن بمعذبين هذا من كلام المؤمن مغتبطا نفسه بما أعطاه الله تعالى من الخلد في الجنة والإقامة في دار الكرامة بلا موت فيها ولا عذاب ولهذا قال عز وجل { إن هذا لهو الفوز العظيم } وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو عبدالله الظهراني حدثنا حفص بن عمر العدني حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تبارك وتعالى لأهل الجنة { كلوا وأشربوا هنيئا بما كنتم تعملون } قال ابن عباس رضي الله عنهما وقوله عز وجل { هنيئا } أي لا يموتون فيها فعندها قالوا { أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين } وقال الحسن البصري علموا أن كل نعيم فإن الموت يقطعه فقالوا { أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين } قيل لا قالوا { إن هذا لهو الفوز العظيم }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
لِمِثْلِ هَٰذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ
    +/- -/+  
الأية
61
 
وقوله جل جلاله { لمثل هذا فليعمل العاملون } قال قتادة هذا من كلام أهل الجنة وقال ابن جرير هو من كلام الله تعالى ومعناه لمثل هذا النعيم وهذا الفوز فليعمل العاملون في الدنيا ليصيروا إليه في الآخرة وقد ذكروا قصة رجلين كانا شريكين في بني إسرائيل تدخل في ضمن عموم هذه الآية الكريمة قال أبو جعفر بن جرير حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد حدثنا عتاب بن بشير عن خصيف عن فرات بن ثعلبة النهراني في قوله { إني كان لي قرين } قال إن رجلين كانا شريكين فاجتمع لهما ثمانية آلاف دينار وكان احدهما له حرفة والآخر ليس له حرفة فقال الذي له حرفة للآخر ليس عندك حرفة ما أراني إلا مفارقك ومقاسمك فقاسمه وفارقه ثم إن الرجل اشترى دارا بألف دينار كانت لملك مات فدعا صاحبه فأراه فقال كيف ترى هذه الدار ابتعتها بألف دينار؟ قال ما أحسنها فلما خرج قال اللهم إن صاحبي هذا قد ابتاع هذه الدار بألف دينار وأني أسألك دارا من دور الجنة فتصدق بألف دينار ثم مكث ما شاء الله تعالى أن يمكث ثم إنه تزوج بامرأة بألف دينار فدعاه وصنع له طعاما فلما أتاه قال إني تزوجت هذه المرأة بألف دينار قال ما أحسن هذا فلما انصرف قال يا رب إن صاحبي تزوج امرأة بألف دينار وإني أسألك امرأة من الحور العين فتصدق بألف دينار ثم إنه مكث ما شاء الله تعالى أن يمكث ثم اشترى بستانين بألفي دينار ثم دعاه فأراه فقال إني ابتعت هذين البستانين بألفي دينار فقال ما أحسن هذا فلما خرج قال يا رب إن صاحبي قد اشترى بستانين بألفي دينار وأنا أسألك بستانين في الجنة فتصدق بألفي دينار ثم إن الملك أتاهما فتوفاهما ثم انطلق بهذا المتصدق فأدخله دارا تعجبه وإذا بامرأة تطلع يضيء ما تحتها من حسنها ثم أدخله بستانين وشيئا الله به عليم فقال عند ذلك ما أشبه هذا برجل كان من أمره كذا وكذا قال فإنه ذاك ولك هذا المنزل والبستانان والمرأة قال فإنه كان لي صاحب يقول { أئنك لمن المصدقين } قيل له فإنه الجحيم قال هل { أنتم مطلعون فاطلع فرآه في سواء الجحيم } فقال عند ذلك { تالله إن كدت لتردين ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين } الآيات قال ابن جرير وهذا يقوي قراءة من قرأ { أئنك لمن المصدقين } بالتشديد وقال ابن أبي حاتم حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا عمرو بن عبدالرحمن الأبار أخبرنا أبو حفص قال سألت إسماعيل السدي عن هذه الآية { قال قائل منهم إني كان لي قرين يقول أئنك لمن المصدقين } قال: فقال لي ما ذكرك هذا؟ قلت قرأته آنفا فأحببت أن أسألك عنه فقال أما فاحفظ كان شريكان في بني إسرائيل أحدهما مؤمن والآخر كافر فافترقا على ستة آلاف دينار لكل واحد منهما ثلاثة آلاف دينار ثم افترقا فمكثا ما شاء الله تعالى أن يمكثا ثم التقيا فقال الكافر للمؤمن ما صنعت في مالك؟ أضربت به شيئا أتجرت به في شيء؟ فقال له المؤمن لا فما صنعت أنت؟ فقال اشتريت به أرضا ونخلا وثمارا وأنهارا بألف دينار - قال - فقال له المؤمن أو فعلت؟ قال نعم قال فرجع المؤمن حتى إذا كان الليل صلى ما شاء الله تعالى أن يصلي فلما انصرف أخذ ألف دينار فوضعها بين يديه ثم قال: اللهم إن فلانا - يعني شريكه الكافر - اشترى أرضا ونخلا وثمارا وأنهارا بألف دينار ثم يموت غدا ويتركها اللهم إني اشتريت منك بهذه الألف دينار أرضا ونخلا وثمارا وأنهارا في الجنة - قال - ثم أصبح فقسمها في المساكين - قال- ثم مكثا ما شاء الله تعالى أن يمكثا ثم التقيا فقال الكافر للمؤمن ما صنعت فى مالك أضربت به في شيء أتجرت به في شيء؟ قال لا قال فما صنعت أنت؟ قال كانت ضيعتي قد اشتد على مؤونتها فاشتريت رقيقا بألف دينار يقومون لي فيها يعملون لي فيها فقال له المومن أو فعلت؟ قال نعم - قال- فرجع المؤمن حتى إذا كان الليل صلى ما شاء الله تعالى أن يصلي فلما أنصرف أخذ ألف دينار فوضعها بين يديه ثم قال اللهم إن فلانا- يعني شريكه الكافر- اشترى رقيقا من رقيق الدنيا بألف دينار يموت غدا فيتركهم أو يموتون فيتركونه اللهم إني اشتريت منك بهذه الألف الدينار رقيقا في الجنة - قال - ثم أصبح فقسمها في المساكين - قال - ثم مكثا ما شاء الله تعالى أن يمكثا ثم التقيا فقال الكافر للمؤمن ما صنعت في مالك أضربت به في شيء أتجرت به في شيء؟ قال لا فما صنعت أنت؟ قال كان امري كله قد تم إلا شيئا واحدا فلانة قد مات عنها زوجها فأصدقتها ألف دينار فجاءتني بها ومثلها معها فقال له المؤمن أو فعلت؟ قال نعم قال فرجع المؤمن حتى إذا كان الليل صلى ما شاء الله تعالى أن يصلي فلما انصرف أخذ الألف الدينار الباقية فوضعها بين يديه وقال اللهم إن فلانا - يعني شريكه الكافر- تزوج زوجة من أزواج الدنيا بألف دينار فيموت غدا فيتركها أو تموت غدا فتتركه اللهم وإني أخطب إليك بهذه الألف الدينار حوراء عيناء في الجنة - قال - ثم أصبح فقسمها بين المساكين قال - فبقي المؤمن ليس عنده شيء قال فلبس قميصا من قطن وكساء من صوف ثم أخذ مرا فجعله على رقبته يعمل الشيء ويحفر الشيء بقوته قال فجاءه رجل فقال له يا عبدالله أتؤاجرني نفسك مشاهرة شهرا بشهر تقوم على دواب لي تعلفا وتكنس سرقينها قال أفعل قال فواجره نفسه مشاهرة شهرا بشهر يقوم على دوابه وقال وكان صاحب الدواب يغدو كل يوم ينظر إلى دوابه فإذا رأى منها دابة ضامرة أخذ برأسه فوجأ عنقه ثم يقول له سرقت شعير هذه البارحة قال فلما رأى المؤمن هذه الشدة قال لآتين شريكي الكافر فلأعملن في أرضه فليطعمني هذه الكسرة يوما بيوم ويكسوني هذين الثوبين إذا بليا قال فانطلق يريده فانتهى إلى بابه وهو ممس فإذا قصر مشيد فى السماء وإذا حوله البوابون فقال لهم استأذنوا لي على صاحب هذا القصر فإنكم إذا فعلتم سره ذلك فقالوا له انطلق إن كانت صادقا فنم في ناحية فإذا أصبحت فتعرض له قال فانطلق المؤمن فألقى نصف كسائه تحته ونصفه ثم نام فلما أصبح أتى شريكه فتعرض له فخرج شريكه الكافر وهو راكب فلما رآه عرفه فوقف عليه وسلم عليه وصافحه ثم قال له ألم تأخذ من المال مثل ما أخذت؟ قال بلى قال وهذه حالي وهذه حالك؟ قال بلى قال أخبرني ما صنعت في مالك؟ قال لا تسألني عنه قال فما جاء بك؟ قال جئت أعمل فى أرضك هذه فتطعمني هذه الكسرة يوما بيوم وتكسوني هذين الثوبين إذا بليا قال لا ولكن أصنع بك ما هو خير من هذا ولكن لا ترى مني خيرا حتى تخبرني ما صنعت في مالك قال أقرضته قال من؟ قال المليء الوفي قال من؟ قال الله ربي قال وهو مصافحه فانتزع يده من يده ثم قال { أئنك لمن المصدقين أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون } قال السدي محاسبون قال فانطلق الكافر وتركه قال فلما رآه المؤمن وليس يلوي عليه رجع وتركه يعيش المؤمن في شدة من الزمان ويعيش الكافر في رخاء من الزمان قال فإذا كان يوم القيامة وأدخل الله تعالى المؤمن الجنة يمر فإذا هو بأرض ونخل وثمار وأنهار فيقول لمن هذا؟ فيقال هذا لك فيقول يا سبحان الله أو بلغ من فضل عملي أن أثاب بمثل هذا؟ قال ثم يمر فإذا هو برقيق لا تحصى عدتهم فيقول لمن هذا؟ فيقول هؤلاء لك فيقول يا سبحان الله أو بلغ من فضل عملي أن أثاب بمثل هذا قال ثم يمر فإذا هو بقبة من ياقوتة حمراء مجوفة فيها حوراء عيناء فيقول لمن هذه فيقال هذه لك فيقول يا سبحان الله أو بلغ من فضل عملي أن أثاب بمثل هذا قال ثم يذكر المؤمن شريكه الكافر فيقول { إني كان لي قرين يقول أئنك لمن المصدقين أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون } قال فالجنة عالية والنار هاوية قال فيريه الله تعالى شريكه في وسط الجحيم من بين أهل النار فإذا رآه المؤمن عرفه فيقول { تالله إن كدت لتردين ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين إن هذا لهو الفوز العظيم لمثل هذا فليعمل العاملون } بمثل ما قد من عليه قال فيتذكر المؤمن ما مر عليه في الدنيا من الشدة فلا يذكر مما مر عليه في الدنيا من الشدة أشد عليه من الموت.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أَذَٰلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ
    +/- -/+  
الأية
62
 
يقول الله تعالى أهذا الذي ذكره من الجنة وما فيها من مآكل ومشارب ومناكح وغير ذلك من الملاذ خير ضيافة وعطاء { أم شجرة الزقوم } أي التي في جهنم وقد يحتمل أن يكون المراد بذلك شجرة واحدة معينة كما قال بعضهم إنها شجرة تمتد فروعها إلى جميع محال جهنم كما أن شجرة طوبى ما من دار في الجنة إلا وفيها منها غصن وقد يحتمل أن يكون المراد بذلك جنس شجر يقال له الزقوم كقوله تعالى { وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين } يعني الزيتونة ويؤيد ذلك قوله تعالى { ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ
    +/- -/+  
الأية
63
 
قال قتادة ذكرت شجرة الزقوم فافتتن بها أهل الضلالة وقالوا صاحبكم ينبئكم أن في النار شجرة والنار تأكل الشجر فأنزل الله تعالى { إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم } غذيت من النار ومنها خلقت وقال مجاهد { إنا جعلناها فتنة للظالمين } قال أبو جهل لعنه الله إنما الزقوم التمر والزبد أتزقمه قلت ومعنى الآية إنما أخبرناك يا محمد بشجرة الزقوم اختبارا نختبر به الناس من يصدق منهم ممن يكذب كقوله تبارك وتعالى { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ
    +/- -/+  
الأية
64
 
قوله تعالى { إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم } أي أصل منبتها فى قرار النار طلعها كأنه رؤوس الشياطين تبشيع لها وتكريه لذكرها. قال وهب بن منبه شعور الشياطين قائمة إلى السماء وأنما شبهها برؤوس الشياطين وإن لم تكن معروفة عند المخاطبين لأنه قد استقر في النفوس أن الشياطين قبيحة المنظر وقيل المراد بذلك ضرب من الحيات رؤوسها بشعة المنظر وقيل جنس من النبات طلعه فى غاية الفحاشة وفى هذين الاحتمالين نظر وقد ذكرهما ابن جرير والأول أقوى وأولى والله أعلم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ
    +/- -/+  
الأية
65
 
قوله تعالى { إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم } أي أصل منبتها فى قرار النار طلعها كأنه رؤوس الشياطين تبشيع لها وتكريه لذكرها. قال وهب بن منبه شعور الشياطين قائمة إلى السماء وأنما شبهها برؤوس الشياطين وإن لم تكن معروفة عند المخاطبين لأنه قد استقر في النفوس أن الشياطين قبيحة المنظر وقيل المراد بذلك ضرب من الحيات رؤوسها بشعة المنظر وقيل جنس من النبات طلعه فى غاية الفحاشة وفى هذين الاحتمالين نظر وقد ذكرهما ابن جرير والأول أقوى وأولى والله أعلم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ
    +/- -/+