Prev  

16. Surah An-Nahl سورة النحل

  Next  



تفسير ابن كثير - النحل - An-Nahl -
 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
بِسْم ِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
أَتَىٰ أَمْرُ اللهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
    +/- -/+  
الأية
1
 
يخبر تعالى عن اقتراب الساعة ودنوها معبرا بصيغة الماضي الدال على التحقيق والوقوع لا محالة كقوله { اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون } وقال { اقتربت الساعة وانشق القمر } وقوله { فلا تستعجلوه } أي قرب ما تباعد { فلا تستعجلوه } يحتمل أن يعود الضمير على الله ويحتمل أن يعود على العذاب وكلاهما متلازم كما قال تعالى { ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين { وقد ذهب الضحاك في تفسير هذه الآية إلى قول عجيب فقال في قوله { أتى أمر الله } أي فرائضه وحدوده وقد رده ابن جرير فقال: لا نعلم أحدا استعجل بالفرائض وبالشرائع قبل وجودها بخلاف العذاب فإنهم استعجلوه قبل كونه استبعادا وتكذيبا قلت كما قال تعالى { يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد }. وقال ابن أبي حاتم: ذكر عن يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش عن محمد بن عبدالله مولى المغيرة بن شعبة عن كعب بن علقمة عن عبدالرحمن بن حجيرة عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { تطلع عليكم عند الساعة سحابة سوداء من المغرب مثل الترس فما تزال ترتفع في السماء ثم ينادي مناد فيها: أيها الناس فيقبل الناس بعضهم على بعض هل سمعتم؟ فمنهم من يقول نعم ومنهم من يشك ثم ينادي الثانية يا أيها الناس فيقول الناس بعضهم لبعض: هل سمعتم؟ فيقولون نعم ثم ينادي الثالثة أيها الناس أتى أمر الله فلا تستعجلوه } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالذي نفسي بيده إن الرجلين لينشران الثوب فما يطويانه أبدا وإن الرجل ليمدن حوضه فما يسقي فيه شيئا أبدا وإن الرجل ليحلب ناقته فما يشربه أبدا - قال- ويشتغل الناس } ثم إنه تعالى نزه نفسه عن شركهم به غيره وعبادتهم معه ما سواه من الأوثان والأنداد تعالى وتقدس علوا كبيرا وهؤلاء هم المكذبون بالساعة فقال { سبحانه وتعالى عما يشركون }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ
    +/- -/+  
الأية
2
 
يقول تعالى { ينزل الملائكة بالروح } أي الوحي كقوله { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا } وقوله { على من يشاء من عباده } وهم الأنبياء كما قال تعالى { الله أعلم حيث يجعل رسالته } وقال { الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس } وقال { يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار } وقوله { أن أنذروا } أي لينذروا { أنه لا إله إلا أنا فاتقون } أي فاتقوا عقوبتي لمن خالف أمري وعبد غيري.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۚ تَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
    +/- -/+  
الأية
3
 
يخبر تعالى عن خلقه العالم العلوي وهو السموات والعالم السفلي وهو الأرض بما حوت وأن ذلك مخلوق بالحق لا للعبث بل { ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى } ثم نزه نفسه عن شرك من عبد معه غيره وهو المستقل بالخلق وحده لا شريك له فلهذا يستحق أن يعبد وحده لا شريك له.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ
    +/- -/+  
الأية
4
 
ثم نبه على خلق جنس الإنسان من نطفة أي مهينة ضعيفة فلما استقل ودرج إذا هو يخاصم ربه تعالى ويكذبه ويحارب رسله وهو إنما خلق ليكون عبدا لا ضدا كقوله تعالى { وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا } وقوله { أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم } وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد وابن ماجه عن بشر بن جحاش قال: بصق رسول الله في كفه ثم قال { يقول الله تعالى: ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك فعدلتك مشيت بين برديك وللأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت الحلقوم قلت أتصدق؟ وأنى أوان الصدقة؟ } .

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ
    +/- -/+  
الأية
5
 
يمتن تعالى على عباده بما خلق لهم من الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم كما فصلها في سورة الأنعام إلى ثمانية أزواج وبما جعل لهم فيها من المصالح والمنافع من أصوافها وأوبارها وأشعارها يلبسون ويفترشون ومن ألبانها يشربون ويأكلون من أولادها.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ
    +/- -/+  
الأية
6
 
وما لهم فيها من الجمال وهو الزينة ولهذا قال { ولكم فيها جمال حين تريحون } وهو وقت رجوعها عشيا من المرعى فإنها تكون أمده خواصر وأعظمه ضروعا وأعلاه أسنمة { وحين تسرحون } أي غدوة حين تبعثونها إلى المرعى.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ ۚ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
7
 
{ وتحمل أثقالكم } وهي الأحمال الثقيلة التي تعجزون عن نقلها وحملها { إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس } وذلك في الحج والعمرة والغزو والتجارة وما جرى مجرى ذلك تستعملونها في أنواع الاستعمال من ركوب وتحميل كقوله { وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون وعليها وعلى الفلك تحملون } وقال تعالى { الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون { ولهذا قال هنا بعد تعداد هذه النعم { إن ربكم لرءوف رحيم } أي ربكم الذي قيض لكم هذه الأنعام وسخرها لكم كقوله { أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون } وقال { وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون } قال ابن عباس: { لكم فيها دفء } أي ثياب و{ ومنافع } ما ينتفعون به من الأطعمة والأشربة وقال عبدالرزاق: أخبرنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس: دفء ومنافع نسل كل دابة وقال مجاهد لكم فيها دفء أي لباس ينسج ومنافع مركب ولحم ولبن قال قتادة: دفء ومنافع يقول لكم فيها لباس ومنفعة وبلغة. وكذا قال غير واحد من المفسرين بألفاظ متقاربة.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
8
 
هذا صنف آخر مما خلق تبارك وتعالى لعباده يمتن به عليهم وهو الخيل والبغال والحمير التي جعلها للركوب والزينة بها وذلك أكبر المقاصد منها ولما فصلها من الأنعام وأفردها بالذكر استدل من استدل من العلماء ممن ذهب إلى تحريم لحوم الخيل بذلك على ما ذهب إليه فيها كالإمام أبي حنيفة رحمه الله ومن وافقه من الفقهاء بأنه تعالى قرنها بالبغال والحمير وهى حرام كما ثبتت به السنة النبوية وذهب إليه أكثر العلماء وقد روى الإمام أبو جعفر بن جرير: حدثني يعقوب حدثنا ابن علية أنبأنا هشام الدستوائي حدثنا يحيى بن أبي كثير عن مولى نافع بن علقمة عن ابن عباس أنه كان يكره لحوم الخيل والبغال والحمير وكان يقول: قال الله تعالى { والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون } فهذه للأكل { والخيل والبغال والحمير لتركبوها } فهذه للركوب وكذا روى من طريق سعيد بن جبير وغيره عن ابن عباس بمثله. وقال مثل ذلك الحكم بن عيينة أيضا رضي الله عنه واستأنسوا بحديث رواه الإمام أحمد في مسنده: حدثنا يزيد بن عبدربه حدثنا بقية بن الوليد حدثنا ثور بن يزيد عن صالح بن يحيى بن المقدام بن معديكرب عن أبيه عن جده عن خالد بن الوليد رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث صالح بن يحيى بن المقدام وفيه كلام ورواه أحمد أيضا من وجه آخر بأبسط من هذا وأدل منه فقال: حدثنا أحمد بن عبدالملك حدثنا محمد بن حرب حدثنا سليمان بن سليم عن صالح بن يحيى بن المقدام عن جده المقدام بن معديكرب قال: غزونا مع خالد بن الوليد الصائفة فقدم أصحابنا إلى اللحم فسألوني رمكة فدفعتها إليهم فحبلوها وقلت مكانكم حتى آتي خالدا فأسأله فأتيته فسألته فقال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة خيبر فأسرع الناس في حظائر يهود فأمرني أن أنادي الصلاة جامعة ولا يدخل الجنة إلا مسلم ثم قال { أيها الناس: إنكم قد أسرعتم في حظائر يهود ألا لا يحل أموال المعاهدين إلا بحقها وحرام عليكم لحوم الحمر الأهلية وخيلها وبغالها وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير } والرمكة هي الحجرة وقوله حبلوها أي أوثقوها في الحبل ليذبحوها والحظائر البساتين القريبة من العمران وكأن هذا الصنيع وقع بعد إعطائهم العهد ومعاملتهم على الشطر والله أعلم. فلو صح هذا الحديث لكان نصا في تحريم لحوم الخيل ولكن لا يقاوم ما ثبت في الصحيحين عن جابر بن عبدالله قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل. ورواه الإمام أحمد وأبو داود بإسنادين كل منهما على شرط مسلم عن جابر قال: ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البغال والحمير ولم ينهنا عن الخيل. وفي صحيح مسلم عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه ونحن بالمدينة فهذه أدل وأقوى وأثبت وإلى ذلك صار جمهور العلماء مالك والشافعي وأحمد وأصحابهم وأكثر السلف والخلف والله أعلم وقال عبدالرزاق أنبأنا ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال: كانت الخيل وحشية فذللها الله لإسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام وذكر وهب بن منبه في إسرائيلياته أن الله خلق الخيل من ريح الجنوب والله أعلم فقد دل النص على جواز ركوب هذه الدواب ومنها البغال. وقد أهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة فكان يركبها مع أنه قد نهى عن إنزاء الحمر على الخيل لئلا ينقطع النسل. قال الإمام أحمد: حدثني محمد بن عبيد حدثنا عمر من آل حذيفة عنه عن الشعبي عن دحية الكلبي قال: قلت يا رسول الله ألا أحمل لك حمارا على فرس فتنتج لك بغلا فتركبها؟ قال { إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ ۚ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ
    +/- -/+  
الأية
9
 
لما ذكر تعالى من الحيوانات ما يسار عليه في السبل الحسية نبه على الطرق المعنوية الدينية وكثيرا ما يقع في القرآن العبور من الأمور الحسية إلى الأمور المعنوية النافعة الدينية كقوله تعالى { وتزودوا فإن خير الزاد التقوى } وقال تعالى { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير } ولما ذكر تعالى في هذه السورة الحيوانات من الأنعام وغيرها التي يركبونها ويبلغون عليها حاجة في صدورهم وتحمل أثقالهم إلى البلاد والأماكن البعيدة والأسفار الشاقة شرع في ذكر الطرق التي يسلكها الناس إليه فبين أن الحق منها ما هي موصلة إليه فقال { وعلى الله قصد السبيل } كقوله { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } وقال { قال هذا صراط علي مستقيم } فال مجاهد في قوله { وعلى الله قصد السبيل } قال طريق الحق على الله وقال السدي { وعلى الله قصد السبيل } الإسلام وقال العوفي عن ابن عباس في قوله { وعلى الله قصد السبيل } يقول وعلى الله البيان أي يبين الهدى والضلالة وكذا روى علي بن أبي طلحة عنه وكذا قال قتادة والضحاك وقول مجاهد ههنا أقوى من حيث السياق لأنه تعالى أخبر أن ثَمَّ طرقا تسلك إليه فليس يصل إليه منها إلا طريق الحق وهي الطريق التي شرعها ورضيها وما عداها مسدودة والأعمال فيها مردودة ولهذا قال تعالى { ومنها جائر } أي حائد مائل زائغ عن الحق قال ابن عباس وغيره: هي الطرق المختلفة والآراء والأهواء المتفرقة كاليهودية والنصرانية والمجوسية وقرأ ابن مسعود { ومنكم جائر } ثم أخبر تعالى أن ذلك كله كائن عن قدرته ومشيئته فقال { ولو شاء لهداكم أجمعين } كما قال تعالى { ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا } وقال { ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ۖ لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ
    +/- -/+  
الأية
10
 
لما ذكر تعالى ما أنعم به عليهم من الأنعام والدواب شرع في ذكر نعمته عليهم في إنزال المطر من السماء وهو العلو مما لهم فيه بلغة ومتاع لهم ولأنعامهم فقال { لكم منه شراب } أي جعله عذبا زلالا يسوغ لكم شرابه ولم يجعله ملحا أجاجا { ومنه شجر فيه تسيمون } أي وأخرج لكم منه شجرا ترعون فيه أنعامكم. وقال ابن عباس وعكرمة والضحاك وقتادة وابن زيد في قوله فيه تسيمون أي ترعون ومنه الإبل السائمة والسوم: الرعي وروى ابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن السوم قبل طلوع الشمس.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
    +/- -/+  
الأية
11
 
وقوله { ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات } أي يخرجها من الأرض بهذا الماء الواحد على اختلاف صنوفها وطعومها وألوانها وروائحها وأشكالها ولهذا قال { إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون } أي دلالة وحجة على أنه لا إله إلا الله كما قال تعالى { أمن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
    +/- -/+  
الأية
12
 
ينبه تعالى عباده على آياته العظام ومننه الجسام في تسخيره الليل والنهار يتعاقبان والشمس والقمر يدوران والنجوم الثوابت والسيارات في أرجاء السموات نورا وضياء ليهتدى بها في الظلمات وكل منها يسير في فلكه الذي جعله الله تعالى فيه يسير بحركة مقدرة لا يزيد عليها ولا ينقص عنها والجميع تحت قهره وسلطانه وتسخيره وتقديره وتسهيله كقوله { إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين } ولهذا قال { إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون } أي لدلالات على قدرته تعالى الباهرة وسلطانه العظيم لقوم يعقلون عن الله ويفهمون حججه.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ
    +/- -/+  
الأية
13
 
وقوله { وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه } لما نبه تعالى على معالم السموات نبه على ما خلق في الأرض من الأمور العجيبة والأشياء المختلفة من الحيوانات والمعادن والنباتات والجمادات على اختلاف ألوانها وأشكالها وما فيها من المنافع والخواص { إن في ذلك لآية لقوم يذكرون } أي آلاء الله ونعمه فيشكرونها.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
    +/- -/+  
الأية
14
 
يخبر تعالى عن تسخيره البحر المتلاطم الأمواج ويمتن على عباده بتذليله لهم وتيسيرهم للركوب فيه وجعله السمك والحيتان فيه وإحلاله لعباده لحمها حيها وميتها في الحل والإحرام وما يخلقه فيه من اللآلئ والجواهر النفيسة وتسهيله للعباد استخراجهم من قراره حلية يلبسونها وتسخيره البحر لحمل السفن التي تمخره أي تشقه وقيل تمخر الرياح وكلاهما صحيح وقيل تمخره بجؤجئها وهو صدرها المسنم الذي أرشد العباد إلى صنعتها وهداهم إلى ذلك إرثا عن أبيهم نوح عليه السلام فإنه أول من ركب السفن وله كان تعليم صنعتها ثم أخذها الناس عنه قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل يسيرون من قطر إلى قطر ومن بلد إلى بلد ومن إقليم إلى إقليم لجلب ما هناك إلى هنا وما هنا إلى هناك ولهذا قال تعالى { ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون } أى نعمه وإحسانه. وقد قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده وجدت في كتابي عن محمد بن معاوية البغدادي حدثنا عبدالرحمن بن عبدالله بن عمرو عن سهل بن أبى صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: كلم الله البحر الغربي وكلم البحر الشرقي فقال للبحر الغربي إني حامل فيك عبادا من عبادي فكيف أنت صانع فيهم؟ قال أغرقهم فقال بأسك في نواحيك واحملهم على يدي وحرمت الحلية والصيد وكلم البحر الشرقي فقال: إنى حامل فيك عبادا من عبادي فما أنت صانع بهم؟ فقال: أحملهم على يدي وأكون لهم كالوالدة لولدها فأثابه الحلية والصيد ثم قال البزار لا نعلم من رواه عن سهل غير عبدالرحمن بن عبدالله بن عمرو وهو منكر الحديث وقد رواه سهل عن النعمان بن أبي عياش عن عبدالله بن عمرو موقوفا.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
    +/- -/+  
الأية
15
 
ثم ذكر تعالى الأرض وما ألقى فيها من الرواسي الشامخات والجبال الراسيات لتقر الأرض ولا تميد أي تضطرب بما عليها من الحيوانات فلا يهنأ لهم عيش بسبب ذلك ولهذا قال { والجبال أرساها } وقال عبدالرزاق: أنبأنا معمر عن قتادة سمعت الحسن يقول: لما خلقت الأرض كانت تميد فقالوا ما هذه بمقرة على ظهرها أحدا فأصبحوا وقد خلقت الجبال فلم تدر الملائكة مم خلقت الجبال } وقال سعيد عن قتادة عن الحسن عن قيس بن عبادة أن الله لما خلق الأرض جعلت تمور فقالت الملائكة: ما هذه بمقرة على ظهرها أحدا فأصبحت صبحا وفيها رواسيها. وقال ابن جرير: حدثني المثنى حدثني حجاج بن منهال حدثنا حماد عن عطاء بن السائب عن عبدالله بن حبيب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لما خلق الله الأرض فمضت وقالت أي رب تجعل علي بني آدم يعملون الخطايا ويجعلون علي الخبث؟ قال فأرسى الله فيها من الجبال ما ترون وما لا ترون فكان إقرارها كاللحم يترجرج. وقوله { وأنهارا وسبلا } أي جعل فيها أنهارا تجري من مكان إلى مكان آخر رزقا للعباد ينبع في موضع وهو رزق لأهل موضع آخر فيقطع البقاع والبراري والقفار ويخترق الجبال والآكام فيصل إلى البلد الذي سخر لأهله وهي سائرة في الأرض يمنة ويسرة وجنوبا وشمالا وشرقا وغربا ما بين صغار وكبار وأودية تجري حينا وتنقطع في وقت وما بين نبع وجميع وقوي السير وبطئه بحسب ما أراد وقدر وسخر ويسر فلا إله إلا هو ولا رب سواه. وكذلك جعل فيها سبلا أي طرقا يسلك فيها من بلاد إلى بلاد حتى أنه تعالى ليقطع الجبل حتى يكون ما بينهما ممرا ومسلكا كما قال تعالى { وجعلنا فيها فجاجا سبلا } الآية.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَعَلَامَاتٍ ۚ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ
    +/- -/+  
الأية
16
 
وقوله { وعلامات } أي دلائل من جبال كبار وآكام صغار ونحو ذلك يستدل بها المسافرون برا وبحرا إذا ضلوا الطرق. وقوله { وبالنجم هم يهتدون } أي في ظلام الليل قاله ابن عباس. وعن مالك في قوله { وعلامات وبالنجم هم يهتدون } يقول النجوم وهي الجبال.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ ۗ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ
    +/- -/+  
الأية
17
 
ثم نبه تعالى على عظمته وأنه لا تنبغي العبادة إلا له دون ما سواه من الأوثان التي لا تخلق شيئا بل هم يخلقون ولهذا قال { أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
18
 
ثم نبههم على كثرة نعمه عليهم وإحسانه إليهم فقال { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم } أي يتجاوز عنكم ولو طالبكم بشكر نعمه لعجزتم عن القيام بذلك ولو أمركم به لضعفتم وتركتم ولو عذبكم لعذبكم وهو غير ظالم لكم ولكنه غفور رحيم يغفر الكثير ويجازي على اليسير; وقال ابن جرير: يقول إن الله لغفور لما كان منكم من تقصير في شكر بعض ذلك إذا تبتم وأنبتم إلى طاعته واتباع مرضاته رحيم بكم لا يعذبكم بعد الإنابة والتوبة.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ
    +/- -/+  
الأية
19
 
يخبر تعالى أنه يعلم الضمائر والسرائر كما يعلم الظواهر وسيجزي كل عامل بعمله يوم القيامة إن خيرا فخير وإن شرا فشر.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ
    +/- -/+  
الأية
20
 
ثم أخبر أن الأصنام التي يدعونها من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون كما قال الخليل { أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ
    +/- -/+  
الأية
21
 
وقوله { أموات غير أحياء } أي هي جمادات لا أرواح فيها فلا تسمع ولا تبصر ولا تعقل { وما يشعرون أيان يبعثون } أي لا يدرون متى تكون الساعة فكيف يرتجى عند هذه نفع أو ثواب أو جزاء؟ إنما يرجى ذلك من الذي يعلم كل شيء وهو خالق كل شيء.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ
    +/- -/+  
الأية
22
 
يخبر تعالى أنه لا إله إلا هو الواحد الأحد الفرد الصمد وأخبر أن الكافرين تنكر قلوبهم ذلك كما أخبر عنهم متعجبين من ذلك { أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب } وقال تعالى { وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون } وقوله { وهم مستكبرون } أي عن عبادة الله مع إنكار قلوبهم لتوحيده كما قال { إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
لَا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ
    +/- -/+  
الأية
23
 
ولهذا قال ههنا { لا جرم } أي حقا { أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون } أي وسيجزيهم على ذلك أتم الجزاء { إنه لا يحب المستكبرين }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ۙ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ
    +/- -/+  
الأية
24
 
يقول تعالى وإذا قيل لهؤلاء المكذبين { ماذا أنزل ربكم قالوا } معرضين عن الجواب { أساطير الأولين } أي لم ينزل شيئا إنما هذا الذي يتلى علينا أساطير الأولين أي مأخوذ من كتب المتقدمين كما قال تعالى { وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا } أي يفترون على الرسول ويقولون أقوالا متضادة مختلفة كلها باطلة كما قال تعالى { انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا } وذلك أن كل من خرج عن الحق فمهما قال أخطأ وكانوا يقولون ساحر وشاعر وكاهن ومجنون ثم استقر أمرهم إلى ما اختلقه لهم شيخهم الوحيد المسمى بالوليد بن المغيرة المخزومي لما { فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر } أي ينقل ويحكى فتفرقوا عن قوله ورأيه قبحهم الله.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ
    +/- -/+  
الأية
25
 
قال الله تعالى { ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم } أي إنما قدرنا عليهم أن يقولوا ذلك ليتحملوا أوزارهم ومن أوزار الذين يتبعونهم ويوافقونهم أي يصير عليهم خطيئة ضلالهم في أنفسهم وخطيئة إغوائهم لغيرهم واقتداء أولئك بهم كما جاء في الحديث { من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا } وقال تعالى { وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسئلن يوم القيامة عما كانوا يفترون } وهكذا روى العوفي عن ابن عباس في الآية { ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم } أنها كقوله { وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم } وقال مجاهد: يحملون أثقالهم ذنوبهم وذنوب من أطاعهم ولا يخفف عمن أطاعهم من العذاب شيئا.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ
    +/- -/+  
الأية
26
 
قال العوفي عن ابن عباس في قوله { قد مكر الذين من قبلهم } قال هو النمروذ الذي بني الصرح قال ابن أبي حاتم وروي عن مجاهد نحوه وقال عبدالرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم أول جبار كان في الأرض النمروذ فبعث الله عليه بعوضة فدخلت في منخره فمكث أربعمائة سنة يضرب رأسه بالمطارق وأرحم الناس به من جمع يديه فضرب بهما رأسه وكان جبارا أربعمائة سنة فعذبه الله أربعمائة سنة كملكه ثم أماته وهو الذي بنى الصرح إلى السماء الذي قال الله تعالى { فأتى الله بنيانهم من القواعد } وقال آخرون بل هو بختنصر وذكروا من المكر الذي حكاه الله ههنا كما قال في سورة إبراهيم { وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } وقال آخرون هذا من باب المثل لإبطال ما صنعه هؤلاء الذين كفروا بالله وأشركوا في عبادته غيره كما قال نوح عليه السلام { ومكروا مكرا كبارا } أي احتالوا في إضلال الناس بكل حيلة وأمالوهم إلى شركهم بكل وسيلة كما يقول لهم أتباعهم يوم القيامة { بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا } الآية وقوله { فأتى الله بنيانهم من القواعد } أي اجتثه من أصله وأبطل عملهم كقوله تعالى { كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله } وقوله { فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار } وقال الله ههنا { فأتي الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ثم يوم القيامة يخزيهم }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ ۚ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ
    +/- -/+  
الأية
27
 
يظهر فضائحهم وما كانت تجنه ضمائرهم فجعله علانية كقوله تعالى { يوم تبلى السرائر } أي تظهر وتشتهر كما في الصحيحين عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه بقدر غدرته فيقال هذه غدرة فلان بن فلان } وهكذا هؤلاء يظهر للناس ما كانوا يسرونه من المكر ويخزيهم الله على رءوس الخلائق ويقول لهم الرب تبارك وتعالى مقرعا لهم وموبخا { أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم } تحاربون وتعادون في سبيلهم أين هم عن نصركم وخلاصكم ههنا؟ { هل ينصرونكم أو ينتصرون } { فما له من قوة ولا ناصر } فإذا توجهت عليهم الحجة وقامت عليهم الدلالة وحقت عليهم الكلمة وسكتوا عن الاعتذار حين لا فرار { قال الذين أوتوا العلم } وهم السادة في الدنيا والآخرة والمخبرون عن الحق في الدنيا والآخرة فيقولون حينئذ { إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين } أي الفضيحة والعذاب محيط اليوم بمن كفر بالله وأشرك به ما لا يضره وما لا ينفعه.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ۖ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ ۚ بَلَىٰ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
28
 
يخبر تعالى عن حال المشركين الظالمي أنفسهم عند احتضارهم ومجيء الملائكة إليهم لقبض أرواحهم الخبيثة { فألقوا السلم } أي أظهروا السمع والطاعة والانقياد قائلين { ما كنا نعمل من سوء } كما يقولون يوم المعاد { والله ربنا ما كنا مشركين } { يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم { قال الله مكذبا لهم في قيلهم ذلك { بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ
    +/- -/+  
الأية
29
 
أي بئس المقيل والمقام والمكان من دار هوان لمن كان متكبرا عن آيات الله واتباع رسله وهم يدخلون جهنم من يوم مماتهم بأرواحهم وينال أجسادهم في قبورها من حرها وسمومها فإذا كان يوم القيامة سلكت أرواحهم في أجسادهم وخلدت في نار جهنم { لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها } كما قال الله تعالى { النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ۚ قَالُوا خَيْرًا ۗ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۚ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ ۚ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ
    +/- -/+  
الأية
30
 
هذا خبر عن السعداء بخلاف ما أخبر به عن الأشقياء فإن أولئك قيل لهم { ماذا أنزل ربكم } قالوا معرضين عن الجواب لم ينزل شيئا إنما هذا أساطير الأولين وهؤلاء قالوا خيرا أي أنزل خيرا أي رحمة وبركة لمن اتبعه وآمن به ثم أخبر عما وعد الله عباده فيما أنزله على رسله فقال } للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة { الآية كقوله تعالى { من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } أي من أحسن عمله في الدنيا أحسن الله إليه عمله في الدنيا والآخرة ثم أخبر بأن دار الآخرة خير أي من الحياة الدنيا والجزاء فيها أتم من الجزاء في الدنيا كقوله { وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير } الآية وقال تعالى { وما عند الله خير للأبرار } وقال تعالى { والآخرة خير وأبقى } وقال لرسوله صلى الله عليه وسلم { وللآخرة خير لك من الأولى } ثم وصف الدار الآخرة فقال { ولنعم دار المتقين }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ
    +/- -/+  
الأية
31
 
وقوله { جنات عدن } بدل من دار المتقين أي لهم في الآخرة جنات عدن أي مقام يدخلونها { تجري من تحتها الأنهار } أي بين أشجارها وقصورها { لهم فيها ما يشاءون } كقوله تعالى { وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون } وفي الحديث { إن السحابة لتمر بالملإ من أهل الجنة وهم جلوس على شرابهم فلا يشتهي أحد منهم شيئا إلا أمطرته عليه حتى إن منهم لمن يقول أمطرينا كواعب أترابا فيكون ذلك } { كذلك يجزي الله المتقين } أي كذلك يجزي الله كل من آمن به واتقاه وأحسن عمله.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
32
 
ثم أخبر تعالى عن حالهم عند الاحتضار أنهم طيبون أي مخلصون من الشرك والدنس وكل سوء وأن الملائكة تسلم عليهم وتبشرهم بالجنة كقوله تعالى { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم } وقد قدمنا الأحاديث الواردة في قبض روح المؤمن وروح الكافر عند قوله تعالى { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ ۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
    +/- -/+  
الأية
33
 
يقول تعالى مهددا للمشركين على تماديهم في الباطل واغترارهم بالدنيا هل ينتظر هؤلاء إلا الملائكة أن تأتيهم لقبض أرواحهم قاله قتادة { أو يأتي أمر ربك } أي يوم القيامة وما يعاينونه من الأهوال وقوله { كذلك فعل الذين من قبلهم } أي هكذا تمادى في شركهم أسلافهم ونظراؤهم وأشباههم من المشركين حتى ذاقوا بأس الله وحلوا فيما هم فيه من العذاب والنكال { وما ظلمهم الله } لأنه تعالى أعذر إليهم وأقام حججه عليهم بإرسال رسله وإنزال كتبه { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } أي بمخالفة الرسل والتكذيب بما جاءوا به.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
    +/- -/+  
الأية
34
 
فلهذا أصابتهم عقوبة الله على ذلك { وحاق بهم } أي أحاط بهم من العذاب الأليم { ما كانوا به يستهزئون } أي يسخرون من الرسل إذا توعدوهم بعقاب الله فلهذا يقال لهم يوم القيامة { هذه النار التي كنتم بها تكذبون }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۚ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ
    +/- -/+  
الأية
35
 
يخبر تعالى عن اغترار المشركين بما هم فيه من الإشراك واعتذارهم محتجين بالقدر بقولهم { لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء } أي من البحائر والسوائب والوصائل وغير ذلك مما كانوا ابتدعوه واخترعوه من تلقاء أنفسهم ما لم ينزل به سلطانا ومضمون كلامهم أنا لو كان تعالى كارها لما فعلنا لأنكره علينا بالعقوبة ولما مكننا منه قال الله تعالى رادا عليهم شبهتهم { فهل على الرسل إلا البلاغ المبين } أي ليس الأمر كما تزعمون أنه لم ينكره عليكم بل قد أنكره عليكم أشد الإنكار ونهاكم عنه آكد النهي.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ
    +/- -/+  
الأية
36
 
وبعث في كل أمة أي في كل قرن وطائفة من الناس رسولا وكلهم يدعون إلى عبادة الله وينهون عن عبادة ما سواه { أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } فلم يزل تعالى يرسل إلى الناس الرسل بذلك منذ حدث الشرك في بني آدم في قوم نوح الذين أرسل إليهم نوح وكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض إلى أن ختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي طبقت دعوته الإنس والجن في المشارق والمغارب وكلهم كما قال الله تعالى { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } وقوله تعالى { واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يُعبدون } وقال تعالى في هذه الآية الكريمة { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } فكيف يسوغ لأحد من المشركين بعد هذا أن يقول { لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء } فمشيئته تعالى الشرعية عنهم منتفية لأنه نهاهم عن ذلك على ألسنة رسله وأما مشيئته الكونية وهي تمكينهم من ذلك قدرا فلا حجة لهم فيها لأنه تعالى خلق النار وأهلها من الشياطين والكفرة وهو لا يرضى لعباده الكفر وله في ذلك حجة بالغة وحكمة قاطعة ثم إنه تعالى قد أخبر أنه أنكر عليهم بالعقوبة في الدنيا بعد إنذار الرسل فلهذا قال { فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين } أي اسألوا عما كان من أمر من خالف الرسل وكذب الحق كيف { دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها } فقال { ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنْ تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ ۖ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ
    +/- -/+  
الأية
37
 
ثم أخبر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن حرصه على هدايتهم لا ينفعهم إذا كان الله قد أراد إضلالهم كقوله تعالى { ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا } وقال نوح لقومه { ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم } وقال في هذه الآية الكريمة { إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل } كما قال الله { ومن يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون } وقال تعالى { إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم } وقوله { فإن الله } أى شأنه وأمره أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن فلهذا قال { لا يهدي من يضل } أي من أضله فمن ذا الذي يهديه من بعد الله؟ أي لا أحد { وما لهم من ناصرين } أي ينقذونهم من عذابه ووثاقه { ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ۙ لَا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ ۚ بَلَىٰ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
38
 
يقول تعالى مخبرا عن المشركين أنهم حلفوا فأقسموا بالله جهد أيمانهم أي اجتهدوا في الحلف وغلظوا الأيمان على أنه لا يبعث الله من يموت أي استبعدوا ذلك وكذبوا الرسل في إخبارهم لهم بذلك وحلفوا على نقيضه فقال تعالى مكذبا لهم وردا عليهم { بلى } أي بلى سيكون ذلك { وعدا عليه حقا } أي لا بد منه { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } أي فلجهلهم يخالفون الرسل ويقعون في الكفر.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ
    +/- -/+  
الأية
39
 
ثم ذكر تعالى حكمته في المعاد وقيام الأجسام يوم التناد فقال { ليبين لهم } أي للناس { الذي يختلفون فيه } أي من كل شيء { ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى } { وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين } أي في أيمانهم وأقسامهم لا يبعث الله من يموت ولهذا يدعُّون يوم القيامة إلى نار جهنم دعًّا وتقول لهم الزبانية { هذه النار التي كنتم بها تكذبون أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
    +/- -/+  
الأية
40
 
ثم أخبر تعالى عن قدرته على ما يشاء وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون والمعاد من ذلك إذا أراد كونه فإنما يأمر به مرة واحدة فيكون كما يشاء كقوله { وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر } وقال { ما خلْقكم ولا بعْثكم إلا كنفس واحدة } وقال في هذه الآية الكريمة { إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } أي أن نأمر به مرة واحدة فإذا هو كائن كما قال الشاعر: إذا ما أراد الله أمرا فإنما يقول له كن فيكون أي أنه تعالى لا يحتاج إلى تأكيد فيما يأمر به فإنه تعالى لا يمانع ولا يخالف لأنه الواحد القهار العظيم الذي قهر سلطانه وجبروته وعزته كل شيء فلا إله إلا هو ولا رب سواه وقال ابن أبي حاتم: ذكر الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني عطاء أنه سمع أبا هريرة يقول: { قال الله تعالى شتمني ابن آدم ولم يكن ينبغي له ذلك وكذبني ابن آدم ولم يكن ينبغي له ذلك فأما تكذيبه إياي فقال { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت } قال وقلت { بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون } وأما شتمه إياي فقال { إن الله ثالث ثلاثة } وقلت { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد } هكذا ذكره موقوفا وهو في الصحيحين مرفوع بلفظ آخر.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
41
 
يخبر تعالى عن جزائه للمهاجرين في سبيله ابتغاء مرضاته الذين فارقوا الدار والإخوان والخلان رجاء ثواب الله وجزائه. ويحتمل أن يكون سبب نزولها في مهاجرة الحبشة الذي اشتد أذي قومهم لهم بمكة حتى خرجوا من بين أظهرهم إلى بلاد الحبشة ليتمكنوا من عبادة ربهم ومن أشرافهم عثمان بن عفان ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعفر بن أبي طالب ابن عم الرسول وأبو سلمة بن عبدالأسود في جماعة قريب من ثمانين ما بين رجل وامرأة صديق وصديقة رضي الله عنهم وأرضاهم وقد فعل فوعدهم تعالى بالمجازاة الحسنة في الدنيا والآخرة فقال { لنبوئنهم في الدنيا حسنة } قال ابن عباس والشعبي وقتادة: المدينة; وقيل الرزق الطيب قاله مجاهد. ولا منافاة بين القولين فإنهم تركوا مساكنهم وأموالهم فعوضهم الله خيرا منها في الدنيا فإن من ترك شيئا لله عوضه الله بما هو خير له منه وكذلك وقع فإنهم مكن الله لهم في البلاد وحكمهم على رقاب العباد وصاروا أمراء حكاما وكل منهم للمتقين إماما وأخبر أن ثوابه للمهاجرين في الدار الآخرة أعظم مما أعطاهم في الدنيا فقال { ولأجر الآخرة أكبر } أي مما أعطيناهم في الدنيا { لو كانوا يعلمون } أى لو كان المتخلفون عن الهجرة معهم يعلمون ما ادخر الله لمن أطاعه واتبع رسوله ولهذا قال هشيم عن العوام عمن حدثه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا أعطى الرجل من المهاجرين عطاءه يقول خذ بارك الله لك فيه هذا ما وعدك الله في الدنيا وما ادخر لك في الآخرة أفضل ثم قرأ هذه الآية { لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولآجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
    +/- -/+  
الأية
42
 
ثم وصفهم تعالى فقال { الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون } أي صبروا على الأذى من قومهم متوكلين على الله الذي أحسن لهم العاقبة في الدنيا والآخرة.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
43
 
قال الضحاك عن ابن عباس لما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا أنكرت العرب ذلك أو من أنكر منهم وقالوا الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا فأنزل الله { أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس } الآية وقال { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } يعني أهل الكتب الماضية أبشرا كانت الرسل إليهم أم ملائكة؟ فإن كانوا ملائكة أنكرتم وإن كانوا بشرا فلا تنكروا أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم رسولا. قال تعالى { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى } ليسوا من أهل السماء كما قلتم وكذا روي عن مجاهد عن ابن عباس أن المراد بأهل الذكر أهل الكتاب وقاله مجاهد والأعمش وقول عبدالرحمن بن زيد الذكر القرآن واستشهد بقوله { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } صحيح لكن ليس هو المراد ههنا لأن المخالف لا يرجع في إثباته بعد إنكاره إليه وكذا قول أبي جعفر الباقر نحن أهل الذكر ومراده أن هذه الأمة أهل الذكر صحيح فإن هذه الأمة أعلم من جميع الأمم السالفة. وعلماء أهل بيت رسول الله عليهم السلام والرحمة من خير العلماء إذا كانوا على السنة المستقيمة كعلي وابن عباس وابني علي الحسن والحسين ومحمد ابن الحنفية وعلي بن الحسين زين العابدين وعلي بن عبدالله بن عباس وأبي جعفر الباقر وهو محمد بن علي بن الحسين وجعفر ابنه وأمثالهم وأضرابهم وأشكالهم ممن هو متمسك بحبل الله المتين وصراطه المستقيم وعرف لكل ذي حق حقه ونزل كل المنزل الذي أعطاه الله ورسوله واجتمعت عليه قلوب عباده المؤمنين والغرض أن هذه الآية الكريمة أخبرت بأن الرسل الماضين قبل محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم كانوا بشرا كما هو بشر كما قال تعالى { قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا } وقال تعالى { وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق } وقال تعالى { وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين } وقال { قل ما كنت بدعا من الرسل } وقال تعالى { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي } ثم أرشد الله تعالى من شك في كون الرسل كانوا بشرا إلى سؤال أصحاب الكتب المتقدمة عن الأنبياء الذين سلفوا هل كان أنبياؤهم بشرا أو ملائكة.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ۗ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
    +/- -/+  
الأية
44
 
ثم ذكر تعالى أنه أرسلهم { بالبينات } أي بالحجج والدلائل { والزبر } وهي الكتب قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك وغيرهم والزبر جمع زبور تقول العرب زبرت الكتاب إذا كتبته. وقال تعالى { وكل شيء فعلوه في الزبر } وقال { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون } ثم قال تعالى { وأنزلنا إليك الذكر } يعني القرآن { لتبين للناس ما نزل إليهم } أي من ربهم لعلمك بمعنى ما أنزل الله عليك وحرصك عليه واتباعك له ولعلمنا بأنك أفضل الخلائق وسيد ولد آدم فتفصل لهم ما أجمل وتبين لهم ما أشكل { ولعلهم يتفكرون } أي ينظرون لأنفسهم فيهتدون فيفوزون بالنجاة في الدارين.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ
    +/- -/+  
الأية
45
 
يخبر تعالى عن حلمه وإنظاره العصاة الذين يعملون السيئات ويدعون إليها ويمكرون بالناس في دعائهم إياهم وحملهم عليها مع قدرته على أن يخسف بهم الأرض أو يأتيهم العذاب } من حيث لا يشعرون } أي من حيث لا يعلمون مجيئه إليهم كقوله تعالى { أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ
    +/- -/+  
الأية
46
 
وقوله { أو يأخذهم في تقلبهم } أي في تقلبهم في المعايش واشتغالهم بها في أسفار ونحوها من الأشغال الملهية; قال قتادة والسدي تقلبهم أي أسفارهم وقال مجاهد والضحاك وقتادة { في تقلبهم } في الليل والنهار كقوله { أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون } وقوله { فما هم بمعجزين } أي لا يعجزون الله على أي حال كانوا عليه.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
47
 
وقوله { أو يأخذهم على تخوف } أي أو يأخذهم الله في حال خوفهم من أخذه لهم فإنه يكون أبلغ وأشد فإن حصول ما يتوقع مع الخوف شديد ولهذا قال العوفي عن ابن عباس { أو يأخذهم على تخوف } يقول إن شئت أخذته على أثر موت صاحبه وتخوفه بذلك وكذا روي عن مجاهد والضحاك وقتادة وغيرهم ثم قال تعالى { فإن ربكم لرءوف رحيم } أي حيث لم يعاجلكم بالعقوبة كما ثبت في الصحيحين { لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم } وفيهما { إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته } ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { وكذلك أخْذ ربك إذا أخَذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد } وقال تعالى { وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَىٰ مَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ
    +/- -/+  
الأية
48
 
يخبر تعالى عن عظمته وجلاله وكبريائه الذي خضع له كل شيء ودانت له الأشياء والمخلوقات بأسرها جماداتها وحيواناتها ومكلفوها من الإنس والجن والملائكة فأخبر أن كل ما له ظل يتفيأ ذات اليمين وذات الشمال أي بكرة وعشيا فإنه ساجد بظله لله تعالى. قال مجاهد إذا زالت الشمس سجد كل شيء لله عز وجل وكذا قال قتادة والضحاك وغيرهم وقوله { وهم داخرون } أي صاغرون وقال مجاهد أيضا سجود كل شيء فيؤه وذكر الجبال قال سجودها فيؤها وقال أبو غالب الشيباني أمواج البحر صلاته ونزلهم منزلة من يعقل إذ أسند السجود إليهم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ
    +/- -/+  
الأية
49
 
فقال { ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة } كما قال { ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال } وقوله { والملائكة وهم لا يستكبرون } أي تسجد لله أي غير مستكبرين عن عبادته }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ۩
    +/- -/+  
الأية
50
 
{ يخافون ربهم من فوقهم } أي يسجدون خائفين وجلين من الرب جل جلاله { ويفعلون ما يؤمرون } أي مثابرين على طاعته تعالى وامتثال أوامره وترك زواجره.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَقَالَ اللهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَٰهَيْنِ اثْنَيْنِ ۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ
    +/- -/+  
الأية
51
 
يخبر تعالى أنه لا إله إلا هو وأنه لا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له فإنه مالك كل شئ وخالقه وربه.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا ۚ أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ
    +/- -/+  
الأية
52
 
{ وله الدين واصبا } قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وميمون بن مهران والسدي وقتادة وغير واحد أي دائم وعن ابن عباس أيضا أي واجبا وقال مجاهد أي خالصا أي له العبادة وحده ممن في السموات والأرض كقوله { أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون } هذا على قول ابن عباس وعكرمة فيكون من باب الخبر وأما على قول مجاهد فإنه يكون من باب الطلب أي ارهبوا أن تشركوا بي شيئا وأخلصوا لي الطاعة كقوله تعالى { ألا لله الدين الخالص }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ
    +/- -/+  
الأية
53
 
ثم أخبر أنه مالك النفع والضر وأن ما بالعبد من رزق ونعمة وعافية ونصر فمن فضله عليهم وإحسانه إليهم } ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون } أي لعلمكم أنه لا يقدر على إزالته إلا هو فإنكم عند الضرورات تلجئون إليه وتسألونه وتلحون في الرغبة إليه مستغيثين به كقوله تعالى { وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ
    +/- -/+  
الأية
54
 
وقال ههنا { ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ليكفروا بما آتيناهم } قيل اللام ههنا لام العاقبة وقيل لام التعليل بمعنى قيضنا لهم ذلك ليكفروا أي يستروا ويجحدوا نعم الله عليهم وأنه المسدي إليهم النعم الكاشف عنهم النقم ثم توعدهم قائلا { فتمتعوا } أي اعملوا ما شئتم وتمتعوا بما أنتم فيه قليلا { فسوف تعلمون } أي عاقبة ذلك.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ ۚ فَتَمَتَّعُوا ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
55
 
وقال ههنا { ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ليكفروا بما آتيناهم } قيل اللام ههنا لام العاقبة وقيل لام التعليل بمعنى قيضنا لهم ذلك ليكفروا أي يستروا ويجحدوا نعم الله عليهم وأنه المسدي إليهم النعم الكاشف عنهم النقم ثم توعدهم قائلا { فتمتعوا } أي اعملوا ما شئتم وتمتعوا بما أنتم فيه قليلا { فسوف تعلمون } أي عاقبة ذلك.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ۗ تَاللهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ
    +/- -/+  
الأية
56
 
يخبر تعالى عن قبائح المشركين الذين عبدوا مع الله غيره من الأصنام والأوثان والأنداد بغير علم وجعلوا للأوثان نصيبا مما رزقهم الله فقالوا { هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون } أي جعلوا لآلهتهم نصيبا مع الله وفضلوها على جانبه فأقسم الله تعالى بنفسه الكريمة ليسألنهم عن ذلك الذي افتروه وائتفكوه وليقابلنهم عليه وليجازينهم أوفر الجزاء في نار جهنم فقال { تالله لتسئلن عما كنتم تفترون }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ ۙ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ
    +/- -/+  
الأية
57
 
ثم أخبر تعالى عنهم أنهم جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا وجعلوها بنات الله فعبدوها معه فأخطاءوا خطأ كبيرا في كل مقام من هذه المقامات الثلاث فنسبوا إليه تعالى أن له ولدا ولا ولد له ثم أعطوه أخس القسمين من الأولاد وهو البنات وهم لا يرضونها لأنفسهم كما قال { ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى } وقوله ههنا { ويجعلون لله البنات سبحانه } أي عن قولهم وإفكهم { ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون أصطفى البنات على البنين ما لكم كيف تحكمون } وقوله { ولهم ما يشتهون } أي يختارون لأنفسهم الذكور ويأنفون لأنفسهم من البنات التي نسبوها إلى الله تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
58
 
فإنه { إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا } أى كئيبا من الهم { وهو كظيم } ساكت من شدة ما هو فيه من الحزن.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ
    +/- -/+  
الأية
59
 
{ يتوارى من القوم } أي يكره أن يراه الناس { من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب } أي إن أبقاها أبقاها مهانة لا يورثها ولا يعتني بها ويفضل أولاده الذكور عليها { أم يدسه في التراب } أي يئدها وهو أن يدفنها فيه حية كما كانوا يصنعون في الجاهلية أفمن يكرهونه هذه الكراهة ويأنفون لأنفسهم عنه يجعلونه لله؟ { ألا ساء ما يحكمون } أي بئس ما قالوا وبئس ما قسموا وبئس ما نسبوه إليه كقوله تعالى { وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ضل وجهه مسودا وهو كظيم }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ ۖ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
    +/- -/+  
الأية
60
 
وقوله ههنا { للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء } أي النقص إنما ينسب إليهم { ولله المثل الأعلى } أي الكمال المطلق من كل وجه وهو منسوب إليه { وهو العزيز الحكيم }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَٰكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ
    +/- -/+  
الأية
61
 
يخبر تعالى عن حِلمه بخلقه مع ظلمهم وأنه لو يؤاخذهم بما كسبوا ما ترك على ظهر الأرض من دابة أي لأهلك جميع دواب الأرض تبعا لإهلاك بني آدم ولكن الرب جل جلاله يحلم ويستر وينظر إلى أجل مسمى أي لا يعاجلهم بالعقوبة; إذ لو فعل ذلك بهم لما أبقى أحدا قال سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص أنه قال: كاد الجعل أن يعذب بذنب بني آدم وقرأ الآية { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة } وكذا روى الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة قال: قال عبدالله كاد الجعل أن يهلك في جحره بخطيئة بني آدم وقال ابن جرير: حدثني محمد بن المثنى حدثنا إسماعيل بن حكيم الخزاعي حدثنا محمد بن جابر الحنفي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة قال: سمع أبو هريرة رجلا وهو يقول: إن الظالم لا يضر إلا نفسه قال فالتفت إليه فقال: بلى والله حتى إن الحبارى لتموت في وكرها بظلم الظالم. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين أنبأنا الوليد بن عبدالملك حدثنا عبيد الله بن شرحبيل حدثنا سليمان بن عطاء عن سلمة بن عبدالله عن عمه أبي مشجعة بن ربعي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ذكرنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال { إن الله لا يؤخر شيئا إذا جاء أجله وإنما زيادة العمر بالذرية الصالحة يرزقها الله العبد فيدعون له من بعده فيلحقه دعاؤهم في قبره فذلك زيادة العمر }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَىٰ ۖ لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ
    +/- -/+