لما استبطأ المشركون العذاب نزل: أتى أمر الله ← أي الساعة، وأتى بصيغة الماضي
لتحقق وقوعه أي قرب فلا تستعجلوه ← تطلبوه قبل حينه فإنه واقع لا محالة سبحانه
← تنزيهاً له وتعالى عما يشكرون ← به غيره .
ينزل الملائكة ← أي جبريل بالروح ← بالوحي من أمره ← بإرادته على من يشاء
من عباده ← وهم الأنبياء أن ← مفسرة أنذروا ← خوفوا الكافرين بالعذاب وأعلموهم
أنه لا إله إلا أنا فاتقون ← خافون .
{( خلق الإنسان من نطفة ) مَنِيّ إلى أن صيره قويا شديداً ( فإذا هو خصيم ) شديد
الخصومة ( مبين ) بينها في نفي البعث قائلاً "" من يحيي العظام وهي رميم "" .
والأنعام ← الإبل والبقر والغنم، ونصبه بفعل مقدر يفسره خلقها لكم ← من جملة
الناس فيها دفءٌ ← ما تستدفئون به من الأكسية والأردية من أشعارها وأصوافها ومنافع ← من النسل والدرّ والركوب ومنها تأكلون ← قدم الظرف للفاصلة .
و ← خلق الخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ← مفعول له، والتعليل بهما
بتعريف النعم لا ينافي خلقها لغير ذلك كالأكل في الخيل ، الثابت بحديث الصحيحين ويخلق ما لا تعلمون ← من الأشياء العجيبة الغريبة .
وعلى الله قصد السبيل ← أي بيان الطريق المستقيم ومنها ← أي السبيل جائر ← حائد عن الاستقامة ولو شاء ← هدايتكم لهداكم ← إلى قصد السبيل أجمعين ← فتهتدون إليه باختيار منكم.
وسخَّر لكم الليل والنهار والشمس ← بالنصب عطفاً على ما قبله والرفع مبتدأ والقمر والنجوم ← بالوجهين مسخرات ← بالنصب حال والرفع خبر بأمره ← بإرادته إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ← يتدبرون .
وهو الذي سخَّر البحر ← ذلله لركوبه والغوص فيه لتأكلوا منه لحماً طرياً ← هو
السمك وتستخرجوا منه حليه تلبسونها ← هي اللؤلؤ والمرجان وترى ← تبصر الفلك ← السفن مواخر فيه ← تمخر الماء، أي تشقه يجريها فيه مقبلة ومدبرة بريح واحدة ولتبتغوا ← عطف على لتأكلوا، تطلبوا من فضله ← تعالى بالتجارة ولعلكم تشكرون ← الله على ذلك .
أموات ← لا روح فيه خبر ثان غير أحياء ← تأكيد وما يشعرون ← أي الأصنام أيان ← وقت يبعثون ← أي الخلق فكيف يعبدون، إذ لا يكون إلهاً إلا الخالق الحي
العالم بالغيب .
إلهكم ← المستحق للعبادة منكم إله واحد ← لا نظير له في ذاته ولا في صفاته وهو
الله تعالى فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة ← جاحدة للوحدانية وهم
مستكبرون ← متكبرون عن الإيمان بها .
ليحملوا ← في عاقبة الأمر أوزارهم ← ذنوبهم كاملة ← لم يُكفَّر منها شيء يوم القيامة ومن ← بعض أوزار الذين يضلونهم بغير علم ← لأنهم دعوهم إلى الضلال
فاتبعوهم فاشتركوا في الإثم ألا ساء ← بئس ما يزرون ← يحملونه حملهم هذا .
قد مكر الذين من قبلهم ← وهو نمروذ بنى صرحاً طويلا ليصعد منه إلى السماء ليقاتل
أهلها فأتى اللهُ ← قصد بنيانهم من القواعد ← الأساس فأرسل عليه الريح والزلزلة
فهدمته فخر عليهم السقف من فوقهم ← أي هم تحته وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون
← من جهة لا تخطر ببالهم وقيل هذا تمثيل لإفساد ما أبرموه من المكر بالرسل .
ثم يوم القيامة يخزيهم ← يذلهم ويقول ← الله لهم على لسان الملائكة توبيخاً أين شركائي ← بزعمكم الذين كنتم تشاقون ← تخالفون المؤمنين فيهم ← في شأنهم قال ← أي يقول الذين أوتوا العلم ← من الأنبياء والمؤمنين إن الخزي اليوم
والسوء على الكافرين ← يقولونه شماتة بهم .
الذين تتوفاهم ← بالتاء والياء الملائكة ظالمي أنفسهم ← بالكفر فألقوا السلم
← انقادوا واستسلموا عند الموت قائلين ما كنا نعمل من سوء ← شرك فتقول الملائكة بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون ← فيجازيكم به .
وقيل للذين اتقوْا ← الشرك ماذا أنزل ربكم قالوا خيراً للذين أحسنوا ← بالإيمان
في هذه الدنيا حسنة ← حياة طيبة ولدار الآخرة ← أي الجنة خير ← من الدنيا وما
فيها قال تعالى فيها ولنعم دار المتقين ← هي .
هل ← ما ينظرون ← ينتظر الكفار إلا أن تأتيهم ← بالتاء والياء الملائكة ← لقبض أرواحهم أو يأتي أمر ربك ← العذاب أو القيامة المشتملة عليه كذلك ← كما
فعل هؤلاء فعل الذين من قبلهم ← من الأمم كذبوا رسلهم فأهلكوا وما ظلمهم الله ← بإهلاكهم بغير ذنب ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ← بالكفر .
وقال الذين أشركوا ← من أهل مكة لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا
آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء ← من البحائر والسوائب فإشراكنا وتحريمنا بمشيئته
فهو راض به، قال تعالى: كذلك فعل الذين من قبلهم ← أي كذبوا ربهم فيما جاءوا به فهل ← فما على الرسل إلا البلاغ المبين ← إلا البلاغ البيِّن وليس عليهم الهداية
.
ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً ← كما بعثناك في هؤلاء أن ← بأن اعبدوا الله ← وحدوه واجتنبوا الطاغوت ← الأوثان أن تعبدوها فمنهم من هدى الله ← فآمن ومنهم
من حقت ← وجَبَتْ عليه الضلالة ← في علم الله فلم يؤمن فسيروا ← يا كفار مكة في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ← رسلهم من الهلاك .
إن تحرص ← يا محمد على هداهم ← وقد أضلهم الله لا تقدر على ذلك فإن الله لا
يُهدِي ← بالبناء للمفعول وللفاعل من يضل ← من يريد إضلاله وما لهم من ناصرين ← مانعين من عذاب الله .
وأقسموا بالله جهد أيمانهم ← أي غاية اجتهادهم فيها لا يبعث الله من يموت ← قال
تعالى بلى ← يبعثهم وعداً عليه حقا ← مصدران مؤكدان منصوبان بفعلهما المقدر أي
وعد ذلك وحقه حقا ولكن أكثر الناس ← أي أهل مكة لا يعلمون ← ذلك .
ليبين ← متعلق ببعثهم المقدر لهم الذي يختلفون ← مع المؤمنين فيه ← من أمر
الدين بتعذيبهم وإثابة المؤمنين وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين ← في إنكار
البعث .
إنما قوْلنا لشيء إذا أردناه ← أي أردنا إيجاده وقولنا مبتدأ خبره أن نقول له
كن فيكونُ ← أي فهو يكون وفي قراءة بالنصب عطفاً على نقول والآية لتقرير القدرة على
البعث .
والذين هاجروا في الله ← لإقامة دينه من بعدما ظلموا ← بالأذى من أهل مكة وهم
النبي وأصحابه لنبوِّئَنهم ← ننزلهم في الدنيا ← داراً حسنة ← هي المدينة ولأجر الآخرة ← أي الجنة أكبر ← أعظم لو كانوا يعلمون ← أي الكفار أو المتخلفون
عن الهجرة ما للمهاجرين من الكرامة لوافقوهم .
وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم ← لا ملائكة فاسألوا أهل الذكر ← العلماء بالتوراة والإنجيل إن كنتم لا تعلمون ← ذلك ، فإنهم يعلمونه وأنتم إلى
تصديقهم أقرب من تصديق المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم .
بالبينات ← متعلق بمحذوف أي أرسلناهم بالحجج الواضحة والزُّبُر ← الكتب وأنزلنا إليك الذكر ← القرآن لتبين للناس ما نزل إليهم ← فيه من الحلال والحرام ولعلهم يتفكرون ← في ذلك فيعتبرون .
أفأمِنَ الذين مكروا ← المكرات السيئات ← بالنبي صلى اله عليه وسلم في دار
الندوة من تقييده أو قتله أو إخراجه كما ذكر في الأنفال أن يخسف الله بهم الأرض ← كقارون أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون ← أي جهة لا تخطر ببالهم وقد أهلكوا
ببدر ولم يكونوا يقدّرون ذلك .
أولم يروْا إلى ما خلق الله من شيء ← له ظل كشجرة وجبل تتفيَّؤ ← تتميل ظلاله
عن اليمين والشمائل ← جمع شمال أي عن جانبيهما أول النهار وآخره سجداً لله ← حال
أي خاضعين له بما يراد منهم وهم ← أي الظلال داخرون ← صاغرون نزلوا منزلة
العقلاء .
ولله يسجد ما في السماوات وما في والأرض من دابة ← أي نسمة تدب عليها أي تخضع له
بما يراد منها، وغلب في الإتيان بما لا يعقل لكثرته والملائكة ← خصهم بالذكر
تفضيلاً وهم لا يستكبرون ← يتكبرون عن عبادته .
وله ما في السماوات والأرض ← ملكاً وخلقاً وعبيداً وله الدين ← الطاعة واصباً
← دائماً حال من الدين والعامل فيه معنى الظرف أفغير الله تتقون ← وهو الإله الحق
ولا إله غيره والاستفهام للإنكار والتوبيخ .
وما بكم من نعمة فمن الله ← لا يأتي بها غيره و"ما" شرطية أو موصولة ثم إذا
مسكم ← أصابكم الضر ← الفقر والمرض فإليه تجأرون ← ترفعون أصواتكم بالاستغاثة
والدعاء ولا تدعون غيره .
ويجعلون ← أي المشركون لما لا يعلمون ← أنها تضر ولا تنفع وهي الأصنام نصيباً
مما رزقناهم ← من الحرث والأنعام بقولهم هذا لله لشركائنا تالله لتسألن ← سؤال
توبيخ وفيه التفات عن الغيبة عما كنتم تفترون ← على الله من أنه أمركم بذلك .
{( ويجعلون لله البنات ) بقولهم الملائكة بنات الله ( سبحانه ) تنزيهاً له عما زعموا
( ولهم ما يشتهون) ـه أي البنون والجملة في محل رفع أو نصب بيجعل ، المعنى يجعلون
له البنات التي يكرهونها وهو منزه عن الولد ويجعلون لهم الأبناء الذين يختارونهم
فيختصون بالأسنى كقوله "" فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون "" .
يتوارى ← يختفي من القوم ← أي قومه من سوء ما بشر به ← خوفاً من التعيير
متردداً فيما يفعل به أيمسكه ← يتركه بلا قتل على هون ← هوان وذل أم يدسه في
التراب ← بأن يئده ألا ساء ← بئس ما يحكمون ← حكمهم هذا حيث نسبوا لخالقهم
البنات اللاتي هن عندهم بهذا المحل .
للذين لا يؤمنون بالآخرة ← أي الكفار مثل السَّوء ← أي الصفة السوأى بمعنى
القبيحة وهي وأدهم البنات مع احتياجهم إليهن للنكاح ولله المثل الأعلى ← الصفة
العليا وهو أنه لا إله إلا هو وهو العزيز ← في ملكه الحكيم ← في خلقه .
ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ← بالمعاصي ما ترك عليها ← أي الأرض من دابة ← نسمة تدب عليها ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ← عنه ساعة ولا يستقدمون ← عليه .
ويجعلون لله ما يكرهون← لأنفسهم من البنات والشريك في الرياسة وإهانة الرسل وتصف← تقول ألسنتهم← مع ذلك الكذب← وهو أن لهم الحسنى← عند الله أي الجنة لقوله :
(ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى) {لا جرم← حقا أن لهم النار وأنهم مفرطون← متروكون فيها أو مقدمون إليها وفي قراءة بكسر الراء أي متجاوزون الحد.
تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك ← رسلاً فزين لهم الشيطان أعمالهم ← السيئة
فرأوها حسنة فكذبوا الرسل فهو وليهم ← متولي أمورهم اليوم ← أي في الدنيا ولهم عذاب أليم ← مؤلم في الآخرة وقيل المراد باليوم يوم القيامة على حكاية الحال
الآتية لا ولي لهم غيره وهو عاجز عن نصر نفسه فكيف ينصرهم .
وإن لكم في الأنعام لعبرة ← اعتبار نسقيكم ← بيان للعبرة مما في بطونه ← أي
الأنعام من ← للابتداء متعلقة بنسقيكم بين فرث ← ثفل الكرش ودمٍ لبناً خالصاً
← لا يشوبه شيء من الفرث والدم من طعم أو ريح أو لون أو بينهما سائغاًً للشاربين
← سهل المرور في حلقهم لا يغص به .
ومن ثمرات النخيل والأعناب ← ثمر تتخذون منه سكراً ← خمراً يسكِر سميت بالمصدر
وهذا قبل تحريمها ورزقاً حسناً ← كالتمر والزبيب والخل والدبس إن في ذلك ← المذكور لآية ← دالة على قدرته تعالى لقوم يعقلون ← يتدبرون .
وأوحى ربك إلى النحل ← وحي إلهام أن ← مفسرة أو مصدرية اتخذي من الجبال
بيوتاً ← تأوين إليها ومن الشجر ← بيوتًا ومما يعرشون ← أي الناس يبنون لك من
الأماكن وإلا لم تأو إليها .
ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي ← ادخلي سبل ربك ← طرقه في طلب المرعى ذللا ← جمع ذلول حال من السبل أي مسخرة لك فلا تعسر عليك وإن توعرت ولا تضلي على العود
منها وإن بعدت، وقيل من الضمير في اسلكي أي منقادة لما يراد منك يخرج من بطونها
شراب ← هو العسل مختلف ألوانه فيه شفاء للناس ← من الأوجاع قيل لبعضها كما دل
عليه تنكير شفاء أو لكلها بضميمته إلى غيره وبدونها بنيته وقد أمر به صلى الله عليه
وسلم من استطلق عليه بطنه رواه الشيخان إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ← في صنعه
تعالى .
والله خلقكم ← ولم تكونوا شيئاً ثم يتوفاكم ← عند انقضاء آجالكم ومنكم من يرد
إلى أرذل العمر ← أي أخسه من الهرم والخرف لكي لا يعلم بعد علم شيئاً ← قال عكرمة
من قرأ القرآن لم يصر بهذه الحالة إن الله عليم ← بتدبير خلقه قدير ← على ما
يريده .
والله فضل بعضكم على بعض في الرزق ← فمنكم غني وفقير ومالك ومملوك فما الذين
فضلوا ← أي الموالي برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم ← أي بجاعلي ما رزقناهم من
الأموال وغيرها شركة بينهم وبين مماليكهم فهم ← أي المماليك والموالي فيه سواء
← شركاء المعنى ليس لهم شركاء من مماليكهم في أموالهم فكيف يجعلون بعض مماليك الله
شركاء له أفبنعمة الله يجحدون ← يكفرون حيث يجعلون له شركاء .
والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا ← فخلق حواء من ضلع آدم وسائر الناس من نطف
الرجال والنساء وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ← أولاد الأولاد ورزقكم من
الطيبات ← من أنواع الثمار والحبوب والحيوان أفبالباطل ← الصنم يؤمنون وبنعمة
الله هم يكفرون ← بإشراكهم .